دراسات سياسية

لواء إسكندرونة حكاية وطن سلب عنوة

لواء إسكندرون، يُعتبر في سوريا المحافظة الخامسة عشر، رغم كونه منذ 1939، تابعًا لتركيا، ويسميه بعض المؤرخين أمثال ستيفن لونغريج “الألزاس واللورين السورية”. كانت منطقة إسكندرون تابعة لولاية حلب ضمن سوريا العثمانية، مشكلة مرفأها على البحر؛ ومثلت في المؤتمر السوري العام، ورغم اعتبارها دولة مستقلة في أعقاب صدور مراسيم التقسيم، غير أنه أعيد ربطها بالدولة السورية عام 1926 بجهود الرئيس أحمد نامي،[1] وعاصرت إطلاق الجمهورية السورية الأولى عام 1938 قامت فرنسا “بخطوة غير مسبوقة واستفزازية” إذ أعادت منح اللواء حكمًا ذاتيًا مع بقاءه مرتبط من ناحية شكلية بالجمهورية السورية، ثم أعادت إلغاء هذا الرباط الشكلي؛ وفي العام التالي، 1939، انسحبت فرنسا بشكل نهائي، في حين دخلت اللواء قوات تركية، وقامت بضمه وإعلانه جزءًا من الجمهورية التركية تحت اسم “هتاي”؛ وهو ما يعتبر مخالفة لصك الانتداب الذي يلزم الدولة المنتدبة بالحفاظ على أراضي الدولة المنتدب عليها.[2]

غالبية سكان اللواء كانت من عرب سوريا الموزعين بين السنة، والعلويين، والمسيحيين العرب، والأرمن، ولم تتجاوز نسبة تركمان سوريا فيه 39.4% حسب إحصاءات 1939. بعد سلخ اللواء، نزحت إلى دمشق، وحلب، وحمص، واللاذقية، أعداد كبيرة من عرب اللواء وأرمنه، مع استثناء صغير لبلدة كسب الأرمنية التي كانت تابعة للواء، فعدّلت المفوضية الفرنسية الحدود، بحيث تتبع محافظة اللاذقية. أفضى سلخ اللواء لانطلاق احتجاجات 1939 التي أفضت للإطاحة بحكومة جميل مردم، ثم استقالة الرئيس هاشم الأتاسي نفسه؛[3] في السنوات التالية اعتبر اللواء أرضًا محتلة، وساهم هذا الاعتبار في إبقاء سوريا خارج مشاريع على مستوى المنطقة مثل حلف بغداد لكون تركيا عضوًا فيه، توترت العلاقة مع تركيا مجددًا عام 1957، لدرجة استدعاء الأسطول المصري إلى اللاذقية للدفاع في حال اندلاع حرب؛ ولم يحدث على مستوى الحكومات المتعاقبة أي اعتراف بشرعية كون اللواء جزءًا من تركيا.

في سوريا الإنتيكية، كانت أنطاكية عاصمة اللواء، عاصمة سوريا ومركزها، ومقر بطريرك أنطاكية، الرأس المحلي للكنيسة السورية بشقيها البيزنطي والسرياني، ومنه خرجت شخصيات بارزة على مستوى العالم مثل إغناطيوس الإنطاكي، ويوحنا فم الذهب، أما في سوريا المعاصرة فقد خرجت مجموعة من الشخصيات التي لعبت دورًا هامًا على الصعيد المحلي مثل رئيس الدولة صبحي بركات، والمفكر زكي الأرسوزي، والشاعر سليمان العيسى.

تبلغ مساحة اللواء 4800 كيلومتر مربع، يطل على خليجي اسكندرون والسويدية في الزاوية الشمالية الشرقية للبحر الأبيض المتوسط، ويتوسط شريطه الساحلي رأس الخنزير الذي يفصل بين الخليجين المذكورين. أهم مدنه أنطاكية واسكندرونة وأوردو والريحانية والسويدية أرسوز. اللواء ذو طبيعة جبلية، وأكبر جباله أربعة: جبال الأمانوس وجبل الأقرع وجبل موسى وجبل النفاخ، وبين هذه الجبال يقع سهل العمق. أما أهم أنهاره فهي: نهر العاصي الذي يصب في خليج السويدية، ونهر عفرين ونهر الأسود (الذين يصبان في بحيرات سهل العمق).

تعد مدينة الاسكندرونة من أهم الموانئ البحرية التي تعتمدها تركيا لتصدير النفط، كما يعتمد لواء الاسكندرون على السياحة نظراً لاحتوائه على مدن تاريخية إلى جانب الطبيعة الخلابة. أما في الزراعة، فيشتهر اللواء بالقطن، الحبوب، التبغ، المشمش، التفاح، البرتقال والزيتون. كما يشهد حركة صناعية في قطاع النسيج والزجاج.

 

 

 

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى