دراسات سياسية

ماذا كسبت تركيا من إغتيال السفير الروسي لديها؟

بقلم: بن أحسن أنيس عبد الوهاب.
تعددت الكتابات و اختلفت الآراء التي حاولت تفسير ما حدث. بيد أن الخوض في الموضوع مباشرة لا يفضي إلى نتيجة، و ذلك من منطلق أننا نتعامل مع استراتيجيات صاغها كبار اللاعبين على الساحة الدولية و الإقليمية، بالإضافة إلى الأوضاع الأمنية الإقليمية و الدولية المعقدة.
صحيح أن اغتيال السفير الروسي هو الحدث الأبرز لكن تفاصيل اللعبة المشوقة لم تنتهي فساعات بعد ذلك تم استهداف السفارة الأمريكية لكن بقي الاعلام يركز على حادثة إغتيال كارلوف.
في أقل من 24 ساعة يغتال سفير الفيدرالية الروسية و يتم إستهداف السفارة الأمريكية !!! ماذا حدث في تركيا؟؟؟ من هي القوة التي بإمكانها القيام بالعمليتين؟؟؟ هل هي حرب ساخنة بين روسيا و الولايات المتحدة الأمريكية على الأراضي التركية؟؟؟ من المؤكد لا، فلا أحد بإمكانه تحمل تداعيات ذلك.
تأتي العمليتان في ظل اقتراب تسلم الرئيس الأمريكي المنتخب السلطة، و أيضا تمكن النظام السوري و حلفائه من السيطرة على مدينة حلب، و في السياق متصل بما يحدث في حلب أغتيل الروسي قبل يوم واحد من انعقاد الاجتماع الثلاثي في موسكو الذي يضم كل من تركيا، روسيا و إيران و الذي عقد في موعده و توج بإعلان موسكو.
كذلك تأتي العمليتان في ظل استمرار مسلسل التفجيرات التي تستهدف تركيا، و تواصل تهاوي الليرة التركية، بالإضافة إلى تواصل عملية درع الفرات.
ينبغي التأكيد على أن العلاقات الروسية – التركية في الآونة الأخيرة في تحسن و تطور و هو ما أملته الأوضاع الإقتصادية و الأمنية لكلا البلدين حتى أنه كثر الحديث عن قيام تحالف تركي – روسي، و بعبارة أخرى قيام تحالف مسيحي أرثوذكسي إسلامي سني، هذا الأخير الذي عمل اليهود على مر التاريخ على منع قيامه. و منه فإن العلاقات التركية – الروسية أبعد من ان تتأثر بهكذا عملية.
و بالتالي فإن تركيا كسبت العديد من المكاسب يمكن القول بأن أبرزها:
أولا: الضغط على الولايات المتحدة الأمريكية من أجل تسليم فتح الله غولن: هذا الأخير المتهم بالوقوف وراء محاولة الإنقلاب التي شهدتها مؤخرا. فالشخص الذي اغتال السفير الروسي ينتمي لتنظيم غولن أو الكيان الموازي كما تسميه أنقرة. و هو ما سيزيد من الضغط على الإدارة الأمريكية القادمة، كذلك إبراز للعالم الوجه الإرهابي للتنظيم و من ثم ضرورة دعم تركيا بهدف القضاء على كل امتدادات التنظيم في مختلف أرجاء العالم.
ثانيا: تركيا تتجه نحو محور طهران – موسكو: لا يخفي الأتراك غضبهم من غياب دعم دول الناتو لهم إبان محاولة الإنقلاب. بالمقابل فإن موقف روسيا كان أفضل باعتبارها من أوائل الدول التي أدانت الإنقلاب و عرضت المساعدة على الحكومة التركية، و ذلك رغم أن تطبيع العلاقات الروسية – التركية كان في بدايته على إثر إسقاط تركيا للمقاتلة الروسية.
الدبلوماسية التركية الحالية ليست كالتي كانت في عهد الخلافة العثمانية، فقد تمكنت من استغلال ورقتي موسكو و الناتو لصالحها. عكس ما كان عليه الحال مع الخلافة العثمانية التي كانت ترضخ بسبب تأخرها في مجال السياسة الخارجية، فتركيا تدرك في النهاية أنه سواء موسكو أم الدول الغربية يبقون أعداء و مهددين للطموح التركي.
و هو ما تأكدت منه عقب إسقاط أنقرة للمقاتلة الروسية أين وجدت نفسها وحيدة في مواجهة موسكو و كذلك إفرازات الأزمة السورية و أخيرا محاولة الإنقلاب و تهاوي العملة التركية.
با عتبار منفذ العملية امتداد لمنظمة ” الكيان الموازي” التي يتزعمها الداعية التركي فتح الله غولن المقيم في الولايات المتحدة الأمريكية و التي تطالب تركيا بتسليمه إضافة الى الاوضاع التي تشهدها الليرة التركية و العقوبات الإقتصادية المفروضة على روسيا و إيران. فالخطر و التهديد أصبح مشتركا و الحل يتطلب محورا مشتركا ( أنقرة، موسكو، طهران).
ثالثا: تكييف الدبلوماسية التركية مع استراتيجيات اللاعبين الكبار
و ذلك من خلال استراتيجية اللعب على الحبلين، فتركيا لن تتخلى عن الناتو و لا عن السعي لتدعيم العلاقات مع ايران و خاصة روسيا و هو مكسب تعزز باستهداف السفارة الأمريكية و اغتيال السفير الروسي.
ان استراتيجيات اللاعبين على الساحة الدولية تتسارع و تتنوع كنتاج لإفرازات الأزمة السورية التي وضعت حجر أساس سايكس بيكو ثانية و ما عملية درع الفرات التي سيتأتى لها الاستمرار بزخم أكبر بعد حادثة الاغتيال، و كذلك تحرير مدينة حلب السورية و عودة تنظيم داعش الى مدينة تدمر السورية إلا جزء منها. إضافة الى الاستراتيجية الأمريكية القادمة التي ستعتمد على الاقتصاد باعتباره شرايين الدول.
رابعا: تحدي يواجه الدبلوماسية التركية
فما يميز الدبلوماسية التركية الحالية أنها أصبحت دبلوماسية نشطة و فعالة، و ذلك من خلال استثمارها في العديد من النقاط سواء الثقافة المشتركة و التهديد المشترك و هو ما تعكف عليه اثر حادثة اغتيال السفير الروسي أم غيرها. لكن يبقى أهم تحدي يواجه هذه الدبلوماسية الناشئة و التي تتطور سريعا هو إمكانية صمودها في ظل عدم وجود سند حقيقي و فعلي على عكس الولايات المتحدة الأمريكية و الدول الغربية الاخرى و كذا روسيا.
و في النهاية ما حصل هو جزء من صراع استراتيجي لكبار الإستراتيجيين في العالم و هو الذي سيتواصل على أنقاض الجماجم.

 

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى