دراسات سياسيةنظرية العلاقات الدولية

قراءة في دور هيئة الأمم في تسوية المنازعات الدولية بالطرق السلمية

تمهيد:

منذ تأسيس هيئة الأمم المتحدة على أنقاض عصبة الأمم عام 1945 جعلت هذه المنظمة من حفظ السلم والأمن الدوليين وتحقيقه هدفا رئيسا لها وهذا ما تبلور بوضوح في الفقرة الأولى من المادة الأولى لميثاقها، خصوصا وقد عانت الإنسانية من ويلات حروب مدمرة أتت على الإنسان والعتاد والطبيعة والمعمار. ولما كانت التسوية السلمية للمنازعات وعدم استخدام القوة والتهديد بها، أو استخدامها أصبحت من الأمور المستقرة في فقه القانون الدولي العام، ومن المبادئ الأساسية الراسخة التي تحكم العلاقات الدولية، فإن اضطلاع المنظمات الدولية بتسوية المنازعات التي قد تحدث بين الدول المنخرطة في عضويتها أمر منطقي وضروري، بل يعد ذلك وظيفة جوهرية لعمل هذه المنظمات.

كما تتمحور فلسفة ميثاق الأمم المتحدة حول المحافظة على السلم والأمن الدوليين، حيث شكل هذا المبتغى هدفا رئيسيا لواضعي الميثاق وهو ما تبلور بالفعل في ديباجة الميثاق حيث تعاهدت شعوب الأمم المتحدة بأن تعمل على اتقاء الأجيال المقبلة من ويلات الحروب. ولقد احتل مجلس الأمن مكانة الريادة في نظام المحافظة على السلم والأمن الدوليين وذلك طبقا للمادة 24 من الميثاق وحتى يتمكن من تحقيق هذا الهدف خوله الميثاق مجموعة من الوسائل والسلطات سواء فيما يخص تكييف الحالات المهددة أو المخلة بالسلم والأمن الدولي أو اتخاذ ما يلزم من إجراأت مختلفة لردع الدول المعتدية، في حالة فشل الوسائل السلمية في حسم المشكل واحتواء الأزمة وتتنوع هذه الوسائل بدورها بين الضغوطات والعقوبات الاقتصادية والإعلامية والديبلوماسية والعسكرية. وضمن هذه الوسائل يحتل مجلس الأمن مكانة بارزة في هذا الصدد خولها له الميثاق الأممي بالنظر إلى القيمة القانونية لقراراته والحاسمة وكذا الدور الذي يحظى به في إقرار الحالات المهددة أو المخلة بالسلم والأمن الدوليين أو وقوع حالة العدوان، واحتكاره لوسائل استعمال القوة والإجراءات الزجرية الأخرى في مواجهة الدول المعتدية.

المبحث الاول : ميثاق الامم المتحدة والتسوية السلمية:

نظم الفصل السادس والسابع من ميثاق الأمم المتحدة الصلاحيات الممنوحة لمجلس الأمن من أجل حل المنازعات حلا سلميا حيث جاء في صدر الفصل السادس من الميثاق – في حل المنازعات حلا سلميا – وجاء الفصل السابع في الوسائل التي تتضمن قمع أعمال العدوان وما يهمنا في هذا الصدد هو دراسة الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة المتضمن صلاحيات مجلس الأمن في حل المنازعات الدولية حل سلمي.

الفصل السادس: في حل المنازعات حلاً سلمياً

نجد أن النصوص الواردة في الفصل السادس والسابع ربطت بين حفظ السلم والأمن في العالم وبين حل المنازعات الدولية بالطرق السلمية وذلك انطلاقا من ان مصدر معظم الحروب منازعات او مواقف يرفض اطرافها او بعضهم حلها سلميا او يعجز عن ذلك، فيلجأ كلاهما او أحدهما الى استعمال القوة، لذلك جاء في المادة (33) من الميثاق على الدول ان يلتمسوا حل اي نزاع بادىء ذي بدء بطريق المفاوضة والتحقيق وغيرها من الطرق السلمية وعرضها على المنظمات الدولية اذا كان استمراره يهدد الأمن والسلم الدوليين. (العفيف، 2008)

مما لاشك فيه ان تسوية المنازعات بين اعضاء الامم المتحدة عبر الوسائل السلمية تشكل احدى الركائز الاساسية لتحقيق السلم الدولي ، وتعتبر الامم المتحدة النموذج الرائد للمنظمات الدولية في مجال تسوية المنازعات الدولية عموما ومنازعات الخلافة من كافة جوانبها خصوصا، فقد اكدت المنظمة في المادة الثانية فقرة ثلاثة من ميثاقها على مبدأ التسوية السلمية للمنازعات الدولية بين اعضائها بالنص على ان ( يفض جميع اعضاء الهيئة منازعاتهم الدولية بالوسائل السلمية على وجه لا يجعل السلم والامن والعدل الدولي عرضة للخطر)، وقد اكد اعلان مانيلا على هذا المبدأ في المادة الثانية التي تنص على انه (تسوي كل دولة منازعاتها الدولية بالوسائل السلمية وحدها، على نحو لا يعرض للخطر السلم والأمن الدوليين والعدالة).

وقد فرض ميثاق الأمم المتحدة على الدول الأعضاء عرض كل نزاع أخفقت الدول في حله على مجلس الأمن ، ونصت المادة الثانية (فقرة 3) من ميثاق الأمم المتحدة على أنه يفض جميع أعضاء الهيئة منازعاتهم الدولية بالوسائل السلمية ، على وجه لا يجعل السلم والأمن والعدل الدولي عرضة للخطر.

وقد ربط الميثاق بين مبدأ فض المنازعات سلميا وحظر استخدام القوة نتيجة للاقتناع بان تحقيق السلم والامن الدولي امر لا يستقيم مع استخدام القوة في العلاقات الدولية، ومن اجل ذلك خصص الميثاق الفصل السادس منه لمسالة حل المنازعات حلا سلميا وحددت المادة 33 فقرة 1 الوسائل التي تلجأ اليها الدول عند التسوية.

المادة 33

يجب على أطراف أي نزاع من شأن استمراره أن يعرض حفظ السلم والأمن الدولي للخطر أن يلتمسوا حله بادئ ذي بدء بطريق المفاوضة والتحقيق والوساطة والتوفيق والتحكيم والتسوية القضائية، أو أن يلجأوا إلى الوكالات والتنظيمات الإقليمية أو غيرها من الوسائل السلمية التي يقع عليها اختيارها.

نجد أن النصوص الواردة ضمن الفصل السادس من الميثاق أستهلت في المادة 33 من الميثاق التي تشكل الإطار العام الذي يخول المنظمات الدولية ومن ضمنها الأمم المتحدة وخصوصا مجلس الأمن التصدي لحل المنازعات حل سلمي عندما يكون من شأن هذه المنازعات أن تعرض الأمن والسلم الدوليين للخطر.

فقد نصت المادة (33) من الميثاق “يجب على أطراف أي نزاع من شأن استمراره أن يعرض حفظ السلم والأمن الدوليين للخطر ان يلتمسوا حله بادىء ذي بدء بطرق المفاوضة والتحقق والوساطة والتوفيق والتحكيم والتسوية القضائية أو ان يلجأوا الى الوكالات والتنظيمات الإقليمية او غيرها من الوسائل السلمية التي يقع عليها اختيارهم”.

لم يذكر ميثاق الأمم المتحدة صراحة المساعي الحميدة، باعتبارها من الوسائل السلمية لتسوية المنازعات المذكورة في المادة (33) منه، غير أنها مشمولة ضمناً في هذه الوسائل بإضافة عبارة :” أو غيرها من الوسائل السلمية التي يقع عليها اختيارها (اسماعيل، 2010)” .

من خلال تحليل المادة 33 نصل الى مجموعة من النتائج والملاحظات ( .

  • إن نص المادة استخدم لفظ – على أطراف أي نزاع – دون أن يشترط أن يكون عضوا أو غير عضو وهذا ما يتمشى مع الفقرة (6) من المادة (2) التي تقضي بأن تسير الدول غير الأعضاء في الأمم المتحدة على مبادىء الميثاق بقدر ما تقتضيه ضرورة حفظ السلم والأمن الدوليين.
  • وهنا نلاحظ ان هذا الأمر ذاته أكدته المادة (35) على إعطاء الدول غير الأعضاء صلاحية وحق اللجوء الى مجلس الأمن لحل نزاعاتهم ضمن شروط، وبما أن المادة (33) من الميثاق تشكل الهيكل العام فكان لا بد أن يأتي النص بها عاما يشمل الدول الأعضاء وغير الأعضاء.
  • ماذا تعني عبارة بادىء ذي بدء المنصوص عليها في المادة (33). هل تعني أنه قبل اللجوء الى مجلس الأمن، أن يلجأ أطراف النزاع إلى الوسائل المنصوص عليها في المادة (33)، وسوف نتعرض للمناقشات التي دارت في مؤتمر سان فرانسيسكو حول هذه العباره: حيث طلب مندوب اثيوبيا حذف عبارة (First Of All) وفسر هذا الطلب بحيث يتمكن مجلس الأمن من التدخل بالنزاع حتى قبل اللجوء الى هذه الوسائل او اذا ظهر أن هذه الوسائل ليس من شأنها أن توجد حل سلمي للنزاع.

ولكن مندوب الولايات المتحدة الأمريكية جاء بتفسير آخر قال فيه: “أنه لمن المرغوب فيه جدا أن يحاول أطراف أي نزاع أن يحسموه بالطرق المعتادة للتسوية السلمية ومع ذلك فإن لم تكن هذه الوسائل ناجحة أو لايؤمل لها النجاح ثم حدث أي تهديد للسلم أو عمل من أعمال العدوان فليس لمجلس الأمن أن يتأخر ولكن عليه أن يتخذ التدابير اللازمة، وعلى المجلس أن يتدخل في أي نزاع يهدد السلم والأمن الدوليين ولكن ليس له أن يمتلك هذه الصلاحيات فيما يختص بكافة المنازعات ،إلا في حالة الضرورة “.

وأكد مندوب الولايات المتحدة أن لمجلس الأمن أن يتدخل إذا نشب موقف خطير حتى دون الحاجة الى انتظار إكمال الإجراءات التمهيدية.

ولكن نلاحظ في رأي مندوب الولايات المتحدة الأمريكية أنه يؤكد رأي مندوب اثيوبيا حيث لا بد من اعطاء مجلس الأمن صلاحية التدخل في المنازعات التي تهدد الأمن والسلم الدوليين للخطر دون انتظار استنفاذ الطرق السلمية المنصوص عليها في المادة (33)،

ونجد أنه في كثير من الأحيان ان ظروف النزاع لا تسمح لأطرافه  بإستنفاذ الطرق السلمية بحيث لا بد من الإسراع لحل هذا النزاع ولعل ما يؤيد ذلك المادة (34) التي اعطت لمجلس الأمن من تلقاء نفسه ان يفحص اي نزاع او موقف ويضع يده على النزاع و سنأتي الى تفصيلها فيما بعد.

ومن تحليل هذا الشق نجد أن بتفسير المادة (33) على ما هي عليه دون ربطها بالنصوص الأخرى للميثاق أن على أطراف النزاع اللجوء الى الوسائل السلمية أولا المنصوص عليها في المادة فإن فشلت يعرض الأمر على مجلس الأمن وهذا ما أبدته المادة (37) ف(1).

ولكن إذا نظرنا الى النصوص الواردة في الفصل السادس ككل فلا نجد فيها ما يحرم مجلس الأمن من التصدي للنزاع حتى ولو قبل اللجوء الى الوسائل السلمية مما يجعل عبارة بادىء ذي بدء الواردة في المادة (33) معطلة عندما لا يكون هناك إمكان لعرض النزاع وحله بالوسائل السلمية.

– هل هناك إلتزام بإستنفاذ كل الطرق المنصوص عليها في المادة المذكورة؟ عددت المادة (33) من الميثاق الوسائل التي تلجأ إليها الدول لحل النزاع سلميا فهل تلتزم الدول قبل عرض النزاع على مجلس الأمن أن تستنفذ هذه الطرق جميعا؟

مما لاشك فيه أن المنطق لا يقبل إستنفاذ الطرق جميعا حيث يكفي أن يلجأ أطراف النزاع الى وسيلة من الوسائل بحيث اذا فشلت هذه الوسائل فإنها تعرض الأمر على مجلس الأمن، وقد أورد الدكتور العبادي عدة نقاط تؤيد ذلك:

  • ان الوسيلة التي تعالج المنازعات هي محض اختيار الأطراف ولا يجمع بين الاختيار والاجبار على استنفاذ هذه الطرق.
  • ان هناك طرق متشابهة كالتوفيق والتحقيق مثلا فلا يتصور عقلا الجمع فيها حول ذات النزاع.
  • ان هناك منازعات قد يكون استمرارها فيه تهديد للأمن والسلم الدوليين حيث لو طلبنا استنفاذ هذه الطرق لتعرض الأمن والسلم الدوليين للخطر.

وما أورده أنا يؤيد هذا الأمر وذلك للنقاط التالية:

  1. ان الوسائل التي ورد ذكرها في المادة (33) هي ذكر على سبيل المثال وليس على سبيل الحصر وبالتالي نجد أن هذه الوسائل لا حصر لها بدليل نص المادة (33) التي جاء فيها:

 ” …او غيرها من الوسائل السلمية التي وقع عليها اختيارهم …” وطالما ان هذه الوسائل لا حصر لها فكيف نطلب استنفاذ الدول اطراف النزاع لها قبل اللجوء الى مجلس الأمن.

  1. من ناحية أخرى أن هناك العديد من المنازعات التي تأبى طبيعتها ان تحل حسب نوع الوسائل السلمية المذكورة في المادة (33) مثل المنازعات السياسية التي تأبى طبيعتها ان تحل بواسطة القضاء والتحكيم مثلا. أو بعض الطرق تتطلب موافقة أطراف النزاع للجوء إليها كالقضاء مثلا وقد لا يتوافر ذلك.

ومن هنا نخلص إلى انه يكفي ان تلجأ أطراف النزاع الى طريقة من الطرق الواردة في المادة (33) حتى يستطيعوا عرض الأمر على مجلس الأمن.

إعلان مانيلا وتسوية النزاعات بالطرق السلمية:

وفر اعلان مانيلا بشان تسوية المنازعات الدولية بالوسائل السلمية المعتمدة بموجب قرار الجمعية العامة للامم المتحدة 37/10 المؤرخ في 15/11/1982 اطارا جوهريا لمبدا التسوية السلمية اذ اكد على المبدا القائل بان على جميع الدول ان تسوي منازعاتها الدولية بالطرق السلمية على نحو لا يعرض للخطر السلم و الامن الدوليين و العدالة .

  • تفيد الدول الأعضاء إفادة تامة من أحكام ميثاق الأمم المتحدة، بما في ذلك الإجراءات والوسائل المنصوص عليها فيه، وخاصة في الفصل السادس، بشأن تسوية المنازعات بالوسائل السلمية.
    2- تفي الدول الأعضاء بحسن نية بالالتزامات التي تضطلع بها بموجب ميثاق الأمم المتحدة. وينبغي لها، وفقاً للميثاق وحسب الاقتضاء، أن تضع في الاعتبار على النحو الواجب توصيات مجلس الأمن المتصلة بتسوية المنازعات بالوسائل السلمية. وينبغي لها أيضاً، وفقاً للميثاق وحسب الاقتضاء، أن تضع في حسبانها على النحو الواجب التوصيات المعتمدة من جانب الجمعية العامة، رهناً بأحكام المادتين 11 و 12 من الميثاق في ميدان تسوية المنازعات بالوسائل السلمية.
  • تجدد الدول الأعضاء تأكيد الدور الهام الذي يسنده ميثاق الأمم المتحدة إلى الجمعية العامة في ميدان تسوية المنازعات بالوسائل السلمية وتشدد على ضرورة تمكينها من النهوض بمسئولياتها على نحو فعال. وعليه ينبغي لها:
  • أن تضع في الاعتبار أن للجمعية العامة أن تناقش أية حالة، أياً كان منشؤها، ترى من المحتمل أن تخل بالرفاه العام أو بالعلاقات الودية فيما بين الدول، وأن توصي، رهناً بالمادة 12 من الميثاق، بتدابير لتسويتها بالوسائل السلمية؛

ب- أن تنظر في اللجوء، عندما ترى ذلك مناسباً، إلى إمكانية توجيه انتباه الجمعية العامة إلى أي نزاع أو أي حالة قد يفضيان إلى احتكاك دولي أو يؤديان إلى نشوب نزاع؛

ج- أن تنظر في الاستعانة، من أجل تسوية منازعاتها بالوسائل السلمية، بالأجهزة الفرعية المنشأة من قبل الجمعية العامة في معرض أداء وظائفها بموجب الميثاق؛

د-أن تنظر، عندما تكون أطرافاً في نزاع سبق توجيه انتباه الجمعية العامة إليه، في اللجوء إلى مشاورات في إطار الجمعية العامة، بهدف تيسير نزاعها في وقت مبكر.

هـ-  ينبغي للدول الأعضاء أن تعزز الدور الرئيسي لمجلس الأمن كيما يستطيع الاضطلاع على نحو كامل وفعال بمسئولياته، وفقاً لميثاق الأمم المتحدة، في مجال تسوية المنازعات أو أية حالة يحتمل أن يعرض استمرارها صون السلم والأمن الدوليين للخطر. وتحقيقاً لهذه الغاية، ينبغي لها:

  • أن تكون على بينة كاملة من التزامها بأن تحيل إلى مجلس الأمن أي نزاع تكون أطرافاً فيه إذا أخفقت في تسويته بالوسائل المشار إليها في المادة 33 من الميثاق؛
    ب_ أن تزيد من الاستعانة بإمكانية توجيه انتباه مجلس الأمن إلى أي نزاع أو إلى أية حالة يمكن أن يفضيا إلى احتكاك دولي دون أن يؤديا إلى نشوب نزاع؛
    ج- أن تشجع مجلس الأمن على التوسع في استغلال الفرص التي ينص عليها الميثاق بغية استعراض المنازعات أو الحالات التي يحتمل أن يؤدي استمرارها إلى تعريض صون السلم والأمن الدوليين للخطر؛

د- أن تنظر في زيادة الاستعانة بما لمجلس الأمن من أهلية لتقصي الحقائق وفقاً للميثاق؛
هـ- أن تشجع مجلس الأمن على التوسع في الاستعانة بالأجهزة الفرعية المنشأة من قبله في معرض أدائه لمهامه بمقتضى الميثاق وذلك كوسيلة لتعزيز تسوية المنازعات بالوسائل السلمية؛
-و- أن تضع في اعتبارها أن لمجلس الأمن، في أية مرحلة من إحدى المنازعات الموصوفة في المادة 33 من الميثاق أو من حالة ذات طبيعة مماثلة، أن يوصي بإجراءات أو أساليب مناسبة للتسوية؛

المبحث الثاني: مجلس الامن الدولي

يعد مجلس الامن احد الاجهزة الرئيسة الذي يملك صلاحيات مهمة في الامم المتحدة، وقد جعل الميثاق من المجلس نائبا عن جميع اعضاء الامم المتحدة عند قيامه بواجباته والمتضمنة بشكل رئيس حفظ السلم والامن الدوليين .

ويختص مجلس الامن بتسوية النزاعات سلميا وفق الفصل السادس من الميثاق، والجهات التي يحق لها طلب تدخل مجلس الامن للنظر في النزاع هي الجمعية العامة والامين العام للامم المتحدة، واي دولة من الدول الاعضاء في الامم المتحدة بشأن موقف او نزاع معين، والدول غير الاعضاء بشرط ان تكون طرفا في النزاع وتقبل مقدما في خصوصه التزامات الحل السلمي المنصوص عليها في الميثاق، كما ان لمجلس الامن التدخل من تلقاء نفسه في أي نزاع او موقف في أي مرحلة كان عليها النزاع. (ابراهيم، 2012، ص215)

وقد تعرضت المواد الست الواردة في الفصل السادس من ميثاق الامم المتحدة لاختصاص مجلس الامن بحل المنازعات الدولية حلا سلميا، فبينت كيفية عرض النزاع على مجلس الامن وما يحق له اتخاذه بصدد النزاع من اجراءات بطريق التوصية لا القرار الملزم.

ويلاحظ ان المنازعات التي يختص مجلس الامن بالنظر في حلها وفقا لاحكام الفصل السادس من الميثاق هي المنازعات التي من شان استمرارها ان يعرض حفظ السلم والامن الدولي للخطر (المادة 33-1)، كما يلاحظ ان المجلس يمارس هذا الاختصاص اما من تلقاء نفسه او اذا طلب اليه ذلك ممن يملك تقديم الطلب.

والجهات التي يحق لها ان تطلب الى المجلس بحث نزاع معين هي: الجمعية العامة للامم المتحدة، الامين العام للامم المتحدة، الدول الاعضاء في الامم المتحدة سواء كانت طرفا في النزاع او لم تكن، الدول غير الاعضاء في الامم المتحدة بشرط ان تكون هذه الدولة طرفا في النزاع وان تقبل في خصوص هذا النزاع التزامات الحل السلمي المنصوص عليها في الميثاق.

ولا يترتب على تنبيه مجلس الامن بهذا النزاع ان يدرجه على جدول اعماله بالضرورة ، ويعتبر التصويت على قبول ادراج النزاع في جدول الاعمال مسالة اجرائية يكتفي في شانها توفر تسعة اصوات من المجلس ايا كانت.

ويتعين على مجلس الامن متى ادرج النزاع في جدول اعماله ان يدعو اطراف النزاع الى الاشتراك في المناقشات المتعلقة بهذا النزاع دون ان يكون لها حق التصويت، ومتى تم ادراج الموضوع في جدول الاعمال تعين على مجلس الامن ان يتأكد باديء ذي بديء من تمتعه بالصفة الدولية لانه من غير الجائز له نظر أي امر – وفقا لاحكام الفصل السادس- اذا ما كان هذا الامر داخلا في صميم الاختصاص الداخلي لدولة ما، وليس فيه ما يقتضي الاعضاء ان يعرضوا مثل هذه المسائل لان تحل بحكم هذا الميثاق.

ومتى تاكدت لمجلس الامن من ثبوت الصفة الدولية للنزاع ومن ان من شان استمراره ان يعرض حفظ اللم والامن الدولي للخطر ان يصدر في شانه توصية مضمونها واحد من الامور الثلاثة التالية:

  • دعوة اطراف النزاع الى تسويته باتباع أي من الطرق التقليدية المشار اليها في المادة 33-1 وهي المفاوضة او التحقيق او الوساطة او التوفيق او التحكيماو التسوية القضائية او الالتجاء الى احدى المنظمات الاقليمية (المادة 33-2)، ويكون لاطراف النزاع في هذه الحالة حرية اختيار الوسيلة التي يرون مناسبة الالتجاء اليها.
  • دعوة اطراف النواع الى اتباع طريق بعينه من طرق حل المنازعات الدولية سالفة الذكر المشار اليها في المادة 33-1، واشارت الى هذه السلطة من سلطات مجلس الامن المادة 36 في فقرتها الاولى بنصها على انه “لمجلس الامن في اية مرحلة من مراحل نزاع من النوع المشار اليه في المادة 33 او موقف شبيه به، ان يوصي بما يراه ملائما من الاجراءات وطرق التسوية”، ثم اضافت في فقرتها الثانية انه ” على مجلس الامن ان يراعي ما اتخذه المتنازعون من اجراءات سابقة لحل النزاع القائم بينهم”، كما اضافت في فقرتها الثالثة، انه ” على مجلس الامن وهو يقدم توصياته وفقا لهذه المادة ان يراعي ايضا ان المنازعات القانونية يجب على اطراف النزاع بصفة عامة ان يعرضوها على محكمة العدل الدولية وفقا لاحكام النظام الاساسي لهذه المحكمة”.
  • التوصية مباشرة بما يراه ملائما من شروط لحل النزاع ولا يلجأ المجلس الى مباشرة هذه السلطة شبه القضائية الا اذا تبين له ان استمرار هذا النزاع من شانه في الواقع ان يعرض للخطر حفظ السلم والامن الدولي (المادة 37-2).

هذا ولمجلس الامن اذا طلب اليه جميع المتنازعين ذلك ان يقدم اليهم توصياته بقصد حل النزاع حلا سلميا (المادة 38) وذلك سواء توافرت في النزاع الشروط السابق اليها او لم تتوافر. (عبد الحميد، 2000، ص113-116)

الطرق التي يتبعها المجلس بعد وضع يده على النزاع في حله:

عالجت المادة (36-37-38) وما بعدها الطرق التي يستطيع من خلالها مجلس الأمن ان يحل النزاع المهدد للأمن والسلم الدوليين:

المادة (36) من الميثاق

نصت المادة (36) من ميثاق الأمم المتحدة :

ـ لمجلس الأمن في أية مرحلة من مراحل النزاع من النوع المشار إليه في المادة (33) أو موقف شبيه به أن يوصي بما يراه ملائما من الإجراءات وطرق التسوية.

ـ على مجلس الأمن أن يراعي ما إتخذه المتنازعون من إجراءات سابقة لحل النزاع القائم بينهم.

ـ على مجلس الأمن وهو يقدم توصياته وفقا لهذه المادة أن يراعي أيضا أن المنازعات القانونية يجب على أطراف النزاع ( بصفة عامة ) أن يعرضوها على محكمة العدل الدولية وفقا للنظام الأساسي لهذه المحكمة . .

ومن الأمثلة على ذلك : أنه في قضية ميناء كورنو بين بريطانيا والبانيا وبعد عرض الأمر على مجلس الأمن ، أوصى مجلس الأمن بعرضه على محكمة العدل الدولية وكان ذلك في 9 إبريل عام 1947م. ومن هنا نجد أن مجلس الأمن رأى أن الوسيلة المناسبة هي إحالة الأمر الى محكمة العدل الدولية من أجل هذا النزاع.

القيد المفروض على المجلس

نجد أن المادة (36) عندما أعطت لمجلس الأمن صلاحية ان يصدر التوصيات التي يراها مناسبة في أي مرحلة من مراحل النزاع فإنها لم تطلق له العنان دائما وإنما وضعت عليه قيود بشأن النزاع هذه القيود فهي:
ـ لا بد أن يراعي مجلس الأمن الإجراءات السابقة التي اتخذتها الدول حيث أنه ليس من المقبول ان يصدر توصية للدول بإتباع طرق المفاوضة عندما تكون الدول لجأت إليه ولم تنجح أو يقترح عليهم اللجوء الى القضاء في الوقت الذي يتعلق فيه الأمر بمنازعة سياسية، وذلك لأن المجلس هنا هو الذي يقترح الوسيلة هذا على خلاف ما ورد في المادة (33) حيث أنه يترك لإرادة الأطراف أنفسهم اختيار الوسيلة المناسبة حسب رغباتهم.

ـ ان المنازعات القانونية دائما تدخل ضمن اختصاص محكمة العدل الدولية ولا يكون لمجلس الأمن أن يتصدى لها بأي حال من الأحوال إنما يوصي بإحالتها الى المحكمة وهذا من قبيل احترام الاختصاص بين أجهزة الأمم المتحدة.

من هنا نخلص إلى أنه في هذه الحالة يقرر مجلس الأمن الوسيلة الملائمة ويوصي بإتخاذها فهنا نجد أن صفة ما يصدر عن المجلس هو عبارة عن توصية وهذا يقودنا الى معرفة المقصود بالتوصية وتمييزها عن القرار.

 (التوصية) السلطة التي يملكها المجلس

إن العبارة الواردة في المادة (36) تشير الى صلاحية مجلس الأمن بإصدار توصيات، والتوصية عبارة عن اقتراح صادر عن منظمة دولية بغرض القيام بعمل او الامتناع عنه.

وبالتالي ما يملكه مجلس الأمن اذا استخدم المادة (36) هو اصدار توصيات وهنا الدول حرة في قبولها او رفضها ولكن عادةً عندما ترفض الدول التوصيات فإنما تورد مبررات وأسانيد قانونية لرفضها لأن الرفض المجرد يسبب لها إحراج سياسي.

هل يستطيع مجلس الأمن أن يصدر قرارات في هذا الصدد وليس مجرد توصية ؟

هناك من يرى ان صلاحيات مجلس الأمن في الفصل السادس يقتصر الأمر على إصدار توصيات دوناً عن القرارات حيث أن القرارات قاصرة على ما ورد في الفصل السابع من الميثاق. وتجدر الإشارة أن القرارات هي عبارة عن عمل صادر ضمن منظمة دولية ويترتب عليها آثارا قانونية ملزمة.

وهنا نجد أمام هذا الخلاف الفقهي حول صلاحية أو عدم صلاحية مجلس الأمن إصدار قرارات في إطار الفصل السادس أجابته محكمة العدل الدولية في قضية بناميبيا عام 1971. قررت فيه أن مجلس الأمن قادر على أن يخلع الصفة الملزمة على اية تصرف صادر منه يتعلق بحفظ السلم والأمن الدوليين.

وبناءً على ذلك نستطيع القول أن لمجلس الأمن إصدار قرارات بشأن حالة المادة (36) في أي مرحلة من مراحل النزاع طالما أن مجلس الأمن ذاته هو الذي يقرر مدى الحاجة الى اصدار قرار او توصية، بالتالي لا بد من اصدار قرارات عندما تكون هناك حاجة لذلك وإن لم يكن فيصدر توصية.
المطلب الثاني: المادة (37) من الميثاق .

نصت المادة (37) من ميثاق الأمم المتحدة

ـ “اذا أخفقت الدول التي يقوم بينها نزاع من النوع المشار إليه في المادة الثالثة والثلاثين في حله بالوسائل المبينة في تلك المادة وجب عليها أن تعرضه على مجلس الأمن.

ـ اذا رأى مجلس الأمن أن استمرار هذا النزاع من شأنه في الواقع أن يعرض للخطر حفظ السلم والأمن الدولي قرر ما اذا كان يقوم بعمل وفقا للمادة السادسة والثلاثين أو يوصي بما يراه ملائما من شروط حل النزاع”.
من خلال الرجوع الى نص المادة اعلاه نجد انها تلقي واجب على عاتق الدول أطراف النزاع بلزوم عرضه على مجلس الأمن، عدا الحالات التي يضع فيها مجلس الأمن يده من تلقاء نفسه على النزاع.
وبعد أن يتم رفع الأمر لمجلس الأمن من قبل أطراف النزاع ويصبح الأمر تحت يده ففي هذه الحالة نجد أن الالتزام الأول الملقى على عاتق مجلس الأمن هو أن يفحص النزاع ليرى اذا كان استمراره يهدد الأمن والسلم الدولي فإذا انتهى الى ذلك فماذا بإمكانه ان يتخذ:

ـ أن يعمد الى استخدام المادة (36) وبموجبها يوصي الدول كما ذكرنا بلزوم اتخاذ احدى الطرق السلمية لحل النزاع والاجراءات التي يراها ملائمة بحسب الأحوال بحيث يقدر مدى خطورة النزاع ويتخذ بشأنه ما يراه مناسبا. ونجد هنا أن صلاحية مجلس الأمن تقتصر على اصدار توصية كما ورد في المادة (36)، ولكن ان احتمال اصدار مجلس الأمن لقرار في مثل هذه الحالة يكون أكثر ورودا، والسبب في ذلك ان هذه المادة تفترض ان الدول فشلت في حل النزاع سلميا ولزم عليها عرض الأمر على مجلس الأمن وطالما ان النزاع يهدد السلم والأمن الدولي بالتالي يستطيع مجلس الأمن ان يصدر قرار وليس توصية لأن الأمر اشد خطورة مما هو وارد في المادة (36) حسب ما تم تفسيره في قرار محكمة العدل الدولية.

ـ الأمر الثاني أن المجلس يتخذ ما يراه ملائما من شروط لحل النزاع وهذا ايضا من خلال توصية ونجد ان الميثاق لم يحدد ما هي هذه الشروط وهذه الطريقة وبالتالي يترك لمجلس الأمن ذاته ان يتخذ ما يراه ملائما.
المادة (38) من الميثاق

نصت المادة (38) من ميثاق الأمم المتحدة

“لمجلس الأمن اذا طلب إليه جميع المتنازعين ذلك ان يقدم توصياته بقصد حل النزاع حلاً سلميا وذلك بدون اخلال بأحكام المواد من (33) الى (37(.

ونجد المادة(38)يمكن اللجوء لها إذا لم تتوفر حالات المادة(36),(37) بحسب التوضيح التالي:

أن المادة (36) تفترض أن يقوم مجلس الأمن بذاته في أي مرحلة من مراحل النزاع بالتصدي له والايصاء بما يراه مناسبا من الحلول حسب الأحوال وضمن القيود التي أشرنا إليها بينما في المادة (38) نجد أن مجلس الأمن لا يقوم بذلك من تلقاء نفسه وانما يقوم به بناء على طلب من الدول أطراف النزاع بذلك ونجد أن المادة (38) تحدثت عن النزاع فقط دوناً عن الموقف وهذا أمر منطقي حيث انه في الموقف والذي تضمنته المادة (36) يتدخل المجلس من نفسه.

ومن جهة اخرى ان المادة (37) تفترض ان الدول فشلت في الحلول السلمية وان النزاع يهدد السلم والأمن الدوليين فيما نجد ان المادة (38) لم تشترط ان تكون الدول مسبقا قد لجأت الى الحلول السلمية حسب المادة (33) وانما قد لا تكون لجأت لذلك ومع هذا تعرض الأمر على مجلس الأمن طالبة حل النزاع على ابعد من ذلك لم يرد في المادة (38) ان الأمر او النزاع يكون مهدد للأمن والسلم الدوليين حيث انه للدول أطراف النزاع ذلك حتى ولو لم يكن الأمر مهدد للأمن والسلم الدوليين لأنه لو كان كذلك لوجب عليه التدخل من تلقاء نفسه. (ابو ركبة، 2011)

المبحث الثالث : الجمعية العامة للأمم المتحدة:

تملك الجمعية العامة اختصاصا عاما في مناقشة أي مسألة او امر وان توصي بما تراه مناسبا وفقا للمادة 10 من الميثاق باستثناء ما اذا كان النزاع معروضا امام مجلس الامن حيث يمتنع عليها التقدم باي توصية في شان نزاع او موقف الا اذا طلب منها مجلس الامن ذلك منعا لحصول ازدواجية في الاختصاصات من قبل الجهازين وما قد ينجم عنه من حصول تعارض في القرارات المتخذة من قبلهما.

وتنظر الجمعية العامة في تسوية المنازعات بواسطة ما يرفعه اليها عضو من اعضاء الامم المتحدة او مجلس الامن او اية دولة ليست عضوا في المنظمة بشرط ان تكون طرفا في النزاع وتقبل مقدما التزامات الحل السلمي المنصوص عليها في الميثاق (وفقا للفقرة 2 من المادة 35)، وبسبب الولاية العامة للجمعية العامة فانها تستطيع النظر في المنازعات التالية والمساهمة في تسويتها وهي المنازعات المتعلقة بنزع السلاح الشامل او الجزئي وتنظيم التسليح، والمنازعات الدولية التي تهدد السلم والامن الدولي او التي لها صلة بهما، والمنازعات التي تضر بالرفاهية العامة للمجتمع الدولي او التي تعكر صفو العلاقات الدولية.

والمنازعات المتعلقة بخلافة الدول يمكن ادراجها ضمن المنازعات التي تعكر صفو العلاقات الدولية ومن الممكن ان ترقى الى مستوى المنازعات التي تهدد السلم والامن الدولي وخاصة ما يتعلق بصورة منازعات الحدود الناجمة عن خلافة الدول. (ابراهيم، 2012، ص213-215)

ورغم هذه الصعوبات نجد ان الميثاق اعطى الجمعية العامة صلاحية حل المنازعات حلا سلميا في عدة مواد من الميثاق وسوف نستعرض في هذا الفصل الى الوسائل والصلاحيات والسلطات التي تملكها الجمعية العامة لحل المنازعات حلا سلميا على ضوء دراستنا الحل في اطار مجلس الأمن.

 سبب اعطاء الجمعية العامة هذه الصلاحية:

أما عن سبب اعطاء الجمعية العامة هذه الصلاحيات يمكن القول أنه في كثير من الأحيان وبسبب استخدام الدول الكبرى حق النقض في مجلس الأمن قد يعطل ذلك الأمر حل المنازعات لذلك كان لابد من اعطاء الجمعية صلاحية التصدي للمنازعات التي تمس الأمن والسلم.

ومن جهة أخرى نجد ان الجمعية العامة تمثل رأي جميع دول الأعضاء، طالما أنها تضم ممثلين عنها مما يجعل قرارها او بالأصح توصياتها تمثل رأي أغلبية المجتمع الدولي ككل لذا كان لا بد من اعطائها هذه الصلاحية وتنظيمها.

كيفية رفع النزاع الى الجمعية العامة

نظمت المادة (11) الفقرة (2) من الميثاق الجهات التي ترفع النزاع الى الجمعية العامة:
اي عضو من اعضاء الأمم المتحدة وهو ذات ما نصت عليه المادة (35) حيث يعطى الحق لكل عضو في الأمم المتحدة ولو لم يكن طرفا في النزاع أن يرفع النزاع للجمعية العامة على اعتبار ان النزاع يهدد السلم والأمن الدوليين ويؤثر على مصالح الدول ككل.

مجلس الأمن وما آثاره بناء على تكليف مجلس الأمن فهو نتيجة لتنازله عن سلطاته إذ يحق له أن يحيل الى الجمعية العامة اية قضية بعد مباشرة النظر فيها ويطلب من الأمين العام ان يزود الجمعية بكافة المحاضر والوثائق المتعلقة بالموضوع.

تملك الدولة غير العضو في الأمم المتحدة والتي تكون طرفا في النزاع وترتضي اللجوء الى الجمعية العامة في هذا الصدد وذلك تطبيقا للمادة (35) من الميثاق. ويعتبر إثارة الأمر من الدول غير الأعضاء نتيجة حتمية ومنطقية للمادة (2) الفقرة (6) من الميثاق القائلة:

“تتخذ المنظمة ما يلزم من التدابير كما تعمل الدول غير الأعضاء وفقا لهذه المبادىء بقدر ما يقتضيه حفظ السلم والأمن الدوليين”. ويثور التساؤل حول امكانية نظر النزاع من قبل الجمعية العامة ذاتها وهنا نستطيع الإجابة بالإيجاب لأن المادة (10) من الميثاق أعطت للجمعية العامة مناقشة اية مسألة تدخل في نطاق الميثاق وله ضمن المسائل المتعلقة بحفظ الأمن والسلم الدوليين وبالتالي تستطيع الجمعية العامة التصدي للأمر من تلقاء نفسها ايضا.

ورغم أن الميثاق لم يتضمن نص حول إحالة الأمر من أطراف النزاع أنفسهم لأن هذا أمر منطقي فإن كانوا من الدول الأعضاء فلهم ذلك وان لم يكونوا اعضاء فلا بد من توافر المادة (35) من الميثاق حسب شروط الدول غير الأعضاء.

الأمين العام: اذا كانت سلطة الأمين العام المنصوص عليها في المادة (99) قاصرة على مجلس الأمن، فإن المادة (12) من اللائحة الداخلية للجمعية العامة التي تخول الأمين العام سلطة اعداد جدول الأعمال المؤقت للجمعية، كما تنص المادة (13) من اللائحة ذاتها على ان من بين المسائل التي يتعين على الأمين العام ادراجها في جدول الأعمال المؤقت، الأمور التي يرى هو ضرورة عرضها على الجمعية العامة، ولا شك أن من شأنه تطبيق هاتين المادتين مما يمنح الأمين العام سلطة عرض ما يرى عرضه من أمور على الجمعية العامة وهي سلطة ذات طابع سياسي(). وبالتالي نستطيع القول أن الأمين العام له صلاحية أدراج الأمر على جدول الجمعية العامة بما في ذلك النزاعات والمواقف وان لم يحصل ذلك في العمل.

التوصية في إتخاذ التدابير السلمية:

نصت المادة (14) من الميثاق “مع مراعاة المادة الثانية عشرة للجمعية العامة ان توصي بإتخاذ التدابير لتسوية اية موقف مهما يكن منشأه، تسوية سلمية متى رأت أن هذا الموقف قد يعز بالرفاهية العامة أو يعكر صفو العلاقات الودية بين الأمم ويدخل في ذلك المواقف الناشئة عن انتهاك احكام هذا الميثاق الموضحة لمقاصد الأمم المتحدة ومبادئها”.

من خلال استعراض نص المادة نجد أن الهدف من ورائها هو تمكين الجمعية العامة من المشاركة في تسوية بعض المواقف الدولية التي تجد الدول صعوبة في حلها والتي وان لم ترد في خطورتها الى مستوى تهديد الأمن والسلم الدوليين ولكن استمرارها يعكر صفو العلاقات الدولية الودية بين الدول.

* الصلاحية التي تملكها الجمعية العامة:

بموجب نص المادة نجد ان صلاحية الجمعية العامة تتمثل بإصدار التوصيات شأنها شأن صلاحيتها في المواد السابقة ولكن أجد الفرق ان المادة (14) حددت مضمون وموضوع التوصية، حيث أن التوصية تكون بإتخاذ التدابير السلمية التي تراها الجمعية العامة ملائمة، ومن هذه التدابير السلمية تستطيع الجمعية العامة ان توصي باتخاذ التحقيق او اجراء المفاوضات او المساعي الحميدة حسب الأحوال يرجع الأمر الى طبيعة كل موقف او نزاع ومدى تعكيره لصفو العلاقات الدولية.

وكما ذكرنا أن التوصية هنا هي توصية غير ملزمة يقتصر أثرها على الناحية الأدبية فقط وقد استخدمت الجمعية العامة هذا النص في القضية الفلسطينية عام 1947، وعام 1951 عندما قبلت شكوى يوغوسلافيا من قيام بعض الحركات المعادية على حدودها.

القيد المفروض على الجمعية العامة في ممارستها لصلاحياتها

بعد استعراض الصلاحيات الممنوحة للجمعية العامة من خلال النصوص السابقة نجد أن ممارسة الجمعية العامة لهذه الصلاحيات لا تكون مطلقة بل أن الميثاق وضع عليها قيد وارد في المادة (12) من الميثاق حيث نصت هذه المادة على:

1-عندما يباشر مجلس الأمن بصدد نزاع أو موقف ما،2. الوظائف التي وردت في هذا الميثاق فليس للجمعية العامة أن تقوم أية توصية في شأن هذا النزاع او الموقف الا اذا طلب منها مجلس الأمن ذلك.

2-. يحظر الأمين العام بموافقة مجلس الأمن – الجمعية العامة في كل دور من ادوار انعقادها بكل المسائل المتصلة بحفظ السلم والأمن الدولي التي تكون محل نظر مجلس الأمن، وكذلك يخطرها او يخطر اعضاء الأمم المتحدة اذا لم تكن الجمعية العامة في دور انعقادها بفراغ مجلس الأمن من نظر تلك المسائل وذلك بمجرد انتهائه منها”.

من خلال النظر في نص المادة أنه عندما يضع مجلس الأمن يده على نزاع او موقف ويتصدى لمعالجته فهنا يجب على الجمعية العامة أن لا تتعرض لهذا النزاع او الموقف من قريب او بعيد ولعل غاية الميثاق من ذلك حفظ السلم والأمن الدوليين أعطي أصلا لمجلس الأمن نظرا للصلاحيات الواسعة التي يتمتع بها ، ولم يعطي للجمعية العامة الإستثناء وبالتالي لا بد عندما يباشر الأصيل العمل أن يمتنع الفرع عن ذلك وبالتالي يحظر على الجمعية العامة ان تتعرض لهذا النزاع او الموقف. ويرتفع هذا الخطر عن الجمعية العامة اذا طلب منها مجلس الأمن إصدار هذه التوصية.

 

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى