دراسات تاريخية

كم كنا عظماء، ذكرى معركة القادسية

يوم إنتصر 30000 عربي على 200000 فارسي و 33 فيل، وتحولت الإمبراطورية الفارسية لولاية تابعة.

حيث في مثل هذا اليوم.

بدأت معركة القادسية إحدى أعظم المعارك في التاريخ وذلك في 636/11/16 م وانتهت في 636/11/19 م.

وبدأت المعركة وفق التقويم الهجري في 11 شوال 15 هجري وانتهت في 14 شوال 15 هجري

وكانت بين:

– جيش الخلافة الراشدة بقيادة سعد بن أبي وقاص وعدده 30000 مقاتل.

– جيش الإمبراطورية الفارسية الساسانية بقيادة رستم فرخزاد وعدده 200000 مقاتل، ومعهم 33 فيل.

وأما الموقع فكان في جنوب العراق قرب نهر الفرات، وموقع المعركة حاليا داخل محافظة الديوانية العراقية، وكانت في زمن الخليفة الراشدي الثاني عمر بن الخطاب (ر)، وقد استمرت المعركة 4 أيام.

———-

قيادة سعد (ر) رغم إصاباته السابقة.

———-

بعد أن إصطف الجيشين مقابل بعضهما، صعد سعد ابن أبي وقاص إلى فوق قصر قديس وهو قصرً قديم غير حصين بين الجيشين، فأشرف منه على المعركة ولم يقاتل بنفسه بسبب إصابته إصابات بليغة في فخدتيه في معركة سابقة، غير أنَّه ظلَّ يخطط للمعركة ويشرف عليها، ويتابعها من أعلى القصر، وبدأ بإدارة المعركة من فوق القصر، واستخلف على الجيوش خالد بن عرفطة العذري والذي يتلقى أوامر سعد عن طريق الرسائل، وقام سعد (ر) بحبس كل الذين إعترضوا على قيادة خالد بن عرفطة في قصر قديس.

—————-

اليوم الأول

—————-

بدأت بالمبارزات الفردية.

وكان أول قتال نشب بين ربيعة بن عثمان من قبيلة هوازن وأحد أشداء الفرس، وكان قتالاً شديدًا، وتقاتلا مدة كبيرة، وقتل ربيعة بن عثمان الفارسي بعد قتالٍ عنيف، وكان أول قتيل من الفرس في أرض القادسية فكبر المسلمون، وألقى الله الرعب في قلوب الفرس.

وتقدم غالب بن عبد الله ليقاتل فخرج له هرمز، وكان ملك منطقة الباب في فارس بجوار بحر قزوين، فتقاتلا قتالاً شديدًا، وقتل هرمز في أرض المعركة وسلبه تاجه، فانهارت معنويات الفرس، وخُلِعَت قلوبهم من الرعب، وارتفعت معنويات المسلمين.

وقام عمرو بن معد يكرب يتمشى بين الصفوف، وكان رجلاً ضخم الجثة، وكان من المهرة في القتال، فتقدم إليه رجل من الفرس ورماه برمح فوقع على درعه وسقط على الأرض، وكانت رماح الفرس من طولها يسمونها نشابًا، وتوجه عمرو بن معد يكرب نحو الفارسي وحمل عليه حملة واحدة فخطفه من فوق فرسه، ورجع به إلى المسلمين، وألقاه على الأرض، وضرب رأسه بسيفه؛ فقطعها بضربة واحدة ثم أخذ رأسه وألقاها ناحية فارس، وأخذ سواريه ومنطقته.

وحمل عاصم بن عمرو رابع الفرسان الذين تقدموا على رجل من أهل فارس، فترك هذا الرجل فرسه وهرب إلى الجيش الفارسي؛ ليحتمي بهم فأخذ عاصم فرسه وعاد به غنيمة إلى المسلمين.

ثم بدأ الهجوم الفارسي بأمطار غزيرة من السهام على قبيلة بجيلة في الجناح الأيمن للجيش الإسلامي. ثم بدأت ستة عشر فيلا بالتقدم نحوها. ووجه قائد الجناح الأيمن لجيش المسلمين عبد الله بن المعتم أوامره لقائد سلاح الفرسان جرير بن عبد الله البجلي أن يواجه هذه الفيلة، لكن اعترضه سلاح الفرسان الساساني الثقيل. وتابعت الفيلة تقدمها، وبدأت قوات المشاة للمسلمين بالتراجع، وذعرت الخيول وفرت وتفرقت، وكادت بجيلة أن تفنى.

أرسل سعد أوامره للأشعث بن قيس الذي يقود سلاح الفرسان من ميمنة القلب لمراقبة تقدم فرسان الجيش الفارسي. ثم قاد كتيبة الفرسان لتعزيز فرسان الجناح الأيمن وشن هجمة مرتدة على الجناح الأيسر للجيش الساساني. وفي نفس الوقت أرسل سعد إلى قبيلة بني أسد في ميمنة القلب أن تغيث بجيلة.

خرج طليحة بن خويلد الأسدي وحمال بن مالك الأسدي وغالب بن عبدالله والربيل بن عمرو بكتيبة من مشاة ميمنة القلب ويرافقها هجوم فرسان من ميمنة القلب لمباشرة الفيلة. توجهت فرقة فارسية إلى عمق قطاع بجيلة وفي قطاع كندة أيضًا على يسار بجيلة، وعانت القبيلتان من السهام والسيوف الفارسية. لكن قبيلة أسد قامت وهجمت على فرقة الجالينوس لتذب عن بجيلة الرماح والسهام والسيوف الفارسية.

بعد هجمة قبيلة بني أسد وَجَدَ الهرمزان والجالينوس أن الهجوم يأتي من ناحية قبيلة أسد، فوجهوا القتال ناحيتها، وفي أثناء القتال قام الأشعث بن قيس في قبيلة كِنْدَة التي كانت على ميسرة الجيش الإسلامي، ليحث قبيلة كندة. فتحمست كندة، وخرج له أهل النجدة، وتحولت قبيلة كندة من الدفاع إلى الهجوم ضد القوات الفارسية لِتَذُبَّ عن قبيلة بجيلة وقبيلة أسد، والتفت القبائل الثلاثة حول الفرقتين الفرسيتين بقيادة الهرمزان والجالينوس، ولضيق المكان لم يتمكن الجيش الفارسي من الالتفاف حول الجيش الإسلامي، وكانت مشكلة الجيش الفارسي أن صفوفه كانت متكدسة في الطول، وعرضهم كان موازيًا لعرض المسلمين، ودارت رَحَى المعركة على قبيلة بجيلة وأسد، وقبيلة كندة التي كانت تحاول مساعدة المسلمين.

أمر رستم الجناح الأيمن وميمنة القلب للتقدم. وتعرض الجناح الأيسر وميسرة القلب الجيش الإسلامي لرماية مكثفة. ومرة اخرى تتقدم الفيلة. وتسبب الذعر لخيول المسلمين في الجناح الايسر وميسرة القلب مما أدى إلى تقهقر الميسرة من جيش المسلمين.

تعجب سعد بن أبي وقاص لما رأى الأفيال من فوق القصر وأنها فوق طاقة المسلمين، فنادى على عاصم بن عمرو التميمي الذي يقود ميسرة القلب وقال له: ألا لك في الفيلة من حيلة؟ فقال: بلى والله. فانتخب عاصم أفضل فرقة من قبيلة تميم، وكانوا من أفضل القبائل رميًا بالسهام، وبدأت هذه الفرقة برمي قائدي الفيلة بالسهام، فكان كل فيل حاملاً تابوتًا كبيرًا عليه أكثر من قائد، وقسَّم عاصم من معه إلى فرقتين: فرقة ترمي قُوَّاد الفيلة بالسهام، والأخرى تندس داخل الجيش الفارسي لتقطع أحزمة التوابيت التي فوق الأفيال، وكانت فكرة عاصم أن تفقد هذه الفيلة توجهها لتتجه نحو الجيش الفارسي. واستطاعت هذه الفرقة أن تصيب طائفة كبيرة من قواد الأفيال، واستطاعت الفرقة التي اندست في الجيش الفارسي أن تقطع أحزمة توابيت الأفيال، وكلما وقع تابوت تقدموا إليه وقتلوا من فيه، وحدث ذلك في معظم التوابيت الثلاثة عشر.

انطلق المسلمون ناحية الجيش الفارسي، ويتقدم كذلك الجيش الفارسي وتلتحم الصفوف، واشتدت رحى الحرب دورانًا، وكانت المعركة على أشدها، وبدأت قبيلتي أسد وبجيلة في دفع بهمن جاذويه إلى الخلف، وكانت مرحلة لم يفكر المسلمون في الوصول إليها، فقد كانت البداية شديدة على قبيلتي أسد وبجيلة، حتى استطاع عاصم أن يرد بأس الفرس شيئًا ما. وبعد هذا الأمر يستمر القتال بين الفريقين ما بين قاتل ومقتول من الناحيتين حتى بعد غروب الشمس بقليل، وفي هذا الوقت كانت الجيوش لا تقاتل ليلاً، ونهكت قوى الفريقين وكان القتال في غاية الشدة، واستمر القتال حتى دخل وقت صلاة العشاء، فبدأ الفريقان بترك أرض القتال كلٌّ منهما عائدًا إلى مكانه قبل صلاة العشاء في أول الأيام، وكان يوم القادسية 13 شعبان 15 هـ، وسمِّيَ هذا اليوم بيوم أرماث، واختلف الرواة في سبب تسمية هذا اليوم بهذا الاسم، لكن بالعودة إلى معنى الكلمة يتضح الأمر شيئًا ما؛ فمعنى كلمة أرماث اختلاط الشيء بالشيء، وكان الأمر مختلطًا في ذلك اليوم على الفرس وعلى المسلمين، ولا نستطيع الجزم بانتصار المسلمين أو انتصار الفرس، وأدرك المسلمون قوة الفرس، فإن المسلمين قد اعتادوا في المعارك السابقة انتهاء المعركة في يوم واحد وقبل الظهر، لكن هذه المعركة لم تتحقق فيها نتيجة حتى بعد غروب الشمس، وإن كانت الغلبة ظاهرة في هذا اليوم في صف الفرس إلى حد ما. لم يقع قتال بين الفريقين في هذه الليلة وسميت بليلة الهَدْأَة. وقتل من بني أسد 500 رجل.

——————–

اليوم الثاني

——————–

في اليوم الثاني الجمعة 14 شعبان 15 هـ الموافق (17 نوفمبر 636)، أصبح المسلمون على تعبئة واستعداد لاستئناف القِتال، ومنازلة الفرس، وقد بدأ المسلمون يومَهم بنقْل شهدائهم إلى وادي مشرق ودفنهم في مقابر هُيِّئت لهم، ونقل الجريح إلى مكان هُيِّئ لعلاجِهم، وصلت رسالة من أبي عبيدة بن الجراح – أمير الجيوش الإسلامية في الشام- بعد أن انتصر على الروم في موقعة اليرموك؛ فقد كتب له عمر بن الخطاب أن يرسل مددًا من الشام إلى العراق لنجدتهم، فأرسل أبو عبيدة 6,000 مقاتلٍ على مقدمتهم القعقاع بن عمرو التميمي، وكان هذا سببًا عظيمًا في فرحة المسلمين واستبشارهم بالنصر؛ لأن القعقاع من أفضل المقاتلين المسلمين، ومن أشدهم ضراوة.

وكان على رأس الآلاف الستة هاشم بن عتبة بن أبي وقاص وهو ابن أخي سعد بن أبي وقاص، وعلى المقدمة القعقاع، وفي أول تباشير الصباح من اليوم الثاني وصلت الفرقة القَعْقَاعِيَّة، التي تتكوّن من ألف مقاتلٍ. لَمَّا وصل القعقاعُ بفرقته إلى ميدان المعركة كان القِتال قد نشب بين المسلمين والفُرْس، فقام القعقاع بمناورة عسكرية لرفْع الرُّوح المعنوية لدَى المسلمين، فقسَّم فِرقته إلى عشرة فرق صغيرة، قوامُ كلِّ فرقة مائة رجل تدخل ميدان المعركة مكبِّرة، فيكبر المسلمون بتكبيرها، تتابعتِ الفِرق في دخولها، واستمرَّتْ جلجلة التكبير، فازداد المسلمون ثباتًا وقوَّة، ووهن الفُرْس، وقد حذَا حذوَ القعقاع قادة مدد الشام جميعهم.

عندما نزل القعقاع إلى أرض القتال طلب المبارزة، فخرج له قائد قلب الجيش الفارسي بهمن جاذويه (ذُو الْحَاجِبِ) وكان على 20,000 مقاتلٍ، وبهمن هذا هو الوحيد الذي انتصر على المسلمين من قبل في موقعة الجسر، وقتل أبا عبيد بن مسعود الثقفي، وسليط بن قيس، فتبارزا وقتل القعقاع بهمن، وعندها حدثت هزيمة نفسية شديدة للفرس، وشعروا أن هذا اليوم يوم شؤم عليهم؛ فقد كانوا يتشاءمون ولا يتفاءلون على عكس المسلمين، فأراد رستم أن يغيَّر من نفسية الفرس، ويشد من أزرهم فأخرج للقعقاع بن عمرو البيرزان قائد مؤخرة الجيوش الفارسية (وكان على 24,000 فارسي)، وهو يقف بجيشه على ميمنة مهران رازي قائد الميسرة، وهو أحد القواد الخمسة العظام الذين تحت إمرة رستم مباشرة، وأخرج معه قائدًا آخر اسمه البندوان كان مرشحًا لخلافة بهمن جاذويه على القلب، فخرج مع القعقاع الحارث بن ظبيان، فبارز القعقاع البيرزان وقتله، وكذلك فعل الحارث بن ظبيان فقد قتل البندوان بضربة واحدة أيضًا.

ثم تقدم القعقاع يطلب المبارزة 30 مرةً في هذا اليوم؛ فقتل وحده في الكَرِّ والفَرِّ ثلاثين فارسيًا، وكل ذلك ولم يلتقِ الجيشان، واستمرت المبارزة حتى بعد صلاة الظهر في اليوم الثاني، ثم بدأ الفريقان يلتحمان مع بعضهما البعض في قتال شديد، وقد كان الالتحام في اليوم السابق من ناحية الفرس تجاه المسلمين، إلا أنه في هذا اليوم تقدم المسلمون ناحية الفرس، وضغطوا عليهم في بداية القتال عكس اليوم السابق، ثم استمر القتال بمنتهى القوة والشدة بين الطرفين من صلاة الظهر حتى منتصف الليل دون انقطاع.

خرج من الجيش الفارسي رجل يطلب المبارزة فخرج له علباء بن جحش العجلي فأصاب كل منهما الآخر في مقتل؛ فيضرب الفارسي المسلم في بطنه، فيقع على الأرض بعد أن ضرب الفارسي في صدره فقتله، وخرجت أمعاء علباء، فطلب من أحد المسلمين بجواره أن يساعده في ادخال أمعائه في بطنه، ثم قام فتوجه مرة أخرى إلى أرض المعركة ليستكمل القتال، ولكنه سقط شهيدًا بعد خطوات قليلة، وقد استمرَّ القِتال شديدًا إلى منتصف الليل، ثم توقَّف الفريقانِ عن القتال، وتحاجزوا.

———————

اليوم الثالث

———————

في اليوم الثالث السبت 15 شعبان 15 هـ الموافق (18 نوفمبر 636)، كان أوَّل شيء عمِله المسلمون أن بدؤوا يومَهم بنقْل موتاهم إلى وادي المشرَّق ودفنهم، ونقْل جَرْحاهم إلى مكان خُصِّص لعلاجهم، أما قتْلَى الفرس فظلَّت بين الصَّفَّين، وكان الفُرس لا يتعرَّضون لموتاهم، فكان ذلك مما شدَّ الله به المسلمين، وأوهن الفُرْس. كان القَعْقاع بن عمرو قد بات ليلةَ عَمَاس يُسرِّب أصحابه إلى خارج مَيْدان المعركة، دون أن يعلم به أحد، فلمَّا أصبح الناس يومَ عَمَاس، أقْبَلوا مائةً مائةً، كل فِرْقة تتبع أختها، وكلَّما دخلت فرقة كبَّرت، فكبَّر الناس بتكبيرها، وقد حذَا أخوه عاصمٌ حَذْوَه، فلما وصل أمير مددِ الشام هاشم بن عتبة بن أبي وقاص حذَا حذَوْهما، فتجدَّد رجاءُ الناس في النصر.

عادتِ الفِيلة مرة أخرى إلى مَيْدان المعركة في يوم عَمَاس، فلحق المسلمين منها أذًى كثير، مما جعل سعدَ بن أبي وقَّاص يُرسل إلى عدد من مُسلِمة الفُرْس، فسألهم عن مقاتِل الفِيَلة، فأخبروه بأنَّ مقاتلها في مشافِرها وعيونها، فأرسل سعدٌ إلى القعقاع وعاصم ابْنَي عمرو، فقال لهما: اكْفياني الفِيل الأبيض، وأرسل إلى حمَّال والرُّبيَّل الأسديين، وقال لهما: اكفياني الفِيل الأجرب، فقتلوا الأبيض، وأصابوا الأجرب، فصاح الفِيلان صياحَ الخِنزير، ثم ولَّى الأجربُ، فوثب في نهر العتيق، فاتَّبعه الفِيَلة فخَرَقتْ صفوف الجيش الفارسي، فعبرت العتيق في أثرِه، ووصلتْ إلى المدائن في توابيتها، وهلك مَن فيها، فلمَّا ذهبتِ الفيلة، وخلت ساحة المعركة منها، تفرَّد المسلمون بالفُرْس، فاقتتلوا بالسيوف قتالاً شديدًا، وأعاد المسلمين خدعة الجمال المبرقعة المخيفة، لكنها هذه المرة لم تنجح في اخافة خيول الجيش الساساني بل ثبتت خيولهم ولم تتراجع. لم يكن في أيام القادسية مثل ذاك اليوم في البلاء والشِّدَّة والصبر، وقد صَبَر الفريقان فيه على ما أصابهم صبرًا شديدًا.

ولَمَّا جنَّ ليل عَمَاس لم يتوقَّف القتال، ولم يتحاجزِ الفريقان كعادتهما في الأيام السابقة، بل استقبلوا اللَّيل استقبالاً بعدَما صلَّى المسلمون العشاء، فاجتلدوا بالسيوف تلك الليلةَ من أولِها حتى الصباح، وقد انقطع الكلام بين المسلمين والفُرْس تلك الليلة، وقد أفرغ عليهم الصبر إفراغًا، ولم يكن قتالٌ بليل بالقادسية سوى تلك الليلة، وتُعرف أيضًا بليلة القادسية من بيْن تلك الليالي، وقد قاتل المسلمون في صفوفٍ ثلاثة، فصَفٌّ فيه الرجالة أصحاب الرِّماح والسيوف، وصفٌّ فيه المرامية، وصفٌّ فيه الخيول، وهم أمام الرجالة. وانقطعتِ الأخبار في تلك الليلة عن سعد ورستم، وبات سعدُ بن أبي وقاص بليلةٍ لم يَبِتْ مثلها في التلهُّف على أخبار المسلمين، والحِرْص على سلامتهم، فأقبل على الدعاء والصلاة، حتى الصباح.

——————–

اليوم الرابع

——————–

في اليوم الرابع الأحد 16 شعبان 15 هـ الموافق (19 نوفمبر 636)، ويُعرف هذا اليوم أيضا بيوم القادسية. في صباح هذا اليوم عندما تيقَّن المسلمون أنهم المُنتصِرون، وقد اجتمعوا وصمدوا لقتال الفرس واشتدتْ وطأة القتال بين المسلمين والفُرس، وكان القتال كله في قطاع الجيش الفارسي، كما كان الجيش الإسلامي بكامله في قطاع الجيش الفارسي يضغط عليه عند نهر العتيق الذي يقع خلف الجيش الفارسي، وكان الجيش الفارسي يتكون من خمسة قطاعات، منها قطاع البيرزان وقطاع بهمن وكلاهما دون رئيس ودون قائد؛ لأن البيرزان وبهمن قُتِلا، وبقي رستم في منتصف الجيوش في قطاع بهمن حيث تقع خيمته التي يقيم فيها.

قام القعقاع بتدبير خطة حتى يُنْهَى القتال الشديد على المسلمين وعلى الفرس؛ ففكَّر في أمر فكر فيه من قبلُ المثنى بن حارثة، حيث فكر في أن يأخذ قبيلة تميم وهي قبيلته، ويأخذ معه نجباء المسلمين من المقاتلين، أي أن يأخذ أفضل الجنود من كتيبة الفرسان ويدك بهم قلب الجيش الفارسي، وكان يرأسه بهمن جاذويه، وكان هدف القعقاع بن عمرو أن يفصل الميمنة عن الميسرة؛ فتنقطع الاتصالات بين الفريقين، ومن الممكن بعد ذلك أن يفقدوا السيطرة، ويفقدوا صلتهم بقائدهم، وكان هدف القعقاع أن يصل إلى رأس الأفعى؛ يصل إلى رأس رستم قائد الفرس، ويقول: إذا قتلت رستم ضاعت معنويات الجيش الفارسي كله. وبدأت بالفعل عملية من أصعب العمليات؛ لأن كتيبة بهمن فيها نحو 20,000، وقبيلة تميم كلها تقريبًا 3,000؛ ومن فضل الله على المسلمين أن المساحة العرضية لأرض القادسية كانت ضيقة، فكان الجيش الفارسي مرتبًا في صفوف بعضها وراء بعض، وقد أسهم ذلك في إلحاقِ الهزيمة بالفرس. وبدأ القعقاع ومعه قبيلة تميم في الضغط على الفُرْسِ، ويبدأ قلب الفرس في الانهيار تدريجيًا أمام الضغط الشديد للمسلمين، وفي الوقت نفسه تمارس قبائل بني قحطان اليمنية الضغط على ميمنة الفرس بقيادة الهرمزان، وتضغط قبيلة قيس على مهران في الميسرة؛ حتى لا تلتف ميسرة أو ميمنة الفرس حول الجيش الإسلامي من الخلف، ويستمر المسلمون في الضغط على الفرس إلى نهر العتيق، وكانت أعداد الجيش الفارسي ضخمة، فهناك 120,000 موجودون قبل نهر العتيق، و 120,000 ينتظرونهم في الناحية الأخرى، وقد قتل من الفرس نحو 25,000 حتى هذه اللحظة، وتبقَّى 95,000، وما زال هذا العدد كبير.

في وقتُ الزوال هبَّتْ رِيح شديدة، قلعت خيمة رستم وألقت بها في النهر، وتقدَّم القعقاع ومَن معه حتى وصلوا سرير رستم، وقد غادره حين هبَّت عليه الريح واختبأ قرب بغال عليها أحمال، فجاء هلال بن علقمة، فرأى البغال فهجَم عليها وقطع حبل أحد الأحمال الذي سَقط على رستم فكسر ظهرَه، فرما رستم نفسه في نهر العتيق، ولحق به هلال بن علقمة في النهر وسحبَه وضربه على رأسه فقتله، وصرخ صرخته المشهورة: “قتلتُ رُستُم وربِّ الكعبة”.

فلما رأى الجالينوس خطورة الموقف أمر مَن بقي من مُقاتلي الفرس بالانسحاب نحو النهر وعبوره نحو المدائن، وبالفعل انسحَبوا، ولكنهم وقعوا في فخ النهر؛ حيث لحق بهم المسلمون بالرماح والنَّبل فقتلوا منهم الألوف وهم في النهر. أرسل سعد بن أبي وقاص في أثَر الجالينوس فرقةً بقيادة زهرة بن حوَّية التميمي، فأدركه زهرة عند الخرَّارة فقتلَه.

وبهذا هزم الجيش الساساني هزيمة ساحقة بعد مقتل قائده، وانهارت المدن الساسانية بعدها لتتحول الإمبراطورية الساسانية إلى ولاية من الولايات التي يحكمها سيدنا عمر بن الخطاب (ر).

***** المصادر:

1- تاريخ الرسل والملوك، الطبري.

2- The Battle of al-Qādisiyyah and the Conquest of Syria and Palestine,Yohanan Friedmann

3- الكامل في التاريخ، إبن الأثير.

4- مروج الذهب، المسعودي

*****************

كتب بقلم:

المؤرخ تامر الزغاري

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى