اصدارات الكتب

كتاب صعود الإسلام السياسيي في تركيا

يتناول كتاب «صعود الإسلام السياسي في تركيا»، لمؤلفيه أنجيل راباسا واف وستيفن لارابي، في ستَّة فصول، المشهد السياسي – الديني في تركيا، والعلاقة بين الدولة والدين. ومدى تغير التوازن بين القوى العلمانية والدينية – النخبة الكمالية والفئات الاجتماعية الجديدة الصاعدة – خلال العقد الماضي.

حيث تشهد العلمانية التركية على الطراز الكمالي، تطوراً تدريجياً بضغط من جدال فكري كوزموبوليتاني. ذلك أنَّ الممارسة الشخصية للدين تحظى بقبول أوسع هذه الأيام حتى داخل الدوائر العلمانية، وبلا شك يريد العلمانيون تقليص دور الدين في السياسة التركية، بيد أنَّ الارتباط الآلي بين التديُّن والنظر إلى الشرق الأوسط على أنَّه متخلِّف هو الآن أقل انتشاراً.

وينظر كثير من أبناء الطبقة الوسطى الحضرية العلمانية في تركيا، حسب الكتاب، إلى مقتضيات التأثير الإسلامي من خلال منظار (أسلوب الحياة)، على حين نجد الاهتمام بالإسلام السياسي في ذاته أو الاندفاع الاستراتيجي نحو «الشرق» أكثر انتشاراً بين المثقفين ونُخب رجال الأعمال والطبقة السياسية العلمانية.

“بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وإعلان الحرب الأمريكيّة على ما سُمّي بـ””الإرهاب””؛ تنامت الموجة العدائيّة للولايات المتحدة. وقد تسبب ذلك الوضع في اضطراب وتخبُّط السياسات الأمريكية لعدة سنوات؛ خصوصًا بعد اكتشافها مدى ترهُّل “”الحُلفاء”” القدامى، ومن ثمّ؛ بدأت رحلة البحث عن حُلفاء جُدد، أكثر شبابًا وأوفر قُدرة.
تزامن ذلك مع صعود حزب العدالة والتنمية في تركيا، والذي كان الغرب يرقُبه بدهشة لا تخلو من إعجاب، بل وتشجيعٍ بدأ على استحياء وانتهى علنيًّا. كان أردوغان وصحبه العامل الحاسم الذي أعاد تشكيل الإستراتيجيّة الأمريكيّة في الشرق الأوسط. فقد حققوا الإجماع الشعبي اللازم لدعم مشروعاتهم العلمانيّة ذات الطبيعة “”المحافظة”” في بلد ذي أغلبيّة مسلمة، وازداد اندماجُهم

وهنا يجب الأخذ بالاعتبار أنَّ تركيا لا تزال مكاناً للاختلافات الثقافية والطبقية والإقليمية الحادة. وهذه التوترات الباقية على حالها، جزء من المشهد التركي السياسي المعاصر. ويمكن، إلى حد كبير، تفسير النجاح الذي حظي به حزب العدالة والتنمية بالطريقة التي التقطت بها الحركةُ نغمة السخط الشعبي التركي على النخب السياسية الراسخة.

ويشير المؤلِّفان في سياق بحثهما هذا إلى الأكراد الذين يشكِّلون (خُمس) السكان، إذ يبينان أنه ورغم اتجاه حزب العمال الكردستاني وغيره من الحركات الانفصالية الكردية ناحية اليسار العلماني، فإنَّ التطرف الديني لدى أكراد تركيا لم يجد انسجاماً في أحضان القومية الكردستانية. كما يعتبران أنَّ الطُرق الصوفية لعبت، ولا تزال، دوراً ناشطاً في ميدان السياسة..

وفي تركيا أكثر من عشرين جماعة نقشبندية يتزعَّم كلاً منها شيخٌ نافذ الكلمة لا معقب له. ويُعد النقشبنديون أساس الإسلام السياسي في تركيا. وسهَّلت اللبرلة الاقتصادية والسياسية أثناء إدارة (توركوت أوزال)، ظهور «سوق دينية» في تركيا، طبقاً لما يقوله المؤلفان، فنشط تكاثر مدارس الأئمة – الخطباء – الإسلامية في حقبة أوزال.

وكانت هذه المدارس قد تأسَّست في خمسينيات القرن المنصرم، كمدارس لتخريج موظفين دينيين مؤهلين. وأثارت المدارس كثيراً من الجدل الذي حُسم مع نهاية حكومة الرفاه. من جانب آخر، يعتبر الباحثان، في إشارة إلى الجاليات التركية في أوروبا، أنَّها لعبت دوراً في تخليق الإسلام السياسي التركي، وأنَّ كثيراً من حركاتها هي الأشد تطرفاً، ذلك أنَّ المهاجرين الأتراك في أوروبا أكثر تديناً ومحافظة.

ورغم سيطرة «الكمالية».. ونخبها العلمانية على الدولة. فإنَّ الدين أبعد عن الحياة العامة وأُلحق بالدولة، وهذا ما خلق نوعاً من «الثورة المضادة» الدينية خارج المُدن – في الأرياف، وصارت الشبكات والجماعات الدينية، كالطريقة النقشبندية وحركة نورلولوك، لوناً من المجال الجماهيري المُضاد، وحضناً لهوية إسلامية أكثر جماهيرية. وظلَّ الإسلام، كما يقول هاكن يفوز، الهوية الخفية للدولة الكمالية. إضافة إلى أنَّه وفَّر التعبير الشعبي للأغلبية المستبعدة من عملية التحول الآتي من أعلى.

وكان إنشاء النظام المتعدد الأحزاب عام 1946 نقطة تحول في ظهور الإسلام السياسي في تركيا، فمع تأسيس هذا النظام فَقَدَ حزب الشعب الجمهوري – وهو الحزب الذي يمثِّل الكمالية – احتكاره للسلطة.

ومن ثمَّ أُجبرت الأحزاب على التنافس من أجل السلطة، وأصبح الإسلام عاملاً مهماً في جذب أصوات الناخبين. وشكَّل المحيط الخارجي الريفي المتديِّن الذي كان مستبعداً على نطاق واسع من الساحة السياسية منذ إنشاء الجمهورية، جمهوراً انتخابياً مهماً لابدَّ من أخذ مصالحه في الاعتبار من جانب الأحزاب السياسية المحافظة.

وفي الوقت نفسه وسَّع دستور 1961 نطاق حرية الجمعيات الذي أدَّى إلى تكاثر الجماعات المستقلة ذاتياً بما في ذلك الجماعات الدينية. فانتشرت المنظمات التي عادت إلى الظهور في ستينيات القرن الماضي انتشاراً واسعاً في سبعينياته، فأنشأت القوى الدينية حزبها الخصوصي المستقل، وهو حزب النظام الوطني، أوَّل حلقة في سلسلة من الأحزاب الدينية التي أُسِّست تحت قيادة نجم الدين أربكان.

ومَّما يبعث على السخرية بحسب المؤلفيْن، أنَّ العسكر أسهموا في تقوية الإسلام السياسي في تركيا. وساهمت الإصلاحات التي تحقَّقت في عهد رئيس الوزراء تورجوت أوزال منتصف الثمانينات من القرن الفائت في تقوية دور الجماعات الإسلامية. كما نتج عن إصلاحات أوزال تدفق رؤوس أموال كثيرة، ما سمحَ للإسلاميين بتنظيم أنفسهم سياسياً، وبوصولهم إلى أجهزة الإعلام، الأمر الذي أعطاهم فرصاً لنشر رسالتهم. ففي انتخابات 1994 حصل حزب الرفاه على 19% من أصوات الناخبين، وتولى بعدها أربكان رئاسة الوزارة: حزب إسلامي ورئيس وزراء كذلك!

فَصُدِمَ العسكر. وقدموا في 28 فبراير 1997 باسم مجلس الأمن القومي الذي يسيطرون عليه، قائمة توصيات لأربكان لوقف النشاط المعادي للعلمانية، ولمَّا لم ينفِّذ توصياتهم أجبروه على تقديم استقالته، ومنعوا حزبه، ومُنع ورجاله من مزاولة السياسة.

ليصعد بعد ذلك حزب العدالة والتنمية ويتبنى خطاباً مختلفاً فيفوز في انتخابات نوفمبر 2002 بنسبة 34% من أصوات الناخبين، بسبب تبنيه رسالة سياسية أكثر اعتدالاً وبراغماتية. ومن ثمَّ ليحصل في انتخابات 2007 على 46,6% من الأصوات. وجاءته أهم الزيادات في الانتخابات من مناطق شرق الأناضول التي يتفوَّق فيها الأكراد عدداً. وهنا يتساءل الكاتبان باسم الأتراك والملاحظين:

هل هجرَ حزب العدالة والتنمية حقاً الأجندة الإسلامية التي كانت للأحزاب السابقة عليه، وتصالح مع العمل داخل إطار العلمانية التركية، أم أنَّ إعطاء الأولوية للتخصيص والإصلاحات الهيكلية والانضمام للاتحاد الأوروبي على حساب الأجندة الدينية هو مجرَّد نقلة تكتيكية في استراتيجيته السياسية؟ ومن ثمَّ يجيء السؤال الأهم وهو الذي يؤرِّق الكاتبين.. إلى أين تتَّجه تركيا؟

وفي معرض إجابتهما، يطرحان أربعة احتمالات (سيناريوهات) مستقبلية، الأوَّل: اتباع حزب العدالة والتنمية اتجاهاً معتدلاً نحو الاتحاد الأوروبي. الثاني: الأسلمة الزاحفة وهو السيناريو المزعج للعلمانيين. إذ ينتهج فيه العدالة والتنمية المُعاد انتخابه أجندة إسلامية أكثر هجوماً. الثالث: إغلاق القضاء لحزب العدالة والتنمية..

وهذا سيمثل انتكاسة للتجربة التركية الخاصة بتعايش حزب إسلامي الجذور وديمقراطية علمانية. الرابع: انقلاب ناعم يقوم به العسكر، أو تدخُّل عسكري مباشر يؤدِّي إلى الإزالة الإجبارية لحكومة العدالة والتنمية وحل الحزب.

تحميل الكتاب

 

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى