قضايا فلسفية

لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ – أحمد طه الغندور

  ربما لا يوجد مسلم واحد من آمة المليار ونيف من المسلمين من يرغب عن أداء فريضة أو شعيرة الحج، فالحج هو الركن الخامس من أركان الإسلام بعد الشهادتين، والصلاة، والصيام والزكاة، وكان من رحمة المولى القدير عندما فرض الحج جعله على قدر الاستطاعة مرة واحدة وما زاد عن ذلك فهو تطوع.

ونحن نرى الظروف السياسية والاقتصادية قد حالت بين رغبة الكثيرين في الوصول إلى المناسك، فقد فرضت الحدود وانتشرت النزاعات، وزادت التكلفة المادية في وجه من يرغب بأداء هذه الفريضة في الوقت الذي تم تقنين عدد الحجاج من دول العالم المختلفة.

وقد فرض الحج بقوله تعالى: ” وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) [آل عمران: 97]، وكان ذلك في العام التاسع من الهجرة وقد حج رسولنا الكريم ـ عليه الصلاة والسلام ـ بعدها بعام مرةً واحدة؛ حتى سُميت حجة الوداع.

ولعل الحج يُعتبر من أعظم العبادات كونه يكاد يجمع بين العبادات جميعها أثناء موسم الحج، ولكن الدور الأهم للحج قد يكون غاب عنا هذه الأيام ألا وهو الدور التعبوي والتي سبق فيها الإسلام الكثير من الحضارات التي باتت في عصرنا الحالي تُسارع إلى عقد المنتديات واللقاءات السنوية بهدف خلق أجواء من التفاهم بين أقطاب المال أو السياسة أو من المتخصصين في مجالات علمية أو مهنية معينة من أجل الارتقاء والتقدم في مجالات الحياة.

ولعل من أقرب الأمثلة على ذلك “منتدى دافوس” الذي يُعقد سنويا في تلك البلدة السويسرية الشهيرة ويجمع بين أقطاب المال والسياسة وبعض المشاهير والمهتمين.

فهل كان هذا الدور ـ أي الدور التعبوي ـ مقصود ضمن شعيرة الحج؟

وهنا أقول وبكل حزم نعم، فلقد حث المولى الكريم على ذلك بقوله تعالى: “لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ” [الحج: 28]، كما جاء ذلك عملياً في خطبة الوداع لرسولنا الكريم ـ عليه الصلاة والسلام ـ، ولعلني هنا أزين مقالي بقبس من نور من الحكم الغالية التي جاءت في تلك الخطبة العصماء وهي تحض على احترام حرمة الأوطان، واحترام حقوق الإنسان، واحترام حقوق المرأة وحسن إدارة المال والبعد عن الظلم؛ حيث قال عليه الصلاة والسلام:

” أيُّها النَّاسُ، اسمعوا قولي، فإنِّي لا أدري لعلِّي لا ألقاكم بعدَ عامي هذا، بِهذا الموقِفِ أبدًا.

أيُّها النَّاسُ، إنَّ دماءَكم وأموالَكم عليْكُم حرامٌ، إلى أن تلقَوا ربَّكم كحُرمةِ يومِكم هذا، وَكحُرمةِ شَهرِكم هذا، وإنكم ستلقونَ ربَّكم، فيسألُكم عن أعمالِكم وقد بلَّغتُ، فمن كانت عندَهُ أمانةٌ فليؤدِّها إلى منِ ائتمنَهُ عليْها وإنَّ كلَّ ربًا موضوعٌ، ولكن لَكم رؤوسُ أموالِكم، لا تظلِمونَ ولا تُظلَمونَ قضى اللَّهُ أنَّهُ لا ربًا”

” أمَّا بعدُ أيُّها النَّاسُ، فإنَّ لَكم على نسائِكم حقًّا ولَهنَّ عليْكم حقًّا، لَكم عليْهنَّ أن لا يوطِئْنَ فُرُشَكم أحدًا تَكرَهونَه، وعليْهنَّ أن لا يأتينَ بفاحشةٍ مبيِّنةٍ، فإن فعلنَ فإنَّ اللَّهَ قد أذنَ لَكم أن تَهجُروهنَّ في المضاجِعِ، وتضرِبوهنَّ ضربًا غيرَ مبرِّحٍ، فإنِ انتَهينَ فلَهنَّ رزقُهنَّ وَكسوتُهنَّ بالمعروفِ واستوصوا بالنِّساءِ خيرًا، فإنَّهنَّ عندَكم عَوانٍ لا يملِكنَ لأنفسِهنَّ شيئًا، وإنَّكم إنَّما أخذتُموهنَّ بأمانةِ اللَّهِ، واستحللتُم فروجَهنَّ بِكلمةِ اللَّهِ، فاعقلوا أيُّها النَّاسُ قولي، فإنِّي قد بلَّغتُ وقد ترَكتُ فيكم ما إنِ اعتصمتُم بِهِ فلن تضلُّوا أبدًا، أمرًا بيِّنًا كتابَ اللَّهِ وسنَّةَ نبيِّه”ِ .

“أيُّها النَّاسُ، اسمعوا قولي واعقِلوهُ تعلمُنَّ أنَّ كلَّ مسلمٍ أخو للمسلِمِ، وأنَّ المسلمينَ إخوَةٌ، فلا يحلُّ لامرئٍ من أخيهِ إلا ما أعطاهُ عن طيبِ نفسٍ منه فلا تظلِمُنَّ أنفسَكمُ اللَّهمَّ هل بلَّغتُ قالوا: اللَّهمَّ نعَم، فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّم: اللَّهمَّ اشْهَد”ْ.

هذا هو المقصد الأساسي من الحج تناقش الأمة التي ارتقت إلى عرفات من كل صعيد وبعد أن صبغها الحج قلباً وقالباً ببساطة الإسلام تجلس على صعيد واحد لتناقش همومها وتوحد رؤيتها وتعاضد بعضها بعضا، فلما اليوم زادت فرقتنا حتى على الثرى الطاهر، يكاد لا يجتمع المسلم ـ وأي مسلم؛ فالحاج اليوم على الأغلب رجل مسن غادرته الدنيا قبل أن يغادرهاـ مع أخيه من أفريقيا أو أقصى آسيا، بل حتى القادمين من الأقطار المجاورة.

ومن الجدير ذكره أن الرسول الأعظم ـ عليه الصلاة والسلام ـ والصحابة الكرام كانوا بين الناس على صعيد عرفات، ولكن قيادات اليوم باختلاف مستوياتها إذا ذهبت للحج تتوارى عن أعين الناس، لكن في “دافوس” والمؤتمرات العالمية الأخرى من السهل للأغراب أن يلتقوا بهم ويكثر “السلفي” فلما لا يظهرون التواضع فهم في بلاد الغرب.

كم هو مؤلم أن ندرك أننا نبتعد عن عقيدتنا وحضارتنا الإسلامية بشكل ممنهج، في حين لازالت الحضارات الأخرى تطبق مبادئنا بعد أن عبثوا بمسمياتها، أعيدوا للحج دوره الأساسي في توحيد الأمة بعد أن سقطت المؤسسات الإقليمية التي فرضها الاستعمار في توحيد الأمة أو حل مشاكلها، وافتحوا الأبواب مُشرعةً لمن يرغب بالحج وخاصةً الشباب فهم عماد الأمة ومصدر عزها

 

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى