في الإرهاب والإرهاب الإلكتروني: التباسات المفهوم وتقاطع المقاربات

في الإرهاب والإرهاب الإلكتروني: التباسات المفهوم وتقاطع المقاربات

Terrorism and Cyberterrorism: Conceptual Ambiguities and Intersection of Approaches

Dr. Swilmi Muhammed

د. محمد سويلمي كلية الآداب والعلوم الإنسانية (سوسة، تونس)

Faculty of Arts and Humanities (Sousse, Tunisia)

 صدر في مجلة قضايا التطرف والجماعات المسلحة : العدد الأول أيار – مايو 2019

ملخص: ترمي هذه المقالة العلمية إلى استقصاء مفهومي الإرهاب والإرهاب الإلكتروني في دراسات الإرهاب ومكافحته باستعراض مختلف التصورات التي قدمت لهما وما شهدته من تعديلات ومراجعات، وما فيها من تناقضات واختلافات نجمت عن تباين السياقات والمنظورات. وهذه الالتباسات في الظاهرة ومفهومها عقدت كل محاولة لتقديم مقاربة موحدة الأدوات والأرضيات تمكن من تفهم الأسباب والتكتيكات والبيئات الحاضنة، وحتى تستوفي المقالة رهاناتها عمدنا إلى مقاربة منهجية وإجرائية تجمع بين أطوار ثلاثة: طور الاستعراض وفيه رصدنا أهم المفاهيم وأبرز المقاربات، وطور التحليل وفيه قمنا بتفكيكها وتمل خلفياتها ومميزاتها، وطور النقد وفيه أبنا وجوه الإضافة والجدة وأشرنا إلى مواطن القصور وجملة المأخذ. وقد يسر لنا هذا التمشي استبيان الأبعاد الإشكالية التي تكتنف مفهومي الإرهاب والإرهاب السيبراني وجملة الخلفيات السياسية والنظرية التي ولدت هذا الغموض والتداخل بالقدر الذي كشفت عن ثراء المقاربات وغناها وتعدد مناويلها. وهو ما يسهم في جعل ظاهرة الإرهاب قضية بحثية ومجالا معرفيا ينمي وعي الفاعلين المحليين والدوليين بمخاطرها وآثارها العملية والرمزية على السلم والعيش المشترك.

مقدمة:

لقد أسهمت موجة العولمة في السبعينيات في العبث بمعالم الحياة اليومية للبشر على اختلاف سياقاتهم ومجالاتهم، فقد عصف بالمناويل المحلية والعالمية واستقرار المؤسسات التقليدية وسكينة الأنساق الثقافية الراسخة، بما خلق أزمة في الهويات وأنظمة المعني التي ألفت نفسها في ديناميكيات متسارعة وتيارات متقاطعة، ولدت حركات اجتماعية جديدة NSMs استفادت من خلخلة المواضعات السياسية القديمة. فالحركات الاجتماعية الجديدة – والجهادية المسلحة واحدة منها – ما هي إلا

منتوجات ما بعد التصنيع ونشوء شكل جديد من سياسات ما بعد المائية” فضلا عن كونها الشكلا من السياسة المضادة للسياسة”. وحركات العنف السياسي المتطرف إن لم تكن ظاهرة استثنائية تاريخيا واجتماعيا، فإنها أعادت صوغ نفسها والاندماج في البيئات الاتصالية الحديثة والاستفادة من مرونة الحركة في البضائع والبشر والمعاني.

ووفرت العولمة بما أحدثته من تصدعات بنيوية في المعاني الثقافية بيئة للاستثمار الأيديولوجي وحافزا على اصطناع عدو مادي ورمزي يكفل انتظام الجماعات الإرهابية على تباينها، وتوحيدها في سرديات ثقافية غذاها السياق العولمي وما فيه من المظالم والمفارقات. فالتنظيمات الجهادية المعاصرة ما هي إلا حركة سياسية شأنها شأن الحركات المقاومة، ولا فرق إلا في انتهاج العنف وتطويع المقدس. فالتنظيمات الجهادية تعمل على تأطير الاحتجاج والعمل الجماعي في مصطلحات دينية قوية والإذعان لسلطة عليا والاستفادة من الأفكار ذات الأهمية الكبيرة ثقافيا … لإضفاء شرعية أقوى على أعمال العنف المرتكبة”..

لذا تحولت العولمة إلى بيئة تحفيز للجهادية المعاصرة في ترويجها لثقافة العنف وخلق تواصلية بين المؤمنين، وصهرها في رحم أمة أسطورية وتدويل الأزمات المحلية.

وقد عملت هذه التحولات على تضخيم منسوب العنف السياسي وتوسيع مسارحه المحلية والدولية، فكان أن ظهر مفهوم “الإرهاب” واستحوذ على كل الأدبيات وانقلب إلى مادة سجالية تشغل المختصين والجمهور على حد سواء. لكن الاستعمال واسع الانتشار لمصطلح الإرهاب في سياقات عدة جعل العبارة بلا معنى”. وهو ما يستدعي إعادة النظر في هذا المفهوم بتفهم خلفياته وتمثل مزالقه الدلالية والسياسية وما يعتريه من أعطاب ومغالطات أيديولوجية، خاصة بتحول هذا المصطلح من الفضاءات الواقعية إلى العالم الافتراضي أو السيبراني. ولعل ما عمق الحرج الفكري والعملي معا هو الحاجة إلى وضع مناويل لدراسة هذا التحول واستكناه بنيته ومؤثراته ووضع سبل للخلاص منه أو على الأقل تحجيم حضوره والتخف من أعبائه الجسيمة.

لهذا نروم الاشتغال على حد “الإرهاب” و”الإرهاب الإلكتروني” واستعراض المفاهيم التي قدمت الهما وما تستبطنه من خلفيات ومقاصد لنخلص إلى ضبط المقاربات التي اشتغلت على هذه الظاهرة، وسعت إلى تشريحها وتفكيك بناها الداخلية وروابطها السياقية والعميقة معا. فكان أن جمعنا في منهجنا بين الوصف في استعراض المفاهيم والمقاربات، ثم التحليل بتفكيكها وتمثل وجوه الاختلاف والائتلاف فيها، وانتهاء بنقدها وتقويمها من خلال الوقوف على مكاسبها ومواطن القصور فيها. وبناء عليه لنا أن نتساءل: ما هي المفاهيم التي كت للإرهاب والإرهاب الإلكتروني؟ وهل ما قدم من تمثلات يستوفي الظاهرة الإرهابية في مكوناتها وحيثياتها وآثارها أم هو مجرد إسقاطات أيديولوجية تنطوي على خلفيات سياسية وثقافية؟ ولمن يعود تنوع المقاربات التي عالجت ظاهرة الإرهاب: إلى الظاهرة نفسها وما فيها من تشابكات وتقاطعات أم المسألة مجرد تباين في الخلفيات والأدوات؟

أولا: الإرهاب بين فوضى المفهوم وتقاطع المقاربات كل مفهوم لغوي هو منتوج ثقافة محكومة بسياق تاريخي، ولها مواضع إنتاج معرفية ومواقع ممارسة السلطة على التمثلات وعلى إخراجها إلى حيز الفعل أي سوق التداول اللغوي. ومفهوم الإرهاب بهذا الاعتبار لا يعدو أن يكون اختيارا مقصودا صاغته قوى الإنتاج وإعادة الإنتاج، وهي القوى المعنية بالنظامين الاجتماعي والمعرفي بوصفه النظام الذي يدمجه البشر في تصوراتهم وممارساتهم ويتبادلونه بشكل جلي أو خفي، واع أو غير واع. هو بعبارة أدق استبطان العالم ومفاهيمه، ثم تصريف هذا الحشد المعرفي بواسطة قنوات ثقافية واجتماعية تستثمر اللغة. لهذا سننظر في حد الإرهاب لغة على النحو الذي أقرته المعاجم بما أنها مستودع التواطؤ الجمعي الذي ينمط التمثلات ويوحد المعاني ثم نعرج على جملة من المفاهيم التي قدمت للإرهاب وما شابها من مآخذ.. 1. الإرهاب والتباسات المفهوم تعود كلمة إرهاب Terrorism إلى الجذر اللاتيني Terrere بمعنى “التخويف” بما يتوافق أيضا مع مدلول المثل الصيني “اقتل واحدا يخف عشرة آلاف شخص”. ودلالة الجذر على هذا النحو تجعله قرين الخوف والرعب، فهو يحيل إلى “حمل أحدهم على الارتعاش من خلال فزع كبير”. وحتى معجم أكسفورد الإنجليزي OED عندما يعرف الإرهاب ينزاح عن المعنى الأصلي ليقدم استعراضا تاريخيا أو نماذج انتقائية، وكأن “هذه التعريفات غير مرضية كليا، فبدلا من معرفة ما هو الإرهاب يجد المرء في المقام الأول مشهدا تاريخيا إلى حد ما. ولا تنأي المعاجم العربية عن هذا النهج في التعريف، فالجذر “ر،ه ،ب” بمعنى “كاف” و”أرهبه واشتبه: أخاقة و اترقبه: توعده”.

غير أن هذا الحد اللغوي لا يحجب ما في اصطلاح الإرهاب من معضلات في الدلالة والتداول، فالعبارة ظلت عصية على الضبط وتتمتع أن تستقر على صورة دلالية مخصوصة تلقی الإجماع والاطمئنان لدى المشتغلين بهذا المجال. ويعود هذا الاستعصاء إلى تقلب العبارة التي تلبست بأكثر من معنى في تاريخ تداولها، إذ عالجها كل طرف بما يستجيب لمآربه المعلنة أو الخفية، ففي بعض العصور أشار الإرهاب إلى أداة تستخدمها الدولة وفي أوقات أخرى أشار إلى تكتيكات تستعملها تنظیمات ضد الدولة”.. بل إن التحيز الأيديولوجي في استثمار العبارة شرع لتداولها على نحو اعتباطي من فاعلين كثر ودفع بالمفهوم إلى بداهة خادعة أفقدته دلالته الحقيقية حتى أن ريتشاردسون .L Richardson يشير إلى أن “الاستعمال واسع النطاق لمصطلح الإرهاب في سياقات عدة جعل العبارة بلا معنى”.

واصطدم ضبط مفهوم جامع للإرهاب بعائقين أساسيين ثقافي ومؤسسي، فالتداول اليومي للعبارة بين الجمهور أفقدها كل رصانة أو دقة نظرية وحولها إلى ضرب من التقبل والاستخدام يزيدها التباسا، فالإرهاب هو من المصطلحات التي فعلت بطريقة خفية في حياتنا اليومية” لأن المعظم الناس فكرة غامضة عن ماهية الإرهاب ولكنهم يفتقرون إلى دقة أكثر وضوحا وإلى تحديد حقا”. أما المؤسسي فيصل بالفاعل الإعلامي الذي تداول مفهوم الإرهاب على نحو متعمد مفقدا إياه الصرامة والدقة الينطبق على حشد من الوقائع والأعمال المتباينة، فقد أسهمت وسائل الإعلام في مواضع كثيرة على تحريف المفهوم لما “أدت جهودها إلى إيصال رسالة معقدة في كثير من الأحيان في أقصر فترة ممكنة … وإلى وضع وصف متداخل المجموعة من أعمال العنف على أنها إرهاب. وبهذا فإن تقبل مفهوم الإرهاب وتداوله هما اللذان عمقا فوضى المصطلح وكتفا مساحة الالتباس فيه.

لكن ما ضاعف البعد الهلامي في مصطلح الإرهاب هو حالة التنازع والمفاوضة بين المتدخلين في العملية، فالعبارة ترتحل من سياق سياسي إلى آخر حسب موقع الفاعل السياسي وقدرته على استثمار مغانم المصطلح، الففي بعض الأزمنة أشار الإرهاب إلى أداة تستعملها الدولة بينما في أوقات أخرى أحال إلى التكتيكات التي تستخدمها تنظيمات ما ضد الدولة”. وهذا التقلب في استخدام العبارة ينسحب على المنخرطين في الحدث الإرهابي نفسه، فالسلطة الحاكمة ترى في الإرهاب نشاطا عنيفا يستحق الإدانة والازدراء والمعاقبة بينما يذهب القائمون به إلى امتداحه والثناء على أنفسهم بما يحول الفعل الإرهابي إلى فعل ثوري وتحرري. فهم يصفون أنفسهم بحالات أكثر ملاءمة مثل المقاتلين من أجل الحرية أو المحررين” و”يعتبرون أنفسهم ضحايا مدفوعين إلى أعمال العنف نتيجة للإجراءات القمعية للحكومة أو مجموعات تابعة لها”.

أما من ناحية أخرى فقد أسهمت الإكراهات السياسية في تعميق فوضى مصطلح الإرهاب الذي تحول إلى مغنم أيديولوجي يوفر للماسكين بزمامه منافع جمة، وهو ما جعله “المصطلح الأكثر تسييسا في الاصطلاحات اليومية الشائعة هذه الأيام”. فعبارة الإرهاب ذات شحنة مفعمة بالسلبية الأخلاقية والدينية التي تحولها إلى ألة فاعلة ومرنة في استهداف الخصوم والمخالفين أيا يكن موقعهم ونشاطهم مما يفقدها نصيبا كبيرا من الحيادية والموضوعية، فالمصطلح وهو ينتشر في الأدبيات السياسية والإعلامية يستعمل أيضا بوصفه اصطلاحا سياسيا ازدرائيا لغاية الوسم”. وبذلك فقد مصطلح الإرهاب كونه المفهومي الثابت بما أنه تحول إلى آلية تلاعب وإيهام تحجب أكثر مما تكشف وتضمر مقاصد أكثر مما تظهر من حقائق خاصة باستحواذ قوي الهيمنة السياسية على مسالك الدلالة ومواصفاتها، فالأنظمة السياسية التقدم تعريفات لكنها غالبا ما تخدم بها نفسها” عندما يعرف معارضوا الحكومة بأنهم إرهابيون بينما لا يستجيب حلفاء هذه الحكومة غير النظاميين للمعايير التعريفية بوصفهم إرهابيين

وكثيرا ما أفصح تاريخ المصطلح عن هذا الاستثمار السياسي لعبارة الإرهاب حسب ما تقتضيه السياقات وحيثياتها، فالحكومة الأمريكية على سبيل المثال قمت في العشرية الأولى من الألفية الثالثة عشرة تعريفات للإرهاب، بعد أن كانت الإدارة الأمريكية قد صگت نحو عشرين مفهوما للإرهاب بين سنتي 1982 – 1984 وغيرت في تفاصيل المصطلح ومكوناته سبع مرات متتالية. ويكفي أن نتفحص الخطابات السياسية المتوترة بين الولايات المتحدة والنظام الكوبي حتى نكتشف عمق الانحرافات السياسية في استخدام هذا المصطلح، فهو يطلق على معارضي النظام الشيوعي في كوبا ومناصرية على حد سواء، ولا اختلاف إلا في الجهة التي أطلقت التسمية ووسمت بها جماعة سياسية مخصوصة في سياق الحرب السياسية بين النظامين).

لا يقتصر التباين بين المتدخلين في مصطلح الإرهاب على الفاعلين السياسيين المباشرين فحسب، بل يشمل الجمهور المرتبط بالحدث الإرهابي من المتعاطفين والغاضبين معا. فالمتعاطفون يمتدحون هذا النشاط الإرهابي ويصبغون عليه الثناء مما ينزع عنه كل دلالة تحقيرية أو ازدرائية لأن هؤلاء الذين يتعاطفون مع المجموعة الإرهابية وقضيتها سيجدون مؤشرات أقل سلبية لوصف المجموعة وطبيعة أنشطتها”، على خلاف الرافضين لهذه الأنشطة. فهم يدينون العمل الإرهابي ويعدونه خللا فكريا وأخلاقيا وخطيئة سياسية تستوجب الوصم والاقتصاص لأن “من يشيرون إلى ضحايا عمل إرهابي يحيلون بشكل عام إلى الفعل على أنه إرهاب وإلى مرتكبيه على أنهم إرهابيون”.. ألا يعني هذا أن مفهوم الإرهاب حقيقة مغيبة تلاعبت بها قوى نافذة محليا وعالميا وأجرتها على نحو مخادع ينطوي على تمويه ومغالطة؟

يقدم كل من ج. لوتز . LutzG وب. لوتز B . Lutz احترازا إجرائيا حاسما على التعريفات الرائجة والسائدة، فهي تفتقر إلى الوضوح والدقة والبساطة وتعمد إلى تخير مفاهيم مركبة ومتداخلة تنطوي على مزالق نظرية وعملية، ففي تصورهما ليس من المستغرب أن يكون هناك العديد من التعريفات المقدمة للإرهاب، والعديد من التعريفات معقد للغاية أو يحوي جملة من العناصر”. ويسمح تعقيد المفهوم بضرب من التعميم والمغالطة يلغي الحدود بين العناصر التي تنتمي فعلا إلى الحدث الإرهابي وتلك التي لا صلة لها، فإدماج مكونات شتى متداخلة يوقر بيئة مناسبة لاستثمار المفهوم سياسيا من كل الفاعلين، فمع هذا التعريف المعقد أو الشامل يمكن للإرهاب أن يشمل الأفراد أو الجماعات أو الدول ويمكن أن تكون الهجمات عشوائية أو انتقائية ويمكن أن يكون الترهيب أو الدعاية هو الهدف والأهداف نفسها قد تكون غريبة أو سياسية أو جنائية”

ورغم أن مفهوم الإرهاب قد ظهر إبان الثورة الفرنسية على يد روبسبيير .Robespiere M إلا أنه قد استخدم بادئ الأمر لنعت المعارضين للثورة الفرنسية ثم ما فتئ أن صار يطلق على قادة الثورة وحكومتها التي مارست أعمال التصفية والقتل الجماعي. وهذا يحول الإرهاب إلى مفهوم تاريخي ارتحل في مسارات متقلبة وكان عرضة لتراكمات سياسية وإكراهات أيديولوجية تجعله حاملا لآثار تلك الأطوار وأصدائها، فالإرهاب بهذا ليس مفهوما واحدا متجانسا بل مفاهيم تتعاقب وتتناسل وممارسات تختلف وتتجدد وتتراكم، حيث “مورس الإرهاب بأشكاله المختلفة عبر التاريخ وعبر طائفة واسعة من الأيديولوجيات السياسية وهناك العديد من التعريفات الكلمة الإرهاب مثلما توجد طرق لتنفيذه، والمصطلح يعني أشياء مختلفة الأشخاص مختلفين”. لذلك لم ينحصر الإرهاب في بعده الديني فقط كطائفة السيخ في الهند، والحقيقة السامية في اليابان، بل يشمل أبعادا أخرى إثنية وعرقية كإرهاب منظمة كوكلوکس کلان Kuklux Klan الأمريكية، أو سياسية انفصالية كالقوميين الباسكيين في إسبانيا؟

وازداد غموض مصطلح الإرهاب بتنوع الفاعلين السياسيين الذين اختط كل منهم لنفسه مسارا في نحت مفهوم أو عدد غير محدود من المفاهيم، فالهيئات الدولية كان لها نصيب وفير في اجتراح المفاهيم كعصبة الأمم المتحدة عام 1937 لتعيد تحويره في مناسبات عدة آخرها في 2001. أما المنظمات الإقليمية كالاتحاد الأوروبي فقد نحت لنفسه مفهومين جديدين ومتعاقبين في 2001 – 2002 في تفاعل مع أحداث 11 سبتمبر، على خلاف تجمعات أخرى تأخرت في الاهتمام بمصطلح بمصطلح الإرهاب، ولم تقدم مفهومها إلا في نهاية الألفية الثانية كالجامعة العربية في 1998، والاتحاد الأفريقي ومنظمة المؤتمر الإسلامي في 1999. لكن أكثر الجهات انشغالا بهذا الأمر كانت كانت أجهزة الإدارة الأمريكية كمكتب التحقيقات الفيدرالي الذي قدم مفهومين واحدا في 1976 وأخر في 1986، إضافة إلى مفاهيم أخرى في مطلع الألفين بما يظهر أن الخلفية السياسية كانت حاسمة في تخير المفاهيم وتنوع الفاعلين وتداخل رؤاهم. 2. في تقاطع المقاربات

بما أن المفاهيم التي اجترحها الباحثون للإرهاب تخترقها هنات جمة ومزالق عدة تزيد من تناقضات المفهوم ومفارقاته، فإن ذلك سينعكس على المقاربات التي سعت إلى الإحاطة بظاهرة الإرهاب وتفكيك مكوناتها وفهم كيفيات اشتغاله فكرا وممارسة. لهذا اخترنا أربعا من المقاربات: أولى تاريخية تقوم على عمل أركيولوجي يتبع مصطلح الجهاد من النصوص التأسيسية الأولى كالقرآن والحديث ليتقصی رحلته في المتون الفقهية والتفسيرية وصولا إلى التأويلات الحديثة مع المودودي وسيد قطب والظواهري وعبد الله عزام. وثانية سياسية تهتم بالمفاهيم الجهادية وطرائق نحتها وسياقات ظهورها في علاقة بالمؤثرات المحلية والإقليمية والدولية. أما الثالثة فهي المقاربة السوسيولوجية التي تعالج المحاضن الاجتماعية والمؤثرات الثقافية التي خلقت الظاهرة الإرهابية وساعدته في التجر والتمتد والديمومة. بينما اتخذت الرابعة منحى ثقافيا درست من خلاله دور مفاهیم كالهوية والأمة المتخيلة والسرديات في تغذية العنف السياسي وتحويل الإرهاب إلى ظاهرة عالمية في البيئات الغربية.

لقد فصلت المقاربة التاريخية بين أطوار ثلاثة في تشكيل مفهوم الجهاد ونحت معالمه، فالطور الأول يتصل بالعبارة القرآنية التي تحقها ملابسات وتحتضنها حيثيات هي أسباب النزول. لكن التأويلية الجهادية تنتزع النصوص من مهاداتها وتجتها من أكوانها الدلالية الأولى لتعيد شحنها بالمعنی الأيديولوجي، فالجهاديون في كثير من الأحيان أعادوا تفسير النصوص وتحریف معناها الأصلي”

على غرار کلمات كالمشركين والوثنيين التي أسقطت على الغربيين عموما. أما الطور الثاني فمجهود فمجهود الفقهاء والمفسرين الذين ضبطوا مفهوم الجهاد ووضعوا له شروطا ومحاذير تقننه، بينما كان الطور الثالث وهو الأخطر موصولا بطائفة من المفكرين الدينيين محمد بن عبد الوهاب، وسيد قطب، ومحمد عبد السلام فرج صاحب كتاب “الفريضة الغائبة”، وعبد الله عزام الأب الروحي للجهاد الأفغاني، الذين حولوا مفهوم الجهاد إلى حرب كونية شاملة من خلال إزاحة جميع الحكومات والمؤسسات الدينية والثقافات الأخرى التي قد تعترضهم في طريقهم”.

تكمن أصالة هذه المقاربة في بيان المغالطات التأويلية بتتبع رحلة الجهاد في التاريخ وفهم الكيفية التي عبثت بها أهواء بعض المسلمين. فالتأويلات الجهادية لا تفتأ تذلل النص لمآربها وتستقوي على معانيه لإخضاع العبارة القرآنية لاحتياجات أيديولوجية حتى إن التأويل الجهادي يشرع للعمليات الانتحارية ويجادل بأن العديد مما يسمى خسائر المسلمين البشرية هم مرتدون حقا وزنادقة يستحقون القتل”. بل إن هذه المقاربة التاريخية لعبارة الجهاد كشفت المفارقة الجوهرية بين منطوق النص القرآني القرآني ومفهوم الجهاديين الذين وسعوا مفهوم التكفير وعمموها بأن سلبوه كل معيار أو اشتراط أو استثناء أو احتراز ، فقد أصبحت هذه المفاهيم جنبا إلى جنب مع الولاء والبراء تسمح بإراقة دماء أولئك الذين يعتبرون مسلمين علاوة على الذين لا يمكن إراقة دمائهم وفقا للقرآن”.

أما المقاربة السياسية فقد ركزت على دلالات المفاهيم الجديدة وتعاقبها وتبادلها كالعدو القريب والعدو البعيد اللذين هيمنا على الأدبيات الجهادية في تسعينات القرن الماضي والعقد الأول من الألفية الثالثة. فحرب الخليج الثانية في 1991 وما تلاه من تمرکز دائم للقوات الأمريكية في المملكة العربية السعودية وقبلها سقوط الاتحاد السوفياتي والمعسكر الشرقي وما سبقه من تجربة الجهاد الأفغاني كلها عوامل سیاسية فعلت في الجهادية المعاصرة وعززتها. وتركز هذه المقاربة على محورية التجربة الأفغانية التي كسرت مفاهيم الحواجز المجالية والانتماءات الوطنية، وخلقت مفهوم الأمة الافتراضية التي توحدها هوية مصطنعة، وأوجدت جيلا انتقل إلى مسارح جهادية أخرى في البوسنة والهرسك والشيشان والفلبين وكشمير وإريتريا والصومال وبورما وطاجيكستان، فهذا الجيل الذي حصل على طعم الحرية والانتصار العسكري” جسد اجتماع الرجال المسلمين من مختلف الخلفيات الوطنية والاجتماعية في ساحة المعركة وسفك الدماء للدفاع عن المجتمع المتخيل”.

لكن هذه المقاربة تركز على دور الاحتضان السياسي في تعزيز الجهادية المعاصرة، فالعنف السياسي المقدس الذي تحول إلى حالة عالمية تغزو كل المجالات والفضاءات ما كان ليكون لولا الدعم المالي والفقهي والسياسي السعودي، حيث لعب السعوديون دورا حيويا في قافلة الجهاد العابرة للحدود قادة وناشطين كبارا” وكان الجزء الأكبر من المال سعوديا” وقدم رجال الدين والعلماء السعوديون المبرر العقدي لهذه الحركة الكبيرة للهجرة من الرجال والموارد إلى العديد من أركان العالم. فهذه الأرضيات السياسية هي التي وطدت دعائم الإرهاب وأفسحت له مجال الانتشار، وقدمت له مقومات الشرعية والحياة وحولته إلى ظاهرة عابرة للمجالات بمسمى “العدو البعيد”، وهو الغرب عموما بعد أن كان مسجونا في بيئاته المحلية أين يوجد العدو القريب”.

إذا كانت المقاربتان التاريخية والسياسية تركان على بعد مخصوص في دراسة الإرهاب وتفهمه، فإن المقاربة السوسيولوجية نحت إلى الجمع بين متغيرات عدة ودمجها في منظور واحد ينل الظاهرة في إطارها ويستكشف كل التفاعلات الممكنة بينها. وتنطلق هذه المقاربة من التسليم بأن الجهادية حركة سياسية واجتماعية لا تختلف في شيء عن غيرها من الحركات في الحراك وترميز أنشطتها وفلسفة التغيير ومقاومة السائد السياسي والاجتماعي، فهي “منظمة من خلال شبكة من التفاعلات بين أغلبية الناشطين والتنظيمات المنخرطة في صراعات سياسية وثقافية على حد سواء على أساس الهويات الإسلامية والراديكالية”، وتنخرط في أعمال رمزية مباشرة موصولة بأيديولوجيا دينية قوية ومتبناة”. وتصل هذه المقاربة بين الإرهاب عنفا سياسيا ممارسا من قبل التنظيمات الجهادية من جهة، والإكراهات الاجتماعية والسياسية من جهة أخرى. وتعتبر أن كل نشاط إرهابي علامة على خلل مجتمعي لأن “القيود الهيكلية الكبيرة” تقود إلى استخدام موارد الفعل الجمعية العنيف.

وتؤسس هذه المقاربة تفسيرها للعنف الفردي والجمعي أي إرهاب التنظيمات الجهادية على تعاظم المظالم وارتفاع منسوب السخط الاجتماعي لدى طائفة واسعة من المسلمين في سياقات مختلفة وحدهم في توحي العنف منهجا في الفعل، فالقاعدة استثمرت احتقان المسلمين وفعلت ذخيرتهم الرمزية وانتهجت طريقة بارعة في أهدافها الإرهابية ورسائلها الدعائية ما دامت “تستخدم أعمال العنف المباشر ضد أهداف مختارة بعناية لنقل رسالة تعكس تفسيرها للإسلام الراديكالي”. وبقدر ما تطمح هذه التنظيمات الجهادية إلى فرض سرديات ثقافية مخصوصة وإعادة تشكيل العلاقات الاجتماعية من منظور مغلق فإن تواتر العنف واستدامة الأنشطة الإرهابية يفرض تحديات مجتمعية هائلة إزاء “القبول الشعبي لهذه التفسيرات”، والخوف الاجتماعي المتصاعد والمخاطر المتصورة التي تخلقها هذه الأعمال” في آن معا لأن “الدول الوطنية والمجتمعات المدنية غير جاهزة لحماية أفرادها منه”.

ولعل المقاربة الثقافية للظاهرة الإرهابية لا تختلف عن مثيلتها الاجتماعية إلا في التركيز على الرمزي الجمعي وما ينطوي عليه من حس مشترك في علاقة بالبيئات المعاصرة، فالجهادية الغربية أفلحت في تحويل هذه السرديات الثقافية كالخصوصية والأصالة والهوية والأمة إلى مادة اتصالية تمثلها صور وأيقونات وخطب ومقاطع فيلمية. والصور التي تروجها التنظيمات الجهادية قادرة على خلق حسن الانتماء وإذابة الفروق الواقعية الحقيقية، وتجميع الكل في سردية موحدة هي الأمة المفقودة / المنشودة، فالصور تساعد على خلق شعور بالانتماء إلى جماعة تكون حياتهم متباينة ومتمايزة”، وهو ما يسمح للمستهلكين باستيعاب أنفسهم والآخرين في سردية موجودة سلفا أو نامية”.1 وبهذا فالمشترك الثقافي هو ما سهل اندماج مسلمي الشتات في الدول الغربية في التنظيمات الإرهابية، والانخراط في أعمال العنف لأنهم أخفقوا في الشعور بالانتماء إلى مجتمعاتهم الجديدة وعانوا الافتقار إلى نظام متماسك من المعاني.

وحتي يكتسي الإرهاب مشروعيته ونجاعته فلا بد له من بناء متخيل سياسي يوكد هذا المختلف بين المؤمنين في الغرب وفي دول المصدر، لكن المتخيل لا يشتغل لوحده بل تلزمه محفزات مثلتها وسائل الإعلام وتكنولوجيا المعلومات التي نقلت مظالم المسلمين في أفغانستان والعراق والفلبين وكشمير وكأنها “نواقل للاجتثاث والترحيل” تسهم في إنتاج متخيل سياسي”. وتمثل جماعة “هوفستاد” Hofstad الهولندية مثالا على ذلك، فهم من الجيل الثاني من المهاجرين المغاربة لا يتقنون اللغة العربية ونفذوا عملية اغتيال للمخرج فان غوخ Van Gogh بتأثير من هذا المتخيل السياسي. لذلك فالعولمة بتقنياتها وأنماط تواصلها ومرونة تفاعلاتها مگنت لهذه السرديات من أن تتحول إلى أداة لخلق کیان مشترك هو الأمة حلما أيديولوجيا يراود كل المسلمين ويمكن اختلاقه في أي خطاب جهادي بالقدر الذي يمكن أن يتحول إلى قوة دافعة ومؤثرة لأن المجتمع الافتراضي لم يعد مرتبطا بأية أمة، وهو شرط يتوافق والأمة الأسطورية السلفية .

ثانيا: الإرهاب الإلكتروني السيبراني بين تداخل المفهوم وتنوع المقاربات

كان للعولمة المعاصرة أثر عميق ومباشر في دك الحصون الجغرافية وبعثرة الأنساق الثقافية المغلقة وإعادة بناء الجماعات والهويات الاجتماعية بما أدمج المحليات على تنوعها وتباينها في بيئة عالمية مضغوطة بإيقاع متسارع في شبكة كثيفة. فنشأت أنماط مستجدة من التبادلات الاقتصادية والثقافية تحتضنها بنية اتصالية ومعلوماتية تزداد تشابكا مما خلق ما يسمى المجتمع الشبكي الذي تتكون بنيته الاجتماعية من الشبكات التي تعمل بتكنولوجيات المعلومات والاتصال القائمة على الإلكترونيات الدقيقة”. وتسمح هذه الشبكات الاقتصادية والثقافية والاتصالية بزيادة التدفقات وإزاحة الحواجز وإدماج البشر في كل متحرك ومضغوط لأنها تتسم بسمات ثلاث هي: المرونة التي تسمح بإعادة التشكل حسب البيئات المتغيرة مع الحفاظ على أهدافها أثناء تغيير مكوناتها”، وقابلية التوسع التي تسمح للشبكات أن توسع في الحجم أو تقلصه مع اضطراب قليل”، والديمومة بما أنه ليس لها مركز ويمكن أن تشغل في مجموعة واسعة من التشكيلات”.

وهذا ما ولد ظاهرتين متعاضدتين: عبر الوطنية ومجتمع المعلومات والاتصالات، فعبر الوطنية لا تشمل البضائع والأفراد فقط بل الحركات السياسية التي أعادت التموقع في المجتمع الشبكي وعبرت كل الحواجز الجغرافية والسياسية والثقافية. أما مجتمع الاتصالات والمعلومات فتجده الإنترنت خير تجسيد في قدرتها على الفورية والتدقق والتكلفة والنفاذ، و”هذا بسبب تكنولوجيا المعلومات والاتصالات المتاحة التي يمكن للمجتمع الشبكي نفسه أن ينشرها كليا متعاليا على الحدود التاريخية للشبكات كأشكال للتنظيم والتفاعل الاجتماعيين”.

في هذا الإطار يمكن لنا أن ننل مفهوم الإرهاب السيبراني أو ما يسمى أيضا الإرهاب الإلكتروني أو الإرهاب الافتراضي بوصفه إعادة إنتاج العنف سياسي بنفس السرديات الثقافية القديمة، ولكن في بيئة اتصالية شكلته ووجهته لأن “الإقرار بأهمية الاتصال يسمح بفهم الكيفية التي تتشكل بها الهويات وكيف يأتي الناس لتبادل قضية سياسية والاحتشاد حولها. لهذا سننظر في مفهوم الإرهاب السيبراني بتمثل تداخل التعاريف التي قدمت له، لنخلص إلى تفهم أهم المقاربات التي عالجته منتهين إلى تقديم مفهوم بديل يستوعب الظاهرة وتعقيدها.

  1. أي مفهوم للإرهاب الإلكتروني؟

تعود جذور مصطلح الإرهاب السيبراني أو الإلكتروني إلى الثمانينات وتحديدا إلى الباحث كولنB . Collin المختص في شؤون الأمن والوقاية المعلوماتية، وقد أعاد النظر في المصطلح في سنة 1997 عندما قدم نماذج افتراضية لسيناريوهات هجمات سيبرانية. ويذهب كثير من المحللين إلى ارتباط المفهوم بتحولات بنيوية متت المجال العالمي وقع حصرها في عاملين: الأول انهيار الاتحاد السوفياتي ومنظومته الاشتراكية، فقد أدى ذلك إلى ظهور أنواع جديدة من المخاطر” ترتبط ب “تهديدات الأمن السيبراني مثل الحرب السيبرانية والتجسس الإلكتروني والجريمة السيبرانية وبالطبع الإرهاب السيبراني”.. أما الثاني فيتصل بالإنترنت نفسها التي عمقت حشدا من المخاوف “بين الخبراء الأمنيين والنخب السياسية مما جعل البعض يستخلص أن إرهابي الغد قد يكون قادرا على إلحاق ضرر أكبر بلوحة مفاتيح أكثر من قنبلة”. لذا تحول الإرهاب الإلكتروني إلى مصطلح شائع ورائج لا يخلو منه خطاب سياسي أو إعلامي حتى إن إحدى الدراسات أحصت 31300 مقال صحفي وعلمي صدر في الموضوع إلى موفى نوفمبر 2012.

وتعود أقدم التعريفات إلى ما قدمه مكتب التحقيقات الفيدرالية الأمريكي FBI سنة 1997 عندما عرف الإرهاب السيبراني بأنه “الهجوم المتعمد ذو الدوافع السياسية ضد المعلومات وأنظمة الكمبيوتر وبرامج الكمبيوتر والبيانات الذي ينتج عنه العنف المسلط على أهداف غير قتالية”. لكن التعريف يفتقر إلى نظرة شمولية إلى عالم الاتصالات وآثار الإرهاب السيبراني على الاقتصاد والبيئة مثلا. وهو ما دفع مكتب التحقيقات مجددا في 2004 إلى إعادة النظر في المفهوم وتدارك ما شابه من مأخذ، فقدمت التعريف التالي “هو عمل إجرامي يحضر باستخدام الحواسيب والقدرات الاتصالية السلكية واللاسلكية مما يؤدي إلى العنف والتدمير و/أو تعطيل الخدمات حيث يكون الغرض المقصود هو خلق الخوف بالتسبب في الارتباك وعدم اليقين داخل مجموعة سكانية معينة بهدف التأثير على الحكومة أو السكان للاستجابة لأجندة سياسية أو اجتماعية أو أيديولوجية معينة.

لكن حالة التخبط وتقلب المفهوم لم تشمل مؤسسات الإدارة الأمريكية المعنية أكثر بالإرهاب السيبراني فحسب، بل عمت الباحثين المختصين أنفسهم فباحث مثل دوروثي دينينغ . DenningD  راجع مفهومه الذي اقترحه في سنة 2000 عندما عرف الإرهاب الإلكتروني أول مرة بأنه “هجوم ينجم عنه عنف ضد أشخاص أو ممتلكات أو على الأقل يسبب ما يكفي من الضرر لتوليد الخوف”، ليعدله ثانية في 2001 بأن اعتبره “هجمات غير مشروعة وتهديدات بالهجوم على أجهزة الكمبيوتر والشبكات والمعلومات المخزنة فيها عند القيام بها لتخويف الحكومة أو شعبها أو إجبارها لتحقيق أهداف سياسية أو اجتماعية. وهو تقلب مفهومي له ما يبرره، لأن جدة الموضوع أولا وتنوع المنظورات ثانيا خلقا هذا الارتباك النظري إذ يوجد اتنوع كبير في فهم الإرهاب السيبراني”، وهذا اله انعكاسات حقيقية على التفكير في مجموعة الأنشطة التي يمكن دمجها في إطار هذا المفهوم”.

ولم تسهم التعريفات التي قدمت لاحقا في ضبط المفهوم وإزاحة الالتباس عنه، بل عملت على مراجعة نفس التعريف وتلافي نواقصة وتمتين تماسكه الدلالي، فالمجلس الأوروبي في سنة 2002 صك لنفسه مفهوما خاصا تعمد فيه بلوغ الكمال والإحاطة بالظاهرة، فعرف الإرهاب السيبراني بأنه التهديد بأعمال عنف حقيقية أو التحضير لها أو ارتكابها لأسباب أيديولوجية ضد أشخاص أو أطراف أخرى لإلحاق ضرر بالممتلكات، يمكن أن يؤدي إلى اضطراب اجتماعي بهدف إحداث تغيير اجتماعي أو خلق مناخ من الخوف بين جمهور الناس أو التأثير على صناعة القرار السياسي”. غير أن هذا المفهوم رغم حرصه على الدقة واستيفاء مختلف الجوانب يتغاضى عن طبيعة العالم الرقمي وما فيه من غنى وتشابك تجعل من العسير حصر وجوه حضوره في حدث الإرهاب الإلكتروني نظرا إلى الطرق التي لا تعد ولا تحصى التي قد يكون العالم الرقمي ماثلا فيها في الهجوم يصبح السؤال ما عددها؟ ما هذه الارتباطات الضرورية لتسمية مثل هذا الحدث إرهابا سيبرانيا؟”.

وبما أن الإرهاب السيبراني موصول بالعوالم الاتصالية الرقمية فإن ذلك يضع الإنترنت في موضع الاهتمام ولكن بأي معنى ودلالة؟ تذهب بعض التعريفات إلى اعتبار الإنترنت هدفا للعمل الإرهابي ومجالا يتم استهدافه بينما ترى تعريفات أخرى أن الإنترنت مجرد أداة أو وسيط افتراضي پيشر هذه الأنشطة الإرهابية، فهذه المفاهيم لم تحدد هوية الإنترنت وموقعها ووظيفتها بل اكتفت باعتبارها مكونا لا غير. وبهذا تلتبس صورة الإنترنت وحقيقتها في هذه التعريفات ويقع “الجمع بين الفضاء السيبراني هدفا ممكنا، وسلاحا يستخدمه الإرهابيون والجماعة الإرهابية لخدمات السلع الاتصالية التي نستعملها جميعا”. فالإنترنت التي كانت هدفا إرهابيا يمكنها أن تتحول إلى فضاء لا تبادل المعلومات العالمية والتخطيط وجمع الأموال”، و”الدعاية المجتمعية والتجنيد والعمليات المعلوماتية للتأثير في الرأي العام، وكأنما غموض موقع الإنترنت ودورها يزيد مفهوم الإرهاب السيبراني التباسا وتعقيدا.

وقد أسهم متغير أساسي في تحريف مفهوم الإرهاب السيبراني وإحاطته بهالة من الإثارة الجوفاء وهو العامل الإعلامي في تعامل هذه الدوائر مع الوقائع أو المخاوف أو الافتراضات، حيث نشأ نوع من “الغلو الإعلامي الذي مارس “دور التضليل المضطرب عن الإرهاب السيبراني”. فوسائل الإعلام التي تشترك مع الرأي العام في قلة الفهم للتكنولوجيا الرقمية الحديثة سؤقت لتصورات مرتبكة ومغلوطة عن الإرهاب الإلكتروني وحولت بعض الوقائع المعزولة والعرضية إلى حدث اصالي خالقة ضجة إعلامية هؤلت هذا المفهوم وشوهته في تناغم مع أصوات وخطابات أخرى مشابهة سياسية وأمنية، عندما أضافت وسائل الإعلام صوتها إلى جوقة المخيفين مع عناوين الصحف الأولى المخيفة” على حد تصور وايمان weimann.

رغم تواتر تعريفات الإرهاب السيبراني وكثافتها فإن ذلك لم يفلح في وضع حدود فاصلة بين ما يجب إدراجه ضمن الإرهاب الإلكتروني وما ينبغي إقصاؤه من دائرة المفهوم، فهجمات القرصنةHacktivism والمتسللين Hackers ينتفي عنها الباعث السياسي والأيديولوجي بما يجعل صفة الإرهاب الاغية في حقه كاقتناص كلمات العبور أو الاحتيال على البطاقات البنكية أو حتى إغراق وزارة العدل الأمريكية ومكتب التحقيقات الفيدرالي بالرسائل من قبل مجموعات “مجهولي الهوية”. فقد أشار كونوايConway إلى أنه لا ينبغي تصور هؤلاء المتطرفين على أنهم إرهابيون ولكنهم ورثة مؤذون لأولئك الذين يستخدمون تكتيكات التعدي والحصار في مجال الاحتجاج في العالم الحقيقي”. فهذه الأنشطة التي درج عادة ضمن الجريمة السيبرانية قد تتطور في كثافتها ومفاعيلها السلبية بما يجعلها خطرا محدقا بعالم الإنترنت وتكنولوجيا الاتصال، وليست مجرد أعمال قرصنة وتسلل مما يدعو إلى إعادة النظر في مفهوم الإرهاب السيبراني نفسه، فهناك احتمال أن تصبح هذه الاحتجاجات عبر الإنترنت أكثر جدية إلى درجة أنه ينبغي تصنيفها على أنها إرهابية إلكترونية”.

وكثيرا ما تسع دائرة الإرهاب الإلكتروني لتحوي ألوانا من الأعمال التي لا تتجانس فيما بينها ولا تتقارب، فبعضها يرتبط بهجمات تخريبية تستهدف الشبكة الإلكترونية دون أن يكون لها دافع سياسي أو مغنم اجتماعي كالجرائم المالية أو اختراق سرية المعلومات وخصوصية الحواسيب كفيروس مليسا Milissa الذي استهدف مليون جهاز كمبيوتر سنة 1999، وتسبب في خسائر بقيمة مليون دولار أو فيروس الحب “I Love You” الذي خلف خسائر بأكثر من 10 مليارات دولار في ماي 12000. لكن هذه الأنشطة تترافق وأعمالا أخرى تتبناها جماعات أو جهات حكومية كهجمات نمور التاميل في سريلانكا التي أغرقت العالم برسائل البريد الإلكتروني في 1998 أو هجمات الجيش السوري الإلكتروني” التي أطلقها النظام السوري واستهدفت مواقع المعارضة المسلحة والسلمية في 2014. بل نشأ ضرب جديد من الهجمات السيبرانية أربك المختصين في تصنيفه، وتقف وراءه دول وتتخذه واجهة حربية أخرى، إذ يمكن وصف الهجمات السيبرانية بين الدول التي استخدمت جنبا إلى جنب مع الهجمات العسكرية التقليدية مثل الهجمات التي أطلقتها روسيا ضد جورجيا في أزمة 2008 بأنها حرب سيبرانية بدلا من كونها إرهابا سيبرانيا”.

رغم شیوع مصطلح الإرهاب الإلكتروني وتواتره في الأدبيات الإعلامية والسياسية والأكاديمية فإنه ظل هلاميا، يفتقر إلى حدود معلومة ومضبوطة يلتبس بكثير من الأنشطة وخاصة ما تعلق بالجريمة السيبرانية كالاحتيال المالي، واختراق سرية الأجهزة، والسطو على الأسرار الصناعية للشركات الكبرى، والتحكم في النظم المعلوماتية. وهذا يدعو إلى البحث عن مقاربات ناجعة في تمثل الإرهاب الإلكتروني وتدبر خصائصه وأدواته، لأن “مهمة تحديد معنى الإرهاب السيبراني صعبة للغاية ولذلك يمكن مقاربته من مجموعة متنوعة من الزوايا”. فالبحث في المقاربات يمكن من الإحاطة بالظاهرة واستكشاف حقائقها المكنونة، ويوفر فرصة لضبط تعريف موحد وجامع يلغي الاختلافات والسجالات لضمان نجاعة أعمق وأشمل، فما هو ضروري هو توفير تعریف عملي ومحايد قدر الإمكان، وما هو ضروري أيضا هو قراءة حرص الآخرين وتقويم كيفية استخدامهم لهذه الكلمة”.

  1. مقاربات الإرهاب الإلكتروني وتشابك المنظورات

لقد تمت مقاربات جمة في قراءة ظاهرة الإرهاب الإلكتروني وتمثل مكوناته وآلياته وبواعثه ومنطق اشتغاله وطرائق التصدي له، وهي على تنوعها وغنى إسهاماتها تظل عاجزة عن استيفاء الظاهرة عمقها وتشابكها وتداخل عواملها مما يستوجب تفحص هذه المقاربات في مقام أول لإرساء مقاربة شاملة تتقاطع فيها منظورات وأدوات في مقام ثان. تعد المقاربة الاتصالية التي تبنتها الباحثة ك. رشتي . Archetti C واحدة من التوجهات الكبرى في معالجة الظاهرة الإرهابية السيبرانية واشتغلت فيها على الأنشطة الجهادية الإلكترونية لعدد من التنظيمات المسلحة. وقد انطلقت من وضع كثير من المزاعم عن شيطنة الإنترنت موضع مساءلة أما هو دور التأجيج الإنترناتي؟ هل يجوز القول إن الإنترنت هي سبب انتشار الجماعات الجهادية؟ هل كانت هذه الجماعات لتوجد لولا الإنترنت؟ هل التكنولوجيا فقط هي ما يساعدهم على الحضور في المجال العمومي؟”. وينم طرحها هذا عن قناعة بأن اتهام الإنترنت محاولة للتنصل من واقع الإرهاب السيبراني بوصفه عنفا سياسيا موجودا في الواقع العملي قبل أن ينتقل إلى البيئة الإلكترونية لأن “الاتصال هو عامل تمكين للتفاعل الاجتماعي” ومجال تتشكل فيه الهويات” ويقصده الناس التبادل قضية سياسية والاحتشاد حولها” في تصور أرشتي فإن الجهاد كان موجودا قبل الإنترنت ويمارس أدواره وأجنداته، ولكن ضمن مواضعات اتصالية أخرى، ولم تفعل الإنترنت شيئا سوى أنها خلقت شبكات تفاعلية جديدة وأتاحت للمادة الإرهابية قنوات انتشار ودعاية أكبر. وبما أن المحتويات المكتوبة والمنطوقة والمرئية تسافر عبر الإنترنت أفهذه التكنولوجيا توصف بأن لها دورا حاسما عندما تكون لدعم الأنشطة الإرهابية”. لهذا فثمة مؤشرات كثيرة على أن الفعل الإرهابي يستفيد من الدعاية والمرونة ومجال الانتشار وكثافة التفاعلات وتخطي الحواجز المادية والمعنوية التي توفرها الإنترنت. ولكن ليس هذه ما يمثل جوهر الإرهاب السيبراني، فالعنف السياسي يستوجب وعيا بشرعيته ويتطلب جمهورا لديه استعدادات أولية ودواع اجتماعية وسياسية ونفسية للانخراط في الأعمال الإرهابية لأن صنع قنبلة أو التدريب على السلاح أو القيام بعملية انتحارية ممارسات تكتسب وتنجز في الواقع مما يؤكد حقا أسطورة الوظيفة الراديكالية للإنترنت.

وغير بعيد عن هذا المنحى تقم إيما توبيلا Imma Tubella مقاربة سوسيو اتصالية تركز على دور الإنترنت في تحويل الهوية إلى ضرب من العنف السياسي، فالعولمة وتكنولوجيا المعلومات بعثرت الانتظام التقليدي وسكون المعاني ووضوح العلامات الثقافية وأعادت تشكيلها على نحو جديد لأن الهويات الجمعية هي سرديات تاريخية ومعقدة ومتميزة، وحكايات أسطورية يحدث بها الناس أنفسهم. وفي هذا السياق، دور الوسائط الإعلامية جلي بوصفها أداة لخلق صورة عن الهوية الجمعية للمنضوين فيها والخارجين عنها، وبذلك يسهمون في بناء الهوية نفسها”. وتنبني وجهة النظر هذه

على أن الإنترنت صارت فضاء بديلا لبناء الهويات المتحركة والمتقلبة بما ولد عدم استقرار في مفاهيم الانتماء والحدود المائزة والأخر أدى إلى تصاعد المواجهات وتزايد منسوب العنف دفاعا عن هويات هلامية تبتنيها كل جماعة لنفسها، تثبت بها ذاتها وتقصي المخالف والنقيض لأن الإنترنت وارتباطها بالعولمة يمكن أن يكون لها أثر تعددي في بناء الهوية الجمعية بما يؤدي إلى هوية أقل ثباتا، فتدفقات الاتصالات والترابطات البينية تعزز المواجهات والتفاعلات الثقافية” وتتوافق هذه المقاربة مع ما تباه مانويل كاستلز  Castells M في التأكيد بأن الإرهاب عامة والإلكتروني على وجه الخصوص احتضنته البيئة الإلكترونية وعمقت نجاعته، فالعولمة إطار محقز وبيئة مولدة لحركات اجتماعية وسياسية تتوسل بالعنف والسرديات الثقافية ذات الأثر النفسي والمعرفي العميق لمقارعة مظالم هذا النظام العالمي الجديد أو ما سماها کاستلز مجموعة كلية من الحركات الارتكاسية التي أنشأت خنادق للمقاومة باسم الإله والأمة والإثنية والعائلة والمحلية”. فالإنترنت بهذا المعنى مجال جديد للرفض والمقاومة وتوليد العنف في مقارعة مظالم العولمة لأن “الأصولية الإسلامية ليست حركة تقليدية”، و”رغم جهود التميز بالتجذر في الهوية الإسلامية في التاريخ وفي النصوص المقدسة” فهي مقاومة اجتماعية وعصيان سياسي بإعادة بناء هوية ثقافية هي في الواقع مفرطة الحداثة”

لكن الإرهاب السيبراني لم يكن مجال بحث اتصالي إعلامي فحسب، بل اعتورته مقاربات أخرى منها المقاربة القانونية التي اعتمدها كل من کایران هاردي Keiran Hardy وجورج ويليامز George Williams عن مفهوم الإرهاب السيبراني في عدد من الدول كالمملكة المتحدة وكندا وأستراليا. فقد استعرضا نماذج من هذا الإرهاب كالقراصنة والمتسللين والمحتالين والجماعات الإجرامية والإرهابية، وانتهيا إلى الإقرار بوجود بعض التداخل بين القرصنة والإرهاب”. وهذا الإقرار بإلتباس الأعمال الإرهابية وتداخلها يفترض معالجة مفهوم الإرهاب السيبراني معالجة قانونية بتتبع النصوص والتشريعات وإجراء مقارنات تسمح بضبطه، غير أنهما ينتهيان إلى حقيقة صادمة مفادها أنه لا توجد جريمة الإرهاب الإلكتروني في أي من هذه الأنظمة القانونية”. ولذلك يقترحان معالجتها من خلال المراهنة على استخدامات الكمبيوتر وتكنولوجيا الإنترنت التي يمكن أن تندرج تحت التعريف القانوني للإرهاب لكل دولة”.

وقد سمح هذا التحليل القانوني بالوقوف على أوجه القصور التي تخترق التشريعات والنصوص القانونية مما يضاعف في مساحة الغموض ويدفع بمفهوم الإرهاب السيبراني إلى الانحراف في التأويل والتوظيف والممارسة، فلكل دولة من هذه الدول رغم نظامها القانوني الساكسوني الموحد لتعريفها الفريد للإرهاب الذي يمكن أن يكون في حد ذاته مشكلة بالنظر إلى الطبيعة العالمية الأفعال الإرهاب السيبراني. بل إن المقاربة القانونية أفضت إلى الإقرار بمزالق المفهوم وتبعاته، فالنصوص القانونية رغم خلوها من الإشارات الصريحة تحتمل تأويلات توسع من دلالة المصطلح وتجعله شاملا لكل ما له علاقة بالدافع السياسي أو إلحاق ضرر ما بالشبكة وأنظمة المعلومات، إذ يبدو أن التعريف القانوني للإرهاب السيبراني أوسع بكثير من مفاهيم الإرهاب السيبراني في الخطاب السياسي أين يقال إن الهجمات الإلكترونية من قبل الإرهابيين لها تأثير مدمر على العالم الحقيقي .

رغم تنوع المقاربات التي اشتغلت على ظاهرة الإرهاب السيبراني أو الإلكتروني في الخلفيات الفكرية والمنطلقات النظرية والأدوات الإجرائية فإنها لم تبلغ طور الاكتمال في تفهم الظاهرة وضبط المصطلح وتعيين الحدود، بل على النقيض من ذلك ضاعفت من إلتباس حقيقة الإرهاب وتداخل حدوده وتشابك حيثياته مع وقائع أخرى. وهذا يستدعي إنشاء منظور يتحرر من الإكراهات الأيديولوجية التي توجه المقاربات إلى نتائج معلومة ومرسومة سلفا، ويتلافى تعميم المنوال المنهجي والإجرائي في سحبه على كافة الملابسات، ويراعي الخصوصيات السياقية الظواهر الإرهاب الإلكتروني بما أنها وليدة تكنولوجيا تتنزل في وضعيات مخصوصة تمنح الأنشطة الإرهابية هويتها وعلاماتها المائزة.

خاتمة

لقد أبان هذا العمل التحليلي والنقدي عن مواطن قصور جمة اعتورت مفهومي الإرهاب والإرهاب السيبراني الإلكتروني رغم السعي المحموم إلى ضبطه نظريا وعمليا. ولا يتائي هذا القصور من تشابك المفهوم وتقلب عناصره وتداخل مكوناته فحسب، بل لأن المفاهيم عامة ومفهوم الإرهاب خاصة فضاء سجالي وموضوع مفاوضة تحركه خلفيات ومقاصد وسياقات. وهذا يعزز الشكوك إزاء ما قدم من تعريفات تفتقر إلى الوضوح والدقة. أما مقاربات الإرهاب والإرهاب الإلكتروني فتشي بتنوع المنظورات وتباين الخلفيات وتعدد المناويل، فالمختصون في هذا المجال اعتوروا ألوانا من الطرائق الإجرائية والمنطلقات النظرية في السعي إلى تفكيك الظاهرة الإرهابية وتفهم منطق اشتغالها وما تنطوي عليه من مكنونات تحتاج تقليبا وتدبرا. لكن هذه المقاربات رغم تمشياتها المتينة وعمق المجهود النقدي والتأويلي لم تفلح في إرساء رؤية متكاملة تخرج الظاهرة الإرهابية من الالتباس إلى الجلاء ومن الصمت إلى الإفصاح عن حقائقها الجوهرية.

ورغم أن ما قدم من تصورات ورؤى في الظاهرة الإرهابية لم يلت الانتظارات، ولم يرض التطلعات التي تصبو إلى حقيقة معرفية تمكن من احتواء الإرهاب في مفاعيله ومضاعفاته، فإن البحث فيه وفي أي ظاهرة، ينقل الفكر البشري من طور التقبل السلبي للعالم إلى طور التفكير فيه والرغبة في تمتين معانيه وتقويم أشيائه والرقي بافاقه نحو ضرب من الكمال في الفكرة والممارسة. ألسنا نحتاج إلى طرح الأسئلة والتمعن في أزمات العالم لندرك سبل الخلاص؟ لهذا فسؤال الإرهاب في مجتمعاتنا العربية والإسلامية يحتاج إلى عقول مفكرة وضمائر ملتزمة بالقدر الذي يحتاج إلى الوعي النقدي بمأزق الراهن واستحقاقاته.

المراجع

أولا: العربية

مجد الدين الفيروز آبادي، القاموس المحيط، ط 8 (دمشق: مؤسسة الرسالة، 2005).

ثانيا: الأجنبية

Books:

Aaron David, Voices of Jihad (U.S.A: Brand Corporation, 2008).

Adam Lowther, Beverley Lindsay, Terrorism’s Unanswered Questions (U.S.A: Greenwood Publishing Group 2009). Archetti Cristina, Understanding Terrorism in the Age of Global Media (U.S.A: Palgrave Macmillan, 2013). Babak Akhgar, Andrew Staniforth, Francesca Bosco, Cyber Crime and Cyber Terrorism Investigator’s Handbook (U.S.A: Elsevier Inc, 2014). Castells Manuel and Others, Network Society: a Cross-Cultural Perspective (U.S.A: Edward Elgar Publishing 2004). Castells Manual, the Power of Identity (U.S.A: Wiley-Blackwell, 2010). Gerges Fawaz, the Far Enemy: Why Jihad Went Global? (U.S.A: Cambridge University Press 2008). Hoffman Bruce, Inside Terrorism (New York: Columbia University Press 2006). Kushner Harvey, Encyclopedia of Terrorism (London: Sage Publications 2003). Lutz James, Lutz Brenda, Global Terrorism (London-New York: Routledge 2004). Moghadam Assaf, The roots of Terrorism (New York: Chelsea House Publishers 2006). Schmid Alex P. and Others, The Routledge Handbook of Terrorism Research (London-New York: Routledge 2011). Vertigans Steven, Militant Islam (Canada: Routledge 2009). A group of authors, Cyber terrorism: Understanding, Assessment, and Response (New York: Springer, 2014).

 

 

 

 

 

 

 

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button