دراسات اقتصادية

قراءة في التجربة التنموية اليابانية

نهضت اليابان بمعجزة تنموية بعد الحرب العالمية الثانية بعدما ضربتها الولايات المتحدة بقنبلتين ذريتين فأنهت الاقتصاد الياباني، ولكن ما حدث بعد ذلك هو تعافي الاقتصاد وليس النهوض، فالنهوض الحقيقي بدأ من قبل الحرب بمائة عام تقريبًا. فقوة اليابان الاقتصادية الحالية لم تولد على أنقاض الحرب العالمية الثانية ولكنها بنيت بصبر منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر.([1]) ومنذ بداية تجربة التنمية في اليابان وحتى الآن تلعب السياسة المالية ــ بشقيها الإنفاق الحكومي والضرائب ــ دوراً هاماً ومحورياً في نجاح هذه التجربة التي نهضت وتحولت بها اليابان من مجرد دولة نامية تعاني من ندرة مواردها الطبيعية وانخفاض المساحة الجغرافية الصالحة للزراعة، وانتشار الظواهر الطبيعية المدمرة مثل الزلازل والبراكين وبعض الأزمات الاقتصادية إلى دولة متقدمة وثالث قوة اقتصادية في العالم. ويمكن الاستعانة بالدروس المستفادة من هذه التجربة الفريدة في مجال السياسة المالية لدعم التنمية الاقتصادية في مصر. وسيتناول البحث ثالثاً نقاط التالية:

  • أولاً: نبذة عن دولة اليابان.
  • ثانياً: السياسة المالية ودورها في تجربة التنمية في اليابان.
  • ثالثاً: الدروس المستفادة من تجربة التنمية في اليابان

أولاً: نبذة عن اليابان:

الموقع: تقع اليابان في أقصى شرقي القارة الأسيوية، وتتكون من عدة جزر (4000) جزيرة على شكل أرخبيل طوله 3000 كم أربعة منها رئيسية ( هونشو – شيكوكو – كيوشو – هوكايدو ) وجزر اليابان مقسمة إدارياً من قبل الحكومة على 43 ولاية وأربعة بلديات, مساحتها الإجمالية 881.369 كيلو متر مربع،([1]) والمسافة بين اليابان وأرض القارة عند أقرب نقطة تبلغ حوالي 180 كلم, وهذا الوضع الجغرافي جعلها وحيدة نسبيا على الصعيد الجغرافي والثقافي، فأنتجت ثقافة خاصة بها بالغة التميز.

السكان: يبلغ إجمالي تعداد سكان اليابان حوالي 130 مليون نسمة, وهي بذلك تعتبر سابع دولة أكثر تعداداً بالسكان وعاصمتها طوكيو، ويعتبر الشعب الياباني من أشيخ شعوب العالم حيث سجلت اليابان الرقم القياسي بالنسبة لمعدل الحياة ففي عام 2004، وصل هذا المعدل إلي 84.5 سنة بالنسبة للنساء و77.7 سنة بالنسبة للرجال. ([2]) ويشكل اليابانيون حوالي 99.4% من السكان, والكوريون 0.5 % وما تبقى وقدره 0.1 % فهم من الجنسيات المختلفة. ويعيش أكثر من 79% من السكان في المدن الكبرى, والباقي في القرى والأرياف. ويعمل 35 % من السكان في الصناعة, بينما يعمل 27% منهم في الزراعة, وهناك ما يقرب من 700 ألف صياد يعملون في مهنة صيد الأسماك. أما باقي السكان فيعملون في التجارة والمهن الحرة وكموظفين في الدوائر الحكومية للدولة والمؤسسات الخاصة. واللغة اليابانية هي اللغة الرسمية، والين هو العملة المستخدمة.([3])

الأراضي والمناخ: بالنسبة للأراضي فإن 75 % من أراضي اليابان عبارة عن جبال بركانية خضراء تتخللها الأنهار المائية. أما الباقي القليل فيستخدم للزراعة والسكن والطرقات, مما أدى إلى ارتفاع الكثافة السكانية وارتفاع أسعار الأراضي والإيجارات, كذلك إلى ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية والأيدي العاملة لذلك تعتبر اليابان من أغلى بلاد الدنيا وأصعبها معيشة. أما بالنسبة للمناخ فنجد أنه من جهة أخرى تتميز اليابان باعتدال ووضوح فصولها الأربعة, وجمال الطبيعة التي تعدد أنواع زهورها وأشجارها وأعشابها, مما ساعد على خلق حس الابتكار وجمال الإبداع الثقافي والصناعي لدى الإنسان الياباني. ([4])

المؤشرات الاقتصادية: إن اليابان هي القوة الاقتصادية الثالثة في العالم (بعد الولايات المتحدة الأمريكية، والصين)، ([5]) بدخل قومي بلغ (4.790 تريليون دولار أميركي) في عام 2014، وبلغ نصيب الفرد من إجمالي الدخل القومي 42000 دولار أمريكي، وبلغ معدل النمو في الناتج المحلي الإجمالي -0.1% في عام 2014 في حين كان يبلغ 1.6 عام 2013، وبلغت الصادرات نحو 684 مليار دولار أمريكي عام 2014، وبلغ حجم القوة العاملة نحو 65 مليون عامل، ونسبة البطالة 3.7% ومعدل التضخم 2.75%، وفي عام 2013 ساهمت الصناعة بـ 18.5% من الناتج المحلي الإجمالي، والزراعة بـ 1.2%، والخدمات بـ 72.6%، وبلغت نسبة التجارة 35.1% من الناتج المحلي الإجمالي،([6]) وبلغ حجم السكان تحت خط الفقر 16.1% عام 2013.([7])
 الشريك التجاري الأول لليابان هي الصين، واليابان هي أكبر مستورد في العالم من الفحم والغاز الطبيعي المسال، وكذلك ثاني أكبر مستورد للنفط، كما أنها تستورد 30% من احتياجاتها الغذائية من الخارج.([1]) ويعد التصنيع أحد ركائز القوة الاقتصادية اليابانية، وذلك بالرغم من أن اليابان تمتلك القليل من الموارد الطبيعية، لذلك فإن أحد الأساليب التي تتبعها الشركات اليابانية تتمثل في استيراد المواد الخام وتحويلها لمنتجات تباع محلياً أو يتم تصديرها. ومن أهم القطاعات الصناعية: الصناعة الميكانيكية والثقيلة وبناء السفن والتكنولوجيا الدقيقة واقتصاد المعرفة.

  • ثانياً: دور السياسة المالية في تجربة التنمية في اليابان:

بدءاً من عصر ميجي (1868-1912)، التزمت اليابان لتحقيق هدفها وهو استدراك الغرب. فمنحت الدولة الجديدة الأولوية لمواجهة ثلاث تحديات هي نشر التعليم بين اليابانيين كافة، وبناء صناعات حديثة اعتماداً على استيراد غزير للتقانات الغربية، وتأمين الموارد المالية الضرورية لإنشاء البنى التحتية للنقل والاتصالات ولذا تم الاعتماد على سياسة مالية توسعية لتحقيق الأهداف السابقة عن طريق الاقتراض من العالم الخارجي. أما بعد الحرب العالمية الثانية، أصبح الأمر الملح هو إعادة تنظيم سوق اقتصاد قادر على المنافسة وتحقيق الاستقرار المالي. ([1])

بعد الحرب العالمية الثانية وفي بداية مرحلة إعادة الإعمار خلال الفترة (1946-1948) كانت الحكومة تهدف إلى تحقيق هدفين متناقضين معاً، هما إطلاق الآلة الصناعية من جديد لإنعاش النمو عن طريق تقديم الدعم والقروض والمعاملة الضريبة التفضيلية لقطاعات محددة، ومحاولة الاحتفاظ بالسيطرة على التضخم. وقد فشلت هذه السياسة فشلاً ذريعاً. وأمام هذا الوضع الطارئ، تم الاستعانة بخطة دودج لمكافحة التضخم وإعادة توازن الميزانية العامة عن طريق تطبيق سياسة مالية تقشفية ضغط قوي للنفقات العامة وزيادة الضغط الضريبي، وتوسيع الوعاء الضريبي، ورفع الضريبة (الضرائب المباشرة وخاصة الضريبة على الدخل، والضرائب على الشركات) وهو ما نجح في مكافحة التضخم ولكن من جهة أخرى تباطأت حركة النمو بشدة. ([2])

وخلال فترة الخمسينيات وحتى بداية الستينيات كانت الموازنة جيدة وتحقق فائضاً كما أن الحكومة لم تقم بطرح سندات للبيع حتى عام 1965، ([3]) وتميزت هذه الفترة بالنمو السريع وكانت مهمة السياسة المالية اليابانية دعم الاستثمار الإنتاجي في القطاعات الإستراتيجية، وضمان عرض مالي مستقر لمجمل الاقتصاد؛ وحتى عام ١٩٦٥، توجب على ميزانية الدولة أن تكون متوازنة بحكم القانون. وارتبط هذا التوازن بسياسة ضريبية “لا تضخمية” (ضرائب مباشرة مرتفعة نسبياً). أما بعد عام ١٩٦٥، تم التخلي عن قانون توازن الميزانية وأصبحت ميزانية الدولة متزايدة العجز باطراد نتيجة للتوسع في الإنفاق الحكومي تلبية لحاجات البنية التحتية، ثم لتطور الضمان الاجتماعي.([4]) ومنذ منتصف الخمسينات وحتى بداية السبعينات بلغ متوسط النمو الحقيقي 10% تقريباً.

ومع بداية حقبة السبعينات توقف النمو المرتفع للاقتصاد الياباني. تلى ذلك انخفاض المعدل النمو السنوي للنمو بحيث وصل إلى متوسط قدره 4% في السبعينيات والثمانينيات، ووصل إلى ما يقرب من الصفر خلال التسعينات.([5]) ومنذ منتصف فترة السبعينات وحتى نهاية ذلك العقد تم إتباع سياسة مالية توسعية بهدف إعادة تنشيط الاقتصاد (بعد أزمتي البترول في 1973-74 وفي 1979-80)، وقد تم تمويل ذلك عن طريق طرح سندات حكومية جديدة وكانت مدة استحقاق هذه السندات هي عشر سنوات مع بداية عمليات الطرح، إلا أن الحكومة قد أصدرت سندات ذات مدد قصيرة للاستحقاق في فترة لاحقة، وترتب على ذلك تراكم الدين العام بشكل سريع. وخلال حقبة الثمانينات تبنت وزارة المالية مبادرة تهدف إلى تقييد التوسع المالي، واستهدفت هذه المباردة تقييد الموازنة وإجراء استقطاعات كبيرة من النفقات دون زيادة في الضرائب لتحقيق التقييد المالي. وبفضل مجهودات وزارة المالية وفقاعة الأصول في أواخر الثمانينات فإن التوازن المالي قد بدأ في التحسن. ([6]) إلا أنه مع انفجار فقاعة الأصول في 1990 – 1991 انغمس الاقتصاد الياباني في فترة طويلة من الركود وبدأ النمو الاقتصادي في التباطؤ بل وأصبح سليباً بعض الأحيان وكانت معدلات الأداء الاقتصادي في التسعينات وأوائل الألفية الثالثة أقل من المتوقع. وتم اللجوء إلى سياسة مالية توسعية عن طريق سلسلة من الحوافز وبمبالغ كبيرة ومتزايدة في التسعينات، وبدأ الدين العام يتراكم مرة ثانية ووصل الدين العام الحكومي إلى 782 تريليون ين أي ما يعادل 155% من الناتج المحلي الإجمالي. ([7])

ومنذ عام 1949 قامت الحكومية اليابانية بتشجيع الصناعة عن طريق وسائل مختلفة ومنها: التفصيلات الضريبية، والدعم، وسياسة القروض الميسرة، والمساعدة في مجالات البحث والتطوير، وتشجيع الصناعات الصغيرة والمتوسطة، وتنسيق الناتج والاستثمارات والصادرات، وإقامة البنية الأساسية. ([8])

   ثالثاً :مصر… اليابان وقابلية المحاكاة:
1/ إن من أهم ما يمكن إستفادة منه حيث يحقق التنمية هو الأهتمام بالإستثمار في الموارد البشرية , حيث أن أساس نجاح التجربة اليابانية يرجع إلى الأستثمارات الهائلة في قطاع الموارد البشرية والذي يبدأ من النظام التعليمي والذي يهدف إلى تعميق حب العمل وإستخدام أحدث الوسائل التعليمية وأجهزة الكمبيوتر والمعامل العلمية والأنضباط والنظام , بالإضافه إلى استمرارية التدريب بعد حصول الطلبة على مؤهلاتهم العلمية  والمهنية .

اذا فعلى مصر أن تهتم بالإنفاق على التعليم , وأيضا الصحة

2/ استخدام كلا من الضرائب والانفاق الحكومي لتشجيع المشروعات الصغيرة والمتوسطة من خلال اعفاءات ضريبيه وتقديم الدعم المالي والمسانده اللازمه لهذه المشروعات , وتشجيع المشروعات الكبيره للتكامل مع الصناعات الصغيره عن طريق منح بعض الاعفاءات الضريبيه للمشروعات الكبيره .

3/ قيام السياسه الماليه بدورها في تحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي بما يضمن توفير بيئه صحيه للاستثمار ودفع عجلة الانتاج وتحقيق التنميه الاقتصاديه.

4/ الاهتمام بالبحث العلمي والتطوير من خلال زيادة الانفاق الحكومي على هذا البند واستخدام الانفاق الحكومي والضرائب لتشجيع الشركات والجامعات المصريه على الانفاق على البحث العلمي والربط بين متطلبات الانتاج والبحث العلمي .

5/ تشجيع القطاع الخاص على الاستثمار عن طريق استخدام الضرائب بما يعمل على مساعدة نمو الصناعات وتكثيف الاستثمار.

6/ الاهتمام بالانفاق العام على الاستثمار في رأس المال الاجتماعي من مشروعات البنيه الاساسيه مثل الطرق العامه والموانيء وكذلك اعمال الصيانه للبنيه التحتيه القديمه بما يحقق بنيه اساسيه جيده تشجع على الاستثمار وتحقق النمو والتنميه الاقتصاديه .

7/ تشجيع التصنيع من خلال زيادة الانفاق على بند الطاقه كقطاع هام يقوم عليه النشاط الصناعي وبما يساهم في زيادة الانتاجيه .

8/ شجيع الصادرات والصناعات والقطاعات التصديريه ودعمها بصوره مباشره او غير مباشره عن طريق منح مزايا ضريبيه للشركات المصدره للخارج مع تطبيق نظام الحمايه الجمركيه .

9/ تبني الحكومه المصريه استراتيجية تنمية تقوم على اختيار الصناعات التي يجب اعطاؤها الاولويه في افضلية الدعم والاعانه والا تقوم الحكومه المصريه بالاستثمار في اي مشروع مالم يكن لذلك المشروع عائد تجاري مجزي في المستقبل القريب او البعيد .

 


المراجع

 

بقلم إيمان موسى

 

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى