دراسات سياسية

قراءة في تطورات النظام السياسي الياباني

النظام السياسي هو نظام اجتماعي وظيفته إدارة موارد المجتمع استنادا إلى سلطة مخولة له وتحقيق الصالح العام عن طريق سن و تفعيل السياسات ، وفي صورته السلوكية هو تلك المجموعة المترابطة من السلوك المقنن الذي ينظم عمل كل القوى والمؤسسات والوحدات الجزئية التي يتألف منها، أي كل سياسي داخل أي بناء اجتماعي في صورته الهيكلية هو عبارة عن مجموعة المؤسسات التي تتوزع بينها عملية صنع القرار السياسي وهي المؤسسات التشريعية والتنفيذية و القضائية، ويقصد بالنظام السياسي(1) تلك الأدوار في النسق السياسي الوطني التي تكمن فيها سلطة اتخاذ القرارات الملزمة، وللنظام السياسي أثره على السياسة الخارجية باعتبار أن صنع السياسة الخارجية تتم من خلال السلطة التنفيذية للدولة، وتختلف السياسات الخارجية حسب نوع بناء الأنظمة السياسية وتتغير السياسة الخارجية للدول مع تغيير النظم السياسية، لا ينصرف معنى النظام السياسي في هذا المجال إلى المفهوم العام للنظام السياسي وإنما إلى طبيعة تكوين السلطة التنفيذية و الموارد المتاحة لها و الضوابط السياسية الواقعة عليها،

وإن بناء النظام السياسي في أي مجتمع من أصعب التحديات وأخطرها لما له من آثار إيجابية وسلبية، سواء في حالة النجاح أو الإخفاق والطريق إلى ذلك بحاجة إلى صبر وحكمة، كما أنه بحاجة إلى ثقافة تتضمن كثيراً من الضوابط والقيم والقوانين التي تضمن سلامة النظام وصيانته، وعلى هذا الأساس وُضعت كثير من الدراسات والبحوث التي تتحدث عن الأسس التي ينبغي أن تقوم عليها النظم السياسية والأطر والآليات التي تعتمد عليها في تسيير شؤون البلاد ، وعبرت المدارس الفكرية المختلفة عن نظرياتها وطروحاتها في هذا الشأن المهم في حياة الشعوب والأمم. يتحدد تأثير النظام السياسي على السياسة الخارجية عبر ثلاثة متغيرات هي الموارد السياسية المتاحة والضوابط السياسية المفروضة على النظام وميل النظام السياسي الى استعمال الموارد المتاحة ، والمقصود بالموارد السياسية هي حجم القدرات المتاحة للنظام السياسي في مجال صنع السياسة الخارجية وتحديداً حجم الانشطة الاجتماعية التي يسيطر عليها النظام السياسي والتي تشمل الموارد الطبيعية والقوى العاملة والناتج الصناعي حيث تختلف حجم الموارد الاجتماعية المتاحة للنظم السياسية ومديات سيطرة النظم السياسية على تلك الموارد وقدرة الانظمة السياسة على توظيفها ، والنقطة الثانية في الموارد السياسية هي درجة مؤسسية النظام والتي تعني مدى اعتماد النظام السياسي على وسائل بيروقراطية محددة في عملية تنفيذ وظيفته مع توفر قنوات مستقلة لجمع المعلومات وتحليل البدائل واتخاذ القرارات ووجود مؤسسات لجمع المعلومات تقوي قدرة النظام السياسي على الاطلاع على الاحداث الخارجية وحجم تأثيرها عليه ، أما المورد السياسي الثالث فهو حجم التأييد الشعبي التي يحظى بها النظام السياسي.

والتي تؤثر كلها في فعالية النظام في عملية صنع السياسة الخارجية ، فلقد ثبت أنه كلما حظي النظام السياسي بقاعدة كبيرة من التأييد الاجتماعي لسياساته كلما كبرت قدرته على تنفيذ سياساته لا سيما في مجال التفاوض مع القوى الخارجية .

أما الضوابط السياسية فيقصد بها مجموعة القيود المفروضة على الأنظمة السياسية والتي تتعلق بقدرة النظام على توظيف الموارد لتحقيق اهداف السياسة الخارجية والتي تشمل ثلاثة متغيرات هي أولاً : نمط تمثيل المصالح الاجتماعية والمقصود به عن مدى قدرة النظام السياسي في التعبير عن مصالح كافة القوى العرقية والدينية والآيديولوجية المختلفة في المجتمع حيث ثبت أن تواجد قوى متباينة ومتعارضة داخل النظم السياسية يشكل عاملاً معوقاً في قدرتها على صياغة سياسات خارجية معينة حيث أن عملية صنع السياسات الخارجية قد تتحول الى عملية يغلب عليها طابع المساومة لإرضاء كافة القوى المتباينة ، وفي حالة قيام النظام السياسي بتمثيله لفصيل اجتماعي رئيسي واحد في مجال السياسة الخارجية وهذا قد يكون خياراً أسهل ولكنه سيؤدي الى معارضة بقية فصائل المجتمع وبالتالي سيؤثر على السياسة الخارجية للنظام واستقرارها.

ثانياً: درجة التماسك السياسي للنظام: ويقصد به مدى التجانس في القاعدة السياسية للنظام السياسي كأن يكون نظام الحزب الواحد أو نظاماً عسكرياً وهي الأكثر تماسكاً لاعتمادها على قواعد أساسية متجانسة وهذه التماسك ينطبق أيضاً على النظم البرلمانية التي تتصف بوجود أغلبية برلمانية تستطيع تشكيل حكومة متماسكة في حين تكون النظم البرلمانية التعددية غير متماسكة عموماً وذات حكومات إئتلافية غير مستقرة، ويشمل التماسك السياسي للنظام مدى سيطرته على المؤسسات السياسية كالبرلمان وكذلك المؤسسات النقابية والشعبية مما يعطي النظام القدرة على توجيه تلك المؤسسات لخدمة اغراض السياسة الخارجية.

ثالثاً: درجة المحاسبية السياسية للنظام: والمقصود بها مدى امكانية توفر الآليات المناسبة لقيام المجتمع في محاسبة المسؤولين عن السياسة الخارجية على النتائج المترتبة على تنفيذ سياستهم، وهذه الآليات غير موجودة في النظم الدكتاتورية ولكنها توجد في الأنظمة الديمقراطية حيث تستطيع الشعوب اسقاط حكوماتها عن طريق الانتخابات الحرة عند فشل سياساتها الداخلية والخارجية وتعتبر اليابان أحد النماذج القوية في هذا المجال حيث قدم رئيسين للوزراء استقالتيهما خلال فترة سنتين 2006-2008 ، وتعتمد قوة المحاسبية السياسية للنظام على حجم المنافسة السياسية حيث تزداد درجة المحاسبية في حالة وجود منافسة سياسية داخلية قوية من قبل القوى السياسية الاخرى من خارج السلطة الحاكمة وهذا ما يتميز به النظام السياسي الياباني، وتزداد ايضاً مع تواجد التصويت الحر سواء في البرلمان أو في التصويت الشعبي ، ولا توجد محاسبية سياسية أو تكون قليلة جداً في حالة الأنظمة التسلطية ونظام الحزب الواحد. وتزداد درجة المحاسبية مع زيادة حجم المشاركة السياسية فكلما ازدادت نسبة مشاركة عدد أكبر من المواطنين في صنع السياسة الخارجية والمتمثلة في مستويات التعبير عن الرأي والتصويت والترشيح للوظائف وتحقيق الوفاء لمطالب الشعب عند صياغة السياسة الخارجية والذي يؤدي الى زيادة درجة المحاسبية السياسية للنظام. ويؤثر اسلوب تولي السلطة وفقدانها على درجة المحاسبية السياسية ، أي أن الأنظمة السياسية التي تولت الحكم اعتماداً على تصويت الناخبين بشكل دوري ستكون أكثر حذراً وتتجنب ارتكاب اخطاء في سياستها الخارجية حتى لا تفقد السلطة وهذا يؤدي الى زيادة درجة المحاسبية .

 مراحل تطور النظام السياسي الياباني

المطلب الأولً: الدولة الاقطاعية وبنائها الطبقي

 لغرض التعرف الى طبيعة النظام السياسي الياباني لابد من العودة الى جذوره التاريخية حيث يعتبر النظام السياسي الياباني من النظم العريقة في العالم بسبب التجارب الغنية التي مر بها عبر تاريخه الطويل.

 تعتبر فترة إيدو (إيدو جيداي) التي امتدت للفترة (1603-1868) هي آخر فترات تأريخ اليابان القديم  قبل مجيء حكومة الامبراطور ميجي عام 1868 ليبدأ بعدها تأريخ اليابان الحديث ، وبدأت فترة إيدو بحكم الحاكم العسكري توكوغاوا (توكوغاوا إيئة- ياسو) منذ عام 1603 بعد أن أنهى الحكم الامبراطوري ومنح لنفسه لقب شوغون (SHOGUN) (شوغون هي رتبة عسكرية في اليابان تعادل رتبة العميد في الجيش العراقي، وقد منحت المحكمة الامبراطورية اليابانية في مدينة كيوتو هذا اللقب للقادة الكبار في حملاتهم العسكرية ، وكذلك تم منحه لرؤساء الحكومات العسكرية التي حكمت اليابان على مر التأريخ) ، بدأ توكوغاوا إيئة- ياسو عهده بحركة أراد من خلالها أن يضمن لسلالته البقاء في السلطة فقام في عام 1605 بالتنازل عن السلطة لصالح ابنه، الذي كان يسيطر عملياً على كافة المناصب كما كان يشرف بنفسه على صياغة القوانين وكان مركز مدينة إيدو( التي تحولت لاحقاً الى طوكيو) هي مقر الحكومة ، واتخذ سلسلة من الإجراءات لإصلاح النظامين السياسي والاقتصادي ليتمكن من أن يبسط سيطرته على البلاد ، وكانت اليابان قد أصبحت وحدة سياسية، كما أصبحت تتمتع بنظام سياسي مستقر. (1)

لقد مهدت سياسة الحكم التي أرسى دعائمها إيئه- ياسو الطريق أمام سلالته الـ توكوغاوا للبقاء أكثر من ثلاثة قرون في الحكم ، عرفت اليابان أثناء عهد أسرة الـ توكوغاوا ولأول مرة منذ قرون عدة نوعا من الاستقرار السياسي، كما عم البلاد الأمن . فقد تميز نظام الحكم الذي يتم إدارته من قبل الحاكم العسكري الشوغون بكونه أقوى من النظام الذي يتم إدارته من قبل الزعماء الإقطاعيين ( دائي-ميو) ، وذلك لأن الشوغون يبسط سيطرته المباشرة على المدن الكبرى ، الموانئ المهمة في البلاد، الطرقات والمعابر الرئيسة وغيرها، ويساعده في مجلس مؤلف من وزراء دولة (روشو) ومجموعة من المستشارين (واكاشيدوري) ،كما يساعده في مهامه محافظ العاصمة إيدو والقائم على شؤون المالية والشؤون الدينية (2) ، علماً بأنه في بداية عهد فترة إيدو(1603-1868) كان يوجد في اليابان (270) زعيم إقطاعي (دائي-ميو) بمعنى كانت البلاد عبارة عن اقطاعيات تحكم من قبل هؤلاء الزعماء .

أهم الاعمال التي قام بها الشوغن توكوغاوا إيئه-ياسو كانت في إعادة تقسيم الأراضي والثروات كما قام بسن النظام الطبقي في المجتمع الياباني (1)، وأصبح بالإمكان تمييز عدة طبقات على غرار طبقة المحاربين، الفلاحين، الصناع والتجار، نبلاء البلاط، رجال الكهنوت البوذيين (الرهبان) وخدام المزارات الشنتوية ثم طبقة أخيرة تعيش بمعزل عن المجتمع تعرف باسم (هينين) أو المنبوذين. وجاء التسلسل الطبقي تبعاً لمكانة القوة والمركز والتبعية بالشكل التالي :

1- طبقة المحاربين:ـ أو الـ بوشي

رجال هذه الطبقة يمكن أن يكونوا من الـ دائي-ميو وهم كبار الزعماء الإقطاعيين، أو الساموراي والذين يضعون أنفسهم في خدمة أحد الزعماء، أو الـ رو-نين  وهم من رجال الساموراي السابقين والذين انتهت مدة خدمتهم بسبب وفاة الزعيم أو لأي سبب آخر. يتحكم رجال هذه الطبقة في مصير الطبقات الأخرى، ويتبع كل منهم نظاما قائما على أساس الموالاة ، وكل فرد يتبع آخرا أعلى رتبة منه وهكذا ألى أعلى سلم الهرم. لكل منهم الحق في أن يمتلك معقلا له ولعشيرته وقد يتملك أراض بطريقة مباشرة، أو قد يكون له الحق فقط في الاستفادة مما تنتجه، كمحاصيل الأرز مثلا، يتوجب عليهم في المقابل أن يقدموا السمع والطاعة لأسيادهم وزعمائهم وأن يهبوا حياتهم إذا توجب الأمر.

 يمنع على الزعماء الكبار (دائي – ميو) أن يشيدوا أكثر من قصر واحد في المقاطعة الأصلية، كما يتم استدعائهم إلى مقر الحكومة العسكرية (الـ شوغونية) حتى يعلنوا ولائهم وطاعتهم للحاكم وفق تنظيمات خاصة بالمحاربين تعرف باسم (بوكي شوهودو) (وضعت سنة 1615). منذ سنة 1635 م أصبحوا مجبرين على ترك أبنائهم كرهائن في العاصمة إيدو( طوكيو)، كما توجب عليهم الإقامة بأنفسهم عاما كاملا كل سنتين فيها. عرف هذا النظام الفريد من نوعه باسم سان-كين كونائي أو الإقامة المتناوبة.

   2- طبقة النبلاء ورجال الدين:ـ

 كان النبلاء من رجال البلاط ملزمين بالتقيد بدراسة الآداب والعلوم الأخرى والامتناع عن ممارسة كل نشاط له علاقة بحمل السلاح، وقام النظام بوضع رجال البلاط تحت الرقابة الصارمة. تم إقرار العديد من التنظيمات التي حصرت مجال نشاطات المعابد والأديرة كما أعيد تنظيم المدارس الدينية، كان الهدف من ذلك الحد من القوة المالية والروحية لهذه الطبقة. بعد فترة أولى ساد فيها التسامح، قام نظام الشوغون بمنع المسيحية في البلاد، كما شنوا حملة مطاردة، تم فيها اضطهاد العديد من أتباع هذه الديانة الجديدة.

3- طبقة الحرفيين والتجار:ـ

 أخذ أفراد هذه الطبقة يتزايد باضطراد مع بداية القرن السادس عشر، وكانت طبقة الحرفيين والتجار تجمع بين أفرادها حرفيين وصناع من شتى المجالات بالإضافة إلى الأفراد المشتغلين بالتجارة. كان تنوع أفرادها من العوامل التي جعلت من الصعوبة بمكان السيطرة عليها وغالبا ما كانوا يقومون بإدارة أنشطتهم بأنفسهم ، مع تطور الصناعة المحلية بدأ النشاط التجاري يزداد وكان لتحسن نظام المواصلات في البلاد دوره الكبير في ذلك. أخذت الأسواق تظهر في العديد من نواحي البلاد، وكانت الاسواق تشكل المحور الذي يصاحب ظهور تجمعات من السكان، ثم ما لبثت أعداد هؤلاء تتزايد حتى تشكلت تجمعات سكانية كبيرة ، كان ذلك مؤشرا لظهور طبقة وسطى جديدة هي الطبقة البورجوازية  وشريحة منها من أصحاب الأموال،الذين قاموا بإدخال أنماط جديدة في التعاملات المالية اليومية، كقروض البنوك، أو السندات المالية.

4- طبقة الفلاحين: ـ

تشكلت هذه الطبقة من صغار الملاك أو العاملين البسطاء وهم الأكثرية في تعداد السكان في بلاد اليابان أثناء فترة إيدو، ولهذا السبب خضعوا إلى نظام أكثر شدة. كان يمنع عليهم اقتناء، بيع أو إهمال الأراضي التي يقومون بزراعتها، كما لا يحق لهم زرع أصناف أخرى من المزروعات غير تلك التي تم تقييدها في السجلات العقارية ، كانت هذه التدابير تهدف إلى منع قيام طبقة جديدة أكثر ثراء من بين ملاك الأراضي، كما كان يراد منها تعطيل عادة قديمة متبعة بين بعض من أبناء الشعب الياباني المحب إلى السفر (كان ذلك كمخرج لهم للراحة بسبب العمل الشاق ).

لقد دخلت اليابان في عزلة منذ أواسط القرن السادس عشر الميلادي (1637 – 1853 ) أغلقت خلالها جميع حدودها مع العالم الخارجي ، فقد قرر الحكام العسكريون (الشوغون) فرض العزلة الكاملة حول اليابان لضمان الاستقرار السياسي والاجتماعي في البلاد، وأن يتحكموا في حركة انتقال الأشخاص.وفي هذه الفترة حاول الأوروبيون الانكليز والفرنسيون والروس كسر العزلة إلا أنهم لم يفلحوا في الوقت الذي منح الشوغون السفن البرتغالية والهولندية تراخيص تجارية خاصة ، وكان يسمح لها بالرسو مرة واحدة في السنة على السواحل اليابانية حيث كانت تجارة الحرير مع الصين يحتكرها البرتغاليون، وبهذا الطريق تمكن الـشوغون من جني فوائد كبيرة من جراء ذلك.

 تميزت الفترة المشار اليها في نمو النزعة القومية اليابانية وقيام نظام سياسي ذو سلطة مركزية صارمة ، لتنتعش خلالها الروح العسكرية اليابانية التي توجت بظهور الطبقة العسكرية اليابانية التي يقودها الشوغون (الحاكم العسكري العام)(SHOGUN) على رأس نظام حكم اطلق عليه نظام بوشيدو المبني على مباديء الديانة الكونفوشيوسية .

 ارتكز هذا النظام على ثلاثة قيم هي :الحكمة ، اليقظة، والشجاعة، وهذه المرتكزات الأساسية شكلت قاعدة نظام القيم المعتمد عند المقاتل الياباني(الساموراي ) ، جدير بالذكر أن أول التحديات التي واجهتها اليابان كانت في بدء انتشار قيم الديانة المسيحية التي دخلت اليابان لتبدأ بالتبشير بقيم ومباديء السلام ،المحبة ، والتسامح ، وما نشأ عنه من تناقض في مجتمع تسوده الديانة البوذية التي تتميز بتقاليد اجتماعية صارمة تمجد مباديء القوة بشكل قوي وتعتمد تقاليد تتمثل في خضوع الشعب التام لزعماء الطبقة الحاكمة ، وتفاقمت الأمور مع محاولات الغرب في نشر القيم الغربية المتمثلة بالليبرالية والديمقراطية والتبشير بالمسيحية في اليابان لتغيير المجتمع الياباني وجعله على غرار المجتمعات الغربية ونشر المفهوم الغربي للمساواة القانونية بين الحاكم والمحكوم ، والتي خلقت حالة من عدم الاستقرار في المجتمع الياباني المغلق في وقت كانت فيه اليابان تعاني من النزاعات المستمرة بين أفراد الطبقة الحاكمة التي شعرت بكونها غير قادرة لمواجهة التدخلات الخارجية . برز أول رد فعل قوي من قبل الشوغون والدايمو من حكام المقاطعات اليابانية دفاعاً عن المجتمع الياباني وقيمه ، فقاموا بمذابح ضد المسيحيين في اليابان مع تدمير وإزالة كافة المراكز المحلية التي بناها الغرب في اليابان طوال الفترة الماضية وضربوا طوقاً من العزلة حول اليابان ولم يعد مسموحاً عقد صفقات تجارية مباشرة مع الأجانب وحظر كافة المراكز التبشيرية لتعيش اليابان عزلة تامة دامت لأكثر من 200 سنة.

المطلب الثاني: الامبراطورية وعصر الإصلاح

 يمكن اعتبار عام 1853 منعطفاً خطيراً في تأريخ اليابان حيث حاصر قائد البحرية الأمريكي ماثيو بيري في شهر تموز عام 1853 السواحل اليابانية وقامت السفن الأمريكية بقصف السواحل اليابانية بوابل من القذائف أجبرت اليابان على فتح حدودها ، وعلى أثرها وقعت اليابان معاهدات صـداقة مع الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا وهولندا وفرنسا ، وشكلت تلك المعاهدات الجديدة انتقاصاً حقيقياً لسيادة اليابانيين على موانئهم.

 بسبب معارضة بعض حكام الولايات لسياسة الإنفتاح ورغبة الإقطاعيين في المحافظة على سلطاتهم المحلية شهدت اليابان عدداً من الحروب الداخلية أستمرت لمدة عشر سنوات .

إن انهيار حكومة توكوغاوا العسكرية المدعومة من قبل الاقطاعيين أدى إلى نهاية نظام حكم الشوغون وإقرار النظام الجديد بعد أن قاد رجال البلاط الإمبراطوري الحركة الداعية لاسترجاع الحق الإمبراطوري، وتم تشكيل حكومة وطنية بعدها تولى الإمبراطور موتسوهيتو الحكم في 3 كانون الثاني 1868 ، وقد أطلق عليه إسم الإمبراطور ميجي MEIJI  أي المصلح المتنور، وتميزت فترة حكمه بإصلاحات مهمة ، تعتبر هذه الفترة الأولى من تاريخ اليابان المعاصر (1868-1912) ، ان إعادة عملية الإمبراطور إلى الحكم كرست دوره الرمزي في أعلى هرم السلطة فيما كانت السلطات الفعلية بين يدي الحكومة التي عملت لجعل اليابان قوة اقتصادية وعسكرية ونداً قوياً للقوى الغربية من خلال تحقيق الاهداف التالية:ـ

أ- تزويد اليابان بمؤسسات عصرية، بجيش قوي وصناعة متقدمة. ب- تعديل كافة الاتفاقيات الغير عادلة في نظرهم والتي وقعت مع مختلف القوى الغربية.

قام الإمبراطور ميجي وحكومته منذ عام 1868 بعملية واسعة من الاصلاحات الادارية وهي:

1- إعلان إلغاء مناصب الشوغون. 2- إلغاء المعاقل الإقطاعية. 3- إعادة تقسيم البلاد إلى محافظات إدارية تسلم إدارتها بعض من كبار الزعماء الإقطاعيين السابقين وبعض من رجال السامواري ممن علقت مهامهم السابقة. 4- اتخاذ مدينة إيدو مقراً للحكومة عام 1868 بعد تغيير اسمها إلى طوكيو أو العاصمة الشرقية، وأصبحت بذلك العاصمة الرسمية لليابان منذ شهر مايس / 1869. 5- إعادة ترسيم الحدود وبالأخص تلك المشتركة مع روسيا والصين ، ففي سنة 1869  بسطت اليابان ولأول مرة سيادتها على كامل جزيرة إيزو (1) ، ثم ضمت تشيشيما (أو جزر الكوريل) سنة 1875 في مقابل التخلي عن جزر ساخالين لصالح روسيا. وفي أقصى الجنوب تم ضم كل من جزر أوغاساوار عام 1876 ثم جزر ريوكيو (اوكيناوا وملحقاتها) عام 1879 .

6-  في شهر نيسان من عام 1868 تم إصدار مرسوم إمبراطوري نص على إعادة تنظيم عملية الحكم بطريقة ديمقراطية، ضمان الرخاء للجميع، وقف العمل بالأعراف والعادات القديمة، والعمل على نشر العلوم الأوربية  وتطبيقها في كافة الميادين.

لقد كانت البداية الأولى في نهج الإصلاحات هو الإعلان عن تشكيل حكومة مؤقتة موسعة شملت أولى الإصلاحات بنية المجتمع الياباني، فتم في عام 1871 إلغاء النظام الطبقي في المجتمع الياباني ليصبح المجال مفتوحا أمام الجميع لتقلد المناصب في الدولة واحتراف أي من المهن المعروفة بدون قيود. تم ايقاف المنحة التي كان يتقاضاها رجال الساموراي، كما تم تجريدهم من أسلحتهم. كان أغلب هؤلاء الرجال يحوزون على نصيب كبير من الثقافة ، فتحولوا إلى مهن أخرى كالتعليم، الإدارة أو الصناعة. في مقابل ذلك تم إعفائهم من التزاماتهم العسكرية، ولسد الاحتياجات الجديدة تم إعلان عن التجنيد الإلزامي في البلاد منذ سنة 1872 .

 بعد القيام بعملية جرد للأراضي والممتلكات عبر كامل البلاد، تم تطبيق ضريبة العقار منذ عام 1873،  تبعت هذه الإصلاحات الاجتماعية موجة من الإستياء، عمت أوساط الفلاحين والذي أخذوا على الحكومة تسرعها في عملية تقييم الأراضي، كما شملت رجال الساموراي والذين لم يرق لهم فقدان المكاسب والمزايا التي كانوا يتمتعون بها.  يعتبر المؤرخون أن تاريخ اليابان المعاصر بدأ بعصر ( ميجي ) ‏(1868‏ ـ‏1912)‏ وهو العهد الذي تلى فترة الحاكم العسكري (الشوغن) أو النظام الإقطاعي للساموراي، حيث وضعت فيه الأسس الحقيقية لنهضة اليابان المعاصرة في جميع المجالات ، وانطلقت مسيرة الإصلاح عبر فكرة كون اليابان لديها خصوصية فريدة في العالم لأنها تضم شعبا متجانسا يقيم على أرض مقدسة ترعاها الآلهة، ويعتبر الإمبراطور من سلالة الآلهة وأبا لجميع اليابانيين الذين يشكلون عائلة واحدة، ولهم دولة واحدة تعتبرهم أبناء متساوون في الحقوق والواجبات بغض النظر

عن أي انقسام طبقي أو لغوي أو ديني أو عرقي. جعلت حركة الإصلاح اليابان بلداً غنياً بجيش قوي ، وعمل قادة الإصلاح في البداية على تحويل اليابان إلى بلد ديمقراطي على غرار الغرب وبشروا بمبادىء السلام والأمن والاستقرار وتم رفع شعار” التقنية الغربية والروح اليابانية” ، وبدأت اليابان عملياً بتبني استراتيجية الرد على التحدي الغربي بتحويل اليابان إلى دولة قوية خلال الفترة  1853 – 1945 بعد تحولها الى دولة إمبريالية . نجح

الإمبراطور ميجي في عصرنة المجتمع الياباني على جميع المستويات وصد مخاطر التدخل الأجنبي ، وانصرفت الدولة كلياً إلى دراسة الحضارة الغربية وتبنيها بعد أعادة تأهيل القطاع التعليمي وانشاء عدد من الجامعات في مختلف الاقاليم اليابانية ، حيث تم ارسال بعثات يابانية إلى الولايات المتحدة وأوروبا في الفترة( 1871 – 1873 ) للاطلاع على مؤسساتها وعلى أحدث ما توصلت إليه في عالم التقنية ، وبدأت الحكومة في جلب العديد من الخبراء والمهندسين من مختلف البلدان الغربية للمساعدة في تحديث البلاد. فقام البريطانيون بالمساعدة في تحديث القوات البحرية، فيما تولى الفرنسيون تحديث القوات البرية وأسهم خبراء ألمان في وضع الأسس العلمية للنظام التعليمي الجديد، من بين الميادين التي شملتها الإصلاحات في المرحلة الأولى: التعليم، الحقوق، العلوم، والنظام السياسي ، استوفت اليابان حاجتها للخبراء فتوقف استقدامهم في عام 1890 ، منذ 1868 أصبح التعليم إلزامياً ، استحدث اليابانيون سنة 1872 م نظاما تعليميا جديدا مستوحى من النظامين الفرنسي والأمريكي، وفتحت أول جامعة أبوابها عام 1877 . (1)

 مما ساعد على تلك الاصلاحات هي القدرة الاقتصادية التي شهدتها اليابان في مرحلة العزلة الطوعية المعروفة تاريخيا بمرحلة توكوغاوا، والتي استفاد منها الإمبراطور ميجي حيث استطاع بناء جيش قوي وتأسيس بنية تحتية قوية لصناعات حربية حديثة ، ويكمن سر نجاح الحركة الاصلاحية اليابانية بسبب تبنيها لاستراتيجية لا تتعارض فيها  الحداثة والأصالة والتي عملت على إعادة النظر في سير عمليات الانتاج مع المحافظة على الخصوصية اليابانية ، وتضمنت تقوية الجيش بالعمل على تحويل ولاء البوشي والساموراي لقادتهم والاستعداد للموت في سبيل مبادئهم المعروفة بالبوشيدو Bushido(2) إلى ولاء للدولة اليابانية بعد توسيع الجيش ليضم كافة الطبقات الاجتماعية .

بسبب عملية التحديث تحولت اليابان إلى دولة مركزية حصرت كل الصلاحيات بيد الإمبراطور وتبع الشعب الياباني قادته بطاعة تامة استنادا إلى المباديء الدينية الكونفوشيوسية(3)، وعمل النظام الإمبراطوري على نشر

(2) بوشيدو Bushido : طريقة أو أسلوب المحارب وهي مجموعة قواعد الشرف والتعامل السلوكي لدى نبلاء اليابان، تؤكد هذه القواعد على الولاء للأسياد والشرف الشخصي والتضحية بالنفس واللامبالاة بالألم. كانت مهمة جداً لدرجة إنها درست بمدارس الدولة كمتطلب للخدمة الحكومية.

(3) الكونفوشيوسية : معتقدات دينية ظهرت في الصين ،وضع اسسها الفيلسوف كونفوشيوس في القرن السـادس قبل الميلاد ، داعيًا إلى إحيـاء الطقوس والعادات والتقاليد الدينية ، مضيفاً إليها من فلسفته وآرائه في الأخلاق والمعاملات والسلوك القويم في نظره ، تقوم على عبادة إله السماء أو الإله الأعظم ، وتقديس الملائكة ، وعبادة أرواح الآباء والأجداد .

أيديولوجية الكوكوتاي التي تعبر عن مشاعر قومية متشددة ترتكز على مفهوم “الأمة – العائلة” ، و “العائلة – الدولة” ، ومن أهم مبادئها: ـ

ـ إن ” أرض اليابان مقدسة ولا يجوز أن تدنسها أقدام الغزاة ” .

 ـ” الإمبراطور مقدس وهو رمز لليابان وأب لجميع اليابانيين “.  إضافة الى صفة التجانس التام في المجتمع الياباني كخصوصية تنفرد بها اليابان عن العالم ، وآيديولوجية الكوكوتاي التي أثبتت نجاحها المطلق في كسب ولاء الشعب والتي كان لها الفضل في النصر العسكري الياباني الساحق في حروبها ضد جيرانها .

إن أخطر ما شهدته تلك المرحلة أن الفكر السياسي الياباني الذي تبنى مفهوم القوة والعنف قد جعل من اليابان دولة امبريالية معتدية توسعية في جنوب شرق آسيا واستعمرت أراضي من الدول المجاورة ، ثم دخلت الحرب العالمية الاولى فالثانية التي اسستسلمت فيها بعد قصفها من قبل الولايات المتحدة بقنبلتين ذريتين غيرتا مسار التاريخ في اليابان والعالم اجمع.(1)

المطلب الثالث:  الامبريالية اليابانية ونهاية نزعتها العسكرية

 تميز عهد الميجي بتصاعد قوي في المشاعر القومية اليابانية التي بدت مغروسة بعمق في روح الشعب الياباني ‏,‏ وساد في اليابان شعور التفوق على الدول المجاورة ، فهاجمت الصين وانتصرت عليها عام ‏1895,‏ وبعدها احتلت الجزيرة الكورية ، ودخلت الحرب ضد روسيا عام 1905 ، واحتلت منشوريا وشمال الصين بكامله عام ‏   1937(2)  ‏وقد بدأ الحلم الامبريالي يقوى مع تصاعد النزعة العسكرية اليابانية بعد أن خرجت اليابان من الحرب العالمية الأولى دولة قوية ومنتصرة، والذي على أثره حاولت الولايات المتحدة التخفيف من تلك النزعة من خلال التوقيع على اتفاقية واشنطن في 11 /8 /1921 والتي ضمت الولايات المتحدة الأميركية، فرنسا، إيطاليا، بريطانيا، واليابان ، وأنضمت اليها لاحقاً اليها كل من الصين، بلجيكا،  هولندا، البرتغال في شباط/1922 . بدأت العلاقات بين اليابان والولايات المتحدة تسوء مع وصول النزعة العسكرية الإمبريالية اليابانية الى أقصى درجاتها لا سيما في الفترة الممتدة بين الأعوام 1931 – 1942 ، بعد ظهور التحالف الياباني – الالماني ، عندما سيطر الحزب الاشتراكي الوطني  (الحزب النازي) بقيادة أدولف هتلر على مقاليد السلطة في المانيا ، وبدأت اليابان في حينها التخطيط لشن ضربة عسكرية خاطفة لاجهاض القوة العسكرية الأمريكية في منطقة جنوب شرق آسيا. في السابع من كانون الأول/ 1941 هاجمت الطائرات اليابانية بشكل مفاجيء الأسطول الأمريكي في بيرل هاربر

  وألحقت به خسائر كبيرة ، حيث كان هذا الهجوم بداية النهاية للحلم الامبريالي الياباني (1)، وبسبب المرارة التي شعرت بها الولايات المتحدة من الهجوم المباغت للطائرات اليابانية وبسبب قناعة القيادة الميدانية الأمريكية بأن اليابانيين سيقاتلون حتى آخر جندي ، لا سيما أن اليابان بدأت ترسل طياريها الانتحاريين – الكاميكازي- (Kamikaze)(2) ، قررت الولايات المتحدة إنهاء الحرب باستخدام القنابل الذرية ، فأسقطت أول قنبلة ذرية في التاريخ على هيروشيما بتاريخ 6 /8/ 1945 ، وألقت القنبلة الذرية الثانية على ناغازاكي يوم 9/8/1945 ، والتي أدت الى سقوط مئات الآلاف من القتلى والمشوهين، ليعلن بعدها الإمبراطور هيروهيتو استسلام اليابان في 14 / آب/1945 (3)، وتم التوقيع رسميا على الاستسلام  في 2 /9/ 1945 ،وبدأ الاحتلال الأميركي لليابان الذي تم استبداله بمعاهدة تحالف وحماية عسكرية عام 1951، أدخلت الولايات المتحدة بموجبها تعديلات شاملة على بنية النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي والعسكري الياباني ، وصاغت لها دستوراً جديداً بدء العمل به منذ عام 1947 ،  وفرضت على اليابان عدم التسلح ، وفي المقابل تبنت اليابان إستراتيجية وقف الانهيار الاقتصادي الذي نتج عن التدمير العسكري الأميركي لليابان وقد عرفت تلك الاستراتيجية بمبدأ يوشيدا (YOSHIDA DOCTRINE) (4) نسبة إلى شوغيرو يوشيدا(5)

المبحث الثاني : ـ الدستور وشكل النظام السياسي

بالرغم من أن تغيير النظام السياسي لأي شعب يعني تغيير مجرى حياة ذلك الشعب وجعلها في بعض الأحيان فوضى عارمة إذا جاء التغيير مفاجئاً وبأدوات خارجية معادية لا تعرف إلى أين تتجه نتيجة تداخل وتقاطع المصالح الأجنبية غير مكترثين بالبلد وأهله الأصليين وما يلحق بهم من أذى وإهانة وقتل وتدمير ، إلا أن الوضع في اليابان تميز بخصوصية فريدة في هذا المجال حيث إتصف بالثبات والاستقرار الذي اشتهر به النظام السياسي الياباني ، فبالرغم من تعرض اليابان إلى ضربة نووية أمريكية في الحرب العالمية الثانية وفرض التغيير على هيكلية النظام السياسي الياباني من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها إلا أن اليابانيين حافظوا على نظامهم السياسي الأصيل المتمثل بالأمبرطورية اليابانية مع التغيير الذي يلبي رغبات المجتمع السياسية المحلية والتي تتناغم ومتطلبات التغييرات المفروضة من الخارج وبذلك خطت اليابان خطوات ثابتة نحو التطور السياسي الذي أدى إلى تطور الحياة في كل أشكالها، وذلك نتيجة تصحيح النظام السياسي وليس تغيير النظام السياسي ، أي أن اليابان صححت ولم تغير النظام لأن التغيير أحياناً يكلف الشعوب ثمناً باهضاً وكان من الممكن أن يعيدها قرون الى الوراء ، باعتبار أن استقرار النظام السياسي يعني تطور الشعوب ورقييها ويعني أيضاً استقرار وتطور الأنظمة الأخرى كالنظام الأمني ، الاقتصادي ، المالي ، التجاري ،  وبالتالي اصبحت اليابان دولة مستقرة ولا تتغير بتغيير الأحزاب الحاكمة أو الأشخاص أوتعاقبهم بسبب ثبات الخطوط السياسية العريضة المرسومة فيها ، والتنافس بين الأحزاب يكون مبنياً على تصويب الخطأ وتصحيحه وبذلك أصبح لدى اليابان إرث سياسي رصين يزداد قوة ومتانة بمرور الزمن وهذا ما جعل التلاعب واختراق النظام السياسي الياباني صعباً لان هناك ثقة متبادلة بين النظام السياسي الذي هو ثمرة جهود الأجيال السابقة ودور الاجيال المتعاقبة في المراحل التالية في الحاضر في المحافظة على ذلك النظام .

المطلب الأول: الدستور الياباني  

تم اعتماد أول دستور رسمي لليابان يوم  11/2/1889 (1)، بعد أن تم إنشاء مجلس وزاري في سنة 1885 ، وقد قام الإمبراطور بتسمية أعضائه وشرع المجلس بالتحضير لنص دستور جديد وكانت مواده مستوحاة من الدستور الألماني ، خول الدستور صلاحيات واسعة للإمبراطور وأصبح مقامه مقدسا يجمع عدة سلطات في آن واحد ومن أهم صلاحياته هي:

 1- رئاسة السلطة التنفيذية. 2- قيادة الجيش. 3- صلاحية إعلان الحرب أو السلام. 4- صلاحية تعديل القوانين حتى بعد التصويت عليها كما له الحق في إصدار مراسيم بدون إستشارة أي جانب . وبعد سن الدستور تم استحداث مجلسي البرلمان وهما مجلس النواب وعددهم 463 ومجلس المستشارين وعددهم 363، يتمثل دورهم في مناقشة القوانين والتصويت على الميزانية التي يطرحها المجلس الوزاري. كان انتخاب نواب البرلمان مقتصراً على فئة معينة من المواطنين من الذين كانوا يدفعون ضريبة سنوية مباشرة .

 الدستورالجديد ضمن لليابانيين حرية التنقل، التفكير والانضمام الى الجمعيات، المساواة في الفرص عند التقدم للحصول على أي وظيفة، والعدالة في المحاكم..

في عام 1890 تم إقرار مرسوم إمبراطوري يتضمن إدراج عبادة الإمبراطور والآلهات الشنتوية ضمن المناهج الدراسية الوطنية.(1) ، اما دستور البلاد المعتمد حالياً فقد تمت صياغته بمساعدة الاحتلال الأمريكي بعد استسلام اليابان في الحرب  العالمية الثانية والذي أصبح سارياً منذ عام 1947 (2) .

يقوم دستور اليابان الحالي على ثلاثة مبادئ أساسية هي: سيادة الشعب، واحترام حقوق الإنسان الرئيسية، والتخلص من الحروب. وينص الدستور أيضاَ على استقلالية السلطات الحكومية الثلاث: التشريعية (المجلس التشريعي)، التنفيذية (مجلس الوزراء)، والقضائية (المحاكم) ((3، ويُعد المجلس التشريعي، البرلمان القومي لليابان، أعلى هيئة في سلطة الدولة والجهة الوحيدة المسؤولة عن إعداد التشريعات والقوانين في الدولة.

 يتألف المجلس التشريعي من مجلس النواب الذي يضم 480 مقعدا (House of Representatives ) ومجلس المستشارين والذي يضم نحو242 مقعداً (House of Councillors). ويتمتع كل مواطن ياباني بمجرد أن يبلغ من العمر عشرين عاماً بالحق في الإدلاء بصوته في الانتخابات.

 تتمتع اليابان بنظام برلماني للحكم يشبه ذلك النظام البرلماني في دولتي بريطانيا وكندا. وبخلاف الولايات المتحدة وفرنسا لا يقوم اليابانيون بانتخاب رئيس الدولة بصورة مباشرة. فأعضاء المجلس التشريعي يقومون بانتخاب رئيس مجلس الوزراء فيما بينهم. وعليه يقوم رئيس الوزراء بتشكيل مجلس الوزراء وبقيادة مجلس وزراء الحكومة ، يخضع مجلس الوزراء أثناء تأديته للسلطة التنفيذية للمساءلة من قبل المجلس التشريعي. أما السلطة القضائية فتختص بها كل من محكمة العدل العليا (الدستورية) والمحاكم الأقل مثل المحاكم العليا والمحاكم المحلية ، وتتكون المحكمة الدستورية من رئيس المحكمة و14 قاضياً آخر، الذين يتم تعيينهم من قبل مجلس الوزراء. وتتم معالجة معظم القضايا أمام المحاكم المحلية. وتوجد أيضاً المحاكم الجزائية والتي تتعامل مع مشاكل مثل المخالفات المرورية.

توجد في اليابان 47 حكومة محلية و 1810 مجلس بلدي ، تشمل مسؤولياتهم توفير التعليم والرعاية والخدمات الأخرى، وكذلك إنشاء وتحسين البنية التحتية بما في ذلك المرافق العامة. ممارسة تلك الهيئات لأنشطتها الإدارية تجعل هناك اتصالاً وثيقاً بينها وبين السكان المحليين. يتم اختيار رؤساء الحكومات الاقليمية وأعضاء المجالس المحلية عن طريق الانتخابات .

 أهم مواد الدستور هي المادة التاسعة (1) التي تنص على أن ( الشعب الياباني المتطلع بصدق الى سلام عالمي يقوم على العدالة والنظام يتخلى الى الأبد عن الحرب كحق من حقوق سيادة الأمة ، كما يتخلى عن التهديد باستخدام القوة كوسيلة لحل المنازعات الدولية ) ، ولكي توضع هذه الفقرة موضع التنفيذ تقرر إلغاء القوات البرية والبحرية والجوية وتلغى أية وسيلة للحرب ، وتجرد الدولة من حق إعلان الحرب . (2)

لقد تحولت المادة التاسعة الى احدى المحرمات التي يجب عدم الأقتراب منها أو مناقشتها أو تعديلها لدى اليابانيين ، واحتاج تحويل قوة الشرطة اليابانية الى قوة دفاع عام (1954) الى جهود سياسية وبرلمانية كبيرة وضغط من الولايات المتحدة والأستناد الى مخاوف مرتبطة بالحرب الكورية الدائرة آنذاك لتبرير هذه الخطوة ، وكانت المادة التاسعة من الدستور الياباني تعني ضمنا تحمل الولايات المتحدة المسؤولية الأمنية والدفاعية في اليابان وهذا ما يفسر الارتباط الوثيق للسياسة الخارجية اليابانية بالسياسة الخارجية الأمريكية وحرص اليابان على التنسيق الكامل مع الولايات المتحدة فيما يخص مواقف سياستها الخارجية ، وكان مجلس المستشارين الياباني قد أقر في يوم 14/5/2007 مشروع قانون يحدد تدابير إجراء استفتاء على تعديل الدستور الياباني الذي بدأ تطبيقه منذ ستين عاما ، وقد تم تمرير مشروع القانون بأغلبية 122 صوتاً مقابل 99 ، وينص القانون من حيث المبدأ على أنه يحق للمواطنين اليابانيين البالغين 18 عاماً فما فوق التصويت في الاستفتاء على الدستور ويتطلب الأمر أغلبية الأصوات للتصديق على التعديلات الدستورية ، الجدير بالذكر أن الدستور الياباني ينص على أن أي تعديل فيه يتطلب ثلثي الأصوات في كلا مجلسي البرلمان ثم أغلبية الأصوات في استفتاء عام . وقد غير هذا الدستور الديمقراطي الحكومة اليابانية تغييراً جذرياً ، فقد نقل السلطة من الإمبراطور الى الشعب وضمن الكثير من الحريات كحرية الرأي والدين والصحافة والأحزاب ، وقد قسم الدستور المهام بين السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية وضمن الدستور حق النساء في الانتخاب.  في عام 2007 أقر البرلمان الياباني قانونا  يحدد خطوات لاجراء استفتاء حول مراجعة الدستور الذي وضع بعد الحرب العالمية الثانية ، وجعل السيد آبي وهو أول رئيس وزراء لليابان يولد بعد الحرب من مراجعة دستور 1947 نقطة تحول ضمن جهوده لتغيير دور بلاده في

شؤون الأمن العالمي وهو الدور الذي کان محدوداً لعقود من الزمان بسبب المادة التاسعة في الدستور السلمي.

 وفقا لقانون الاستفتاء الذي أقره مجلس المستشارين الياباني ، لن يجرى أي تصويت على مراجعة الدستور لمدة ثلاثة أعوام على الأقل، ولا يعارض الحزب الديمقراطي الياباني وهو أکبر أحزاب المعارضة في اليابان مراجعة الدستور، ولکنه يختلف مع الحزب الليبرالي الديمقراطي حول کيفية تعديله، في حين يعارض الحزب الديمقراطي الاشتراکي والحزب الشيوعي إجراء أي تعديلات على الاطلاق.

 طبقاً للدستور الياباني، ُيعد الإمبراطور رمزاً للدولة ولوحدة الشعب. ولكن ليس لديه سلطة على الحكومة، وفي عام 1989م تقلد الإمبراطور أكيهيتو عرش اليابان ليصبح بذلك الإمبراطور الـ 125 في تاريخ اليابان. ويقوم أفراد الأسرة الإمبراطورية باستقبال الضيوف من رؤساء الأقطار الأخرى وكذلك بأداء زيارات إلى خارج اليابان. من خلال القيام بتلك الأنشطة وأنشطة أخرى، يحقق أفراد الأسرة الإمبراطورية دوراً هاماً في تعزيز علاقات الصداقة الدولية، ويحرص أفراد الأسرة الإمبراطورية على الحفاظ على التواصل مع المواطنين اليابانيين من خلال اشتراكهم بالحضور في المناسبات المختلفة عبر أنحاء البلاد، وكذلك من خلال القيام بأداء زيارات لمنشآت ذوي الاحتياجات الخاصة والمسنين وغيرها، ويتمتع أفراد الأسرة الإمبراطورية باحترام كبير من قبل الشعب الياباني، ومن الأمور المثيرة للجدل في اليابان هي السماح للنساء وأبنائهن باعتلاء العرش في اليابان. (1)

المطلب الثاني: النظام السياسي في اليابان  

يعد النظام السياسي في اليابان إمبراطوري دستوري ، والإمبراطور رمز الدولة، ويقوم بالمهام بعد إقرار مجلس الوزراء ، وليس له أي سلطات ، والبرلمان هو أعلى هيئة تشريعية ، ويتم انتخابه من الشعب مباشرة ، ويتشكل من:

        – مجلس المستشارين ويتكون من 242 مقعداً.

        – مجلس النواب ويتكون من 480 مقعداً.

(1) في هذا الصدد كان رئيس الوزراء السابق جونيشيرو كويزومي(2001-2006)  قد قدم مشروع قانون إلي البرلمان يسمح للنساء بوراثة العرش الإمبراطوري ولكنه تخلى عنها بعد بعد أن أنجبت الأميرة كيكو زوجة الأمير اكيشينو الإبن الأصغر للإمبراطور أكيهيتو وريثا ذكرا للعرش ، وللامبراطور اكيهيتو ابنان هما ولي العهد الامير ناروهيتو والامير اكيشينو، الاسرة الامبراطورية لم يولد لها ذكر منذ 40 عاما وهو ما يعني ضرورة تغيير القانون لتجنب أزمة في وراثة العرش ، واقترحت لجنة إستشارية لكويزومي السماح بإعتلاء النساء للعرش على قدم المساواة مع الرجال وهي خطوة كان يمكن أن تجعل الأميرة إيكو إبنة الأمير ناروهيتو البالغة من العمر أربع سنوات في حينها أول إمبراطورة ترث العرش منذ القرن الثامن عشر لولا ولادة الوريث الذكر ، ويقول كثير من المحافظين إنهم لا يعارضون إعتلاء إيكو للعرش فقد حكمت ثماني إمبراطورات اليابان في الماضي ، ولكنهم يعارضون توريثه لأبنائها لأن ذلك سيمثل خروجاً عن التسلسل المباشر لتوريث العرش من الآباء إلى الأبناء ، والذي لم يتم انتهاكه منذ ألفي عام.

تتكون السلطة السياسية في اليابان من ثلاث سلطات هي السلطة التشريعية،السلطة التنفيذية والسلطة القضائية ، وكل سلطة من السلطات الثلاثة مستقلة عن الاخرى ، فالسلطة التشريعية في اليابان تخول البرلمان في سن القوانين وهي أعلى سلطة في البلاد والهيئة الوحيدة التي تقوم بسن القوانين ، ويتكون البرلمان من مجلس النواب ومجلس المستشارين ، وكليهما يتشكل من اعضاء منتخبين يمثلون كافة فئات الشعب ، ومن بين صلاحيات البرلمان صلاحية اختيار رئيس الوزراء والموافقة على الميزانية  وتعديل الدستور ، ويقوم رئيس الوزراء بتشكيل الحكومة.

تتكون اليابان من (47) محافظة ، وفي المدن والمراكز مجالس محلية ، حيث يتم إنتخاب الأعضاء والرؤساء من قبل الشعب ، ورئيس الحكومة هو رئيس الوزراء حيث يتم إختياره من بين أعضاء المجلس التشريعي وهو أيضاً رئيس الحزب السياسي الذي يحصل على أغلبية مقاعد مجلس النواب ، ويقوم البرلمان بتعيين رئيس الوزراء .

أولاً: النظام القانوني : صيغ النظام القانوني في اليابان على غرار نظام القانون المدني الأوربي وتأثر بالقوانين الأنكلو – أمريكيـة ، وتراجع القوانين التشريعيـة في المحكمة العليا ، وتقبل اليابان السلطة الإلزامية لمحكمة العدل الدولية بتحفظات .

ثانياً: الهيئة التنفيذية :

أ. رئيس الدولة/ الإمبراطور أكيهيتو منذ عام 1989 .

ب. رئيس الحكومة.

جـ. وزير الخارجية .(1)

د-  مجلس الوزراء يعينه رئيس الوزراء .( المادة 68 من الدستور)(2)

نظام الإمبراطورية ملكـي وراثـي ، ويعين مجلس النواب رئيس الوزراء ، وينص الدستور الياباني على أن يحصل رئيس الوزراء على الأغلبية البرلمانية لذا يصبح زعيم الأغلبية سواء كان حزباً أو ائتلافاً رئيساً للوزراء عقب الانتخابات التشريعية ( المادة 67 من الدستور). (3) يعتبر الامبراطور رمز وطني ويقوم بمهام بروتوكولية فقط ولا دخل له في الأمور السياسية (المادة 1 من الدستور) (4) ، في حين يكون رئيس الوزراء المعني بالشؤون السياسية ( المادة 72 ). (5)

ثالثاً: الهيئة التشريعية :

ـ تتمثل الهيئة التشريعية في اليابان بالبرلمان الذي يسمى بالدايت أو الكوكاي Kokai والذي يتكون من مجلسين:

– مجلس المستشارين أو السانجي- إن Sangi-in ويتكون من 242 مقعداً ، ومدة خدمة العضوية فيه 6 سنوات ، وينتخب نصف الأعضاء كل ثلاث سنوات ، وينتخب 100 عضو على مستوى اليابان بأسلوب نظام التمثيل النسبي بينما ينتخب الأعضاء الآخرون مباشرة من خلال الانتخابات التي تجرى على مستوى المحافظات، ولا يمكن حل مجلس المستشارين.

– مجلس النواب أو الشوجي – إن Shugi – in ويتكون من 480 مقعد ، ينتخب 180 منهم من 11 كتلة إقليمية على أساس التمثيل النسبي وينتخب 300 من الدوائر الانتخابية على أساس مقعد عن كل دائرة ، وينتخب – الأعضاء بالاقتراع الشعبي المباشر أو القائمة ومدة خدمتهم أربع سنوات ، ويمكن لرئيس الوزراء حل مجلس

(1) من الجدير بالذكر أن لوزير الخارجية الياباني الأسبق ماساهيكو كوميورا الذي شغل نفس المنصب عام 1999 علاقات متميزة بالمجموعة العربية وكان يشغل سابقاً رئاسة لجنتي الصداقة البرلمانية اليابانية – الكويتية واليابانية – المصرية وهو أيضاً رئيس كتلة كوميورا التابعة للحزب الليبرالي الديمقراطي الحاكم في البرلمان.

2- Article 68: The Prime Minister shall appoint the Ministers of State. However, a majority of their number must be chosen from among the members of the Diet. 2) The Prime Minister may remove the Ministers of State as he chooses.

3- Article 67: The Prime Minister shall be designated from among the members of the Diet by a resolution of the Diet. This designation shall precede all other business. 2) If the House of Representatives and the House of Councillors disagree and if no agreement can be reached even through a joint committee of both Houses, provided for by law, or the House of Councillors fails to make designation within ten(10) days, exclusive of the period of recess, after the House of Representatives has made designation, the decision of the House of Representatives shall be the decision of the Diet.

4- Article 1: The Emperor shall be the symbol of the State and the unity of the people, deriving his position from the will of the people with whom resides sovereign power.

5- Article 72: The Prime Minister, representing the Cabinet, submits bills, reports on general national affairs and foreign relations to the Diet and exercises control and supervision over various administrative branches.

النواب والدعوة الى انتخابات عاجلة.

هناك ثلاثة أنواع من الدورات البرلمانية في اليابان وتعرف على التوالي بالاعتيادية وغير الاعتيادية والخاصة تعقد الدورة الاعتيادية في شهر كانون الثاني من كل عام وتستمر مائة وخمسين يوماً أما الدورة غير الاعتيادية فيُدعى إليها عندما يكون البرلمان في عطلة ولكن مجلس الوزراء أو أعضاء البرلمان يرون أنه بحاجة للانعقاد أما الدورة الخاصة فتعقد بعد انتخابات مجلس النواب لاختيار وتعيين رئيس الوزراء الجديد، ويلقي رئيس الوزراء الياباني خطابه عند توليه منصبه أو يلقيه القائم بأعمال رئيس الوزراء في بداية الدورة البرلمانية الاعتيادية وفيه يحدد أهدافه السياسية.

رابعاً: الهيئة القضائية :

تعد المحكمة العليا أعلى هيئة قضائية في اليابان (1)، وتتألف من رئيس القضاة وأربعة عشر قاضياً ، ويعين الإمبراطور رئيس القضاة بعد أن يحدده مجلس الوزراء حسب ما جاء في المادة السادسة (2) من الدستور الياباني ، بينما يعين مجلس الوزراء الأربعة عشر قاضياً الآخرين .

المبحث الثالث: آلية العلاقة بين الأحزاب السياسية والسلطة

أهم ما يميز الحياة السياسية في اليابان التعددية الحزبية وتعدد الآراء والتي تعتبر ضمان لتحديد المسؤولية السياسية ، وإذا لم يتطابق العمل الحكومي مع الوعود التي قطعتها الاحزاب قبل وصولها سدة الحكم فالناخبين سيعبرون عن سخطهم في الانتخابات المقبلة ، وعليه فالتعددية الحزبية هي بمثابة طريقة لترسيخ الديمقراطية السياسية ومؤشر على شعبية الأحزاب الحاكمة والمعارضة .

يجري انتقال  السلطة عبر الانتخابات الحرة ، والتداول السلمي للسلطات يكون على مستوى قمة الهرم السياسي وقاعدته ، ولا توجد أي عوائق أمام أي نوع من النشاط السياسي الذي يعبر عن التنافس السياسي ولا توجد أية

1- Article 79: The Supreme Court shall consist of a Chief Judge and such number of judges as may be determined by law; all such judges excepting the Chief Judge shall be appointed by the Cabinet. 2) The appointment of the judges of the Supreme Court shall be reviewed by the people at the first general election of members of the House of Representatives following their appointment, and shall be reviewed again at the first general election of members of the House of Representatives after a lapse of ten(10) years, and in the same manner thereafter.

Article 80: The judges of the inferior courts shall be appointed by the Cabinet from a list of persons nominated by the Supreme Court. All such judges shall hold office for a term of ten(10) years with privilege of reappointment, provided that they shall be retired upon the attainment of the age as fixed by law. 2) The judges of the inferior courts shall receive, at regular stated intervals, adequate compensation which shall not be decreased during their terms of office.

Article 81: The Supreme Court is the court of last resort with power to determine the constitutionality of any law, order, regulation or official act.

 2- Article 6:  The Emperor shall appoint the Prime Minister as designated by the Emperor shall appoint the Chief Judge of the Supreme Court as designated by the Cabinet

عوائق سياسية ـ دستورية ضد حرية الرأي أو نقد الحكومة ، بل توجد مفاهيم متفق عليها وثابتة ومقبولة من الجميع في العمل السياسي ومفهوم الخصومة مفهوم مقبول داخل النظام والتنافس يكون بطريقة سلمية وبرلمانية ، وتلتقي الاحزاب المتنافسة الموجودة في الحكم على مفهوم الحل الوسط أي لا يوجد حل نهائي واحد فقط ، وكافة المناقشات داخل المؤسات الحكومية والدستورية بين القوى السياسية تتصف بهامش واسع من المرونة سواء كانت داخل الاحزاب أو خارجها من خلال التصويت في البرلمان وحرية التعبير ، فالحياة السياسية وآلياتها تستوعب كافة الاتجاهات في اطار نظام سياسي ودستوري يخلق جو من الاستقرار السياسي في الدولة.

 

المطلب الأول: الأحزاب اليابانية ومواقعها في الحياة السياسية (1)

أـ الحزب الديمقراطي الليبرالي LDP (الحزب الحاكم حالياً).

يعتبر أحد أكبر الاحزاب السياسية في اليابان، وهو من احزاب اليمين ، تأسس في شهر تشرين الأول 1955 من خلال إندماج الحزبين المحافظين اللذان تأسسا بعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية ، وإستمر هذا الحزب في تولي القيادة السياسية في اليابان بدون إنقطاع لغاية شهر آب 1993 حيث تولى السلطة السياسية تحالف من الأحزاب المعارضة لمدة سنتين ثم عاد بعدها الحزب الديمقراطي الليبرالي الى القيادة السياسية . تكمن قوة الحزب في انه يضم بين أعضاءه عدداً كبيراً من السياسيين ذوي الخبرة والتجربة السياسية الطويلة ، يشدد الحزب على ضرورة بقاء وتعميق العلاقات القائمة بين اليابان والولايات المتحدة الأمريكية ، رغم أن هناك العديد من الأعضاء النافذين في الحزب يعتقدون أن هذه السياسة المؤيدة كثيراً للولايات المتحدة تشكل عبئاً ثقيلاً على اليابان ، من ناحية أخرى يحاول الحزب أن ينفذ الكثير من الإصلاحات خاصة فيما يتعلق بتعديل المادة (9) من الدستور الياباني الخاصة بنبذ الحرب والتسلح وعدم إمتلاك جيش ، والسعي للحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن الدولي والمشاركة بفعالية أكبر في الأحداث العالمية .

ب- الحزب الديمقراطي الياباني DPJ: يعتبر الحزب الديمقراطي الياباني DPJ من أكبر احزاب المعارضة ،  تأسس الحزب عام 1993 حينما قرر عدد من السياسيين الإصلاحيين المنتمين الى عدد من أحزاب التجمع بهدف تكوين قوة جديدة تستطيع أن تتولى زمام الحكم من الحزب الليبرالي الديمقراطي الحاكم ، حقق الحزب نتائج جيدة في إنتخابات تموز /2007 بعد فوزه بالأغلبية في مجلس المستشارين ، وبدأ يشكل تهديداً جديا للأئتلاف الحاكم المكون من الحزب الليبرالي الديمقراطي وحزب كومي الجديد، وتكمن نقطة ضعف الحزب في الطبيعة غير المتجانسة للمجاميع السياسية المنضوية تحت لوائه والتي تمثل إتجاهات مختلفة بعضها تنقصها الخبرة والحنكة

السياسية في الشأن الداخلي والوضع العالمي  . وقد اجتذب هذا الحزب الجناح اليساري من الحزب الليبرالي الديمقراطي والجناح اليميني من الحزب الاشتراكي ، وتبدو طروحاته بخصوص السياسات الداخلية والخارجية غير محافظة وغير ثورية وذات منحى يساري وسطي يشبه إلى حد كبير توجهات الحزب الاشتراكي.

ج .الحزب الشيوعي الياباني JCP: تأسس كحزب سري في شهر تموز 1922 ، وظهر الى العلن كحزب مسموح له بالعمل بعد الحرب العالمية الثانية ، وقد حصل على (16) مقعد في مجلس النواب في الإنتخابات التي جرت عام 1995 ، ولكن هذا العدد تقلص الى (9) مقاعد في كلا المجلسين في الإنتخابات الأخيرة ، والآن يشكل الحزب مع الحزب الإجتماعي الديمقراطي ( SDP ) القوى الاساسية في البرلمان المدافعة عن ضرورة عدم تغيير المادة (9) من دستور البلاد السلمي التي تنبذ الحرب والتسلح .

د. حزب كوميتو الجديد New Komeito :تأسس عام 1964 كجناح سياسي للمنظمة البوذية ( سوكا كوكاي ) التي تاسست عام 1930 ، وحزب كوميتو الآن داخل في أئتلاف مع الحزب الليبرالي الحاكم ، ورغم أن هذا الحزب يجني ثمار تحالفه مع الحزب الحاكم فإن العديد من أعضائه يعبرون عن مخاوفهم من محاولة هذا الحزب إحياء النزعة العسكرية اليابانية التي كانت سائدة قبل الحرب العالمية الثانية وذلك بسبب تجربتهم السابقة كحزب ديني تحت قيادة الإمبراطور خلال الحرب العالمية الثانية ، وهو من الأحزاب الدينية المحافظة.

هـ.الحزب الاشتراكي الديمقراطي SDP: تأسس الحزب عام 1945 من خلال إندماج العديد من الأحزاب التي كانت تعمل قبل الحرب العالمية الثانية وكان إسمه لغاية 1991 الحزب الإجتماعي الياباني ، وفي مؤتمره عام 1986 تخلى الحزب عن برنامجه ذو التاثير اليساري المعتمد منذ عام 1955. حيث أعلن الحزب في هذا المؤتمر عن تغيير كبير في خطه السياسي وليصبح بعد ذلك شبيهاً بشكل كبير للأحزاب الاجتماعية الديمقراطية في أوربا الغربية ، ويعتبر أحد الاحزاب المدافعة  عن الدستور السلمي للبلاد وعدم تغيره .

بالاضافة الى الاحزاب الرئيسية المشار اليها توجد ثلاثة احزاب مؤتلفة وهي حزب الشعب الجديد(شيمن شنتو) الذي تأسس في 17 آب 2005 ، وحزب نيبون الجديد الذي تأسس في آب 2005  ، ومجموعة نادي المستقلين المنبثق في نيسان 2002 .

عدد مقاعد الاحزاب في مجلسي النواب والمستشارين كما يلي:

 

ت اسم الحزب المقاعد في مجلس النواب المقاعد في مجلس المستشارين
1. الحزب الديمقراطي الليبرالي Liberal Democratic party (الحزب الحاكم حاليا) بزعامة ياسو فوكودا رئيس الوزراء. 306 83
2. حزب كومي الجديد  New Komeito( المتحالف مع الحزب الحاكم حاليا) بزعامة أكيهيرو اوتا. 31 21
3. الحزب الديمقراطي الياباني Democratic party of Japan (وهو من أبرز أحزاب المعارضة ومنافس قوي للحزب الحاكم) بزعامة أتشيرو أوزاوا. 113 110
4. الحزب الشيوعي الياباني Japanese Communist Party بزعامة كازو شي. 9 7
5. الحزب الأشتراكي الديمقراطي Social Democratic Party بزعامة ميزوهو فاكوشيما. 7 5
6. حزب الشعب الجديد.                    People New Party 4 4
7. حزب اليابان الجديد.                      New Party Japan 0 1
8. المستقلين.                                     Independents 9 11
9. حزب الأرض.                                  New Daichi 1 0

 (انظر الملحق رقم 1 حول حجم الكتل السياسية التابعة للحزب الحاكم في البرلمان الياباني)

المطلب الثاني: العلاقة بين الحكومة وأحزاب المعارضة

تتميز العلاقات بشكل عام بين الائتلاف الحاكم ( الحزب الليبرالي الديمقراطي الياباني وحزب كومي الجديد) وأكبر احزاب المعارضة الحزب الديمقراطي الياباني بالتوتر ، وقد تصاعدت حدة التوتر حول الامور التالية:

1- قانون مكافحة الارهاب، يعارض الحزب الديمقراطي الياباني ارسال قوات الدفاع الذاتي اليابانية الى العراق ويؤمن بأن دور اليابان هو دور اقتصادي انساني في المرحلة الراهنة . تصاعد التوتر بين احزاب المعارضة والائتلاف الحاكم بعد أن أقرّت لجنة بمجلس المستشارين الياباني مشروع قانون طرحته المعارضة لسحب قوات الدفاع الذاتي الجوية اليابانية العاملة في العراق والمتمركزة في قاعدة على السالم في الكويت ، ودعا مشروع القانون المقدّم من قبل الحزب الديمقراطي الياباني أكبر أحزاب المعارضة في اليابان إلى إلغاء قانون خاص يسمح لقوات الدفاع الذاتي الجوية القيام بمهمة للنقل الجوي في العراق، وقد أيدّ الحزب الشيوعي الياباني والحزب الديمقراطي الاشتراكي مشروع القانون، ويرى الحزب الديمقراطي الياباني بأن استخدام القوة في العراق لا يمكن تبريرها لأن أسلحة الدمار الشامل التي بدأت الحرب بسببها لم يتم العثور عليها  (1).

1- جدير بالذكر بأن البرلمان الياباني كان قد أقر مشروع قانون يمدد المهمة الحالية لقوات الدفاع الذاتي الجوية في العراق لعامين آخرين حتى شهر تموز /2009  ، وتم إقرار مشروع القانون يوم 20/6/2007 بموافقة الأغلبية التي كان يتمتع بها الائتلاف الحاكم في مجلس الشيوخ وذلك قبل انتهاء ســريان القانون الذي يخول مهمة قوات الدفاع الذاتــي الجوية في نهاية شهر تموز/2007  ، يذكر أنه في شهر آذار من عام 2004  بدأت طائرات شحن تابعة لقوات الدفاع الذاتي الجوية اليابانية من طراز (سي-130) تتخذ من قاعدة علي السالم غرب الكويت قاعدة لها وتقوم بتنفيذ عمليات نقل موظفي الامم المتحدة وامدادات أساسية ويتمركز فيها حوالي 200 جندي من قوات الدفاع الذاتي الجوية وثلاث طائرات نقل ، ومنذ شهر آب/2006 وسعت طائرات الشحن اليابانية أنشطتها لتمتد إلى بغداد وإلى أربيل في اقليم كوردستان عقب انسحاب قوات الدفاع الذاتي البرية اليابانية من مدينة السماوة جنوب العراق في شهر آب/2006 .

وبالرغم من موافقة البرلمان الياباني على مشروع قرار يقضي بمراجعة معايير خاصة تسمح للقوات الجوية اليابانية المتمركزة في الكويت بالاستمرار في تنفيذ عمليات النقل الجوي بين المدن العراقية لمدة عامين ، إلا أن عمليات النقل الجوي الى العراق ستبقى قضية مثيرة للجدل اذ تعتبرها بعض الأوساط اليابانية خرقا للدستور الوطني المعارض للحروب الذي يحظر استخدام القوة العسكرية في تسوية النزاعات الدولية .

2- من المواضيع الخلافية الاخرى هي تمديد قانون مكافحة الارهاب حيث يعارض الحزب الديمقراطي الياباني (MINSHUTO)أكبر أحزاب المعارضة في اليابان تمديد القانون الخاص لمكافحة الإرهاب الذي انتهت صلاحياته في الأول /تشرين الثاني من عام 2007، وجدير بالذكر أن هذا القانون يشكل اساساً لمهمة قوات الدفاع الذاتي البحرية اليابانية في تمويل سفن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية في المحيط الهندي دعما للحرب على الإرهاب في أفغانستان.

فبعد عدة اسابيع من المداولات أقر مجلس النواب الياباني مشروع قانون مكافحة الإرهاب المقدم من قبل الحكومة من أجل استئناف اليابان مهمة التزويد بالوقود في المحيط الهندي، وذلك عن طريق خطوة نادرة تمثلت في إجراء تصويت ثان في مجلس النواب على مشروع القانون الذي رفضه مجلس الشيوخ. فقد أقدم الائتلاف الحاكم المكون من الحزب الليبرالي الديمقراطي وحزب كومي الجديد على استغلال أغلبية الثلثين التي يحتلها في مجلس النواب لتمرير القانون يوم 11/1/2008  عقب رفضه من قبل مجلس الشيوخ وذلك استنادا إلى نص دستوري يسمح بذلك. وكان مجلس النواب قد مرر مشروع القانون لأول مرة في شهر تشرين الثاني الماضي/2007. ويذكر أن هذه المرة الأولى منذ سبعة وخمسين عاما ، التي يتم فيها إلغاء مفعول رفض مجلس الشيوخ لمشروع القانون وإقراره من خلال تصويت ثان في مجلس النواب

3- تشهد الساحة اليابانية تصاعد التوتر على صعيد العلاقات بين الحكومة ومعارضيها خاصة لجهة ملف العلاقات اليابانية – الأمريكية ،  فبعد فوز المعارضة بالاغلبية في مجلس المستشارين في انتخابات تموز/2007 عقد المجلس دورة غير عادية يوم 7/8/2007 واختار عضواً من أكبر أحزاب المعارضة رئيساً جديداً له هو السيد ساتسوكي إيدا ، ليصبح السيد إيدا من الحزب الديمقراطي الياباني المعارض أول شخص من حزبه يتولى هذا المنصب وهو المنصب الذي هيمن عليه الحزب الليبرالي الديموقراطي الحاكم لنصف قرن تقريباً ، وامتد التجاذب ليشمل الأنشطة العسكرية والمدنية التي تقوم بها اليابان في العراق وأفغانستان، حيث تؤدي قوات الدفاع الذاتي اليابانية خدمات لوجستية ، فقد أثار تحالف المعارضة الدور العسكري الذي تقوم به اليابان من باب مخالفتها للقواعد الدستورية التي تعتبر اليابان دولة مسالمة ، وعبرت المعارضة عن رغبتها في إقفال القاعدة الجوية اليابانية في الكويت التي تقوم بنقل الجنود والعتاد لقوات التحالف الدولي في العراق ، وانهاء مهمة قوات الدفاع الذاتي البحرية في المحيط الهندي التي تساند سفن قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة بتزويدها بالمياه والوقود ضمن العمليات العسكرية لمكافحة الإرهاب في أفغانستان ، في حين تحذر الحكومة بأنه إذا انسحبت اليابان من العمليات المشتركة ضد الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة فإن ذلك قد يقوض تحالف البلاد مع الولايات المتحدة .

 تعتزم الحكومة اليابانية بدء مساع لوضع استراتيجية جديدة لمهمة النقل الجوي التي تضطلع بها قوات دفاعها الذاتي الجوية في العراق باعتبار أن مهمة قوات الدفاع الذاتي الجوية يجب إنهاؤها قبل انتهاء مفعول قرار الأمم المتحدة الخاص بنشر قوات دولية في العراق في نهاية عام /2008 ، وتراقب الحكومة اليابانية عن كثب تحركات المجتمع الدولي قبل تقرير خطوتها القادمة وكيفية تطور الأحداث بعد تعيين الرئيس الجديد في الولايات المتحدة وانتهاء صلاحية قرار الأمم المتحدة ، ومن المتوقع أن اليابان ستطلق برنامجاً جديداً لمساعدة العراق إذا ما قررت سحب قوات الدفاع الذاتي الجوية التي تنطلق من الكويت.

المطلب الثالث: التغيرات السياسية في اليابان بعد تموز 2007

أولاً: فوز المعارضة وإنهيار نظام عام 1955:

لقد كانت الانتخابات النصفية لمجلس المستشارين في 29/تموز /2007 والتي شهدت فوزا ساحقا للمعارضة اليابانية المتمثلة بالحزب الديمقراطي الياباني DPJ ضربة قوية للمؤسسة السياسية اليابانية تجاوزت آثارها التحالف الحاكم وتعدته إلى أحزاب المعارضة والى البيروقراطية الراسخة في حكم اليابان ، وذلك ليس بسبب حجم الخسارة وانما بسبب نتائجها التي تمثلت بانهيار ما سمي  بنظام 1955 ( ORDER OF 1955 ) وهو النظام الذي ينسب لعام 1955 والذي يمثل تاريخ ولادة الحزب الليبرالي الديمقراطي الحاكم  LDP والذي نتج عن تحالف الحزب الديمقراطي والحزب الليبرالي وانفرد بحكم البلاد منذ ذلك وبقي الحزب الأكبر في المجلسين طيلة الفترة ما بين 1955 ـ 2007 . وكانت بالنتيجة بقاء التحالف بين حزب LDP  وحزب كومي الجديد NEW KOMEITO  على سدة الحكم ولم يعط المعارضة الاهتمام الجدير بها كمعارضة جادة ، إذ لم تتوقع المعارضة الحصول على هذا الكم الكبير من الاصوات لتصبح مشاركاً فعلياً في اتخاذ القرارات في البلاد وكذلك لم يضع التحالف الحاكم في حساباته فقدانه للاغلبية في البرلمان يوما ما .

الأغلبية التي باتت تتمتع بها احزاب المعارضة في مجلس المستشارين بقيادة الحزب الديمقراطي الياباني المعارض مكنتها من رفض مشاريع القوانين التي قدمتها الحكومة التي يقودها الائتلاف الحاكم بين LDP  وحزب كومي الجديد NEW KOMEITO ، ولكون الائتلاف الحاكم يتمتع بأغلبية الثلثين في مجلس النواب فقد تمكن من إعادة التصويت على المشاريع التي رفضها مجلس المستشارين وصوت عليها بأغلبية الثلثين التي تمكنه من نقض قرارات مجلس المستشارين ، وبهذه الطريقة فقط استطاع مجلس النواب من تمرير قانون مكافحة الارهاب .

 لقد أصبحت حالة عدم الاستقرار السياسي هي السمة المميزة لواقع العملية السياسية اليابانية حيث تعاقبت في اليابان حكومات أحياناً لم يتجاوز عمرها العام الواحد ولكن كل ذلك حصل في إطار نظام 1955 والذي يعني أن الحكومات تغيرت إلا أن الحزب الليبرالي الديمقراطي الحاكمLDP  تواجد في هرم السلطة عدا فترات قصيرة استطاعت خلالها الاحزاب الاخرى تولي زمام السلطة كما حصل مع حزب نيهون شين الذي حكم البلاد للفترة من آب 1993 ولغاية نيسان 1994 ثم الحزب الاجتماعي للفترة من نيسان 1994 ولغاية كانون الثاني 1998 وكانت رئاسة الوزراء منوطة بقيادات هذين الحزبين خلال تلك الفترة من تاريخ اليابان السياسي قبل ان يستعيد الحزب الليبرالي السلطة منذ ذلك الحين ولحد الآن .

إن المتغير الاخر من عدم الاستقرار يأتي من التغيرات الدولية ، ذلك إن عالم ما بعد 11 ايلول،  الذي رافقته أحداث غيرت اولويات السياسة العالمية وأحدثت استقطابا جديدا في الصراع العالمي وابرزت بوادر نظام عالمي جديد قائم على محاربة الإرهاب , ولعله من المهم ان نذكر ان اليابان في مرحلة الحرب الباردة لعبت دورا محوريا في احتواء الخطر الشيوعي وكانت بمثابة الخط الدفاعي الاول في المحيط الهادي الذي ضمن عدم امتداد الخطر الشيوعي باتجاه جنوب شرق آسيا ، ونجحت اليابان في تلك المهمة نجاحاً باهراً ، إذ قادت عملية تنموية كبيرة في المنطقة ، لتشكل حجر الزاوية في بناء إستراتيجية الوحدة الآسيوية التي يجرى الإعداد لها تدريجيا على غرار الاتحاد الأوروبي، ويمكن التثبت بسهولة من أن جميع دول النمور الآسيوية قد اقتب

ثانياً: مستقبل التطورات السياسية في اليابان

أ- مميزات الوضع السياسي الياباني :

تعاني العملية السياسية في اليابان من حالة الركود وعدم القدرة على المبادرة ، إذ تقوم المعارضة برفض مشاريع القوانين التي تتقدم بها الحكومة ، وبدا ذلك جلياً في الفترة الأخيرة في بعض القضايا المطروحة أمام البرلمان وهي:

(1)(رسم بياني يوضح نسبة شعبية الحكومة اليابانية  قبل وبعد انتخابات تموز 2007 للفترة من شهر حزيران 2006-ولغاية شباط 2008 -حكومة كويزومي للفترة من شهر حزيران ولغاية ىي2006 ، وأثناء حكومة شينزو آبي للفترة من شهر ايلول2006 ولغاية آي 2007 ، وللفترة من شهر أيلول 2007 ولغاية شباط 2008 اثناء حكومة ياسو فوكودا الحالية )

 1- قانون الموازنة للعام القادم:  تبدأ السنة المالية في اليابان في الأول من شهر نيسان من كل عام ويقوم البرلمان بإقرار الميزانية في موعد أقصاه آخر يوم من شهر شباط ، وبموجب الدستور الياباني تصبح الموازنة مشمولة قانونياً بالتمرير بعد مرور شهر من اقرارها من قبل مجلس النواب بغض النظر عن موقف مجلس المستشارين حسب المادة 60.

 2- القوانين التابعة للموازنة: هنالك العديد من القوانين التي تتعلق بالموازنة من حيث الموارد والنفقات ، هذه القوانين تعامل معاملة القوانين الاعتيادية وليس كقانون الموازنة ، ولذلك تستطيع المعارضة أن ترفض هذه القوانين وتضع الحكومة في موقف حرج ، فعلى سبيل المثال هنالك قانون الضرائب على وقود العجلات والذي انتهي العمل بموجبه في نهاية السنة المالية الحالية، وبموجب هذا القانون فرضت الحكومة ضريبة تعادل 25 ين على كل لتر من البنزين يباع في اليابان ، وتقدر المبالغ الاجمالية لهذه الضريبة بحوالي 1.7 تريليون ين سنوياً ، هذا بالاضافة الى الضرائب والرسوم التي تفرضها على العجلات في اليابان والتي تبلغ بالاضافة الى ضريبة الوقود مبلغاً قدره حوالي 6 تريليون ين في السنة ، هذه المبالغ مخصصة لاصلاح الطرق والجسور وبناء الجديد منها ، وجدير بالذكر أن الحكومة لا يحق لها استخدام هذه الاموال لأية اغراض اخرى .

لقد نشأت حول هذه الأموال مجموعة برلمانية قوية من الائتلاف الحاكم مرتبطة بالشركات العاملة في مجال الطرق والجسور وكذلك الادارات المحلية واستطاعت باستخدام نفوذها أن تبقي على القرار الذي يمنع الحكومة من استخدام هذه الاموال في غير المجال المخصص لها . لقد قام مجلس المستشارين برفض القوانين الخاصة بالموازنة ولذلك توقف العمل بنظام الضرائب على وقود العجلات مع نهاية السنة المالية في 31/3/2008 ، وبذلك إنتهي العمل بالضرائب اعتباراً من ذلك التأريخ ، ونتيجة لذلك  فقدت الادارات المحلية اعتباراً من تأريخ 1/4/2008 الكثير من الموارد المالية ، وعليه فقد قام الأئتلاف الحاكم بالتصويت على القوانين مرة اخرى مستغلاُ أغلبية الثلثين التي يتمتع بها في مجلس النواب وإعاد فرض الضرائب على وقود العجلات اعتباراً من 1/5/2008 ، والجدير ذكره أن الدستور الياباني يسمح بإقرار أي مشروع قانون إذا صوت عليه أغلبية الثلثين في تصويت ثان بمجلس النواب إذا لم يتم التصويت عليه في مجلس الشيوخ خلال 60 يوماً من تسلمه مشروع القانون حسب المادة 59، وتعد هذه المرة الأولى منذ 56 عاماً التي يسن فيها قانون بناء على تلك المادة الدستورية.

ب : التداعيات السياسية لخطوات الحكومة

ألقت الاحداث المتتابعة بسبب بعض الخطوات التي اتخذتها الحكومة  بضلالها على الحياة السياسية ومن أهمها  أولاً: قانون الضرائب على وقود العجلات .

 ثانياً:  أزمة معاشات التقاعد والضمان الاجتماعي ، حيث تعرضت وكالة التأمين الاجتماعي لانتقادات بسبب سوء تعاملها مع ملايين من سجلات المعاشات الخاصة بالمتقاعدين، بعد أن تم العثور على سجلات تتعلق بحوالي 50 مليون قضية معاشات غير محددة الهوية تعود الى عام 1987 وسجلات تعود الى فترات أقدم لم يتم إدخالها إلى نظام الحاسوب الجديد ، ومما يجدر ذكره أن أزمة معاشات التقاعد والضمان الاجتماعي تعتبر من الأسباب المهمة لخسارة الحزب الحاكم في الانتخابات النصفية لمجلس الشيوخ التي جرت في شهر تموز من عام 2007. ثالثاً: قضية البرنامج الصحي الجديد الذي أقرته الحكومة والذي يزيد من الأعباء المادية على المواطنين الكبار في السن الذي ينادي بإلغاء نظام الرعاية الطبية الجديد لكبار السن ، علماً بأن اليابان تعتبر الدولة الأولى على مستوى العالم في عدد المسنين .

أمام هذه التطورات إزداد الأستياء الشعبي بسبب شعور الناخب بعجز الحكومة وضعفها وبالنتيجة فأن شعبية حكومة رئيس الوزراء السيد فوكودا قد تدنت الى مستويات  قياسية وصلت الى 30%  مؤخراً حسب استطلاع للرأي أجرته صحيفة THE DAILY YOMIURI يوم 11/4/2008  . انظر الرسم البياني (1)

هذه  النسبه المتدنية أثارت مخاوف قيادات التحالف الحاكم خصوصاً الحزب الليبرالي الديمقراطي(  LDP) وجعلتها تعيد  النظر في حساباتها بالنسبة  لمستقبل السيد فوكودا وحكومته وضرورة احداث تغيير قيادي في وقت مبكر وبنفس الوقت فان هذه الارقام زادت من تطلعات المعارضة لاحتمالات نجاحها في  الانتخابات القادمة ، الأمر الذي جعلها تفكر في خيار تمرير تصويت في مجلس المستشارين الذي يسيطر عليه الحزب الديمقراطي الياباني المعارض بحجب الثقة عن رئيس الوزراء الحالي السيد فوكودا وهذا ما حصل فعلاً يوم 11/6/2008 .

  • رسم بياني ( الخط الأزرق ذو الدوائر يمثل تدني شعبية الحكومة منذ أيلول 2007 ولغاية نيسان 2007 حيث انخفضت النسبة من حوالي 53% الى 30% ، في حين يمثل الخط الأحمر ذو المربعات تصاعد نسبة المعترضين على سياسة الحكومة من حوالي 27% لتصل الى 59%)

 ان عملية حجب الثقة جعلت المشهد السياسي الياباني يواجه الاحتمالات التالية :

1- أهمال الموضوع من قبل السيد ياسو فوكودا باعتبار أن تمرير التصويت على حجب الثقة في مجلس المستشارين غير ملزم لان  الحكومة تنبع من مجلس النواب، ولكن التصويت بحجب الثقة في مجلس  المستشارين معناه أن رئيس الوزراء لا يمكن ان يحضر جلسات  اللجان  الخاصة  في مجلس  المستشارين وبالتالي فان العديد من القوانين التي يتم تمريرها من  قبل مجلس النواب لن  تناقش في مجلس المستشارين .

2- حل البرلمان : وهذا الاحتمال مستبعد خصوصاً مع  تدني شعبية الحكومة  ورئيسها ،  ذلك لان  حل  البرلمان في مثل هذه  الظروف يعني أن  الحزب  الحاكم سوف يفقد الاغلبية في البرلمان .

3- الاستقالة من رئاسة الحزب والحكومة، وفسح  المجال أمام قيادة أكثر شعبية تستطيع أن تواجة الحزب الديمقراطي الياباني المعارض في أنتخابات برلمانية مقبلة ، قد يضطر الحزب الحاكم لاجرائها أذا ما ارتفعت شعبية رئيس الحكومة الجديد ، وهذا هو الاحتمال الأقوى بعد تقديم رئيس الوزراء ياسو فوكودا استقالته يوم 2/9/2008.

ثالثاً: المصاعب التي تواجه المعارضة:

 بعد ظهور نتائج انتخابات مجلس المستشارين في تموز 2007 برز تساؤل جديد حول مدى إمكانية تحول المعارضة الى مواقع قيادية , وهل سيتمكن التحالف الحاكم من التكيف مع الواقع الجديد والانتقال من حالة الانفراد بالسلطة الى عقلية المشاركة مع الآخر في اتخاذ القرار ؟ الحقيقة التي يمكن استنتاجها من خلال الاشهر الاربعة التي تلت الانتخابات ان جواب كلا السؤالين هى “كلا” ، فلحد الآن لم يكتب لأحزاب المعارضة النجاح في استثمار الفوز في الانتخابات والحصول على مقاعد إضافية للوصول الى مرحلة استلام السلطة بينما فشل الحزب الحاكم في الانتقال الى مرحلة تقاسم السلطة مع احزاب المعارضة . السؤال هو إلى أين تسير المؤسسة السياسية اليابانية وما هي اولوياتها ؟.

 لقد أفرز الواقع السياسي الياباني صعوبة في الإجابة على التساؤلات المطروحة اعلاه ، ذلك أن الصورة ليست على درجة كافية من الوضوح حتى بالنسبة للقيادات على جهتي الحوار أي الحكومة والمعارضة ، لكن الواضح أن المرحلة القادمة قد تمتد الى ستة سنوات (مدة الخدمة في مجلس المستشارين هي 6 سنوات في حين المدة في مجلس النواب هي 4 سنوات) ، تتميز بعدم الاستقرار وربما تشهد المؤسسة السياسية الكثير من الهزات التي قد تؤدي بالسياسة اليابانية إلى الدخول في حالة الانكفاء على الذات . فليس من المتوقع ظهور مبادرات سياسية جريئة وليس من الوارد اتخاذ قرارات مهمة تعالج القضايا الحساسة والتحديات التي تواجه اليابان . أما إذا فازت المعارضة في الانتخابات القادمة فان ذلك سيفتح الباب امام سلسلة من المتغيرات في صفوف المعارضة ذاتها لكون الحزب الديمقراطي الياباني هو عبارة عن تحالف هش بين أجنحة غير متجانسة تمتد من أقصى اليمين الى اقصى اليسار، كما أن فوز هذا الحزب في الانتخابات القادمة قد يؤدي الى حصول انشقاق داخل هذا الحزب الى جناحين يميني ويساري ، وقد يلجأ الجناح اليميني للانضمام الى الحزب الليبرالي الديمقراطي الحاكم أو يشكل حزبا مستقلا متحالف مع الحزب الليبرالي الديمقراطي الحاكم اذا ماقدم الاخير مشروعا جيدا وقدم قيادات لها وزن سياسي كرئيس الوزراء السابق جونيشيرو كويزومي الذي يتمتع بشعبية واسعة في اوساط الحزب الديمقراطي المعارض .وعليه  فمن المتوقع أن الانتخابات سوف لن تحل الإشكالات القائمة ولن تعود باليابان الى نظام 1955 ولكنها مرشحة ان تعمق حالة اللاقرار او ان تكون نقطة الانطلاق الى ظهور نظام سياسي جديد يختلف عن النظام السابق يقوم على التوازن الحزبي بين ثلاثة احزاب كبيرة يتحالف فيها حزبين منهما ليشكلا هيكل الحكومة المتوقعة .

رابعاً: التحديات التي تواجه اليابان:

 مع احتمال دخول اليابان في مرحلة من الركود السياسي واللاقرار فمن المتوقع أنها ستواجه اخطاراً جمة وتهديدات داخلية وخارجية تستهدف اقتصادها ومكانتها الدولية التي ادركتها بشق الانفس بعد الخراب الذي لحق بها إبان الحرب العالمية الثانية ، كما يشير المحللون ان اليابان تواجه اخطاراً متنوعة منها ظهور الصين والهند كقوى اقتصادية وسياسية فاعلة اضحت تهدد مكانة اليابان في المحيط الآسيوي اضافة الى خطر المشروع النووي والصاروخي الكوري الشمالي الذي لا زال موجوداً رغم موافقة كوريا الشمالية على إنهاء برنامجها النووي ، هذا على الصعيد الخارجي أما على الصعيد الداخلي فان التغيرات الديموغرافية في المجتمع الياباني الناتج من الانخفاض التدريجي لعدد الولادات مقارنة بعدد الوفيات مما جعل هذا المجتمع من اكثر المجتمعات شيخوخة حيث استحوذت هذه المعضلة على اهتمام  كبير من قبل الحكومة ، كل هذه الاخطار تواجه صانع القرار الياباني الذي توجب عليه ايجاد حلول ناجعة لكل هذه التحديات .

لقد ثبت أن اليابان تواجه تحديات كبيرة أخرى لم يعرها المسؤولين اليابانيين أهمية تتناسب مع حجمها ، ولعل ابرزها عدم قدرة اليابان على لعب دور سياسي مؤثر في النظام العالمي ، رغم أن التحالف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة خصوصا في المجال الامني منح اليابان فرصة كبيرة لاعادة بناء اقتصادها من خلال توفير ميزانية الانفاق العسكري الذي يثقل كاهل الاقتصاد  لتعيش حالة من الاستقرار والامن لم تشهده العديد من دول العالم .

ولكن وبعد انهيار المعسكر الشيوعي ورفع الولايات المتحدة شعار الحرب على الارهاب ، واجهت اليابان أسئلة مهمة , ما هو دورها في المنظومة العالمية الجديدة ؟ وهل تعود اليابان لتصبح عملاقاً اقتصادياً ومركزاً سياسياً كما كانت في عقد التسعينات ؟ أم أن بامكانها أن تشارك بمساهمة فعالة في السياسة العالمية وتبرز من خلال لعب دور الحليف الآسيوي للولايات المتحدة وترسم لنفسها دورا مهما يمكن ان يمنحها حق الحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن،  ومع هذا التحدي وربما قبله برز تحدي اخر امام اليابان ألا وهو تحدي العولمة ، لأن العالم أصبح أكثر نشاطاً وترابطاً ، فالثورة المعلوماتية التي شهدها عالم الاتصالات والمواصلات كالانترنت وغيرها احدثت تغيرات جذرية في عوالم الاقتصاد والسياسة والديموغرافية البشرية ، ففي المجال الاقتصادي ازدادت المنافسة بين الشركات للاستفادة من العمالة الرخيصة حيثما كانت مما ادى الى بروز الصين والهند كقوى اقتصادية كبيرة وكان نتيجة ذلك ظهور مراكز قوى اقتصادية جديدة وتوسع رقعة الشركات العالمية ليتحقق وصف “العالمية” على الشركات متعددة الجنسية  مما دفع بعجلة حرية التجارة الى الامام .ولكي تثبت اليابان بانها قوة سياسية إضافة الى أنها قوة اقتصادية سارعت الى الدعم المالي السخي الذي تقدمت به للمشاركة في عملية اعادة الاعمار في العراق وكذلك قامت بتوفير الدعم اللوجستي المتمثل بتوفير الوقود والماء لسفن قوات التحالف في المحيط الهندي التي تقودها القوات الأمريكية المشاركة في الحرب على الارهاب في افغانستان ومساهمتها في الدعم المالي للحكومة الافغانية ، ولكي تستجيب للتحديات التي تفرضها العولمة ، كان لابد من إعادة هيكلية الاقتصاد الياباني وخصوصا في ما يتعلق بالنظام المالي والمصرفي وقطاع التأمين لكي تكون اكثر قربا من الانظمة العالمية المعمول بها وذلك لتضمن الشركات اليابانية التي تعتمد على التصدير تحقيق الانسيابية في العمل ، ومن هنا برزت اهمية الخصخصة التي شملت العديد من الشركات الحكومية الكبيرة والتي كان اهمها عملية خصخصة مؤسسة البريد اليابانية .

واليوم تقف اليابان على مفترق طرق وهي مطالبة باستحقاقات داخلية وخارجية على درجة كبيرة من الاهمية لانها تحدد دور اليابان في المجتمع الدولي ومن هنا تبرز أهمية تمرير قانون مكافحة الإرهاب والذي تقوم بموجبه قوات الدفاع الذاتي اليابانية بتوفير الوقود والماء لقوات التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة في حربها ضد القاعدة وطالبان في أفغانستان ، وهي الورقة التي راهنت عليها المعارضة بقيادة الحزب الديمقراطي الياباني المتمثلة في منع تمرير قانون مكافحة الارهاب لإثبات عجز التحالف الحاكم عن ادارة الحكم ومن ثم اجبار رئيس الوزراء على حل البرلمان والدعوة الى انتخابات مبكرة وهذا ما تريده المعارضة ، أما فيما يتعلق بالناخب الياباني فإنه وبالرغم من تصويته لصالح المعارضة في انتخابات تموز 2007 في مجلس المستشارين إلا أنه يرى أن المعارضة متصلبة بصورة غير مبررة وهي أي المعارضة غير مستعدة لتقديم الحد الادنى من التنازلات لكسر الجمود السياسي في البلد ، ولذلك يعتبر الناخب الياباني موقف المعارضة هذا كدليل على عدم امتلاك المعارضة المؤهلات القيادية وبالتالي فهي لا تستحق الحصول على الاغلبية في مقاعد مجلس النواب الذي يؤهلها حكم البلاد .

إن العملية السياسية في اليابان تدور حول محور واحد الا وهو محور الانتخابات البرلمانية القادمة والتي من المتوقع ان تجري في الربيع القادم أي بين شهري نيسان وحزيران من عام 2009 ، فبعد أن تم تمرير قانون مكافحة الارهاب وإقرار الموازنة المالية الجديدة التي بدأ العمل بها في الأول من شهر نيسان 2008 وهو الموعد المقرر لبدأ السنة المالية في اليابان فمن المتوقع أن تستعد المعارضة في التركيز على الانتخابات البرلمانية القادمة التي سيكون مستوى الشعبية التي تتمتع بها الحكومة عامل الفصل الرئيسي فيها ، وسيتحدد نجاح الحكومة في الانتخابات المقبلة وموافقتها لإجراء انتخابات مبكرة بمدى نجاحها في استثمار ارهاصات الجدل البرلماني حول قانون مكافحة الارهاب والموازنة المالية لصالحها من خلال إقناعها الناخب الياباني بعدم أهلية المعارضة للامساك بدفة الحكم في البلاد ، فمن المتوقع ان يخسر التحالف الحاكم الذي يتمتع الآن باغلبية مطلقة في مجلس النواب عدد من المقاعد دون فقدانه الاغلبية البسيطة ، وسيكون ذلك مدعاة لكلا الطرفين الادعاء باحراز الفوز في تلك الانتخابات  مما يعزز حالة اللاقرار في الواقع السياسي الياباني .

” widh=”20″ height=”20″>

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى