دراسات اقتصادية

قراءة في قرار دونالد ترامب حول الرسوم الجمركية الجديدة

 إن ما تشهده التجارة العالمية مؤخرا من حرب تجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية و الإتحاد الأوروبي من جهة و كندا و المكسيك من جهة أخري تعد تطورا خطيرا علي صعيد العلاقات الدولية العالمية. إذ من المعروف أن التبادل التجاري يعد أهم عنصر في الإقتصاد العالمي و المبادلات التجارية العالمية بين الدول و الحلفاء و الشركاء الدائمين. كما أن هذه الإجراءات الجمركية لم تكن الأولي في العلاقات التجارية العالمية بين الولايات المتحدة الأمريكية و شركائها.

إذ منذ مطلع الثمانينات شهدت العلاقات الأمريكية التجارية مع اليابان توترا حادا خاصة حول التبادل التجاري في قطاع السيارات و ذلك في إطار نفس الموضوع الزيادة في نسبة الضرائب علي الواردات. إذ تسعي الولايات المتحدة الأمريكية دائما في فرض قيود جمركية لحماية قطاعها الصناعي المحلي من المنافسات الأجنبية و فرض إجراءات تحفيزية ذات نجاعة اقتصادية علي التجارة الداخلية مقابل التجارة الخارجية. كما يمثل التبادل التجاري الأمريكي مع الدول التي تجمعها علاقة اندماج في تكتلات أو فضاءات إقتصادية أهم مصدر لزيادة المداخيل المالية للخزينة العامة الأمريكية.

كذلك نذكر في نفس السياق تدهور العلاقات التجارية الأمريكية مع بعض الدول الغربية سنة 2002 و ذلك أيضا حول الضرائب علي واردات الفولاذ و هذا يعود للسياسة الحمائية التي تتبعها السياسة التجارية قصد زيادة مداخيل المالية العمومية من العوائد التجارية. إذ بلغت آنذاك الضريبة علي واردات الفولاذ نسبة 30% في عهد الرئيس السابق جورج ولكر بوش. إلا أن العواقب كانت وخيمة حيث غيرت بعض الدول وجهة وارداتها من الولايات المتحدة الأمريكية نحو دول أخري تتوفر فيها تسهيلات جمركية و حوافز مالية و صفقات ربحية و أسواق تجارية مغرية خاصة منها الإفريقية.

أما التطور الجديد علي الساحة العالمية كان قرار دونالد ترامب مؤخرا حول فرض قيود علي الرسوم الجمركية أكثر صرامة. إذ تم فرض نسبة 25% ضريبة علي واردات الفولاذ و 10% ضريبة جديدة علي واردات الألمنيوم و ذلك قصد زيادة الربح الجبائي من التجارة العالمية. إذ للتذكير بإتفاقية التجارة الحرة لدول شمال القارة الأمريكية التي أبرمت بالأساس لرفع القيود الجمركية و تسهيل عملية الحركية و تبادل البضائع بين البلدان المندمجة في هذا الفضاء التجاري الموحد قصد رفع نسق التبادل التجاري و تحفيز الإستثمار في التجارة العالمية خاصة في مجال المواد الأولية مثل الصلب و الحديد كالفولاذ و الألمنيوم. إلا أن القرار الأخير لرجل الأعمال الأمريكي ترامب جاء لينسف هذه الإتفاقية و يضع الدول الشريكة أمام الأمر الواقع, إما أن تدفع أكثر أو لا مبيعات. فهذا القرار جاء مخالفا لجميع الإلتزامات التجارية السابقة للولايات المتحدة الأمريكية التي هي ملزمة بتعهد اتفاقية إندماج تجاري حر لا يفرض قيود و إنما يسهل عملية التبادل التجاري. إن أطماع زيادة الأرباح من صادرات الولايات المتحدة من الفولاذ و الألمنيوم سيعقد الأمور علي الدول المستوردة مثل الإتحاد الأوروبي و كندا و المكسيك التي لا تتحمل عبء إضافي الذي سيثقل فاتورة مدفوعاتها و بالتالي يخلق عجز تجاري محلي. إذ في هذا الإطار سارعت بعض الدول في إيجاد طرق لردع قرار ترامب من خلال فرض عقوبات تجارية جديدة مثل كندا التي ألغت صفقة تقدر بما يقارب 16 مليون دولار من واردات الخمور الفاخرة و بعض المواد الإستهلاكية المتأتية من الولايات المتحدة الأمريكية. أما الإتحاد الأوروبي فهو في إجتماع وزاري متواصل خاصة من قبل وزراء المالية و الإقتصاد و أيضا البرلمان الأوروبي قصد معاقبة الولايات المتحدة عن هذا القرار الأخير من جانب واحد حول الرسوم الجمركية الجديدة.

إن التجارة العالمية ملزمة بالاتفاقيات و التعهدات العالمية التي ينظمها القانون الدولي طبقا لبنود منظمة التجارة العالمية و كل مخالفة في إحدي بنود كل إتفاقية اندماج في فضاء تجاري حر يلزم المتضرر بتعويضات مادية. إلا أن الولايات المتحدة اختارت نهج الحمائية للإنتاج المحلي بفرض قيود جمركية عبر الرفع في نسبة الضرائب علي الواردات لجني أرباح مالية أكبر و فرض القوة الأمريكية علي المبادلات التجارية. بالتالي هنا سيعقد الأمور حول تسهيل عملية الواردات خاصة في إطار الإتحاد الجمركي المشترك و ذلك بتقليص نسبة الإستيراد أو البحث عن أسواق جديدة تبيع بأسعار تفاضلية و بأقل قيود جمركية و هي بالأساس بعض الدول الأفريقية.

إن دونالد ترامب يعد من أبرز رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية تهورا في إتخاذ قرارات غريبة و صارمة تخالف جميع المبادئ و التعهدات و الاتفاقيات الدولية و تضرب بعرض الحائط جميع الالتزامات الإقتصادية, التجارية و السياسية مع جميع الدول و الحلفاء و الأصدقاء نذكر منها خاصة قرار إعلان القدس عاصمة إسرائيل, نقل السفارة الأمريكية إلي القدس, الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني و أخيرا الانسحاب من الاتفاقيات التجارية لدول شمال أمريكا و مع الإتحاد الأوروبي و فرض قيود و رسوم جمركية جديدة أكثر صرامة.

فؤاد الصباغ باحث اقتصادي دولي

يعد هذا الحدث البارزعلي الساحة االعالمية الإقتصادية و الذي يشهد حاليا جدال و نقاش حاد داخل البرلمان الأوروبي خاصة من جانب فرنسا و ألمانيا و أمريكا الشمالية كندا و المكسيك.

 

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى