دراسات اقتصادية

ما هو برأيك التغيير الاقتصادي أو الاجتماعي الأهم الذي من شأنه أن يخلق تغييراً إيجابياً لأبناء بلدك؟

مسابقة مركز بروكنجز الدوحة البحثيّة للشباب العربي – المقالة الفائزة

يسرّ مركز بروكنجز الدوحة أن يعلن عن فوز مقالة يونس بن عمارة حول اقتصاد المعرفة في الجزائر بمسابقة مركز بروكنجز الدوحة البحثيّة للشباب العربي. وقد نظّم مركز بروكنجز الدوحة هذه المسابقة البحثية بهدف تشجيع مشاركة الشباب العربي من خلال تأمين منصة لهم لتقديم حلول مبتكرة وبنّاءة لمشاكل أساسية تواجهها المنطقة. يمكن قراءة المقالة الفائزة باللغة العربية أدناه. تم تعديل هذه المقالة قليلاً توخّياً الوضوح واحترام عدد الكلمات المطلوب. الآراء الواردة أدناه تعبّر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر مركز بروكنجز الدوحة.

ما هو برأيك التغيير الاقتصادي أو الاجتماعي الأهم الذي من شأنه أن يخلق تغييراً إيجابياً لأبناء بلدك؟

لا شكّ في أنّ الكثير من المقاربات يستهدف خلق تغيير إيجابي في البلدان لا سيما النامية منها، لكنّني سأركّز في بحثي هذا على التغيير الاقتصادي بشكل خاص، وفي الجزائر تحديداً.

إنّ إجابتي عن السؤال أعلاه تكمن في نظري من خلال تمكين اقتصاد المعرفة، الأمر الذي سيساعد على تفعيل الاقتصاد التشاركي، والاقتصاد التعاقدي الحر.

وسنفصّل كيفية تفعيل كل نوع من أنواع هذه الاقتصادات، وعلاقته المباشرة بخلق التغيير الإيجابي في الجزائر، وما هي السياسات المقترحة لتنفيذه على أرض الواقع.

اقتصاد المعرفة (Knowledge Economy)

إنّ البيانات سلعة في عصرنا الحالي، تستخدمها بعض الجهات كميزة تنافسية لا يعلى عليها. وبحسب الكتاب بعنوان: مراكز الأبحاث في أمريكا، [1] فإنّ بعض مراكز أبحاث السياسات الاقتصادية التي تعتمد على المعلومة في أعمالها، لديها قوة استراتيجية تفوق وزارات بعض البلدان، نظراً لافتقار الأخير[2]  للتخطيط الاستراتيجي واستغلال أقصى منافع المعرفة، التي تشكل بدورها السندات الرئيسية في اقتصاد المعرفة، الذي يعامل البيانات بوصفها أصولاً يمكن استثمارها.

ينطوي اقتصاد المعرفة على اعتبار البيانات أصولاً اقتصادية بحدّ ذاتها، يمكن الاستثمار فيها تماماً مثل غيرها من الأصول التقليدية، كالعقارات وغيرها. ولا بد من أن يشكّل اقتصاد المعرفة منصة انطلاق تُبنى عليها مخرجات الاقتصاد التشاركي والاقتصاد التعاقدي الحرّ.

كيف نُفعّل اقتصاد المعرفة في الجزائر؟ لو اطلعنا على قائمة مراكز الأبحاث في الجزائر،[3] لعجبنا من وجود هيئات بحثية لم نسمع عنها من قبل. ويدلّ هذا المؤشّر على جزء من المشكلة فحسب: ابتعاد هذه الخلايا البحثية عن الأضواء وعدم إنتاج مُخرجات يلمسها المواطن في واقعه. أضف إلى ذلك الغموض الذي يلف كيفية إنشاء تلك الخلايا البحثية، والبيروقراطية في التوظيف، وآلية التمويل الشديدة التعقيد، الأمر الذي يعيق أصلاً تحقيق الأهداف التي أُسِّست لأجلها.

ولحلّ ما ورد أعلاه نقترح ما يلي:

  • إعادة هيكلة المؤسسات البحثية القديمة، وتمكينها من العمل بكامل طاقتها.
  • تأسيس مراكز أبحاث جديدة في مختلف التخصصات هدفها رسم السياسات العامة لمختلف القطاعات الاقتصادية.
  • إيجاد نظام تمويل مستدام لهذه المراكز بطريقة مبتكرة ولا تضرّ باستقلالية البحوث التي تنتجها.

الاقتصاد التشاركي (Sharing Economy)

يتمثّل هذا النوع من الاقتصاد “في نظام اقتصادي مستدام يقوم على مشاركة الأصول البشرية والمادية، ويشمل الإبداع والإنتاج والتوزيع والإتجار والاستهلاك التشاركي للبضائع والخدمات بين مختلف الأفراد والمنشآت التجارية”.[4]

وقد أثبتت الدراسات[5] نجاح عدة مؤسسات ربحية وغير ربحية في هذا النظام الاقتصادي. قد يقول البعض إنّ هذه النُظم قد تنجح في اقتصادات البلدان المتقدمة، لكنها لا تنفع في البلدان النامية. غير أنّ تجارب ناجحة في بعض هذه البلدان، كالهند مثلاً (بنك الفقراء لمحمد يونس[6])، قد أثبتت العكس. وبالتالي، يمكن تطبيق ذلك في طيف واسع من القطاعات في الجزائر. ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ فوائده جلية،[7] ويتمثل أهمها في استغلال الأصول بأحسن شكل، والاستثمار في الشباب باعتبارهم رأس المال الأهم في الجزائر، بالإضافة إلى منافعه على جميع الأطراف المعنية.

ويمكن تفعيل الاقتصاد التشاركي في الجزائر عبر الشراكة بين القطاعين العام والخاص (Private Public Partnership PPP) من خلال:

  • خلق إطار قانوني يسمح لشركات مثل أوبر بالعمل دون الإضرار بالمؤسسات التقليدية مثل نقابة سائقي سيارات الأجرة على سبيل المثال.
  • وضع فترة انتقالية تسمح للمؤسسات التقليدية بالتطوّر من خلال تدريب المنتسبين إليها على التقنيات الجديدة.
  • إنشاء حاضنات ومسرّعات للشركات الناشئة تكون بمثابة بيئة تشغيل تجريبية لمراقبة نجاحها ومن ثم دعمها، أو تدارك فشلها وتطويرها نحو الأفضل.

الاقتصاد التعاقدي الحر (Gig Economy)

يُعرَّف الاقتصاد التعاقدي الحر على أنّه بيئة اقتصادية تضم مجموعة من المؤسسات والأفراد يعملون بنظام القطعة والتعاقد لفترة قصيرة مؤقتة وليست طويلة الأجل، ويُسمّى عادة التعاقد الحر أو ما يُعرف بالفريلانس [8].

ونرى في هذا السياق نجاحات كبيرة. ونذكر منها مثلاً قصة نجاح فؤاد بدوي[9] في بيع قوالب مواقع وورد بريس وتحقيق أكثر من مليون دولار من المبيعات[10] على موقع إينوفاتو للأعمال الحرة، والمثال الآخر هو شركة حسوب التي حققت مئات الآلاف من المبيعات ووزعت أرباحها على مستخدميها.[11]

طرق تفعيل الاقتصاد التعاقدي الحر في الجزائر؟

قام بعض الشباب الجزائري ببعض المحاولات لتفعيل الاقتصاد التعاقدي الحر في الجزائر، إلا أن ضبابية القوانين بشأن هذا الاقتصاد، وعدم فهم الهيئات الحكومية كافة أبعاده تعيق محاولات تفعيله. ومن بين هذه المحاولات، نذكر موقع فريهالي [12].

غير أنّها غير كافية، ولا بد من دعمها على نطاق واسع. وذلك من خلال:

  • وضع نظام قانوني للعمل الحرّ يتيح للمتعاقد الحر الاستفادة من كافة الخدمات الحكومية المتاحة للموظّفين. ويُعدّ ذلك أول خطوة لتفعيل اقتصاد التعاقد الحرّ. ففي الجزائر، ما من قانون حالياً يضبط عمل المتعاقد الحر. وعلى الرغم من وجود بعض القوانين المتعلّقة بريادة الأعمال والتي تسمى “المقاولاتية” في الجزائر، تغيب القوانين الخاصة بعمل المتعاقد الحر بالأخص عبر الإنترنت.
  • التخفيف من القيود المفروضة على العمليات والتعاملات والتحويلات المالية، في ذات الوقت ضبطها ومراقبتها بطرق أكثر حداثة (عملات رقمية، والبلوكتشاين (blockchain) مثلاً والبيانات الضخمة[13]). من شأن ذلك تفعيل الدفع الإلكتروني المحلي والدولي وتفعيل الدفع عبر الهاتف وعبر الأنترنت تحت إشراف الدولة.
  • تشجيع المستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال ورجال الأعمال على الاستعانة بالعمال المتعاقدين للقيام بأعمالهم.
  • خلق مؤسسات ونقابات وهيئات تكفل حقوق المتعاقدين الأحرار، على سبيل المثال لا الحصر نقابة للمترجمين المستقلين؛ وتكييف خدمات مؤسسات الدولة الحالية بشكل يسهّل عليهم عملهم وحياتهم، على سبيل المثال الاعتراف بمهنة التعاقد الحرّ عند طلب التأشيرات.

إنّ تأسيس أرضية راسخة من الاقتصاد المعرفي الذي يوفّر السياسات اللازمة يمكّننا من إنشاء منظومة متكاملة تربط ما بين الاقتصاد التشاركي والاقتصاد التعاقدي الحرّ يكفل للقيادة والشعب تحقيق التغيير الاقتصادي المرجو بما يواكب مستجدات العصر التي لا تنفك عن التطور.

الحواشي

  1. توماس ميدڨيتز: مراكز الأبحاث في أمريكا، ترجمة نشوى ماهر كرم الله (قطر، منتدى العلاقات العربية والدولية، الطبعة الأولى 2015)، ص ص 86-90.
  2. المرجع نفسه، ص 90.
  3. قائمة مراكز (ومخابر) البحث في الجزائر، ملف إلكتروني تم الاطلاع عليه بتاريخ 06-02-2019، رابط مختصر: http://bit.ly/2HX0aYp
  4. انظر د. عارف دليلة ود. مصطفى العبد الله، الاقتصاد التعاوني، جامعة دمشق، كلية الاقتصاد، دمشق ۱۹۸۷م، ص 2-5
  5. انظر على سبيل المثال لا الحصر كل من كتاب: Uber, Lyft, Airbnb, and the Sharing Economy للكاتب Rachel Bozek و: Creative Destruction and the Sharing Economy Uber as Disruptive Innovation للكاتب هنيريك شنيدر، كبير الخبراء لدى الاتحاد السويسري للمؤسسات المتوسطة والصغيرة.
  6. د. مجدي علي سعيد، تجربة بنك الفقراء الحائز على جائزة نوبل للسلام عام 2006، الدار العربية للعلوم ناشرون، الطبعة الثانية، بيروت لبنان 2007م، الباب الثالث، الفصل الثاني: الآفاق العالمية للتجربة، ص 188.
  7. طالع على سبيل المثال لا الحصر:حديث الاستشاري عبدالله الغدوني في تيد إكس، رابط: http://bit.ly/2SfWkxY, مقالة خبير ريادة الأعمال المجتمعية: أحمد سفيان بيرم على مدونته الشخصية: http://bit.ly/2ShJakp,مقالة على منصة ومضة المرموقة: http://bit.ly/2WLPz5G
  8. يرجى ملاحظة أنّ مصطلح الاقتصاد التشاركي مرادف لمصطلح الاقتصاد التعاوني. التعريف مترجم بتصرف من الموقع https://www.investopedia.com/terms/g/gig-economy.asp تم الاطلاع عليه بتاريخ 06-02-2019.
  9. https://io.hsoub.com/go/6175 موقع حسوب، تم الاطلاع عليه بتاريخ 06/02/2019.
  10. الرقم وفق تصريح ذاتي في حوار صوتي أجراه الكاتب الريادي ثمود بن محفوظ مع فؤاد بدوي في حلقة من بودكاست كلام، رابطها: http://bit.ly/2TA99Qy، تم الاستماع إليها بتاريخ: 06/02/2019.
  11. المرجع، الموقع الرسمي لشركة حسوب على شبكة الإنترنت، طالعتها بتاريخ 06/02/2019 https://www.hsoub.com/
  12. واجهة الموقع باللغة العربية: https://www.freehali.com/ تم الاطلاع عليها بتاريخ 06/02/2019. للمزيد من المعلومات، طالع: http://bit.ly/2RJX35F، فريهالي® هي منصة خدمات مستقلين تسمح للجزائريين الذين لديهم مهارات من استثمارها من جهة، والسماح للمقاولين وأصحاب المشاريع الجزائريين بالوصول بثقة إلى مهارات هذه الكفاءات بدون تعب، من جهة أخرى. وذلك من خلال منحهم القدرة على الاختيار والتفاوض مع عدة مُستقلين مجانا، في وقت واحد، ومن دون أي التزام.
  13. للتعرف أكثر على هذه المصطلحات: البلوكتشين: http://bit.ly/2taPM4Y العملات الرقمية: ما هي العملات المشفرة؟ http://bit.ly/2RN8LfE (مقال محكم مقتطف من منشور لصندوق النقد الدولي)، البيانات الضخمة: https://mostaqbal.ae/big-data/ (تم الاطلاع على ما سبق من روابط بتاريخ 07/02/2019).

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى