اصدارات الكتبدراسات سياسية

كتاب الديمقراطية العربية في ضوء مناهج التحليل السياسي المقارن

هل ساومت القوى الثورية على الديمقراطية؟

استوكهولم (السويد): فاخر جاسم

منذ صور كتابه الأول «المفاهيم السياسية المعاصرة ودول العالم الثالث» عام 1987، يواصل الباحث الدكتور سويم العزي، دراساته عن البنية السياسية – الاجتماعية في البلدان العربية.وفي كتابه الجديد الذي صدر مؤخرا بعنوان «الديمقراطية العربية في ضوء مناهج التحليل السياسي المقارن» يحاول دراسة أسباب عدم تمكن الشعوب العربية التي شهدت انتفاضات شعبية واسعة خلال الفترة الأخيرة من إقامة ديمقراطية حقيقية تستجيب لمطامح شعوبها في الحرية وإنهاء الاستبداد والمساواة والعدالة الاجتماعية، حيث استطاعت الأحزاب التقليدية المتمثلة في تيار الإسلام السياسي والمتحالفين معها، من قطف ثمار الاحتجاجات لصالح مشروعها السياسي، في حين ضلت فئات الشباب التي فجرت الاحتجاجات وقادتها، تخوض السجال السياسي حول من هو الأفضل «الفلول أو الإخوان»، كما حصل في مصر خلال فترة انتخابات الرئاسة.

يشير الباحث إلى أن الهدف من دراسته هو تعليل أسباب فشل محاولات تطبيق نموذج الديمقراطية الليبرالية الجديدة في بعض البلدان العربية الذي بدا الترويج له من قبل كثير من المفكرين الغربيين، خاصة في الولايات المتحدة، في عصر القطبية الواحدة، حيث أدى التطبيق العملي لوصفة الديمقراطية، في الكثير من البلدان العربية في بداية تسعينات القرن الماضي، مصر، المغرب، تونس، الأردن، واليمن، إلى صعود نخب سياسية – اجتماعية تتحكم بالسلطة والثروة، أقامت شراكة استراتيجية مع قوى العولمة الخارجية، بسبب ضعف قاعدتها الاجتماعية في أوطانها، الأمر الذي عمق من نهب ثروات هذه البلدان واتساع الفقر والحرمان الاجتماعي بين أغلبية الفئات الاجتماعية، وانتشار مظاهر الفساد المالي والإداري في مؤسسات الدولة، إضافة إلى تحكم الاستبداد السياسي في العلاقة بين الدولة والمواطنين. لقد أدت هذه الحالة إلى تنامي مشاعر اليأس والإحباط لدى أعداد واسعة من السكان، خاصة فئات الشباب، مما دفعتهم للاشتراك بفعالية بالنشاط السياسي والاجتماعي، وشكلت الدافع الأساس للاحتجاجات الشعبية الراهنة «للربيع العربي».

تناول الباحث مواضيعه في خمسة مباحث، ركزت على تحليل، محاولات تطبيق الديمقراطية وأسباب عجز آليات الديمقراطية العربية عن إنتاج أنظمة سياسية مستقرة اجتماعيا وسياسيا. ففي المبحث الأول، ركز الباحث على ماهية الديمقراطية، وأشار إلى فكرة مهمة تتعلق بعدم قبول القوى السياسية العربية، لفكرة المساومة، الأمر الذي أدى إلى استمرار حالة العنف حتى في مرحلة ما بعد التغيير الذي حصل في بعض المجتمعات العربية، الأمر الذي عرقل تغيير البنية الاجتماعية نحو آفاق تقدمية، وهذا ما أكدته تجارب بعض الشعوب العربية الذي شهدت «ثورات» في بداية النصف الثاني من القرن الماضي، مصر 1952، العراق 1958، سوريا واليمن 1963 وحتى الجزائر بعد تحقيق الاستقلال. ويرجع الباحث أسباب رفض المساومة، إلى استمرار سيطرة العواطف على العقلانية لدى أطراف التغيير (ص 8 – 9).

المبحث الثاني، تناول مناهج التحليل السياسي المقارن للديمقراطية، التي يحصرها في أربعة مناهج (الاقتصادي، الثقافي، المؤسساتي والاستراتيجي) ويتوصل من خلال استعراضه لهذه المناهج إلى ضرورة توفر بيئة سياسية – اجتماعية لنجاح مساعي إقامة أنظمة ديمقراطية حقيقية، بهدف التقليل من التأثير السلبي للاستمرارية التاريخية للمؤسسات القديمة على التحول نحو الديمقراطية (ص 40). إن هذا الاستنتاج يفسر فشل إقامة ديمقراطية حقيقة في البلدان العربية التي تخلصت من الأنظمة الشمولية نتيجة الاحتجاجات والانتفاضات الشعبية الواسعة التي حدثت مؤخرا.

وفي المبحث الثالث ناقش الباحث، مفهومي الديمقراطية الليبرالي والديمقراطية غير الليبرالية، مشيرا إلى أن الفرق الرئيسي بين المفهومين هو أن تطبيق الديمقراطية الليبرالية يهدف أولا إلى رفع المستوى المعاشي للمواطنين، وثانيا: زيادة مستوى التعليم والثقافة في المجتمع، وثالثا: توفير الفرص لممارسة الحريات السياسية والحقوق (ص 75). أما الديمقراطية غير الليبرالية فإنها «أسلوب في التحايل السياسي يستجيب إلى ظروف التأثير والضغط الخارجي في تعديل وتغيير الأسلوب القديم الاستبدادي لإدارة الحكم من خلال الأخذ بالديمقراطية الانتخابية كوسيلة في إدارة الحكم والحصول على الشرعية» (ص 78).

فالديمقراطية لا تقام وفق الإرادة والرغبة، بل لا بد من توفر مستلزمات لها علاقة مباشرة بمستوى تطور المجتمع ووعي أفراده بالحاجة للديمقراطية كآلية تنظم العلاقة بين الدولة والأفراد وبين بعضهم البعض.

وتناول الباحث الآليات الضامنة لعمل الديمقراطية، في المبحث الرابع، كحكم القانون والفعالية السياسية للمواطن، الثقافة السياسية في المجتمع، ودور المواطن السياسي. ومن خلال توفر هذه الضمانات يستطيع الفرد التمتع بحقوقه المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية ويقوم بواجباته، باعتباره يتمتع بحق المواطنة الكاملة في مجتمعه.

وناقش الباحث في المبحث الخامس، الأفكار الغربية التي تزعم أن الثقافة العربية التي يحتل الوعي الديني محورها، تعرقل قيام ديمقراطية حقيقية، ويرى الباحث أن هذه الأفكار لا تأخذ بنظر الاعتبار التباين بين الثقافتين الغربية والإسلامية – العربية، إضافة إلى أن الديمقراطية الغربية الحديثة، واجهت صعوبات كبيرة في بداية تطبيقها ومرت بمراحل تطور كثيرة، قبل أن تصل إلى صيغتها الراهنة. ويعطي الباحث أهمية كبيرة إلى عقلية الفرد العربي التي تخاف من تجاوز التقاليد، مما يدفعه إلى التمنع عن قبول الأفكار الجديدة التي يكون مصدرها خارج بيئته الثقافية، كما أن تشويه السلطات الاستعمارية، للمفاهيم السياسية الحديثة، كالدستور والبرلمان والانتخابات، أدى إلى تشكيك المواطن العادي، بمصداقية المفاهيم لأن تطبيقها، في الواقع، أدى إلى سيطرة نخب سياسية على السلطة، تدافع عن مصالح السلطات الأجنبية أكثر من مصالح شعوبها.

إجمالا، أرى أن الكتاب يشكل إضافة جديدة للدراسات التي تبحث عن معوقات الديمقراطية في البلدان العربية، وهو مفيد للباحثين وللسياسيين والطلاب الذين يدرسون العلوم السياسية، وكذلك المواطن العادي للاعتبارات التالية:

1 – محاولة لمتابعة أفكار منظري الليبرالية الجديدة عن الديمقراطية وتطبيقها في عدد من البلدان العربية، مصر، المغرب، تونس الأردن واليمن، بعد انهيار المنظومة الاشتراكية.

2 – الاعتماد على المصادر الأصلية، حيث قام الباحث بالترجمة الشخصية لأفكار الباحثين الغربيين عن تطور مفهوم الديمقراطية في عصر العولمة ومدى ملاءمتها للتطبيق في البيئة العربية – الإسلامية.

3 – استخدام منهاج متعددة للتحليل السياسي، جامعا بين علم النفس والاجتماع والسياسية في توليفه يجتهد فيها لتقديم ما هو جديد في تحليل البنية السياسية – الاجتماعية في البلدان العربية ومدى قدرتها على قبول ظاهرة الديمقراطية كطريقة للحياة وليس نظاما سياسيا فقط.

وأخيرا، هناك ملاحظة لا بد من الإشارة إليها، تتعلق باستعراض أفكار الباحثين الغربيين عن الديمقراطية وكأنها نظريات صالحة للتطبيق في البلدان العربية، الأمر الذي يجعل بعض المفاهيم السياسية الواردة في الكتاب غريبة عن البيئة السياسية – الاجتماعية التي يحللها الباحث، مما يجعل أفكاره تحلق بعيدا في عالم التجريد وليس الواقع.

 

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى