تحليل السياسة الخارجيةدراسات سياسيةنظرية العلاقات الدولية

قراءة حول أهمية البيئة الداخلية في تحليل السياسة الخارجية

سنحاول من خلال هذا البحث إبراز أهم متغيرات البيئة الداخلية التي تؤثر على السلوك الخارجي للدول، من خلال عرض لهذه المتغيرات حسب ما تناولتها النماذج النظرية التي قدمت في هذا الصدد، حيث حاول من خلالها الدارسون إبراز الوزن النسبي لهذه المتغيرات، وحجم تأثيرها الكبير على السلوك الخارجي بما يفوق أحيانا كثيرة تأثير المتغيرات النسقية، ما جعل البعض كما رأينا يصف السياسة الخارجية بأنها امتداد مباشر لمعطيات السياسة الداخلية.ثم ننتقل في مستوى آخر إلى عرض أهمية و مكانة هذه المتغيرات بالنسبة لنظريات السياسة الخارجية التقليدية و كذلك الطروحات الجديدة.

الإطار العام لنظرية تحليل السياسة الخارجية:

      إن الحديث عن نظرية لدراسة السياسة الخارجية يعبر عن مدى التقدم التي أحرزته السياسة الخارجية كحقل معرفي له موضوعه و مناهجه و القوانين التي تحكمه، فقد اقترن تطور دراسة هذه الظاهرة بتطور دراسة الكل الذي يمثل العلاقات الدولية، فقد عرفت  السياسة الخارجية تطورات وتحولات كبيرة على مختلف مستوياتها المعرفية و كذلك المنهجية.

حاولت نظريات السياسة الخارجية باستمرار شرح و تفسير التغييرات في مسار سلوك دولة تجاه دولة أخرى، محاولة تقديم أطر نظرية متكاملة و مقبولة لفهم سلوك الدول، لكن المنظرين في هذا الصدد لم يتفقوا على طرح موحد لتحديد المتغيرات المحددة و المفسرة لسلوك الدول. فمعظم المحاولات النظرية تأتي في إطار خلق سياق عمل على الفرضيات، يكون ملائمـــا لتفسير طبيعة و حدود عمل السياسة الخارجية، كما أن محاولة تفعيل الحوارات حول السياسة الخارجية و تكييفها نظريا و منطق معطيات الواقع الدولي إنما يكون في إطار البحث عن تأويل ناتج التأثير و التأثر بين العوامل الداخلية و الخارجية المندمجة للسلوك الخارجي للدول ([1]).             

– مفهوم السياسة الخارجية:

      إن محاولة و ضع تعريف محدد للسياسة الخارجية تكتنفه بعض الصعوبات، خاصة تلك المتعلقة بالطبيعة المعقدة للسياسة الخارجية، باعتبارها تنتمي إلى بيئات مختلفة نفسية، وطنية، و دولية، بالإضافة إلى اعتبارات معرفية و أخرى منهجية.و أنسب ما توصف به هو أننا نواجه إشكالية في تعريف السياسة الخارجية.

        و يذهب الدارسون إلى تحديد مشكلتين تحول دون التمكن من تعريف دقيق و شامل للسياسة الخارجية:

أولا: أن السياسة الخارجية لا تعرف كموضوع مجرد بل تعرف من خلال مجموعة مكونات وعناصر تدخل كلها في تركيبها،وتؤثر بشكل مباشر عليها، لذا يميل بعض الدارسين إلى المرادفة بين السياسة الخارجية و بعض أجزاء تلك السياسة كالأهداف و السلوكيات([2])، بحيث نجد في هذا السياق تعريف Pol Sipirit  الذي يعرف السياسة الخارجية على أنها:” مجموعة الأهداف و الارتباطات التي تحاول الدولة بواسطتها من خلال السلطات المحددة دستوريا أن تتعامل مع الدول الأجنبية…”

ثانيا: اختلاف المدارس والمفكـرين المنتمين لهذه المـدارس وهذا بحسب رؤية كل اتجـاه لموضوع السياسة الخارجية ، كما أن مكانة الدولة على المستـوى الدولي وقوة تأثيـرها ينعكسان بصفة مباشرة على أجندة مصالحها وبالتالي على تعريفها لسلوكها الخارجي.

و لكن بالرغم من هذه العقبات نجد أن هناك محاولات جادة من طرف الباحثين لوضع حدود مفاهيمية للسياسة الخارجية، و نسوق فيما ياي بعض هذه التعاريف:

      -لمحاولة الخروج من هذه الإشكالية، حاول  Sharles Hermann تعريــف السياسة الخارجية بأنها: ” تلك السلوكيات الرسمية التي يتبعها صانعوا القرار الرسميون في الحكومة أو من يمثلونهم و التي يهدفون من خلالها للتأثير في سلوك الوحدات الدولية الأخرى”([3])

     – و قدم Rosenau James تعريف أكثر شمولية للسياسة الخارجية بقوله: ” مجموعة التصرفات السلطوية التي تتخذها أو تلتزم باتخـاذها الحكومات إما للمحافظة على الجوانب المرغوب فيها في البيئة الدولية، أو لتغيير الجوانب غير المرغوبة” ([4]).

     – أو بأنها” منهج للعمل يتبعه الممثلون الرسميون للمجتمع القومي بوعي من أجل إقرار أو تغيير موقف معين في النسق الدولي، بشكل يتفق مع الأهداف المحددة سلفا”

    – إذا يبدو ان السياسة الخارجية هي مجموع سلوكات صانعي القرار في البيئة الخارجية.

    – و بصفة عامة: فإن السياسة الخارجية، و بعيدا عن إشكاليات وضع مفهوم مستقر و موحد، تعبر عن مجموع الأهداف المراد الوصول إليها من خلال وسائل متاحة و قنوات معينة، يمكن لها التأثير من أجل تحقيق تلك الأهداف. لتكون السياسة الخارجية عبارة عن: كل تجميعي لمجموعة التوجهات و الأهداف و المخططات و الالتزامات التي تحركها وسائل لتمويلها و تحويلها إلى سلوك أو فعل خارجي([5]).

المبحث الأول- متغيرات البيئة الداخلية المؤثرة على السياسة الخارجية:

       فمثلما كان عليه الأمر في فترة الحرب الباردة، استمر الباحثون في استكشاف تأثير السياسة الوطنية على السلوك الخارجي للدولة، وقد قــام بعض الباحثين من أمثال “سنايدر، وجيفري فريدن و هيلين ميلنر” بفحص كيفية تأثير مجموعات المصالح في خيارات الدولة بحيث تقودها إلى سلوكات خارجية غير متوقعة. وكذلك فقد قام جورج “داونس و دايفيد روك بتبيان” الدور الذي تلعبه المؤسسات الوطنية في المساعدة على التعامل مع الغموض الذي يكتنف الشؤون الدولية. بينما قام بعض باحثي علم النفس بتطبيق النظرية الإستشفافية جنبا إلى جنب مع أدوات تحليلية أخرى لتفسير سبب إخفاق صناع القرار في التصرف بشكل عقلاني([6]).

3-1- مفهوم البيئة الداخلية Domestic Environment:

     تشكل البيئة المحلية سياق الخلفية التي يتم استناداً إليها رسم السياسة[7]. و يعرفJoseph  Frankel  ،البيئة عموما الداخلية أو الخارجية في كتابه” The Making of Foreign Policy بأنها :”البيئة، ( أو المحيط) ، تستعمل كوصف لكل العوامل البيئية”

 Environment ( or, interchangeably, Setting ) is used as a description of all environing factors. (” ([8]

أما البيئة الداخلية فهي:” كل شأن/قضية داخلية تمس السياسة الخارجية”” Any domestic matter may impinge on foreign policy”[9] ، عموما  تقع البيئة الداخلية في إطار المجتمع الذي يتخذ صانعوا القرار قراراتهم من أجله وتشمل السياسات الداخلية ( الرأي العام ، الموقع  الجغرافي ، طبيعة النظام السياسي القيم الرئيسية للمجتمع ، الأحزاب ، جماعات الضغط ..) ويمكن إضافة الخبرة الوطنية في التعامل مع القضايا السياسية الدولية.

أما Snyder فيعرف المحيط أو البيئة الداخلية بـأنه: ” يشمل ما يعرف بالسياسات الداخلية و الرأي العام و الموقع الجغرافي للدول كذلك الثقافة العامة و السمات الرئيسية التي ينطبع بها السكان و طريقة تنظيم المجتمع و أدائه لوظائفه”([10]).

3-2- مكونات البيئة الداخلية:

      اختلفت النماذج التي حاولت حصر متغيرات البيئة الداخلية المؤثرة على السياسة الخارجية، و لكن يبدو أن البعض من النماذج المقدمة خاصة في إطار دراسة السياسة الخارجية المقارنة، قدموا مجموع هذه المتغيرات في شكل مفصل، بحيث نجد في هذا السياق نموذج “ماكفون” و “شابيرو”، بحيث يقدم “باتريك ماكفون” و “هوارد شابيرو“، في نموذجهما إطارا للتحليل المقارن للسياسة الخارجية يتسم بالشمولية من حيث دمجه لمختلف الفئات المؤثرة في صنع السياسة الخارجية.بحيث حصر هذا النموذج إثني عشر فئة لهذه المتغيرات، تسعة من أصل إثني عشر عوامل داخلية[11]، و هذا ما يعكس الأهمية المعتبرة و الوزن النسبي لهذه المتغيرات في تفسير السلوك الخارجي.

سنحاول فيما يلي التطرق إلى هذه الفئات المتعلقة بالمتغيرات الداخلية –بحكم إطار الدراسة-، و يمكن إدراج هذه الفئات كما يلي:

  • المتغيرات الفرديـة.
  • المتغيرات النخبوية.
  • المتغيرات السياسية.
  • المتغيرات المجتمعية.
  • المتغيرات الثقافـية.
  • المتغيرات الاقتصادية.
  • متغيرات الربـــط.

     لكن هذه المتغيرات  يتحقق مدى تأثيرها على السلوك الخارجي ليس بمجرد وجودها الموضوعي

داخل المجتمع، بل إن تأثيرها يقترن بالمتغيرات المتعلقة بشكل النظام  السياسي:

  • المتغيرات الحكومية.
  • المتغيرات المؤسسية

     و على هذا الأساس سنتناول هذه المتغيرات من خلال:

     – عرض مكونات البيئة الداخلية.

     – علاقة شكل النظام السياسي بالسياسة الخارجية.

     و هذا حتى يتسنى لنا معرفة وزن المتغيرات الداخلية، و أي منها يبرز و يتراجع حسب شكل النظام السياسي للدولة، الذي يحدد طبيعة المتغيرات المؤثرة في السلوك الخارجي.

1-  المتغيرات الفردية:

       ساد الاعتقاد حسب المنظور الواقعي، بان الساسة يتسمون بالعقلانية، و ذلك لأنهم يفكرون من منطلق المصالح التي تم تعريفها من خلال مفهوم القوة، و قبول تلك الفرضية يعني أن البحث في مجال دوافع الفرد أو المجموعة يعتبر مضيعة للوقت. تعرضت فرضية العقلانية للعديد من الانتقادات و بدأت العديد من الدراسات خلال فترة السبعينيات تتجاوز الدولة و تتناول بالدراسة الجوانب المرتبطة بنفسية الفرد و المجموعات كعوامل مؤثرة في سلوكيات السياسة الخارجية([12]).

تتضمن المتغيرات الفردية أو الشخصية حسب “شابيرو” و “ماكفون”  السمات الشخصية للأفراد الذين يصنعون السياسة الخارجية، كذلك تعـرف بأنها ” مجموعة الدوافع الذاتية و الخصائص الشخصية للقائد السياسي أو القادة السياسيين الذين يصنعون السياسة الخارجية“([13])، و تشمل هــذه السمات و الخصائص معتقداتهم قيمهم، خبرتهم، صفاتهم، تكوينهم الاجتماعي، و كذلك إدراكهم([14]).

و قد أكد “ريتشارد سنايدر”، و غيره من الباحثين، على حقيقة أنه مهما كانت العوامل المحددة للسياسة الخارجية –خارجية أو داخلية- فإن أهميتها تتحدد من خلال إدراك صانعي السياسة الرسميين([15]).لذا فالفعل الصادر عن الدولة يقوم به في الواقع أشخاص و بالتالي فهم و استيعاب هذا الفعل يتطلب النظر إلى محيط صناعة القرار من خلال إدراك صناع القــرار لمحيطهم – الخارجي أو الداخلي- و ليس من خلال المراقب الموضوعي أو الحيادي([16]).

      هناك مجموعة من المواقف لبعض الدارسين، تجعل من دور صانع القرار بمثابة الدور الرئيس في صنع تلك السياسة، بحيث يذهب كريستوفر هيل إلى أنه حتى في المجتمعات المفتوحة يمكن للشخصية القوية لرئيس الدولة ووجهات نظره الشخصية أن تفسر نسبة كبيرة من السلوك الدولي للدولة([17]) و يمكن إجمالها في مايلي([18]):

  • كلما ازداد اهتمام صانع القرار بشؤون السياسة الخارجية، ازداد أثر العوامل الشخصية في عملية صنع السياسة الخارجية ( و هنا نبين أثر هذا العامل على السياسة الخارجية الروسية في عدة “بوتين”، الذي يبدي اهتمام واضح بما يحدث في الخارج،سنوضح هذا العنصر في الفصل الثاني).
  • كلما قويت سلطة اتخاذ القرار التي يتمتع بها صانع القرار، ازداد اثر المتغيرات الشخصية في عملية صنع السياسة الخارجية ( هذا ما ينطبق على مكانة الرئيس “بوتين” و ما يتمتع به من صلاحيات واسعة النطاق، مكنته من فرض توجهاته الشخصية على القرار الخارجي).
  • كلما ارتفع هيكل صنع القرار، ازداد اثر المتغيرات الشخصية في عملية صنع السياسة الخارجية.
  • كلما كانت مواقف صنع القرار غير روتينية، ازداد اثر المتغيرات الشخصية في عملية صنع السياسة الخارجية.و من المواقف غير الروتينية اتخاذ المواقف في حالة الأزمات.
  • كلما اتسمت المواقف المتخذة بالغموض، و عدم التوقع، ازداد اثر المتغيرات الشخصية في عملية صنع السياسة الخارجية، بحيث تتسم المواقف المذكورة بضعف المعارضة السياسية للخيار الذي يتبناه القائد السياسي، و ذلك نتيجة لغموض الموقف أو عدم توقعه. و عن أبدى بعض الأفراد اهتماما بالقضية فإن تضارب المعلومات سيقلل من قدرتهم على تقديم براهين تقنع صانعي القرار بالعدول عن الخيار الذي يميلون إلى اتخاذه.

ملاحظة:

يتفاوت تأثير المتغيرات الشخصية على صنع السياسة الخارجية طبقا للظروف التي تصنع في إطارها السياسة([19]).

2- المتغيرات النخبوية:

      يقصد بالنخبة* السياسية مجموعة الأفراد التي تملك مصادر و أدوات القوة في المجتمع، و تضم هذه المجموعات قيادات السلطتين التنفيذية و التشريعية، الأحزاب السياسية و المؤسسة العسكرية([20]).

تعرف كذلك بأنها ” مصطلح وصفي لأفراد وجماعات في قمة هرمية معينة([21]). تتضمن السمات العامة للنخبة التي تصنع السـياسة الخارجية، معــدل الأعمار، مستوى العلم و الخبرة و التخصص، نسبة المدنيين و العسكريين([22]).

      تقسم نخبة السياسة الخارجية الفعلية بين شاغلي المناصب الرسمية والمصالح المنظمة (ما يسمّيه آلموند (Almond) “نخبة السياسة“. فشاغلو المناصب الرسمية يحتلون مراكز سلطة ضمن النظام ويكونون هم الأشخاص المعنيين رسمياً للتصرف نيابة عن الدولة. و تحيط بهم بيروقراطية من الإدارات المتمركزة حول وزارات الخارجية ولكنها تتضمن أيضاً عدداً من وزارات الدولة الأخرى([23]).

      و يتوقف تأثير النخبة السياسية على ثلاثة عوامل ([24]):

  • شكل النظام السياسي.
  • مدى تجانس النخبة السياسية.
  • اتفاقها حول الخطوط الأساسية للسياسة الخارجية.

3- المتغيرات السياسية:

      تشمل مظاهر الفعالية السياسية العامة من حيث طبيعة الفواعل السياسية الغير رسمية و مدى شكل تأثيرها على المسار السياسي للدولة، و تتضمن النظام الحزبي في الدولة، الأدوار التي تقوم بها الأحزاب و جماعات الضغط، الرأي العام و الإعلام..، و مستوى التطور السياسي في الدولة و طبيعة و أنماط النزاعات السياسية الداخلية[25]. و في هذا السياق يمكن حصر أهم هذه الفواعل المؤثرة على السلوك الخارجي فيما يلي:

أ- الأحزاب السياسية:

      يذهب بعض دارسي السياسة الخارجية إلى اعتبار الأحزاب السياسية التي تملك ممثلين في السلطة، ذات تأثير بالغ على توجهات و طبيعة السياسة الخارجية، فكلما ازداد نفوذه الحزب في البرلمان أو السلطة التنفيذية مثلا ازداد تأثيره على السياسة الخارجية خاصة داخل النظم الديمقراطية، كذلك شكل التنظيم الحزبي، نظام الحزب الواحد أو نظام الثنائية، أو التعديدية الحزبية، يحدد ظروف تأثير هذه الأحزاب على صناعة القرار الخارجي.

عموما فالأحزاب السياسية تختلف من حيث هياكلها و وظائفها من نظام لآخر، فالحزب يلعب دورا مهما في النظم التسلطية، التي تتخذ عادة نظام الحزب الواحد.كما هو الحال بالنسبة للصين الشعبـية أو الاتحاد السوفييتي-سابقا-، بحيث تعكس السياسة الخارجية إيديولوجية الحـــزب الواحد الحاكم([26]). و كذلك الأمر بالنسبة للنظم الثنائية الحزبية، فالسلوك الخارجي يمثل توجه احد الحزبين المهيمنين على صناعة القرار، و أقرب مثال لهذا الطرح: السياسة الخارجية الأمريكية، تأخذ أحيانا شكــل الانعزال و الاهتمام بالداخل بوصول الديمقراطيين للحكم، و أحيانا أخرى توصف بكونها سياسة خارجية هجومية حربية عدوانية، بمجرد وصول الجمهوريين للحكم.

أما بالنسبة للنظم التي تتبنى شكل التعددية الحزبية، فتأثير الأحزاب يكون محدود خاصة في حالة السرعة في تغير الائتلافات. حيث تواجه الحكومات و الأحزاب صعوبة في ممارسة الحكم، و من ثم يزداد نفوذ البيروقراطيات([27]).

إذا فمدى تأثير الأحزاب على السياسة الخارجية يرتبط بمدى قربها من مراكز صنع القرار.

ب- جماعات المصالح:

      يقصد بجماعات المصالح مجموعات من الأفـراد تتألف مع بعضها لتحقيــق مصلحة مشتركة، و قد تكون هذه الجماعات في شكل “جماعات مصالح غير منظمة” مثل كالأ4ققليات العرقية التي يشترك أفرادها في مصلحة الانتماء الديني أو اللغوي أو العرقي المشتركة، و قد تأخذ هذه الجماعات شكل” جماعات المصالح المؤسسية” على سبيل المثال “العسكريين“، وذلك بحكم انتمائهم إلى تنظيم رسمي داخل المجتمع و الحكومة في إطار مهني موحد، و مصلحة موحدة. كما قد تأخذ هذه الجماعات الشكل الثالث و هو” جماعات المصالح المنظمة“، وهي جماعات منظمة خصيصا للدفاع عن أعضائها، و تتميز هذه المنظمات بوجود كيان تنظيمي و نظم للاتصال الداخلي و الخارجي. و أهم أشكالها نقابات العمال، و رجال الأعمال، و نقابات المهندسين، و الأطباء و المحامون…الخ [28].

تحاول جماعات المصالح التأثير على قرارات السياسـة الخارجيــة التي تتناسب و كطبيعة تكوينها و مصالحها، على الرغم من أن جماعات المصالح قد تتصرف في بعض الأحيان كالأحزاب السياسية عن طرق دخول الانتخابات من خلال مرشحيها، إلا أن أنشطتها في مجال السياسة الخارجية غالبا ما تنحصر في محاولة التأثير على السلطتين التشريعية و التنفيذية،  و يمكنها القول أن  تؤثر في السياسة الخارجية من خلال ثلاث قنوات([29]):

  • المشاركة المباشرة في عملية صنع السياسة الخارجية: من خلال مشاركتها في أجهزة صنع تلك السياسة. و من أبرز هذه الحالات تمثيل العسكريين في المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفييتي.
  • توجيه مصادر القوة للتأثير غير المباشر في السياسة الخارجية: بحيث تمتلك بعض جماعات المصالح جزء من مصادر القوة الاقتصادية و العسكرية و السياسية في المجتمع، و عبر استعمالها لهذه القوة تستطيع التأثير في مسار السياسة الخارجية.و أبرز مثال لذلك هو أثر الجماعة الصهيونية الأمريكية في صنع السياسة الخارجية في الشرق الأوسط.
  • جماعات المصالح كجماعات وسيطة: بين السلطة السياسية و المواطنين، و تتحقق الوساطة من خلال تعبير الجماعات عن مصالح محددة لمجموعات من المواطنين عبر الاتصال بصانعي السياسة الخارجية، كتنظيم المظاهرات من طرف الطلاب أمام البيت الأبيض احتجاج على الحرب الفيتنامية.

غير أنه غالبا ما  يتسم تأثير جماعات المصالح بأنه تأثير محدود للغاية على السياسة الخارجية، نظرا لعدم تمكنها من تقمص مناصب عليا داخل مراكز صنع القرار ما يدفعها إلى ضرورة إقناع القائمين على السلطة بصحة مواقفها، و هذا ما يصعب تحقيقه خاصة على مستوى السياسات العليا المرتبطة بالسياسات الأمنية و العسكرية[30]. كذلك يضعف تأثيرها عندما في حالة تصطدم فيها مصالح العديد من الجماعات فينتهي الأمر بحدوث شلل نهائي لتأثيرها على القرارات الخارجية.

ج- الرأي العام:

      إن دور الرأي العام محدود، و لكنه موجــود دائما و لو بدرجات متفاوتة حسب طبيعة الدولة، و هو بالتالي يشكل ضوابط على صناعة السياسة الخارجية و يختلف تأثيره من قضية إلى أخرى([31]).

كما أن الدراسات -في هذا السياق- تشير إلى أن الرأي العام يفتقد إلى المعلومات المطلوبة لاتخاذ قرارات خارجية، و هذا ما يفقده التأثير و المصداقية على قرارات خارجية تمس قضايا حساسة. و هذا ما يفتح المجال لصناع القرار لامتلاك تأثير كبير لامتلاكهم المعلومات الكافية، وقدرتهم على إقناع الرأي العام بوجهات نظرهم، عبر وسائل الاتصال الموجهة، و هذا يحدث حتى داخل الدول الأكثر انفتاحا كالولايات المتحدة، و مثال ذلك قدرتها على إقناع الرأي العام بضرورة شن الحروب الوقائية، رغم المعارضة الشديدة داخل الرأي العام الأمريكي ( حرب أفغانستان، العراق).

4- المتغيرات المجتمعية:

      و تضم بعض جوانب البنية الاجتماعية بشكل عام كحجم السكان و نسبة النمو السكاني و درجة التطور الاجتماعي و أنماط التدرج الاجتماعي([32]).

ينطلق أنصار هذا الطرح من أن صانعي القرار هم نتاج لمجتمعاتهم ( البنائية و العديد من نظريات ما بعد الحداثة)، لذا فالبيئة التي ينتمي إليها هؤلاء الأشخاص تؤثر عليهم بشكل كبير.بحيث تمثل المتغيرات المجتمعية مجموع القيم و الأفكار والخطابات و الثقافات الاجتماعية السائدة داخل المجتمع ،و التي تعتبر بمثابة المعيار القيمي لقبول أو عدم قبول القرارات وفق الشرعية الاجتماعية المستمدة من هذه المكونات.بحكم انها ليست مجرد مواقف عارضة مؤقتة بل إنها تتميز بثبات نسبي، يجعلها مصدر لشرعية أو عدم شرعية السلوكات الخارجية للدول.

لهذا تلعب التوجهات المجتمعية دورا كبيرا في تحديد مسار السلوك الخارجي، و تعرف بأنها ” مجموعة الأفكار السياسية التي يعتنقها معظم أفراد المجتمع، و التي تحدد رؤيتهم للعالم السياسي“،([33]) و يمكننا تلخيص أهم المتغيرات المجتمعية التي تؤثر على خيارات السياسة الخارجية، في النقاط التالية:

أ- الشخصية الوطنية: بحيث يفترض الدارسون أن هناك نمطا عاما من الشخصية يوجد في كل دولة، و خاصة التي تتمتع بالتكامل و الاستقرار، لأن معظم المواطنين يشتركون في بعض السمات التي تميزهم عن مجتمعات أخرى. و تتبلور خلال التنشئة الاجتماعية تدريجيا شخصية وطنية محددة للمجتمع يكون لها تأثير متفاوت على سلوك متخذي القرار الخارجي، و كذلك على توجهات الدولة نحو التعاون أو الصراع مع دول أخرى ([34]).

ب- القومية: إن الدول التي نجحت في تكوين شخصية وطنية محددة تتميز بوجود قوميــة ناضجة([35]). و يستخدم مصطلح القومية بمعنيين مترابطين، الأول للإشارة إلى “إيديولوجية” وثانياً “لوصف شعور“. ففي الاستعمال الأول، تسعى القومية لتحديد كيان سلوكي – “الأمة” – ومن ثم لمتابعة بعض الأهداف السياسية والثقافية نيابة عنها، من أبرزها تقرير المصير القومي. و يمكن تعريف ذلك تجريبياً (empirically) بطرق عدة، التحريرية الوحدوية (irredentism)، الاستقلال، الانفصال، وكلها أهداف يمكن السعي لتحقيقها تحت عنوانها. وفي معناها الثاني، تعتبر القومية شعوراً بالولاء يشترك فيه الشعب نحو الأمة. ويتمثل التلاحم بعوامل مثل اللغة، الدين، التجربة التاريخية المشتركة والتجاور الطبيعي وغيرها من العوامل([36]).

و قد شكلت القومية مصدرا للسلوك الخارجي للدول، و يمكن الاستشهاد على ذلك بحرب أكتوبر 1973 بين الدول العربية و إسرائيل أين شكلت القومية سلوك الدول المتصارعة بشكل كبير.خاصة من الأطراف العربية.

عموما يستثمر القادة القومية لتحقيق الوحدة و الانسجام الداخلي حتى يتسنى لهم تحقيق أهداف السياسة الخارجية، بالشكل الذي يجلب المصالح الوطنية مــن خلال تأكيد الاستقلالية القومية عن كيان آخر.أو محاولة إعادة الاعتبار لمكانة الدولة و وجودها كفاعل رئيسي في السياسة.

و لعل من أبرز أشكال القوميات التي ظهرت على شكل إيديولوجيات و التي أثرت في السياسات الخارجية للدول الإيديولوجية الماركسية-اللينينية أو الشيوعية، فقد أنتجت هذه الإيديولوجية آثارا متعددة على السياسة الخارجية السوفييتية منذ عام 1917 و حتى سقوطه عام 1991([37]).

ج- الخصائص المجتمعية: أظهرت العديد من الأبحاث الكمية اهتماما كبيرا بقياس العلاقة بين الخصائص المجتمعية للدولة و بين سياستها الخارجية، و حين يربط المرء بين الخصائص المجتمعية لدولة ما، و بين الخصائص المجتمعية لدولة أخرى بشكل ثنائي، فإنه يتوصل إلى نتائج أفضل بالنسبة لتفسير السياسة الخارجية. فقد وجد “رمل” أن التشابه الثقافي و الاجتماعي كان عملا مؤديا للسلام بين المجتمعات التي تشترك في الخصائص نفسها، و أظهرت دراسة أخرى، علاقة بين التجانس الاجتماعي لدولتين و بين الاتصال المتبادل بينهما، بمعنى آخر يزداد احتمال أن تسلك الدول المتشابهة سلوكا تعاونيا اندماجيا([38]).و هذا ما سنحاول توضيحه في حالة المحددات الداخلية لسياسة روسيا الخارجية نحــو دول الاتحاد الأوربي، و فيما إذا كانت سياسات التقارب أو التباعد سببها الانسجام أو عدم الانسجام في البنية الاجتماعية.

5- المتغيرات الثقافية:فصل كل من “ماكفون” و “شابيرو” في نموذجهما بين المتغيرات الثقافية و الاجتماعية، لكن الكثير من الدارسين لم يفصل بينهما باعتبار أن المتغيرات الثقافيـة تأتي في سيــاق مجتمع  الدول.و نظرا للتداخل الكبير بينهما.

      تشمل هذه المتغيرات حسب “ماكفون” و “شابيرو” النظم الثقافية في المجتمعات الوطنية كدرجة التعددية الثقافيـة، و أنمـــاط تحديـد الهوية الوطنـية و استيعابها، و نظـم الاتصالات المختلفة و أنماطها، و طبيعة العقيدة أو العقائد في المجتمع و قدرتها على ان تكون أداة تعبئة شعبية.

يؤثر توزيع القيم والاتجاهات الثقافية داخل المجتمع على صنع السياسة الخارجية من خلال هوية الفاعلين وأهدافهم (الخصائص الثقافية والحضارية للشعوب و نوعية الانتماءات و الولاءات الفكـرية و العقائدية)([39]).

و قد مثلت القيم الثقافية هذه الأخيرة جوهر السلوكيات الإنسانية على مدى تاريخ السياسة الدولية.و ذلك لارتباطــها بالموروث الاجتمــاعي للأفـراد، فضلا عـن ارتباطــه ببنية الأنــساق الفردية و الاجتماعية([40]).و هــذا ما أدى إلى تأثير أبعادها القيمية على سلوكات صناع القرار و القوى و النخب الحاكمة في صياغاتها لتوجهات الدول في السياسة الخارجية، فقد ربطها سنايدر بالمحيط الداخلي للدولة و طبيعة البنية الاجتماعية و السلوكية السائدة و التي تشغل حيز ذو أهمية على مستوى بيئة صنع قرارات السياسة الخارجية([41]) .

هذا الإدراك بقيمة المتغيرات الثقافية في حقل العلاقات الدولية و السياسة الخارجية من المرشح له أن يتنامى ويتأكد مع مرور الوقت. فالثقافة بإمكانها أن تصبح عامل تحليل وتفسير واستشراف أيضا، ذلك لما تمثله هذه الأخيرة من قوة دافعة و مؤثرة في الشؤون الدولية، إلى الحد الذي اعتبرت فيه المصدر الأول للانقسامات الإنسانية، و المشكل الأساسي لطبيعة الحروب و الصراعات في العالم[42].

6- المتغيرات الاقتصادية:

      و تشمل -حسب هذا لنموذج- البنية الاقتصادية، ميزان المدفوعات، الميزان التجاري، درجة تطور الدولة الاقتصادي، طبيعة وحجم تجارتها الخارجية([43])، و تؤثر هذه المتغيرات في طبعة قرارات السياسة الخارجية حيث إنه لكما كانت الدولة متقدمة اقتصاديا كلما زادت درجة تفاعلها في النظام الدولي مع الوحدات الأخرى، و ازدادت فرص التعاون أكثر من احتمالات الدخول في سلوكات صراعية.و هذا ما ذهب إليه أنصار الليبرالية الجديدة من خلال مقترب السلام الديمقراطي، بحيث نجد ان المجتمعات المتجانسة في شكل النظام الاقتصادي الرأسمالي، تسلك سلوكات تعاونية اندماجية.

     و بصفة عامة، تلعب العوامل الاقتصادية دورا مركزيا في اختيارات السياسة الخارجية، لأن تنفيذ معظم السياسات يتطلب توافر الموارد الاقتصادية([44]). لذا فإن وضعية الاستقرار الداخلي و ارتفاع مستويات التنمية الاقتصادية يمنح للدولة قدرة على التفاوض و المساومة في سياستها الخارجية خاصة إن كان لها قدرة على إنتاج و امتلاك السلع الأمنية في علاقاتها مع الدول الأخرى ( في حالة العلاقات الروسية الأوربية ، تعتبر الطاقة محور حساس في هذه العلاقة).

7- متغيرات الربط:

      المقصود بالربط* هنا هو السلوكية الخارجية السابقة للدولة و علاقاتها السابقة أيضا، فإدراك صناع القرار لدولة معينة وفق أحكام مسبقة عنها يحدد طبيعة سلوكيتها نحوها، فوجود اتفاقيات بين الدولتين يساهم في التخفيف أو غياب من السلوكات الصراعية بينهما، كذلك وجود مستوى معين من التعاون السابق بين الدولتين يؤثر لاحقا في سياستهم الخارجية نحو بعضهم البعض.

        يتضح من خلال عرض هذه المتغيرات الداخلية، مدى و حجم تأثيرها على السلوك الخارجي للدول، لكن دراسات السياسة الخارجية المقارنة تؤكد أن الوزن النسبي لهذه المتغيرات يكون متفاوت التأثير من دولــة إلى أخرى، بحيث نجـد  في تحليل سلوك الدول الخارجي أحيانا صعود متغيرات و نزول أخرى، و ترتيب عناصر التأثير يكون من حيث وزنها في حـالات مختلفة، و هذا يتحدد بحسب طبيعة النظام السياسي و شكل العلاقة بين مؤسسات الحكم داخل كل دولة، الذي يحدد طيعة المتغيرات التي يزداد تأثيرها و المتغيرات الأخرى التي تتراجع أو تغيب نهائيا.

إذا فالسياسة الخارجية بالإضافة إلى تأثرها بالمتغيرات السابقة، فهي لابد أن تصنع في إطار هيكل سياسي معين يؤثر بدوره عليها، فالعقائد الوطنية و الأوضاع الاجتماعية و الاقتصادية و الخصائص الفردية لصنع القرار تؤثر على صياغة أهداف السياسة الخارجية، و لكي تتحقق تلك الأهداف المسطرة كأولويات في هذه السياسة لابد أن تبنى القرارات على أساس الانتقاء بين خيارات معينة، و هنا تؤثر طريقة صنع القرارات و نوعية المشاركين في صنعها في مضمون هذه الخيارات.

لذلك سنعالج من خلال ما تبقى من المتغيرات الداخلية، اثر طبيعة و شكل النظام السياسي على طبيعة قرارات السياسة الخارجية، من خلال عنصرين:

  • المتغيرات الحكومية: و نتناول فيها شكل النظام السياسي.
  • المتغيرات المؤسسية: نتناول فيها العلاقة بين المؤسسات المخولة بصنع القرار الخارجي.

8- المتغيرات الحكومية: (شكل النظام السياسي)

       تتعلق هذه المتغيرات بتأثير شكل النظام السياسي على طبيعة القرارات الخارجية، لذا تتضمن هذه المتغيرات السمات البنيوية للنظام السياسي كشكل الحكم ( ديمقراطي/تسلطي)،و مستوى الإمكانات العسكرية.

أصبحت الآن مقولتان عامتان عن الديمقراطيات جزءاً من حكمة العلاقات الدولية التقليدية:

  • أولاً: أن الديمقراطيات أكثر محبة للسلام من الأنواع الأخرى من الأنظمة السياسية، وأنها نادراً ما تقوم، أو لا تقوم على الإطلاق، بمحاربة بعضها لبعض – حسب نظرية كانط (Kant) أو نظرية “السلام الديمقراطي“.
  • ثانياً: أن الديمقراطيات تنطوي على الضعف في صياغة وتصريف السياسة الخارجية – نظرية دي توكفيل (de Toqueville)* ([45]).

       حاولت الليبرالية الجديدة من خلال الطرح المتعلق بـ”نظرية السلام الديمقراطي“، الانطلاق في تحليل العلاقة بين شكل النظم و السياسة الخارجية. لذا تميز في هذا الصدد بين نوعين من النظم، النظم الديمقراطية المنفتحة و النظم التسلطية المغلقة، فشكل النظام هو الذي يحدد أي من المتغيرات السابقة الذكر ستؤثر على صنع قرار السياسة الخارجية.

فالنظم الديمقراطية حسب هذا الطرح تتمتع بمزايا معينة في مجالات السياسة الخارجية،بحيث توفر هذه النظم للقائد السياسي موارد سياسية، كما انه يكفل ضبط السياسة الخارجية بما يتفق و المصالح الوطنية، على النحو التالي([46]):

  • يتم انتخاب القائد السياسي الذي يتمتع بمهارات في العمل السياسي، و يفتح المجال لاتخاذ قرارات خارجية وفق مبادئ الديمقراطية و النقاش البناء بين مختلف القوى السياسية و فئات المجتمع من أحزاب سياسية، و جماعات مصالح و رأي العام.عكس النظم التسلطية التي ينفرد فيها القائد السياسي أو أقلية سياسية (نخبة حاكمة) باتخاذ القرار و فرضها في شكل أوامر.
  • لذلك فانفتاح النظام السياسي الديمقراطي انتفاء السرية ،يؤدي إلى وجود حوار وطي حقيق حول قضايا السياسية الخارجية، بما يؤدي إلى توافر المعلومات و دراسة البدائل المختلفة.
  • وجود ضوابط سياسية نابعة من البيئة الاجتماعية و الثقافة السياسية التي تحد من حرية القائد السياسي، و تلزمه باتخاذ قرارات تخدم الصالح العام الداخلي. و هذا ما تفتقده النظم التسلطية التي كثيرا ما تدفع شعوبها لقبول مختلف القرارات الغير عقلانية في كثير من الأحيان كالدخول في حروب و صراعات خارجية تفتقد للشرعية الداخلية، و تعود بانعكاسات سلبية على الأوضاع الاجتماعية و الاقتصادية للدولة.

      يبدو من خلال هذا الطرح أن مميزات النظم الديمقراطية تسمح ببروز اثر للمتغيرات النابعة من البيئة الداخلية للنظام السياسي نتيجة الانفتاح و الرجوع للإرادة الشعبية في اتخاذ القرارات، بحيث  تبدي كل الفئات المجتمعية من أحزاب و جماعات مصالح و رأي عام، آراءها لموافقة أو رفض قرارا خارجي معين.

      لكن يبدو أن هذا الطرح انتقد بشكل كبير، خاصة في النقطة التي يؤكد فيها الناقدون بأن  الديمقراطيات لا ترجع إلى استشارة شعوبها إلا في قضايا متعلقة بالسياسة الدنيا، بينما إذا تعلق الأمر بالقضايا الأمنية أو السياسية الحساسة فهي تتخذ القرارات بشكل مغلق.

       بالرغم من هذه الانتقادات فالنظم الديمقراطية تختلف عن النظم التسلطية المغلقة، هذه الأخيرة التي يبرز فيها أثر و وزن نسبي كبير للمتغيرات المرتبطة بالدوافع الشخصية للقائد السياسي و النخبة الحاكمة التي تمثل الأقلية من الشعب، ما يفسر اتخاذ قرارات مبتورة عن بيئتها الداخلية.و لا تعكس مستوى القبول الداخلي، ، و تتخذ القرارات بمعزل عن البيئة الداخلية للنظام السياسي، بحجة ان هذه الفئات تجهل مقتضيات المصلحة الوطنية و قضايا و أولويات السياسة الخارجية الحساسة.

      أما فيما يتعلق بالنقطة الثانية المتعلقة بعدم فعالية النظم الديمقراطية في صياغة وتصريف السياسة الخارجية ،يرى المحللون ان في النظم التسلطية العديد من الميزات التي تسمح باتخاذ قرارات على قدر كبير من الفعالية على المستوى الخارجي إذا ما قورنت بنظيرتها في النظم الديمقراطية، فحسب نظرية دي توكفيل (de Toqueville) يذهب للقول بأن النظم الديمقراطية تكون بطيئة في الاستجابة  للقضايا الخارجية خاصة في حالة  الأزمات وعندما تأتي فقد تكون الاستجابة متطرفة. وسبب هذه الحالة، برأي دي توكفيل، هو “تدخل” السياسة الداخلية في رسم السياسة الخارجية والحاجة الدائمة إلى الاستجابة للرأي العام. و على نقيض ذلك، نجد أن الأنظمة الفاشستية تتمتع بميزة لأن النظام السياسي المغلق يسهل صنع القرار السريع والثابت وغير المكبل بالحاجة إلى الرجوع إلى جمهور تتأصل فيه النزعة النقدية. لذا فإن تركيز القوة وحرمان الجمهور من التمحيص والمناقشة يعطي الأنظمة السياسية المركزية ميزات حاسمة في الشؤون الخارجية([47]).و يمكنها من اتخاذ قرارات سريعة و لها قدرة كبيرة على التكيف. كما أن عدم التقيد بآراء الجماهير و مختلف الفئات الاجتماعية أو السياسية الأخرى لا يكون فقط خلال الحالات التي تتطلب استجابة سريعة بل إن هذا الانفصال عن الضغوطات الداخلية يمس حتى قضايا السياسة الخارجية على المدى المتوسط أو البعيد، كأن تتميز السياسة الخارجية لدولة تجاه دولــة أو قضــايا أخــرى، بثبات المواقف و عدم تأثير التغيرات و الضغوطات الداخلية على توجهات السياسة الخارجية للدولة نحو تلك الدول أو تلك القضايا، فتوجهات التقارب والتعاون أو التباعد و الصراع في علاقة روسيا بدول الاتحاد الأوربي لا تحددها مكونات البيئة الداخلية الروسية بمختلف فئاتها الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية، بقدر ما تحددها رغبة القائــد السياسي أو النخبة السياسية الموجهة للسلطة، كما سنبينه فيه في مستوى آخر من الدراسة بشيء من التفصيل. كذلك الحال بالنسبة لانفتاح الصين على العالم الاقتصادي فتفسير هذا التوجه مرده يكون إلى رغبة من السلطة الحاكمة و ليس بسب ضغوطات من فئات المجتمع الداخلية.

9- المتغيرات المؤسسيسة:

     بالإضافة إلى المتغير المتعلق بشكل النظام السياسي، تلعب تركيبة المتغيرات المؤسسية دورا مهما في تحديد من يصنع القرارات و يوجهها  ، و تضم هذه المتغيرات عدد و نوع الإدارات و الدوائــر و السلطات المعنية بعملية صنع القرار، مستوى التطور البيروقراطي لهذه الدوائر و السلطات و كيفية توزيع الأدوار و الصلاحيات بينها، و كذلك الوسائل المتاحة أمامها للتأثير في صنع القرار([48]).

      لذا سنناقش في هذا المستوى أثر هذه الدوائـر مركزيــن على رئيس الدولة و السلطتين التشريعية و التنفيذية و باقي المجموعات البيروقراطية في عملية صنع القرار، و هذا حسب طبيعة النظام السياسي من حيث كونه رئاسي أو برلماني ، لنبرز ترتيب أثر المتغيرات التي تظهر أو تتراجع حسب الطبيعة القانونية للنظام السياسي.

أ- أثر الرئيس كمؤسسة في صنع السياسة الخارجية:

     يعد رئيس الدولة الممثل الأسمى للدولة في علاقاتها الخارجية، فهو الذي يجسد سيدتها ، و هو الذي يعبر عن إرادة الدولة لأنه يعتبر رمزا لها، لذلك فإن العرف والقانون الدوليين يخصانه بامتيازات وحصانات خاصة ، و دستور الدولة هو الذي يحدد وينظم اختصاصات وصلاحيات رئيس الدولة في مجال السياسة الخارجية غير أن هناك أنظمة دستوري تعطي لرئيس الدولة سلطات واسعة. ومن هنا يجب التمييز بخصوص صلاحيات رئيس الدولة بين الأنظمة السياسية والدستورية المختلفة[49].

أولا: في الأنظمة الرئاسية.

     في الأنظمة الرئاسية يكاد رئيس الدولة يحتكر توجيه العلاقات الخارجية،ونأخذ كمثال على ذلك الولايات المتحدة الأمريكية، فالرئيس الأمريكي هو الذي يوجه ويدير السياسة الخارجية ويحدد توجهاتها الأساسية، طبعا مع وجود تقنيات دسـتورية وقانونية وسياسيـة وقضائية تحد مـن أي غلو أو تقصير بشكل قد يظهر أن هناك خرقا للقانون أو الدستور([50]).أيضا النظام السياسي لروسيا التي نحن بصدد دراستها بحيث يتمتع الرئيس الروسي الكثير من الصلاحيات الواسعة في علاقته مع باقي المؤسسات الأخرى داخليا، و خاصة على مستوى قرارات السياسة الخارجية. و سنوضح حجم هذا التأثير للرئيس الروسي خاصة في عهدة “بوتين”  في مستوى آخر من الدراسة.

وتتأثر مؤسسة الرئاسة ودورها بالعديد من العوامل الداخلية( وتتمثل في تأثيرات الجهاز البيروقراطي كمؤسسة تؤثر على صنع القرار في السياسة الخارجية الأمريكية والذي يتكون من المصالح والمؤسسات الحكومية)([51]).

ثانيا: في الأنظمة البرلمانية

في الأنظمة البرلمانية فإن رئيس الدولة له صلاحيات محدودة وغالبا رمزية(شرفية أو بروتوكولية) وتخص مجالات ليس لها تأثير فعلي وحقيقي في السياسة الخارجية لبلاده. ويقوم رئيس الحكومة(اسبانيا) أو رئيس الوزراء(ايطاليا) أو المستشار(ألمانيا والنمسا) بالدور الفعلي في إدارة هذه السياسة.

إن صلاحيات رئيس الدولة في هذا النوع من الأنظمة تنحصر في اعتماد سفراء دولته لدى الدول الأجنبية ويعتمد السفراء الأجانب لديه.ويتقبل أوراق اعتمادهم و التصديق على المعاهدات( في الحالات التي يحددها الدستور) ويستقبل رؤساء الدول الأخرى أثناء زياراتهم الرسمية، غير أنه ليس له أن يتدخل في المفاوضات السياسية مع الدول الأخرى أو يلزم دولته باتخاذ مواقف سياسية شخصية، فهذه صلاحيات ترجع لرئيس الحكومة الذي هو رئيس السلطة التنفيذية([52]).

ثالثا: في الأنظمة المختلطة أو شبه الرئاسية

      في هذا النوع من الأنظمة، والتي تأخذ بالعديد من خصائص النظام البرلماني، فإن رئيس الدولة يتمتع بصلاحيات واسعة في السياسة الخارجية مع وجود هامش تحرك لرئيس الحكومة(الوزير الأول)، وكذا لوزير الخارجية تحت المراقبة المباشرة لهذا الأخير(المغرب، لبنان، تركيا…)([53]).

     

ب-أثر السلطتين التشريعية و التنفيذية في صنع قرارات السياسة الخارجية:

      سواء كانت الحكومة ديمقراطية أو تسلطية، فإن السلطة التنفيذية، باحتوائها أهم صانعي القرار (الرئيس، أو رئيس الوزراء أو وزير الخارجية) تلعب الدور الرئيس في اتخاذ القرارات الخارجية([54])، خاصة في ظل النظم الرئاسية- كما رأينا في العنصر السابق-، و كذلك في ظل النظم التسلطية بصفة خاصة، أما قوة السلطة التشريعية في كل دولة فهي تعتمد على الصلاحيات التي يمنحها لها الدستـور، إلا أن هناك أصول مشتركة للسلطات التشريعية في كل الدول فصلاحياتها في الشؤون الخارجية أقل من صلاحياتها في الشؤون الداخلية ويرجع ذلك إلى السرية التي تتسم بها الشؤون الخارجية. كما أن السلطات التشريعية لا تأخذ المبادرة في قرارات السياسة الخارجية وإنما يقتصر دورها على الموافقة أو الاعتراض على السياسة الخارجية التي تقترحها الحكومة([55])، و تبقى صلاحياتها محدودة للغاية خاصة في النظم الرئاسية و التسلطيـة.

      أما السلطة التنفيذية فقد اكتسبت مرونة أكثر في صياغة السياسة الخارجية و تنفيذها، بسبب عدة عوامل أهمها هو تزايد أهمية الشؤون الدولية، و مناخ الأزمات الدولية الدائمة، مما أدى إلى ضرورة مركزية عملية السياسة الخارجية، بالإضافة إلى امتلاك هذه الهيئة معلومات وافرة بسبب توافر قنوات اتصال ممتازة من خلال تزويد الممثلون السياسية و الاقتصاديون ز كذلك العسكريون للدولة في الخارج بتقارير يقدمونها مباشرة لرؤسائهم في السلطة التنفيذية، بنما تقل قدرة السلطة التشريعية على الحصول على معلومات مستقلة بسبب صغر حجمها و ضآلة مواردها([56]).

      و يختلف الدارسون حول ما إن كان النظام البرلماني أو النظام الرئاسي أفضل بالنسبة لرسم سياسة خارجية متسقة و مترابطة، فبعض الدارسين يرى أن النظام الرئاسي أكثر قدرة على رسم تلك السياسات بسبب انتظام الانتخابات و استمرارية السياسة. ( حالة النظام السياسي الروسي، بحيث يرى الدارسون ان سبب استمرارية السياسة الخارجية الروسية وفق نمط واحد هو قدرة الرئيس على استغلال طول فترة زمنية لرئاسته لفرض توجهاته الخارجية) ، كذلك رئيس السلطة التنفيذية يضمن بقاءه في منصبه أربع سنوات على الأقل، و هو لا يخشى السلطة التشريعية لأنها لا تستطيع ان تسحب الثقة منه. و مع فإن هناك عوامل تؤدي إلى استمرار السياسة في النظام البرلماني، و من هذه العوامل وجود أحزاب سياسية على درجة كبيرة من الانضباط، و بما أن رئيس الوزراء يتمتع بأغلبية برلمانية، فإنه يستطيع الاعتماد على التأييد المستمر للسياسات التنفيذية و لا يحتاج إلى تعديلها لأنه يضمن عدم رفضها من البرلمان([57]).

ج- المؤسسة العسكرية:

      كثيرا ما يثار الجدل حول الأهمية التي تكتسيها المؤسسة العسكرية في التأثير على السلوك الخارجي للدول، خاصة إن كانت هذه الأخيرة تتمتع بقــدرة على النفوذ داخل أجهزة صناعة القرار، و ارتبطت هذه العلاقة في جزء منها بالطرح المتعلق بالتحليلات التي تركز على دور “المركب العسكري – الاقتصادي” التي تؤكد تورط هذه المؤسسة في توجيه سياسة الدول الخارجية و تحديدها وفق عقيدة هجومية.

      و يتوقف دور المؤسسة العسكرية في عملية صنع الساسة الخارجية على شكل الحكومة، بحيث يتعـين تحليل العلاقـة بين الجهـات المدنـية و العسكرية في أنظمة الحكم المختلفة الشمولية منها ، و الديمقراطية و نجد في هذا السياق الفرضية التي تؤكد بأن هناك علاقة إيجابية بين القدرة العسكرية للدولة و سلوكيتها الخارجية النزاعية، لقد دلت الدراسات بأن الدول الكبرى ذات القــدرات العسكرية و الدبلوماسية، كانت أكثر الدول اشتراكا في الحروب([58]).

      يزداد أثر المؤسسة العسكرية على مراكز صنع القرار كبيروقراطية مؤثرة إذا اشتركت مع رئيس الدولة في الخلفية العسكرية، بحيث تتوافق المصالح و يجد العسكريون مجالا للتأثير على قرارات الدولة الخارجية بحكم علاقتهم الجيدة مع الرئيس، و خاصة في النظم الغير ديمقراطية. بحيث تزداد سيطرة المؤسسة العسكرية في الحالات التي تتسم بمحدودية المشاركة الشعبية في العملية السياسية، و قد مثل الاتحاد السوفييتي سابقا نموذج واضح لارتباط السياسية الخارجية السوفييتية بتأثير العسكريين داخل الدولة.

بينما تبقى العلاقة بين المدنيين و العسكريين في جدلية متواصلة، في النظم الديمقراطية، حيث تسعى هذه النظم باستمرار لضمان سيطرة المدنيين على العسكريين، و يتم وضع القادة العسكريين تحت سلطة وزراء الدفاع المدنيين.كإجراء لفرض هيمنة المؤسسة المدنية.

لكـن يبقى أثر المؤسسة العسكرية على السلوك الخارجي مرهون بطبيعة العلاقة مع باقي المؤسسات و خاصة مؤسسة الرئاسة، بحث أن توجه الدولة نحو انتهاج سلوكات تعاونية لا يبرره عم تواجد مؤسسة عسكرية قوية بل إن الذي يبرره هو ان المصلحة الوطنية الخارجية تتحدد و تتحقق بعدم تدخل المؤسسة العسكرية في القرار الخارجي.خاصة في ظل التوجه نحو مزيد من التعاون ة الاندماج الدوليين.

المبحث الثاني: مكانة و أهمية المتغيرات الداخلية في نظريات السياسة الخارجية:

      نجد أن المقاربات التي حاولت تفسير سلوك الدول تبقى حبيسة النظرة الأحادية بتركيزها على مستوى تحليلي دون آخر و ما يشتمل عليه كل مستوى من متغيرات داخلــــية و أخرى خارجية، فنظريات السياسة الخارجية نختلف حول كيفية تصور الفواعل والدوافع الأساسية basic motivation. بالإضافة إلى ذلك ، فهي تدرس السياسة الخارجية للدول من زوايا مختلفة (هوليس وسميث 1990)([59]).

      ففي حين يذهب فريق من الباحثين إلى القول بأن فهم  السياسة الخارجيـــة يتحقق من خلال التركيز على خصائص و محددات الدولة الداخلية على وجه الحصر ، يذهب فريق آخر إلى القول بأن فهم السياسة الخارجية يكون من خلال التركيز على الخصائص البنيوية الخارجية للنظام الدولي.

      لذا سنعرض في هذا المبحث النقاش النظري من خلال محاولة الإجابة على السؤال المحوري : ما هو المستوى المعتمد في التحليل، هل مستوى بنية النظام الدولي النسقي ، أم المستوى الداخلي الذي يركز على البنية الداخلية للدول؟

      و هذا بهدف الوصول إلى استنتاج قيمة و مكانة متغيرات البيئة الداخلية في فهم السياسة الخارجية للدول إلى جانب المتغيرات الدولية، بما يتناسب و طبيعة موضوع الدراسة.

      و لتحقيق هذا الهدف، حاولنا قياس أثر المتغيرات الداخلية على السلوك الخارجي و تحديد مقاربات دراسة السياسة الخارجية لهذا التأثير،  و لذلك  وجدنا أنه من  الضروري لإبراز أهمية هذه المتغيرات أن نأخذ بعين الاعتبار المواقف النظرية ،التي تخلت عن هذه المتغيرات ثم نبين كيف أن المتغيرات الداخلية فرضت نفسها على التحليل حتى بالنسبة للمواقف الرافضة لها، لذا سنبدأ بعرض المواقف النظرية التي ينفي هذا التأثير و صولا إلى المواقف المؤيدة لذلك. و ذلك على النحو التالي:

المطلب الأول– المنظور الواقعي و نموذج التفسير النسقي للسياسة الخارجية.و الذي يتضمن موقفين:

    – واقعية ” كينيث والتز” البنيوية و نموذج الفصل الصلب بين البيئة الداخلية و الخارجية.

    – أهمية العوامل الداخلية عند الواقعية التقليدية الجديدة في تفسير السياسة الخارجـية.

المطلب الثاني- التفسيرات الداخلية للسياسية الخارجية. و الذي نتناول فيه:

    – المنطلقات الرئيسية للتفسيرات الداخلية للسياسة الخارجية:   

    – نظريات و نماذج  التفسير الداخلي لسلوك الدول الخارجي:و يشتمل على ثلاثة مواقف نظرية:

   – مقاربة الربط لجيمس روزنو.

       – الليبرالية النفعية الجديدة و أثر المصالح المجتمعية على أولويات السياسة الخارجية.

       النظرية البنائية وأثر المتغيرات المجتمعية و الثقافية على السلوك الخارجي للدول.

 المطلب الأول: المنظور الواقعي و نموذج التفسير النسقي للسياسة الخارجية:

       عرفت الواقعية منذ ظهورها مسار تطوري أدى إلى ظهور العديد من الاتجاهات داخل المنظور الواقعي، فالبداية الفعلية لظهور الواقعية كانت مع إسهامات  Morgenthau  فيما عرفت بالواقعية التقليدية ، ثم عدلت الواقعية التقليدية لاحقا نتيجة تحولات عرفتها بنية البيئة الدولية ، و أضيفت إليها  قطع نظرية جديدة طورتها في شكل الواقعية الجديدة البنيوية مع Kenneth Waltz ، و إحدى الإسهامات المهمة داخل المنظور الواقعي تمثلت في ظهور التوجهين  الهجومي-الدفاعي في إطار ما عرفت بالواقعية النيوكلاسيكية.

        حاولت الواقعية  على اختلاف مسمياتها ( تقليدية، جديدة/بنيوية، نيوكلاسيكية)، تقديم تفسيرات مقبولة لما يحدث في العلاقات الدولية، و نقطة الاشتراك بينهم هي القول بتأثير معطيات البيئة الدولية  على سلوكات  الفواعل الخارجية، غير أن ما يمكن ملاحظته في ما يتعلق بمواقفهم حول طبيعة الفصل ما بين السياسة الداخلية و الخارجية هو اختلاف حدة هذا الفصل، بحيث نجده صلبا مطلقا عند أنصار الواقعية التقليدية و كذلك الجديدة البنيوية مع  Kenneth Waltz ، في حين يذهب أنصار الواقعية  النيوكلاسيكية إلى تخفيف حدة هذا الفصل، و القول بتأثير المحددات الداخلية للدولة و أهميتها في فهم السلوك الخارجي إلى جانب المحددات الخارجية.

لذا سنحاول من خلال هذا العنصر تبيين هذا الاختلاف في مواقف الواقعيين من قضية الفصل أو الربط بين البيئتين الداخلية و الخارجية .

أولا- واقعية ” كينيث والتز” البنيوية و نموذج الفصل الصلب بين البيئة الداخلية و الخارجية:     

       ينطلق أنصار هذا الاتجاه التنظيري في حقل السياسة الخارجية لتحريك التساؤل الذي يقول:  لماذا دول متشابهة المكانة في النظام الدولي تسلك سلوكات متشابهة بالرغم من اختلافاتها الداخلية؟”([60]) .

     و كذلك الاستفسار حول: ما الذي يبرر الاستمرار في السياسات الخارجية للدول، رغم التبديل الذي يلحق بالزعامات السياسية، أو التحول الذي يصيب نمط الإيديولوجيات المسيطرة، أو نماذج القيم السياسية و الاجتماعية السائدة؟

      تصنف الواقعية في دراستهـا للسلوك الخارجي للدول نحو بعضها البعض من المقاربات الفوقية ” top-down approaches “، أي أنها تنظر لسلوك الدول من منظور النظام الدولي كمفتاح لفهم سلوك الدول ، ووفقا لهذه النظرية الحوافز والقيود ، أو معايير السلوك هي خارجة عن أي فاعل، وبالتـالي هي في الأصل نسقية([61]).

يعتبر موقف K.Waltz حول قضية الفصل بين الداخل و الخارج امتداد لما ساد قبله عند الواقعيين التقليدين، لذا سنعرج على عرض أهم المنطلقات للنظرية الواقعية التقليدية حتى يتسنى لنا فهم مقترحات الواقية الجديدة لاحقا.

ظهرت الواقعية في البداية من خلال شكلها التقليدي مع إسهامات Morgenthau  و  Carr ، Niebuhr ، و غيرهم من المفكرين الواقعيين الأوائل الذين حاولوا التكيف بفكرهم مع أحداث القرن العشرين التي صاحبتها الكثير من مظاهر الاضطراب و اللاأمن و تفاقم حدة الصراعات والحروب، فجاءت كتاباتهم لتعبر عن ذلك و قد هيمن  هذا المنظور على حقل العلاقات الدولية خلال فترة الحرب الباردة.

 و تفترض الواقعية أن الشؤون الدولية عبارة عن صراع من أجل القوة بين دول تسعى لتعزيز مصالحها بشكل منفرد([62]).

عموما يمكن تلخيص مرتكزات الواقعية الكلاسيكية و تصوراتها حول السياسة الدولية في هذه النقاط([63]):

1- استقيت الرؤى الواقعية من الكتابات القديمة لمفكرين مثل: سان تسو، ثوسيديديس، و هوبز.

2- الواقعية صراع من أجل القوة في العلاقات الدولية لأنه لا وجود لقوة فوقية.

3-  تعتبر الدول، من المنظور الواقعي، أهم الفاعلين على الإطلاق.

4- تحتاج الدول للأمن (القومي) لحماية مصالحها الوطنية ويدخل ضمن هذا الإطار سعيها لاكتساب القوة.

5- الدول فواعل عقلانيون يسعون لتعظيم الفوائد وتقليص التكاليف المتلازمة مع سعيها لتحقيق أهدافها.

6- تعتبر الدولة فاعل وحدوي لأغراض تحليلية، حيث تواجه الدولة العالم الخارجي كوحدة مندمجة. كرات البليارد” (Billiard-ball ) أي أن دول في تصادم دائم.

      اعتمدت الواقعية الكلاسيكية على مفاهيم خاصة لفهم و تفسير مختلف الظواهر المعقدة في السياسة الدولية بما فيها ظاهرة السياسة الخارجية، و تعتبر مفهوم القوة، المصلحة الوطنية، تعظيم المكاسب، المساعدة الذاتية،  العقلانية، الفوضى الدولية…من المفاهيم المفتاحية التي اعتمدتها هذه المقاربة لتفسير السلوك الخارجي للدول.

 فمنهاج التحليل الذي اعتمده مورغنتو Morgenthau ينظر إلى عملية صنع السياسة الخارجية على أنها – باستمرار- عملية ترشيدية ( عقلانية) Rational، بمعنى أنها لا تخرج عن كونها عملية توفيق بين الوسائل المتاحة وبين الأهداف التي هي ثابتة([64])، لذا فكل  سياسة خارجية هي عقلانية  لأنها تسعى دائما لتعظيم القــوة و المصلحة الوطنية.

      و حينما يتم الاعتماد على مفهوم ” المصلحة القومية ” القائل بأن تحقيق المصلحة القومية للدولة هو الهدف النهائي المستمر لسياستها الخارجية، فإن السياسـة القوميــة تكون هي محور الارتكاز، أو القوة الرئيسية المحركة للسياسة الخارجية لأي دولة من الدول، مما يضمن عددا من المزايا:

أولا: يجرد اعتمادنا على مفهوم “المصلحة القومية” أهداف السياسة الخارجية للدول من التبريرات المفتعلة، أو غير الواقعية.

ثانيا: إن مفهوم “المصلحة القومية” يوضح جانب الاستمرار في السياسات الخارجية للدول، رغم التبديل الذي يلحق بالزعامات السياسية، أو التحول الذي يصيب نمط الإيديولوجيات المسيطرة، أو نماذج القيم السياسية و الاجتماعية السائدة([65]).

     و في الإجابة عن السؤال : كيف تدير الدولة شؤونها في علاقاتها مع الأمم التي تنافسها؟ يرى بعض الواقعيين أمثال “مورغنتو” أنه على المستوى الدولي، و في ثنايا النظام بين الدول، لن تعثر على قوة أو قانون يضمن النظام و يصون الأخلاق، و أن ما يقع من مظالم للدولة في علاقتها مع غيرها، لن يزال إلا بالقوة، و في ظل النظام الدولي لا يمكن لغير الدولة أن تفعل ذلك، و طالما أن حالة النظام الدولي هي حالة الفوضى و الحرب، فإنه يجب على الدولة أن تتكيف مع معطيات ذلك النظام ([66]).

        فالتحليل الواقعي للظاهرة الدولية لا يعتمد مستوى التحليل الداخلي بما فيه العوامـل المجتمعية و العوامل الثقافية السائدة داخل المجتمع، فهي تحاول إعطاءنا تفسير لسلوك الدولة داخـــل النسق أو المسار الدولي و السياسة الدولية ، و ليس اعتماد سلوكاتها كوحدة منفردة ([67]).

      فالواقعية تفضل التعامل مع سلوكيات الفواعل و الوحدات على أنها نتاج تفاعلات خارجية نابعة من طبيعة السياسة الدولية و نمط التفاعل و شكل العلاقات فيها، و هي بذلك تنطلق من مبـدأ التكافؤ و التشابه في السياسات الخارجية لبعض الدول المتقاربة أو حتى المتشابهة من حيث مكانتها في النظام الدولي رغم الاختلاف الكبير و التباين في المكونات الداخلية لهذه الدول ، و هذا ما لا يترك مجال أمام التفسيرات الجزئية أو الداخلية([68]). و يؤكد هذا الفصل التام بين البيئة الداخلية و الخارجية ما ذهب إليه  H.Kissinger حينما قال:” تبدأ السياسة الخارجية حينما تنتهي السياسة الداخلية([69])

        في السبعينيات انتقدت أطروحات الواقعية التقليدية، بسبب منهجيتها السلوكية، التي تمحورت حول سلوك الدولة –العنصر الأساسي في تقديرها- في السياسة الدولية، و أخفقت في استيعاب الواقع الحقيقي على أنه “نظام” له بنيته أو كيانه المميز، و بالغت في تفسيرها للمصلحة، و مفـــهوم القوة، و أغفلت سلوك المؤسسات الدولية، و أطر علاقاتها الاعتمادية في جوانبها الاقتصادية([70]).

     و بغية تكييف الواقعية التقليدية مع التطورات في السياسة الدولية،ظهرت الواقعية الجديدة و هي اتجاه داخل الواقعية طوره  K.Waltz و أطلق عليه اسم الواقعية البنيوية، أثار فيه العديد من الأسئلة الإضافية التي لم تكن الواقعية التقليدية قد عنيت بها([71]).

 لم تختلف الواقعية في شكلها الجديد عن الواقعية التقليدية في خصوص اعتبار العوامل النابعة من البيئة الخارجية كمحدد رئيسي للسلوك الخارجي للدول، و ذلك انطلاقا من الأساس الذي يؤكد ندرة الأمن و فوضوية النظام الدولي، و من هذا المنطلق فإن جل اهتمام الوحدات السياسية هي كيفية الحفاظ على وجودها.

إذاً، والتز يدافع عن منظور منظومي systémique، بعبارة أخرى، عن رؤية تنطلق من منظومة ما، أي من مجمل المنظومة الدولية التي تفرض طريقة معينة على شكل وحدات المنظومة وتصرفاتها عن طريق مظاهرها الضاغطة والصائغة. إذاً، فالمنظومة الدولية هي بنية تفرض نفسها على وحداتها([72]). يقول والتز بأن: بنية النظام الدولي هي التي تشكل كل خيارات السياسة الخارجية للدولة([73])

      و يتطلع K.Waltz إلى بناء نظريته على افتراض أن الواقعيين التقليديين حددوا موطن الحرب في مستوى واحد من اثنين، أو كلاهما، و هما الفرد، و المجتمع أو الدولة، و الصواب هو وجوب الفصل بين مستوى النظام و وحداته، و يرى  K.Waltz أن تاريخ العلاقات، من الحروب الدينية إلى الحرب الباردة، يكشف أن ثمة أنماط و تكرار و انتظام في هذه التفاعلات. و يشير إلى ظاهرة علاقة الولايات المتحدة الأمريكية و الاتحاد السوفييتي في نظام توازن القوى، كما عرفته الحرب الباردة، فعلى الرغم من اختلاف البنية السياسية للدولتين، و عدم تطابق الإيديولوجيتين، سلكت القوتان وفقا لأنماط متشابهة في البحث عن نفوذ و تأثير و بسط هيمنة و تحقيق مكاسب، فما هو السر في ذلك؟

و يجيب من خلال دراسته للبنية النظامية على المستوى الدولي، حيث يرى وجود تغييرات على أفعال القوى أشد تأثيرا من تلك النابعة من السياسة الداخلية([74]).

        و على هذا الأساس يمكن تلخيص أهم مبادئ و مرتكزات الواقعية الجديدة  في تفسيرها النسقي للسلوك الخارجي للدول، من خلال النقاط التالية:

أ- الدولة كفاعل أساسي، وحدوي و عقلاني: فالدولة هي الفاعل الأساسي في السياسة الدولية بسبب امتلاكها لوسائل العنف المنظم. خاصة و أن الدول تتجه إلى فهم بيئتها الدوليـة و ليس الداخلية. و هذا ما أشار إليه H.Kissinger حينما قال:” تبدأ السياسة الخارجية حينما تنتهي السياسة الداخلية”([75]). أيضا تعتبر الدول حسب هذا الاتجاه مجرد شخصيات مجازية مزودة بأهداف عقلانية، فالواقعية الجديدة تعتبر من المقاربات التي تعتمد على نموذج  الرجل الاقتصادي the model of homo oeconomicus ، في تحديد أهداف الدولة العقلانية، فهي  تتصور و تفهم الفواعل كـفواعل أنانية (أو بشكل أعم ، هادفه موجهة الأهداف goal-oriented) الأفراد أو المنظمات سلوكاتهم ناتجة عن حسابات عقلانية للتكاليف والفوائد. تتابع الفواعل بوعي و إدراك الأهداف التي تسعى إلى تحقيقها بأدنى حد من التكاليف. من بين الخيارات السلوكيه فهم يختارون واحد هو الأمثل يفضلونه بالنظر إلى النتائج والعقبات التي يواجهونها. فالواقعية الجديدة تحاول عادة تفسير و توضيح أهداف الفواعل و رغباتها على أنها خارجية بدلا من كونها ذاتية النشوء([76]).

ب- الطبيعة الفوضوية للنظام الدولي هي التي تحدد سلوك الفواعل:

       تنطلق الواقعية الجديدة من القول بأن بنية النظام الفوضوية تفرض على الدول داخل النظام الدول نمط السلوك المتبع في بيئة المساعدة الذاتية و اللاأمن، و الدول في هذه الوضعية تكون مبرمجة للعب دور محدد تمليه إملاءات ترتيبها في سلم القوى الدولي([77]).

 و تعرف الفوضوية بأنها  تعبر عن حالة  “غياب الحكومة” على المستوى الدولي. و بالمعنى الرسمي فإنها تشير إلى عدم وجود سلطة مركزية. و بهذا المعنى فإنها بالتأكيد سمة من سمات النظام الدولي وتحدد الإطار الاجتماعي/ السياسي الذي تحدث فيه العلاقات الدولية. و من حيث الظاهر نجد أن منطق الفوضوية حاسم، فالدول هي العناصر الفاعلة الرئيسية الموجودة في بيئة المساعدة الذاتية والتي تكون فيها المعضلة الأمنية ملحة.لذا نجد أن الواقعية الجديدة تسعى للعمل ضمن حدود الفوضوية البنيوية([78]).

و التي تظل الدول فيها عاجزة على الثقة في الدول الأخرى، و يبقى هدفها الرئيسي ليس زيادة القوة كما اعتقد الواقعيون التقليديون، بل العمل على حفظ البقاء أو المحافظة على الذات Self-preservation ، و هذا ما يصيغه K.Waltz ، في معادلة أن الفوضى تؤدي إلى الاهتمام بحفظ البقاء، و هذا الاهتمام يؤدي إلى البحث عن المصلحة و القوة و الهدوء([79]).

ج- العوامل الداخلية ليست عاملا مهما في السياسة الدولية: يتمسك الواقعيون الجدد بطرح صلب جدا بخصوص فصل السياسة الداخلية عن الخارجية و نفي أية علاقة بينهما، و هذا ما دافع عنه K.Waltz بقوله:

نظرية العلاقات الدولية تفقد طبيعتها عندما تتدخل الخصائص القطرية للدول كأداة تفسيرية للسلوك الخارجي([80]).

لذا ينفون أية  أهمية أو قيمة للعوامل الداخلية في تفسير و فهم السلوك الخارجي للدول، بحيث تختصر السياسة الخارجية ضمن الطروحات النسقية الدولية، باعتبار أن النسق الدولي هو الذي يحدد طبيعة السلوك الخارجي للفواعل الدولية.

      إذا يبدو أن الواقعيين و خصوصا واقعية والتز البنيوية تفصل و تنفي أي تأثير و أهمية للسياسة الداخلية في تقديم أطر تفسيرية للسلوكات الخارجية للفواعل.ما دفع البعض لوصفها بـ”النظرية النيواقعية النسقية الصرفة Purely systemic neorealist Theory، و ذلك بسبب نفيها لأي تأثير للعوامل الداخلية على صنع السياسة الخارجية.

     غير أن هذه الطروحات الصلبة داخل الواقعية، لم تلقى قبولا من كل الواقعيين، وخاصة أنصار الواقعية النيوكلاسيكية في شقها المتعلق بتصورات الواقعية الدفاعية حول مدى صحة و انحصار تفسير السلوكات الخارجية للدولة في حدود معطيات البيئة الدولية و بنيتها الفوضوية. و هذا ما أدى بالنتيجة إلى انقسام أنصار هذا النموذج التفسيري إلى موقفين وفق معيار تأثير أو عدم تأثير السياسة الداخلية على السياسة الخارجية. و هذا ما سنتطرق له في العنصر الموالي.

ثانيا- أهمية العوامل الداخلية عند الواقعية التقليدية الجديدة في تفسير السياسة الخارجية:

       بعد النفي التام لتدخل العوامل الداخلية في تفسير السلوك الخارجي، حاولت “الواقعية التقليدية الجديدة” “Neo-Classical Realism تخفيف حدة الفصل بين البيئتين الداخلية و الخارجية، بحيث قدمت مواقف وصفت بالمعتدلة. لتشكل بذلك مبادرة إيجابية لإعادة النظر في مستويات التحليل المعتمدة في تفسير السلوك الخارجي و إعطاء أهمية للمحددات الداخلية إلى جانب المحددات النسقية.

و تنقسم الواقعية النيوكلاسيكية بدورها إلى ما يعرف بالواقعية الدفاعية و الواقعية الهجومية. فكلاهما يعترف و يقر بدور وتأثير البنية الداخلية و إدراكات صانع القرار على توجهات و أهداف السياسة الخارجية، غير أن هذا لا يمنع من وجود فوارق بينهما، سنحاول تبيينها فيما يلي:

أ- الواقعية الدفاعية: The Defensive Theory أهم روادها : Stephen Van Evara/ Robert Jervis/ Joseph Grieco

تفترض الواقعية الدفاعية أن فوضوية النسق الدولي أقل خطورة، و بأن الأمن متوفر أكثر من كونه مفقودا، و هي بهذا تقدم تنازلا نظريا بتقليصها للحوافز النسقية الدولية، و جعلها لا تتحكم في سلوكات جميع الدول، إنها بدأت تقر بوجود سياسات خارجية متميزة، و بالتالي الاعتراف بالآثار الضئيلة للبنيات الداخلية على السلوك الخارجية([81]).

فعندما تكون القدرات الدفاعية أكثر تيسرا من القدرات الهجومية فإنه يسود الأمن وتزول حوافز النزعة التوسعية. و عندما تسود النزعة الدفاعية، ستتمكن الدول من التمييز بين الأسلحة الدفاعية والأسلحة

ذات الطابع الهجومي، آنئذ يمكن للدول امتلاك الوسائل الكفيلة بالدفاع عن نفسها دون تهديد الآخرين، وهي بذلك تقلص من آثار الطابع الفوضوي للساحة الدولية([82])، و بالتالي تخفف من حدة تأثير هذه البنية الفوضوية على سلوكات الفواعل. فالقادة السياسيون لا يحاولون وضع دبلوماسية عنيفة و إستراتيجية هجومية إلا في حالة الإحساس بالخطر، و بالتالي في غياب الأخطار الخارجية، الدول ليس لها دوافع آلية إلى إتباع هذه السياسات العنيفة([83]).

       و عليه فقد طورت الواقعية الدفاعية فرضياتها لتبين مـن خلالها أثر البنيات الداخلية للدولة في تحديد طبيعة التوجه الخارجي للدول، ففي حالة وجود خطر خارجي، الدولة تجند مجموع القدرات العسكرية، الاقتصادية و البشرية، و إدراك هذا الخطر مرتبط بذاتية القادة السياسيين، الذين يحدون من الوسائل المستعملة إلى الدفاع عن المصالح الحيوية فقط، و أكبر مصلحة حيوية هي الأمن.

      إذا يبدو واضحا أن الحديث عن  إدراكات صناع القرار، طرح جديد للواقعية الدفاعية، على عكس ما تم تداوله سابقا لدى الواقعية البنيوية لوالتز،فتوزيع القوى و التحولات الدولية مرتبط أساسا بإدراكات القادة الوطنيين، و يؤكدون ذلك انطلاقا من تشبيهات تاريخية و أخرى إدراكية، فدور إدراك الأخطار عند القادة السياسيين هو المؤدي إلى الاستقرار المنتظر حسب الواقعية الدفاعية.

و لقد أتت الواقعية الدفاعية بمصطلح ” الواقعية التعاونية Cooperative Realism “المشجع و المؤكد على فوضى ناضجة عوض فوضى مطلقة، و هذا من أجل تفادي الحرب بوضع سياسات مشتركة لذلك([84]). و مع تراجع حالة الفوضى في النظام الدولي، سيتراجع بذلك أهم محدد لتفسير السلوك الخارجي بالنسبة لواقعية والتز و نتجه أكثر فأكثر لإثبات دور المحددات الداخلية في تفسير السلوك الخارجي ( إدراك صانع القرار للبيئة الخارجية).

ب- الواقعية الهجومية: The Offensive Theory أهم روادها: John J.Mearsheimer/ Stephen Walt/ Farid Zakaria

     ظهرت الواقعية الهجومية كرد فعل للواقعية الدفاعية، حيث انتقدتها حول المرتكز الأساسي لها في أن الدولة و في إطار الفوضى الدولية تبحث فقط عن أمنها، حيث ترى عكس ذلك بأن الفوضى تفرض باستمرار على الدول تعظيم و زيادة القوة([85])، لذا يعتقدون بتزايد احتمالات الحرب بين الدول كلما كانت  لدى بعضها القدرة على غزو دولة أخرى بسهولة([86])، و بالتالي استمرار حالة الفوضى المطلقة.غير أن ما يميز هذا الطرح عن واقعية والتز هو عدم الإقرار بأن تفسير السياسات الخارجية و المخرجات الدولية لمختلف الدول يكون مبنيا على فكرة الفوضى، و هذا ما ترفضه الواقعية الهجومية كعامل واحد، فكما يؤكد ” فريد زكرياء” من أن التركيز على السياسة الخارجية للدول يجب أن يضم المتغيرات الداخلــية و النسقية و التأثيرات الأخرى مخصصة و محددة مظاهر السياسة الدولية التي يمكن تفسيرها بهذه المتغيرات([87]).

      شكلت هذه المواقف الجديدة بالنسبة للواقعية النيوكلاسيكية، تحولا عميقا لدى المدرسة الواقعية فيما يتعلق بالحدود الفاصلة بين ما هو داخلي و ما هو خارجي. لتفتح المجال أمام ضرورة إعادة النظر حول تأثير المحددات الداخلية في توجيه السياسة الخارجية، و إزالة ذلك الفصل الصلب بينهما.

     بالإضافة لهذا فقد شكلت التطورات الجديدة على مستوى التفاعلات الدولية و التطور العلمي الذي عرفته الدول بداخلها، كذلك زيادة الاهتمام الشعبي و الرأي العام بقضايا العلاقات الدولية، و زيادة عدد الدول المستقلة، حيث أدى تنوع هذه الدول الجديدة و اختلاف تركيبتها و بالتالي سلوكياتها إلى فتح مجال الاهتمام لدرس و مراقبة علاقاتها ببعضها البعض([88])، وفق مقاربات جديدة قادرة على استيعاب مختلف المتغيرات المؤثرة في السياسة الخارجية خارج إطار المتغيرات النسقية. إذا و نتيجة لهذه المستجدات لم تعد العلاقات بين الدول، و بالتالي التأثير المتبادل حكرا على المستوى الحكومي، بل تعدى ذلك ليشمل العلاقات و التأثير المتبادل على المستوى المجتمعي و لو بدرجات متفاوتة حسب بنية الدول المعنية. ساهم هذا كله في زيادة الاهتمام الشعبي بالعلاقات الدولية و بالتالي السياسة الخارجية بعد أن كانت وقفا من حيث الاهتمام على قطاعات معينة نخبوية في كل دولة([89]).

     كل هذا طرح إشكالية القدرة التفسيرية للمقاربات التي حاولت تفسير السلوك الخارجي بالعودة إلى البنية النسقية للنظام الدولي، حتى من حتى من قبل العديد من الواقعيين و على رأسهم Christensen الذي قال بأن: ” الموروث الواقعي يمكن أن يكون له قدرة تفسيرية في وقت ما، و لكن مع ذلك فإن بعض التوجهات الجديدة يمكن تفسيرها بنظريات السياسة الداخلية، مثل الاختلافات الإيديولوجية، الضغوطات السياسية الداخلية، أو حتى الجانب السيكولوجي للقيادات المختلفة([90]).

و أدى هذا إلى بروز نماذج نظرية تأخــذ بعين الاعتبار مختلف المتغيرات الداخلية في فهم و تفسير السلوك الخارجي، و هذا ما سنعرج على ذكره و التفصيل في جوانبه فيما تبقى من هذا المدخل النظري للدراسة.

المطلب الثاني- التفسيرات الداخلية للسياسة الخارجية:

       سنحاول من خلال هذا العنصر التطرق لتوضيح المنطلقات الرئيسية لهذه النظرية من خلال مواقف أصحاب نظرية السياسة الداخلية و ذكر أهم الإسهامات لبعض المفكرين البارزين في هذا السياق مثل  James D.Fearon/ /Giden Rose Colin Elman

أولا- المنطلقات الرئيسية للتفسيرات الداخلية للسياسة الخارجية:   

       نظرا لفشل نظريات السياسة الدولية في التنبؤ بما يحدث في النسق الدولي بدأت العديد من الاعترافات بمكانة التفسيرات الداخلية في التفسير، و بدأ البعض يتحدث عن نظرية السياسة الداخلية Domestic Politics Theories في تفسير السيـاسة الخارجيـة. و قد أدرك Richard Snyder و Brohk، و Spain، و غيرهم من الدارسين قصور النموذج الاستراتيجي و قدموا نموذجا بديلا لفهم صنع القرار في السياسة الخارجية، و تجاوزوا مفهوم “الصندوق الأسود”، و ذلك بتقديمهم لمجوعة العوامل الداخلية، التي تؤثر مباشرة على خيارات السياسة الخارجية([91]).إلى جانب العوامل الخارجية.

و كما هو الحال بالنسبة للتفسيرات النسقية لدى الواقعيين على اختلاف توجهاتهم، ظهر أن هناك تفاوت في حدة الفصل بين الداخل و الخارج مع إعطاء الأهمية للخارج في معظم التفسيرات النسقية، كذلك الأمر بالنسبة للتفسيرات الداخلية فهي تتمايز ما بين تفسيرات داخلية صرفة و أخرى تعطي أولوية للسياسة الداخلية دون إهمال أثر المتغيرات الخارجية و أثرها النسبي على السلوك الخارجي.

       تنطلق التفسيرات الداخلية للسياسة الخارجية من بديهية قديـمة تؤكد أن السياسة جسم موحد، و بالتالي ليس هناك مجال للتمييز بين السياسة الداخلية و الخارجية، و المعطيات الداخلية تحدد بصفة كبيرة المقدرات الخارجية([92])، لذا تفترض أن الدول تعتبر فواعل غير وحدوية Non Unitary Actor، لذلك تنفرد كل دولة بنموذجها الخاص في السياسة الخارجية، انطلاقا من انفرادها بنموذج تفاعلي داخلي. و هذا ما يؤكده  James D.Fearon في قوله:

إذا قدمت دولة أو عدة دول أو عدة دول على أنها فواعل غير وحدوية، و إذا اتبعت كل دولة سياسة خارجية متميزة Suboptimal Foreign Poilicy تتناسب مع نماذج التفاعلات بين الفاعلين داخل الدولة، و كذا طبيعة الرغبات الفكرية و الإيديولوجية لصناع القرار نكون بصدد التفسيرات الداخلية([93]).

      و في هذا السياق يذهب البعض مثل Giden Rose إلى القول بأن هذا المقترب (السياسة الداخلية)، يفترض بأن السياسة الخارجية لها مصدرها في السياسة الداخلـــية بحيث أن الإيديولوجية السياسية و الإقتصادية، و المميزات الوطنية، و السياسات الحزبية، و البنيات السوسيو-اقتصادية، هي التي تحدد كيف تتصرف الدول تجاه العالم الذي يقع خارج حدودها، و هذا يعني بأن السياسة الخارجية تفهم بشكل جيد إذا أخذت على أنها نتاج الحركية الداخلية للدولة([94]).

      و هذا الرأي دافع عنه العديد من الباحثين خاصة Stephen Peter, Rosen, Kenneth M.Pollack، أثناء دراستهم عن المنطقة العربية و الهند، بحيث قالوا بأن المؤسسات الثقافية تساهم بشكل حاسم في رسم توجهات هذه الدول الخارجية([95]).

      قدم Rogoweski عام 1998 مقترحا لخص فيه كيفية تأثير المؤسسات السياسية الداخلية على السياسة الخارجية، و توصل إلى تحديد أربعة أبعاد أساسية:

  • التأثير على ميول و توجهات السياسة الخارجية The Bias of Foreign Policy، بحيث أن طبيعة البنيات الداخلية قد تساهم بشكل حاسم في تحديد الميول نحو الحرب أو السلم، تحرير التجارة أو الحماية.
  • التأثير على استقرار و تجانس السياسة الخارجية للدول، و قد أشار في هذا السياق من قبل الباحث Krasner سنة 1976، دراسة بين فيها كيف أن فتور المؤسسات الداخلية لكل الو.م.أ و بريطانيا منعتاهما من اختيار سياسات مالية و تجارية جيدة، غيرت من وضعية قوتيهما الدولية خلال الفترة من 1900-1913، و كذا في فترة ما بين الحربين العالميتين على التوالي.
  • التأثير على مصداقية التزامات و عهود السياسة الخارجية.
  • قدرة تحريك و إبراز القوة و الموارد، و كذا استراتيجيات الفاعلين الداخليين للتأثير في السياسة الخارجية([96]).

ثانيا- نظريات و نماذج  التفسير الداخلي لسلوك الدول الخارجي:

سنتطرق لعرض ثلاثة مقاربات أساسية قدمت نمــاذج و أطر نظرية، توضح مـــن خلالها الترابط و التأثير الداخلي في السياسة الخارجية:

  • مقاربة الربط لجيمس روزنو.
  • النظرية الليبرالية النفعية الجديدة و مستوى التحليل التحتي bottom-up approaches.
  • التفسيرات الداخلية للبنائية حول السياسة الخارجية.

1- نموذج الربط لجيمس روزنو:

      كان جيمس روزناو James Rosenau)) أول من طرح أفكار الربط بطريقة ذات معنى في ستينيات القرن العشرين. فهي تشكل جزءاً من المنظور التعددي الذي يشكك بصلاحية النماذج التقليدية للسياسة التي تقوم على أساس الدولة([97]).

تندرج دراسة جيمس روزنو حول العوامل المؤثرة في السياسة الخارجية في إطار الدراسات المقارنة للسياسة الخارجية، و كان روزنو أول من قدم في مطلع السبعينيات مدخلا نظريا للدراسة المقارنة للسياسة الخارجية.

إذا تبرز أهمية الدراسة المقارنة من خلال نموذج روزنو على أنها  تزيد من فهمنا و استيعابنا للسياسة الخارجية لدولة معينة بحيث تساعد مثلا في تحديد الحالات الاستثنائية التي تحكم بها عناصر معينة سياسة خارجية، و ندرك معه حالات تأثير عامل معين وحالات انعدام تأثيره (داخـلي كان أم خارجي) و تسقط كذلك التفسيرات الأحادية و العقائدية للسياسة الخارجية ، وأيضا تحديد القضايا التي ترتبط في تأثيرها عامل محدد وهذا برصد تفاعل القضية-المجال Issue- Area ، وإجمالا هدف روزنو مساهمته في تقديم إطار نظري لترتيب عناصر التأثير حسب وزنهـا و في حالات مختلفة([98]).

 

مفهوم الربط عند روزنو:

      عرف ٌRosenau مفهوم الربط  Linkage  بين النظام الوطني أو مجتمع الدولة و النظام الدولي، كأي سلوكية معينة متكررة تنشأ في نظام و تؤدي إلى ردة فعل في نظام آخر.فالسياسة الخارجية تنشأ في دولة معينة و تؤدي إلى ردة فعل في نظم أخرى ( نظام دولي أو نظم وطنية).

      و تجادل نظرية الربط بأنه لا يمكن رسم حدود واضحة وثابتة بين السياسة المحلية والسياسة الخارجية. فالسياسة الخارجية تمثل مشكلة “حدود” بمعنى أنه لا يوجد وضوح بشأن مكان الحدود. فعبر ما يدعوه مُنظِّرو الاتصال حلقة تغذية رجعية (feedback loop) نجد أن الأحداث الداخلية تؤثر في الأحداث الخارجية والعكس بالعكس([99]).

من خلال هذا المفهوم الجديد قدم روزنو تفسيرا يستند فيه إلى تبيين حجم  الترابط بين المتغيرات الداخلية و السياسة الخارجية بحيث قدم مجموعة المتغيرات المؤثرة في تحديد الســـلوك الخارجي، و حصرها في خمس فئات*:

  • النظام الدولي.
  • العوامل المجتمعية.
  • العوامل الحكومية.
  • العوامل المتعلقة بالدور.
  • العوامل الفردية لصانع القرار.

 يبدو أن روزنو أعطى أهمية و وزن كبير للمتغيرات الداخلية ، حيث جعل أربع فئات داخلية، بينما الخامس كان المتغير النسقي، و هذا ما يبرز أهمية الوزن النسبي لمتغيرات السياسة الداخلية في تفسير السلوك الخارجي للدول.

ثانيا- الليبرالية النفعية و أثر المصالح المجتمعية على أولويات السياسة الخارجية:

     ظهرت المدرسة الليبرالية و قد وصفت بأنها أكثر مدارس العلاقات الدولية إملاء لقيم التعاون الدولي، حيث تنظر إلى ذلك التعاون على أنه الحالة الطبيعية في العلاقات الدولية، و إلى النزاعات –لاسيما المسلحة- على أنها الاستثناء([100]).لتأكد من جديد على أهمية الفرد و المجتمع في دراسة العلاقات الدولية، و مثل جوهر تفكيرها مسألة السلام،.و دافع ستانلي هوفمان عن هذا الرأي من خلال قوله:”إن جوهر الليبرالية هو الانضباط الذاتي و الاعتدال و الحل الوسط و السلام([101]).

     فيما يتعلق بنظرتها حول تفسير السلوك الخارجي للدول، فالليبراليون الجدد ينطلقون في فهم السياسة الخارجية من منطلقات داخلية عكس ما ساد لدى الواقعية البنيوية التي اعتمد منهج تحليل تنازلي فوقي  top-down approaches”، عبر إعطاء الأولوية في التحليل للمستوى النسقي الكلي.

       كما رأينا بالنسبة للواقعية، فالليبرالية كنظرية أيضا متنوعة و مختلفة، فبالرغم من أن كل نظريات الليبرالية تتقاسم مرجعية مشتركة في خصوص الفرضيات الأساسية، إلا أنها تختلف في بعض النقاط و منها ما يهمنا في هذا الصدد قضية نظرتها حول الأثر النسبي للمتغيرات المؤثرة على توجهات السياسة الخارجية بين المحددات الداخلة و الخارجية،حيث تفترق – كما رأينا بالنسبة للمدرسة الواقعية-، بين نظريات تفسير داخلي صرفة للسياسة الخارجية مثل ( نظريات السلم الديمقراطــي)، و بين أخرى تؤكد التأثير الداخلي على السياسة الخارجية دون أن تنفي أثر العوامل و الضغوطات الخارجية المفروضة من بنية النظام الخارجي ( الليبرالية النفعية). لكن المهم في كلا التصورين هو إدخالهما للتفسيرات الداخلية بشكل واضح في تفسير السلوك الخارجي.

       تعتمد الليبرالية النفعية Utilitarian Liberalism، تعتمد في التحليل “مقاربة تحليلية وفق منهج تصاعدي من أسفل نحو الأعلى” “bottom-up approaches” ،لذا فهي  تندرج في إطار المستوى الفرعي sub- systemic level للتحليل. حيث تسعى لشرح السياسة الخارجية للدول “من الاسفل”. وتفترض هذه النظريات أن السياسة الخارجية للدول يتم تحديدها أساسا بالتقاء عوامل داخلية([102]).

      في معارضتها للنهج التنازلي للتحليل عند K.Waltz ، لم تنفي بصفة مطلقة تأثر سلوكات الدول بمعطيات الخارجية  المفروضة من بنية النظام الدولي ، لكن في المقابل يؤكد الليبراليون النفعيون  بأن السياسة الخارجية هي أساسا تعتبر وظيــفة للدولة، و الأولويات بالنسبة للسياسة الخارجية مصادرها الرئيسية تكمن في البيئة الداخلية للدول ، وتبرير الواقع يستلزم النهج التصاعدي لدراسة السياسة الخارجية. و بصفة أدق ، تؤكد  بأن السياسة الخارجية لدولة ما هي الأهداف التي تحددها مصالح الفواعل المجتمعيه المهيمنة ، أي الدولة ستواصل هذه السياسة التي تخدم مصالح هذه الأطراف الفاعلة أكثر و باستمرار([103]) ،لذا تفترض على هذا الأساس أن الدول تعتبر فواعل غير وحدوية Non Unitary Actor، بحيث تنفرد كل دولة بنموذجها الخاص في السياسة الخارجية، انطلاقا من انفرادها بنموذج تفاعلي داخلي يعكس مصالح كل مجتمع، و التي تجسد لاحقا في سلوكات دولها الخارجية.

       وفي هذا السياق تضيف هذه النظرية بأن السياسة الخارجية للفواعل تكون عقلانية من حيث الأهداف، و تعتمد في هذا على نموذج  الرجل الاقتصادي the model of homo oeconomicus ، لذا تصنف في فئة النظريات العقلانية في السياسة rationalist theories of politics([104]).

     بحيث تعاملت مع السياسة الخارجية باعتبارها ” سياسة البحث عن الربح الصافي” net gains-seeking foreign policy (متغير تابع) كما تحددها مصالح مجتمعاتها (المتغير المستقل).  فالفواعل من أفراد، جماعات و مختلف الفئات الاجتماعية  سلوكاتهم تفهم كـفواعل موجهة الأهداف goal-oriented) ناتجة عن حسابات عقلانية للتكاليف والفوائد. و تتابع الفواعل بوعي و إدراك الأهداف التي تسعى الى تحقيقها بأدنى حد من التكاليف ، لذلك فالمنطق المعتمد هن هو منطق نتائجي ” logic of consequentiality. لسلوك الفواعل. لذلك عندما يواجه الرجل الاقتصادي عدة خيارات ، يسأل نفسه الأسئلة التالية:

(1) ما هي خياراتي؟

(2) ما هي أهدافي؟

(3) ما هي النتائج المحتملة لكل خيار من خياراتي؟

(4) وما هو الخيار الأفضل بالنسبة لي ، في ضوء أهدافي ، بمعنى ماهو الخيار الذي يضاعف منفعتي الصافية my net benefit   (أخذا في الاعتبار مختلف الاحتمالات من النتائج المحتملة المرتبطه بأي خيار معين)؟

     و كنتيجه للتفاعل بين الأطراف المحلية الفاعله في عملية الوساطة للمصلحة المجتمعية  the process of interest intermediation ، فهي تخلق شبكات سياسة في شكل نظام معين، و قدرة كل فاعل لتأكيد أولوياتـه في عملية صنع السياسة الخارجية و هذا يتحدد بالنظر لنسبة الهيمنة في الشبكه السياسة الداخلية([105]).

       مصطلح الجماعات و الفئات الاجتماعية يشمل جميع فئات الفواعل الاجتماعية المنظمة المشاركة في عملية صنع قرار السياسة الخارجية ؛ أي ليس فقط الفواعل الاجتماعية و الاقتصادية بالمعنى الضيق ، مثل فواعل القطاع الخاص (الشركات والمؤسسات التجارية و العماليه وجماعات المصالح ، الخ) ولكن أيضا الفواعل  الاجتماعية في مفهومها الواســــع ، مثل الفواعل السياسية و الاداريه PSA Actors([106]). كل واحد من هذه الفواعل يتحرك بدافع مصلحة أساسية للبقاء الذي يقوده إلى الحصول على كل من “السلطة” و “الوفرة” في الدخل المالي([107]).التي تساعده على استصدار قرارات خارجية تخدم مصالح الفئة التي يمثلها داخليا.

      فالسياسة الخارجية بالنتيجة تعبر عن مصالح قطاعات المجتمع الذين هم في موقع  لفرض أهدافهم على وكلاء يمثلون الدولة في الساحة الدولية ، وهذه المصالح المجتمعيه. تنبثق من شبكات السياسات التي تشمل كلا من الفعاليات التي تنتمي الى النظام الحكومي – الإداري PSA ، و الفواعل من القطاع الخاص ( الشركات ،جماعات الضغط الاقتصادية و يقصد الصناعة ورابطات الفلاحين والنقابات)  الذين لديهم مصلحة في القضايا المطروحة([108]).

      إذا فالنموذج التفسيري الذي تقترحه الليبراليه النفعيه لتحليل السياسة الخارجية للدول يستند على النقاط التالية([109]):

 1) حساب المصالح الأساسية للفواعل المجتمعيه الأكثر تدخلا بشكل مباشر في عمليات الوساطة المصلحة المجتمعية processes of societal interest intermediation.

 2) حساب لتكوين و بنية الشبكات الوثيقة الصلة بالسياسة الخارجية.

 3) تقرير حول العوامل التي تحدد الجهة التي يرجح ان تهيمن على سياسة معينة ، وبالتالي شبكة المصالح الاساسية التي من المحتمل ان تنعكس في السياسة الخارجية للدولة وفيما يتعلق بالقضية المعنية.

و عليه يمكننا استنتاج ما يلي:

  • حسب نظرة الليبرالية النفعية، فالسياسة الخارجية تتحدد بالمصالح التي تقررها الجماعات المجتمعيه الذين لديهم القدرة للسيطرة على عملية صنع قرار السياسة الخارجية، التغييرات في السياسة الخارجية بناءا على ذلك تكون مرتبطة بوظيفة التغييرات في أولويات الفواعل المهيمنة ، او بالتغيرات في تركيبة مجموعة الفواعل المهيمنة في كل قضية-مجال داخل الشبكة الاجتماعية ([110]).
  • كذلك و من خلال مستوى أكثر تجريدا، السعي للمكاسب يشكل الحافز الأساسي المشترك بين جميع قطاعات المجتمع. الليبراليه النفعية تدعي أن الأهداف التي تسعى إليها أكثر والفواعل الاجتماعية سوف تتحول إلى أهداف الدولة في تعاملها مع دول ومجتمعات أخرى([111]).

بالإضافة للطرح السابق لليبرالية النفعية نجد داخل هذا المنظور طرح آخر يؤكد فكرة تأثير شكل البنية الداخلية للنظام السياسي للدول على توجهاتها الخارجية، وهذا من خلال نظرية السلام الديمقراطي في تحليل السياسة الخارجية Democratic Peace Theory:

      جاء أنصار الليبرالية الجديدة من خلال الطرح  المتعلق بفكرة  “السلام الديمقراطي“، مؤكدين حجم التداخل الكبير بين طبيعة النظم السياسية للدول و سلوكها الخارجي، فرغم أن آخر حلقة من النقاش حول “السلام الديمقراطي”، كانت قد ابتدأت فعليا قبل سقوط الاتحاد السوفييتي، غير أن هذا المفهوم أصبح أكثر إسنادا بزيادة عدد الدول الديمقراطية وتراكم مزيد من الشواهد الإمبريقية المؤكدة للارتباط القائم بين الديمقراطية والسلام([112]).

      و قد حاولت كل الجهود من طرف الليبراليين إرجاع الاختلافات الموجودة بين السياسات الخارجية الموجدة في البنيات السياسية الداخلية، و هذا ما دافع عنه Ray  من خلال تمييزه بين السياسات الخارجية للفواعل الديمقراطية و السياسات الخارجية للفواعل غير الديمقراطية، و نفس الشيء فعله Geomans عام 1995 الذي ميز بين حكم القلة و حكم الفرد المطلق المستبد ([113]).

ثالثا- النظرية البنائية وأثر المتغيرات المجتمعية و الثقافية على السلوك الخارجي للدول.

      ظهرت البنائية Constructuvism * في العلاقات الدولية في نهاية الثمانينات كانتقاد للاتجاهات التي كانت سائدة في العلاقات الدولية، كان Nicholas Onuf أول من استعمل المصطلح  في كتابـــه world of our making)) حيث ركز على انتقاد أعمال الواقعية البنيوية **([114]).

      شهدت العشرية الأخيرة من القرن العشرين تزايد الاهتمام بتصور الثقافة و مختلف المتغيرات القمية و الاجتماعية الموجودة داخل البنى الداخلية للدول، وقد برز الاتجاه البنائي مركزا على أهمية الأفكار والضوابط، لفهم و تفسير سلوك الدول الخارجي الذي يعتبر حسب منظري هذا الاتجاه امتداد لما يسود المجتمع من قيم و أفكار و خطابات اجتماعية معينة. فقد استعمل كــل من “توماس بيرقر” و “بيتر كاتزنشتاين” المتغيرات الثقافية لتفسير نزوع ألمانيا واليابان بعيدا عن السياسات العسكرية التي تعتمد على الذات. كما قدمت “إليزابيث كير” تفسيرات ثقافية للعقائد العسكرية التي سادت بريطانيا وفرنسا، في فترة ما بين الحربين. أما “لين جونستون” فقد قامت بتقصي حالات الاستمرارية في السياسة الخارجية الصينية فيما تعتبره “واقعية ثقافية” متجذرة[115].

    إذا فهذا الاتجاه التفسيري ينطلق من الاعتقاد بأن الواقعة الدولية هي اجتماعية البناء في الأساس([116])، لهذا فقد بدأت الدراسات الحديثة و خاصة الاتجاهات النقدية الاجتماعية و البنائية في دراسة السياسة الخارجية للدول، مراعاة التداخل بين البيئة الاجتماعية Intr-Societal، و البيئة الاجتماعية الخارجية Extra-Societal([117]).

وصفت النظرية البنائية – و هنا نتحدث عن البنائيون الحداثيون Constructuvist Modernists ، Alexandr Wendt ، كمحاولة تركيب أكثر من أنها شكلت تحدي أو انتقاد لأبحاث الواقعية الجديدة والليبرالية ([118]). لذا يعتقد البعض أن الأهمية النظرية للبرنامج البنـائي تكمن في مــواقفه الإبستمــولوجية و الأنطولوجية و المعيارية الوسطية([119])، إذ تمثل البنائية تصورا وسطيا.و على هذا الأساس فالبنائيون في محاولة تفسيرهم للسلوك الخارجي للدول اعتمدوا مستوى تحليل وسط بين المستوى الكلي أو النسقي الذي يعتمد نظرة فوقية لسلوك الدولtop-down approaches” كما هو حال الواقعية الجديدة، و بين المستوى الثاني المعتمد على مقاربة تحليلية وفق منهج تصاعدي من أسفل نحو الأعلى” “bottom-up approaches,”عند الليبرالية النفعية.أما  البنائية ، في المقابل ، تتخذ كلا مستويات التحليل – المجتمع الدولي والمجتمع المحلي – في الحسبان([120])*.بحيث ترى أن كلا المجتمعين المحلي و الدولي تحتوي على قيم مشتركة، تمثل محدد مهم لسلوك الدول الخارجي، لذلك لفهم سلوك السياسة الخارجية لدولة بعينها ، هناك  نظامين اجتماعيين مختلفين يمثلان مرجعية مشتركة  بالنسبة لهؤلاء الوكلاء أو العملاء ، أي صناع القرار سياستها الخارجية الذين يمثلون دولتهم و قيم مجتمعهم: المستوى الدولي  وكذلك المجتمع المحلي.

     اثر المعايير الاجتماعية على سلوك السياسة الخارجية لدولة يرجع إلى عمليات التنشئة الاجتماعية process of socialization  التي يخضع لها صناع القرار. بالنسبة لعملاء الدولة هناك تحليلين متميزين للتنشئة الاجتماعية يحدثان في نفس الوقت. لأنهم في تفاعل بين نظامين اجتماعيين مختلفين في المجتمع الدولي والمحلي لكل مجتمع يواجهوه عمليات تنشئة اجتماعية مختلفة. فكما تؤثر القيم الداخلية على سلوك الفواعل، كذلك تلعب القيم الدولية من خلال المؤسسات الدولية و الإقليمية دروا مؤثرا في توجيه سلوك الفواعل، و يحدث أن تلاؤم الدول سلوكاتها بما يتناسب و بنية القيم الداخلية و كذلك الدولية، فكل دولة ترغب في تمرير قيمها للخارج لكن عبر التقيد بالإملاءات و القيم الدولية، كعدم شرعية الحرب كأداة لإثبات الهوية الخارجية. فالوكلاء الداخليون الممثلون لدولهم، يشبعون إلى جانب قيم مجتمعاته، بالقيم النابعة من الثقافة العالمية (ثقافة الأمن و السلم).

       لكن هذا الموقف الوسط في خصوص مستوى التحليل المعتمد يتناسب أكثر مع غاية النظرية التركيبة، حيث أن المستوى المحلي و القيم السائدة داخل المجتمع تأخذ نسبة كبيرة في تحليل السلوك الخارجي ،إذا ما قورنت بمدى تأثير بنية النظام الدولي، و هذا ما سنلاحظه من خلال عرض للفرضيات و الأسس الرئيسية للنظرية في دراسة السلوك الخارجي للدول.و بحكم أن داستنا هذه تنصب على دراسة أثر المتغيرات الداخلية على السلوك الخارجي للدول، سنعمد إلى التركيز على إبراز التصور البنائي الذي يجعل من السلوك الخارجي امتداد للقيم المجتمعية الداخلية للدولة.

     اعتمادا على تصور و إدراك  Alexandr Wendt فإن البنائية تنطلق من الافتراضات الأساسية التالية لتقديم فهم أو إدراك أكثر عمقا للسياسة الدولية، و تتمثل هذه الافتراضات في[121]:

  • الدول هي الوحدات الأساسية للتحليل.
  • البنى الأساسية للنظام القائم على الدول، مبنية بشكل “تذاتاني” Intersubjective.

     – هويات و مصالح الدول، تتشكل في معظم أجزائها بفعل البنى الاجتماعية، أكثر ماهي موجودة   بشكل منعزل ضمن النظام.

عموما النظرية البنائية حسب  Alexandr Wendt تطرح مجموعة اقتراحات  أساسية لدراسة السلوك الخارجي،  على النحو التالي([122]):

    1- العوامل المجتمعية المؤثرة في السلوك الخارجي للفواعل :

  • دور التنشئة الاجتماعية في تشكيل السلوك الخارجي.
  • أهمية الأفكار و المعرفة في إلى جانب القوة المادية في تشكيل البنيات والسلوك الخارجي.
  • دور الهويات و تأثيرها على سلوكات الوحدات و مصالحها.

1- العوامل المجتمعية المؤثرة في السلوك الخارجي للفواعل:

 أ- دور التنشئة الاجتماعية للوكلاء  في تشكيل السلوك الخارجي للدول:

      ينطلق البنائيون في تبرير هذا الطرح حول علاقة التنشئة الاجتماعية للوكلاء الممثلين للدولة بالسلوك الخارجي من طرح تساؤل حول مدى صحة التفسيرات العقلانية التي تنطلق من نموذج الرجل الاقتصادي لتحدد طبيعة أهداف السلوك الخارجي.

     حيث يظهـر الاختلاف الأكثر أهمية عند البنائيين في فهم محددات السلوك الخارجي و الذي يفرقهم عن المقاربات العقلانية ( الليبرالية و الواقعية) ،هو طبيعة تركيبة النموذج الفاعل و المنطق المفترض للسلوك، الواقعيون الجدد و الليبراليون النفعيون –كما رأينا- تصنفان باعتبارهما نظريات عقلانية في دراسة السياسة الخارجية اعتمادهما على نموذج  الرجل الاقتصادي the model of homo oeconomicus *، لكن في المقابل ، نجد أن البنائيين يبنون حسابهم في السياسة الخارجية على فكرة الرجل الاجتماعي the notion of homo sociologicus ([123]) . حسب البنائيين إذا النظريات العقلانية التي تفترض أن الفواعل أنانية و مصلحية في تحقيق أقصى المنافع يجب أن تتناول مسألة الأهداف التي تسعى إليها الفواعل قيد الدراسة. فكما رأينا ، الإجابات التي قدمتها الواقعية الجديدة و الليبرالية النفعية هي الأمن من حيث “الاستقلالية” و”النفوذ” و “السلطة و “الوفرة ،” على التوالي. في المقابل ، النظرية البنائية تفترض أن الأطراف الفاعله لها دور موجه ويحاول التصرف وفقا لتذاتانية مشتركة ، توقعات أساسه قيمة لسلوك المناسب الصادر من المجتمعات ذات الصلة الوثيقة بهم ، يجب أن يفسر هذه الأدوار والتوقعات التي يمكن ان يعبر عنها في أولويات و ضرورات مثل “ألمانيا لا يجب أبدا أن تصبح ثانية مصدرا للصراع العسكري في أوروبا ، وبالتالي يجب دعم التكامل الأوروبي”([124]).

       لذا يرفضون وصف الفواعل الاجتماعية كوحدات حسابية و تفاؤلية تستند في سلوكها لحسابات المنفعة و تحقيق الأرباح. وهم يؤكدون ان الفواعل دائما منضمون و متواجدين في السياق الاجتماعي الذي يؤثر بشدة في سلوكهم. لذا فمن المناسب الإشارة إلى النموذج الفاعل كرجل اجتماعي .

       و نتيجة لذلك، ما الذي يدفع الفاعل إلى تبني سلوك لا تكون نتائجه المحتملة لمختلف طرق الفعل من اجل تحقيق أهداف معينة ؟ على الأصح ، المسار اليقيني و المؤكد للسلوك متبنى لأنه متوافق مع التذاتانية المشتركة، و القيم المبنية على توقعات السلوك المناسب  الذي يصدر من البيئة الاجتماعية للفاعل ، أي معايير و قيم اجتماعية ، للقواسم المشتركة الكافية و الخاصة. ومن هنا ، يمكن للمرء ان يشير إلى سلوكيه المنطق الكامن في المقاربة البنائية في  تحليل السياسة الخارجية بأنه “منطق ملائمة””logic of appropriateness” ، وليس منطق نتائجي ” logic of consequentiality”.

      نستنتج أن النظرية البنائية للسياسة الخارجية تلجأ إلى نموذج  فاعل يختلف اختلافا ملحوظا عن النموذج الفاعل في النظريات العقلانية. الرجل الاجتماعي  لا يتحرك  لتأمين مجموعة من أهداف أنانية، بل إتباع منطق ملاءمة ، فهو يسعى إلى مطابقة التذاتانية المشتركة intersubjectively shared مع السلوك المتبنى. وبالتالي فان نظرية السياسة الخارجية التي تبنى على نموذج الفاعل هذا يجب أن تعين هوية معايير السلوك الذي تعترف به الدولة و تعتبره ملزما لها([125]).

       إذا يمكن القول بأن ،الفواعل المجتمعية من وجهة نظر البنائية تتبع المعايير الاجتماعية التي تقبلتها خلال عملية التنشئة الاجتماعية process of socialization  في النظام الاجتماعي المتعلق بها  . هذه المعايير الاجتماعية متميزة غالبا عن غيرها من المتغيرات التصورية التي تظهر بشكل بارز في بناء السياسة العامة – مثل الأفكار والمعتقدات و نظرة العالم، الهوية، أو الثقافة – ،استنادا إلى السمات التي يحملها الأفراد في المجموعة :

 (1) التوجه المباشر للسلوك (أي المعايير الاجتماعية يمكن ترجمتها لأوامر و قواعد للسلوك).

 (2) التذاتانية (أي المعايير الاجتماعية هي التي لا يمكن اختزالها إلى المعتقدات الفردية، بحيث تخلق قيم جماعية مشتركة تعبر عن ذات المجموعة).

       وتؤثر التوقعات المجتمعيه للسلوك المناسب على  سلوك  صانعي قرار السياسة الخارجية، في الحالات التالية([126]):

أولا : يكون عندهم قبول وثيق الصلة بالمعايير الاجتماعية كمواطنين في الدولة.

ثانيا : اما السياسيون بعد أن مروا الوظائف وطنية السياسية يكونون أكثر تقبلا و تخصصا تحديدا لتوقعات المجتمعيه للسلوك المناسب.

ثالثا : انهم يتصرفون بطرق تتسق مع المعايير الاجتماعية نظرا للامتثال و الإذعان المتأصل لدى صانعي قرارات السياسة الخارجية لتمثيل دولتهم بشكل شرعي و مقبول  في تعاملها مع البيئة الدولية.

      هذا ما يبرر التمايز بين سياسة خارجية لدولة عن أخرى، و يجعلنا نفهم أن كل سياسة خارجية هي متميزة و منفردة، فمثلا دول مثل فرنسا، أمريكا، و زيمبابوي، تحمل في داخلها تكوينة و تنشئة اجتماعية ما، يفعل فيها الأفراد ما يريدون، وفق ما يجب أن يقوموا به، و كما تخبرهم تصوراتهم الاجتماعية. فالدولة في سلوكها الخارجي من خلال الحكومة هي تعبير عن أفراد في بناء اجتماعي محدد، وفق مفهوم “الوكالة”، فالوكلاء هم من يمثلون الدولة خارجيا، بحيث يتحركون من أجل تحقيق أهداف تلبي احتياجات و أمنيات الأفراد، في ظل الظروف المادية القائمة، و لكل مجتمع قواعده التي تملي على الوكلاء الهداف ذات الأولوية([127])، وهنا يظهر اثر عمليات التنشئة الاجتماعية التي تبث المعايير و المبادئ الاجتماعية في وكلاء الدولة الذين يصنعون قرارات  السياسة الخارجية للدولة.

ب- دور الأفكار و المعرفة في تشكيل سلوكات الفواعل الخارجية:

       يعتقد البنائيون أن العالم وما فيه نتاج لتصوراتنا ومعرفتنا الخاصة و الذاتية لشكل هذا العالم او ما يجب أن يكون عليه لنغيره.و هذا ما قدمه  Nicholas Onuf في كتابه world of our- making.

      يبرز في هذه النقطة الاختلاف في النظرة الأنطولوجية للبنائية مقارنة بالواقعية من حيث تصورها لمفاهيم البنية و المصالح أو السلوك، فعكس العقلانيين ،فإن البنائيون يعتقدون أن الواقع هو ذو طبيعة تذاتانية و موجود نتيجة الاتصال الاجتماعي الذي يسمح بتقاسم بعض المعتقدات و القيم. أي أن الواقع المادي و ا الاجتماعي موجود كنتيجة للمعنى و الوظائف التي يعطيها له الفاعلون. فالإدراك أو الفهم الجماعي و المعايير تمنح الأشياء المادية معنا يساعد على تكوين الواقع([128]).

      فمن أجل تحليل سلوك الخارجي للفواعل ، المتغير النسقي “توزيع المعرفة” تحول إلى “وضعية و مكانة المعرفة”في النظام الدولي. وضعية المعرفة  The knowledge position  لفاعل في النظام الدولي يتحدد بالاستناد إلى وضعية دوره . و وضعية الدور  role position  يمكن أن تكون “عدو” enemy ، “منافس” rival أو “صديق” friend ، وفقا لنوع الثقافة التي ينتمي إليها الفاعل ،مؤشرات المتغير المستقل “وضعية الدور” هي التالية([129]):

 1) العدو : لا احترام السيادة، ومحاولات تدمير أو هزيمة العدو.

2) المنافس: احترام السيادة وتسوية المنازعات ربما مع استخدام العنف.

(3) صديق : احترام السيادة وتسوية المنازعات دون اللجوء إلى العنف والقتال معا كفريق إذا هددوا من جانب أطراف ثالثة.

       حسب البنائية ، التغير البنيوي ، أو التغير الثقافي ، يحدث عندما يقوم الفواعل بإعادة تعريف من هم و ماذا يريدون. التغييرات في السياسات الخارجية تحدث مع تغيرات في وضعية و مكانة الدور للدولة المستهدفة المتغير المستقل). السياسة الخارجية التعاونيه سوف تتطور ، و ذلك عندما يكون التغيير في الدور من منافس إلى صديق ، و هذا ما يحدث في عملية تشكيل الهوية الجماعية([130]).في الاتحاد الأوربي مثلا العلاقات الفرنسية الألمانية تجاوزت الخلفية التاريخية في علاقتهما، و تحولت بتحول الأفكار و المعرفة الداخلية من العداوة التاريخية إلى الصداقة و المشاركة، كذلك الأمر في تفسير التغير السلمي داخل الإتحاد السوفيتي بفعل تغير الأفكار و قيم النخب الحاكمة، لذا يرى البنائيين أن الحرب الباردة هي تذاتانية أكثر منها مادية، وذلك عندما غير أفكاره و تصوره حول و.م.أ  و الغرب من عدو إلى منافس ثم صديق و هذا التحول كان ناجما عن التحول في معرفة الاتحاد السوفييتي لـدوره و مكانته.بالنسبة للدول الأخرى داخل البيئة الدولية.كذلك الأمر بالنسبة للقدرة النووية لكل من الو.م.أ  و الاتحاد السوفييتي كانت تطرح بشكل مختلف بالنسبة لأوروبا الغربية([131]).

       فلا وجود لحتمية الفوضى – كون الدول و الفوضى هي معطى مسبق يتشكل بمعزل عن الفواعل بداخله و يفرض عليها- ، فالترتيب و التوزيع المادي للعالم يشكل بفعل الأفكار و المعتقدات، فالفوضى إذا هي نتاج ما تصنعه الدول و ليست قانون مسبق، فحسب A.Wendt :Anarchy is what state make it الفوضى هي ما تصنعه الدول، و يؤكد بأنه لا يوجد “منطق” متأصل للفوضوية. فالمفاهيم التي تبدو منحدرة منها – المساعدة الذاتية، سياسة القوة، السيادة – هي في واقع الأمر مؤسسات منشأة اجتماعياً وليست سمات أساسية للفوضوية. فالفوضوية هي، في واقع الأمر، “ما تفهمه منها الدول” (Wendt, 1992) ([132]). فالنظام الدولي السائد خلال الحرب الباردة ميزته الفوضوية بفعل تصور و إدراك الأطراف لها ( تذاتانية) و بمجرد تحول هذا التصور بفعل أفكار جديدة زالت بنية الفوضى داخل النظام -كما أسلفنا الذكر- ، لذا يؤكد البنائيون على أنه حتى في ظل فوضى النظام فإننا نحن الذين نتبع قواعدنا و منظومتنا و نحن الذين نغير في ممارسات من سبقنا أو نتبع خطابهم.

و خلاصة القول:الفوضى هي بنى اجتماعية و ليست طبيعة للنظام الدولي.

2 – دور الهويات و تأثيرها على سلوكات الوحدات و مصالحها:

 يرى A.Wendt أن الهوية هي أساس و قاعدة المصالح ([133]) ، يرى البنائيون: أن المصلحة والهوية تتفاعل عبر عمليات اجتماعية (تاريخية) كما يولون أهمية كبيرة للخطاب السائد في المجتمع، لأن الخطاب يعكس ويًشكلً في الوقت ذاته المعتقدات والمصالح، ويؤسس أيضا لسلوكيات تحظى بالقبول([134]).على المستوى الخارجي.

و يصبح السؤال المحوري هنا هو كيفية إدراك المجموعات المختلفة لهوياتها ومصالحها.

لذا ترفض المفهوم الكلاسيكي للمصلحة interest ،فالمصلحة لا تنبع فقط من طبيعة المجتمع الدولي بل ومن طبيعة البناء القيمي و الاجتماعي للوحدات السياسية([135])، فالمصـلحة لم تعد -حسب البنائيين- تتحد خارج السياق الاجتماعي للفواعل و بمعزل ضمن النظام الدولي أي باعتبارها معطى مسبق تمليه بنية النظام الدولي الفوضوي.

      و يشير البنائيون أن الهوية لا تتحدد فقط بناءا على دور البنية * ذات البعد المادي حسب اعتقاد الواقعيين بل هي نتاج تفاعلات مؤسسات ، معايير و ثقافات، و بالتالي فإن المسار Process و ليس البنية هو الذي يحدد الكيفية التي تتفاعل بها الدول([136]).

يرى “هنتغتون “أن الثقافة هي المصدر الجديد للنزاعات على المستوى الدولي ويقول في هذا الصدد:« غالبا ما تحدث نزاعات جديدة هي في الحقيقة نزاعات قديمة مع أطراف جدد هم في حقيقة الأمر أطراف قدامى، تحمل ألاما جديدة هي في حقيقة الأمر أعلام قديمة». يعني هذا أن التراكمات الحضارية الثقافية تكون خزان يغذي النزاعات بين الدول([137]) .

فقد أكّد “هنتغتون” أن: إن فرضيتي هي أن المصدر الأساسي للصراع في هذا العالم الجديد لن يكون ايديولوجيا في المقام الأول أو اقتصادياً في المقام الأول. فسوف تكون الانقسامات الكبيرة بين البشر والمصدر السائد للصراع ثقافية ( الهوية). وستبقى الدول الوطنية أقوى العناصر الفاعلة في الشؤون العالمية، لكن الصراعات الرئيسية لسياسة العالمية سوف تحدث بين الأمم وجماعات من حضارات مختلفة. وسوف يكون صدام الحضارات خطوط معارك المستقبل.”([138]).

      من خلال كل ما سبق يبدو أن نظرية السياسة الداخـلية ، تعمل من أجل التميز بقدرات لتفسير السلوك الخارجي([139])، فبالرغم من إمكانية الدفاع عن مصداقية التجربة الاجتماعية، و التاريخية، و كذا القيم المشتركة كإحدى العوامل القادرة على تفسير السلوك الخارجي للدول وأهمية البنية الداخلية، لأن مستقبل السياسة الدولية مرهون بها([140]).يبقى هذا المدخل التفسيري للسلوك الخارجي على قدر من المحدودية حال المقترب النسقي.و لكن على الأقل أثبت أنصار التفسير الداخلي قدرتهم على تقديم تحليلات مقبولة خاصة بعد فترة الحرب الباردة.

[1] ) حسين بوقارة. محاضرات ألقيت على طلبة العلوم السياسية قسم ماجستير في مقياس السياسة الخارجية المقارنة.جامعة قسنطينة.2003.

[2] ) محمد السيد سليم ،تحليل السياسة الخارجية، (مكتبة النهضة العربية، القاهرة، ط2،1998)، ص 8.

[3] ) المرجع نفسه.ص9.

[4] ) المرجع نفسه .ص11.

[5] )حسين بوقارة. محاضرات ألقيت على طلبة العلوم السياسية قسم ماجستير في مقياس السياسة الخارجية المقارنة.مرجع سبق ذكره.

[6] ) ستيفن وولت ،”العلاقات الدولية: عالم واحد، نظريات متعددة“،ترجمة: زقاغ عادل و زيدان زياني، نقلا عن موقع: http://www.geocities.com/adelzeggagh/IR.

[7] ) غراهام ايفانز و جيفري نوينهام ،“السياسة الخارجية”، قاموس بنغوين للعلاقات الدولية،ترجمة مركز الخليج للأبحاث، ط2، بنغوين للنشر، مارس 2000. ، نقلا عن موقع:  http://elibrary.grc.to/ar/penquin/page_6_0.htm

[8](  Joseph frankel,The making of foreign policy, oxford university press, new york,1963.p 4.

[9] ) Ibid.

[10] ) ناصيف يوسف حتي،النظرية في العلاقات الدولية، (دار الكتاب العربي. بيروت، ط1،1985).ص 179.

[11] ) المرجع نفسه، ص 201.

[12] ) محمد يوسف السويد، ” الاتجاهات النفسية في دراسة العلاقات الدولية“، مجلة الدبلوماسي، معهد الدراسات الدبلوماسية ( العلاقات العامة)، المملكة العربية السعودية،العدد 12، سنة 1989.ص 87.

[13] ) محمد السيد سليم، تحليل السياسة الخارجية، مرجع سبق ذكره، ص 137.

[14] ) ناصيف يوسف حتي، النظرية في العلاقات الدولية ،مرجع سبق ذكره، ص 202.

[15] ) جنسن لويد ،تفسير السياسة الخارجية،ت/محمد بن احمد مفتي،محمد السيد سليم،(عمادة شؤون المكتبات جامعة الملك سعود، الرياض) ،1989، ص 8.

[16] ) ناصيف يوسف حتي، النظرية في العلاقات الدولية، ص  177.

[17] عديله محمد الطاهر.أهمية العوامل الشخصية في السياسة الخارجية الجزائرية .مذكرة لنيل شهادة الماجستير في العلاقات الدولية .جامعة قسنطينة.2005.ص32.

[18] ) جنسن لويد ، تفسير السياسة الخارجية، مرجع يبق ذكره ص ص ص 16-17- 18.

* طبقت فكرة النخبة ببراعة كبيرة على دراسة صنع القرار وقضية الرأي العام المتصلة بها والمعنية بقضايا السياسة الخارجية. وكان العمل المبكر الأولي في هذا الميدان كتاب آلموند (Almond) وعنوانه “الشعب الأمريكي والسياسة الخارجية” (1966).

[19] ) المرجع نفسه، ص 19.

[20] ) محمد السيد سليم. تحليل السياسة الخارجية،  مرجع سبق ذكره، ص 187.

[21] ) غراهام ايفانز و جيفري نوينهام ،”مفهوم النخبة”،  قاموس بنغوين للعلاقات الدولية،مرجع سبق ذكره، نقلا عن موقع: http://elibrary.grc.to/ar/penquin/page_5_0.htm

[22] )ناصيف يوسف حتي، النظرية في العلاقات الدولية، مرجع سبق ذكره، ص202.

[23] ) غراهام ايفانز و جيفري نوينهام ، “مفهوم النخبة”، قاموس بنغوين للعلاقات الدولية،مرجع سبق ذكره، ، مرجع سبق ذكره.

[24] ) محمد السيد سليم، تحليل السياسة الخارجية، مرجع سبق ذكره، ص 188.

[25] ) ناصيف يوسف  حتي، النظرية في العلاقات الدولية ، مرجع سبق ذكره ص 203.

[26] ) جنسن لويد ، تفسير السياسة الخارجية، مرجع سبق ذكره، ص 154.

[27] )المرجع نفسه،ص 154.

[28] ) محمد السيد سليم، تحليل السياسة الخارجية،  مرجع سبق ذكره،ص ص 196-197.

[29] )المرجع نفسه،ص 197. 198.

[30] ) جنسن لويد ، تفسير السياسة الخارجية، مرجع سبق ذكره، ص 157.

[31] ) ناصيف يوسف حتي، النظرية في العلاقات الدولية ، مرجع سبق ذكره، ص 203.

[32] ) المرجع نفسه،ص 205.

[33] ) محمد السيد سليم، تحليل السياسة الخارجية، مرجع سبق ذكره، ص 202.

[34] ) لويد جنسن، تفسير السياسة الخارجية،مرجع سبق ذكره، ص 53-54.

[35]) المرجع نفسه،ص 61-62-

[36]) غراهام ايفانز و جيفري نوينهام ، “القومية”، قاموس بنغوين للعلاقات الدولية، نقلا عن موقع: http://elibrary.grc.to/ar/penquin/page_14_0.htm

[37]) محمد السيد سليم، تحليل السياسة الخارجية، مرجع سبق ذكره، ص 206.

[38] ) جنسن لويد ، تفسير السياسة الخارجية،مرجع سبق ذكره،ص ص 67-68.

[39] ) المرجع نفسه. ص 58.

[40] ) جون بيليس و ستيف سميث، عولمة السياسة العالمية، ترجمة: مركز الخليج للأبحاث، (الإمارات العربية المتحدة، ط01، 2004)،ص 783.

[41] )  ناصيف يوسف حتي، النظرية في العلاقات الدولية ،مرجع سبق ذكره.ص 179.

[42] ) السيد أمين شلبي، التسعينيات..أسئلة ما بعد الحرب الباردة،( عالم الكتاب، القاهرة 2001). ص202.

[43] ) ناصيف يوسف حتي، النظرية في العلاقات الدولية ، مرجع سبق ذكره،ص 205.

[44] ) لويد جنس، تفسير السياسة الخارجية، مرجع سبق ذكره،ص 185.

*) ليس المقصود بالربط المفهوم النظري الذي قدمه روزنو.

[45] ) غراهام ايفانز و جيفري نوينهام ، “الديمقراطية و الشؤون الخارجية”، قاموس بنغوين للعلاقات الدولية، نقلا عن موقع: http://elibrary.grc.to/ar/penquin/page_4_1.htm

*) كان دي توكفيل أول من أعرب عن عدم التوافق بين الديمقراطية والسياسة الخارجية في كتابه “الديمقراطية في أمريكا” (1835). في معرض إشارته بشكل خاص إلى الولايات المتحدة قال: “إن السياسات الخارجية نادراً ما تتطلب أياً من تلك الصفات التي تختص بها الديمقراطية. بل على العكس تتطلب الاستخدام التام تقريباً لكل تلك الصفات الضعيفة فيها.”

[46] ) محمد السيد سليم، تحليل السياسة الخارجية،  مرجع سبق ذكره، ص 237.

[47] ) غراهام ايفانز و جيفري نوينهام ، “الديمقراطية و الشؤون الخارجية”، قاموس بنغوين للعلاقات الدولية، ، مرجع سبق ذكره.

[48] ) ناصيف يوسف حتي، النظرية في العلاقات الدولية ، مرجع سبق ذكره، ص 203.

[49] ) محمد بوبوش، “رئيس الدولة و السياسة الخارجية”، نقلا عن موقع: http://boubouche.maktoobblog.com

[50] ) المرجع نفسه.

[51]) نانيس مصطفى خليل، “الرئاسة كمؤسسة لصنع السياسة الخارجية الأمريكية” ،(مجلة السياسة الدولية، القاهرة، مركز الأهرام للدراسات السياسية و الاستراتيجية،العدد 127 ، يناير 1997 )، ص ص 80-82

[52]) محمد بوبوش، “رئيس الدولة و السياسة الخارجية”،  مرجع سبق ذكره.

[53] ) المرجع نفسه.

[54] لويد جنسن، تفسير السياسة الخارجية،مرجع سبق ذكره، ص 134.

[55] ) غراهام ايفانز و جيفري نوينهام ،” صنع السياسة الخارجية”، قاموس بنغوين للعلاقات الدولية ، نقلا عن موقع: http://ocw.kfupm.edu.sa/user%5CGS4230405/BBduc22.htm

[56] ) لويد جنسن، تفسير السياسة الخارجية مرجع سبق ذكره ص ص 134-135.

[57] ) المرجع نفسه، ص ص 135-136.

[58] ) ناصيف يوسف حتي، مرجع سبق ذكره،ص 204.

[59]) Volker Rittberger.   “Approaches to the study of Foreign Policy derived from  international relations theories”, In site internet: http://www.isanet.org/noarchive/rittberger.html.

[60] ) James D.fearon, Domestic Politics. Foreign Policy and Theories of International Relations, In site internet: http://www.people.fas.harvard.edu/ Johnston / gov2880/fearon.pdf. p 12.

[61]) Volker Rittberger. Approaches to the study of Foreign Policy derived from  international relations theories,op cit.

[62] ) ستيفن وولت ،”العلاقات الدولية: عالم واحد، نظريات متعددة”،ترجمة: زقاغ عادل و زيدان زياني، مرجع سبق ذكره.

[63] ) تاكايوكي يامامورا، “مفهوم الأمن في العلاقات الدولية”، ترجمة: عادل زقاغ، نقلا عن موقع: http://www.geocities.com/adelzeggagh/secpt.html

[64] ) جهاد عودة، النظام الدولي…نظريات و إشكاليات ، (دار الهدى للنشر و التوزيع، مصر، ط1،2005)، ص 30 .

[65] ) المرجع نفسه، ص ص 31- 32.

[66] ) المرجع نفسه، ص 40

[67] ) جون بيليس و ستيف سميث، عولمة السياسة العالمية، مرجع سبق ذكره،ص 245.

[68] ) James D . fearon, Domestic Politics. Foreign Policy and Theories of International Relations, Op.cit, p 297.

[69] ) James N.Rosenau, International politics and foreign policy, the free press, New-York, 1969,p 261.

[70] )جهاد عودة، النظام الدولي…نظريات و إشكاليات ،  مرجع سبق ذكره، ص ص 43- 44.

[71] ) المرجع نفسه، ص 44

[72] ) اكزافييه غيّوم ،ترجمة: قاسم المقداد ،”العلاقات الدولية” ،مجلة الفكر السياسي تصدر عن اتحاد الكتاب العرب العدد 11-12 مزدوج، دمشق سنة 2003. نقلا عن موقع: http://www.awu-dam.org/politic/11-12/fkr11-12-004.htm

[73] ) مبروك غضبان، المدخل للعلاقات الدولية، (شركة باتنيت للمعلومات و الخدمات المكتبية، باتنة، الجزائر)،ص 327.

[74] ) جهاد عودة، النظام الدولي…نظريات و إشكاليات ، مرجع سبق ذكره ، ص 44.

[75] ) James N.Rosenau, International politics and foreign policy, op.cit,p261.

[76](  Volker Rittberger, Approaches to the study of Foreign Policy derived from  international relations theories, op.cit.

[77] ) السعيد ملاح،.تأثير الأزمة الداخلية على السياسة الخارجية الجزائرية،مذكرة لنيل شهادة ماجستير علاقات دولية، جامعة قسنطينة،2005، ص 25.

[78] ) غراهام ايفانز و جيفري نوينهام ،” الفوضى”، قاموس بنغوين للعلاقات الدولية، نقلا عن موقع: http://elibrary.grc.to/ar/penquin/page_1_8.htm

[79] ( James D.Fearon, Domestic Politics. Foreign Policy and Theories of International Relations,  op.cit, p 294.

[80] ) Ibid.p 160.

[81] ( Giden Rose, “Neoclassical realism and theories of foreign policy”, World politics, vol 51,1998,p p146-149.

[82] ) ستيفن وولت ،العلاقات الدولية: عالم واحد، نظريات متعددة،مرجع سبق ذكره.

[83] ) Jean- Jack Roche. Theories des Relation Internationles.5 eme Edition (Editions motchrestien,Paris, 2004)p 62.

[84] ) عبد السلام يخلف، محاضرة: التبويب النظري للعلاقات الدولية عند “ستيفن وولت”، (قسم العلوم السياسية ، جامعة منتوري ، قسنطينة، 2004).

[85] ) المرجع نفسه.

[86] )  ستيفن وولت ،”العلاقات الدولية: عالم واحد، نظريات متعددة”،مرجع سبق ذكره.

[87] ) John- Mearsheimer. Realism.The Real World And Academia. (University Of Chicago, 2000)p 01.

[88] ) ناصيف يوسف حتى،النظرية في العلاقات الدولية ،مرجع سبق ذكره.ص 192.

[89] ) نفس المرجع،ص193.

[90] ) Giden Rose, “Neoclassical realism and theories of foreign policy”,  op.cit, P 156.

[91] )  جنسن لويد. تفسير السياسة الخارجية،مرجع سبق ذكره، ص 8.

[92] ) ملاح السعيد، تأثير الأزمة الداخلية على السياسة الخارجية الجزائرية. مرجع سبق ذكره، ص 32.

[93] ( James D.Fearon, Domestic Politics. Foreign Policy and Theories of International Relations,  op.cit, p 299.

[94]( Giden Rose, “Neoclassical realism and theories of foreign policy”,  op.cit, p 169

[95] ) ملاح السعيد، تأثير الأزمة الداخلية على السياسة الخارجية الجزائرية. مرجع سبق ذكره ص 32.

[96] ) James D.Fearon, , Domestic Politics. Foreign Policy and Theories of International Relations,   op.cit p303

[97] ) غراهام ايفانز و جيفري نوينهام ، “الربط”، قاموس بنغوين للعلاقات الدولية، نقلا عن موقع:  http://elibrary.grc.to/ar/penquin/page_……htm

[98] ) ناصيف يوسف حتى، النظرية في العلاقات الدولية ، مرجع سبق ذكره،  ص 193.

[99] ) غراهام ايفانز و جيفري نوينهام ، “الربط”، قاموس بنغوين للعلاقات الدولية، مرجع سبق ذكره.

* ) لنا عودة لذكر هذه المتغيرات بشكل مفصل في العنصر الموالي من هذا الفصل النظري، عند التطرق لتصنيف مكونات البيئة الداخلية المؤثرة في السلوك الخارجي للدول.في مستوى لاحق من الدراسة النظرية.

[100] ) جهاد عودة، النظام الدولي…نظريات و إشكاليات ، مرجع سبق ذكره، ص 54.

[101] )  جون بيليس و ستيف سميث، عولمة السياسة العالمية،  مرجع سبق ذكره.ص 314.

[102]( Volker Rittberger, Approaches to the study of Foreign Policy derived from  international relations theories, op.cit.

[103] ( Ibid.

[104] ) Ibid

[105] ) Andrea Ribeiro Hoffmann ,   “A synthetic approach to foreign policy”, in site: http://www.isanet.org/noarchive/hoffmann.html

[106] ) Ibid.

[107] ) Volker Rittberger, “ Approaches to the study of Foreign Policy derived from  international relations theories”. op.cit.

[108] (Ibid.

[109](  Ibid.

[110] ( Ibid.

[111](  Volker Rittberger,“ Approaches to the study of Foreign Policy derived from  international relations theories“ .op.cit.

[112] ) ستيفن وولت ، “العلاقات الدولية: عالم واحد، نظريات متعددة“،مرجع سبق ذكره.

[113] ( James D.Fearon, Domestic Politics. Foreign Policy and Theories of International Relations,  op.cit. p 303 .

*)أول من استعمل مصطلح البنائية كان “نيكولاس أنوف” في كتابه world of our making)) حيث ركز على انتقاد أعمال الواقعية البنيوية.  كما كان للمقال المرجع لألكسندر وانت الملقب بأبي البنائية ، الصادر سنة 1992 و  المعنون بـ  (Anarchy Is What States Make of It: The Social Construction of Power Politics)  .الأثر الكبير في إثراء و تطوير التفكير البنائي ،و البنائية متعددة حتى داخل المنظور الواحد، و يوجد هناك أكثر من اتجاه داخل هذا “البرادايم”.بحيث  أن العامل الابستومولوجي هو المؤشر الرئيسي للتمييز بين هذه الاتجاهات المختلفة. و هنا قد نجد البنائيين الوضعيين أو كما يسمون ” البنائيون الحداثيون Constructuvist Modernists” أمثال Alexandr Wendt ، و “البنائيين النيوكلاسيين”، أمثال F. Kratochwill ، N.Oneuf، E.Adler إلى جانب Peter Katzenstein . و معظم هؤلاء يميلون إلى تبني ابستومولوجية وضعية. أما “البنائيون بعد الحداثيون” أو “بعد-البنيويون”، أمثال: Rechard Ashley، David Campbell، J. Der Darian  إلى جانب R B. J Walker   فهم يتبنون ابستومولوجية بعد وضعية

[114] )  حمايدي عز الدين، دور التدخل الخارجي في النزاعات العرقية، مذكرة لنيل شهادة الماجستير في العلاقات الدولية، جامعة قسنطينة ،دورة2005، ص 34.

**) تزامن ظهورا لبنائية مع نهاية الحرب الباردة، التي شكلت عقبة فشل أمام العديد من النظريات وخاصة النظرية الواقعية باتجاهيها، في التنبؤ بنهاية هذه الحرب بطريقة سلمية،كما ساهمت هذه الحرب في إضفاء الشرعية على النظريات البنائية لأن الواقعية والليبرالية أخفقتا في استباق هذا الحدث كما أنهما وجدتا صعوبة كبيرة في تفسيره، بينما تمتلك البنائية تفسيرا له، خصوصا ما يتعلق بالثورة التي أحدثها ميخائيل غورباتشيف في السياسة الخارجية السوفيتية باعتناقه أفكارا و قيما جديدة “كالأمن المشترك”.

[115] ) ستيفن وولت ، “العلاقات الدولية: عالم واحد، نظريات متعددة”، مرجع سبق ذكره.

[116] ( Giden Rose , op.cit, p 152.

[117] ) مارسيل ميرل،سوسيولوجيا العلاقات الدولية، (ترجمة حسن نافعة، دار المستقبل العربي، القاهرة، 1986)، ص ص 145- 146.

[118] ) Toru Oga, ‘From Constructivism to Deconstructivism theorising the Construction and Culmination of identities”, in site: http://www.w3.org/TR/REC-htm.

[119] ) عمار حجار. السياسة الأمنية  الأوروبية تجاه جنوبها المتوسط. مذكرة لنيل شهادة الماجستير في العلاقات الدولية. جامعة باتنة. دورة جوان 2002 ،ص 45.

[120](  Volker Rittberger, “Approaches to the study of Foreign Policy derived from  international relations theories”, op.cit.

[121] ) عمار حجار، السياسة الأمنية  الأوروبية تجاه جنوبها المتوسط.  مرجع سبق ذكره ،ص 40.

[122] ) Toru Oga,” From Constructivism to Deconstructivism theorising the Construction and Culmination of identities”, op.cit.

[123] ) Volker Rittberger, “Approaches to the study of Foreign Policy derived from  international relations theories”, op.cit.

[124](   Ibid.

[125]( Ibid.

[126] ) Ibid

[127] ) جهاد عودة، النظام الدولي…نظريات و إشكاليات ، مرجع سبق ذكره، ص ص 163- 164.

[128] ) عمار حجار، السياسة الأمنية  الأوروبية تجاه جنوبها المتوسط. مرجع سبق ذكره ،ص 43.

[129] )  Andrea Ribeiro Hoffmann, A synthetic approach to foreign policy,  op.cit.

[130]( Ibid.

[131] ) Toru Oga, From Constructivism to Deconstructivism theorising the Construction and Culmination of identities. op.cit.

[132] ) غراهام ايفانز و جيفري نوينهام ، “الفوضى”،قاموس بنغوين للعلاقات الدولية، مرجع سبق ذكره.

[133]) Toru Oga, op.cit.

[134] ) ستيفن وولت ،”العلاقات الدولية: عالم واحد، نظريات متعددة”،مرجع سبق ذكره.

[135] ) حمايدي عز الدين،دور التدخل الخارجي في النزاعات العرقية، مرجع سبق ذكره،ص 34.

*) مفهوم البنية لدى البنائيين: تعتبر مفهوم متميز فعكس الواقعية البنيوية التي ترى أن البنية تتحدد وفق بيئة مادية جامدة ضمنها يتكون و يتخذ الفعل مكانا، و هذا ما يعطي مفهوما تموضعيا Positional للبنية، فإن البنائية الاجتماعية حسب Alexandr Wendt تقدم نموذجا تحوليا Transformational  ينظر إلى البنية كأفكار ، خطابات و كمصادر مادية، و خاصة كممارسات العناصر المكونة لهاو تحولاتهم المحتملة

بالإضافة إلى المكونات المادية ( القوة العسكرية الجغرافية السكانية…) مكونات ذات طبيعة معنوية من خطابات و أفكار.

و عليه، فالبنية حسب النظرة البنائية الاجتماعية، تتضمن العناصر التالية  :

– مجموعة القواعد، المعارف، الطموحات /الآمال ذات الطبيعة التذاتانية ( أي تعبر عن وضعية مشتركة من قبل مجموعة الفاعلين) و هي ضرورية لفاعلاتهم.- المصادر المادية و التي تحضى بمكانة ثانوية، و لا تتخذ معنى أو لا تبرز قيمتها الفعلية، إلا في سياق اجتماعي تذاتاني.- ممارسات (و أفعال) الفاعلين بناء على العنصرين السابقين.

[136] ) عمار حجار، السياسة الأمنية  الأوروبية تجاه جنوبها المتوسط.  مرجع سبق ذكره ،ص 45.

[137] ) حمايدي عز الدين، دور التدخل الخارجي في النزاعات العرقية، مرجع سبق ذكره،ص 23.

[138] ) غراهام ايفانز و جيفري نوينهام ، “صدام الحضارات”، قاموس بنغوين للعلاقات الدولية، نقلا عن: http://elibrary.grc.to/ar/penquin/page_3_3.htm

[139] ) السعيد ملاح ، تأثير الأزمة الداخلية على السياسة الخارجية الجزائرية.مرجع سبق ذكره،ص 31.

[140] ( James Rosenau, International politics and foreign policy, op.cit, p p 261-274.

الإطار النظري لمذكر ماجستير ” الأستاذ بولمكاحل إبراهيم” : تأثير تحولات و متغيرات البيئة الداخلية على السياسة الخارجية الروسية نحو الاتحاد الأوربي بعد الحرب الباردة. جامعة باتنة 2009.

 

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى