دراسات سياسيةنظرية العلاقات الدولية

قراءة في النظريات الوضعية و ما بعد الوضعية في العلاقات الدولية

تتناول هذه السلسلة النظريات الأساسية في العلاقات الدولية وتتضمن:

النظريات الوضعية:

– النظريات الواقعية الكلاسيكية والحديثة والكلاسيكية الحديثة

– النظرية المؤسساتية

– النظرية الليبرالية ونظرية النظام

النظريات بعد الوضعية

– نظرية المجتمع الدولي

– نظرية البناء الاجتماعي

– الماركسية

– الإدراكية

العلاقات الدولية: هي دراسة العلاقات بين البلدان وأدوار الدول والمنظمات الحكومية وغير الحكومية والمنظمات العالمية الغير حكومية والشركات متعددة الجنسيات. تعتبر العلاقات الدولية حقلاً أكاديمياً في السياسة العامة، ولذلك من الممكن أن تكون عمليةً أو معياريةً لأنها تحلل وتشكل السياسة الخارجية لدولة معينة.

تنقسم النظريات في العلاقات الدولية بشكل رئيسي إلى قسمين.. وضعية تعتمد على “العلوم الطبيعية” في دراستها للمجتمع الدولي، كاهتمامات الدولة ومصالحها وقوتها العسكرية وتوازن القوى العالمي، ونظريات بعد وضعية ترى أنه ليس بالإمكان تطبيق هذه العمليات على المجتمع الدولي وأنه ليس من الممكن إيجاد علم لهذه العلاقات الدولية.

أولاً النظريات الوضعية:
1- نظرية الواقعية:
تركز نظرية الواقعية على أن أمن الدولة وقوتها فوق كل شيء. وقد قال الواقعيون المبكرون أمثال اي اتش كار وهانس مورغانثاو E.H. Carr and Hans Morgenthau أن الدول تعتبر شخصيات اعتبارية عقلانية ذات مصلحة شخصية وتعمل على البحث عن القوة دائماً، كما تسعى إلى زيادة أمنها وفرص بقائها. ويُعَدُّ التنسيق بين الدول طريقاً لزيادة أمن كل دولة على حدة (خلافاً لأسباب أكثر مثالية تتبناها نظريات أخرى). وبشكل مماثل فإن أي فعل حرب يجب أن يرتكز على المصلحة الشخصية، وليس على المثالية. وقد رأى الكثير من الواقعيين في الحرب العالمية الثانية دفاعاً عن نظريتهم، وتتفرع الواقعية إلى أنماط:

a. الواقعية الكلاسيكية هي نظرية تناول الموضوع من مفهوم الدولة، وتقول أن كل الدول تسعى للقوة. إنها تسعى لزيادة قوتها والتقليل من قوة أعدائها. وترى الدول باقي الدول القوية كأنداد لها لأن القوة حين لا تكون في قبضتك تكون تهديداً لك.
إن الناس بطبعهم جشعون وعدائيون ولذلك فإن الدول التي تجمعهم تغدو حاملةً ذات تلك الخصال. ولكن ذلك لا يعني الحرب. فيمكن أن يكون هناك سلم ولكن السلم الدائم يتركز على توازن مستمر للقوى – بحيث تكون الأطراف الفاعلة بالأنظمة الدولية متساوية بمصادر القوة، ولذلك لا أحد يفكر أن باستطاعته الفوز بحرب ما. فقد كانت الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي أنداداً في الحرب الباردة لأنهما كانتا الدولتين الأقوى بعد الحرب العالمية الثانية، وكان كل منهما حذراً من قوة الآخر وأصبحا عدوين. ولكنهما لم تدخلا الحرب لأنهما نوعاً ما تتساويان في القوة.

b. الواقعية الحديثة هي نظرية تتناول الموضوع من مفهوم النظام الدولي الموجود، وهي متفرعة عن الواقعية الكلاسيكية. إنها ترى أن المسبب في كل الصراعات والمنافسات بين الدول، ليس ناتجاً عن طبيعة الدول وإنما عن طبيعة النظام الدولي. ويعتبر العالم عبارة عن فوضى، والدول تقوم بما تستطيع أن تذهب إليه للحصول على القوة، وتفعل ما عليها فعله لحماية نفسها لأنها مهددة بطبيعتها، فإن كانت دولةٌ أخرى أقوى من دولتك فليس هناك من وسيلة لحماية نفسك إلا في الدفاع عن نفسك أو محاربة منافسيك أولاً. ويمكن للواقعي الحديث أن يقول أن سبب الحرب الباردة هو حقيقةُ أنه كان هناك فقط دولتان قويتان نجتا من الحرب العالمية الثانية. وبينما لم يكن هناك حكومة للعالم أو قوانين للسلوك لقمع المنافسة، فتحول ذلك إلى الحرب الباردة.

c. الواقعية الكلاسيكية الحديثة هي نوع من أنواع إحياء الواقعية الكلاسيكية. إنها تقبل كل ما سبق ذكره عن تنافسات القوة، ولكنها تقترح أن مزايا الدول تلعب دورا كبيرا في سلوك تلك الدول. ولا تسعى الدول فقط للقوة ولا تخشى فقط باقي الدول القوية، ولكن هناك أسباباً وراء سعي الدول للقوة وهناك أسباباً لخشيتها من باقي الدول. إنها خليطٌ من الواقعية الكلاسيكية والحديثة التي تتحلل في المتغيرات على مستوى النظام ومستوى الدولة. فمثلاً يمكن أن ينظر واقعيٌّ كلاسيكيٌّ حديثٌ إلى الحرب الباردة ويقول أن الاختلافات في الايديولوجيات بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي كانت عاملاً في المنافسة بينهما والتي فاقمت نزعة دولتين قويتين لتشكيل التنافسات.

2- نظرية المؤسساتية:
يشترك مناصرو هذه النظرية بالعديد من الافتراضات التي يطلقها الواقعيون حول النظام الدولي – بأنه فوضوي، وأن الدول انتهازية تسعى للمحافظة على البقاء وبنفس الوقت لزيادة أوضاعها المادية، وأن المجهول يتخلل العلاقات بين البلدان. ولكن المؤسساتية ترتكز على نظرية الاقتصاد المصغر للوصول إلى نتيجة مختلفة جذرياً – بأن التنسيق بين الأمم أمرٌ ممكن. حيث أن هذا التنسيق من الممكن أن يكون استراتيجيةً بالنسبة للدول لتحافظ على بقائها وتحقق مصلحتها بطريقة عقلانية.

لنأخذ مثلاً دولتين شريكتين تجارياً. إن خفضت كلتاهما التعرفة الجمركية فستتاجران أكثر وكلاهما سيصبح مزدهرا أكثر، ولكن كلاهما لن يريد ذلك ما لم يتأكد أن الآخر سيفعل ذلك أيضاً.
ويشكك الواقعيون في استدامة مثل هذا التنسيق التنسيق بغياب قوة عليا قسرية لأن كلا من البلدين يمكن أن يكون لها دوافع لتفتح الأبواب للتجارة وبثِّ بضائعها إلى أسواق الدولة الأخرى دون السماح لأي نوع من أنواع الاستيراد. ولكن المؤسساتيين، على نقيض ذلك، يحتجون بأن المؤسسات – بتعريفها بأنها مجموعة من القواعد والمفاهيم والممارسات والإجراءات المتعلقة باتخاذ القرار التي تشكل التوقعات – من الممكن أن تقضي على المجهول الذي يقوِّضُ التنسيق. فبدايةً، توسِّعُ المؤسسات أفق الوقت المتعلق بالمبادلات، بصنع اتفاقية متكررة بدلاً من جولة واحدة من المبادلات.
إن البلاد التي تتفق على تعرفات جمركية مخصصة لجولة واحدة من الممكن بالفعل أن تستفيد من خداع جيرانها في أيٍّ من دوائر المفاوضات. ولكن البلاد التي تعلم أن عليها التفاعل مع ذات الشركاء بشكل متكرر ستملك حوافز للاستجابة لاتفاقياتٍ على المدى القصير لتستطيع المتابعة في اقتطاف فوائد التنسيق على المدى الطويل. وهكذا تزيد المؤسسات من الانتفاع من السمعة الطيبة للبلاد.
وثانياً، يحتجُّ المؤسساتيون بأن المؤسسات تزيد المعلومات حول سلوك الدولة. تذكر أن المجهول سببٌ هامٌّ لجعل العقلانيين يشككون بإمكانية جعل التنسيق مستداماً. ويجمع المؤسساتيون المعلومات حول سلوك الدولة ليحكمو بالتزامها أو مخالفتها لقوانين معينة. وبهذا تعلم الدول أنها لن تقدر على الخروج بذلك إن لم تذعن بالطاعة لقانون معين.

3- نظرية الليبرالية / نظرية المثالية / النظرية الدولية الليبرالية:
بالنسبة لليبرالية يعتبر الأفرادُ صالحين في الأساس والفطرة وقادرين على التنسيق المفيد للمساهمة في التغيير الإيجابي. بمعنى آخر، تحتجُّ الليبرالية بأن هناك الكثير من التنسيق في العالم وليس التنافس فقط. فلا تقتصر الدول فقط على التنافس والقلق من أجل القوة، بل هي تسعى إلى بناء نظام عالمي أكثر عدلاً وسلاماً. وهي تقوم بذلك لأنها تعلمت أن التنسيق في كثير من الحالات يعتبر استراتيجية أفضل من الصراع. ويمكن أن تنظر الليبرالية إلى الحرب الباردة وتدرس القيم المختلفة التي تحملها الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي لتجد في الطبيعة القاسية للاتحاد السوفييتي سبباً لهذا العداء.

وتنظر الليبرالية إلى المنظمات الدولية والغير حكومية وما بين الحكومات على أنها عوامل فاعلة أساسية في النظام الدولي. تملك الدول العديد من الاهتمامات وليست بالضرورة دولاً ذات اهتمام ذاتي فقط، رغم أنها تظل ذات سيادة.

لقد أصبحت واحدة من أكثر التطورات هيمنةً في النظرية الليبرالية هي الحادثة التي عُرِفَت بالسلم الديمقراطي، تم تخيله عبر إيمانيول كانت Immanuel Kant ، يصف هذا السلم الديمقراطي غياب الحرب بين الدول الليبرالية. ولكن النظرية التي تقبع وراء هذه الحقيقة التجريبية ما تزال أقل وضوحاً. ولم يضع مفكرو العلاقات الدولية نظرية مقنعة عن السبب وراء عدم اقتتال الدول الديمقراطية مع بعضها البعض. وعلاوة على ذلك، فيمكن أن يكون الطريق للسلم الديمقراطي دموياً بشكل أخص؛ وقد برهن إيدوارد مانسفيلد وجاك سنيدر Edward Mansfield and Jack Snyder بشكل مقنع أنه من المناسب أكثر أن تذهب الدول في طور التحول إلى الديمقراطية إلى الحرب أكثر من أن تذهب إليه الدول الأوتوقراطية أو الديمقراطية الليبرالية.

وقد طور أندرو مورافكسيك Andrew Moravcsik نظرية ليبرالية أكثر عمومية للعلاقات الدولية مرتكزاً على ثلاث افتراضيات رئيسية:
i. الأفراد والمجموعات الخاصة، وليس الدول، هي العوامل الفاعلة الأساسية في سياسة العالم.
ii. تمثل الدول قسماً مهيمناً من المجتمع المحلي وتخدم مصالحه.
iii. يتحدد سلوك الدول بتشكيل هذه المجموعات على المستوى العالمي.

الليبراية الحديثة:
فرعً من الليبرالية. تركز على الطريقة التي يمكن للمؤسسات أن تؤثر فيها على سلوك الدول عن طريق نشر القيم. ويمكن أن يركز الليبراليون الحديثون على الدور الذي تلعبه الأمم المتحدة أو منظمة التجارة العالمية في تشكيل سلوك السياسة الخارجية للدول. ويمكن أن ينظروا إلى الحرب الباردة ويقترحوا طرقاً لتثبيت الأمم الممتحدة لجعلها أكثر فعالية.

4- نظرية النظام:
تُشتَقُّ هذه النظرية من المبادئ الليبرالية التي ترى بأن المؤسسات أو أنظمة الحكم الدولية تؤثر على سلوك الدول (أو العوامل الدولية الفاعلة الأخرى). وتفترض إمكانية التنسيق في نظام الدول الفوضوي. فأنظمة الحكم هي أمثلة للتنسيق الدولي.
وبينما يتوقع الواقعيون أن يكون الصراع هو النمط الدارج في العلاقات الدولية، يقول مفكرو نظرية الحكم أن هناك تنسيقاً على الرغم من وجود الفوضى السياسية. وغالباً ما ينوهون إلى التنسيق في التجارة وحقوق الإنسان والأمن الاجتماعي من بين القضايا الأخرى. هذه الأمثلة عن التنسيق هي أنظمة الحكم في حد ذاتها. مؤسسات تمتلك المفاهيم وقوانين اتخاذ القرار والإجراءات التي تسهل تحقيق الأهداف المشتركة.

النظريات المتعلقة بما بعد الفلسفة الوضعية:
1- المدرسة الإنجليزية (نظرية المجتمع الدولي):
تركز المدرسة الإنجليزية على المفاهيم والقيم المشتركة للدول وكيفية تنظيمها للعلاقات الدولية. من هذه المفاهيم: الديمقراطية والتنظيم والقانون الدولي. وبشكل رئيسي، لاتسعى هذه المدرسة إلى خلق فرضياتٍ قابلة للاختبار عن سلوك الدولة كما تفعل باقي النظريات. بالعكس تماماً، فأهدافها أكثر قرباً لأهداف المؤرخ. إنها تفضل الملاحظة التفصيلية والتفسير الغني على النماذج التفسيرية العامة.

2- نظرية البناء الاجتماعي:
تعمد هذه النظرية إلى المقارنة بين الدول على أساس البنى الاجتماعية والمزايا الخاصة بكل منها، بالنسبة لمفكري نظرية البناء الاجتماعي فإن المتغيرات المهمة بالنسبة للآخرين – كالقوة العسكرية أو العلاقات التجارية أو المؤسسات الدولية أو التفضيلات المحلية – ليست مهمة. بل تبحث نظرية البناء الاجتماعي في سلوك الدولة في سياق ميزات الدولة. فكل الدول فريدةٌ ولديها مجموعة من المزايا السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية والدينية المحددة التي تؤثر على سياستها الخارجية. والدول تحمل هويات تظهر سلوكها في النظام الدولي. فكل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي له هويته السياسية الخارجية الواضحة، فكانت الحرب الباردة نتيجة الصراع بين تلك الهويتين، ويمكن أن تكون نهايتها سبباً للتغيرات في الهوية الروسية.

3- الماركسية:
ترفض نظريتا الماركسية والماركسية الحديثة في العلاقات الدولية المنظور الواقعي والليبرالي للصراع أو التنسيق بين الدول بالتركيز على الجوانب الاقتصادية والمادية. حيث أنها تفترض أن الاقتصاد يتغلب على الاهتمامات الأخرى. وينظر الماركسيون إلى النظام الدولي كنظام رأسماليٍّ متكامل يسعى إلى التجمع الرأسمالي.

4- النظريات الإدراكية:
تدرس هذه النظريات دور العمليات النفسية – أنظمة الإدراك وسوء الإدراك والاعتقاد – في سلوك السياسة الخارجية للدول، ومن الممكن أن تكون على مستوى دولةٍ أو منظمة أو أفراد من التحليل المعتمد على تركيز البحث على الديناميكيات النفسية لمتخذ القرار في الدولة أو الإدراكات المشتركة لمنظمةٍ ما أو أنظمة اعتقاد مشترك لأمة ما.
ويمكن أن ينظر مفكرو هذه النظريات إلى الصور المشتركة بين القادة السياسيين للولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي التي يتخذونها لبعضهما وأن يفسروا الحرب الباردة على أنها نتاجٌ لهذه الصور السلبية وعدم قدرة إحداهما على إعادة تشكيل إدراكات الأخرى.

خاتمة:
إن العديد من الانتقادات توجه لكل من هذه النظريات فب العلاقات الدولية، ولكنه ليس علينا أن ننظر إليها كنظريات متضادة. بل كل واحدةٍ منها تعبر عن افتراضات معينة محكومةٌ بحالاتٍ محددة وتسعى إلى هدفها التحليلي الخاص. وبينما يمكن أن تقود العديدُ من النظريات إلى نتائجَ أكثر أو أقل حتميةً حول العلاقات الدولية، فلا يوجد منها ما هو “صحيح” أو “خاطئ”. بل كل واحدة منها تمتلك بعض الأدوات التي من الممكن أن تكون مفيدةً لطلاب السياسة الدولية في دراسة وتحليل الوقائع الغنية.

المصادر:

1-  هنا

2- هنا

3- هنا

https://www.syr-res.com

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى