دراسات سياسية

لاوعي القادة والزعماء بين الحقيقة والخيال

د. وليد عبد الحي

عندما قرأت في إحدى الدراسات كيف ذهب الزعيم غاندي(المعروف بحسة الإنساني) إلى غرفة زوجته ومارس معها الجنس في اللحظة ذاتها التي توفي فيها والده بين يديه،شعرت بضرورة التنبه للدراسات الخاصة بسيكولوجية الزعماء الذين “يخدعون الشعوب” بالمهابة والهالات التي يضعون أنفسهم بداخلها، وبدأت تتكشف لي عوالم تثير الحزن والسخرية وأحيانا الاحترام.
ففلاديمير جيرونوفسكي الزعيم القومي الروسي عانى من ” إذلال جنسي” قاسي في مرحلة الطفولة، وهو ما تم ربطه بنعرته القومية اللاحقة، بينما كيم الإبن(رئيس كوريا الشمالية) يمثل شخصية تربت بطريقة فيها دلال مبالغ فيه،ويميل للحفلات الصاخبة ولا يمل من العلاقات الجنسية ولكنه يميل لضرب النساء ويتلذذ بشعور سادي.
اما الشخصية التاريخية بسمارك الذي وحد ألمانيا والذي له في الخيال العربي مكانة عالية، فقد كان مفرطا في ممارسة العادة السرية وهو ما انعكس على شخصية مزدوجة، فقد كان أبا رحيما للغاية ولكنه مفرط القسوة على الخصوم، وهو قريب الشبه من شخصية هتلر الذي كان يكره النقد بخاصة إذا جاء من أصدقائه، وكان خرتشوف من أكثر الزعماء قدرة على خداع الآخرين من خلال القدرة التمثيلية وخلطها بالدعابة الذكية.
أما القادة الأمريكيون، فقد كان جون كينيدي مغرما بسماع القصص الجنسية عن علاقات الزعماء الأخرين بالنساء( وهي إحدى خصائص حسني مبارك)، وكان كينيدي يكثر من الحديث عن قصة الرئيس البرازيلي السابق جولارت الذي قتل عشيق زوجته،
وكان كيسنجر شخصا غير منظم إلى ابعد الحدود،ولا يعتني بشكله أو ترتيب ملابسه، ولا يتورع عن ممارسة الجنس مع أي امرأة يصطادها…ومارس بيل كلينتون الجنس مع مونيكا على الطاولة التي تصاغ عليها أخطر قرارات العالم.. واشتكت منه لأنه كان يتركها في لحظة “الذروة”…وطردته زوجته(وزيرة الخارجية الأمريكية حينها) لينام لأسابيع طويلة على “كنبة غرفة الاستقبال”..
وفي العالم الثالث كان رئيس افريقيا الوسطى ابن امرأة تدير بيتا للدعارة، ووالده كان لصا، اما صدام فكان يعاني من نرجسية مفرطة ترتبط بها سادية حادة ،وتسيطر عليه فكرة البطل التاريخي،بل إن زوجته تقول أنه في ليلة زواجهما جلس على حافة السرير وقال لها”أنت متزوجة من رجل هو والموت أصحاب”.
وبتحليل نماذج أخرى، نجد مثلا أن العلماء رأوا ان الرئيس السوفييتي الروسي يالتسين لديه مبالغة مفرطة في ” اعتقاده بالفهم أكثر من غيره”، بينما تتسم شخصية رفسنجاني بالاستقلالية، أما رئيس هاييتي السابق اريستيد فهو مصاب بخلل عقلي وتنتابه موجات من الاكتئاب الجنوني، بينما كان شاه إيران يعاني من ” عدم الإحساس الدائم بالأمن “.
لكني أود أن اتوقف عند دراسة للرئيس السوري بشار الأسد ولكن بتقنية مختلفة وهي تحليل اللغة، وتحليل الخطابات من خلال التركيز على مفردات خطاباته، وتم وضع مجموعة من الألفاظ وحساب عددها أو تكرارها في خطاباته أو أحاديثه خلال ثلاث سنوات،أما المفردات التي جرى عدها في كل خطاباته خلال فترة الدراسة فقد بلغت كلماتها 35 ألف و 335 كلمة، اما الكلمات التي جرى التركيز عليها وحساب تكرارها فهي:
أنا- ياء المتكلم( بلدي، شعبي..الخ) ، نحن ، لكن ، على أي حال ، مهما يكن ، أبدا ، ليس ، لاشيء ،بسبب ،حيث ،لذلك ، جدا ، لهذا، هكذا ، حقيقة ، مثل ، أنواع.
وقد توصلت الدراسة إلى نتائج أهمها(دون دخول في تفاصيل التحليل) ما يلي: أنه شخص يشعر أنه في بيئة غير منظمة، ولكنه لا يتراجع بسهولة ، ومن الصعب تغيير مواقفه.
أما القذافي فقد عانى من عقدة الذكورة( فجعل حراسه من النساء)، وعانى من عقدة الشهادة(فألف الكتاب الأخضر وفرضه على طلاب الجامعات)،وعانى من الفهم الساذج للعالم والمجتمع بكيفية جعلته يعيش حالة “انتفاخ الشخصية”.
أما بومدين فكان يشعر بافتقاده “للجمال الجسدي” لاسيما الوجه والأسنان(كان من أقل الزعماء ابتساما)، بينما الحسن الثاني طغت عليه مشاعر ” التفكير الحسي بنمط أبيقوري تماما”.
وتشير دراسة الثورات إلى أن أغلب قادة الثورات في التاريخ هم إما كانوا الأبناء الوحيدين ، أي ليس لهم أخوة ، أو أنهم الإبن الأصغر( الذي تنتهي عنده كل الأوامر الأسرية،فتنمو لديه مشاعر كراهية السلطة)
لكن الدرس المهم في تحليل الشخصيات هو أن المحلل النفسي يتخلص تماما من هالة القداسة والتبجيل والمهابة التي توضع حول الزعيم ولا يراه إلا بشرا، وهو أمر تم تطبيقه على الملوك والرؤساء والقادة والمصلحين والأنبياء ..الخ. ولأن الزعماء في العالم المتطور أدركوا أن شعوبهم تخلصت من عقدة” المهابة”، فيمكن أن تراهم في لباس الجينز أو يحمل كلبا ، أو ينام على العشب أو يرقص..أما مرضى العالم الثالث فلا زالوا يستغلون ” المهابة الراسخة” في خيال شعوبهم..فهم قادة مرضى يستغلون مرضى…فلا تراهم إلا على السجاد الأحمر أو في الملابس الرسمية أو بالنياشين والأوسمة أو عباءات ودشاديش المهابة.

 

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى