في الحرب على فيروس كورونا، هل تُعتبر الصين عدّواً أم صديقا؟

غراهم أليسون وكريستوفر لي، مجلة المصلحة القومية، 27 مارس 2020، الولايات المتحدة

إعداد وترجمة: جلال خَشِّيبْ، باحث مشارك أول بمركز دراسات الإسلام والشؤون العالمية

يأتي مقال الباحثيْن ضمن سياق “مشروع تجنّب الحرب بين القوى الكبرى” الذّي يقوده غراهم أليسون ويُشاركه فيه كريستوفر لي بجماعة هارفرد، فأليسون صاحب الكتابات الواقعية الأصيلة التّي تُعرِّف العلاقات الأمريكية-الصينية بكونها علاقات تنافسية حادّة، يطرح في هذا المقال تسائلاً رفقة الأستاذ لي في هذا الظرف الصعب الذّي يمرّ به العالم بسبب أزمة فيروس كورونا: “هل يُمكن للولايات المتحدة والصين أن يكونا منافسين شرسيْن وشريكيْن مُكثّفين في نفس الوقت؟” إجابةً عن هذا السؤال، يُحاجج الكاتبان بأنّ الشَراكة بين الولايات المتحدة والصين في هذا الظرف العاجل تُعدّ ضرورةً إستراتيجيةً حتّى وإن كانت هذه الشراكة ذاتُ أمدٍ قصير، وبدلاً من أن تتّجه كلا القوتيْن إلى الشيطنة المتبادلة، يجب على كلّ منهما إدراك أنّ كلّ دولة بحاجة إلى الأخرى لهزيمة هذا العدو القاتل المشترك، فالمصالح والمكاسب ستكون مشتركةً والخسائر التّي قد يتكبّدهما كلاهما من جرّاء هذا الفيروس ستكون أقلّ إذا ما تمّ التعاون بينهما على نحوٍ مناسب. لن يكون تجسيد مثل هذا التعاون المتبادل أمراً سهلاً طبعا حسبما يُحاجج الباحثين، فلا يُكمن القفز بسهولة على حقيقة التنافس الشديد القائم بين القوتيْن والذّي يُعدُّ ملمحاً من الملامح الأساسية لعلاقاتهما المستقبلية على المدى البعيد، ذلك أنّ الصعود الصيني يُهدّد فعلاً بإزاحة الولايات المتحدّة من على قمّة النظام الدولي ليضع الصين هناك، فالصين التّي بدأت القرن الحالي بإجمالي ناتج محلّي أقلّ من ربع نظيره الأمريكي قد تجاوزت اليوم الولايات المتحدة، وهي تخلق إقتصاداً أكبر من إقتصاد أمريكا، في حين تتأرجح الأخيرة اليوم بين الركود المُمتّد والكساد الحقيقي، كما أنّ الجيش الصيني الذّي أُجبر على التراجع في أزمة مضيق تايوان عام 1996، عندما أرسلت الولايات المتحدة حاملتيْ طائرات إلى المسرح هناك، قام على مدى العقديْن الماضيين ببناء ترسانة صورايح فتّاكة من شأنها أن تُجبر الولايات المتحدة على إتخّاذ خيارات مختلفة اليوم، لذا، فإذا لم تتمكنّ الولايات المتحدة من تجاوز هذا الوباء بطريقة ناجحة اليوم، فإنّ الصين قد تكون أكثر جرأةً في المستقبل المنظور وتُقدم حتّى على إخضاع تايوان بالقوة تحت حكمها. بعدما يُجري الباحثان مقارنةً بين طريقة إستجابة كلٍّ من الصين والولايات المتحدة للوباء (تقييم إيجابي كامل للصين في مقابل تخبّط أمريكي واضح)، نجدهما يؤكّدان بأنّ رفض التعاون المشترك بينهما سوف يكون له عواقب وخيمة على التنافس الأكبر لأجل القيادة. لذا، فإنّ التحدّي المشترك الذّي يفرضه كورونا على العالم اليوم يفتح فرصةً سانحةً لتكثيف التعاون العلمي المشترك بين القوتيْن وقد يفتح آفاق تعاونٍ أخرى تُخفّف حدّة التنافس، فالبحوث العلمية بطبيعتها تتسّم بإنفتاحها التعاوني العالمي، على سبيل المثال، فإنّ أكثر من ثُلث المقالات العلمية التّي ينشرها الأمريكيون اليوم تضمّ مُشاركاً أجنبياً واحداً على الأقل، كما يحصل الطلبة الصينيون على ثلث جميع درجات الدكتوراه الأمريكية في العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضات. لأجل ذلك، يُحدّد الكاتبيْن ثلاث مجالات كبرى يُمكن أن تَجري الشراكة فيها اليوم بين القوتيْن لمواجهة وباء كورونا. أولا، مجال تشارك البيانات المتعلّقة بهذا الفيروس الجديد والغامض، مُشيرين إلى أنّ تشارك الصين مثلاً للبيانات الأولى التّي كانت بحوزتها عن الفيروس مع العالم ومنظمة الصحّة العالمية في وقت مبكّر كان له أثرٌ علميٌ إيجابيٌ ضخم مكّن العلماء والحكومات من الإنطلاق في أبحاثهم أو إتّخاذ الإجراءات المناسبة ضدّ الوباء. ثانيا، مجال تعزيز إجراءات التشخيص والصحّة العالمية، فمن بين ما قيمته 22 مليار دولار معدّات طبيّة ضرورية تستوردها الولايات المتحدة سنويا، جاء حوالي ربع منها من الصين قبل حرب الرسوم الجمركية التّي شُنّت عليها. ثالثا، مجال البحث الطبّي الحيوي، وهنا يُشيد الكاتبيْن بإتفاق التعاون الذّي أبرمته كليّة الطب بجامعة هارفرد مؤخّراً مع معهد غوانغتزو الصيني لهزيمة كوفيد- 19، يقود الدكتور زانغ نانشان من الجانب الصيني هذا المشروع، وقد كان أول طبيب يُحدّد فيروس سارس سنة 2003. أخيراً، وإستشهاداً بما يؤكّد عليه العلماء، يُوصي الكاتبيْن بأهمية التعاون العلمي بين القوتيْن، فهو يؤدّي إلى نتائج أفضل ويجعل من هذا الظرف يولّد مكاسباً أكثر بالنسبة لكليهما وللعالم بأسره، لذا فالشراكة بين الصين والولايات المتحدة اليوم تُعدُّ ضرورةً إستراتيجيةً وإن كانت شراكةً محدود الأجل.

إعداد وترجمة: جلال خشِّيب، البوصلة الجيوبوليتكية، مركز دراسات الإسلام والشؤون العالمية، المجلّد الأول، العدد الثامن عشر، 03 أبريل 2020، إسطنبول-تركيا (حقوق النشر: مركز دراسات الإسلام والشؤون العالمية 2020، جميع الحقوق محفوظة)

بإمكانكم الآن تحميل النسخة العربية للعدد الثامن عشر من البوصلة الجيوبوليتيكية كاملةً بالنقر على الرابط التالي:
http://www.geopoliticalcompass.com/…/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%…

The 18. issue of the Geopolitical Compass (English version) is available as pdf:

http://www.geopoliticalcompass.com/…/The-Geopolitical-Compa…

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button