قراءة في تحليلات المشهد الجزائري
طالعنا بعد التعديلات الأخيرة التي أجريت على قيادة النواحي قراءات و تحليلات مختلفة حاول فيها كل تبيين الزاوية السياسية التي يراها في هذه التعديلات خاصة و أنها جاءت في توقيت مهم.
و لأن المشهد السياسي عموما مشهد معقد و مركب، و زاده تعقيدا لدينا كونه غير منتظم و غامض و التدافع فيه تدافع خفي و أحيانا بين قوى غير مقننة و لا مهيكلة (عكس الدول التي تقنن حتى الجماعات الضاغطة و اللوبيات) فيبدو للوهلة الأولى أنه مشهد غير قابل للقراءة أصلا؛ لكن العلوم السياسية في تعريفها هي علم القوة و حتى مع غياب الأصول و القوانين في التدافع عندنا فهو يبقى مشهدا سياسيا يقبل القراءة رغم تطبّعه بصفة صراع النفوذ و القوة لا الصلاحيات القانونية.
يبقى لطبيعة المشهد آثار نشهدها في التحليلات و القراءات و حتى بعض التصريحات و التي كانت متباينة و أحيانا متناقضة، لذا فأظن من المهم التذكير ببعض البديهيات و المفاهيم في هذا الحقل و إبداء بعض الملاحظات :
أولاً: التحليل السياسي أساسه المعلومة، و في عصر كالذي نعيشه يؤثر على أي قرار سياسي (أو يُسبب أي ظاهرة سياسية) مجموعة من التدافعات التي تدرس مجتمعة و على حدة و تستلزم معلومات محددة عن كل مؤثر. في الحالة الجزائرية و عكس العصر الذي نعيشه -و الذي يشهد سيولة معلوماتية- هناك شح في المعلومات و لا بأس بالتذكير بقاعدة مهمة في التحليل السياسي و هي أن المعلومة الشحيحة و الطاغية سيّان فكلاهما يضعان القارئ في حيرة و يُفقد بعض الدقة من كثير من القراءات.
ثانياً: التحليل السياسي يعتمد على ما يسميه جاسم سلطان “النمط السياسي”، خصوصا عندنا أين تغيب المعلومة كما سبق و ذكرنا. فلا أحد يعلم ما الذي يحدث في الذهاليز الداخلية و بالتالي فالتحليل الجيد هنا يعتمد في شق كبير منه على دراسة النمط حيث يمكننا أن نأخذ فكرة عن الصورة الحاضرة بدراسة ذاكرة* الصورة الماضية و السياق الذي أنت فيه لتحدد السيناريوهات الحاضرة و المستقبلية.
ثالثاً: من حق أي متابع أن يقرأ التعديلات الأخيرة قراءة سياسية لا تقنية (عكس الدول المنتظمة و الديمقراطية) و ذلك لطبيعة الدولة الجزائرية و التي لا يخفى على أحد أن الجيش بأطرافه يشكل أحد أقطاب التحكم و صناعة الرؤساء منذ الاستقلال، و الحديث عن حياد الجيش و التزامه بمهامه الدستورية لذا بعض المهونين لما يحدث ضرب من التهافت و الجهل بحقيقة الدولة. ثم يحق له ذلك أيضا للسياق الذي ظهرت فيه (عهدة خامسة في الأفق- رئيس مريض – انتخابات رئاسية قريبة ..)
رابعاً: التعديلات خاضعة لثنائتين الولاء و الجهة و الإتكاء على إحداها دون الأخرى اراه خطأ و تبسيط شديد، إضافة لهاذين المحددين لا يجب أن نهمل التفاعلات و التداخلات التي يعرفها الواقع السياسي و واقع المؤسسة ذاتها فالتحليلات القائمة على فرضية الجهوية فقط تقف على سطح القرار و تسبح في شاطئه لا عمقه.
خامساً: تعدد زوايا النظر مهم هنا، كون القراءات في بعض الأحيان تنظر للحدث بمعزل عن الأفراد أو تقيّم الأفراد و سلوكهم بمعزل عن الجماعات. أمر آخر يجب أن ننتبه له التحليلات في وضع كهذا تكاد تكون على درجة من المساواة فلا أحد يستطيع التأكيد و الرؤى عندما تطرح يجب أن تكون ظنية لا قطعية ( و لا يمكنها أن تكون كذلك و ان استبد كل ذي رأي برأيه).
سادسا: التفريق بين القراءة السياسية و التصريح السياسي فالفاعل السياسي هنا مطالب بفهم واقعه و وضع السيناريوهات المختلفة و الاستعداد لها و التعمق في ذلك، لكن التصريح يجب دائما أن يتعامل مع سطح القرار و مع الدستور و لو كنت تراه شكلياً فالرئيس (على علته) هو الذي عيّن هنا فهو وزير الدفاع دستوريا
سابعا: التدخل الخارجي في أي قرار سياسي تدخّل إيعازي و تلميحي و ليس أوامر فوقية، فبعيدا عن الإتفاقيات فالخارج لا يمكنه التدخل إلا بقدر ما يسمح له الداخل كما يقول الدكتور سيف عبد الفتاح.
بقلم Oussama Abdelilleh
————————-
* التاريخ معمل تجارب للسياسة كما يقول الدكتور و المفكر السياسي حامد ربيع.