الكتاب يناقش قضايا هامه حيث لاتزال الأحداث العربية تستدعي العالم للكثير من الحركة والتفكير. فالثورات العربية لا تزال تلح على المفكرين والسياسيين والأكاديميين بعدد هائل من الأسئلة. أحد هذه الأسئلة هو سؤال العدالة الدولية. ما هي علاقة العالم كمجموع دول ومؤسسات بما يجري فيه؟ أعني ما هي العلاقة التي يجب أن تحكم المنظمات الدولية والدول ذاتها تجاه ما يجري في دولة ما أو مكان ما؟ هل يتحمل العالم مسؤولية كل ما يجري على أرضه أم إن هناك شؤونا خاصة للدول لا يجوز لأحد التدخل فيها؟ ما هي القيم الأخلاقية التي يستند عليها التدخل إن قلنا بوجوبه؟ وإلى أي حد يفترض أن يكون هذا التدخل؟ الحالة الليبية اليوم تطرح هذا السؤال بقوّة. هل يحق للعالم كمنظمات أن يتدخل في الشؤون الليبية الخاصة؟ هل يسمح الضمير الإنساني لنا أن نرى مجزرة أو مجاعة في مكان ما من العالم ونقف مكتوفي الأيدي؟
هل للعدالة مفهوم واضح يمكن تمييزه عن بقية المفاهيم، ولماذا ارتبط مفهوم العدالة بالمساواة والحرية، ولماذا لم يتم اتخاذ موقف واضح حيال كل مفهوم حتى لا تختلط المفاهيم وتضيع؟ يرى كثيرون أن العدالة تظل مفهوماً مجرداً في عالم العقل لا يمكن تطبيقه في عالم الواقع؛ وأن ما يجري تطبيقه على مرّ العصور من عدالة اجتماعية وسياسية واقتصادية ما هي إلا محاولات يُقصد من ورائها الحفاظ على الحقوق التي أقرها القانون الطبيعي والأخلاقي. فما هي طبيعة العدالة وجوهرها وأشكالها؛ في هذا الكتاب الرحب، يطرح “أمارتيا سِن” مقاربة بديلة للنظريات السائدة في العدالة التي يقول إنها، بالرغم من إنجازاتها النوعية العديدة، سارت بنا على العموم في الاتجاه الخطأ.
يلحُّ “سِن” وهذا جوهر الرأي عنده، على دور النقاش العام في إقامة ما من شأنه أن يجعل المجتمعات أقل ظلماً. لكنه يحاجّ في أن النقاش العام للعدالة لا يتيح بطبيعته الإجابة على كل الأسئلة ولو نظرياً؛ فليس هناك تعريف واحد للمعقول بل تعريفات تُحتِّم علينا الاختيار؛ ومواقف عدة، مختلفة ومتنافسة، يمكن الدفاعُ عن كلٍّ منها دفاعاً مُقنعاً. وأن علينا ألا نرفض هكذا تعددية أو نحاول تقليصها خارج إطار الحوار، بل أن نستخدمها لبناء نظريةٍ في العدالة تستطيع استيعابَ الآراء المتباعدة على تباعدها.
وبين طيات الكتاب سوف نقرأ نقداً جوهرياً لمنهج راولز بالبحث عن “نموذج مثالي” transcendenta للمجتمع العادل، فجوهر العدالة عنده هو الإنصاف “العدالة كإنصاف” أي المعاملة المتساوية لجميع الأطراف بلا تمييز أو تحيز، أما “سِن” فيرى أن المشكلة الحقيقية التي نواجهها في الواقع هي “الظلم” وبالتالي الحاجة إلى معرفة كيفية القضاء عليه أو التخفيف منه. أي التركيز على مظاهر “الظلم” في المجتمعات المختلفة ومحاولة استئصالها ويؤكد “سِن” أن التعرف على مظاهر الظلم تتوقف على القيم السائدة والمصالح الغالبة فضلاً عن العادات المتأصلة في مختلف المجتمعات، كذلك احتل موضوع “الحرية” موضعاً هاماً عنده في تحديد مفهومه لفكرة العدالة، فتوفير الحريات العامة والسياسية للأفراد برأيه الخطوة الأولى لتحقيق العدالة، وهي تحقيق للمساواة أيضاً وبذلك نكون قد اعترفنا بإنسانية الإنسان، وهكذا يخلص “سِن” من تحليله المعمق هذا إلى القول بأن “الاقتراب من العدالة لا يتحقق إلا بالديمقراطية” أي الحكم من خلال الحوار. وسواء أكنا مع أنصار التفكير المثالي كما عند راولز، أو من أنصار المنهج المقارن مع “سِن” فإننا نعترف بأنه لا عدالة بدون حرية، وقديماً قال فقهاء المسلمين أن “العدل أساس الملك”، من هنا تنبع أهمية هذا الكتاب لما للأفكار والطروحات التي يحملها من تأثير في حركات الإصلاح السياسي السائدة في عالمنا الراهن من أهمية في تحقيق العدالة.
أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.