دراسات جيوسياسيةدراسات سياسية

ماهية التكتلات الإقليمية

إن ما يعيش فيه العالم من متغيرات عديدة بعد نهاية الحرب الباردة و تزايد الاتجاه المطرد نحو تدويل الحياة السياسية و الاقتصادية بكاملها و تسارع العلاقات فيما بين الدول في مجالات مختلفة، كل هذه التداعيات تمخضت عنها دواعي توحيد التوجه الدولي و صهره في ثقافة كونية واحدة مما أدى لزيادة التكتلات الإقليمية التي استطاعت تغطية كافة أوجه الحياة المعاصرة، و سنتعرض في هذا المبحث إلى مفهوم التكتلات الإقليمية و أهم المفاهيم المرتبطة بها بالإضافة لدوافع نشأتها و أهدافها.

تعريف التكتلات الإقليمية و أهم المفاهيم المرتبطة بها:

يعتبر الطابع التنظيمي للعلاقات بين الدول من بين أهم الملامح الرئيسية التي تميز بها القرن العشرين على أنه عصر التنظيم الدولي خاصة بهد زيادة عدد الوحدات السياسية بعد الحرب العالمية الثانية 2 التي تبلورت فيها الإقليمية كظاهرة فهي ليست حديثة إذ أن هناك العديد من التكتلات كالاتحاد الأوروبي التي تطورت فيه فكرة التكتل الإقليمي بشكل بارز، خاصة في أوروبا إذ برز بعد جدل دار حول ماسمي بالعالمية في مواجهة الإقليمية Universalisme vers régionalisme إذ أن أنصار ”التوجه العالمي” رأوا بأن إقامة تنظيم عالمي يشمل جميع الدول، كأحسن طريقة لتحقيق السلم و الأمن الدوليين، في حين= = أكد أنصار ”التوجه الإقليمي” على أهمية إنشاء تنظيمات إقليمية لتحقيق ذلك، ومن هنا نشأت نظرية ”السلام الإقليمي” بعد الحرب العالمية الثانية2 .[1]

و ما ساعد على بلورة الأفكار الإقليمية هو تطور التفاعلات على المستوى الواقعي بين الدول و هو ما ساهم في تعجيل الاتجاه نحو التكامل الإقليمي في كل جزء من العالم، و من هنا لوضع مفهوم الإقليمية وجدت العديد من الآراء إذن لم يشع استخدامه إلا في إطار العلاقات الدولية المعاصرة، مع قيام عصبة الأمم من خلال نص المادة 21[2] من ميثاقها فهناك نوعا ما من الصعوبة في تحديد تعريف عام للإقليمية و هذا راجع لتعدد جوانب و ارتباطه بمجموعة من المعايير و هي كمصطلح في العلاقات الدولية تشير إلى معنى عام للهوية: ” يقصد به توحيد و تجميع الأهداف مع خلق مؤسسات تعبر بشكل خاص و أدق عن الهوية و المشاركة الجماعية للفعل ضمن الإقليم الجغرافي”، و يمكن تصنيف الإتحاد الأوروبي مثلا كنتيجة للإقليمية .

و مانستنتجه من خلال التعريف تركيزه على الأهمية الإقليمية و إهمال ذكر معايير محددة لها، وهناك من يربط مفهوم الإقليمية بالعوامل التالية:

· العامل أو المعيار الجغرافي: من هنا الإقليمية تتجسد من خلال إقامة تنظيم بين مجموعة من الدول التي تحكمها روابط جغرافية.

· العامل أو المعيار الثقافي الحضاري: فالترابط الحضاري و التشابه في الظروف و الأوضاع السياسية و الثقافية عوامل ضرورية في إحداث تنظيم إقليمي.

· العامل السياسي: فالإقليمية أساس التعبير عن الواقع السياسي إذن أن الهدف منها تحقيق مصالح مشتركة لأعضائه.[3]

إذن يعتبر مفهوم الإقليمية من المفاهيم الديناميكية المتفاعلة في بيئتها التي برزت مع ظهور تكتلات إقليمية جديدة في مختلف مناطق العالم التي عرفت مصطلح ”الإقليمية الجديدة” التي يقصد بها ”تلك الموجة الحديثة من التفاعلات الاقتصادية و التجارية التي أخذت في التبلور ابتداء من منتصف الثمانينات في شكل كتل اقتصادية كبرى.[4]

المفاهيم المرتبطة بالتكتلات الإقليمية: هناك العديد من المفاهيم التي ترتبط مع ظاهرة الإقليمية :

الأقالمية: يقصد بها العلاقات المؤسسية بين كتل أو تنظيمات إقليمية متعددة الأبعاد و هذا ما يعبر عليه من خلال مفهوم الإقليمية الجديدة.

الأقلمة: يشير إلى العملية التجريبية التي تؤدي إلى مأسسة الأقاليم التي تكون مولدة إما من فواعل ضمن الإقليم أو من خلال قوى من خارج المنظمة الجغرافية.

التكامل الإقليمي: و هذا ما برز من خلال إسهامات نظريات التكامل و الاندماج خاصة النظرية الوظيفية الجديدة في تطوير و إبراز أهمية مستوى التحليل الإقليمي.

التعاون الإقليمي: هو مفهوم وسيط يتناول التفاعلات التعاونية بين الدول في منظمة إقليمية معينة لأنه يتخذ موقف وسط بين التعاون الدولي أو العالمي من ناحية،و بين التعاون الثنائي بين الدول الفاعلة في النظام العالمي من ناحية أخرى، كما يرتبط مفهوم التعاون بمفهوم الانتشار فهناك أنماط من التعاون تتجه نحو الانتشار لمناطق أخرى لتعزيز سلوك التعاون.[5]

الجماعة الإقليمية: تشير إلى العملية التي بواسطتها يتحول الإقليم إلى فاعل نشيط بهوية متميزة و بشرعية و بهيكل صنع القرار في إطار العلاقة مع المجتمع المدني الإقليمي، كما تدل الجماعة الإقليمية على التقارب و التوافق بين الأفكار الإقليمية المتناقضة أحيانا وبين المنظمات و العمليات ضمن إقليم معين.

المنظمة الإقليمية: عرفت المنظمة الإقليمية من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة: ”تلك الهيئات الدائمة التي تضم في منطقة جغرافية معينة عدد من الدول تجمع بينهم روابط التجاور و المصالح المشتركة والتقارب الجغرافي و اللغوي و التاريخي والروحي و تتعاون جميعا على حل ما قد ينشأ من منازعات حلا سلميا، و على حفظ السلم و الأمن الدوليين في منطقتها و حماية مصالحها و تنمية علاقاتها الاقتصادية و الثقافية”.

الإقليم: لا يوجد مفهوم موحد للإقليم بسبب الاستخدامات المختلفة له، و هذا بالرغم أن مفهوم الإقليم يشير لظواهر مختلفة، إلا أنه هناك فهم أساسي للإقليم الذي يمكن أن يلخص كتفاعل بين الفواعل و المؤسسات في منطقة جغرافية معينة.[6]

إذن فتعدد تعاريف التكتلات الإقليمية و أهم المفاهيم المرتبطة بها يدفعنا إلى البحث عن عوامل نشأة التكتلات الإقليمية.

عوامل نشأة التكتلات الإقليمية

بصفة عامة هناك عدة أسباب و مبررات تدفع الدول لتفضيل مشروعات التكامل الإقليمي نذكر منها أسباب أساسية:

· وجود روابط تاريخية قوية بين شعوب المجموعة و القرب الجغرافي: إن التقارب الجغرافي يعد واحد من أهم المقومات الجغرافية لقيام أي مجتمع إقليمي ذلك أن المصالح المشتركة و الروابط الثقافية بين دول الإقليم الواحد يجعل المنظمة الإقليمية أقدر على المساهمة في حل مشاكل المنطقة نظرا لمعرفتها العميقة بمواقف الأطراف، لكن هذا التجاور الجغرافي لا يكفي وحده لتكوين تنظيم إقليمي، إذ لابد من توافر روابط قومية معينة بين شعوب هذه الدول.

· العامل السياسي: بالإضافة للروابط السابقة نجد البعد السياسي الذي له وزن هام كدافع لقيام هذه التجمعات الإقليمية و تشكيلها حيث تتجسد رغبة هذه الدول في تجميع قواها ليكون لها وزن وثقة لها في تسيير الأحداث العالمية، و تتضح أهمية العامل السياسي من خلال التجربة الأوروبية الذي تظهر أهمية الدور الذي يلعبه العامل السياسي كحافز يدفع الأقطار المختلفة لتكوين تجمعات إقليمية فيما بينها كوسيلة لدعم استقلالها السياسي و ما يرتبط بها من قواعد تنظيمية مؤسسية.

· العامل الاقتصادي: هناك من العوامل ذات الطبيعة الاقتصادية ما يمكن أن يؤثر على اتجاه الدول المختلفة نحو تفضيل مشروعات التكامل الإقليمي نظرا لرغبة قادة الدول في إنجاز مصالح مشتركة لا يمكن تحقيقها دون تكتله، و لذا فإذا الأخذ بصورة أو أخرى من صور التكامل الاقتصادي الذي يساهم إلى حد كبير في تجاوز العقائد على صعيد الدول المتقدمة و النامية على حد سواء.[7]

· الدافع الأمني: حاجة الدول للأمن خاصة بعد بروز سياسات الاستقطاب و عمل كل من الاتحاد الأوروبي كتكتل إقليمي على السيطرة على مناطق النفوذ المختلفة في العالم.

· المتغيرات الدولية: سعي الدول المتوسطة و الصغيرة وراء أدوار أكبر في السياسة الدولية.

· صعوبة إدراك واقع العلاقات الدولية من خلال التركيز على مستوى النظام الدولي ما أدى بالمنظرين للتركيز على مستوى التحليل الإقليمي.

· حدوث تفاعلات إقليمية ذات تأثير عالمي أدت لتطور هذا المستوى التحليلي، ويرى كل من كانتوري Kantory و شبيغل Cheppigal أن هناك 6 أسباب لاعتماد مفهوم النظام الإقليمي كأداة لتحليل السياسة الخارجية.

مساهمته في تعميق دراسة العلاقات الدولية فهو مستوى تحليل وسطي بين مستوى الدولة و المستوى العالمي.

يساعد في تصحيح رؤية بعض الباحثين الذين يتعاملون مع مختلف الأحداث من منظور النظام المهمين.

يساعد أخصائي المناطق بأن يوسعوا مجال الدراسة ليشمل الصفات المشتركة بين الدول على المستوى الإقليمي في مناطق تخصصهم.

يساعد في القيام بالدراسات المقارنة لسياسة الدولة على المستوى الإقليمي الدولي.

يساعد في القيام بالدارسات المقارنة بين منطقتين مختلفتين.

يساعد في دراسة التفاعل بين المستويات المختلفة في النظام الدولي.[8]

و في هذا الإطار فإن عوامل نشأة التكتلات الإقليمية طرحت لنا أهميتها البالغة و تحقيق أهدافها المختلفة.

أهداف و أهمية التكتلات الإقليمية:

على صعيد الأهداف نجد أن التكتلات الإقليمية تمكن المجموعة المتحدة التي تشابه مصالحها من السعي معا لتحقيق هذه المصالح، و بالتالي فهي تسمح بتقدم أكبر على تحرير التجارة و استطلاع فرص التعاون بحثا عن هذه الأهداف على أساس إقليمي.

من ناحية أخرى تمثل التكتلات الإقليمية ساحة مناسبة لتطوير أنماط جديدة للتعاون بين الدول حول القضايا الجديدة التي يطرحها النظام التجاري الدولي لعدة أسباب أهمها:

· إن مشاركة عدد أصغر من الدول في العملية التفاوضية يجعل من السهل الوصول إلى توافق في الآراء حول هذه القضايا خاصة عندما لا يتم التوصل لأرضية مشتركة في المفاوضات السابقة في الإطار المتعدد الأطراف أين يفضل التركيز على مجموعة محدودة، تعطي الفرصة للدول لتجريب مداخل مختلفة.

· بإمكان التكتلات الإقليمية كسر الجمود الناجم عن المصالح الوطنية للدول المنفردة التي تخسر من جراء اتساع المنافسة أو التعاون في مجال محدد، حيث يصبح في الإمكان تسهيل التجارة الدولية بسبب توصل التكتلات الإقليمية لتجانس اللوائح و إزالة القيود في إطار الإقليم و بالتالي تكوين سوق موحدة.[9]

و تكتسي التكتلات الإقليمية أهمية بالغة في عالمنا المعاصر لأنها تمكن تحقيق الكثير من المكاسب فالتكتل ليس هدفا في حدا ذاته باعتباره وسيلة لتحقيق الأهداف و تكمن أهمية التكتلات الإقليمية في أهمية التكتل أو التكامل في حد نفسه بالنظر إلى التجارب التكاملية الناجحة في الماضي و ما تشكله من منفعة على جميع الدول المنظومة فيصبح التكامل وسيلة وغاية في نفس الوقت بحيث تسعى عن طريقه لخلق تكتلات تعود بالفائدة التدريجية على الدول المنضوية تحت لواء هذه التكتلات.

كما تبرز أهمية التكتلات الإقليمية في الجانب الاقتصادي بصفة خاصة من خلال:

الأثر الإنتاجي للتكتل و الذي أشار إليه « J.viner » بأنه أثر خلق التجارة و مفاده أن زيادة رفاهية الدول الأعضاء تأتي كنتيجة طبيعية لزيادة إنتاج المشروعات ذات الكفاءة العالية.

الأثر الاستهلاكي للتكتل الاقتصادي بحيث يؤدي إلى زيادة رفاهية المستهلكين عن طريق إحلال السلع رخيصة الثمن محل السلع المرتفعة الثمن و تحسين جودتها.

يساهم التكامل الاقتصادي في زيادة معدلات التبادل التجاري للدول الأعضاء كما يؤدي إلى زيادة القوة التفاوضية لأنه كلما زاد عدد الأعضاء كلما كانت هناك قوة تفاوضية أفضل مع الدول الأخرى و بالتالي يؤدي التكامل الاقتصادي لتحسين معدل التبادل التجاري[10]

تبرز أهمية التكتل الاقتصادي من خلال تحقيق الوفرة الاقتصادية نتيجة اتساع لنطاق السوق الذي يؤدي إلى زيادة الطلب على منتجات المشروعات مما يمكن هذه المشروعات من استغلال أكبر طاقة إنتاجية ممكنة مما يؤدي إلى زيادة الرفاهية الاقتصادية.

تحقيق الوفرة الخارجية نتيجة انتقال عناصر الإنتاج بحرية ودون قيود بين الدول لذلك تعتبر الوفرة من أهم المكاسب التي تعظم أهمية التكتل الاقتصادي.

يساعد التكامل على زيادة المنافسة بين مختلف المشروعات القائمة ومختلف عناصر الإنتاج في الدول الأعضاء و بالتالي الاستخدام الأمثل للموارد الاقتصادية وزيادة رفاهية المستهلكين.

يعمل التكامل الاقتصادي على زيادة الاستثمار و تتضح أهمية التكتلات الاقتصادية أكثر من خلال نظرية ” الاتحاد الجمركي ” ضمن النظريات الاقتصادية في التكامل و الاندماج.[11]

و نستنتج أنه يمكن اعتبار الاتحاد الأوروبي كنظام إقليمي برز على الساحة الأوروبية والمتوسطية ضمن ما اعتبر بالإقليمية الجديدة المعبر عنها بظاهرة التكتلات الاقتصادية، ومن هذا المنطلق يمكن التطرق إلى ماهية الاتحاد الأوروبي.

[1] صادق محروس، المنظمة الدولية و التطورات الراهنة في النظام الدولي، السياسة الدولية 122 (أكتوبر1995):ص.12.

[2] المادة 21: ” لا تعتبر معارضة مع عهد عصبة الأمم أي من التعهدات الدولية التي تكفل استتباب السلام كما هو الحال في اتفاقيات التحكيم وفي اتفاقيات الإقليمية مثل تلك القائمة على أساس من تصريح مونرو”.

[3] أحمد الراشدي و ناصف حتى، الأمم المتحدة ضرورات الإصلاح بعد نصف قرن (لبنان: مركز دراسات الوحدة العربية،1999)، ص.181.

[4] السيد ولد أباه، اتجاهات العولمة،ط.1.(المغرب: المركز الثقافي العربي،2001)، ص.95.

[5] حسن أبو طالب، “التعاون الإقليمي في الشرق الأوسط”، السياسة الدولية 123(جانفي 1996)، ص.71.

[6] أحمد الراشدي و ناصيف حتى، مرجع سابق، ص.275-220.

[7] آسيا الوافي، “المشكلات الاقتصادية الإقليمية و حرية التجارة في إطار المنظمة العالمية للتجارة” (رسالة ماجستير في العلوم الاقتصادية، قسم العلوم الاقتصادية، جامعة باتنة، 2007)، ص. 33-34.

[8] محمد مجدان، “العالم العربي و العلاقات الأطلسية: دور النظام الإقليم العربي و تأثيره فيها” (رسالة دكتوراه في العلاقات الدولية، قسم العلوم السياسية، جامعة الجزائر، 2008)، ص.28-29.

[9] آسيا الوافي، مرجع سابق، ص.163.

[10] المرجع نفسه، ص.36.

[11] المرجع نفسه، ص.37.

 

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى