دراسات شرق أوسطيةنظرية العلاقات الدولية

قراءة في الأزمة الديبلوماسية بين العراق والجزائر

جرت عشية يوم الأحد في العاشر من شهر سبتمبر 2018 ، على أرضية ملعب عمر حمادي بالجزائر العاصمة ضمن منافسات إياب دور ال 32 من البطولة العربية للأندية 2019، مباراة في كرة القدم جمعت فريقا اتحاد العاصمة الجزائري والقوة الجوية العراقي . وقد جرت المباراة بشكل ودي إلى غاية الدقيقة 70 ، حين هتف أنصار إتحاد العاصمة الجزائري بهتافات إعتبرها الفريق المنافس هتافات عنصرية وطائفية تمس بكرامة الشعب العراقي . ورغم محاولات الفريق المضيف تهدئة الأوضاع إلا ان الفريق المنافس أصر على موقفه وغادر أرضية الميدان غاضبا . وكانت الهتافات التي أطلقها أنصار إتحاد العاصمة الجزائريه هي ( الله أكبر ، صدام حسين …. فلسطين الشهداء )) . وقد إنفعل الوفد العراقي واتهم الجماهير الجزائرية بالبربرية وعدم حسن الإستقبال وحسن الضيافة، تطور الأمر بعدها إلى أزمة ديبلوماسية بين البلدين بعد التدخل الرسمي وعلى المستوى السياسي حين استدعت الخارجية العراقية ، السفير الجزائري مطالبة إياه بتقديم توضيحات حول الحادثة . كما طالبته بتحمل الدولة الجزائرية مسؤولية حماية الرعايا العراقيين بالجزائر .رغم أن القضية لم تتعدى مدرجات ملعب عمر حمادي !!!!. أما رئيس الإتحاد العراقي فقد طالب الإتحاد العربي بالتدخل وإعادة الإعتبار والهيبة للكرة العراقية وإلا فإنه سيستقيل من منصبه وتغادر جميع الفرق العراقية المنافسة العربية ، وبعد هذا الشحن كان من الطبيعي أن تتلقى بعض الجماهير العراقية الرسالة لتكيل للشعب الجزائري والدولة الجزائرية التهم والسب والشتم الذي تبدع فيه كل جماهير العرب خاصة إذا كانت القضية بين شعبين عربيين. هذا بالرغم من أنه لا جمهور فريق إتحاد العاصمة يمثل الشعب الجزائري ولا جمهور القوة الجوية يمثل الشعب العراقي .
ورغم أن الحادثة يعلم الجميع أنها عادية جدا وتحدث في جميع مباريات كرة القدم عبر العالم ، وأن الجمهور الجزائري بحد ذاته يستعمل المدرجات للتعبير عن أرائه في كل القضايا المحلية منها والوطنية والعربية والعالمية خاصة جمهوري فريقي العاصمة ( المولودية والإتحاد ) . فالسلطات الجزائرية نفسها لم تسلم من إنتقادات الجماهير لسياساتها الوطنية كما ان العهدة الخامسة للرئاسيات كانت مادة دسمة لأهازيج الجمهور الغاضب والرافض لها . أضف إلى ذلك الحادثة التي وقعت في مدرج فريق محلي رياضي جزائري بعين مليلة و الذي رفع لافتة عملاقة تحمل نصف وجه ترامب ونصف وجه سلمان بن عبد العزيز الملك السعودي كتب تحتها وجهان لعملة واحدة . في إشارة إلى رفض صفقة القرن والدور السعودي فيها لتصفية القضية الفلسطينية .
الحكومة العراقية تعلم أن الحادثة بسيطة وكان يمكن تجاوزها في مهدها أو على الأقل تركها في مجالها الرياضي ولكنها كانت بحاجة لمثل هذه الشرارة . فبدل إدارة الأزمة كانت تعمل على الإدارة بالأزمة أي إستغلال الأزمة الرياضية لأغراض سياسية بحتة . فالحكومة العراقية الآن في مأزق داخلي وإنسداد سياسي بحثت له عن متنفس خارجي لتوجيه الرأي العام العراقي نحو عدو وهمي خارجي يلفت أنظار الشعب العراقي عن إحتجاجات البصرة المطالبة بالتنمية و عدم التدخل الخارجي وضد النفوذ الإيراني المتزايد في العراق وقد سقط جراء تلك الإحتجاجات قتلى . كما ان أزمة الإنتخابات العالقة والمعادة والتي لم تسفر عن تشكيل حكومة وحدة وطنية جعل الشارع العراقي يغلي . فكانت حادثة ملعب عمر حمادي بالجزائر كبش الفداء .
ولكن الملفت للإنتباه أن العراق لن يجد بلدا متوافقا معه سياسيا حد التماهي وله مكانته الإقليمية والدولية كالجزائر في قضايا إقليمية وداخلية ودولية عديدة . حتى أن الجزائر دفعت ثمن مواقفها غاليا ولكن حسابات الحكومة العراقية كانت ضيقة جدا . نستعرض من تلك القضايا و المواقف بعضا منها :
1 – أن الجزائر حاربت داعش بكل قوتها ومنعت أبناءها من الإلتحاق بالجماعات الإرهابية ولم تسهل سفر شبابها ليكونو وقودا للحرب العراقية على مدار سنوات .إذا تخلو قيادات هذا التنظيم من الجزائريين وتعتبر الجزائر من بين الدول التي لها عناصر قليلة ضمن صفوف داعش إذ يقدر عددهم بحوالي 200 عنصر كأقصى حد موزعين بين العراق وليبيا وسوريا وتونس .
2 – أن الجزائر رغم حادثة اغتيال الدبلوماسيين الجزائريين المرحومين ( علي بلعروسي وعز الدين بلقاضي ) عام 2005 بالعراق من قبل تنظيم ما يسمى بالقاعدة في بلاد الرافدين.إلا أن الجزائر لم تنسحب ولم تترك العراق وحده كما فعلت بعض الدول
3 – الجزائر عارضت وبشدة الحرب على اليمن من قبل السعودية والإمارات المدعومة ببعض الحكومات العربية والإسلامية . وهو موقف يتجاوب معه الموقف الرسمي العراقي بسبب إرتباط الحوثيين والعراق بإيران .
4 – الجزائر كانت من الدول القليلة رفقة العراق ولبنان الذين منعوا طرد سوريا من الجامعة العربية وإعطاء مكانها للمعارضة .كما وقفت الجزائر مع الحكومة السورية وشعبها ، و الحكومة العراقية من أشد حلفاء نظام بشار الأسد المرتبط بإيران وروسيا حلفاء بغداد .
5 – الجزائر عارضت إدراج حزب الله كمنظمة إرهابية مثل ما طلب محمد بن سلمان ذلك ، بل إعتبره حزبا مقاوما . وهذا أيضا موقف يتماهى مع الموقف العراقي الذي له مليشيا عصائب أهل الحق التي تقاتل جنب بشار الأسد وجنب الحوثيين .
6 – أن الجزائر رفضت الإنظمام لحلف إسلامي لمحاربة الإرهاب ، وهو حلف شُكل بإيعاز من أمريكا للخوض في حروب محلية وإقليمية بالوكالة خدمة للولايات المتحدة الامريكية وإسرائيل وقد يستعمل ضد إيران وحلفائها والعراق واحدة من حلفاء إيران التي رفضت هذا الحلف أيضا
7 – أن الجزائر كانت قد مسحت ديون عدة دول ( حوالي 14 بلد إفريقي وعربي ) ، وكان العراق واحدا منها وهو موقف لا يصدر إلا من بلد له علاقات حميمة ووطيدة مع الجزائر.

** وبرغم كل هذا التوافق بين الحكومتين الجزائرية والعراقية إلا أن ذلك لم يشفع لها . بل تصرفت الحكومة العراقية بطيش سياسي في زمن يعز إيجاد حلفاء بقيمة الجزائر . صحيح أنه جرى بعد ذلك محاولة لتهدئة الأوضاع حين إلتقى الوزير الجزائري للشؤون الخارجية نظيره العراقي بالقاهرة على هامش الدورة العادية الـ150 لمجلس جامعة الدول العربية. ودعاه لزيارة بغداد وقد تجاوب معه الوزير الجزائري مؤكدين على قوة ومتانة العلاقة بين الجانبين . إلا أن الخطاب الرسمي شيء والأفعال شيء آخر مالم تتوقف الهجمة الإعلامية ضد الجزائر وشعبها ورموزها . بينما كانت الحكومة الجزائرية أكثر حكمة بفضل تمرسها وخبرتها في معالجة مثل هذه الأزمات . فلم يصدر أي تعليق رسمي بل تم ترك الأمر لديبلوماسيتها الهادئة التي نجحت في ظرف 24 ساعة من إحتواء أزمتي ملعب عمر حمادي وتصريحات خليفة حفتر المستفزة حين أعلن الوزير العراقي للخارجية أن عمق العلاقات الجزائرية العراقية كبير جدا وأن الشعبين الجزائري والعراقي شعبين شقيقين ، كما تراجع الناطق الرسمي لخليفة حفتر عن تصريحات قائده و حاول إعطاء تفسيرات أخرى لها . وتبرأت الخارجية الليبية من تصريحات حفتر .​

الطالب : نورالدين عفان
ماستر دراسات أمنية وإستراتيحية

جامعة قاصدي مرباح ولاية ورقلة

 

 

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى