كيف يتحقق السلام؟

تتميز السياسة الدولية لدولة معينة عن سياستها الوطنية من خلال عنصرين. أولاً، العلاقات الدولية تعتبر الحرب “أمراً عادياً” أو بالأحرى هي “أمر شائع” أي أن هناك مشروعية للحرب. وثانياً، انتفاء الشعور بالانتماء إلى جماعة عالمية، أي أن المواطنة العالمية غير موجودة.

كما تتميز السياسة العالمية بالفوضوية ANARCHISME ، بالمعنى الحقيقي للعبارة، أي ليس هناك سلطة فوق أخرى، بينما تتسم السياسة الوطنية بتدرج السلطات. ونضيف أن مواقفنا إزاء أقراننا تختلف تبعاً للمستوى الذي نضع أنفسنا فيه. ولإيضاح هذا الأمر سنشهد بتيوسيديد thucidide من خلال كلمته التأبينية لبيركليس في نهاية السنة الأولى من الحرب ضد البيلوبونيزيين les péloponnésiens،: “ليس في القوانين التي يسير عليها جيراننا ما يحسدهم دستورنا السياسي عليها. فنحن لا نقلد أحداً، لأننا مثال يحتذى. ولأن الدولة عندنا تدار لمصلحة الجماهير وليس لمصلحة أقلية معينة، فقد اتخذ نظامنا السياسي اسم الديمقراطية. أما في ما يتعلق بالنزاعات الخاصة. فإن قوانيننا تكفل المساواة للجميع.. لكن في ما يخص المشاركة في الحياة العامة، فكل فرد ينعم بالتقدير وفق ما يستحق، ولا تهمنا الطبقة التي ينتمي إليها بمقدار ما تهمنا قيمته الشخصية.. وأخيراً إذا عمل الفرد من أجل المدينة فلن تطاله غائلة الفقر ولن ينتابه القلق لغموض شرطه الاجتماعي. الحرية هي القاعدة التي تقوم عليها حكومة الجمهورية. كما تقوم عليها علاقاتنا اليومية، وليس للشبهة مكان بين صفوفنا، نحن لا نغتاظ من جارنا إذا كان يُعمِلُ عقله. ولكي لا نتسبب في خسارة مادية لأحد، فإننا لا نستخدم الإهانات المؤلمة شكلياً والإكراه ليس من صلب علاقاتنا اليومية، وما يمنعنا من تجاوز قوانين الجمهورية، هي تلك الخشية النافعة الكامنة في نفوسنا. إننا نخضع دائماً لقضاتنا ولقوانيننا، لاسيما تلك التي توفر الدفاع عن المضهدين. وهي وإن لم تكن مدونة، فإنها تُلحق بمن يخترقها احتقار الجميعئ.

وينقل إلينا ما قاله الأثينيون للميليين قبل الانتصار عليهم:

إن سنكم اليوم إلى زوال. وما تملكونه من قوة اليوم غير كاف ليؤمن لكم النصر على تلك القوى التي تعد نفسها منذ الآن للوقوف في وجهكم، والويل والثبور لكم إن لم تتخذوا قراراً حكيماً بعد رحيلنا […..] وإذا ما كانت الحكمة رائدكم في تقليب الأمور، فستتجنبون أوخم العواقب، وسترون أنه لا عيب من الاستسلام لدولة قوية تقدم إليكم مقترحات مليئة بالاعتدال، حينما تعرض عليكم أن تكونوا حلفاءها ورافدين لها، وتخلي لكم أرضكم. وبما أن لكم الخيار بين الحرب والأمان، فإنكم لن تختاروا الأسوأ، فالشروط الأساسية التي ينبغي أن تقوم عليها الدولة هي ألا تتنازل لأندادها بل عليها التصرف مع الأقوى منها واللجوء إلى الاعتدال مع الأضعف منها[ii]..

رفض الميلينيون شروط الأثينيين، وهنا يروي لنا تيويسيديد بإيجاز: وما أن قُهر الميلينيون حتى ذبح الأثينيون كل البالغين منهم واسترقّوا النساء والأطفال. وبعدها احتلوا الجزيرة وأرسلوا إليها بعد ذلك خمسمائة مستعمر[iii].

هذه النصوص تفيدنا في استخلاص العبر حول مسألة السلام وهي أنه لتحقيق السلام على الصعيد العالمي لابد للدولة من تجهيز ما نجحت في تجهيزه على الصعيد الوطني. بمعنى آخر، هناك، وفقاً للقوانين، استراتيجيتان لتحقيق السلام على الصعيد العالمي. يمكننا في البداية إقامة مؤسسات تدرجية كما في حال منظمة الأمم المتحدة اليوم وثانياً. إيجاد شعور بالانتماء إلى الهوية الدولية. والقانون الدولي العام يشكل محاولة في هذا الاتجاه.

يمكننا تطوير الفكرة السابقة، أي فكرة وضع آلية لحل الصراع. مستندين إلى مثال تاريخي ملائم. وهو ما جرى بعد الحرب العالمية الأولى ومختلف استراتيجيات النظام العالمي التي وضعت في فرساي أولاً، بعد حرب 1918-1919، تم توقيع اتفاق الهدنة في 11 تشرين الثاني عام 1918 في أعقاب اندحار ألمانيا. وكانت الثورة تلوح في الأفق وروسيا تعيش في خضم حرب أهلية، واستباحة شمال فرنسا الصناعي، وضعف بريطانيا العظمى، وانفراط العقد النمساوي ـ الهنغاري وبروز الولايات المتحدة الأمريكية كأول قوة عالمية. وهنا تم وضع ثلاث استراتيجيات لمنع تكرار نمط الحرب الذي تحدثنا عنه إلى الأبد وسنتطرق إلى تلك الاستراتيجيات وفقاً لنقاط ثلاث هي

(أ) ـ فهم أو إدراك الوضع،

(ب) ـ المعالجة المطلوبة،

(ج) ـ نقد الاستراتيجية المعتمدة.

ويمكن مماهاة هذه الاستراتيجيات الثلاث بثلاثة أشخاص مختلفين: لويد جورج ممثلاً لاستراتيجية بريطانيا العظمى، وكليمنصو لاستراتيجية فرنسا وويلسون عن استراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية.

ترى استراتيجية بريطانيا العظمى إقامة نظام على طريقة “مترنيخ” أي إعادة دمج ألمانيا في منظومة الأمم. وهو ما يعبر عن مفهوم توازن القوى العزيز على بريطانيا التجارية منذ القرن التاسع عشر.(أ) الإنكليز يخشون روسيا البلشفية كما يخشون التهديد الذي تمثله بالنسبة لألمانيا الواقعة فريسة صعوبات خطيرة. وهم أفضل من يعرف أهمية العلاقات بين الاقتصاد والسياسة. إن إعادة دمج ألمانيا من شأنه أن يسمح، ليس عودة إقلاع اقتصاد هذا البلد فحسب، بل اقتصاد أوروبا الوسطى أيضاً، كما من شأنه، في الوقت نفسه، أن يقطع العشب من تحت أقدام الإسبارطيين، ويخفف حدة التوتر الذي تعيشه تلك المنطقة. وأخيراً ستستفيد إنكلترا اقتصادياً من عودة إقلاع ألمانيا باعتبارها أحد شركائها الأساسيين من الواضح أن مفهوم تقسيم الطبقات كان يهيمن على التحليل الإنكليزي لأن بريطانيا العظمى كانت تريد المحافظة على الوضع الناشئ عشية الحرب العالمية الأولى. إذاً فنحن بصدد سياسة محافظة ورجعية، ما العمل إذاً؟ (ب) أولاً، يجب تقديم العون الاقتصادي لألمانيا. ثم التصدي للبلشفيين ومحاولة قلب نظام حكم لينين أو خلق مشاكل كافية له. وثالثاً، لابد من إيجاد قوة لألمانيا قادرة على التصدي للاتحاد السوفيتي الناشئ. (ج) حتى لو اعتمدت بريطانيا العظمى، ومعها بشكل ما، الولايات المتحدة الأمريكية، هذه الاستراتيجية فإنها لم تتحقق بشكل منطقي في معاهدة فرساي لأنها تصورت أنه من الممكن إيجاد رقابة على ما يدور في داخل بلد ما. زد على هذا أن فرنسا كانت ضد هذه الاستراتيجية التي كانت تريد “تجاوز الحرب”، وحتى في بريطانيا نفسها وقف غالبية السياسيين القدامى معارضين لها، وفي الولايات المتحدة كان يخشى من أنه إذا دفع لأعداء الأمس، فإن حلفاء اليوم لن يسددوا ديون الحرب المتفق عليها. ويمكن تعريف هذه الاستراتيجية بأنها واقعية.

ترى الاستراتيجية الفرنسية ضرورة فرض منظومة على الطريقة “القرطاجية” أي تطبيق سياسة قمعية ضد ألمانيا. (أ) لأن الفرنسيين يشعرون بالنقص إزاء الألمان بسبب حرب 1870-1871، وبسبب الحرب العالمية الأولى والأربعين مليون فرنسي الذين لا يوازون الستين مليون ألماني. وهم (أي الفرنسيين) يظنون أن اندلاع حرب جديدة أمر محتوم، وأن الوسيلة الوحيدة لتجنب هذا التوقع المشؤوم هو إزالة المشكلة الألمانية من خلال إبقاء هذا البلد في حالة ضعف كافية (ب)، ولهذا، صادق الفرنسيون، في معاهدة فرساي، على مبدأ أن يفرض على ألمانيا تشكيل جيش رمزي تقريباً وتعويضات حرب فاحشة تسمح بنهوض الاقتصاد الألماني، وجعل شركة “بوش” تسدد العجز المالي الفرنسي البالغ 7/8 من النفقات العامة في عام 1918. (ج)، وقدر الإنكليز، كما الأميركيان أن الفرنسيين كانوا يبالغون، فرأوا، خلافاً لرأيهم، أن الطريق الذي تقودهم إليه هذه الاستراتيجية هو طريق مسدود على المدى الطويل، كما يتضح من استراتيجية هذين البلدين. وعلى هذا فإن الاستراتيجية الفرنسية غير قادرة على حل مشكلات الحرب.

أما الأميركيان، لاسيما الرئيس ويلسون فكانوا يريدون تحقيق أمن جماعي، أي نظام “ويلسون”. (أ) يرى ويلسون أن الحرب العالمية الأولى جاءت، بشكل خاص، نتيجة منظومة التحالفات التي كانت قائمة قبل الصراع. وهذه المنظومة تسببت بنشوب صراع محلي أدى إلى الصراع العالمي. والفكرة التي طرحها ويلسون منذ عام 1916، تقول أن لا أحد يستطيع الوقوف على الحياد إذا كان السلام العالمي مهدداً.(ب) وبناء على هذه الفكرة سيقوم ويلسون بإنشاء عصبة الأمم التي ينبغي أن تناقش فيها القضايا العالمية الشاملة والمحلية. وعصبة الأمم، بالأساس، منظومة مناوئة للعدوان. لأن العدوان مخالف للقانون وتجب معاقبته، وينطلق ويلسون من المبدأ القائل أنه إذا اطمأن العالم بأن المعتدي سينال عقابه فلن يكون هناك أي عدوان. والنتيجة المترتبة على هذا المبدأ من الناحية النظرية هي نهاية التحالفات. هذا ماكان يصبو إليه ويلسون. لكن هذه المنظومة دوغمائية. إذا اعتبرنا أن هذا المبدأ هو دائماً صحيح فضلاً عن هذا، فإن هذه المنظومة تبقي عصبة الأمم في الحالة التي وجدت فيها عند إنشائها. وبالتالي فهي استراتيجية محافظة، لكنها ليست رجعية كما هي استراتيجية توازن القوى البريطانية. (ج). النقد النظري الذي يمكن أن نوجهه لهذه الاستراتيجية هو نقد نظرية العمل الجماعي والمنافع العامة. وتبين هذه النظرية سبب عدم فاعلية العمل الجماعي لأن المشاركين لا يفكرون إلا بمصلحتهم الخاصة. وبما أن المنفعة العامة هي عامة بالتعريف، فلابد من التساؤل عن كلفتها، أو بشكل أدق، عمن سيدفع تكلفة هذه المنفعة العامة.

يمكن تطبيق مبدأ عصبة الأمم لو أن كل الدول تقول بأن الدول الأخرى كلها سترد على أي عدوان عليها، أي لو كانت الدول كلها تملك شعوراً بالأمن إزاء عدوان ممكن. وهنا قد تطرح دولةٌ سؤالاً: إذا اعتدي على دولة أخرى فهل عليها التدخل عسكرياً لدعمها ضد الدولة المعتدية؟ وإذا اتفقت الدول على الاستفادة بشكل شخصي من الأمن العام، فإنها لن تستفيد من ذلك حينما يتعلق الأمر بتسديد تكلفة هذا الأمن حتى لو كانت مدركة بأنها ستكون كلها مستفيدة من هذا التسديد. لكن، كما رأينا، كل يفكر بمصلحته الخاصة. لنقف قليلاً عند نظرية العمل الجماعي والمنافع العامة التي طرحها كل من بول أ. صامويلسون ومانكور أولسن ـ Paul A Samuelson – Mancur Olsen ..

إنهما يطرحان السؤال: كيف يمكن التوصل، ضمن الشروط المشار إليها أعلاه، إلى تحقيق منفعة عامة حينما لا يكون لأحد مصلحة بالاشتراك فيها؟ هناك ثلاثة أجوبة. أولاً، القوة كما تبينه فكرة العقد الاجتماعي عند جان جاك روسو القائلة بأن على الجميع أن يخضعوا لدولة ما لأن الجميع سيستفيدون منها. وتتضح هذه الفكرة على الصعيد العالمي من خلال القوى الكبرى، ومن خلال قوة مهيمنة كالولايات المتحدة الأميركية التي تمكنت من فرض إقامة عصبة الأمم. كما نضرب مثلي السلام السوفيتي Pax sovietica (والسلام الأميركي) وتزايد الصراعات في بلدان الاتحاد السوفييتي السابق منذ زواله. والحالة الثانية هي الحالة التي تكون المنافع المكتسبة ذات قياس مشترك Commensurables أي أنها أكبر من التكلفة التي ينبغي على كل واحد دفعها. وهذا ما يتضح من خلال عمل المجموعات. وثالثاً، إيجاد منافع خاصة تعطي لمن يساهم في المنافع العامة فقط ، ويمكننا أن نضرب مثال الروابط Associations كرابطة Tcs.

وقد ترتب على مواجهة هذه الاستراتيجيات المختلفة بعضها ببعض، وعلى هذه الرؤى الأساسية نتائج عرجاء. ففي معاهدة فرساي عناصر تنتمي إلى كل واحدة من هذه الاستراتيجيات، وهذا يعني غياب الإرادة العامة. لذا شعرت ألمانيا بأنها مهانة فكرهت هذه المعاهدة المفروضة D dictàt؛ أما فرنسا، وقد ضعفت فقد انقسمت في العمق إلى يسار ويمين؛ وبريطانيا العظمى لم تعد القوة المهيمنة في أوروبا، والاتحاد السوفيتي انشغل بقضاياه الداخلية والولايات المتحدة اتجهت نحو الانعزالية لأنها لم تعد راغبة في الدخول إلى الوكر الأوربي.

ترى ما أهمية هذه الملاحظات في الوقت الحالي؟ وبمَ يمكن أن نستفيد منها؟ أولاً من الناحية التاريخية لم ينجح المنتصرون في الاتفاق على مسألة معرفة ما إذا كان من الواجب تدمير أو عدم تدمير الاتحاد السوفييتي. وهذا الأمر غير واضح في معاهدة فرساي، لكن هذه الفكرة ظلت بلا قيمة أو أن قيمتها لم تكن أهم من الرقعة التي دونت عليها المعاهدة. من جانب آخر لم يتم الاعتراف بالاتحاد السوفييتي من قبل بريطانيا إلا في عام 1924، ولم تعترف الولايات المتحدة به إلا في عام 1933.. ويقول بعض المؤرخين أن أسباب الحرب الباردة كانت كامنة في حرب 1918-1919 وفي نصوص المعاهدة التي خضع لها الاتحاد السوفيتي.. ومن الناحية النظرية، لا نرى ولادة الصراع الأيديولوجي بين الليبرالية الاقتصادية التي تمثلها الوليات المتحدة والشيوعية التي يمثلها الاتحاد السوفيتي[iv]. وثانياً. نشهد نهاية الامبراطوريات وكذلك الفكرة الاستعمارية في أوربا. وبداية تسلم الشعوب مقاليد أمورها بنفسها من خلال مبدأ حق تقرير المصير. ونلاحظ ثالثاً، وجود حالة متعددة القطبية مع وجود قطب مهيمن هو الولايات المتحدة الأميركية، التي بقيت قوية على الرغم من نزعتها الانعزالية. وأخيراً نشهد بداية بروز مفهوم الأمن الجماعي من خلال عصبة الأمم التي شكلت الخطوة الأولى نحو عالميتها المتمثلة بهيئة الأمم المتحدة. والحقيقة أننا نلاحظ أن الوضع العالمي منذ العشرينات كثيراً ما يشبه وضعنا الحالي.

1 ـ 2 : تطور نظام العلاقات الدولية في القرن العشرين.
بدأ نظام العلاقات الدولية مع نهاية الحرب العالمية الأولى في العشرينات والثلاثينات. وهي المرحلة التي يمكن وصفها بالمرحلة المثالية. وأسطع مثال عليها فكرة ويلسون الذي رأى أن الصراع يبين عدم فائدة الحرب لأنها لم تؤد إلى كسب للأراضي. ما من أحد كان يريد للحرب العالمية الأولى أن تقع. والتيار المثالي ينتقد المشاعر السيئة التي كانت سائدة بين الدول. لأن كل بلد كان يرى عند الآخرين أكثر التوترات خسة. ولم يقدم القادة ما يكفي من إيضاحات للجماهير وباعتبارها المتألم الوحيد من الحرب. بعد ذلك يعيد هذا التيار النظر في هدف وأساس هذه التحالفات ونمط الترتيب العسكري الذي دفع الدول إلى ما يسمى بالتأثير اللولبي. بسبب منظومة التعبئة الحقيقية أن تحليلات تلك الفترة كانت ترى أن من يهاجم أولاً يحقق تفوقاً استراتيجياً حاسماً؛ وكان استراتيجيو مرحلة ماقبل الحرب يعتقدون أن من يعلن الحرب والتعبئة أولاً كان شبه واثق من كسبها نظراً لفعالية ذلك الأسلوب بسبب وجود خطوط السكك الحديدية. في هذا التنظيم العسكري إذاً اتجاه قوي نحو التصعيد. أخيراً يظن التيار المثالي أن التوترات الكامنة يمكن إزالتها بإقامة ديمقراطيات برلمانية لأن الصراعات هي خيار النخبة والأوتوقراطيين. بعد حرب العالمية الأولى، اتجاه التفكير في مجال العلاقات الدولية إلى إيجاد مادة خاصة بها. وتطور هذا التفكير أساساً بين صفوف القوى “الراضية” عن نتائج الحرب العالمية الأولى أي بريطانيا والولايات المتحدة. إن المثالية التي تتمتع بمضمون معياري قوي نجدها في الفكرة القائلة أن هذا الصراع يجب أن يكون الصراع الأخير من هذا النمط، وتقيم تحليلها على الديمقراطية وعلى الإنسان العقلاني، لأنه لا يريد حرباً يريد له قادتها أن يكون وقوداً لها. باختصار، المثالية تسعى إلى تحقيق رفاهية البشرية.

التيار الثاني في العلاقات الدولية هو تيار الواقعية الذي برز خلال السنوات 1940-1950، وهذه العودة إلى نقطة البداية، قياساً بما تطرحه المثالية لا يمكن ربطه بـE.H.Carr وبكتابه Twenty yers crisis (1939)، فحسب، بل إلى غيره أيضاً، كان يهاجم المثالية باعتبارها يوتوبيا تتمثل بأسبقية الرغبة على الواقع، والأهداف على التحليل النقدي. ويرى أنه يجب تحليل العالم كما هو عليه وليس كما ينبغي أن يكون. وعلى العلاقات الدولية أن تدرس الكائن وليس مايجب أن يكون. وتبين الإخفاقات المختلفة التي ألمت بالمثالية مثل إنشاء عصبة الأمم ومختلف محاولات تحقيق السلام مثل حلف Briand – Kellog (1928) وحلف لوكارنو (1925)، وهنا لابدّ من العودة إلى ماكيافيللي الذي يقترح قراءة حديثة للعلاقات الدولية حتى لو لم يكن يهتم إلا بصورة الأمير. وهكذا فالتاريخ ليس سوى سلسلة من الأسباب والنتائج التي ينبغي فهمها. من جانب آخر، فالنظرية لا تدل على الممارسة بل العكس. مثلما أن السياسة ليست تابعة للأخلاق بل العكس لأن السياسة هي انعكاس المصالح الشخصية. أحد أهم الممثلين المؤثرين لهذا التيار هو هانز مورغينتو Hans Morgenthau الذي حاول للمرة الأولى، في كتابه politics among nations(1948)، وضع نظرية علمية للعلاقات الدولية بعيداً عن الطبيعة البشرية. وتتلخص أطروحات مورغينتو بما يلي:

أولاً : أن الدول ـ الأمم هي الممثل الأهم للعلاقات الدولية،

ثانياً : يجب التمييز بين السياسة الوطنية والسياسة الخارجية،

وثالثاً : السياسة العالية هي صراع من أجل السلطة وبعدها من أجل السلام.

ويرى الواقعيون أن مسألة الأمن تحتل مركز السياسة العالمية. ومن هنا فإن أعمال مورغينتو ماهي إلا انعكاس لأفكار عصرها..

في سنوات (1950-1960) برز واحد من تيارات العلوم الاجتماعية الحديثة التي طفت على سطح دراسة العلاقات الدولية، ونعني به النقد السلوكي وهو أساساً، نقد منهجي للعلاقات الدولية. وأحد ممثليه دافيد سينغر David Singer الذي أدخل فكرة مستويات التحليل أي مختلف أنماط التفسيرات وفقاً للمستوى الذي نضع أنفسنا فيه. ويرى سينغر أنه يجب وضع فكرة الحرب والسلام تبعاً للمجازات Images. حيث هناك ثلاثة مجازات كبرى أي مستويات التحليل. أولاً:مستوى الفرد ثم المستوى الوطني وأخيراً مستوى المنظومة العالمية. لكن سرعان ما ذابت المقاربة السلوكية في المقاربات الأخرى.

في السبعينات تطورت الليبرالية الجديدة التي تشكل معها مفهوماً ما وراء الوطنية tra والارتباط المشترك أو التبعية المتبادلة interdépendance. الليبرالية الجديدة لا ترى في أن تكون الدول هي الممثلة الأساسية للعلاقات الدولية. فهي تدخل معها المنظمات العالمية والشركات المتعددة الجنسية أو المنظمات غير الحكومية. وتعتقد الليبرالية الجديدة أن قانون السياسات القانونية Law politics عبر الفاعلين الذين يكرّسهم، هو أيضاً قانون يوازي في أهميته السياسات العليا high politics أي سياسات الأمن والسلام القائمة بين الدول. زد على ذلك أن المسافة بين السياسة الوطنية والدولية ليست بهذا الوضوح والجلاء. لأن السياسة الداخلية من شأنها أن تؤثر على السياسة الخارجية بشكل أو بآخر. وباختصار فإن العلاقات الدولية تتكون أيضاً بفضل العوامل الماً وراء وطنية أي بفضل فاعلين وطنيين ليسوا مرتبطين رسمياً بالدول. أي أن الليبرالية الجديدة تدمج فيها مفهوم الارتباط المتبادل أي التحليل الاقتصادي للعلاقات الدولية. ولكي نتجنب أي سوء فهم، نذكّر بأن الليبرالية الجديدة تشكل تطوراً بالقياس إلى الواقعية في العلاقات الدولية، لأنها تحمل رؤية شجاعة وموضوعية للعلاقات الدولية الهادفة إلى التعاون وتحرير الفقراء والسلام.

في الثمانينيات جاءت الليبرالية الجديدة رداً على نقد اتجاه ما وراء الوطنية transnationalisme والارتباط المتبادل على يدي أول من يمكن اعتبارهم من الواقعيين الجدد، وهو كينيث والتز Keneth Waltz الذي تحدث في كتابه theory of international politics (1979)، عن مفهوم السياسة الخارجية. وسعى والتز إلى وضع نفسه في المستوى الثالث من تحليل سينغر لكي يتمكن من تفسير الأحداث الدولية. ومن الواضع أن يقف مع منطق المنظومة وليس مع منطق الأشخاص أو الدول حول موضوع الحرب والسلام. يسعى هذا التيار إلى إدخال الواقعية في الاقتصاد، من خلال تقديمه لتوضيح واقعي للظواهر الاقتصادية العالمية. وقد نشأ عن مفهوم العلاقات الدولية هذا أيضاً، نظرية استقرار الهيمنة أي أن الاستقرار يتحقق حينما تتمكن قوة كبيرة من فرض مفاهيمها على الآخرين كما هو حال نموذج الثلاثينيات المجيدة التي أقامت فيها الولايات المتحدة مؤسساتها المالية الدولية ذات النمط الليبرالي (اتفاقيات بريتيون وودز) لكي تدعم رؤيتها الأيديولوجية.

في الوقت الحاضر نشهد التقاءً كبيراً بين الليبرالية الجديدة وبين الواقعية الجديدة بعد أن ضمتا إليهما النقد السلوكي. وبموازاة هذه التيارات الكبرى. هناك تيار الماركسية الجديدة وتيار التبعية Dependencia الذي يقوده بعض اقتصاديي أمريكا اللاتينية CNUCES أو ما يسمى: “مدرسة الاقتصاد ـ العالم”[v]. وتشترك هذه التيارات في كونها مقاربات نقدية وجذرية.

2. الواقعية:
2 ـ 1 ـ الواقعية الكلاسيكية وأصولها.
2 ـ 1 ـ 1 الأصول والرواد.
التاريخ يكتبه دائماً المنتصرون، وهو تاريخ الحاضر، وبما أننا نسعى للعثور على الرواد بعد وفاتهم فإننا سنلغي عناصر الاختلاف أو الانحراف. وسنعود إلى أول مقالة لفيوتي Votti وكوبي kauppi في مجموعة النصوص التي تضمنتها مجلة العلاقات الدولية، 1 بعنوان realism; the state . power. And the balance of power..

2 ـ 1 ـ 2 ـ فكر هانز مورغينتو:
في كتابه A theory of International politics : the struggle for power and peace (نظرية السياسات العالمية: الصراع من أجل القوة والسلام)، يخصص مورغينتو حديثه الأساسي عن مفهوم السلطة.. والسياسة تتحدد قياساً إلى السلطة، وتهدف إلى امتلاكها والاحتفاظ بها وتنميتها. والسلطة هي دائماً الهدف النهائي للسياسة. السلطة هي السيادة على الفكر وعلى فعل البشر الآخرين. ويضع مورغينتو تصنيفاً للدول تبعاً لمختلف أهدافها السياسية. ويتكون هذا التصنيف من أربعة أقسام: الأول: هو تصنيف الدول الساعية إلى إقرار الوضع القائم stutu quo أي عدم التعرض للترتيب القائم. أما الثاني فهو تصنيف الدول الساعية إلى تنمية قوتها، أي تلك الدول التي تمارس سياسة إمبريالية أما الثالث فهو يضم الدول الساعية إلى الشهرة. ينبغي وضع هذا التصنيف بموازاة الأشكال الثلاثة العامة للسلطة: الاحتفاظ بالسلطة، تنمية السلطة، إبراز السلطة. ويستخدم تصنيف مورغينتو مفهوم السلطة بالمعنى النسبي، وهو تصنيف يفتقر إلى الصرامة من حيث تعريف المصطلحات والمشكلات المرجعية التي يطرحها تطبيق هذا التصنيف.

المسألة المركزية التي يطرحها مورغينتو على نفسه، ومعه الواقعية الكلاسيكية، هي معرفة: ماهي السلطة وكيف يمكن قياسها؟ وإن مر مورغينتو على المسألة الأولى مرور الكرام. فهو يتوقف أكثر عند الثانية. وهكذا فهو يعتقد بأن السلطة الوطنية تنقسم إلى عدة عناصر تصنف في فئتين أساسيتين . الفئة الأولى “الثابتة”، وتضم عناصر كالجغرافيا أو الموارد الطبيعية، أي العناصر “التي تتنوع وفقاً للسياق المادي والفني، الفئة الثانية، أي العناصر المسماة ب”المتغيرة” وتضم عناصر كالقدرة الصناعية والتلوث ونوعية الشهادات أو الاستعداد العسكري. والأمر لا يتعلق هنا بعناصر مادية محض كما في السابقة. نلاحظ أن هذه العناصر كلها التي تميز السلطة هي عناصر غائمة لاسيما وأن مورغينتو يضيفها إلى بعضها بعض. وبما أن هذا الأمر يطرح علينا مشكلة خطيرة فإن مورغينتو يحذرنا أيضاً من الأخطاء المشتركة التي يمكن أن نرتكبها حينما نسعى إلى تقييم السلطة: أولاً، ينبغي ألا نتعامل مع السلطة باعتبارها مفهوماً مطلقاً، ويجب أن يكون التحليل نسبياً. وثانياً، يجب ألا نعتبر السلطة كشيء مكتسب، وثالثاً، يجب ألا نركز على مكوِّن واحد من مكونات السلطة بل على كل الأبعاد التي يحملها هذا المفهوم.

2 ـ 1 ـ 3 ـ توازن القوى:
يرى مورغينتو أن هناك ثلاثة أشكال لتحقيق السلام على الصعيد العالمي. أولاً، إذا تم فرضه من قبل الرأي العام الدولي أو نوع من الأخلاق. ثانياً، يمكن تحقيق السلام من خلال القانون الدولي. ثالثاً: هذا السلام يمكن أن يصبح حقيقة إذا أقمنا حكومة عالمية أي قوة مهيمنة شبه “مطلقة” يمكنها فرض آرائها على أي كان (بما في ذلك التحالفات). أخيراً، يمكن تحقيق السلام، أو تحديد الحرب من خلال توازن القوى ويرى مورغينتو أن الحل الأخير هو الممكن، لأن الحلول الأخرى تبدو له غير قابلة للتحقيق من الناحية العملية بل على الصعيد النظري.. ويعتقد أن مفهوم توازن القوى ينشأ من طبيعة العلاقات الدولية، أي أن مختلف الجهود التي تبذلها الدول ـ الأمم تتعارض مع بعضها بعض في نهاية المطاف، ويمكن للتوازن أن ينبثق بشكل عفوي في بعض الظروف. وهذا موقف عقلاني لأنه يأخذ طبيعة الإنسان بعين الاعتبار، وهو موقف أخلاقي لاعتقاده بإمكانية تحقيق السلام.

لكن ماذا يعني توازن القوى؟

أولاً، يرى مورغينتو أن مصطلح توازن القوى يصف أشياء مختلفة يمكننا تصنيفها في مستويات مختلفة. أولاً هناك الموقف النظري المنظومي SYSTEMIQUE الذي يعتبر أن توازن القوى يصف حالة يعاد فيها توزيع السلطة بشكل متساو، إلى حد ما، بين مختلف أقطاب المنظومة العالمية. ثم المستوى النظري الوطني الذي يعتبر أن توازن القوى هو سياسة خاصة، سياسة توازن القوى، أي السياسة التي تتبعها الدول لتحقيق هذا التوازن، وهنا يجب أن نميز بشكل أساسي بين هذين المستويين لأن الأول يقع على صعيد المنظومة الدولية والثاني على صعيد السياسة القائمة بين الدول. أخيراً.. هناك المستوى النظري “للمؤرخين الرسميين historiographpique حيث يستخدم مصطلح توازن القوى لوصف حالة توازن أو عدم توازن..

ماهي المناهج المختلفة لتحقيق هذا التوازن؟..

1 ـ الحكمة القائلة: “فرق تسد”؛

2 ـ المنظومات المختلفة للتعويض مثل تحقيق توازن على حساب طرف ثالث (بولونيا في القرن الثامن عشر على سبيل المثال)..

3 ـ سياسة التسلح.

4 ـ الأحلاف..

5 ـ بيضة القبان balancier أي وجود قوة تريد أن تدخل صراحة في سياستها إرادة توازن القوى في المنظومة الدولية.

لقد سمح توازن القوى بين عامي 1815 و1914 بتجنب صراعات كبيرة بين القوى الكبرى ربما باستثناء الحرب الفرنسية ـ البروسية التي قامت بين عامي 1870-1871. وللوصول إلى مثل هذه الحالة، وضعت المناهج المذكورة أعلاه موضع التنفيذ لاسيما الحالتين الرابعة والخامسة مما أدى إلى أن أية محاولة للهيمنة في القرن التاسع عشر تسعى لتغيير علاقات القوى القائمة، سرعان ما كانت تجابه بتحالف دفاعي ضد هذه القوى الهجومية. الحقيقية، وتبعاً لمفهوم عقلانية الممثلين، وهم هنا الدول ـ الأمم، إذا كانت كل قوة قابلة للمقارنة إلى حد ما، فإن كل دولة ستسعى للبحث عن توازن القوى بالوسائل المختلفة. لذا فإن القرن التاسع عشر يشكل سلسلة من المد والجزر في التحالفات والتكتلات الدفاعية على الصعيد الدولي. وعلى السؤال المطروح حول السبب الذي يدعو مختلف الدول لتأمين التوازن يمكننا الإجابة بأنها تريد بكل بساطة، تأمين أمنها الخاص وليس تطبيق فكرة معينة عن التوازن العالمي[vi]. ما الذي نستنتجه من تحليل هذا النموذج. أولاً: هدف منظومة توازن القوى هو هدف الحفاظ على هذه المنظومة بين القوى الكبرى فقط. وثانياً، نحن، قبل أي شيء أمام منظومة عملياتية محضة، أي عملية لا أخلاقية.

ماهي الشروط الواجب توافرها لتحقيق توازن القوى هذا؟

أ ـ ينبغي توفر عدد كبير من الدول التي يمكن مقارنة بعضها ببعض (قطبية متعددة) أي خمس قوى أو أكثر في الحالة المثالية.

ب ـ يجب السيطرة على القوى الأخرى وعلى تطورات الوضع بوسائل خارجية كالتحالفات.

ج ـ يجب أن تكون غالبية الدول مع مفهوم الوضع الراهن statu quo..

د ـ يجب امتلاك إرادة تغيير سريعة للتحالف إذا كان الأمر ضرورياً (تحالفات مرنة).

هـ ـ يجب على القوى المؤمنة بمفهوم الوضع القائم أن تكون جاهزة لخوض الحرب للمحافظة على المنظومة الدولية.

ماهي التغييرات التي حصلت في نهاية القرن التاسع عشر والتي أدت إلى أن توازن القوى لم يعد ممكناً في القرن العشرين؟

أولاً: هناك تغيرات ذات طبيعة تكنولوجية، وهو الأمر الذي سبب مشكلات أمام تحقيق الشرطين (ب) و(ج) المذكورين أعلاه في الحالة الأولى، جرت التغيرات التكنولوجية بسرعات مختلفة في كنف القوى الكبرى الأمر الذي أدى بالتحالفات إلى إحلال الرقابة الداخلية محل الرقابة الخارجية مثل تطور القوة العسكرية. ومثلنا على هذا ألمانيا خلال المرحلة الممتدة بين 1871 و1914. ونجمت التعديلات الطارئة على الشرط (ج) للأسباب التي ذكرناها. لأن تزايد القوى العسكرية لبعض الدول دفعها إلى إعادة النظر في شرط الوضع الراهن. وبعد هذا يمكننا بيان آثار النزعة الوطنية على الشرطين (ج) و(د) والمثال النموذجي على هذه التعديلات التي طرأت على الشرط (ج) بسبب النزعة الوطنية هو حالة النمسا ـ هنغاريا التي تسببت فيها النزعات الوطنية، في بروز اتجاهات جاذبة لدرجة أن هذه الدولة كانت مستعدة، من خلال إلغاء العوامل الداخلية والخارجية، للسيطرة على صربيا التي كانت الدعاية قد جعلتها بطلة التوحيد السلافي، فيما يخص الشرط (ج) يمكننا أن نذكر الصراع الفرنسي ـ الألماني على الألزاس واللورين، وهو العداء الذي يوضح وجود حدود لمرونة منظومة التحالفات. وأخيراً هناك تأثيرات الديمقراطية التي تلامس الشرط (هـ) بشكل خاص. ولإيضاح هذا يمكننا أن نذكر مثال بريطانيا العظمى والصعوبات التي تعرضت لها حكومتها حينما أرادت أن تفسر لشعبها أسباب التغيرات المستمرة التي أصابت تغيرات موازين القوى وسياستها الوقحة. نرى، في الحقيقة أن السياسة البريطانية في تلك الفترة كانت من أكثر السياسات غموضاً، وكان ينقصها الوضوح لاسيما موقفها حول إمكانية خرق ألمانيا للحياد البلجيكي.

وهذا كله يؤدي إلى تصلب التحالفات، وهو الأمر الذي لا يستوي مع مبدأ توازن القوى. فضلاً عن ذلك. فقد تعزز هذا التصلب عبر الأزمات التي برزت في الفترة مابين 1900 و1910 كالأزمتين المغربيتين في عامي 1905 و1911 وأزمة البوسنة في 1908 ـ 1909. نحن الآن في وضع أساسي أقامه الواقعيون باعتباره يشكل مأزق الأمن، أي أن كل جهد يبذله الإنسان لزيادة أمنه يمكن أن يراه الآخرون على أنه زيادة لأمنهم. عندئذٍ يمكننا طرح السؤال التالي: كيف يمكننا تطوير أمننا دون تطوير أمن الآخرين؟

هناك عدة استراتيجيات يمكن أن تأخذ بها الدولة لتطوير أمنها وهي:

1 ـ تطوير قواها الخاصة بها (السيادة الداخلية).

2 ـ تطوير تحالفاتها مع دول أخرى (سيادة خارجية).

3 ـ تفريق صفوف أعدائها بمختلف الوسائل مثل اللجوء إلى الدعاية.

4 ـ اللجوء إلى منظمات دولية؛..

النقاط 1 و2و4 من شأنها إثارة عدم الشعور بالأمن لدى الأخرين، وكذا الأمر بالنسبة للنقطتين الأولى والثانية اللتين قد تدفعان الدول لمعرفة السبب الكامن وراء سعي دولة معينة لتطوير قدرتها العسكرية أوسعيها للتحالف مع دولة أخرى. هناك مثال معاصر يمكن أن يوضح النقطة الرابعة وهو التوسع المتوقع لحلف شمال الأطلسي باتجاه بلدان الشرق والقلق الروسي بشأن هذا التوسع. والخلاصة، يمكننا القول بأن مأزق الأمن يعلمنا أن الدولة لا يمكنها تحقيق أمنها دون التفكير بالآثار التي يمكن أن يتركها على أمن الآخرين..

2 ـ 1 ـ 4 ـ نقد:
الانتقادات التي يمكن توجيهها إلى فكر مورغينتو وهي ضعف التصنيف الذي وضعه، ومصطلحه غير المتماسك وضعف قياسه للسلطة لأنه قياس غير عملي وغير صارم.

والنقد الذي يمكننا توجيهه إلى مفهوم توازن القوى هو أنه مفهوم غير واضح لعدم وجود مناهج أكيدة لقياس هذا التوازن. فضلاً عن ذلك، هذا المفهوم يقوم على فكرة عقلانية وباردة للأشياء، وأخيراً، فإن توازن القوى يهدف إلى أن كلاً يسعى لتحقيق الحد الأقصى لأمنه (مأزق الأمن). وتوازن القوى يتطلب ثقافة لهذا التوازن، هذه الثقافة التي كانت موجودة في زمن الديبلوماسية ورجالات السياسة في القرن التاسع عشر.

2 ـ 2 : الواقعية الجديدة:
الواقعية الجديدة هي رؤية بيدولية inter –étatique (بمعناها الليبرالي). يحاول كينيث والتز في كتابه (نظرية حول السياسات الدولية Atheory of international politics (1979) تجاوز النقد الذي كان يمكن توجيهه إلى مورغينتو كما يسعى إلى تشذيب النظرية الواقعية من خلال البحث عن “جوهرها”. ويقترح نظرية للمنظومة الدولية والإبقاء على هذا المستوى من التحليل باعتباره الوسيلة الوحيدة لفهم أفعال الفاعلين الذين يشكلون عناصر هذه المنظومة التي تفرض قيوداً محددة على الأفعال. وبهذا المعنى فإن والتز لا يملك أية رؤية معادية للعلاقات الدولية. والمعطى الوحيد الذي يتمتع بالأهمية عنده هو المنظومة، أما العوامل الأخرى كالدين وعلم النفس والسياسة الداخلية والاقتصاد إلى حد ما. تعتبر ثانوية. ويرى أن جوهر العلاقات الدولية يقع فوق العوامل الأخرى.. زد على ذلك تقديره أن هذا الوضع الفوضوي للعلاقات الدولية يجبر الدول على اتباع سياسات واقعية. ومن هنا فإن نظرية والتز هي نظرية ثورية لأنها تلغي عدداً من العوامل لتتيح وضع نظرية عامة للعلاقات الدولية..

لكن والتز يقف ضد التقليصية réductionnisme التي تقوم قاعدة تحليلها على مستوى الوحدات، ويشدد على خصائص هذه الوحدات وعلى سلوكها كتصنيف الأنظمة régimes (إسلامي، ديمقراطي، أوليغارشي،الخ..). لكي يتمكن من تفسير العلاقات الدولية. لكن والتز يعتبر أن السياسة الخارجية للدول ليست أهم العناصر في تفسير العلاقات الدولية، وهكذا فإن التقليصيين يرون أن المنظومة العالمية هي مجموع الدول وقراراتها وأفعالها المتبادلة. وبالتالي فإن مستوى التحليل يقع على صعيد المستوى الثاني، لتحليل العلاقات الدولية، أي الدول ـ الأمم، وهذه الرؤية هي إدراك “من الأسفل” للمنظومة الدولية، بمعنى آخر، هي إدراك المنظومة انطلاقاً من المستوى الذي نضع أنفسنا فيه. لكن والتز يميز بين السياسة الخارجية وبين المنظومة الدولية لأنه يعتبر المنظومة عبارة عن مجموع العوامل التي تدخل في أهداف الدول (المتغيرة) ونتائج السياسة الخارجية لهذه الدول (وهي نتائج ثابتة). هناك إذاً عنصر خارجي يدخل بين اللحظتين المذكورتين، وهذا يسمح بالمحافظة على ثبات المنظومة الدولية لأنه يندر أن تختفي الدول في أعقاب صراعات بيدولية. ويلاحظ والتز أن استمرارية معينة تظل تحكم العلاقات الدولية.

إذاً، والتز يدافع عن منظور منظومي systémique، بعبارة أخرى، عن رؤية تنطلق من منظومة ما، أي من مجمل المنظومة الدولية التي تفرض طريقة معينة على شكل وحدات المنظومة وتصرفاتها عن طريق مظاهرها الضاغطة والصائغة. إذاً، فالمنظومة الدولية هي بنية تفرض نفسها على وحداتها. وهنا نضع أنفسنا في مستوى المجاز الثاني للمنظومة الدولية، أي الرؤيا “من أعلى” ويقدر والتز أن العلاقات الدولية، تركزت كثيراً على دراسة السياسات الخارجية للدول، مما أدى إلى تعددية في النظريات لأن أي صراع جديد يحدد شكلاً جديداً لأسباب هذا الصراع. إذاً فالأمر يتعلق بالبحث عن حل لمشكلة تكوين نظريات للعلاقات الدولية الحالية والابتعاد عن وضع تاريخ لهذه العلاقات الدولية. لأن تاريخها لا يحل شيئاً.. ومن هنا ضرورة وضع نظرية للعلاقات الدولية للتوصل إلى حل عملي وامتلاك إرادة من شأنها أن تحول دون نشوب النزاعات. وهذه النظرية هي وحدها الكفيلة بأن تشكل قاعدة لبناء أخلاق عملية. إذاً فالأمر يتعلق بدراسة نظرية للعلاقات الدولية توضح جوانب انسجام المنظومة. وإذا كنا نلجأ إلى الاتجاه المنظومي Systémisme فلأن استخدام البنية يسمح لها بدمج الانسجامات في النظرية ولأن البنية تتكون من ثلاثة عناصر أساسية:

1 ـ مبدأ التسوية: أي التدرج على المستوى الداخلي والفوضى على المستوى الدولي. وعلى هذا فإن نظرية والتز تستلهم الاقتصاد الميكروي Micro – économique بشكل مباشر. هناك بالفعل تشابه بين المفاهيم الاقتصادية الميكروية حول الإنسان الاقتصادي Homo Economicus ، أي عقلانية الإنسان المستهلك والمنتج وبين البحث عن المصلحة الخاصة ومصلحة السوق التي تنشأ عفوياً من تفاعل مختلف العوامل الاقتصادية [vii] والمفاهيم المنتمية إلى المنظومة السياسية الدولية مثل مفهوم المساعدة الذاتية (اللهم نفسي) Self – help أي أن الإنسان لا يستطيع الاعتماد إلا على نفسه وعلى قواه الذاتية، وقبل أي شيء على فكرة البقاء، بمعنى أن الدول تسعى في المقام الأول، إلى البقاء وليس إلى السلطة كما كان يعتقد مورغينتو. وعلى هذا فالمنظومة السياسية الدولية هي منظومة يسعى كل فيها إلى مساعدة نفسه، لأن الإنسان وحيد، وكما المنظومة الاقتصادية، فإن المنظومة الدولية تقوم على مبدأ اللهم نفسي (السوق)، وللوصول إلى هذه النتيجة يجب اتباع مبدأ الاصطفاء المعروف عند داروين، وهو المبدأ الشهير struggle for life survival of the fittest” وكذلك النظريات المالتوسية التي تسمح بإقامة اقتصاد العقلانية الرفيعة عن طريق عقلانية تظهر من خلال المحاكاة عند الدول التي تتبع أفضل الناجحين والتي هي دول رفيعة المستوى بالتعريف.

2 ـ خصائص الوحدات ـ الدول:

وهي مشتقة من نتائج استخدام البنية. الدول سيدة نفسها لأنها تنتمي إلى مفهوم “اللهم نفسي” “Self – help” . وبالتعميم، يمكننا القول بأنها جميعها تقوم بالوظيفة نفسها، بتعبير آخر، ليس هناك مايميز الدول عن بعضها بعض. فدول المنظومة الاشتراكية تتبع عملية تغير من خلالها أعضاءها ليصبحوا شبيهين بها. وبالمحاكاة، والدول تكون عقلانية بالمحاكاة عقلانية حيث تميل إلى احترام أخلاق المنظومة وقواعدها كاندماج الاتحاد السوفييتي في المنظومة الدولية مع أنه نتاج ثورة بلشفية امبريالية ثورية.[viii]

3 ـ يتم توزيع الموارد داخل المنظومة حسب الأقطاب أو القوى الكبرى. وبالتالي فإن والتز يميز المنظومة الوحيدة القطب، وهو هنا لا يستفيض كثيراً لأن ما يدور بداخلها حاسم بالنسبة لها، عن المنظومة ثنائية القطب أو متعددة الأقطاب[ix].

انطلاقاً من هذه العناصر الثلاثة، يمكننا استخلاص الانسجامات في سلوك الدول داخل المنظومة:

1 ـ الحرب ظاهرة عادية بسبب مبدأ “اللهم نفسي”..

2 ـ هناك استقلال للسياسة الدولية وفي الوقت نفسه ترابط بين السياسة الوطنية لوحدات المنظومة لأن البنية الدولية تحدد التعاون بسبب مأزق الأمن بالإضافة إلى مسألة الفائدة النسبية والأمن نفسه الذي يضع حداً للترابط المقبول.

3 ـ بما أن الدولة لا تهتم إلا بنفسها. فلا أحد يهتم بتغير البنية؛

4 ـ المنظومة الفوضوية لها فضائلها الخاصة بها. حيث يؤدي إلى استخدام القوة إلى الحدّ من المداورات manipulation واعتدال المطالب وتشجيع البحث عن الحلول الديبلوماسية. الواقعية السياسية realpolitik أو المصلحة العليا للدولة Raison d’état هو العنصر الأساسي في رؤية والتز المنظومية. وتقوم الواقعية السياسية على قاعدة أن للدول مصالح (البقاء في الدرجة الأولى ومصالح أخرى تتعلق بالظروف) تخضع لقيود سببها المنظومة الدولية وهي دول عقلانية في مساعيها. بعد هذا يمكننا قياس نجاح سياسة ما من خلال قياس الحفاظ على الدول وتعزيز وجودها.

5 ـ توازن القوى: ويتطلب تحقيق شرطين، إما أن تبقى الدول في حالة فوضى أو إرادتها في البقاء ضمن المنظومة. وهنا نشير إلى هذا التوازن من شأنه أن يتحقق في غياب النية لتوفيره. أي يمكنه أن ينشأ بشكل آليّ كما هو الحال اليوم في أفغانستان. وقد نشأ هذا التوازن بوسيلتين الأولى داخلية والثانية خارجية..

6 ـ يقف والتز ضد الرؤية الاتفاقية التي ترى أن المنظومة المتعددة الأقطاب يمكن أن تكون أكثر استقراراً من المنظومة ذات القطبين. فمرونة الأولى تسمح بإعادة التوازن لما لها من سرعة جوهرية لاسيما إذا اختارت دولة ما من نوع “بيضة القبان” أن تتبع سياسة توازن القوى… لكن والتز يرى أن المرونة تؤدي إلى ازدياد الريبة وإمكانية الوقوع في حساب خاطئ. أما الثنائية القطبية فتتيح خفض الريبة والحفاظ على الوضع الراهن المراد بطبيعة الحال، من قبل القوى الكبرى المتخاصمة. وإذا وجد مزيد من أخطار النزاعات في عالم متعدد الأقطاب فإن نتائج النزاع ستكون أشد خطورة على العالم..

2 ـ 3 ـ كيف نحلل الواقعية السياسية:
سنستشهد هنا بمقالة توماس كريستينسن T.Christensen حول الواقعية السياسية الصينية Chinese Realpolik وسنحتفظ في ذاكرتنا بالانسجامات كما نبرز الواقعية السياسية المذكورة أعلاه، كريستينسن ينطلق من مفهومه الواقعي الذي يقول أنه عثر عليه في السياسة الخارجية الصينية الحالية. وتبعاً لذلك فإن مفاهيم رجال الدولة الصينية هي مفاهيم واقعية تماماً بالمعنى الكلاسيكي للعبارة. ويسوق كريستينسن سلسلة من التحليلات التي يمكن استنتاجها من مأزق الأمن الخاص بالصين؛

1 ـ الشبهات الناجمة عن هذا النزاع جعلت الصين تتعلق بمفاهيم وآمال قادتها للجوء إلى استقطابات رفعت عندها عدم الشعور بالأمن عند الآخرين..

2 ـ ارتبط الموقف الصيني إزاء اليابان بالمفهومين الواقعي والتاريخي، وقد اهتم كريستينسن بهذا التمييز. فسعت الصين من خلال وسائل داخلية، إلى موازنة Balancing تهديد اليابان في المنطقة لتحقيق توازن في القوى. ولجأت إلى الطريقة نفسها إزاء الولايات المتحدة وروسيا. المكون الثاني لتحليل هذه العلاقات الصينية ـ اليابانية هو المكون التاريخي. وهو مكون يبتعد عن المفهوم الواقعي الجديد لكنه غالباً ما يستخدم في الدراسات الواقعية. وبالتالي فإن الصين تتذكر الاحتلال الياباني خلال مختلف الحروب التي وقعت بين البلدين لاسيما حرب الثلاثينات والأربعينات. ولا تزال هذه الحرب الأخيرة أكثر حضوراً في الأذهان اليابانية من حرب كوريا هذه الأسباب التاريخية هي التي جعلت الإحساس بالتهديد الياباني أهم من تهديد الولايات المتحدة مع أن الولايات المتحدة. من الناحية الموضوعية، قوية كاليابان، عسكرياً في تلك المنطقة إن لم تكن أكثر قوة منه. ويشير كريستينسن أيضاً إلى أهمية تايوان في سياسة الصين الخارجية. فالصين تعارض استقلال تايوان قانونياً jure de حتى لو كان هذا الاستقلال متحققاً بالفعل. وهكذا، فإن موقف الصين. إزاء جارها يرتبط بالمفهوم الواقعي وبالتاريخ للوهلة الأولى، يرى كريستينسن أن التحليل الواقعي المحض لا يستطيع تفسير إرادة إعادة التوحيد هذه. ومع هذا فالسيد ألان لا يتفق معه. فهو أي ألان، يقدر أن مفهوم المصلحة الوطنية، التي تنطوي عليه الواقعية يفسر هذه الإرادة. الحقيقة أن المصلحة الوطنية تسعى للحفاظ على الوحدة الوطنية وعلى سلامة الأراضي من الوجهة التاريخية،، وهنا تقع محاجة كريستينسن على صعيد الوحدات، تبرر الوطنية الصينية إرادة إعادة التوحيد هذه، لأن الحزب الشيوعي الصيني، برأيه، “التجأ” إلى التبرير الوطني بعد أن فقد أي مبرر أيديولوجي..

4 ـ أخيراً، يحلل كريستينسن سياسة الولايات المتحدة في المنطقة، أي البقاء في اليابان من أجل البقاء في المنطقة للإمساك باليابان في الوقت نفسه، لكي لا تدعم استقلال تايوان حتى لو كان قانونياً D ejure..

2 ـ 4 ـ بنية المنظومة الدولية ونهاية الحرب الباردة. ومستقبلنا والسلام:
سنضرب مثالاً على ذلك التحليل الواقعي الجديد الذي قام به ميرشيمر Mearsheimer عام 1990 حول مستقبل أوروبا. يقوم السيناريو الأساسي لتحليله على افتراض انتهاء الحرب الباردة تماماً وعلى الانسحاب الشامل للقوات الأميريكية والسوفيتية من أوروبا. ويذكّر بأن تفكيك الاتحاد السوفيتي سيشكل خطراً وعاملاً كبيراً في عدم الاستقرار وسيؤدي هذا الوضع إلى تفاقم الأزمات الكبرى واحتمالات نشوب الحروب لأسباب عدة:

أولاً ـ لأن المنظومة المتعددة الأقطاب أقل استقراراً نظراً لازدياد الثنائيات
. وتزايد العلاقات بين الدول في المنظومة الدولية وعدم تناظر السلطات الممكنة، وسوء حسابات التوترات والسلطة.

ثانياً ـ لأن هناك تغير في طبيعية القوة العسكرية. ويقترح ميرشيمر أربعة سيناريوهات تقوم على الردع النووي:

1 ـ نزع السلاح النووي من أوربا. وهذا لا يتوقعه لأنه أمر غير معقول وهو على أية حال. خطير لأن الردع النووي يرسّخ العلاقات الدولية

2 ـ الإبقاء على الوضع الراهن. لكن هذا من شأنه [xi]أن يثير عدداً من الدول مثل ألمانيا أو دول الشرق، كما يمكنه أن يثير رد فعل تصعيدي إزاء امتلاك بلدانهم للسلاح النووي، أي لجوئها لاتخاذ إجراءات داخلية مناهضة لتهديد الدول الأخرى المالكة للأسلحة النووية؛

3 ـ تكاثر نووي بين يدي إدارة سيئة. وهذا قد يسبب زيادة في إمكانية حدوث نزاعات في أوروبا.

4 ـ تكاثر نووي بين يدي إدارة جيدة يترافق بسياسة توازن للقوى تقودها بعض الدول.

 

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button