قراءة في أزمة الطوارق في منطقة الساحل الإفريقي: بين المخاطر الأمنية و الانفصال – مالي انموذجا-

الكاتب : مزارة زهيرة . ميلود عامر حاج .

مقدمة: شكلت غاية الحرب الباردة نقطة التحول في طبيعة التهديدات الأمنية على صعيد الدولي ، إذ واجهت الدولة الإفريقية الحديثة التكوين مشکلات جديدة على صعيد الوحدة الوطنية متمثلة أساسا في التنوع الإثني وظهور حركات التمرد . فالمجتمع الإفريقي من جماعات قبلية، إذ لم تعرف البلدان الإفريقية جنوب الصحراء الكبرى حتى بعد استقلالها في ستينيات استقرار الأمني والسياسي بالمعنى المتعارف عليه في الدول الأوروبية ، فعديد من الدول الإفريقية تضم مساحات تسكنها جماعات قبلية غير متحضرة تتباين في حجم بناءها الاجتماعي والثقافي، ولا يزال النمط القبلي هو النمط المهيمن في أجزاء واسعة من إفريقيا. وقد كشفت الممارسة السياسية على صعيد أنماط الصراع وعدم الاستقرار لا سيما في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وبالأخص دولة مالي ، أنه لا يزال المرء يعتمد على جماعته السلالية فهي أمنه وملاذه الاجتماعي ولا ريب في أن أولوية الولاء للجماعة العرقية ومن ثم الأقاليم، وليست الدولة بإشكالها وتقسيماتها الحالية ، أي أن الولاء للإنسان الإفريقي إنما يكون للقبيلة التي ينتمي إليها ، باعتبارها تمنح للقرد هوية تميزه عن الأخرين شأنها في ذلك شأن القومية في المجتمعات المعاصرة ، وغالبا ما تتداخل القبيلة بإقليم معين، وهذا ما سبب في نشوء حركات احتجاجية في معظم الدول منطقة الساحل الإفريقي خاصة في إقليم شمال مالي أين ظهرت حركة مطالبة بانفصال عن دولة الأمة ، الأمر الذي ينعكس سلبا على الأمن واستقرار الدول المجاورة . إشكالية البحث:

إلى أي مدى ساهم مشكل الطوارق في تعقيد الأزمة الأمنية في منطقة الساحل الإفريقي؟ للإجابة على هذه الإشكالية سيتم تحليل الموضوع من خلال خطة التالية: محاور الدراسة:

1-تأصيل التاريخي للمجتمع الطوارق.

2- أزمة مالي وانعكاسها على الاستقرار الأمني للدول الإقليمية .

3- الدبلوماسية الجزائرية: بين معالجة القضية الطوارق وتحقيق الاستقرار الأمني في مالي.

 المحور الأول: تأصيل التاريخي للمجتمع الطوارق

 قبل التطرق إلى أصل أزمة الطوارق وأثرها على الاستقرار الأمني لمنطقة الساحل الإفريقي لا بد من دراسة وتحليل هذه الأقلية من ناحية الانثروبولوجية والاجتماعية، الثقافية).

أولا: أصل كلمة الطوارق الطوارق يقصد بها الرجال الزرق كناية عن غلبة اللون الأزرق على من يلبسه الطوارق ، وفق ذلك الاعتبار فقد ذهب البعض إلى احتمال أن التسمية قد اشتقت من اسم الوادي الذي سكنته بعض القبائل الملثمين قديما وهو وادي درعة ، ويسمى بالطارقية – تارکا – ومعناه الوادي أو مجرى النهر . ويرى الأخرون أن تسمية التوارق اشتقت من تارقا وهي تسمى الثانية لمنطقة فزان بليبيا وهي إحدى معاقل الطوارق بليبيا. ويطلق بعض الباحثين على الطوارق أحيانا بوركينا رجال الصحراء الزرق ، وهو شعب من الرحل والمستقرين الأمازيغ يعيش في الصحراء الكبرى خاصة في صحراء الجزائر ، مالي ، النيجر، ليبيا، بوركينا فاسو ، الطوارق مع خلط من العادات الإفريقية ، ولم نفس هوية سكان شمال إفريقيا في اللغة الأمازيغية بلهجتها الطوارقية. فهم فئة محافظة على الحضارة الاموسية القديمة بإفريقيا، حيث المرأة هي صاحبة القرار واللقب والنسب، وهي من تمتلك السلطة فعليا، تثبت الطوارق بتقاليدهم خصوصا في اللباس إذ يتلائم الرجال غطاء للوجه دائما عند تحولهم في الخارج، قد يكون هذا التقليد ناتجا عن الظروف القاسية للبيئة الصحراوية التي يعيشون فيها ولكن له دلالات ثقافية اكبر ويسمى الشام فمن العيب أن يظهر فمه للآخرين. أما الباحث عبد القادر جامي يرى أن كلمة توارق جمع كلمة الأرقي المفردة ، ذلك أن العرب أطلقوا عليهم اسم التوارق نسبة القبيلة تارغا إحدى قبائل البربر القاطنة في الصحراء الممتدة من المحيط الأطلسي إلى اغدامس في القرن 7 ه

ثانيا : توزيع الطوارق عبر الدول قسم نیکولا يسين الطوارق إلى مجموعتين رئيسيتين المعروفي بشكل عام باسم الطوارق الشمالية والطوارق الجنوبي. / الطوارق الشمالية تتركز غالبيتهم بليا من جبال الهقار الجزائرية إلى مدينة غدامس بليبيا والمناطق المجاورة من أجزاء ليبيا، / الطوارق الجنوب ثم تقسيمه إلى عدة مجموعات: بدءا من أدرار إلى جنوب غرب الحقار، وإلى الغرب والجنوب النيجر في سهول جنوب جبال الهواء النيجر، وأيضا يتمركزون في السهول المحيطة بمنطقة طاوة بمديئة المدن في الدولة النيجر (علی طول نحر النيجر على الحدود بين النيجر ومالي)، و مدينة تمبكتو في شمال شرق مالي (عند منعطف نهر النيجر بدولة مائي) وتمتد إلى موريتانيا ولكن بصورة قليلة. يتمتع الطوارق المتواجدين على الأراضي الجزائرية بحياة مستقرة ، إذ تمكنت الحكومة الجزائرية من احتواء هذه الأقلية والتعامل مع القضية بطريقة سلمية ، على غرار الدول المجاورة التي تشهد نزاع بين النخبة الحاكمة و الأقلية الطارقية التي ستتعرض لها لاحقا التركيبة الاجتماعية للقبيلة الطوارق | مجتمع الطوارق هو مجتمع تقليدي فاغلب علماء الأنثروبولوجيا شية التقسيم الطبقي للمجتمع الطارقي بالنظام الإقطاعي، اذ ان الطبقة المهيمنة في المجتمع التقليدي هي الطبقة الأرستقراطية المحاربة التي تسيطر على القوافل التجارية والحصيلة التي تفرض على التابعين لهم، أما السلطة فكانت تقتصر فقط على فئة الأحرار” يتكون النظام الاجتماعي عند الطوارق من خس طبقات رئيسية تكاد تكون في معظمها مغلقة وراثية لا يمكن تغييرها وهي حسب الترتيب التنازلي التالي 1

-طبقة النبلاء أو السادة ويطلق عليهم “إيماجغن”:

 2-طبقة الاتباع هي الطبقة العارمة أي ما تعرف ب (إيغاد)

 3-طبقة الحرفيين أو طبقة الصناع التقليديون ويطلق عليهم “إينادن”:

 4-طبقة الخرطانيين ( المزارعيين.)

5-طبقة العبيد ( إكلان).

 المحور الثاني: أزمة مالي وانعكاسها على الاستقرار الأمني للدول الإقليمية. الفهم تمرد الطوارق الحالي ضد الحكومة المالية وانعكاسها على أمن واستقرار الدول المجاورة بصفة عامة، لا بد أولا من دراسة مختلف الأحداث و التطورات التي شهدتها مالي منذ نيل استقلالها من فرنسا عام 1960. إذ وجدت قبائل الطوارق نفسها المتمركزة في منطقة الساحل والصحراء الكبرى مشتتة بين الدول ذات السيادة مالي، النيجر، الجزائر ، بوركينا فاسو ، ليبيا التي اتفقت على احترام مبدأ عدم المساس بالحدود الموروثة عن الاستعمار الذي تجاهل الخصائص الأنثروبولوجية والتركية السكانية للمنطقة عند رسم الحدود السياسية لدول المستعمرة . فالتقسيم غير العادل خلق شعور العداء داخل النفوس الطارقية تجاه النخب الحاكمة التي تستبعدهم عن العمليات السياسية والاقتصادية.

بدأت بوادر أزمة مالي منذ الحقبة الاستعمارية الفرنسية التي خلفت ما يسمى المنظمة المشتركة للمناطق الصحراوية أين نمت فكرة الانفصال والمطالبة بإقامة دولة الطواق ، إذ تم إبعادها للوهلة الأولى للشعور بالمسؤولية السياسية والأخلاقية في الحرص على وحدة وسلامة الأراضي المالية والمستقبل للتعايش بين الفئات الاجتماعية . لما حصلت مالي على الاستقلال توقع الطوارق كونه مكون وطني هام الذي قدم ألاف الشهداء والضحايا إلى جانب الفئات من الشعب المالي الأخر في انتزاع ذلك الاستقلال أن يحظون بالمكانة اللائقة بهم ضمن الكيان الوطني الناشئ، وكانت مفاجتهم كبيرة بعد عزلهم عن تقلد المناصب العليا في الدولة ، وبدأت النخب الحاكمة تصرف وكأنها مسؤولة على شريحة أو فئة اجتماعية بعينها، تسعى لحمايتها، ورعاية مصالحها ، فيما تتجاهل حقوق و مصالح باقي المجموعات الإثنية الأخرى وعلى رأسها الطوارق.

أمام تحميش النظام السياسي المالي للأقلية الطارقية ، وتفاقم الأزمات اللامتناهية المتمثلة في قساوة الطبيعة والحياة ، وشساعة مساحة الصحراء وتشتت الشعب الطارقي بين خمس دول ، بالإضافة إلى عدم الاهتمام بمطالبهم من طرف الحكومة المالية ، فكل هذه المعطيات و التطورات وما تلاها من تفاعلات وقناعات راسخة لدى قادة الإقليم باستحالة التعايش والاندماج الطبيعي بينهم من جهة، وبين باقي السكان المتمدنين ، أدت إلى بدأ الانتفاضة الأولى للطوارق ضد حكومتها عام 1963 التي أطلق عليها اسم ” ثورة كيدال” وكانت هذه الأحداث أول اختبار حقيقي يمتحن مدى صلابة العقد الاجتماعي الهش للدولة المالية التي فشلت في دمج مواطنيها في هوية مجتمعية موحدة ، أساسها المواطنة كقاعدة أساسية للديمقراطية الفرز الحقوق والواجبات تتجاوز حدود الانتماءات الاثنية والعرقية ، ويمكن تحديد أهم الأسباب الرئيسية التي دفعت الطوارق بالتمرد على نظام الحكام كالتالي:

1- التمييز العنصري الذي مارسته الجماعات العرقية الجنوبية التي تولت مقاليد الحكم على سكان الإقليم الشمالي.

 2- التخوف من تسليم الضباط الفرنسيين الذين كانوا يحكمون إقليم شمال مالي السلطة للعسكريين الماليين، الذين تصرفوا بدورهم تصرف المحتل في الشؤون العامة والخاصة لسكان شمال مالي.

 3- محاولة النخبة الحاكمة المالية المساس بثقافة الطوارق تحت ذريعة “التحديث” في عام 1964، ومالي سحق التمرد والجزء الشمالي الشرقي من البلاد. بالرغم من الجهود المبذولة من قبل القادة الطوارق في وضع خطة هادفة لتشجيع بعض أفراد المنطقة لحمل السلاح والتمرد على النظام الداخلي للدولة ، إلا أن الجيش المالي تمكن من إخماد التمرد ، وفرض حكم عسكري على المنطقة إن استمرار تطبيق سياسة الاشتراكية من قبل رئيس كاتيا أدت إلى الإطاحة بحكومته في انقلاب عسكري الذي قاده الملازم موسی تراوري في 1968 ، وترتب عن هذا الانقلاب إزاحة كايتا من السلطة وتعطيل أحكام الدستور وتولي ص.413 بعدها تراوري رئاسة اللجنة العسكرية حتى كون حكومته في سبتمبر 1969 وتم التصديق على دستور جديد للدولة في عام 1974 والذي جعل مالي دولة الحزب الواحد يسيطر عليها الشعب المالي الديمقراطي الاشتراكي بزعامة موسی تراوري” وتضمن الدستور الدعوة إلى انتخاب رئيس الدولة، وهيئة تشريعية ، فانشأ حزب الاتحاد الديمقراطي الشعب مالي، وبالمقابل بدأت فرنسا بفرض المشروطية السياسية على الدول الإفريقية وذلك بانتهاج النهج الديمقراطي ويتضح ذلك من خلال تصريح الرئيس الفرنسي میتیراند Francois Mitterrand عام 1977 ” فرنسا لا تساعد الدولة التي لم تطبق الديقراطية التعددية. وتعتبر فرنسا أهم شريك تجاري المالي إذ تستكمل ميزانيتها بالمساعدات والعلاقات التجارية مع غيرها من الدول الغربية ( ألمانيا، بلجیکا، بريطانيا ، هولندا، والولايات المتحدة الأمريكية ، كندا) و على الرغم من تبعية مالي لهذه الاقتصاديات الرأسمالية الغربية بقيادة فرنسا في غرب إفريقيا ، كانت مالي مرتبطة ارتباطا وثيقا بالاتحاد السوفياتي ، في أواخر الثمانينات قوت مالي علاقاتها مع العالم الغربي ، في المجال الاقتصادي انتهجت سياسات السوق الحرة. وعلى الرغم من الأحداث في أوروبا الشرقية، إلا أن فرنسا ظلت تمارس ضغوطا على الدول المستعمرة سابقا من اجل إدخال الإصلاحات السياسية والتحول من نظام تسلطي إلى نظام ديمقراطي، وكانت مالي من ضمن هذه الدول وبدأت فرنسا بمساعدة مالي على تطبيق الديمقراطية داخل نظام الحزب الواحد، أي بإتاحة الفرصة لأكثر من مرشح من الحزب ويقوم الناخبون باختيار واحد من المرشحين.

بالرغم من إعلان تراوري الدستور الجديد الذي يتيح التعددية الحزبية إلا أنه لم يوفي بوعده واستمر في حكمه العسكري، مما زاد الأمور خطورة باشتداد قوى المعارضة بمطالب الديمقراطية ، وفي 26 مارس 1991 جري انقلاب بقيادة الكولونيل” امادو توماني توري” سرعان ما انفجرت الحرب في ازواد التي أطلق عليها بانتفاضة مناكا الأولى عام 1990 ، والتي أعلنت عن تمرد جديد في إقليم ازواد بعد عقود طويلة من الاستقرار الأمني النسبي، فبعد أحداث كيدال 1963 وجفاف السبعينات ، لجأ الطوارق في 1990 إلى السلاح ثانية ، ونظموا صفوفهم لشن حرب العصابات التي تميزت بالاحترافية، فقدت القوات الحكومية سيطرتها على 90% من مناطق الإقليم ، وانفجرت الاحتجاجات في الجنوب، وتأثر الشعب المالي بشعارات الشوار الطوارق حتى إن الشعار: “كلنا طوارق” تردد كثيرا في العاصمة والمدن الجنوبية الكبرى من البلاد مطالبة بإسقاط نظام موسی اتراوړي. وقد شاركت في تلك الانتفاضة الحركة الشعبية لتحرير أزواد التي تأسست في 1988 وتعد أول تنظيم سياسي للطوارق الماليين، ومهدت هذه الحركة لظهور حركات أخرى أكثر تنظيما، وصولا إلى الحركة الوطنية لتحرير أزواد التي ظهرت حماية 2011 ما، بالإضافة إلى حركات مسلحة عدة ضمت أجنحة عسكرية لأول مرة بعد ما ظل العمل السياسي السلمي الواجهة الأبرز لمعظم تلك الحركات التي انضوت في البداية تحت لافتة ” “مجلس قيادة حركات أزواد الموحدة” والمعروفة اختصارا M . F . U . A وهو إطار تنسيقي لصهر العمل المشترك ومنع الاحتكاكات بين أخوة القضية ورفاق السلاح.

من بين الأسباب التي أدت إلى :

– الضغوط السياسية الجزائرية منذ 1980 على الأطراف المعنية بالتزاع ، إذ تواجه الجزائر العديد من المهاجرين واللاجئين الذين كانوا تحت مسؤولية الهلال الأحمر الجزائري، تورط بعض المهاجرين الطوارق بالتجارة غير المشروعة عبر الحدود ، وتعتبر الجزائر من بين الدول التي تدعم الدولة المالية و النيجر من اجل إيجاد حلول سلمية لتحقيق الوحدة الوطنية واحتواء غضب المتمردين – فر نحو 35000 شخص إلى موريتانيا ، فزيادة عدد الفارين من الحكومة المالية شكل ضغطا على الاقتصاد الموريتاني ، و تفاقمت مشكلة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، بالإضافة أن الهجرة غير المنظمة عطلت طرق التجارية التقليدية عبر الصحراء بين الناس بسبب إغلاق الحدود أو غيرها من العقبات المتعلقة بالتمرد. بتشديد المراقبة على الحدود وتفتيش السلع إضافة إلى عدم وجود الأوراق الرسمية التي تثبت هوية الشخص بالنسبة للكثيرين من الطوارق التي تعيق عملية انتقال الأشخاص ( الطوارق ) عبر الصحراء بغرض زيارة الأقارب أو ممارسة التجارة – فشل برامج التنموية في شمال مالي وتحقيق الاندماج الاجتماعي .

– ضغط المعارضة على النظام التسلطي على تبني نظام التعددية الحزبية الديمقراطية ، ومشاركة كافة الفئات الاجتماعية بما في ذلك شمال مالي في عملية صنع القرار ، وفي مطلع التسعينيات اتحم طوارق حكومة موسی تراوري بتهميشها للمنطقة الشمالية اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا . – هشاشة البنية السياسية في مالي، فشل المؤسسات الرسمية من أداء الوظائف الموكلة إليها وإهمال وتهميش المناطق النائية، والتمرد المستمر في الشمال.

تطور التمرد في مالي في الأشهر الأولى نظرا للتكتم والحصار الإعلامي الذي فرضه نظام مالي، سرعان ما تطور النزاع حتى تدخل بعض القوى الإقليمية مثل ليبيا والجزائر والسنغال، والإشراف على توقيع بعض معاهدات السلام بين طرفي الأزمة مثل اتفاق تمنراست بالجزائر ، بين المتمردين الطوارق وحكومة موسی تراوري في جانفي 1991، والذي استكمل بملحقات سمیت  بالميثاق الوطني بعد أن تحدد الصراع بين الطرفين بعد الاتفاق الأول، ودعت تلك الاتفاقية إلى الوقف الفوري لإطلاق النار، وإلغاء بعض المواقع العسكرية بالإضافة إلى خلق لجنة لإنحاء العدوان ، أدركت الحكومة أن الوسيلة الوحيدة لضمان نوع من السلام الدائم وتحقيق الوحدة الوطنية هو تنبني نظام اللامركزية عام 1991، لتتجنب العنف داخل حدودها الوطنية ، وتمكنت من تحقيق نوع من الاستقرار والسلام الداخلي بعد الانتقال من النظام الاشتراكي إلى النظام الديمقراطي وتطبيق النظام اللامركزي في كافة إقليم البلاد، وتعتبر هذه الخطوة وسيلة لاحتواء التهديد الطارقي الذي لم يكن راضي عن مخرجات النظام السياسي المالي ، ويفضل نظام اللامركزية تحصل الطوارق على قدر من الإدارة الذاتية ، كما ساهمت برامج الإصلاح الاقتصادي دورا كبيرا في الحفاظ على الأمن واستقرار الدولة. تمكنت الحكومة الانتقالية التي تلت النظام الدكتاتوري في 1991 ، لموسی تراوي من مواصلة المفاوضات مما أدى إلى عقد ميثاق وطني في 1992 واتفاقية سلام ثانية في أفريل بين الحكومة الانتقالية المالية برئاسة الملازم الأول ، الكولونيل أمادو توماني توري” وممثلي الحركات والجهات الموحدة للأزواد MF UA التي كانت تطالب بالأساس بوضع خاص مميز في المناطق الشمالية الأزوادية، وهذه الاتفاقية أدت في البداية إلى إنحاء التمرد، وضمنت إدماج الطوارق في الجيش المالي، والخدمات العمومية ، بالإضافة إلى مشاريع خصصت لأولئك الذين لم يرغبوا في الالتحاق بالجيش، نتيجة لعدم رضا احد الأطراف أو تدخل القوى الخارجية وتحريض طرف ضد أخر، هو ما زاد شرارة الأزمة وأطال أمدها إلى غاية بداية المفاوضات أدت إلى اتفاقية السلام الثالثة 1996 ، إلا أن الأطراف المتنازعة لم تلتزم بمبادئ الاتفاقية وظلت الاشتباكات المسلحة بين حرکات الأزواد وقوات الحكومة المالية إلى غاية 152006 ومن بين الترتيبات التي ذكرها التحالف في بيانه الموقع من مسؤول العلاقات الخارجية هاما أغ سيدي أحمد والمتمثلة في سحب القوة العسكرية من منطقة كيدال إلى المناطق التي كانت تنتشر فيها قبل 23 أيار/مايو 2006 ودعا التحالف في شروطه لتفعيل المجلس الجهوي للتنسيق والمتابعة ودمج الكفاءات الطوارقية في أجهزة الدولة بما فيها الإدارات والسفارات والقنصليات. وشدد التحالف على ضرورة إنشاء وحدات أمنية خاصة مع سحب الثكنات العسكرية عن القرى السكنية وعن مواقع الاتجاع التي يرتادها الطوارق، وأكد البيان أن على السلطات المركزية في مالي أن تنشئ لجنة وطنية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في المناطق المهمشة والنائية بدأت الأحداث تدل على الاندلاع الرابع لتمرد للتوارق في ماي 2006، بعد الهجوم على الموقع العسكري ب كيدال ومن کا من طرف التحالف الديمقراطي للتغيير وقد جاءت ردا على تدهور الأوضاع الاقتصادية وعودة الجيش النظامي لاماكن تواجد التوارق، من طرف عناصر من قبيلة كل أضاع بعد أن أعلن كل من الزعيمين المتمردين ابراهيم أغ بجنغ والحسن فغاغا ، الحرب من جديد ضد الحكومة المالية بعد فشل وساطة غير معلنة قام بها زعيم طارقي أخر وهو اياد أغ أغالي” الذي فشل فيها باقناع الرئيس أمادو توماني توري” بالمطالب التي قدمها زعيما للتمرد في لقاء جمع الاثنين في 22 ماي 2006 في قصر کولوبا الرئاسي استمر هذا التمرد الذي قاده إبراهيم أغ باهانغ في الفترة الممتدة بين 2006 إلى 2009، وعلى اثر النزاع القائم بين الحركة المتمردة والسلطة المركزية تدخلت الجزائر مرة أخرى لإحلال السلام في شمال شرق مالي ، إلا أن اتفاقية السلام في الجزائر التي تم توقيعها في جويلية 2006 رفضها المتمردين نتيجة لانعدام الثقة حول التزام السلطة المركزية بوعودها في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية للمناطق الشمالية. حيث أشار التحالف أن الإجراءات المقررة بعد اتفاق الجزائر لم ينفذ منها سوى تسليم مقاتلي الطوارق لأسلحتهم في 9 مارس 2007 و تشكيل لجنة لمتابعة في كيدال لا تتوفر على سلطة اتخاذ القرارات.

ونظرا لهشاشة الدولة وعدم قدرتها على تنفيذ برامج التنموية وإدماج الأقليات الشمالية في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية بدأت جماعة باهانج انتفاضتها في أوت للمطالبة بتوسيع نطاق الحكم الذاتي لشمال مالي . وأدى هذا التمرد إلي المزيد من تدهور الأمن في منطقة الصحراء بعد أن شن المتمردون (الطوارق) في النيجر المجاورة حملة دموية ضد السلطة المركزية فبراير 2007. بدأ التصعيد حدة الأزمة في منطقة شمال مالي بدا من تاريخ 26 أوت 2007، عندما خطف اتباع زعيم متمردي الطوارق في مالي إبراهيم آغ باهائغا خمسين رهينة معظمهم من الجنود في شمال شرقي البلاد، في مدينة بين زواطن على حدود الجزائر 1000 كلم شمال شرق العاصمة باماكو اضطر الطرفان أيضا لقبول وساطة ليبية أسفرت عن ما سمي ب”بروتوكول تفاهم “وقع عليه الطرفان في 20 مارس/ آذار 2008 في طرابلس ليبيا، وهو ما وضع حدا للأعمال العدائية التي سببها هجوم قام به المتمردون الطوارق علی مرکز عسكري للجيش المالي وقع على بعد 150 كلم شمال کدال أكبر مدن الشمال المالي وهو ما شكل خرقا لاتفاقية بالرغم من الجهود المبذولة من قبل السلطة المالية إلا أن الإستراتيجية المتبعة لاحتواء التهديدات الأمنية وتحقيق الاستقرار في المنطقة الشمالية غير قابلة للاستمرار. نتج عنها تفاقم التوترات العرقية والقيلية، فلجأت الحكومة توري لبناء خطة او برنامج خاص للأمن والسلام والتنمية في أغسطس 2011 بقيمة 50 مليون يورو (حوالي 64 مليون دولار) في محاولة لتعويض ما خسرته في الشمال، جاءت هذه المحاولة متأخرة أدت إلى إشعال التوترات بين الشمال والجنوب من جديد. فكان البرنامج الذي مؤله الاتحاد الأوروبي والجهات المانحة الدولية الأخرى يهدف إلى إخماد السخط المتزايد واسترجاع المكاسب التي حققها تنظيم القاعدة في بلاد الغرب الإسلامي وأصحاب الأعمال المجرمين على حساب الدولة، لكن الأمر انتهى بتعزيز المشاعر المعادية لباماكو لدى السكان المحليين ، ومهيد الطريق أمام تحدد القتال عام 192012 وقد استشرف إبراهيم أغ بينغا للانتفاضة مرة أخرى بقوله “أن سقوط القذافي هو الخبر السار لجميع الطوارق في المنطقة ورحيله عن المشهد الليبي يمهد الطريق للمستقبل أفضل ويساعدنا على تسليط الضوء على المطالب السياسية ويمكننا من المضي قدما في كفاحنا ” ، على الرغم من أن يمنغا توفي في حادث سيارة في ظروف غامضة 26 اوغسطس 2011 في کی دال ، إلا أن تنبؤه بالانتفاضة تحققت في سبتمبر عام 2011 عندما أصبح واضحا أن نظام القذافي سينهار، و عودة المقاتلين طوارق لوطنهم الأصلي – مالي – بعد إفراغ الودائع الأسلحة اندمت حركتين (الحركة الوطنية للأزواد و حركة الطوارق في شمال مالي (MTNM) ) لتشكيل الحركة الوطنية التحرير أزواد MNLA. في حين أن النهج الجديد الذي اعتمد عليها الطوارق يهدف إلى تعزيز إستراتيجية عسكرية، و زيادة القدرة القتالية التكتيكية وتحسين التفكير السياسي العام للطوارق ، من اجل السيطرة على منطقة شمال مالي وتحقيق الحكم ذاتي والانفصال عن جنوب مالي.

– أزمة مالي في ظل الحراك العربي:

في سياق تداعيات سقوط نظام القذافي وما نتج عنه من عودة لألافي المسلحين الطوارق الذين وظفهم الرئيس الليبي الراحل في قوات الشعب المسلح، أو خارجيا في حروبه المباشرة مع التشاد او في مناطق اشتباك خارجة كليا عن منطقة الساحل، تحدد الصراع بين الطرفين (الطوارق ، النظام المالي في يناير 2012 بعد عودة المجندين الطارقين الى مالي وانضمامهم إلى الحركة الوطنية لتحرير أزواد التي قامت بهجمات ضد القوات العسكرية المالية في 17 يناير 2012 في مدينة مناكا التي تعد ثالث أهم مدن في إقليم أزواد من حيث الكثافة السكانية والأهمية الإستراتيجية بعد مدينتي تمبكتو وغاوه. وتعد هذه الحركة حسب المختصين للشأن الطوارقي – أكبر تجمع مسلح أنشأه الطوارق على الإطلاق : إذ يندمج فيه جل العرب والطوارق تحت لواء تنظيم واحد يمثل الأقاليم الثلاثة المسماة ب أزواد والتي تضم كلا من مبتکر ، غاوه ، کدال . ويضم هذا التكتل الجديد أسماء قادة للمتمردين الطوارق مثل بلال أغ شریف ، الأمين العام للحركة ومحمود أفي عالي رئيس مكتبها السياسي، وعبد الكريم اغ متافا رئيس مجلسها الشوري .

وتعتبر هذه الانتفاضة من أخطر الانتفاضات التي شهدتها دولة مالي وذلك راجع إلى:

تغير مطالب الطوارق إذا لم تعد تقتصر على الموارد الطبيعية والأراضي الخصية أو التوسع الإقليمي وإنما المطالبة بتقرير المصير وفصل المناطق الشمالية عن الدولة متأثرين بقضية نضال جنوب السودان من أجل الاستقلال، والضغط على المجتمع الدولي للاعتراف بدولة الازواد مستقلة ، وان تحظى هذه الحركة بالرعاية الدولية .

يشكل هذا المطلب خطرا يهدد وحدة المنطقة وحتى الدول المجاورة لمالي : ( السنغال، موريتانيا، الجزائر ، تشاد، النيجر، ساحل العاج ، غينيا ، المغرب ، ليبيا) فالاختلافي العرقي والثقافي كما ورد في بيان المتمردين يعتبر مبدأ الانفصال كل دولة من دول الساحل الصحراوي والشمال الإفريقي إلى دولتين ، نظرا لتعدد الهويات الاثنية والثقافية والدينية مما دفع الدول الإقليمية تكثيف بمجهوداتها لإيجاد حل سلمي يرضي الطرفين. أعلنت الحركة الوطنية لتحرير الأزواد”، في 2 أبريل 2012 انفصالهم عن مالي ورفعوا العلم الخاص بدولتهم، معتبرين أن إقليم أزواد قد انفصل عن شمال مالي، وتبلغ مساحة الأزواد 111 ألف كيلومتر مربع، فشمال مالي يضم ثلاثة فصائل رئيسية: الحركة الوطنية لتحرير الأزواد ” و “جماعة أنصار الدين ” و “تنظيم القاعدة في الغرب الإسلامي “إضافة إلى حركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا “و “حركة بوكو حرام “التي تبنت مجموعة من العمليات الإرهابية داخل نيجيريا .

كما أعلنت عن تحالفها مع تنظيم القاعدة في الغرب الإسلامية استولت الحركة الوطنية الطوارق لتحرير أزواد (MNLA) على بعض المدن في شمال مالي بعد أن قامت بالهجوم على القوات المالية ترد على قرار الحكومة المتمثلة في عسكرة إقليم أزواد وبناء النكات وإرسال المزيد من القوات العسكرية الإقليم بدل التركيز على مستحقات السلام التي بموجبها التزمت الحكومة المالية بتقديم الخدمات الأساسية ، إذ طالب الرئيس الحركة الطارقية أغ عالي الانفصال عن دولة مالي لأن “سكان الإقليم يختلفون عرقيا وثقافيا عن بقية سكان البلاد ، فهذه الانتفاضة كشفت ضعف قوة الجيش المالي بعد أن فشل في السيطرة على المتمردين الطوارق ، نظمت الفصائل من الجيش المالي عملية الانقلاب العسكري الذي وقع في مارس و أطاح الحكومة في باماكو .22

ويمكن القول أن عدم الاستقرار في مالي ينبع من العوامل الداخلية والخارجية على حد سواء التي ساهمت في الانحيار المؤسساتي للدولة، والتي تشمل سوء الإدارة، والتجزئة العسكرية، وانتشار الفساد و الشبكات الإجرامية و الاتجار بالمخدرات والتجارة غير المشروعة ، و تدفق الأسلحة من ليبيا عام 2011 كل هذه العوامل أدت بانفجار الأزمة في مالي بالإضافة إلى الانقلاب العسكري على الرئيس السابق أمادو توماني الذي تسبب في استياء ورفض شعبي التدخل الجيش في الحياة السياسية ، ونتيجة للانقسام الذي حدث في صفوف القوات العسكرية طلبت الحكومة الانتقالية تدخل عسكري القوات المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا – (ایکواس) في الشمال و توفير المعدات الكافية لقوات الدفاع والأمن لأداء مهمتهم في الدفاع عن الوحدة الترابية للبلاد. “

كما عينت مراقبة الهيئات الإقليمية رئيس بوركينا فاسو بليز كومباوري ، لتسهيل المفاوضات بين حكومة مالي وجماعتين مسلحين في شمال : الحركة الوطنية لتحرير أزواد MNLA و حركة أنصار الدين، كما عقدت محادثات مع هذه الجماعات ، بالرغم من جهود الدول الإقليمية لحل الأزمة باليات سلمية بعيدة عن الخيار العسكري إلا أنها لم تتمكن من وصول للحل عن طريق الحوار وهذا راجع الى تضارب المصالح وتمسك كل طرف بمطالبه وبعد انهيار القيادة العسكرية في الشمال في النصف الأول من عام 2012. وفي الأشهر الأخيرة قام الجيش في الجهة الجنوبية بإعادة تكوين ديناميكيات القوة في شمال مالي بدوا بحملة تجنيد و تقديم الدعم للميليشيات غير النظامية المتحالفة، التي يتم تنظيمها على أسس العرقية و يتضح هنا تحزب الجيش والشرطة جراء اشتباكات عنيفة وغيرها من الانتهاكات التي جريت في صفوف قوات الأمن 24 ويمكن القول أن الانقلاب العسكري في مالي عام 2012 ترتب عنه أزمتين متمثلتين في :

– رفض المنظمة الإقليمية الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) والمنظمة القارية للاتحاد الأفريقي الاعتراف بالمجلس العسكري، ومطالبة النظام العسكري تسليم السلطة إلى النظام المديني .

– إن الفراغ السياسي وانتشار الفوضى في مالي أتاح فرصة للمتمردين الطوارق للسيطرة على باقي المناطق الشمالية إذ تحالفت مع مجموعة جهادية إسلامية وجماعة أنصار الدين لتشديد سيطرتهم العسكرية على أجزاء كبيرة من شمال مالي وبالتالي تمکنت من السيطرة على كامل شمال مالي وأعلنت حركة استقلال أزواد و إقامة دولة مستقلة للطوارق 6 أفريل 2012.

وفي أعقاب الانقلاب العسكري على السلطة الذي وقع في 22 مارس 2012 في العاصمة المالية باماكو وأطاح بالرئيس أمدو توماني توري، سيطرت الحركات الطوارقية المسلحة على شمال مالي التي استولت عليها فيما بعد المسلحين الجهاديين ، وسيطرت حركة مقاتلو حركة أنصار الدين على مدينة تمبكتو في أفريل 212، وتحت الضغط الخارجي المتمثل أساسا في العقوبات التي فرضتها الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا ايکواس على الانقلابيين وتحميد عضوية مالي.

بالرغم من طريق مسدود في إيجاد حل السلمي بين الأطراف المتنازعة بسبب الخلافات العميقة حول الأداء الوظيفي للحكومة ، وعجزها عن الإشراف على الانتخابات الرئاسية في وقتها المحدد، إذ هددت الجماعات المعارضة في باماكو بعدم المشاركة في العملية الانتخابية لأنها لا تتوفر على شفافية. وبفضل جهود الدول الإقليمية والمنظمات الدولية تمكنت الأطراف المتنازعة في مالي مبدئيا على إجراء الانتخابات في كيدال بشمال البلاد، إذ شارك المتمردين الطوارق في أولى جولات المفاوضات بواغادوغو، وذلك بعد الاتفاق بين المتمردين الطوارق الممثلين في الحركة الوطنية لتحرير أزواد، وحركة أنصار الدين، جرى بحضور الوسيط البوركينابي بليز كومباوري رئيس بوركينا فاسو، الذي أشرف على المحادثات بين الجانبين، حيث استقر الأمر مبدئيا، على أن يجري تنظيم الانتخابات في كيدال في موعدها كباقي مدن دولة مالي وأوضح جبريل باسول وزير خارجية بوركينا فاسو في تصريح صحفي قائلا “في النقطة المتعلقة بنشر قوات مسلحة مالية في منطقة كيدال فقد توصلنا الاتفاق مبدئي”، و بموجب هذه الاتفاقية سيتم تشكيل لجنة تضم الجانبين لمراقبة الأمن والتحضير لانتشار الجيش في كيدال، إلا أن عدم الثقة لا تزال قائمة بين الطرفين المتخاصمين عقب اندلاع قتال ، تلاه حصول تقدم للجيش المالي صوب کيدال بعد تقارير تحدثت عن “تطهير عرقي” في المنطقة وفقا لما ذكرته وكالة فرنس بريس. فبالرغم من الأزمة الأمنية التي شهدتها مالي إلا انه تم تنظيم الانتخابات الرئاسية وانتهت بفوز ابراهیم بوبکر کیتا ، و يعتبر هذا انتصارا للسلام والديمقراطية. إذ يتوجب على الحكومة تفعيل الحوار مع المتمردين و المباشرة في تنفيذ برامج التنموية في المناطق المهمشة في مالي، وهذا ما أكدته المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل في باماكو على ضرورة الجمع بين الدعم العسكري والمساعدة التنموية لأن الدعم العسكري وحده لا يمكن أن يجلب الأمن والسلم .

المحور الثالث: الدبلوماسية الجزائرية: بين معالجة القضية الطوارق وتحقيق الاستقرار الأمني في مالي.

نظرا لفشل السياسة الماليين في إيجاد حل سلمي للازمة الناجم عن عدم قدرة الحكومة على تحقيق الاندماج الاجتماعي وتوحيد الشعب وتحقيق الوحدة الوطنية ، ولعل التحرك الدبلوماسي الجزائري برز بعدما أدركت أن مالي تتماطل في حل أزمة الطوارق ، وكانت أول مبادرة التي قامت بها الجزائر لتقليل من المخاطر على النزاع واحتوائه بتعزيز آليات الوساطة ، اذ لعبت الجزائر دور الوسيط لحل الأزمة منذ التسعينيات إلى حد الآن ويمكن ذكرها على النحو التالي:

1-قمة جانت 8-9 سبتمبر 1990: بادرت الجزائر إلى تنظيم وعقد قمة رباعية بمدينة جانت في سبتمبر 1990 ضمت كل من : الجزائر (الشاذلي بن جديد ، ليبيا (معمر قذافي)، مالي ( موسی تراوري) والنيجر (علی سایبو)، أكدت الدول المشاركة في هذه القمة على : – معالجة أزمة شمال مالي بتبني الحلول السياسية واستبعاد المواجهة العسكرية و عدم استعمال القوة لحل مشكل التمرد.

2 – العمل على وضع حد للتهميش الذي يعاني منه الطوارق بإدماج الطوارق في الجيش المالي، والمشاركة في الحياة السياسية . – تعزيز التعاون بين الدول المشاركة في القمة في مختلف المجالات السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، العسكرية ) التحقيق الأمن والاستقرار في منطقة الساحل الإفريقي – تنمية المناطق الحدودية لهذه الدول يترتب عنه استقرار المنطقة. – توفير الخدمات الأساسية ، وتحسين المستوى المعيشي لسكان شمال مالي . وحظيت هذه التصورات مبدئيا بالمقبول لدى الأطراف المتنازعة، وخرجت هذه القمة باجتماع وزاري لمتابعة الأشغال، وهذا ما حدث بعد أسابيع من القمة. لعبت الاستخبارات الجزائرية دورا بارزا في تحقيق السلام في المنطقة اذ أوصت القمة أيضا على ضرورة عقد اجتماعات وزارية على مستوى وزراء الداخلية لبلدان – الجزائر مالي – النيجر – وفيما بعد ليبيا، المغرب ، موريتانيا، و إنشاء جيش مشترك لحماية المناطق الحدودية و منع أي تمرد أخر ، وأولى خطوات الاستسلام كانت برسالة حملها (سیدی محمد اشراش) إلى (أياد اقي اغالي) من الحكومة الجزائرية ، و تم اللقاء في قرية تيمياوين و بعد ذلك تم تحديد مدينة تمنراست مكانا لعقد المفاوضات المقبلة. و كان ذلك اللقاء بتاريخ 03 ديسمبر 1990. 2- قمة إجتماع 1990: غاو “بالتقاء وزراء داخلية الدول الأربعة في أكتوبر، وركز على تنقل الأشخاص وتنمية المناطق الحدودية ومحاربة ظواهر الهجرة السرية ، المخدرات ، التهريب وذلك بتوعية سكان الحدود باحترام القوانين التي يتم تنظيمها بين الدول الثلاث فقد أكد وزراء البلدان الأربعة المجتمعون في جانت عزمهم على احترام مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول . كما أكد ممثلي الدول الأربعة على إرادتهم في احترام مبادئ منظمة الوحدة الإفريقية، خاصة تلك المتعلقة منها بالمعالجة السلمية للنزاعات واحترام السيادة والسلامة الترابية للدول، غير أن تماطل الدول في تطبيق هذه الإجراءات وغياب كلمة موحدة للطوارق جعل حسم المشكلة في هذه القمة أمرا مؤجلا خصوصا بعد تطورات القضية فيما بعد مما دعى الجزائر إلى الوساطة والتي تمثلت منذ البداية في المفاوضات انتهت بلقاء 12 ديسمبر 1990 ، إلا أنه عرف صعوبة في المفاوضات نتيجة وجود شروط و مطالب تعجيزية من كلا الطرفين، وأولها مطالب الحركة الأزوادية وهي: – الإشراك في ميزانية الدولة وذلك بتخصيص الثلث منها.

إخلاء المناطق الشمالية من جيوش النظام المالي . وقد دفعت التطورات اللاحقة للقضية التارقية إلى تكثيف الجزائر لجهودها في كل الاتجاهات لتدعيم الأمن والسلم في المنطقة اتفاقية تمنراست ومع اندلاع شعلة التمرد في شمال مالي وعدم قدرة الجيش على مواجهة هذه الحركة قيل الرئيس موسی تراوري وساطة الجزائر بعد المناقشات التي جرت بين الحكومة وزعماء الطوارق ، لان الجزائر تعرف جيدا بديناميات الصراع في المالي از وظفت إياد أغ غالي باعتباره شخص له القدرة على الضغط والتأثير على الجماعات المسلحة الرئيسة وأطراف الصراع، منذ عام 1990 ومن بين الأحكام الرئيسية الواردة في الاتفاقية نذكر منها ما يلي:

1- وقف إطلاق النار وتبادل الأسرا.

2-انسحاب القوات المسلحة والعودة إلى المعسكرات الخاصة بهم. 3- الحد من وجود الجيش المالي في الشمال، وفي كيدال على وجه الخصوص. 4

. انسحاب الجيش من تسيير الإدارات المدنية في الشمال. 5- القضاء على بعض المواقع العسكرية (يعتبر تحديدا لجماعة الطوارق).

6- إدماج المقاتلين المتمردين في صفوف الجيش المالي في رتب يتفق عليها الطرفان .

7- تطبيق النموذج اللامركزية الإدارية في شمال مالي

8- ضمان نسبة مئوية ثابتة (47 .

3 في المئة في الهياكل القاعدة التمويل الاستثمارات الوطنية. ومن النتائج التي توصلت إليها اتفاقية تمنراست ، تشكيل قوات الأمن المؤقتة التي تتمركز في الشمال ويجب أن تتكون من القوات العسكرية المالية والمقاتلين المتمردين، فهذا يمثل مقياس لخلق مناخ من الثقة ووسيلة لمعالجة مشكلات من بينها البطالة المتفشية بين الشباب الطوارق، كما وعدت الحكومة بتنفيذ برامج تنموية في المنطقة . وقد حاول قادة الحركات المسلحة في الإقليم استثمار النجاحات التي حققوها في محادثات تمنراست التي جرت خلال عام 1991 بواسطة الحكومة الجزائرية وهو ما تم بالفعل ، حيث انتزعوا اعترافا ثمينا من الرئيس الحالي الأسبق موسمی تراوري بقضيتهم ووقعوا معه اتفاقية سلام تنص على منحهم حکما ذاتيا ، غير أن معارضة الجيش إضافة إلى النخبة السياسية المالية أجهضتها ولم يتم تحسيدها واقعيا، وهو ما ترجم عنه انقلاب 1992 الذي قاده الجيش المالي ضد الرئيس تراوري وألغي على أثره اتفاقية السلام في الإقليم وزعزع ثقة الطوارق في مصداقية الوعود التي يطلقها السياسة الماليون، وهو ما عكسته جليا طبيعة التعاطي مع اتفاقية السلام اللاحقة التي أبرمها الطرفان سنوات : 1996، 2006، 2009، حيث تبادل الطرفان المالي والطارقي الاتهامات بشان خرق بنودها فكانت ميناكا الثانية نقطة الصفر لبداية الانتفاضة الثالثة . لقاء الجزائر العاصمة الأول: نظرا لتصعيد الصراع في شمال مالي ، بدأت أطراف النزاع في أشواط جديدة من المفاوضات وعلى هذا الأساس التقى ممثلون عن الحكومة المالية وممثلون عن الحكومة الجزائرية في لقاء دام يومين 29-30 دسمبر 1991 من اجل تحديد وتحضير إطار المفاوضات والتأكيد على أهمية الوساطة الجزائرية في هذا النزاع.

– لقاء الجزائر العاصمة الثاني : ثم هذا اللقاء الذي كان تحت اشراف الجزائر من اجل التأكيد على التقاط ، التي تم الاتفاق عليها في المفاوضات الاولية وكان ذلك بين 22-24 جانفي 1992، حيث أكد هذا اللقاء على توقيع الهدنة وتبادل الأسرى بين الطرفين، و تنصيب لجنة مستقلة للتحقيق ، وضرورة متابعة المفاوضات کشروط مسبقة للبدء في عملية المفاوضات

وساطة جزائرية – لقاء الجزائر العاصمة الثالث: بعد إحداث الانقلاب على نظام تراوري 1991 وتصاعد وتيرة النزاع ثم تنظيم هذا اللقاء في مارس الذي جمع أطراف النزاع ، وكان بمثابة الخلفية الصلبة التي تم من خلالها التوقيع على الميثاق الوطني بالعاصمة المالية ” باماكو” بتاريخ 11 أفريل 1992 ، والذي قيم في وقته على انه الانجاز العظيم بالنظر و انه میثاق شامل للعديد من القضايا ، انطلاقا من إدماج المتمردين في الجيش والحكومة المالية ، وصولا إلى إنشاء هرمية محلية وإقليمية من المجالس الانتقال السلطة بشكل حقيقي ، إضافة إلى تخصيص الموارد الوطنية لعملية التنمية وباختصار يعتبر الميثاق الوطني نتيجة الإجماع ونقاش وطني الذي ضم محمل الأطراف النزاع .30 لقاء تمنراست : 16-20 أفريل 1994، الذي عقد من اجل تقييم مستوى تطبيق الميثاق الوطني ، وتحديد السبل الكفيلة بذلك ، بالإضافة إلى إعادة التأكيد على الحل النهائي للمشاكل المتعلق بالمتمردين لقاء الجزائر العاصمة: 10-15 ماي 1994، الذي خصص للتفاوض حول عدد المتمردين سيتم إدماجهم في مختلف أجهزة الدولة ، إضافة إلى التفاوض حول تفكيك قواعد المتمردين، وتنصيب جهاز اصن حماية الأشخاص والممتلكات، لجنة الإدماج المتمردين ، لجنة تفكيك القواعد العسكرية التي تباشر مهامها تحت إشراف الوساطة الجزائرية . لقاء تمنراست: 27-30 جوان 1994 ، الذي جاء في خضم عودة العمل المسلح ، على اثر الأحداث التي راح ضحيتها و طوارق ، وعلى هذا الأساس أدان هذا اللقاء الانحرافات الأخيرة عن المسار السلم، كما أكد على مباشرة إدماج المتمردين في جو يسوده الثقة المتبادلة، ومحاربة العصابات الإجرامية ، إن عدم احترام الطرفين المالي والطارقي الاتفاقيات المبرمة بينهما،

كان يؤدي في كل مرة إلى الاضطراب محددة والعودة إلى النزاع المسلح مما يتطلب تدخل الجزائر على خط الوساطة بسرعة وعلى إثر اشتداد الصراع سنة 2003 قادت الجزائر وساطة أشرف عليها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة كدليل على اهتمام الجزائر بالدائرة الأفريقية عامة ومنطقة الساحل الإفريقي بصفة خاصة نظرا لما يشكله إقليم أزواد من تحديد امني وانتقال عدوة التمرد لدول الجوار .وقد أفضت هذه الوساطة إلى التوقيع على اتفاق سلام بالجزائر في يوليو عام 2003 تحت اسم “تحالف 26 ماي من أجل التغيير” وقد كان أثر المقاربة الجزائرية لإحلال الأمن في المنطقة ، تعتمد المقاربة الجزائرية في هذا الإطار على مبادئ سياسية من ناحية احترام الوحدة الترابية لدولة مالي، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول . غير أن الدبلوماسية الجزائرية تستند في مقاربتها بخصوص الوضع في مالي على رهائات أمنية كبيرة د ومع زيادة وتيرة العنف سنة 2006 وجدت الدبلوماسية الجزائرية نفسها مجبرة على العودة مرة أخرى إلى دور الوساطة الجزائرية في جويلية 2006 وثم التحاق هذا الاتفاق بثلاثة بروتوكولات تنظيمية، في 20 فيفيري 2007، بسبب المناوشات التي حدثت عن سوء فهم بعض بنود الاتفاق وعلى الرغم من ذلك اشتدت حدة النزاع مرة أخرى في مارس 2008 بسبب الاتهامات المتبادلة بعدم تطبيق بنود الاتفاق ، وعلى هذا الأساس قامت الجزائر في الفترة الممتدة بين 24-27 جويلية 2008، بالرجوع إلى طاولة المفاوضات بصفة الوسيط ، حيث تم التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار . في ظل موجات التغيرات التي شهدتها شمال إفريقيا التي أطاحت بأنظمة الحكم و تخوف الرئيس الماني من إحداث الانقلاب العسكري و في أواخر ديسمبر كانون الأول عام 2010، صرح بإدخال إصلاحات على النظام السياسي والاقتصادي الغرض منه حماية الوحدة الوطنية ويمكن الإشارة إلى هذه الإصلاحات في ثلاثة عناصر أساسية:

– التحول من قطاع العامة إلى القطاع الخاص قادر على منافسة حقيقية لبناء اقتصاد دینامیکی قائم على أساس الابتكار والجدارة ، والتي من شأنها جذب الاستثمارات الدولية – التخلي عن الثقافة السياسية للعنف الذي كان الأساس لمكافحة الجماعات الإرهابية. – تقسيم عائدات النفط والغاز والاستثمار في البنية التحتية والخدمات لتحسين مستويات المعيشة للسكان وخلق الاستقرار الداخلي

ورغم أن الجزائر استأنفت وساطتها بعد الاشتباك بين الحكومة المركزية في مالي وحركات التمرد للطوارق، فإنه لم يحالفها النجاح، لا سيما بعد ظهور معطيات جديدة في الصراع عقب سقوط نظام القذافي، حيث عاد الطوارق محملين بأسلحة من ليبيا ، وبالتالي أضحت الحركات المسلحة -خاصة الدينية في وضع قوي يجعل التفاوض مع الحكومة غير ذي جدوى مع بداية القتال في يناير كانون الثاني عام 2012، كان دور الجزائر غامض لدى كثير من الفواعل الدولية في الأشهر الأولى من الصراع في مالي، اعتمدت الجزائر سياسة مترددة و أكثر سلبية في تعاملها مع متغيرات ومستجدات الأزمة المالية وأطلق عليها ب”ننتظر ونرى” وفسر هذا الموقف في المنطقة “بالإهمال الخبيث”، وتم توجيه اتهامات للجزائر متمثلة في أن الجهود المبذولة غير كافية في المراقبة والسيطرة على أنشطة الجماعات المسلحة في منطقة الساحل الإفريقي ، وترددها في تبادل المعلومات حول المتورطين في مالي ، واقترح بعض الخبراء أن الجزائر متأثرة بشكل طفيف من أنشطة القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي وأنها تستخدم هذا التنظيم كذريعة لتعزيز مكانتها الإقليمية في مكافحة الإرهاب فهي تعمل على ما يعرف بإدارة الأزمة دون سعي لإيجاد حلول سلمية لاحتواء الأزمة ، خصوصا بعدما سحبت الجزائر مستشاريها العسكريين وقطع تسليم الجيش المالي بالمعدات العسكرية خلال مواجهته الحاسمة في تيساليت في أوائل شهر مارس 2012، حيث جرت محاصرة القوات المالية بينما موقف الجزائر واضح فيما يخص مسألة التعاون الإقليمي وتقديم المساعدات العسكرية (المعدات والأجهزة العسكرية) عرضه مكافحة الإرهاب وتفكيك خلايا إرهابية ومحاربة الجريمة المنظمة و ليس مكافحة التمرد وMNLA حركة الأنصار الدين .

كل هذه العوامل جعل الأمر أكثر صعوبة في اتخاذ الإجراءات اللازمة لتحقيق الاستقرار في شمال مالي، تتميز الجزائر عن غيرها من الدول المجاورة بقدرتها على التصرف. فهي تعتبر القوة العسكرية الإقليمية ولديها القدرة على التأثير على حركة أنصار الدين وغيرها من الجهات الفاعلة في شمال مالي. نظرا لما لها من الخبرة في مكافحة الإرهاب كما أنها بمثابة عضو مؤسس وزعيم في عدة محافل إقليمية وعالمية لمكافحة الإرهاب ومراقبة خطوط الإمداد اللوجستية المتطرفة والجماعات المسلحة في منطقة الساحل. تنشط الجزائر لإظهار طموحاتها من أجل قيادة إقليمية لمكافحة الإرهاب ، وهو العمل الذي تشجعه الولايات المتحدة الأمريكية في شمال إفريقيا والساحل، وتابعه الجزائر لارتداء معطف القيادة الإقليمية ، وبعد التنسيق بين الجزائر ودول الساحل الثلاث المجاورة لها من صميم الدعوة الأمريكية، وعلى الرغم من هذه القيمة المتزايدة للجزائر، كبلد شريلك في الحرب على الإرهاب ورفعها شعار رفض تدخل الأطراف الخارجيين، فان الجزائر تدافع عن تدخل الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، ومن جهة أخرى ، تظهر الجزائر المرونة اللازمة للاستجابة لضغوط كبيرة لا تقدر عليها وحدها ، كما أظهر سلوكها إزاء العملية العسكرية الفرنسية في مالي عام 2013 أن تقوم هذه العلاقات حول المساعدات الأمنية والعسكرية ، يقع ضمن   صور ملامح سياسة تعيد جمع دول على أسس أمنية ، إقليمية جديدة، ويمكن ملاحظة ذللك من خلال برامج المساعدات الأمريكية التي تنقسم إلى نوعين :

مساعدات إقليمية وأخرى ثنائية. استغلت الجماعات الإرهابية والحركات المسلحة الانقلاب العسكري الذي حدث 23 مارس 2012 للسيطرة على شمال ، و تعرض النفوذ الجزائري في مالي لضربات متتالية من حركتي التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا وتنظيم القاعدة، سواء باقتحام قنصليتها في مدينة غاو في شمال مالي في إبريل 2012 أو إعدام الدبلوماسي الطاهر تواتي على يد حركة التوحيد والجهاد في سبتمبر من نفس العام، بعد رفض الجزائر أي تفاوض للإفراج عن معتقلين للحركة لدى الأمن الجزائري. إذ تمكنت الجزائر بالتعاون مع رئيس بركينا فاسوا البوركيني بليز كومباوري اقناع إياد أغ غالي قائد حركة أنصار الدين بالاجتماع مع السلطات المالية على طاولة المفاوضات في أواخر عام 2012 إذ تعهد أطراف الصراع بدعم كل جهود الجزائر الرامية الحل سلمي للأزمة في شمال مالي، وأكد البيان الختامي للدورة السادسة للجنة الإستراتيجية الجزائرية المالية على تعهد من جانب دولة مالي على مكافحة الإرهاب وتكثيف جهودها مع الحركات المسلحة في مواجهة تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي والجماعات المسلحة المتطرفة الناشطة بإقليم أزواد ومنطقة الساحل، والدفع بالحوار نحو تحقيق الخروج بحلول مقنعة لكلا الجانبين . إلا أن النخب السياسية في مالي لم تلتزم بوعودها هذا ما دفع بالقاعدة ببلاد المغرب الإسلامي والحركة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا بقيام بهجمات ضد مدن مالية. إذ وجد أنصار الدين أنه لا خيار آخر أمامها في ظل استبسال الحكومة المالية وسعيها للحرب، وأضاف أغ غالي، في بيانه أن عرض وقف الأعمال العدائية الذي قدمته أنصار الدين “بذل الوسطاء جهدا كبيرا لانتزاعه، ولكنه أهين وقلل من شأنه لدي الطرف المالي الذي حتى الآن لم يعلن رسميا وقف الأعمال العدائية من جانبه، الأمر الضروري لأي تفاوض منطقي

كما نظمت الجزائر في يوليو 2014 طاولة تفاوض بين الأطراف المتنازعة بحمد في الحفاظ على وحدة أراضي مالي، كما سمعت الجزائر إلى كبح الطموحات الانفصالية لدى بعض المتمردين الشماليين ، وتفضل الجزائر تطبيق نظام اللامركزية على الاستقلالية، و إعادة بناء الدولة وتقوية المؤسسة العسكرية وتوفير البنى التحتية الحديثة اللازمة في المناطق الهشة وتبني إستراتيجية لمعالجة القضايا والمشكلات المتعلقة بالتنمية والاقتصاد و الأمن بالتنسيق مع حركات أزواد (CMA) ، الذي يمثل الجماعات المتمردة في شمال مالي. إلا أن بعض الجماعات الشمالية رفضت هذا الاتفاق وأدخلت شمال مالي في دوامة جديدة من العنف خاصة منطقة میناكا في أبريل 2015، إلا أن أطراف النزاع تعرض لضغوط دولية فتم توقيع الاتفاقية في باماكو يوم 20 يونيو، على الرغم من المعارضة المستمرة من قبل المتمردين في الشمال لقبول باجتماع من اجل الحوار، وكانت الجزائر الوسيط الرئيسي في الأزمة بين الحكومة المالية و الحركات الانفصالية هي للمرة الرابعة في ثلاثة عقود ، التي دعمت باستمرار سلامة إقليم مالي، و معارضة الانفصال الطوارق في البلدان المجاورة وعرض خطة للبنى التحتية على المدى الطويل لتنمية منطقة الساحل، والى الحد من الجريمة المنظمة العابرة للحدود وعنف المتمردين

الخاتمة:

تعد مشكلة الطوارق في منطقة الساحل الإفريقي من بين المشكلات المستعصية التي تعاني النخب السياسية في تعامل معها ،و تعد المقاربة الأمنية للخروج من الأزمة في مالي الأكثر نجاعة من خلال التشديد على أن يكون الماليون المبادرين الأوائل في البحث عن حلول لمشاكلهم . وعليه يعتبر الحوار الية الوحيدة التي يمكن من خلالها أن يتوصل أطراف النزاع لحلول سلمية وتحقيق الاستقرار الأمني في الإقليم الشمالي المالي التي تحتلها مجموعات مسلحة وتوصي هذه المبادرة بالإحاطة بالجوانب التي يجب أخذها بعين الاعتبار في تحديد إستراتيجية على مستوى الأمم المتحدة، وللبحث عن مخرج للأزمة في مالي ينبغي أن يتم في ظل احترام بنود الاتفاقيات الموقعة بين أطراف النزاع .

ويتعلق الأمر أولا بأن الماليين هم الحلقة المحورية في البحث عن حلول لمشاكلهم، وأن الأمر يتعلق بالمساعدة والدعم مع تعزيز إمكاناتهم الوطنية . أما الجانب الثاني فيتلخص في أن تتفق الأطراف الفاعلة في المجتمع الدولي على أجندة واحدة ومسار أوحد الجهودهم تأخذ بعين الاعتبار إرادة الحاليين وصلاحيات المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، وكذا مصالح الأمن الوطني لدول الميدان المجاورة لمالي (الجزائر والنيجر وموريتانيا). عرف النشاط الدبلوماسي الجزائري منذ الأعوام 2012 تغيرات جوهرية في معالجة القضايا الأمنية بسبب التحولات الإقليمية والجهوية التي تشهدها مناطق الجوار، مما دفع إلى مسايرتحا والتفكير في الأساليب الملائمة للتعاطي معها . وكثيرأ ما حظيت مقاربات الجزائر في هذا المجال بالتقدير والاحترام، رغم الانتقادات التي يوجهها لها البعض بسبب التزامها الصمت إزاء بعض القضايا، في الوقت الذي أكدت فيه الجزائر تمسكها بدبلوماسية الأفعال لا دبلوماسية التصريحات. إن سياسة الجزائر الأمنية في منطقة الساحل يشوبها الكثير من النقائص، حيث تمتاز العلاقات الجزائرية – الساحلية بالتقطع وعدم الاستمرارية في معالجة القضايا الأمنية. الهوامش

العربي الاتحاد الاشتراكي

– معناته ولد التقره ، الطوارق من الهوية إلى القضية المغرب : طوب بريس الريا حق، 2014، ص. 33. – صلاح معاطي ، غطيات أبو العينين، اليد و أمراء الصحراء. عمان، مؤسسة الوراق لنشر والتوزيع، 2014، ص.353.

لحسن العسبي، ما الذي يحدث بالحدود الجنوبية للجزائر ؟ يوم تستفيقة دولة « الطوارق بالمغرب ( 2012 . 10047 ، ص. 11. – صلاح معاطي، مرجع سبق ذكره – 354.

تاته ولد التقره ، مرجع سبق ذكره. 35

5 – Stephanie E. Santos, “The Tuareg: Place and People In Self Determination”, Workshop in Political Theory and Policy Analysis , Bloomington: Indiana University 2013.p.6. 7- PHILIPPE ARCAND. La conservation du patrimoine des sociétés touaregues du Sahara algérien et le tourisme écoculturel : critique des politiques culturelles de l’UNESCO. UNIVERSITÉ DU QUEBEC A MONTREAL 2008,p.30.

– سيد أحمد ولد احمد سالم الطوارق أو الرجال الزرق، ينتظر ترایط

http://www.aljazeera.net/specialfiles/pages/974580fd-b1a5-4881-a045-3f057758637a

– David J. Francis,” The regional impact of the armed conflict and French intervention in Mali”, Noref Report Norwegian: peacebuilding resource centre, April 2013.p.4. 10 – LTC Rudolph Atallah, La révolte des Touaregs et le coup d’État au Mali, ASPJ Afrique Francophonie – 1er trimestre, 2013, pp.67, 69.

– مادي ابراهيم كانتي ، التحول الديمقراطي في جمهورية مالي منذ عام 1991. مصر: المكتب العربي للمعارف ، دس ان اصل ص. 49

: 47 – احمد ادابير ، “التعددية الاثنية والمشكل الأمني في مالي دراسة مكرونولوجية لتمرد التوارق منذ 1963 إلى 2012″، حوارات الإقليمية والعالمية في منطقة الساحل والصحراء ، عمان : دار مكتبة الحامد للنشر والتوزيع، ، ص ص . 413

414 – الشيخ إبراشيم کوتتان “انتزاع المسلح في مالي”، قراءات افريقية ، ع 16 يونيو 2013، ص.33

  1. Stephanie E. Santos, “The Tuareg: Place and People In Self Determination”, Workshop in Political Theory and Policy Analysis , Bloomington: Indiana University, May 3rd and 5h, 2003,p.16

– احمد ادابیر ، مرجع سبق ذكره ، ص ص .417

418 |

   طوارق شمال مالي بوزع بیانات عصيان في موريتانيا ويحذر سلطات باماكو من تدهور الأوضاع وتفجرها قريبا”، القدم، ع – عبد الله مولود، “تحائف و583، 5 ربيع الأول 1439، ص. 07

  1. – احمد ادابير، مرجع سبق ذكره، ص 19 – الحاج ولد إبراهيم، أزمة شمال مالي انفجار الداخل وتداعيات الإقليم، تقریر، مركز الجزيرة للدراسات، 12 فبراير 2012، ص ص . 2، 3.

19 -Anouar Boukhars, The Paranoid neighbor Algeria and the Conflict in Mali. Washington Carnegie Endowment for International Peace, october 2012, p.08. 20 – LTC Rudolph Atallah, op cit, 2013.p71

عادل مساوي ، المواقف الدولية من الأزمة في شمال مالي، قدمت هذه الورقة في ندوة” المغرب العربي والتحولات الإقليمية الراهنة ، مركز الجزيرة للدراسات ، الدوحة فبراير 2013

22 – sarah Vogler, Security Challenges in Libya and the Sahel, workshop report. International Affairs Group CNA Strategic Studies, december 2012,p.4.

23 – Alexis Arieff, Crisis in Mali, CRS Report for Congress, Congressional Research Service, January 14, 2013 p.07. 24 – Anouar Boukhars, The Paranoid neighbor Algeria and the Conflict in Mali. Washington Carnegie Endowment for International Peace, october 2012,p.06.

– ميركل تشدد في باماكو على ضرورة الدعم العسكري، انظر شرایط :

http://www.alalam.ir/news/1870797

ا

– محمد دخوش، الدور الريادي للجزائر في تسوية النزاعات الداخلية في مالي ، جريدة الراشد، ع6552، 20-08-2013ء انظر لرابط

http://elraaed.com/ara/sujets_opinions/31020%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%8.html

— . لیلی ، مدلسي: “نعمل كل ما في وسعنا لتحرير المختطفين سالمين”، انظر ترابط :

http://www.akhersaa-dz.com/news/63192.html?print

– اپدابير أحمد ، التعددية الأئمة والأمن المجتمعي : دراسة حالة مالي. مذكرة مقدمة لنيل شهادة الماجستير في العلوم السياسية والعلاقات الدولية ، جامعة الجزائر 2012، 3، ص.143.

19 – Anouar Boukhars, The Paranoid neighbor Algeria and the Conflict in Mali. Washington Carnegie Endowment for International Peace, october 2012,p.10. 30 – LTC Rudolph Atallah, op cit, p.69.

موش مقیان، عالالي حکيمة، “السياسات الأمنية الجزائرية في الساحل الأفريقي ، المشكلات السياسية في القارة الإفريقية، الإسكندرية: مكتبة الوفاء القانونية ،2016، ص.673

32-LAURENCE AÏDA AMMOUR, La coopération de sécurité au Maghreb et au Sahel : l’Ambivalence de l’Algérie, BULLETIN DE LA SÉCURITÉ AFRICAINE. PUBLICATION DU CENTRE D’ÉTUDES STRATÉGIQUES DE L’AFRIQUE, NO. 18 / FEVRIER 2012,p.04.

– ريموت سفيان، علالي حکيمة، مرجع سبق ذكره، ص. 674- ب. مراد، أنصار الدين” تعلن تجميد العمل باتفاق الجزائر بسبب عدم التزام باماكو، انظر ترابط :

http://www.essalarnaonline.com/ara/permalink/18891.html#ixzz4QSiSoJ05

 

 

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button