ماهية داعش ؟

اعداد : أ. طيبة فواز – المركز الديمقراطي العربي

كيف ومتى ولماذا وأين ؟ تساؤلات كثيرة تجول في خواطرنا جميعا إذ يساورنا القلق حيال التنظيم الذي صعد فجأة ليصبح اقوى منظمة ارهابية في العالم ,الدولة الاسلامية التي أسمت نفسها دولة الخلافة المعروفة (بداعش)!

لكن في البداية دعونا نتعرف ونوضح نبذة مختصرة عن (مفهوم الارهاب )كونه العامل الرئيسي لنشوء هذه السلطة السوداء.

(الارهاب ) افعال ترتكب بطريقة دراماتيكية لجذب الانتباه العام وخلق مناخ من الرعب يتجاوز الضحايا التي تعرضوا له . إذ ان تعبير الارهابي في نظرك قد يكون المدافع عن الحرية في نظر شخص اخر! بسبب العوائق والتأثيرات التي تطرأ عليه قد تكون هذه المؤثرات (سياسية) تدور حول قضايا الديمقراطية ,عملية التحول السياسي للمجتمع, الحكومات الفاسدة ,فشل الدولة اضعفها , سوابق تاريخية كالعنف السياسي و الحروب الاهلية والثورات والدكتاتوريات, ظهور قادة كاريزما تئن مدلجين , سهولة الحصول على الاسلحة, التعرض لقمع الاحتلال الاجنبي (اقتصادية واجتماعية) تحديث البلاد بوتيرة سريعة. مشاكل البطالة والامية والجهل والتهميش الاجتماعي (دينية) متعلقة بالطائفية ,العرق, الدين التي خلقت أيدولوجيات متطرفة تشهر نفسها باسم الدين وعوامل كثيرة اخرى.كل هذه الاسباب تؤدي الى حدوث الفعل الارهابي المتوحش كالمذابح البشرية الاغتيالات الاختطاف عمليات التخريب التفجيرات من العبوات الناسفة الى الطائرات .

من هنا نستطيع القول ان (داعش) استطاع من هذه الثغرات بناء خلية سرية له , ولكن السؤال الذي يطرح نفسه كيف لتنظيم متطرف فاشل ومضيق الخناق عليه لا يمتلك سلطة ولا موارد تذكر ولا دعما والمتعاطفين ان يحقق هذه الانتصارات؟

اختلفت وجهات النظر حول ماهية (داعش) فخبراء تنظيم القاعدة يرون ان (داعش) انشق عن القاعدة, اما المحققون الجنائيون يعتبرون ان (داعش) عصابة مافيا هدفها الحصول على الاموال ,لكن الباحثين في العلوم الانسانية يرون العكس تماما ان الاحكام والقيم التي ينشرها (داعش) بهدف نشر رسالة الهية .

الكل كان لا يعلم عن هذه القوة التي ظهرت فجأة سنة2010 وبطريقة ذكية حيث بداة عند تولي مجموعة صغيرة في الخفاء مكونة من ضباط سابقين في جهاز المخابرات والجيش الذين كانوا من الكادر السابق لصدام حسين وضعوا هؤلاء القادة الجدد الية لتوسيع نفوذهم وخلف شعار دولة اسلامية بقيادة الأمير الصوري ابي بكر البغدادي لكن هناك تناقض بين هذين المزيجين المكون من بعثين سابقين وجهادين فحزب البعث الذي كان يحكم في العراق كان علمانيا على عكس الاسلامين لكن المبدئين التقيا وأتفقا على ضرورة ان حكم الناس يجب ان يكون في ايدي نخبة واحدة فهي تطمح الى لتحقيق مخطط كبير يستمد شرعيته اما من الله أو من أمجاد التاريخ العربي .

كانت الدولة الاسلامية لفترة من الزمن تجمع الاتاوات من الناس وتقتل من لا يدفع او تفجر متجره لتمويل الاعتداءات وخاصة في بغداد هذا كان حد (داعش) في البداية كانت اصغر من ان يتجرا الى الخوض في صراع مفتوح, الى ان سنحت الفرصة لها في سنة 2012 للتوجه الى سوريا وبناء خلية سرية لها فقد استغلت الوضع استغرقت شهورا من التعب للوصول الى مبتغاها بجمع اكبر قدر من المعلومات عن هؤلاء المعارضين لقد كان مبدأ الارهابين دفع الدولة او النظام للانهيار وبناء الدولة على انقاضها لذا من سنة 2012 لم تعد هناك دولة في سوريا وخصوصا في الشمال السوري التي كانت ساحة معركة بين جنود نظام الاسد والمعارضين.

إن عدم لجوء المخططين الاستراتيجيين للقاعدة الى هذه الخطة سابقا لم يكن بسبب عجزهم لكن حالة الفوضى هذه لم تستح البلدان العربية قبل سنة2011 تكمن المفارقة هنا ان صعود الدولة الاسلامية لم يكن ممكنا الا بعد ثورة الناس في سوريا وقبلها تونس ومصر وليبيا على الدكتاتورية والاضطهاد . لكن الهدف منذ البداية ايجاد موطئ قدم وبناء على الخطة المرسومة فالغطاء الديني هو الوسيلة الانسب للتغلغل اذ تم افتتاح مكاتب للدعوة في مدن وقرى شمالي سوريا الهدف كان ايجاد ارضية مشتركة دون ان يكسبوا كراهية الناس وخلق اعداء لا يمكن القضاء عليهم وهكذا تم افتتاح مركز الدعوة في الرقة تحت شعار جميعا (اخوة) ولم يذكروا ابدا تنظيم دولة العراق الاسلامية . لكن بعد فترة تلقى جهاز الاستخبارات في الاقليم على ان (داعش) يخطط لعملية عسكرية للدخول الى الموصل واخبر رئيس الاقليم مسعود بارزاني رئيس الوزراء نوري المالكي عدة مرات بذلك لكن نفى ذلك (بحجة أن لديه جيش وهو الذي يهتم بذلك ) لكن بعدها حدث هدوء لداع لكن هذا الهدوء كان ظاهريا كان (داعش) في هذه يخطط للدخول الى الموصل وبالفعل كانت عملية مخطط لها سلفا على نطاق واسع من جماعات مختلفة بعثية قديمة الصوفيين القديمون (اتباع الطريقة النقش بندية) وكتائب ثورة العشرين ذات التوجه القومي والعديد من التشكيلات الاسلامية الاخرى في شهر حزيران- يوليو تم اكتساح مدينة الموصل في غضون ايام استولوا على ثلث البلاد واصبح (داعش) دولة الخلافة في العراق.

السؤال الذي طالما اثار النقاشات مراراً وتكراراً ما مدى علاقة الاسلام السياسي بالإسلام ماهي الحدود الفاصلة بين الذين يريدون ان يعيشون دينهم ببساطة وأولئك الذين يعتبرون الدين مسوغاً لا جبار الاخرين على اتباع تصوراتهم سوآءا بالكلمة وبالقنابل او الكلاشنكوف؟ لكن من الواضح أنه ليست هناك إجابة على هذا السؤال لان هذا الجدال في النقاشات والبرامج الحوارية والمقالات نقاش عقيم.

قام ابن اسحاق (اول من كتب سيرة النبي محمد) وعلى مدى عقود بجمع الحكم والاحاديث والقوائم والعقود والشعر التي كان يتم تناقلها عن النبي ومعظمها بشكل شفهي حتى ذلك التاريخ .كتب سيرة نبوية ذات طابع شبه عصري حتى انه اعترف انها تحتوي على أوجه مختلفة للقصص الواردة فيها. هذه النصوص المبكرة تنعكس بطريقة مذهلة في انتصارات الدولة الاسلامية في صيف عام 2014 لم يتمكن المقاتلون من شن هجوم مباشر على مدينة الموصل العراقية التي ينتمي كثيرون من قادة (داعش) الى محيطها بل كان عليهم اولا ان يصبحوا قوة عسكرية في ظل الفوضى الحاصلة في سوريا وان يجعلوا مدينة الرقة ذات الأهمية الاقل منطلقاً لخطوتهم القادمة في الاستيلاء على الموصل هذا الأمر شبيه بما عمله الرسول محمد (ص) عندما اضطر الى الهجرة من مكة الى المدينة اولا قبل ان يتمكن من فتح مكة لاحقا التي كانت هدفه اصلا ودخل المدينة دون قتال تقريبا كما دخل (داعش) الموصل.

حتى اقدس الكتب الاسلامية القران بعد نزوله على النبي محمد (ص) تغيرت تفسيراته على مر القرون دوما , تم تكييف تفسير الآيات لتناسب المتطلبات السياسية اللاهوتية , وفرضه بالطبع على انه توضيح نهائي للمعنى الالهي الى ان تطلبت في الآونة الاخيرة تفسيرا جديدا مثل الهجوم الانتحاري الذي يعد العنصر الاساسي في موجة هجمات داعس فحتى الهجمات الانتحارية كل هذا يستند الى نصف جملة من الآية (29)من سورة النساء (ولتقتلوا أَنفُسَكُم) اي لا تقتلوا البشرية وتحريم الانتحار حيث جزأهم الخلود الى نار جهنم ,في تلك القرون لم يكن هناك متفجرات ,حيث يمكنهم تفسير الحادث الانتحاري على انها تتوافق مع شرع الله –او على أنها اثم عظيم فظهر مصطلح جديد هو الاستشهادي المشتق من الشهادة فالشهداء يدخلون الجنة فورا بهدف تفجير نفسه على الناس الذين هم كفار في رأيهم ولم يكلف التنظيم نفسه عناء تقديم تبرير لذلك متجاهلا تفسيراً يعود لألف عام وموسوعات احاديث نبوية يرفعها شعار له.

إن هذا النوع الجديد من الراديكالية التي تمارسها الدولة الاسلامية لا علاقة له بالإيمان بالدين والطاعة العمياء لله بل على العكس من ذلك فتنظيم (داعش )لا يعتمد الايمان والآمال بل يعتمد على تخطيط استراتيجي وحسابات واقعية من اجل تحقيق اهدافه دون ان يترك شيء للصدفة او للدين ولم يسبق لتشكيل جهادي في العقود الماضية قبل (داعش) ان لجا بهذا الشكل الى الاستخدام الرصين للأكاذيب والتبديل التكتيكي غير العقائدي للتحالفات وعدم الثقة المطلق بالجميع بما فيهم أمراء (داعش) انفسهم ونظام تجسس ورقابة متطور كما ان جماعات اخرى فشلت في استغلال اغواء كتابة التوكيل الالهي على رايتها ولكن داعس عرف كيف يوظف التفويض الالهي بمثابرة ونجاح ايضا رغم انه لا تمكن رؤية الايمان في اعماق الدولة الاسلامية بل بالحسابات فقط وفي الحقيقة لا يريد (داعش) السير على خطى تقاليد الوجود الاسلامي بل يريد تعريف نفسه من خلال اقحام الاسلام في تسميته .

في نهاية المطاف انها حالة من تبدد الحلم التي ستبقى ندبة طويلة الامد تمت الاطاحة (بداعش) من الداخل فقط وليست من خلال الهجمات في الخارج لان اذ ما بقيت قوات قصف التحالف المناهض( لداعش ) وهجمات المليشيات على نفس المنوال مع الاسف ستعيد كائن الرعب هذا.

المصادر :-

original title: Die Schwarzenegger Macht.Der “Islamische staat”under die strategen des Terrors by

Christoph Reuter

2015 By Deutsche verlags – Anstalt , münchen

A division of verlagsgruppe Random House GmbH ,München, Germany

كريستوف رويتر ، ترجمة محمد سامي الحبال ، السلطة السوداء ((الدولة الإسلامية )) ، وإستراتيجيو الإرهاب ، الطبعة الاولى ، دار الكتب القطرية ، منتدى العلاقات العربية والدولية .

 

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button