دراسات أسيويةدراسات اقتصاديةدراسات سياسيةنظرية العلاقات الدولية

قراءة في الخصائص الثمانية للعلاقات الصينية – الأمريكية الراهنة

في مثل هذا اليوم قبل ثلاثين عاما ، أزاح الرئيس الأمريكي الستار امام تحسين العلاقات الصينية الأمريكية من خلال زيارته التاريخية للصين ، الأمر الذي ترك أثرا عميقا على مسيرة التاريخ العالمي . أما الآن وبعد أن طرأت تغييرات عميقة على كل من البلدين ، أصبحت العلاقات الصينية الاميركية ، وبعد ان اجتازت مسيرة تطور متعرجة وصعبة ، أهم ركن في علاقات الصين مع الخارج ، وفيما يلي ابرز خصائص هذه العلاقة :

اولا : يمكن القول باقتضاب ، إن أهمية العلاقات الصينية الأمريكية في علاقات الصين مع الخارج تعدّت نظيرتها في علاقات الولايات المتحدة مع الخارج ، إذ أن تحديد الطرفين لمكانة العلاقات واهميتها غير متساو ، وهذا ما اثر على تطورها الطبيعي . بالنسبة للصين ، فان المغزى الاستراتيجي للعلاقات الصينية الأمريكية يتمثل في ثلاثة جوانب :

1 ) الصين باعتبارها أكبر دولة نامية في العالم بحاجة الى مناخ سلمي لتطوير ذاتها ، بينما الولايات المتحدة ، هي الدولة الوحيدة في العالم القادرة على شن حروب كبيرة على المستوى العالمي في اي مكان و زمان ، وكما انها الدولة الوحيدة في العالم القادرة ، بشكل عام ، على تخريب البيئة السلمية والتنموية في الصين ( بل هناك الكثيرون في امريكا ممن يرغبون في ذلك ) . فمهما حدث من قلاقل واضطرابات على الوضع العالمي ، وبقيت العلاقات الصينية الاميركية محافظة على طبيعتها ، يمكن ضمان وضع السلام والتنمية العام في الصين ، مما يمكنها بالمضي قدما في عملية البناء الاقتصادي والتطور السياسي .

2 ) تتسم العلاقات الصينية الأمريكية بمغزى إستراتيجي هام في عملية بناء التحديثات في الصين . الصين دولة منفتحة انفتاحا شاملا على الخارج ، الا ان امريكا لها مغاز خاصة من الانفتاح الصيني . فالصين بحاجة الى الأسواق الخارجية والأموال والتكنولوجيا والكفاءات الإدارية ومصادر المعلومات والتجارب الإدارية ، وغالبية هذه الاشياء ترد من الولايات المتحدة التي تعتبر أكثر دولة في العالم حيوية في التطور التكنولوجي وأقواها من حيث القوة الاقتصادية .

3 ) الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة من الدول العالمية الكبرى التي زُجَّتْ بنفسها عميقا في مسالة تايوان الصينية ، لذا فان وضع العلاقات الصينية الأمريكية يؤثر بشكل مباشر على المصالح الصينية الكبرى في الحفاظ على التوحيد الوطني والأمن القومي ، كما انها تحدد الوسائل والاساليب التي ستلجأ اليها الصين للحفاظ على التوحيد الوطني والامن القومي ، وللسبب ذاته ظلت القيادة الصينية ، بدأ من ماو تسي تونغ ومرورا بدنغ شياو بينغ وصولا إلى المجموعة القيادة المركزية للجيل الثالث الذي يشكل جيانغ تزى مين نواتا لها ، تضع مسألة اقامة علاقات صينية امريكية طبيعية والحفاظ عليها وتطويرها في المقام الأول في سياستها الخارجية ، وتعالجها كمسالة إستراتيجية تتعلق بلمصالح العامة . وبمقتضى ذلك ، من الضروري أخذ المصالح العامة بعين الاعتبار عند معالجة العلاقات الصينية الأمريكية ، مما يستوجب التنازل والتراجع عن بعض الامور والقضايا الجزئية واخضاعها لمصالح المسائل الإستراتيجية العامة .

أما بالنسبة للولايات المتحدة الاميركية ، فان فهمها لإستراتيجية العلاقات الصينية الأمريكية وأهميتها ، عدا كون الصين إحدى الدول الخمسة دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي ، يقوم على الاسس التالية :

1 ) على الرغم من أن القوة العسكرية الصينية لن تكون قادرة على منافسة القوة العسكرية الاميركية من الان الى 15 – 20 سنة قادمة ، غير أنها إحدى الدول القليلة المالكة للتيكنولوجيا النووية والتقنية الصاروخية ؛ وتتمتع بقدرة تطوير قوة نووية تهدد الولايات المتحدة ؛ كما أنها تلعب دورا كبيرا وهاما في الحفاظ على عدم انتشار الأسلحة النووية والحد من انتشار التقنية الصارخية وغيرها من المجالات الاخرى .

2 ) الصين دولة تتمتع بتأثير كبير في منطقة شرق آسيا ، ولها مصالح استراتيجية مشتركة مع الولايات المتحدة في الحفاظ على السلام والاستقرار في منطقة شرق آسيا .

3 ) الصين باعتبارها دولة نامية تشهد سرعة تطور اقتصادي كبيرة ، تلعب دورا هاما في حل المسائل العالمية بما فيها البيئة والمخدرات والتهريب والهجرة والطاقة وغيرها .

4 ) بعد حادثة الحادي عشر من ايلول ، وجد البلدان نقاط التقاء جديدة لمصالحهما المشتركة في مسالة مكافحة الإرهاب الدولي .

لذلك ، نقول ان هناك بعض الاختلاف في رؤية وتحديد ، كل من الدولتين ، لمكانة العلاقات الصينية الاميركية . وبشكل عام يمكننا القول ان أهمية العلاقات الصينية الأمريكية ومكانتها في علاقات الصين مع الخارج فاقت نظيرتها امريكا في علاقاتها مع الخارج . لذا نرى ان الجانب الامريكي دائما ما يكون هو السبب وراء المشاكل والمصاعب التي تبرز في العلاقات الصينية الاميركية .

إن عدم المساواة في تحديد مكانة العلاقات الصينية الاميركية ناتج عن التباين في القوة الوطنية الشاملة للبلدين . الا ان الصين ما دامت تحافظ على الاستقرار الذي يضمن لها المحافظة على ما هي عليه من نمو وتطور سريع نسبيا ، سيطرأ بكل تأكيد تغيير على ظاهرة عدم المساواة في العلاقات الصينية الاميركية داخل نظم كل من الجانبين مع الخارج ، وسوف ترتفع اكثر مكانة الصين في علاقات الولايات المتحدة مع الخارج .

ثانيا : إن عدم الوضوح في تحديد مكانة العلاقات الصينية الاميركية جعلها تعيش في حالة غير مستقرة من عدم العداوة والا صداقة ؛ وان المعرفة الصحيحة للولايات المتحدة هي مفتاح تحديد الصين لسياستها تجاها .

وانطلاقا من تطور التاريخ البشري ، لم تكن العلاقات بين الدول الهيمنية بعضها ببعض او العلاقات بين الدول الهيمنية والدول الكبرى التي في طور النهوض والتطور معقدة الى درجة التعقيد التي هي عليه الان العلاقات الصينية الاميركية . فقد كانت العلاقة ما بين الأمبراطورية البريطانية والولايات المتحدة الأمريكية ، التي كانت انذاك في طور النهوط والتقدم ، علاقات ما بين الحلفاء ، ومع المانيا علاقات عداوة ؛ والعلاقة بين امريكا والاتحاد السوفياتي علاقات عداوة ؛ كما واصبحت العلاقة ما بين امريكا و كل من اليابان والمانيا ، بعد الحرب العالمية الثانية ، علاقات ما بين الحلفاء . هذه العلاقات كانت باينة وواضحة ، اما ان تكون علاقات تحالف او علاقات عداء . بينما اليوم ، يصعب على المرء الحكم على العلاقات الصينية الاميركية من خلال التجارب التاريخية .

ينطبق على كلا الطرفين مقولة انه اذا اراد كل منهما الصنع من الاخر عدو ، فلا شك بأنهما سيصبحا اعداء . فاذا القوى التي تعتبر الصين عدوا داخل الولايات المتحدة تتصدر السلطة ، فسيطرأ تغيير على السياسة الاميركية تجاه الصين ، ففي مثل هذه الظروف ، إذا اتخذت الصين هي الأخرى سياسة مجابهة للولايات المتحدة ، فمن المؤكد أن مجابهة شاملة سوف تحدث بين البلدين ؛ أما إذا تمسكت الصين بالسياسة الصحيحة تجاه الولايات المتحدة ، وتعاملت معها على اساس السعي وراء التعاون من خلال النضال ، فقد يمكن المحافظة على فرصة امكانية اعادة العلاقات بين البلدين الى طبيعتها . لذلك نقول ان التعرف الصحيح على الولايات المتحدة هو الاساس الاستراتيجي لرسم السياسة الصينية اتجاهها .

هناك شقان لهذا الموضوع : الشق الاول ، على الصين العمل بقوة وايجابية على دفع عملية التعددية القطبية في المجتمع الدولي للامام ، ومعارضة سياسة القوة ، ومعارضة التصرفات الهيمنية التي تلجأ إليها القلة القليلة من الدول الكبرى في فرض قيمها وأيديولوجيتها ونظمها الخاصة على الدول الأخرى ؛ والشق الثاني ، ضرورة إجراء تحليل معقول وصحيح للدور العالمي الذي تلعبه الولايات المتحدة في المجتمع الدولي في عصرنا الحاضر ، وكذلك ضرورة الاخذ بعين الاعتبار مصالحها المعقولة في بعض القضايا الدولية ، والدور الذي يجب عليها لعبه كدولة كبرى في بعض المسائل .

ففي دورات كل الرؤساء الاميركان ، بدأ من الرئيس ريغين ومرورا ببوش الاب وصولا الى الرئيس كلينتون كلهم دون استثناء كانوا يعتبرون محافظة الولايات المتحدة الاميركية على مكانتها ” القيادية ” للعالم اساس سياستها الخارجية ، فمن المتوقع أن قادة الولايات المتحدة لن يتخلوا عن هدفهم هذا في المستقبل المنظور .

الا انه يتوجب علينا رؤية انه وعند اقامة اي نظام عالمي جديد ، يقتضي وجود دول كبرى تلعب دورا مميزا اكثر من دور بقية الدول الاخرى ، فمن هي تلك الدول الكبرى التي ستلعب هذا الدور . في الواقع أن الدول الخمسة دائمة العضوية في مجلس الامن هي التي تلعب الدور القيادي في الشؤون الدولية وتتمتع بامتيازات معينة . ان الية هيئة الامم المتحدة قامت اساسا على المساواة بين الدول ، أكانت صغيرة ام كبيرة ، وعلى امتيازات الدول الكبرى . لذا ، فان ما تقوم به الولايات المتحدة من تصرفات واعمال يعكس ظاهرتين : ظاهرة سياسة القوة ، وظاهرة دور الدولة الكبيرة في الشؤون الدولية الذي يتحتم عليها لعبه .

وكذلك الأمر بالنسبة للعلاقات الثنائية . هناك قوة كبيرة مناهضة للصين داخل الولايات المتحدة ، الا ان الإدارات الأمريكية التي تعاقبت على البيت الابيض منذ ادارة الرئيس نيكسون التزمت إجمالا بسياسة الصين الواحدة ، وإن بدت مترددة كثيرا في سياستها تجاه الصين ، وأن العلاقات الصينية الأمريكية تتقدم للامام بخطوات ثقيلة بطيئة . فاذا ما ركزت الصين فقط على رؤية ما تقوم به القوى المناهضة للصين داخل الولايات المتحدة من تصرفات ، واعتبرتها تصرف اميركي معادي للصين ، وانتهجت على اساس ذلك سياسة ردية مماثلة ، فان امكانية تحول العلاقات بينهما الى علاقات عداء كبيرة جدا . بالنسبة للصين ، ليس من الحكمة على الاطلاق اختيارا ” نظرية التهديد الامريكي ” للرد على ” نظرية التهديد الصيني ” .

ثالثا : التناقضات الناجمة عن اختلاف الأنظمة الاجتماعية لكلا البلدين هي تناقضات ليست حادة ولا تتسم بحتمية المجابهة .

إن أكبر الفوارق الذي يميز الاشتراكية ذات الخصائص الصينية عن الاشتراكية التقليدية للاتحاد السوفياتي تكمن في أن الأولى تؤكد على اهمية الدعوة الى اقتباس واستغلال ثمار الحضارة الرأسمالية على المستوى الداخلي ، وعلى اهمية السياسة السلمية وسياسة الانفتاح على المستوى الدولي . بناء على ذلك ، فإن العلاقة بين الاشتراكية ذات الخصائص الصينية والرأسمالية الأمريكية ليست بعلاقات بين الحياة والموت لا يمكن ان يتعايشا معا في المعنى التقليدي ، وليست بعلاقات بين الغالب والمغلوب ، وليست بعلاقات التصالح على اساس لا شيء .

إن الاشتراكية ذات الخصائص الصينية تتميز بشمولية كبيرة وامكانية احتواء مرنة ، فهي تسعى من جهة الى إظهار القيم الاشتراكية الأساسية بما فيها العدالة الاجتماعية والقضاء على الاستغلال وتوفير الضمانات الاجتماعية الاخرى ، لذا تهتم بالاقتباس والتعلم من تجارب الديمقراطية الاجتماعية الناجحة ذو النمط الاوروبي ؛ ومن ناحية اخرى تعمل على التعلم من التجارب المفيدة للرأسمالية الحرة في مجال تطوير القوى الانتاجية واقامة اقتصاد السوق ذو النمط الامريكي . في الواقع ان هناك تناقضات اساسية بين النظامين الاجتماعيين في كل من الصين وامريكا ، الا انها ليست بتناقضات عدائية حادة ولن ترتقي الى درجة المجابهة ، خاصة وان للبلدين العديد من الخواص المشتركة في النظم الاقتصادية والثقافية ، في مجال حماية الممتلكات الخاصة ، والمصالح الشرعية لرؤوس الاموال الخارجية ، والالتزام بقواعد اقتصاد السوق ، ودفع تعزيز التعليم التقني والحغاظ على البيئة والوقاية من التلوث وغيرها من المسائل الهامة ، حتى في مجال حقوق الانسان والاعتراف بالمباديء الاساسية للنظم القانونية وغيرها من المجالات السياسية بدأت النقاط المشتركة بينهما في تزايد تدريجي الامر الذي تحول دون وقوع اي مجابهة بين البلدين .

من الطبيعي ان يكون مصدر معظم التحديات الخارجية التي تواجه النظام الاشتراكي ذو الخصائص الصينية من ضغوط الولايات المتحدة الاميركية . وهذا ما يستوجب علينا تفقيط هذه الضغوطات عند معالجة العلاقات الصينية الامريكية ، فمن ناحية تضغط الولايات المتحدة باتجاه محاولة تغيير اساس النظام الاجتماعي في الصين ، وعلينا مواجهته بالتمسك بالمباديء ، والتمسك بحق اختيار طريق التطور الاجتماعي لبلادنا ، والتمسك بالسيادة الوطنية الصينية . والضغوطات الاميركية الاخرى تتمثل في الشروط المتنوعة التي وضعتها على الصين في عملية انضمامها لمنظمة التجارة العالمية بما فيها مطالبة الصين بتعديل نظامها الاقتصادي والقانوني بما يتوافق والقواعد الدولية . وامام مثل هذه الضغوط يستوجب منا القيام بعملية فرز وتمييز معقولة لهذه الضغوطات على اساس منع امريكا من التدخل في شؤوننا الداخلية وتحويل الضغوطات الخارجية الى قوة دفع فعالة لعملية الاصلاح والانفتاح في الصين وليس الى برنامج انتقال سلمي لالصين الهادف الى تغيير النظم الاجتماعية والسياسية فيها “

رابعا : ان التطور غير المتوازي للعلاقات السياسية الاقتصادية الصينية الاميركية هو السمة الاساسية للعلاقات بين البلدين ، وان العامل الاقتصادي يلعب دورا هاما في العلاقات الثنائية .

فمنذ صدور بيان شنغهاي المشترك عام 1972 ، حققت العلاقات السياسية والاقتصادية بين البلدين تطورا كبيرا ، الا ان الخاصية الاساسية هي ان تطور العلاقات السياسية تتطور ببطء شديد مقارنة مع التطور الاقتصادي ، وكلا المجالين ، السياسي والاقتصادي ، يتطوران بطريقتان مختلفتان ، ويتمثل ذلك في العلاقات السياسية التي تتقدم احيانا وتتراجع في احيان اخرى ، بينما العلاقات الاقتصادية بين البلدين تتطور بشكل مستقر وتتقدم بخطى ثابتة .

فمنذ عام 1990 ، تعرضت العلاقات السياسية بين الصين وامريكا الى العديد من المتاعب والعراقيل ؛ فالاضطرابات اللسياسية عام 1998 والعقوبات الامريكية التي فرضتها على الصين ، وبيع المقاتلات اف – 16 لتايوان ، وحادثة سفينة نهر المجرة ، والسماح للي دنغ خوي بزيارة الولايات المتحدة ، والمناورات العسكرية الصينية وارسال امريكا لاسطولها الى مضيق تايوان ، وربطها لمسالة حقوق الانسان بالتجارة ، وتقديم مشاريع قرارات ضد الصين في مؤتمرات حقوق الانسان لهيئة الامم المتحدة ، وقصف السفارة الصينية عام ، 1999 وحادثة صدم الطائرة الصينية وغيرها من الحوادث العديدة

اما في المجال الاقتصادي ، فقد ظل الخط البياني لحجم التبادل التجاري والاقتصادي بين البلدين في تصاعد مستمر . فقد تضاعف حجم التبادل التجاري 6 مرات في الفترة ما بين 1990- 2000 . ووصل اجمالي حجم التجارة الخارجية الصينية عام 2001 الى اكثر من 372 مليار دولار امريكي ، منها 74.4 مليار دولار مع الولايات المتحدة الاميريكة ، اي ما نسبته 20 % ، واذا ما اضيف على ذلك حجم تجارة ترانزيت عبر هونغ كونغ فسيحتل 30 % . اصبحت امريكا تحتل مكان اول شريك تجاري للصين ، وحسب احصاءات الطرف الامريكي فان البر الصيني يحتل مركز رابع شريك تجاري لامريكا . الصادرات الصينية لامريكا تحتل 21 % من اجمالي الصادرات الصينية ، وان اكبر فائض تجاري للتجارة الخارجية الصينية وصل الى 70 مليار دولار امريكي ( حسب احصاءات الجانب الامريكي ) . وهذا ما يشكل مصدرا رئيسيا للعملة الصعبة بالنسبة للصين .

لقد اتى التطور غير المتوازي للعلاقات السياسية والاقتصادية بالنتائج التالية : قدم تطور العلاقات السياسية شرطا اساسيا لدفع تطور العلاقات الاقتصادية بين البلدين . غير ان احتكاك العلاقات السياسية عرقل بشكل مصطنع تطور العلاقات الاقتصادية ؛ ان قوة الدفع الرئيسية لتطور العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين تاتي اولا من القطاع الخاص والسوق وثانيا من التكامل المتبادل للاجهزة الاقتصادية في كل من البلدين ، وان الصادرات الصينية لامريكا لا تتأثر الى حد ما من الاضطرابات السياسية وتتسم بنظام تطور مستقل ، وان سرعة تطور العلاقات الاقتصادية اصبحت تشكل زيت تشحيم دفع وتطور العلاقات السياسية ، وبدونه ستزداد المشاحنات والتناقضات السياسية بين البلدين .

من المتوقع ، ومع انضمام الصين لمنظمة التجارة العالمية ان تشهد العلاقات الاقتصادية بين البلدين تطورا جديدا لترتقي الى مرحلة افضل ، وهذا اساس استقرار العلاقات الثنائية . وباختصار نستطيع القول انه وكلما اشتدت التناقضات وتطورت الاحتكاكات بين البلدين ، يمكنهما في النهاية التوصل الى حلول لها ، والعامل الاقتصادي يلعب الدور الاهم في تهدئة الامور والذي دائما ما يعيد العلاقات الى مجراها الطبيعي .

خامسا : تأثر العلاقات الصينية الاميركية بشكل متزايد من السياسات المحلية في كل من البلدين ، الا ان اللقاءات الاعتيادية لقادة البلدين ما زالت تتسم بمغزى حاسم في دفع العلاقات الثنائية وتطورها .

وحتى يومنا هذا ، ما زالت مسألة كيفية معالجة القيادة الصينية والاميركية للعلاقات بين البلدين ، تشكل عنصر تأثير مباشر على هذه العلاقات ، غير ان كلا البلدين عادا يتأثرا اكثر فأكثر من النظم السياسية والارادة الشعبية والراي العام في كلا البلدين . فبعد انتها فترة رئاسة نيكسون ، وخاصة بعد عام 1989 ، بدأ تأثير السياسة المحلية في امريكا يتعاظم .

ودائما ما يقع نقاش وصراع حاد حول العلاقات الصينية الاميركية بين االادارة الاميركية والكونغرس ؛ وبين الحزبين الرئيسيين ، وبين المؤسسات المصلحجية و الادارة الاميركية من جهة والكونغرس من جهة اخرى ؛ واحيانا ما توضع العلاقات الصينية الاميركية كورقة تساوم في الصلااعات السياسية داخل امريكا ، والذي يجعل واضعو السياسة التفكير في العناصر المحيطة من كل جانب اثناء معالجة العلاقات الصينية الامريكية ، اضافة الى ذلك الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الدورية ، كل ذلك يؤدي الى تأرجح السياسة الامريكية تجاه الصين ، والتراجع والتغيير ووجود الكثير من العناصر المحددة .

لذاك السبب ، على الصين عند تفحصها ودراستها لكيفية تحديد امريكا لسياستها تجاه الصين ، ضرورة الاخذ بعين الاعتبار خصائص النظام السياسي المحلي في امريكا ، بعيدا عن ارائنا الخاصة وتقيمنا للثقافة السياسية الاميركية ، عما اذا كنا نثمنها او نقبل بها ام لا ، علينا ان نتعود على سماع اصوات متنوعة ومختلفة حول العلاقات الصينية الاميركية ، من الفئات ذات المصالح المتعددة ، والمتنافسين على السلطة والراي العام في العلاقات الصينية الامريكية . وفي المقابل ، من الضروري ان تفكر الصين في تعقيدات السياسة المحلية الامريكية بشكل كاف عند رسم سياستها تجاه امريكا اضافة الى التنوع والتقلب في الراي العام الامريكي ، وعدم اعتبار اي وجهة نظر معادية للصين حملتها صحيفة او عبر عنها عضو كونغرس على انها السياسة الامريكية المنتهجة تجاه الصين ، ومن الافضل ان نغمض عينا ونفتح الاخرى امام هذه الاصوات والحوادث ، ولا داعي للاهتمام والتركيز على كل شيء او الرد الحاد على كل شيء .

وفي نفس الوقت ، على الدبلوماسية الصينية تجاه امريكا عدم الاهتمام فقط في المعالجة السليمة للعلاقات الثنائية مع الادارة الاميركية واقتصار الاتصالات عليها ، بل هناك ضرورة ايضا ا لاتصال والتعامل مع الكونغرس الامريكي ومع مختلف المجموعات المنتفعة ومع وسائل الاعلام الاميركية ، وتعزيز الاتصالات والزيارات مع هذه الاجهزة والمنظمات ، وخاصة الاتصال بالجماهير لتوسيع اسس العلاقات الصينية الامريكية .

سادسا : تأثر العلاقات الصينية الامريكية من المسألة التايوانية ، التي عادت تشكل السألة الجوهرية في العلاقات الصينية الاميركية . الا انه ومع ازدياد تطور الصين وتعاظم قوتها فستتوسع المصالح الصينية الاميركية المشتركة ، الامر الذي يقلل من احتمال وقوع مجابهة شاملة مع الصين بسبب مسألة تايوان .

ان طبيعة المسألة التايوانية هي مسألة صينية داخلية محضة ، وان المواجهة والتناقض القائم بين الصين وامريكا حول مسألة تايوان هو نتاج تدخل الولايات المتحدة بالسياسة الداخلية الصينية ، ففي حال ما ذهبت السلطات التايوانية بعيدا على طريق ” الاستقلال ” ، فان البر الصيني يجد نفسه مضطرا لاستخدام القوة في توحيد البلاد ، وهذا ما يمكن ادخال الصين وامريكا في مواجهة شاملة .

علينا رؤية النقطة المفصلية في حل المسألة التايوانية ، ففي حال ما استطاعت الصين المحافظة على السرعة السائدة في النمو الاقتصادي والتقدم الاجتماعي على اساس معالجة كل المشاكل الداخلية التي تعاني منها كمكافحة الفساد والبطالة واقامة مجتمع قانوني فان مستقبل تسوية المسائل بين طرفي المضيق ستكون اكثر سهولة وليس اكثر تعقيدا وصعوبة . فان التطور الاقتصادي الذي تشهده الصين منذ سنوات عاد يشكل قوة جاذبية بالنسبة لتايوان ، ونحن على ثقة اكيدة من ان القوة الجاذبية هذه ستستمر في الصعود وخاصة بعد انضمام الصين لمنظمة التجارة العالمية في ظل استمرار التراجع والهبوط الذي يشهده الاقتصاد التايواني .

بالاضافة على ذلك علينا ان نكون مفعمين بثقة وتقدير الجماهير التايوانية . على الرغم من غرور القوى الداعية ” لاستقلال تايوان ” ، الا ان ممارستها للاستقلال لن يكون بالامر السهل . ان الضغط العسكري الذى مارسه البر الصيني على تايوان عام 1996 ، جعل الجماهير التايوانية تدرك بشكل جلي ان الاستقلال لا طريق ولا مخرج له . لذا نرى ، ووفق المعطيات الموضوعية ، انه لم يعد خناك مجالا كبيرا امام تقدم ونمو القوى التايوانية الداعية للاستقلال .

لذلك ، طالما ظل البر الصيني محافظا على وضع التطور السلس وتعامل مع ابناء تايوان بصدق وامانة وحلم ورحابة صدر واولاها الاهتمام وقدم لها المساعدات ، فستزداد وتعزز افاق التوحيد السلمي بين طرفي المضيق بكل تأكيد . وانطلاقا من تاريخ تطور العلاقات بين طرفي المضيق ، فانه ليس من المستحيل تخلص طرفي المضيق من التأثير الأمريكي ، والدخول سويا في عملية الدفع الايجابي المتبادل . فعلى سبيل المثال ، ان الحصار الذي فرضته الولايات المتحدة على البر الصيني بعد عام 1989 ، ودخول العلاقات الصينية الاميركية في مرحلة جزر شديدة ، لم يؤثر سلبا على العلاقات بين طرفي المضيق ، على العكس من ذلك فقد شهدت تلك الفترة حالة تدفق موجات من الاستثمار التايواني للبر الصيني . لم تشهد تلك الفترة تطورا ملحوظا في العلاقات الاقتصادية والتجارية بين طرفي المضيق فحسب ، بل شهدت ايضا تطورا في العلاقات السياسية بما في ذلك ” محدثات وانغ ــ قو ” عام 1993 . فيمكنا أن نرى من هذه الحقائق أن العلاقات بين طرفي المضيق وعلى الرغم من صعوبة ابتعادها عن التأثير الأمريكي ، الا ان ذلك ليس امرا مطلقا .

وفي الوقت نفسه ، في حال ما استطاعت الصين التقدم والتطور بشكل سليم بما يتماشى وتوجهات دفع وتعزيز قوتها الوطنية الشاملة ، فستزداد حينذاك وتتوسع المصالح المشتركة بين الصين والولايات المتحدة ، وبالمقارنه ستقل المصالح الأمريكية في تايوان . إن عملية توحيد تايوان والبر الصيني تمثل مصلحة صينية قومية جوهرية ، بينما فكرة ” الدفاع عن تايوان ” ليست بمصلحة جوهرية اميركية ، بل ولا تدخل في اطار المصالح الهامة لها ، وستصبح تايوان في مرحلة قادمة على هوامش مجموعة المصالح الأمريكية . في استمرار تطور الصين واضطراد قوتها تزداد المصالح المشتركة بين البلدين ، وتتقلص احتمالات المجابهة الشامة بين الولايات المتحدة والصين على المسألة التايوانية .

سابعا : قدمت حادثة ” 11 / 9 ” للعلاقات الصينية الاميركية أسسا ومجالات جديدة في التعاون ، الا انها لن تنهي التناقضات القائمة بين البلدين .

قدمت حادثة ” 11 / 9 ” فرصة تاريخية لتحسين العلاقات بين البلدين ، وأوجدت أسسا جديدة للتعاون بينهما . فبالنسبة للصين كان على الصين حتمية التعاون مع الولايات المتحدة الاميركية في النضال ضد الارهاب الدولي ، سواء من زاوية معالجتها للعلاقات الصينية الأمريكية ، أو من زاوية تعزيز امنها القومي . فالصين قدمت من الدعم والمساعدات ما يلزم لامريكا في عملياتها العسكرية في افغانستان . ومع انتهاء العمليات العسكرية الأمريكية في أفغانستان ، بات على الصين الحفاظ على درجة من الحذر واليقظة إزاء استمرار تواجد القوات العسكرية الاميركية في كل من أفغانستان ودول آسيا الوسطى . وينبغي على الصين وروسيا وبقية دول اسيا الوسطى تشكيل آلية مشتركة جدية وفعالة لضرب الارهاب في المنطقة .

وعلينا ايضا التفكير في ان يكون لهكذا تعاون بين الصين وامريكا حدودية في المستقبل ، حيث لا يمكن لمثل هذا التعاون حل مسألة تايوان القائمة بين البلدين ولا يستطيع هذا التعاون معالجة التناقضات القائمة بينهما في مجال حقوق الانسان والنظم الاجتماعية وغيرها من المسائل الأخرى . فقد سبق للصين وروسيا وبعض الدول الاخرى وان دعت لضرب الارهاب الدولي ، كونه عاد يشكل تهديدا محددا لهذه الدول . الارهاب الدولي لا يشكل تهديدا مباشرا واساسيا للصين ، كما ولا يمكنها ان تتخذ من مكافحة الارهاب كأساس لعلاقاتها الخارجية ، ولا يمكن لها الموافقة على ما حددته امريكا من علامات وخطوط لمسألة مكافحة الارهاب ، وانتهاجها لمعايير ومقاييس مزدوجة حياله ، وما ترفضه الصين اكثر قيام امريكا ، وتحت يافطة ضرب الارهاب ، بتوسيع رقعة الحرب كما يحلو لها ( على هواها ) ، حتى ذهب بها الامر الى حد اعتبار العراق وايران وكوريا محور الشر ، وعلى الصين ان تبقي مسافة واسعة بينها وبين الولايات المتحدة حول هذه المسائل .

ثامنا : السيطرح على التسلح عاد مجالا هاما في العلاقات الصينية الامريكية .

بالنسبة لمشروع ال NMD ولانسحاب الامريكي من معاهدة معارضة الصوريخ البلستية ، على الصين رؤية ما يترتب عليها من مضار جراء ذلك ، في الوقت الذي يجب عليها ان تقوم بتقدير وتحليل عادل وموضوعي للحاجة الاميركية من العناصرالأخرى لل NMD . وعلينا القول بموضوعية ، بان النظرة وحيدة الجانب التي تنتهجها امريكا وممارستها لسياسة القوة واعمال الهيمنة هو عنصر هام في تحفيز وتنشيط الارهاب الدولي ، لذا كثيرا ما تكون اهداف الارهاب الدولي موجهة ضد الولايات المتحدة وليس ضد غيرها من الدول ، لذا على امريكا اتخاذ اجراءات اكثر حدة وتطرفا من اي دولة اخرى للوقاية من احتمال وقوع اي عمل ارهابي . من هنا على الصين ان تتعامل مع مسألة انسحاب امريكا من معاهدة معارضة الصواريح البلستية و موضوع نشر NMD تعاملا مزدوجا .

اما بالنسبة للاجراءات الأمريكية ضد قوة الصواريخ الاستيراتيجية الصينية المحدودة فعلى الصين اتخاذ الاجراءات اللازمة . وينبغي على الصين ، من اجل ضمان الدفاع عن امنها القومي ، تطوير قوتها الدفاعية ، وتحديث وتطوير قوة تكنولوجيتها العسكرية بما فيها تطوير صواريخها الموجهة بعيدة المدى وغيرها من المنشاّت العسكرية الاخرى . الصين لن تسير فى الطريق القديم الذي سار عليه الاتحاد السوفياتي والمتمثل في التضحية بالاقتصاد الوطني من اجل زيادة القوة العسكرية ، ولا يمكن لها الدخول في دورة جديدة من سباق التسلح مع امريكا .

وينبغي ان يكون الرد الصيني على هذا الموضوع محدودا ، وعليها ان تدخل مع الولايات المتحدة في مفاوضات حول مسألة السيطرة على السلاح .، والعمل على التوصل الى اتفاق حولها ، وعدم اللجوء الى تطوير قوتها العسكرية والدخول مع امريكا في سباق تسلح شامل . عن جريدة ” نهاية الاسبوع ” الجنوبية

 

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى