دراسات سوسيولوجية

قراءة في أزمة القيم والهُويّة العربية

في شهر سبتمبر من عام خمس وأربعين وتسعمائة وألف (1945) انهزمت اليابان هزيمةً نكراء، وكان لابد لها من بناء جيلٍ جديدٍ، بنظام ٍقيميٍّ ومفاهيميٍّ جديد؛ بُغية تجاوز أثار الهزيمة وانعكاساتها السلبيّة من جهة، وتحقيق معجزة النهوض من جهة أخرى.
ففي عام ست وأربعين وتسعمائة وألف (1946) تولّت ــ لجنة المسح ــ المختصّة بدراسة أسباب الهزيمة وكيفيّة النهوض من جديد، حيث حدّدت بداية الطريق وهي: ضرورة بناء جيلٍ يابانيٍّ جديٍد، فصمّمت من أجله نظامًا قيميًا جديدًا؛ يهدف إلى بناء المواطن والمجتمع معًا، وبالتالي بناء “اليابان الحديثة”. وبفضل هذا النظام القيميّ الجديد عادت اليابان أفضلَ بكثيرٍ ممّا كانت عليه حيث تحوّلت الى قوّةٍ عالميّةٍ في أقلَّ من خمسين سنة.
وفي أغسطس من عام خمس وستين وتسعمائة وألف (1965) بكى رئيس وزراء سنغافورة ــ لي كوان ــ على الهواء مباشرة أمام شعبه وأمام العالم كلّه نتيجةً لانفصال سنغافورة عن ماليزيا، فقد كانت يومها جزيرة للمشاكل، معدومة الموارد، بيد أنّ “لي كوان” في الشهر التالي قد بدأ في التفكير والتخطيط لإعادة تأهيل وبناء المواطن السنغافوري، فصمّمَ منظومةً قيميّةً خاصّة جدًا لبناء مواطن عالميّ بعقلٍ وقلبٍ ويدٍ وممكنات فعل جديدة. ونجحت منظومة قيم ” لي كوان” في انتاج قوّةٍ بشريّةٍ بالغةِ التميّز فنقلت سنغافورة الى مصافّ الدول المتقدمة صناعيًّا واقتصاديًّا، حيث صنّفت سنغافورة ضمن الخمس اقتصاديات الذين نموا في العالم في أقلّ من خمسين عامًا.
أمّا في عالمنا الإسلامي ومنذ انفراط عِقدِ الخلافة الإسلامية العثمانية، وتسلّم الغرب قيادة العالم. ظلّت المجتمعات الإسلامية تعاني من أزماتٍ كبيرةٍ في نظامها القيميّ والفكري، وظلّت غير قادرة على النهوض من جديد والعودة الحضارية مرة أخرى وذلك لأسباب ٍ كثيرة متشعّبة ومعقدة.

وإليك أبرز الأسباب لأزمة القيم الإسلامية:
1 ـ عدم وجود نظامٍ قيميٍّ محدّدٍ ومنظّم لقيم القرآن الكريم، بحيث يتفق مع قواعد ومناهج العلم الحديث. فالأمّة توقّف عند اجتهاداتٍ متباينة لبعض علماء السلف، لا ترتقي لمستوى النظريات العلمية المتوافَقِ عليها عالميا.
2 ــ عدم وجود موسوعةٍ حضاريّة تحدّد المفاهيم العلمية والإنسانية والحضارية العامّة والخاصّة لكلِّ قيمة، والوقوف على تعريفاتٍ قديمة متناثرة في كتب الاخلاق.
3 ــ الوقوف عند حدّ الإجابة عن سؤال أهمية القيم؟ دون الإجابة عن الأسئلة المحورية والعملية كالسؤال عن:
1س. ماهية القيم؟
2س. كيفية تخطيط القيم؟
3س. كيفية بناء وتمكين القيم وصناعة الهوية؟
4 ــ عدم وجود نماذج تمثّل القيم القرآنية في سلوكياتها، وعدم وجود أدوات تطبيقيّة تحدّد طبيعة المهارات والإجراءات السلوكية لكل مرحلة عمرية، ولكل نوع، ولكل مجال، بحيث يمكن تربية الناس عليها، وتتوفر إمكانية قياسها وتقويمها.
5 ــ توقّف الإنتاج العلمي للعلماء المسلمين في مجال القيم والسلوك عند القرون الأولى وحتى منتصف الدولة العباسية ــ العصر الذهبي 850 م ــ هذا فضلًا عن غلبة النظرة الصوفية للمفاهيم والقيم بحيث صاغت منها نظام أفكار ومنهج تفكير ونمط حياة يميل الى العزوف عن الدنيا بدلًا من صناعة الحياة، ويميل إلى التواكل بدلًا من التوكّل والأخذ بالأسباب.
6 ــ عدم وجود الركائز الأساسيّة لصناعة الهُويّة والقيم على مستوى المؤسسات من جامعات وكليات متخصصة في صياغة القيم وصناعة الهُويّة.

نتائج أزمة القيم الإسلامية:
فالأزمة بدأت في التفاقم، وظهرت تداعياتها واضحةً جليّةً على المجتمعاتِ الإسلامية إثر سقوط الخلافة العثمانية، حيث ظهرت أجيال ضعيفة في بِنيتها القيميّة والفكريّة والسلوكيّة، والتي تعكسها بكلِّ دقّة حالةُ الضعف والتراجع في مؤشرات الإنتاج والنموّ الاقتصادي، فضلًا عن ضعف منسوب الأمن والاستقرار الاجتماعي والسياسي …
فمن أجل هذا كلّه قامت مؤسسة “هُويتي لدراسات القيم والهوية” والتي مقرّها في كوالالمبور بتحّمل عبء الأمانة الثقيل حيث قامت بتأسيس علم القيم وتطويره برؤية حضارية معاصرة وفق معايير العلم الحديث، فعمدت الى تخطيط وإنتاج بنية تأسيسيه متخصصة لعلم القيم الحضاري المعاصر وتطبيقاته في الحياة المعاصرة من خلال المشاريع الآتية:

1 ــ مشروع مـوســوعة القيم الحضارية عدد 60 قيمة / كتاب البناء الحضاري المعاصر للقيم + الدليل السلوكي المهارى للقيمة.
2 ــ مشروع التفسير القيمي الحضاري للقرآن الكريم -منظومة قيم القرآن الكريم-نظام ومعايير وفلسفة القيم في القرآن
3 ــ مشروع منهج قيمي لتعليم القيم لمراحل التعليم قبل الجامعي
(المادة التعليمية + كراس الطالب + دليل المعلم + معايير ومؤشرات ونماذج قياس القيم والسلوك).
4 ــ مشروع موسوعة وحقيبة تعليم التفكير بتدبر القرآن الكريم ــ 24 مهارة تفكير + 6 مناهج تفكير
(المادة العلمية + كراس تدريب المهارة + دليل المدرب)
5 ــ مشروع موسوعة تخطيط وبناء القيم والهوية.
6 ــ مشروع منظومة ديبلومات الـتعـليم العالي المتخصصة في الـقيم
(دبلوم إخصائي الـقيم ــ دبـلـوم الاعلام الـقيمي ــ دبـلـوم الـقـيـم السيـاسيـة ــ دبلوم القيادة والإدارة بالقيم المهنية)
7 ــ مشروع الهوية الوطنية للدولة المدنية الحديثة.
8ــ مشروع النظام المعياري العالمي لتعليم القرآن الكريم، وتطوير مراكز التحفيظ حول العالم الى مراكز لتعليم مفاهيم وقيم القرآن الكريم
9 ــ مشروع مجلّة علميّة محكّمة متخصّصة في القيم والهُويّة ــ لنشر الأبحاث والمقالات المعتمدة.
10 ــ كليّة متخصّصة في القيم والهويّة ــ الأكاديمية العالمية للقيم والهويّة ــ لمنح درجات البكالوريوس والماجستير والدكتوراه.
للعاملين في مجال القيم والهوية، لإثراء الأمّة بالقوّة البشريّة اللازمة لصناعة القيم والهويّة الحضارية العالمية.

وفي الحقيقة لقد بدأ هذا المشروع منذ ثلاثة عشر عامًا (13) بجهودٍ فرديةٍ ضئيلةٍ ومحدودة ،ولكنه بعد الصبر والمصابرة تجاوز العقبات وقهر التحديات، وإذا به اليوم يتحوّل إلى مؤسسة متكاملة ورائدة، تسهم إسهامًا عمليًا في تأسيس وبناء
صناعة حقيقية للقيم والهوية تكن الرافعة الأساسية لاستعادة هوية ووعى الامة وفاعليتها عبر انتاج أجيال ومجتمعات جديدة تفهم ، وتحب ، وتتمسك بقيم السماء وتلزم بها سلوك عمليا في كافة المجالات ومواقع العمل والإنتاج والانجاز
في البيت والمدرسة والمزرعة والمصنع ووسائل الثقافة والاعلام …الخ
وكلّي أمل في استكمال واستثمار المكونات الصلبة الاساسية الخاصة بنا كعرب مسلمين سنة لصناعة القيم لتنطلق بعدها صناعة القيم والهوية في كل دولة ومؤسسة ومدرسة واسرة على هدى من نور القرآن ومناهج العلم الحديث:

أولا: المكون البشرى من أجيال جديدة من الباحثين المتخصصين في نقل وإنتاج المعرفة في مجال العلوم الإنسانية خاصة في التخصصات الست المكونة لعلم القيم والهوية ( أصول الدين ــ المقاصد ــ علم النفس التربوي ــ الاجتماع والاجتماع السياسي ــ علم الادارة ــ المنطق والتفكير ) لتحمل مسؤولياتها في الإجابة على الأسئلة الكبرى والفرعية لعلم القيم ، وتطبيقاتها العملية في اثراء.
ثانيا : البنية الفكرية المكونة من موسوعة القيم الحضارية ، والتفسير القيمي للقرآن الكريم ، نظريات ومبادئ ونظام ومعايير ومؤشرات صناعة القيم .
ثالثا : البنية المؤسسية والمكونة من مرصد علمي لمتابعة ورصد وتحليل تغير السلوك والقيم وبيان معطياته وتداعياته ، وبيان كيفية التعاطي معه بما يحقق مصالح المجتمع والأمة .
رابعا : اكاديمية تعليمية متخصصة لتعليم وتأهيل أخصائي وخبراء ومستشاري القيم والهوية الذين سيعيدون ضخ القيم القرآنية في نفوس اجيالنا الجديدة من جهة ومن جهة أخرى التطوير المستمر لعلم القيم والهوية عبر البحوث
والدراسات العلمية التخصصية الممنهجة لمنح درجة الماجستير والدكتوراه حقيقة الامر هو أن لكل أمة تريد ان تقوم وتنهض سواء بالحق او بالباطل عليها ان تمتلك صناعة متكاملة خاصة بها هي فقط ، لتعبر ثم لتمكن لحلمها ، وهويتها وشخصيتها ــ ملاحظة : ايران تمتلك ثمانية مراكز متخصصة في صناعة القيم والهوية الإيرانية ، والكيان الصهيوني يمتلك أربعة مراكز كبرى لصناعة القيم والهوية الإسرائيلية ، في حين لا تمتلك الامة العربية مركزا واحدا متخصصا في انتاج المعرفة وصناعة القيم والهوية الى مركز هويتى ، والذى نتمنى ان يكون بداية قوية لصناعة القيم والعربية الخاصة بشكل قوة وكبير .

أملنا وفرصتنا كبيرة لأن تستعيد أمتنا العربية ستستعيد قوتها وحيويتها الحضارية بالعودة الحقيقية الى قيمها وهويتها عبر صناعة احترافية للقيم والهوية لتبدأ بعدها معارك تحرير الإرادة العلمية والثقافية والإنتاجية و الاقتصادية والسياسية والعسكرية ، ونراها قريبا بإذن الله خاصت اذا ما خلصت النوايا
والتزمنا جميعا احترام التخصص والتخطيط القيمي والتربوي بعيد المدى ، والعمل العلمي الاحترافي ، وتوحدت وتكاملت الجهود ._____________

د. إبراهيم الديب: رئيس مركز هويتي لدراسات القيم والهوية

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى