دراسات اقتصادية

نظرية القيمة بين ابن خلدون ومفكري الاقتصاد التقليدي

تاريخ تسلم البحث: 8/12/2014م                         تاريخ قبوله للنشر: 22/4/2015م

عبدالله البدارين *  نجاح  أبو الفتوح **

ملخص

      هدفت هذه الدراسة إلى مناقشة نظرية القيمة عند ابن خلدون، مقارنة مع نظرية القيمة في الفكر الاقتصادي التقليدي، وقد بينت هذه الدراسة أن ابن خلدون قد تناول أغلب محددات القيمة التي نوقشت لاحقا، من ذلك تحديد القيمة من خلال العمل، أو من خلال تكاليف الإنتاج، أو المنفعة، وصولا إلى تحديدها من خلال آلية السوق الناتجة عن العلاقة بين العرض والطلب، من خلال تناوله لأغلب محددات العرض والطلب، وقد انفرد ابن خلدون في تقديم بعض المحددات التي تؤثر في القيمة؛ كتجارة السلطان، وأخلاق التجار، والآفات السماوية، ولم تأت هذه الأفكار في شكل نظرية واضحة، بل جاءت أفكاراً متفرقة في سياق مناقشة علم الاجتماع والسياسة،  ولم يثبت لنا تأثير أفكار ابن خلدون حول القيمة في انجازات مفكري الاقتصاد التقليدي، لكنه يحتفظ بالأسبقية في تناول الأفكار المتعلقة بنظرية القيمة، نظرا للتفاوت الزمان بين الطرفين.

المقدمة

 بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:

 يزخر التاريخ الإسلامي بعلماء ومفكرين قدّموا الكثير في مختلف ساحات العلوم، منها ما نسب لهم، ومنها ما نسب إلى علماء من الغرب، ويعد ابن خلدون واحدا من هؤلاء المفكرين، والذي نالت مؤلفاته جانبا كبيرا من البحث والتحليل في مختلف الجوانب، وخاصة كتابه الأشهر “كتاب العبر “بما فيه المقدمة، وقد ناقش ابن خلدون المواضيع الاقتصادية في إطار الاجتماع البشري، بالإشارة مرة، وبأفراد أبواب خاصة بها مرة أخرى، وذلك دون أن يأتي على أي ذكر لكلمة اقتصاد، وعلى الرغم من ذلك فقد تبين من خلال البحث احتواؤها على فكر اقتصادي جدير بالدراسة والتحليل، وخاصة فيما يتعلق بنظرية القيمة، التي جاءت مفرداتها متناثرة هنا وهناك.

وتعد  نظرية القيمة من المسائل الاقتصادية الهامة التي تبحث في واحدٍ من أهم ما يهم الإنسان من القضايا الاقتصادية، ألا وهي كيفية تحديد قيم السلع في التبادل، والعوامل التي تساهم في تحديد هذه القيمة، ومن المعروف أن نظرية القيمة نالت، ولا تزال تنال، جانبا كبيرا من البحث في النظرية الاقتصادية، لدرجة أنها عرفت بلغز القيمة، بسبب تفاوت قيم الأشياء باتجاه معاكس لأهميتها، وأشهر ما طرح في هذا السياق تناقض قيمة كل من الهواء والماس مع أهمية كل منهما، ويرى (Schumpeter, 2006) أن القيمة تعد المحور الرئيسي للتحليل الاقتصادي على مر العصور، وقد سال الكثير من المداد في مناقشة هذه النظرية، انطلاقا من الفيلسوف اليوناني أرسطو إلى وقتنا حاضر.

ومن هنا جاءت هذه الدراسة كمحاولة لإنصاف هذا المفكر المسلم، وبيان ما قدمه من سبق في هذا السياق، وذلك من خلال ما نعرفه من فروق زمنية بينه، وبين الانطلاق الحقيقي لعلم الاقتصاد الذي يؤرخ له بكتابات Adam Smith وخاصة كتابه الشهير ثروة الأمم.

أهمية الدراسة

تنبع أهمية الدراسة من إبرازها لجانب من المساهمات الاقتصادية لابن خلدون وهو أحد أشهر المفكرين المسلمين، ويتركز البحث حول مساهماته في نظرية القيمة، والتي تعد  أحد أكثر نظريات الاقتصاد بحثا وتشعبا، وتتمثل مساهمة الدراسة في بيان أوجه الاتفاق والاختلاف بين ابن خلدون ومفكري الاقتصاد التقليدي في نظرية القيمة، بيان ما انفرد به ابن خلدون وما لم يتناوله في نظرية القيمة بيان مدى تأثير آراء ابن خلدون في نظرية القيمة في آراء مفكري الاقتصاد التقليدي.

مشكلة الدراسة

تتلخص مشكلة الدراسة في طرح التساؤلات التالية:

  • ما هي الأفكار التي طرحها ابن خلدون فيما يخص نظرية القيمة؟
  • فيم تلتقي وتفترق أفكار ابن خلدون حول القيمة مع أفكار الاقتصاديين التقليدين عبر العصور؟
  • ما هي أسبقيات ابن خلدون عن الفكر الاقتصادي التقليدي في نظرية القيمة؟

حدود الدراسة

تتناول هذه الدراسة آراء ابن خلدون حول نظرية القيمة في الاقتصاد التي وردت في كتاب المقدمة، مقارنة مع آراء مفكرو الاقتصاد التقليدي؛ وأهمهم: سميت وريكاردو وميل من المدرسة الكلاسيكية، والراس وجيفنز ومنجر من المدرسة الحدية، ماركس من المدرسة الاشتراكية، الفريد مارشال، وكينز، إضافة إلى بعض المفكرين القدماء والمعاصرين.

أهداف الدراسة

تسعى الدراسة إلى تحقيق الأهداف التالية:

  • بيان وتحليل الأفكار التي طرحها ابن خلدون فيما يخص نظرية القيمة.
  • بيان أوجه الالتقاء والافتراق بين أفكار ابن خلدون حول القيمة وأفكار الاقتصاديين التقليدين عبر العصور.
  • بيان أسبقيات ابن خلدون عن الفكر الاقتصادي التقليدي في نظرية القيمة.

منهجية الدراسة

من أجل معالجة موضوع البحث وتحقيق الأهداف المرجوّة منه، فسوف يستخدم الباحث منهج البحث الوصفي المقارن، وذلك باستعراض نظرية القيمة في فكر ابن خلدون وفي الفكر الاقتصادي التقليدي، وبين أوجه الالتقاء والافتراق بينهما، وتفرّد كل منهما.

الدراسات السابقة

تعددت الدراسات التي تناولت الفكر الاقتصادي عند ابن خلدون، ولكن الدراسات التي بحثت في نظرية القيمة أو الأسعار عند ابن خلدون هي المهمة في سياق هذا البحث، فقد هدفت دراسة (Spengler, 1964) إلى بيان آراء ابن خلدون حول الآثار الاقتصادية لنمو السكان، وآراءه في محددات الربح، دور العرض والطلب في تحديد السعر، كيفية تكوين رأس المال، والانفاق الاستهلاكي، فبين أن السعر يعتمد على ظروف العرض والطلب ومرونة كل منهما وعلاقة الندرة بذلك، كما يتأثر السعر بتكاليف الانتاج وخاصة الأجور، ويتأثر السعر بمخاطر النقل والتخزين، كما يتأثر بالضرائب التي تعد  تكلفة إضافية تنعكس على سعر السلعة، وتناولت دراسة (Boulakia, 1971) الفكر الاقتصادي لابن خلدون، حيث تناول آراءه في نظرية الانتاج، نظرية النقود، نظرية التوزيع، نظرية الدورات، المالية العامة، ونظرية القيمة، فبين أن القيمة عند ابن خلدون تعتمد على العمل الذي يعتبره العنصر الأهم من بين عناصر الانتاج، وبين أن أسعار السلع عند ابن خلدون تتحدد من خلال قانون العرض والطلب باستثناء أسعار النقدين، ويعتمد طلب السلع عنده على الندرة والوفرة، وهدفت دراسة (عبد المولى، 1989) إلى تحليل الآراء الاقتصادية لابن خلدون فيما يخص الأسعار والنقود، وقد تم تناول آراءه في الأسعار من خلال تحليل تغيرات الكميات المعروضة، والكميات المطلوبة، والعوامل المؤثرة في كل منهما، كما حلل أثر عوائد عوامل الإنتاج على الأسعار، وقد خلص إلى أن ابن خلدون قدّم إسهاما قيّما في نظرية الأسعار، من خلال رصده للكثير من محددات تكوين الأسعار، وخاصة فيما يخص جانبي العرض والطلب، وقد كان رائدا من رواد دراسة الأسعار إن لم يكن أهمهم، كما هدفت دراسة (داودي، 2001) إلى دراسة نظرية القيمة في فكر ابن خلدون من خلال تناول مفهوم القيمة، أنواع القيمة، محددات القيمة، وقد خلص الباحث إلى أن ابن خلدون وضع نظرية متكاملة للقيمة، تعد  أهم ما توصل إليه الفكر الإنساني في هذا المجال في الماضي والحاضر.

إضافة الدراسة

جاءت أغلب الدراسات التي تناولت نظرية القيمة عند ابن خلدون كجزء من دراسات تناولت الفكر الاقتصادي عند ابن خلدون، أو في دراسات لم تقارن هذه الآراء مع ما جاء في الفكر الاقتصادي التقليدي، ومن تتمثل إضافة الدراسة في ما هو آت:

  • اختصت الدراسة على تحليل آراء ابن خلدون حول القيمة لإعطاء الموضوع تحليلا أعمق بعيدا عن آراءه في الجوانب الاقتصادية الأخرى.
  • بيان أوجه الاتفاق والاختلاف بين ابن خلدون ومفكري الاقتصاد التقليدي في نظرية القيمة.
  • بيان ما انفرد به ابن خلدون، وما لم يتناوله في نظرية القيمة.
  • بيان مدى تأثير آراء ابن خلدون في نظرية القيمة في آراء مفكري الاقتصاد التقليدي.

المطلب الأول: الفكر الاقتصادي عند ابن خلدون ([1]).

اعتمدت هذه الدراسة بشكل كامل على مقدمة ابن خلدون التي وضعت كمقدمة لكتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر أهم مؤلفات ابن خلدون، هو الكتاب الوحيد الذي وصل عن ابن خلدون، ويقسم هذا الكتاب إلى ثلاثة أجزاء، فالجزء الأول اشتمل على طبيعة العمران في الخليقة، وما يعرض فيها من البدو والحضر والتغلب والكسر والمعاش والصنائع ونحوها وما لذلك من العلل والأسباب (زيدان، 1983)، ويختص الجزء الثاني بتاريخ العرب والإسلام، أما الجزء الثالث فيتضمن أخبار البربر وتاريخ المغرب، والذي ألحق به فصلا طويلا بعنوان التعريف بابن خلدون ورحلته شرقا وغربا، والذي يعد ترجمة المؤلف لنفسه (حسين، 2000)، وتشير المصادر إلى وجود عدد من المؤلفات التي تنسب إلى ابن خلدون، ككتاب لباب المحصِّل، وهو كتاب في علم الأصول يتمثل في تلخيص كتاب محصِّل أفكار المتقدمين والمتأخرين لفخر الدين الرازي، كما أن ثمة من ينسب كتاب شفاء السائل لتهذيب المسائل إلى ابن خلدون (بدوي، 1962).

وفيما يخص منهج ابن خلدون الاقتصادي فقد تناول ابن خلدون المسائل الاقتصادية كجزء من مناقشته لمنظومة الحياة الاجتماعية والسياسية، حيث يظهر بجلاء كشفه لعمق العلاقات المتشابكة لهذا الثالوث، وحِدّة التأثير المتبادل بين أطرافه، وقد اتبع ابن خلدون منهجا واقعيا استقرائيا؛ فاعتمد على دراسة تأثير الأحداث التاريخية والواقع الجغرافي على جوانب الحياة اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا للأفراد والمجتمعات، ورافق ذلك تحليل لسلوك الأفراد والجماعات تحت تأثير هذه التغيرات (يسري، 1979)، وطبق ابن خلدون رفقة منهجه الواقعي الاستقرائي منهجا استنباطيا، من خلال تحليل المشاهدات والوقائع و استنباط القواعد العامة منها، مسترشدا في ذلك بمبادئ الإسلام (عجوة، 1402هـ).

 

المطلب الثاني: مفهوم القيمة وأنواعها

القيمة هي الثمن النسبي أي ثمن السلعة أو الخدمة منسوبا إلى غيرها من السلع والخدمات اﻷخرى  بينما السعر  رقم مطلق وهو التعبير النقدي عن القيمة للوحدة الواحدة من السلعة أو الخدمة، أي أن السعر  التعبير النقدي للقيمة (أبو الفتوح، 2011)، كما جاء عند سميث الذي يرى أن القيمة التبادلية للسلعة هي قوة شراء السلع الأخرى التي يحرزها امتلاك ذلك الشيء، ويطلق مارشال السعر على قيمة كل شيء معبرا عنها بالنقود، ويرى ماركس كذلك أن السعر هو التعبير النقدي عن القيمة (السبهاني ، 2005)، ويرى Stigler, 1987)) أن السعر يعبر نقديا عن قيمة السلعة وهو ذات الرأي الذي ذهب إليه (Leftwich and Eckert, 1982)، ومن هنا يرى الباحث أن السعر مرادف للقيمة كونه يمثل التعبير النقدي لها، وقد حلّت نظرية السعر بدلا من نظرية القيمة في أدبيات الاقتصاد المعاصرة، ونظرية القيمة تهتم بكيفية تحديد سعر السلعة في السوق، وقد أصبحت النظرية الاقتصادية تستعيض عن مصطلح القيمة بالسعر ونظام السعر.

وتتحدد القيمة من خلال تفاعل الطلب والعرض للسلعة ومحددات كل منهما ومرونتهما، ومن خلال سعي المستهلكين اشباع رغباتهم، وسعي المنتجين لتعظيم أرباحهم، وسعي ملاك عوامل الانتاج لتعظيم أثمان تلك العوامل، ويتحقق ذلك من خلال توازن كل طرف من الأطراف من خلال تحقيق مجموعة من الشروط الحدية، وفي ظل تحقق هذه الشروط يتحقق التوازن الذي يفرز سعر التوازن الذي يعكس قيمة السلعة وتتوافق عنده رغبة المتعاملين في السوق، ويعد جانب العرض – من وجهة نظر الباحث – هو اللاعب الأكثر تأثيرا في هذه التفاعلات، ويكون ذلك من خلال تكاليف الانتاج، فأي تغير في تكاليف الانتاج ينعكس فورا على سعر السلعة هبوطا أو صعودا، ولكي تكون القيمة عادلة لا بد من تمتع السوق بشروط المنافسة التامة، وأي خلل في هذه الشروط يخرج بالقيمة المفرزة عن نطاق العدل.

اشتهر تقسيم القيمة بين مفكري الاقتصاد منذ القِدم إلى القيمة في الاستعمال والقيمة في التبادل، ففي الفكر الاقتصادي القديم ظهر هذا التقسيم للقيمة منذ عهد أرسطو، ومن خلال آراءه في القيمة يتضح أن أرسطو يمتلك وعيا لا يستهان به فيما يخص القيمة الاستعمالية والقيمة التبادلية، ويتجلّى ذلك من قوله: “فيبدلون المنافع بما هو من نوعها، لا أكثر ولا أقل، فيتبادلون كل الأشياء المتجانسة ببعضها”، وقد ذهب إلى أبعد من ذلك، فيربط القيمة بشكل واضح بالمنفعة، حيث يرى أن الأشياء المقبولة في عملية المقايضة، هي الأشياء القابلة للاستعمال، فيقول في ذلك: “لكل قيمة استعمالان، وكلاهما ذاتيتان، ولكن دون مماثلة في ذاتيتهما، إذ الواحد مختص بالشيء والآخر غير مختص به، فالحذاء مثلا يحتذى به، ويتاجر به، وهذا الوجه من الانتفاع وذاك الوجه هما استعمالان له”(أرسطو، 1980) (Gray, 1956)، حيث يرى هنا أن قيمة السلعة ترتبط بما ينتج عنها من منفعة، فالسلع التي لا منفعة لها، لا قيمة لها، أما Antonine وهو من رواد الفكر المدرسي فأكد على هذا التقسيم، حيث أشار إلى أن القيمة سواء في الاستعمال أو التبادل تعتمد على وفرة السلع والمال في آن واحد، ويعتمد كذلك على تكاليف إنتاج السلعة (Schumpeter, 2006)، أما في الفكر الاقتصادي الكلاسيكي فقد ميز Adam Smith بين القيمة الاستعمالية والقيمة التبادلية، فالقيمة الاستعمالية يعبر عنها بالمنفعة التي تحققها السلعة لمستخدمها، أما القيمة التبادلية فتتمثل فيما يكمن في السلعة من قوة لشراء السلع الأخرى (Smith, 1997)، وجاء ذات التقسيم عند (Ricardo, 2001)، و (Mill, 2009)، و (Marx, 2010)، وغيرهم، وبقي هذا التقسيم مسلما به عند جميع من تناول نظرية القيمة بعد ذلك، ولم يتضح من خلال ما قدّمه ابن خلدون أي تمييز بين أنواع القيمة.

المطلب الثالث: القيمة تتحدد بالعمل

كان تفسير نظرية القيمة بالعمل أول ما توصل إليه مفكرو الاقتصاد، فقد أشار كثيرون إلى أن قيمة السلعة تعتمد على مقدار ما يبذل فيها من عمل، فيرى Petty وهو من رواد المدرسة التجارية أن قيمة السلعة تتحدد من خلال ما يبذل فيها من عمل، والقيمة المعبر عنها بالعمل تحدد السعر الطبيعي للسلعة؛ وهو السعر الذي يقابله سعر السوق، ويستبعد في تفسيره هذا رأس المال من تكوين الأسعار، حيث يعد رأس المال ناتجا عن عملِ ماضِ، وهو ما يقصد به العمل المختزن (Rothbard, 2006)، أما عند الكلاسيك فيرى (Smith, 1997) أن قيمة السلعة تتحدد في الأقوام ما قبل الرأسمالية بالعمل؛ لان هذه الأقوام ليس لديها تراكم رأسمالي من عدد وآلات، ولا يوجد لديهم ملكية خاصة للأرض، ولا يوجد ثمة شيء آخر يحدد القيمة إلا العمل، أما في ما يخص الأقوام الرأسمالية فله رأي يناقش لاحقا، أما (Ricardo, 2001) فيرى أن كمية العمل إلى جانب الندرة هي ما يحدد القيمة التبادلية للسلعة، ويقصد بالعمل؛ العمل المباشر المبذول في إنتاج السلعة؛ وهو ما يقصد به العمل الظاهر، والعمل المبذول في إنتاج الأدوات المستخدمة في إنتاج السلعة؛ وهو ما يقصد به العمل المختزن، وفي امتداد أولي للفكر الكلاسيكي يعد  Marxأن العمل هو السبب الوحيد المنشأ للقيمة، وهو العمل الضروري اجتماعيا، الذي يتحدد من خلال وقت العاملين الذين يتمتعون بمهارة ومواظبة متوسطة؛ أي أن القيمة تتناسب طرديا مع وقت العمل ودرجة المهارة والمواظبة، وبما أن ماركس يستبعد الريع من التوزيع فهو لا يعد الأرض عنصرا من عناصر الانتاج، أما رأس المال فناتج عن عمل سابق، ويتحدد نصيبه بمقدار الصيانة والاستهلاك؛ أي مقدار ما يفقده من قيمته خلال العملية الإنتاجية، ومن ثم فالعمل مصدر فائض القيمة، التي تعد  مصدر ثراء الرأسمالي، وفائض القيمة في رأي ماركس ينتج عن العمل الإضافي الذي يمثل فائضا للعمل، فالعمل الذي يبذله العامل في الرأسمالية ينقسم إلى العمل اللازم، وينتج العامل خلاله قيمة تساوي قيمة الأجر الذي يحصل عليه، أما الجزء الآخر من يوم عمله، فهو – كما أسلفنا – العمل الإضافي، وينتج فيه العامل قيمة يستحوذ عليها الرأسمالي بدون أي مقابل للعامل (Marx, 2010) (السبهاني، 2005).

وفي المقابل ينتقد (Smart, 1931) بدوره الرأي الذي يحدد قيمة السلعة من خلال مقدار العمل الذي يسهم في إنتاجها، ويرى أن ثمة عوامل أخرى كثيرة تساهم في تحديد قيمة السلعة إلى جانب العمل، وفي سياق مشابه يرى Lange أن قصر محددات القيمة على العمل يعد غير كافٍ لتوفير معيارية التحليل، ومن هنا فلا بد من اعتماد دور المنفعة الحدية إلى جانب دور العمل في تحديد القيمة للوصول إلى التحليل الأمثل لكيفية تشكل الأسعار (Ganguli, 1965).

أما عند ابن خلدون فيظهر جليا أنه اهتم بالعمل اهتماما بالغا، فجعله مصدرا للثروات، والركن الأساسي في أي عملية إنتاج؛ فأي شيء على وجه البسيطة إذا افتقر للعمل الإنساني لا يعد إنتاجا، ويربط ابن خلدون بكل وضوح قيم السلع والخدمات بمقدار ما يبذل فيها من عمل إنساني، فيقول: “وقد تبين أن المفادات والمكتسبات كلها أو أكثرها إنما هي قيم الأعمال الإنسانية” (ابن خلدون، 2001)، ويرى أن قيم السلع والخدمات لا يمكن أن تتحقق إلا بوجود العمل الإنساني، ويمكن أن نخلص إلى أنه بيّن أن ثمة علاقة طردية بين قيمة السلعة أو الخدمة، ومقدار ما يبذل فيها من عمل.

شكل (1): علاقة القيمة بالعمل ([2])

ويظهر من الشكل رقم (1) وجود علاقة طردية بين القيمة ومقدار العمل المبذول فيها، فكلما زاد مقدار العمل المبذول، زادت قيمة السلعة أو الخدمة، ويظهر هذا الأمر بوضوح في قول ابن خلدون: “إن كان من الصنائع فالمفاد المقتنى منه هو قيمة عمله … إذ ليس ثمة إلا العمل وليس بمقصود بنفسه للقنية … مثل النجارة والحياكة معهما الخشب والغزل، إلا إن العمل فيهما أكثر؛ فقيمته أكثر، وان كان من غير الصنائع، فلا بد في قيمة ذلك المفاد والقنية من دخول قيمة العمل الذي حصلت به، إذ لولا العمل لم تحصل قنيتها” (ابن خلدون، 2001، ص: 418)، أي أن ثمة قدر من القيمة يعود إلى الخشب والغزل، ولكن يمكن القول أنهما نتاج عمل سابق، ويقسم العمل المبذول في السلعة أو الخدمة – كما هو الحال عند Ricardo – إلى عمل ظاهر وعمل غير ظاهر، فيقول: “فلا بد من الأعمال الإنسانية في كل مكسوب ومتمول، لأنه إذا كان عملا بنفسه مثل الصنائع فظاهر؛ وإن كان مقتنى من الحيوان والنبات أو المعدن فلا بد فيه من العمل الإنساني كما تراه، وإلا لم يحصل ولم يقع به انتفاع” (ابن خلدون، 2001، ص: 418)، ويقصد هنا بالعمل الظاهر العمل الذي يمكن تحديد مقدار مساهمته في قيمة السلعة، وهذا يرتبط بالصناعات بشكل واضح، والتي من السهل تحديد مقدار العمل المبذول لإنتاجها، ومن ثم مدى مساهمته في القيمة، وهو ما يعرف بالعمل المباشر، وثمة العمل المختزن، وهو عمل تم بذله سابقا؛ فالنباتات المنتجة مثلا لم تكن لتصل إلى هذا الحال لولا وجود عمل تم بذله سابقا للوصول بها إلى هذا الحال، وهذا الأمر ينسحب على المعادن والحيوانات، ويؤكد رسوخ هذه النظرة للعمل قوله: “وقد تكون ملاحظة العمل ظاهرة في الكثير منها فتجعل له حصة من القيمة عظمت أو صغرت، وقد تخفى ملاحظة العمل كما في أسعار الأقوات بين الناس” (ابن خلدون، 2001، ص: 418-419). ومن هنا يتضح أن ابن خلدون قد سبق الفكر الغربي بمراحل في تفسير القيمة بالعمل، ويتشابه ذلك مع ما ذهب إليه آدم سميث وريكاردو وغيرهم من أعلام الاقتصاد الغربي، ولكنه في نهاية الأمر لم يقصر محددات القيمة على العمل كما سيتبين لاحقا.

ويرى ابن خلدون أن القيمة لا تتحدد فقط بحجم العمل، فالعمل لا بد وأن يقوم على العلم والفكر، فيقول: “ثم أن الصنائع والعلوم هي للإنسان من حيث فكره الذي يتميز به عن الحيوانات” (ابن خلدون، 2001، ص: 437)، كما أن هذه المهارة تتأتى مع طول الخبرة، وتكرار العمل، فيقول: “وأعلم أن الصناعة هي ملكة في أمر عملي فكري … والملكة صفة راسخة تحصل عن استعمال ذلك الفكر وتكرره مرة بعد أخرى حتى ترسخ صورته”(ابن خلدون، 2001، ص: 436)، ومن هنا فهو يشير إلى أن المهارة في العمل لها دور في تحديد القيمة، فكلما كانت مهنة العامل أكثر مهارة كلما كانت قيمة المنتج أكبر، فيقول في ذلك: “وتختلف الصناع في جميع ذلك باختلاف الحِذق والمهارة”(ابن خلدون، 2001، ص: 445).

المطلب الرابع:  القيمة تتحدد بتكاليف الإنتاج

لم يقتصر تفسير مفكري الاقتصاد للقيمة على العمل المبذول في إنتاجها، بل ذهب البعض إلى أن تحديد القيمة لا يختصر في عنصر العمل، بل يتحدد كل ما يدخل في إنتاج السلعة من تكاليف، فكان Antonine وهو من رواد الفكر المدرسي أول من أشار إلى أن جزءاً من القيمة سواء في الاستعمال أو التبادل تعتمد على تكاليف إنتاج السلعة، ولا تقتصر على العمل الذي يعد جزءاً من هذه التكاليف (Schumpeter, 2001)، أما في المدرسة الطبيعية فيرى كيناي Quesnay أن قيمة السلعة تتمثل في قيمة المواد الأصلية المكونة لها، إضافة إلى تكاليف التشغيل والصيانة (Gray, 1956).

وقد اتضحت الرؤية بشكل أكبر في الفكر الكلاسيكي، فيرى (Smith, 1997) في المرحلة التالية من تحليله للقيمة، أن قيمة السلعة في الأقوام الرأسمالية تتحدد فيما يدخل فيها من عمل وأرض ورأس مال، فالمجتمعات الرأسمالية هي التي تراكمت فيها العدد والآلات الرأسمالية؛ لأن رأس المال المعتبر هو رأس المال العيني وذلك بسبب ظهور الملكية الخاصة للأرض والتراكم الرأسمالي المعتبر، وبذلك تتحدد عوائد العملية الإنتاجية بالأجر والريع والربح، أي أنها تتحدد من خلال تكاليف الإنتاج، ويقدّم (Stigler, 1987) رؤية معاكسة فيرى أن قيمة السلعة أو الخدمة هي ما يحدد قيمة عناصر الإنتاج التي تساهم في إنتاجها لأن الطلب عليها مشتق من الطلب على السلعة المنتجة من عناصر الإنتاج هذه.

وقد انتقد (Landsburg, 1987) من مفكري الاقتصاد الحديث تفسير القيمة من خلال العمل، ويرى أن ثمة مغالطات عديدة تنتاب هذا التحليل، فقصر تحديد القيمة على عنصر العمل لا يعكس القيمة الحقيقية للسلعة، فتكلفة العمل المبذول هي جزءا من تكاليف السلعة، وبذلك تكون جزءا من القيمة الدفترية لها.

على الرغم من عد العمل  المحدد الأساسي للقيمة، لم يترك ابن خلدون الأمر مطلقا، فبيّن أن ثمة دورا لبعض العناصر الأخرى في تحديد القيمة، بخلاف عنصر العمل، حيث بين أن العمل له حصة من تحديد القيمة، تختلف باختلاف السلع والخدمات، مما يعني أن ثمة عناصر أخرى – سوى العمل – لها نصيب من تحديد القيمة، فيقول: “وقد تكون ملاحظة العمل ظاهرة في الكثير منها فتجعل له حصة من القيمة عظمت أو صغرت” (ابن خلدون، 2001، ص: 418-419)، ويدل قوله عظمت أو صغرت على أن للعمل دورا في تحديد القيمة، ولكنه لا يكون منفردا في تحديدها، ولا يكون بذات المستوى في جميعها، كما يشير قوله في الكثير منها إلى أن ثمة سلعا وخدمات لا يساهم العمل في تحديد قيمتها، ويؤكد ذلك من خلال وجود محددات للقيمة بعيدا عن العمل، فيحدد بعض الأمور التي لا وجود لدور العمل فيها، فيقول: “وقد يحصل له ذلك بغير سعي، كالمطر المصلح للزراعة وأمثاله” (ابن خلدون، 2001، ص: 417)، وهذا يظهر دور هذه العوامل المساعدة في تكوين القيمة، كما يصرّح أن تكاليف الإنتاج من محددات السلعة، فيقول في ذلك: “… فاحتاجوا إلى علاج المزارع والفدن لإصلاح نباتها وفلحها، وكان ذلك العلاج بأعمال ذات قيم ومواد من الزبل وغيره لها مؤونة، وصارت في فلحهم نفقات لها خطر، فاعتبروها في سعرهم” (ابن خلدون، 2001، ص: 400)، حيث يرى بوضوح أن تغيّر طبيعة الأرض الزراعية أدى إلى ظهور تكاليف إضافية جدّت على الإنتاج الزراعي، ويوضّح أن هذه التكاليف تدخل ضمن قيمة السلعة فترفع من سعرها، ونلمس من هذا النقل اللبنات الأولى لنظرية ريكاردو (Ricardo, 2001) في الريع التفاضلي الذي يحصل عليه صاحب الأرض الأكثر خصوبة ومن ثم أقل كلفة، مما يزيد في ريع هذه الأرض عن غيرها من الأراضي ذات التكاليف الأعلى في حال توحيد سعر البيع، ويقول كذلك: “لان التجار يحتسبون على سلعهم وبضائعهم جميع ما ينفقونه حتى مؤونة أنفسهم” (ابن خلدون، 2001، ص: 408)، وهذا يشير بوضوح إلى أن جميع النفقات من سعر شراء ونقل وتخزين وحتى النفقات الشخصية التي يتحملها التجار تساهم في تحديد قيمة السلعة، ويتضح ذلك من قوله: “فإن اعتبار الأعمال والنفقات فيها ملاحظة في أسعار الحبوب، لكنه خفي في الأقطار التي علاج الفلح فيها ومئونته يسيره” (ابن خلدون، 2001، ص: 419)، وفي مجمل القول أن الفكر الخلدوني أشار بوضوح إلى دور تكاليف الإنتاج في تحديد القيمة.

المطلب الخامس:  القيمة تتحدد بالمنفعة

يعد فكر المدرسة الحدية بكافة أطيافها؛ المدرسة النمساوية ومدرسة كامبردج ومدرسة لوزان، هي منطلق تفسير نظرية القيمة من خلال المنفعة، فيرى (Menger, 2007) أن قيمة السلعة تتحدد بمنفعتها للإنسان، ولذلك فان قيمة السلعة ليست كامنة فيها، وإنما هي نتيجة علاقة بين السلعة والإنسان، وتزول قيمة السلعة إذا زالت حاجة الإنسان لها، ويصنف الأفراد السلع حسب منفعتها لديهم، وعند تناول القيمة الاستعمالية، فيرى أن الحاجة تختلف من إنسان لآخر، كما أن أي حاجة تقل تدريجيا تبعا لإشباعها؛ فكلما تم استهلاك وحدة من السلعة تنخفض قيمتها بالنسبة للمستهلك، أما فيما يخص القيمة التبادلية فحددها كما حدد القيمة الاستعمالية، فهو يرى أن القيمة الاستعمالية والقيمة التبادلية ذات طبيعة واحدة، فالقيمة الاستعمالية من وجهة نظره تعد  نوعا من التبادل الداخلي؛ ويفسر ذلك بوجود عدد من السلع يختار المستهلك منها ما يشبع حاجته، أما التبادل الحقيقي فهو التبادل الخارجي، ويكون بوجود عدد من المستهلكين مقابل عدد من السلع، أي أنه يرى أن القيمتين يعملان بذات الآلية مع اختلاف الخيارات، ومن هنا يتضح اعتماده على القيمة الاستعمالية لتفسير القيمة التبادلية، ومن جانبه تناول (Jevons, 1965) القيمة من خلال المنفعة، حيث اعتبر أن المنفعة الحدية دالة في الوقت؛ أي أن منفعة الكمية المستهلكة من أي سلعة تتناسب مع طول فترة الاستهلاك، ويرى أن الفرد يحقق أقصى منفعة ممكنة عندما يحسن توزيع موارده المتاحة بحيث تحقق له مستوى إشباع متساوي لجميع السلع، أي أن المنفعة الحدية منسوبة إلى أسعارها لجميع السلع متساوية، وفي إطار تحليل العمل كسبب من أسباب القيمة، يقدم نظرية المشقة الحدية للعمل، فكلما زادت ساعات العمل تناقصت المنفعة الحدية لها، إلى أن تساوي الصفر، وبعدها تصبح المنفعة سالبة، ويشترط لتحقيق أقصى منفعة ممكنة، أن تكون المنفعة الحدية لوحدة الناتج، تساوي المشقة الحدية للعمل اللازم لإنتاج وحدة واحدة من السلعة، وبدوره استند (Walras, 1954) في تفسيره لنظرية القيمة إلى تحليل المنفعة الحدية، وقد اتخذ مدخلا رياضيا ديناميكيا للتحليل، فأثبت إمكانية قياس المنفعة قياسا عدديا، واستطاع أن يظهر العلاقة السليمة التي تربط المنفعة بالطلب عن طريق المعادلات الرياضية، فتوصل إلى الصيغة التي تعبر عن أقصى إشباع للمستهلك، وذلك عن طريق العلاقة بين كميات السلع وأسعارها، وهو ما يعرف بمعادلة الميزانية.

وفي سياق مقارب يرى (Smart, 1931) أن السلعة تستمد قيمتها من المنفعة التي تقدمها، فالقطن مثلا يستمد قيمته من الظهور العارية التي يغطي، ولم يختلف (Wicksteed, 1957)
عن رواد المدرسة الحدية، فتناول نظرية القيمة من خلال المنفعة، ولكنه قدّم رأيا جديدا فيما يخص النوعين المعروفين للقيمة، فيرى أن القيمة الاستعمالية هي الأهمية الإجمالية لأي سلعة، والمتمثلة في مبلغ المال اللازم للحصول على السلعة، أما القيمة التبادلية فهي الأهمية الحدية لأي سلعة، والمتمثلة في مبلغ المال اللازم لخفض العرض بوحدة واحدة، وهي مشابهة لفلسفة المنفعة الحدية في تفسير نظرية القيمة، فيما ناقش (Fetter, 1928) مفهوم القيمة والمنفعة بمنطق مختلف نسبيا، فيعتقد أن القيمة ليست جوهرية ولا متأصلة في السلعة، بل هي أمر يذهب ويأتي، ويتراجع وينمو حسب رغبة الأفراد بها، ويرى أن القيمة تأتي في الترتيب الثالث بعد تقييم الأفراد الضمني للسلعة، وبعد الاختيار، ومن هنا فالقيمة تعكس خيارات الفرد، وتتأثر القيمة كذلك بمجمل تقييم الأفراد واختياراتهم للسلعة.

أعتبر ابن خلدون أن قيمة السلعة تستند إلى المنفعة التي تحققها، فيقول: “.. تقل الغبطة بها لقلة المنفعة فيها، بتلاشي الأحوال فترخص قيمتها وتمتلك بالأثمان اليسيرة” (ابن خلدون، 2001، 403)، ويصف هنا العلاقة بين القيمة والمنفعة على أنها علاقة طردية، فكلما زادت المنفعة زادت القيمة، ويؤكد ذلك عند حديثه عن ارتباط الرغبة باقتناء العقار بتغيرات حالة البلاد بين الخراب والعمران، فيقول: “… وقد استجد المصر شبابه… تحصل معه الغبطة في العقار والضياع، لكثرة منافعها حينئذ، فتعظم قيمتها”(ابن خلدون، 2001، 403)، فيشير إلى أن تحسن وضع المصر بزيادة عمرانه وسكانه يقود إلى ارتفاع قيم العقار، ويفسّر ذلك بزيادة منفعتها.

ولم يكتف ابن خلدون بربط قيمة السلعة بالمنفعة التي تحققها، بل يشترط شروطا لتحقق المنفعة الفعلية، فيقول: “فتكون له تلك المكاسب معاشا إن كانت بمقدار الضرورة والحاجة، ورياشا ومتمولا إن زادت عن ذلك، ثم أن الحاصل أو المقتنى، إن عادت منفعته على العبد، وحصلت له ثمرته، من إنفاقه في مصالحه وحاجاته سمّي ذلك رزقا”(ابن خلدون، 2001، 417-418)، ويظهر هنا أن المنفعة لا تتحقق للفرد إلا إذا كانت السلعة تسد ضرورة أو حاجة وتحقق له مصلحة، فما لا يحقق منفعة ولا مصلحة لا قيمة له، ولا تتحقق المنفعة كذلك إلا إذا ملك الفرد السلعة وأصبح قادرا على التصرف بها.

المطلب السادس:  القيمة تتحدد من خلال آلية السوق

عند استعراض تطور الفكر الاقتصادي فيما يخص القيمة، نجد أن Lauderdale أشار إلى دور العرض والطلب في تحديد القيمة، فيرى أن القيمة تعتمد بالدرجة الأولى على الندرة، فترتفع قيمة السلعة كلما كانت نادرة بسبب قلة عرضها مما يزيد من الطلب عليها (Gray, 1956)، وتناول (Ricardo, 2001) هذا الأمر بشمولية أكثر، فانطلق من الندرة لبحث لغز القيمة، فيرى أن الندرة تسبب الاختلاف بين القيمة الاستعمالية والقيمة التبادلية، فبعض السلع يكون لها قيمة استعمالية  مرتفعة، وقيمة تبادلية منخفضة بسبب وجودها بكثرة كالهواء، وبعض السلع يكون لها قيمة استعمالية  منخفضة، وقيمة تبادلية مرتفعة بسبب ندرة وجودها كالذهب، وأضاف كمية العمل إلى جانب الندرة في تحديد القيمة التبادلية للسلعة، ومن هنا تكونت لديه نظرة خاصة لحل التناقض بين القيمة الاستعمالية والقيمة التبادلية، وفي إطار متصل يرى أن الثمن الطبيعي للسلعة يتحقق إذا كان الثمن مساويا لكمية العمل الضرورية لإنتاج السلعة، ويظهر سعر السوق إذا كانت السعر أقل أو أكثر من الثمن الطبيعي، والذي يعتمد هنا على قوى العرض والطلب، ومن الصعب بيان كيفية حل لغز القيمة؛ لأن كثرة الوجود مع تناقص المنفعة الحدية يؤدي إلى وصول المنفعة الحدية إلى الصفر، وحيث إن قيمة الوحدة الحدية تنسحب إلى جميع قيم الوحدات التابعة لها، فإن ثمن الطلب عليها يكون صفرا.

 وقد تبلورت هذه النظرة تماما على يد (Marshall, 1947) فقد خلص إلى أن القيمة عبارة عن علاقة نسبية بين السلع، وهذه العلاقة يعد عنها بالنقود فيما يعرف بالسعر، ويرى أن القيمة تتحدد من خلال عرض السلعة والطلب عليها، ويكون بذلك قد جمع بين متناقضات المدرسة الكلاسيكية التي ستند في تحديد القيمة إلى عناصر الإنتاج، وخاصة العمل كأساس للقيمة، والمدرسة الحدية التي تعد  المنفعة هي أساس القيمة، فوفق بين النظريتين مؤكداَ أن ثمة عدة عوامل تسهم في تحديد السعر؛ العمل والمنفعة وإشباع حاجات المستهلكين وإرضاء أذواقهم.

وفي إطار هذا التحليل يرى أن قيمة السلعة تتحدد عند سعر التوازن والذي يتحقق عند تقاطع منحنى الطلب ومنحنى العرض، فلا يوجد فائض طلب أو فائض عرض، فالطلب يعد عن الكمية التي تطلب من سلعة معينة في وقت معين بسعر معين يسمى سعر الطلب، وهو السعر الذي يكون المستهلك مستعدا لدفعه مقابل الحصول على السلعة، أما العرض فيعد عن الكمية التي تعرض من سلعة معينة في وقت معين بسعر معين يسمى سعر العرض، وهو السعر الذي يكون المنتج مستعدا لقبوله مقابل التخلي عن السلعة، وتتحدد القيمة عند تساوي سعر الطلب وسعر العرض، وكمية الطلب مع كمية العرض، مما يعني تساوي سعر الطلب مع سعر العرض، وينتج عن ذلك سعر التوازن، وهو السعر الذي يصفّي السوق، وتتوافق عنده رغبة المستهلك و رغبة المنتج، ويتم كل ذلك مع افتراض بقاء جميع العوامل الأخرى على حالها (Marshall, 1947).

ويتضح من الشكل السابق أن قيمة السلعة تتحدد عند النقطة (ت)، وهي نقطة التقاء منحنى العرض مع منحنى الطلب مما يعني تساويهما، وعند هذه النقطة تتحدد الكمية التوازنية (كت)، والسعر التوازني (ست) الذي يمثل قيمة السلعة التي أفرزتها آلية السوق، ويتحدد كل من الطلب والعرض([3]) من خلال محددات ومرونات كل منهما، فالمحدد الرئيسي للطلب يتمثل في سعر السلعة، الذي يتناسب عكسيا مع الكمية المطلوبة من السلعة، مما يفسر الميل السالب لمنحنى الطلب، كما يتأثر بالدخل، أسعار السلع المكملة والبديلة، حجم السكان، الأذواق، أساليب التسويق، جودة السلعة، سياسات الدولة، وغيرها، ويعد سعر السلعة كذلك المحدد الرئيسي للعرض، ويرتبط معه بعلاقة طردية، ويتأثر العرض كذلك بعدد المنتجين، أسعار خدمات عناصر الإنتاج، إنتاجية عناصر الإنتاج، الفن الإنتاجي، أسعار السلع الأخرى، الضرائب والإعانات، وغيرها، وتقود أي تغيرات في هذه العوامل إلى تغيرات في منحنى العرض أو منحنى الطلب أو كليهما، مما يقود إلى تغيرات واضحة في القيمة([4])، ويضاف إلى ذلك التدخل الحكومي في وضع حدود للقيمة من خلال فرض سقف سعري أو أرضية سعريه، تلزم الجميع على الالتزام بها([5]).

ولم يغب هذا الأمر عن تحليل ابن خلدون، فطرح الطلب والعرض ودورهما في الاقتصاد، فتقدم الصناعات عنده يعتمد على حجم الطلب عليها، فيقول: “وان كانت الصناعة مطلوبة وتوجّه إليها النفاق كانت حينئذ بمثابة السلعة التي تنفق سوقها وتجلب للبيع” (ابن خلدون، 2001، ص: 439)، كما يعتمد إتقان الصناعة وجودتها على حجم الطلب المتوقع عليها، فيقول: “أن الصنائع وكمالها إنما هو بكمال الحضارة وكثرتها بكثرة الطالب لها “(ابن خلدون، 2001، ص: 445)، كما أشار إلى دور الطلب في القيمة بشكل غير مباشر، وذلك من خلال تناوله لبعض العوامل المؤثرة على الطلب والعرض، والتي تلعب دورا بارزا في التأثير على القيمة، فيرى أن طبيعة السلع تلعب دورا في تحديد قيمة السلعة، فالسلع الضرورية([6]) تتميز بحجم كبير من الطلب عليها مما يزيد من قيمتها، ويتضح ذلك من قوله: “فإذا كانت الأعمال ضرورية في العمران عامة البلوى فيه، كانت قيمتها أعظم وكانت الحاجة إليها أشد”(ابن خلدون، 2001، ص: 429)، وفي سياق مقارب يرى أن الطلب على السلع الكمالية يتقدّم على حساب طلب السلع الضرورية في حالة تقدّم مستويات الرفاهية والعمران، فيقول في ذلك: “ودعت أحوال الرفه والغنى إلى الترف وحاجاته من التأنق في المساكن والملابس … وهذه كلها أعمال تستدعى بقيمتها ويستدعى المهرة في صناعتها والقيام عليها، فتنفق أسواق الأعمال والصنائع” (ابن خلدون، 2001، ص: 396-397)، وقيمة العمل المتمثلة في الأجر يرى أنها تعتمد كذلك على حجم الطلب على ذلك العمل، فيقول: “وعلى قدر عمله وشرفه بين الأعمال وحاجة الناس إليه يكون قدر قيمته” (ابن خلدون، 2001، ص: 426)، ويضيف ابن خلدون الندرة ونقيضها الوفرة إلى محددات القيمة، والتي تؤثر بدورها في تغيرات في العرض والطلب، مما يترك أثرا مباشرا على أسعار السلع، فيقول: “وإذا قلت وعزّت غلت أثمانها… فإنه حينئذ يكثر ناقلوها، فتكثر وترخص أثمانها”(ابن خلدون، 2001، ص: 433)، فندرة السلعة تقود إلى تفوق الطلب عليها على عرضها، وهذا بدوره يقود إلى ارتفاع قيمتها، ويحدث العكس في حالة وفرتها فتنخفض قيمتها، ويتضح ذلك من قوله: “والسبب في ذلك أن الحبوب من ضرورات القوت؛ فتتوفر الدواعي على اتخاذها، إذ كل واحد لا يهمل قوت نفسه ولا قوت منزله، لشهره أو سنته، فيعم اتخاذها أهل المصر اجمع، …. فتكثر وترخص أسعارها”(ابن خلدون، 2001، ص: 399)، ويتضح هنا دور تأثير حجم العرض المعبر عنه الوفرة والندرة على قيمة السلعة.

ويظهر من الشكل السابق أثر تغير ندرة السلعة على القيمة، فعندما تصبح السلعة نادرة ينتقل منحنى العرض إلى محل هندسي جديد إلى اليسار من منحنى العرض الأصلي معبرا عن انخفاض العرض، فتصبح نقطة التوازن هي (ت1) وعندها تنخفض الكمية التوازنية إلى (كت1)، ويرتفع السعر إلى (ست1)، وهذا يظهر بوضوح أثر ندرة السلعة على قيمتها، أما في حالة الوفرة فينتقل منحنى العرض إلى اليمين مما يزيد الكمية التوازنية ويخفض القيمة، وذلك بافتراض بقاء الأشياء الأخرى على حالها.

كما أن الثروة والدخل يرتبطان بعلاقة طردية مع الطلب على السلع، فارتفاع مستويات الدخل والثروة تزيد من القوة الشرائية للفرد، مما يزيد من الطلب على مختلف أصناف السلع والخدمات، فيقول: “… ويبذل أهل الرفه الترف أثمانها بإسراف في الغلاء لحاجتهم إليها أكثر من غيرهم، فيقع فيها الغلاء كما تراه “(ابن خلدون، 2001، ص: 399)، ويترك كل من الثروة والدخل أثره على قيم الأعمال، فتزيد من الأجور مما ينعكس على قيم السلع تبعا لذلك، فيقول: “ومتى زاد العمران زادت الأعمال ثم زاد الترف والكسب، وزادت عوائده وحاجاته واستنبطت الصنائع لتحصيلها، فزادت قيمتها وتضاعف الكسب”(ابن خلدون، 2001، ص: 397)، ويؤكد ذلك بوضوح عند الحديث عن أثر التقدم الحضاري بالدخل: “والبدوي لم يكن دخله كثيرا … فيتعذر عليه من أجل ذلك سكنى المصر الكبير لغلاء مرافقه وعزة حاجاته”(ابن خلدون، 2001، ص: 401)، فيبين هنا أن ضعف دخل البدوي لا يمكنه من ملامسة مستوى معيشة الحضر بسبب ارتفاع قيم السلع قياسا إلى دخله، ويشير إلى دور حجم الثروة والدخل في تحديد القيم، فتزايدهما يقود إلى تزايد قيم السلع الكمالية مقابل الضرورية، نظرا للتغيرات التي تطرأ على نمط الاستهلاك المرتبط بتغيرات الدخل والثروة، ويتضح ذلك من خلال قوله: “فإذا استبحر المصر وكثر ساكنه، رخصت أسعار الضروري من القوت وما في معناه، وغلت أسعار الكمالي من الأدم والفواكه وما يتبعها”(ابن خلدون، 2001، ص: 399)، فيبين هنا دور الدخل الناجم عن موقع البلد، في التأثير على حجم الطلب على أنواع معينة من السلع، ومن ثم التأثير على قيم أغلب أنواع السلع؛ بسبب زيادة الطلب على بعضها مقابل انخفاضه على أخرى.

ويرى ابن خلدون أن عملية التقسيم المهني للعمل وما ينجم عنها من تخصص في العمل تلعب دورا في تحديد القيمة، فيقول: “أن الواحد من البشر غير مستقل بتحصيل حاجاته في معاشه، وأنهم متعاونون جميعا في عمرانهم على ذلك، والحاجة التي تحصل بتعاون طائفة منهم تسد ضرورة الأكثر من عددهم أضعافا”(ابن خلدون، 2001، ص: 396)، ويشير هنا إلى أهمية عدم استقلال كل شخص بتوفير حاجاته بشكل منفرد، فالتعاون يضاعف الإنتاج بشكل كبير، ويوضح ذلك بضرب مثال إنتاج الحنطة، فيقول: “فالقوت من الحنطة مثلا لا يستقل الواحد بتحصيل حصته منه، وإذا انتدب لتحصيله الستة أو العشرة من حداد ونجار للآلات، وقائم على البقر وإثارة الأرض وحصاد السنبل وسائر مؤن الفلح، وتوزعوا تلك الأعمال أو اجتمعوا، وحصل بعملهم ذلك مقدار من القوت؛ فإنه حينئذٍ قوت لأضعافهم مرات ” (ابن خلدون،2001، ص: 396)، وهنا يبين دور تقسيم العمل، والتخصص في العمل في زيادة الإنتاج، وهذا يؤثر على قيمة السلعة من خلال التأثير على حجم عرض تلك السلعة.

ويضيف كذلك الإنفاق الحكومي عنصرا مؤثرا في الطلب ومن ثم في قيمة السلعة، حيث يعد  الدولة  السوق الأكثر تأثيرا على طلب السلع، فيقول: “وأيضا فهنا سر آخر وهو أن الصنائع وإجادتها أنما تطلبها الدولة، فهي التي تنفق سوقها وتوجه الطلبات إليها، وما لم تطلبه الدولة، وإنما يطلبها غيره من أهل المصر فليس على نسبتها؛ لأن الدولة هي السوق الأعظم، وفيها نفاق كل شيء”(ابن خلدون، 2001، ص: 396)، ومهما تضاءل دور الدولة في الاقتصاد في الحاضر، يبقى إنتاج الدولة واستهلاكها محركان لا يستهان بهما لقوى السوق.

ولم يغفل ابن خلدون الضرائب المفروضة من قبل الدولة، والتي تلعب دورا مؤثر في تحديد قيم السلع، كونها محددا من محددات العرض، لا يملك المنتج إلا أن يعتبرها جزءا من تكاليف الإنتاج مما يعكس أثرها على القيم، فيقول: “وقد يدخل أيضا في قيم الأقوات، قيمة ما يفرض عليها من المكوس والمغارم للسلطان”(ابن خلدون، 2001، ص: 400)، ويقول كذلك: “فيستحدث صاحب الدولة أنواعا من الجباية يضربها على البيعات، ويضرب لها قدرا معلوما على الأثمان في الأسواق “(ابن خلدون، 2001، ص: 314)، ويؤكد ذلك من خلال تفسيره ارتفاع الأسعار في بعض الأحوال إلى الضرائب المفروضة على السلع والخدمات، فيرى أن الضرائب تؤثر على القيم باتجاه واحد وهو الارتفاع، فيقول: “وبالمغارم السلطانية التي توضع على الأسواق والبياعات وتعد  من قيم المبيعات، ويعظم فيها الغلاء في المرافق والأقوات والأعمال “(ابن خلدون، 2001، ص: 401)، ويجزم في موضعٍ آخر بأن الضرائب جزء لا يتجزأ من قيم السلع، فيقول: “فيكون المكس بذلك داخلا في قيم المبيعات وأثمانها”(ابن خلدون، 2001، ص: 408)، وهذا الأمر يترك بلا شك أثره على حجم الطلب بسبب ارتفاع السعر، ومن ثم على حجم العرض لمواجهة تغيرات الطلب.

    ويشير كذلك إلى دور الأذواق والاتجاهات الاستهلاكية كمحدد للقيمة، فيرى أن المدن كلما كبرت يتزايد الاتجاه العام لاستهلاك الكماليات على حساب الضروريات مما يؤثر على قيمة كليهما، فيقول: “فإذا استبحر المصر وكثر ساكنه، رخصت أسعار الضروري من القوت وما في معناه، وغلت أسعار الكمالي من الأدم والفواكه وما يتبعها”(ابن خلدون، 2001، ص: 399)، وهنا يتضح أثر تغيرات نمط الاستهلاك على السلع، فتزايد التوجّه إلى استهلاك الكماليات يقود إلى ارتفاع أسعارها بسبب زيادة الطلب عليها، مقابل انخفاض أسعار الضروريات بسبب تراجع الطلب عليها.

ويشير ابن خلدون إلى دور الاحتكار في التأثير على العرض، فيقول في ذلك: “إن احتكار الزرع لتحين أوقات الغلاء مشئوم … والناس لحاجتهم إلى الأقوات مضطرون إلى ما يبذلون فيها من المال اضطرارا”(ابن خلدون، 2001، ص: 433)، فالأثر الأهم للاحتكار تقييد العرض ورفع السعر (السبهاني، 2005)، وهذا ما يقود إلى التأثير المباشر على قيمة السلعة، فعند قيام الاحتكار يتفوق الطلب على العرض، فيتولد عن ذلك فائض طلب، يشكل ضغطا على السعر باتجاه الارتفاع، ويتضح ذلك من خلال الشكل السابق الذي يوضح كيفية انتقال منحنى العرض لليسار مما يخفّض الكمية التوازنية ويزيد السعر التوازني.

ويرى كذلك أن حجم السكان يترك أثره على تزايد الطلب على سلعها مما يقود إلى ارتفاع قيمها، فيقول في ذلك: “أن المصر الكثير العمران يختص بالغلاء في أسواقه وأسعار حاجاته” (ابن خلدون، 2001، ص: 408)، ويوضح العلاقة هنا بأن ثمة علاقة طرية تربط بين حجم السكان والطلب على السلع والخدمات، ومن ثم تترك أثرها على قيم تلك السلع والخدمات، وهذا المحدد للطلب يتوافق مع ما قدمه الفكر الاقتصادي المعاصر تحت مسمى عدد المستهلكين في السوق (McConnell & Brue, 2009).

كما جعل ابن خلدون للمخاطرة دورا في تحديد القيمة، فالسلع التي تحتاج إلى نقل قد يعرضها للمخاطر تكون قيمتها أعلى من قيمة غيرها من السلع، فيقول في ذلك: “لأن السلع المنقولة حينئذ تكون قليلة معوزة، لبعد مكانها أو شدة الغرر في طريقها، فيقل حاملوها ويعز وجودها، وإذا قلت وعزّت غلت أثمانها… ولهذا تجد التجار الذين يولعون بالدخول إلى بلاد السودان أرفه الناس وأكثرهم أموالا، لبعد طريقهم ومشقته، واعتراض المفازة المخطرة بالخوف والعطش، لا يوجد فيها الماء إلا في أماكن معلومة، يهتدي إليها أدلاء الركبان، فلا يرتكب خطر هذا الطريق وبعده إلا الأقل من الناس” (ابن خلدون، 2001، ص: 433)، ويتضح أن السلع المرتبطة بالمخاطرة تتميز بانخفاض المعروض النسبي منها، مما يدفع بأسعارها نحو الارتفاع تحت ضغط فائض الطلب الناتج عن محدودية العرض.

    وينفرد ابن خلدون بإضافة بعض محددات القيمة، فيرى أن اختلاط التجارة بالإمارة يؤثر على قيم السلع والخدمات، فيقول في ذلك: “فيكلّفون أهل تلك الأصناف من تاجر أو فلاح بشراء تلك البضائع، ولا يرضون بأثمانها إلا القمم وأزيد”(ابن خلدون، 2001، ص: 315)، أي أنهم يستخدمون سلطتهم في شراء السلع وبيعها، فيكون لتجارة السلطان دور في تحديد قيم السلع من خلال فرض إرادته على الأفراد في الشراء بسعر بخس والبيع بسعر مرتفع، ويؤكد ذلك بقوله: “ثم أن السلطان قد ينتزع الكثير من ذلك إذا تعرّض لها غضا أو بأيسر ثمن، إذ لا يجد من يناقشه في شرائه فيبخس ثمنه على بائعه”(ابن خلدون، 2001، ص: 315)، ولا يقتصر هذا الأمر على التجارة الداخلية، بل ينطبق أيضا على التجارة الخارجية وخاصة الاستيراد، فيقول: “وقد ينتهي الحال بهؤلاء المنسلخين للتجارة والفلاحة من الأمراء والمتغلبين في البلدان، أنهم يتعرضون لشراء الغلات والسلع من أربابها الواردين على بلدهم، ويفرضون لذلك من الثمن ما يشاؤون، ويبيعونها في وقتها لمن تحت أيديهم من الرعايا بما يفرضون من الثمن”(ابن خلدون، 2001، ص: 316)، فيرى أن صاحب السلطة قد يستخدم سلطته للاستحواذ على السلع الواردة من الخارج للتحكم بتجارتها وتحديد الثمن المناسب لهم، ومن ثم يقومون بإعادة بيعها بأسعار مرتفعة، ويرجح الباحث أن هذه الممارسات تدخل في إطار الاحتكار، والاحتكار لا يشترط أن يكون بحبس السلعة تربصا للغلاء، بل قد يكون بالانفراد الجبري بالسلعة – كالوكالات أو الحصر([7])– لفرض السعر الذي يريدون، كما أن استخدام السلطة في التجارة قد يجعل تكاليف السلعة أقل على السلطان، فيقول: “… سيما مع ما يحصل من التجارة بلا مغرم ولا مكس”(ابن خلدون، 2001، ص: 316)، ففرض الضرائب على الجميع باستثناء السلطان وما شابه، يجعل من سلعته أقل كلفه، مما يعطيه القدرة على بيعها بسعر أقل، أو على الأغلب زيادة هامش الربح؛ لأنه في العادة ينفق سلعته جبرا، ويفرض السعر الذي يريد بيعا وشراءا، فلا يحتاج إلى خفض السعر لبيع السلعة.

ويرى ابن خلدون أن أخلاق التاجر قد تلعب دورا في تحديد القيمة، فيقول: “وأما إن استرذل خُلقه بما يتبع ذلك في أهل الطبقة السفلى منهم، من المماحكة والغش والخلابة وتعاهد الأيمان الكاذبة على الأثمان ردا وقبولا”(ابن خلدون، 2001، ص: 432)، وهنا يبين أن انحطاط خلق التاجر، واستخدامه مختلف الأساليب لبيع السلعة؛ كالغش والتدليس والخلابة والحلف، يترك أثره في قيمة السلعة، فجميع هذه الأساليب تؤدي إلى جعل قيمة السلعة في البيع بعيدة عن القيمة العادلة لها، ومن هنا جاءت الأحكام الإسلامية الضابطة للسوق([8]) للوقوف في وجه مثل هذه الأساليب.

وأضاف ابن خلدون الآفات السماوية كمحدد من محددات القيمة، فيقول: “… فتفضل الأقوات عن أهل المصر من غير شك، فترخص أسعارها في الغالب، إلا ما يصيبها في بعض السنين من الآفات السماوية”(ابن خلدون، 2001، ص: 399)، فجعل الآفات السماوية التي قد تصيب الأقوات وخاصة المزروعات سببا في ارتفاع القيمة، وذلك من خلال تأثيرها على المعروض من تلك السلع، ويؤكد ذلك بقوله: “ولولا احتكار الناس لها لِما يتوقع من تلك الآفات لبذلت دون ثمن ولا عوض لكثرتها بكثرة العمران”(ابن خلدون، 2001، ص: 399)، ويشير كذلك إلى دور الطبيعة الجغرافية فيميز بين طبيعة الأسعار في المدن والبادية، فيقول: “المصر كثير العمران … تكثر حاجات ساكنه … فتنقلب الحاجات إلى ضرورات … فيعظم فيها الغلاء في المرافق والأقوات”(ابن خلدون، 2001، ص: 400-401)، وهنا يشير إلى دور طبيعة الحياة في المدينة المعقّدة على الأسعار، ويسوق مقابل ذلك مثال حياة البادية التي تمتاز بالبساطة، فيقول: “والبدوي لم يكن دخله كثيرا… فيتعذر عليه سكنى المصر الكبير لغلاء مرافقه وعزّة حاجاته”(ابن خلدون، 2001، ص: 401).

من خلال مناقشة وتحليل ما قدّمه ابن خلدون في إطار نظرية القيمة، والاطلاع على ما قدمه الفكر الاقتصادي التقليدي في هذا السياق، يتحتم علينا أن نعرض بعض المتعلقات التي لم يتطرّق لها ابن خلدون وتمثلت في محددات الطلب والعرض، فلم يتناول ابن خلدون بعض من محددات الطلب التي وردت في الفكر الاقتصادي التقليدي، كأسعار السلع المكملة والسلع البديلة للسلعة، والتوقعات المستقبلية فيما يخص أسعار السلعة ودخل المستهلك (McConnell, 2009)، أساليب التسويق وما يرتبط بها من دعاية وإعلان، الذي يهدف إلى إبراز مزايا السلعة للتأثير على قرارات المستهلكين ومن ثم على الطلب (خلف، 2007)، ويعتقد الباحث أن أساليب التسويق تطرّق لها ابن خلدون من خلال تناوله لأخلاق التاجر، أما فيما يخص محددات العرض فلم يتطرّق ابن خلدون إلى الفن الإنتاجي المتمثل في اختيار طريقة المزج المثلى لعناصر الإنتاج، أسعار السلع الأخرى البديلة والمكملة، التقدم التقني(McConnell, 2009).

المطلب السابع:  تأثير ابن خلدون في الفكر الاقتصادي التقليدي

 بدأ الظهور الحقيقي لابن خلدون في الغرب في مطلع القرن التاسع عشر، وتحديدا في عام 1806م، من خلال ترجمة دي ساسي لبعض المؤلفات إلى الفرنسية ونشرها، تلاه في ذلك المستشرق النمساوي بورجشتال الذي لقب ابن خلدون في عام 1812م بمونتسكيو العرب، وقد طبعت أول نسخة من المقدمة في فرنسا في عام 1858م على يد المستشرق الفرنسي كاترمير، وبعد ذلك ظهر العشرات من التحقيقات للمقدمة ولكتاب العبر، ويلاحظ التركيز على فلسفة ابن خلدون وآراءه في علم الاجتماع، والتاريخ، في اغلب المؤلفات التي تحدّثت عنه (الجوهري ومحسن، 2008).

ويلاحظ هنا أن بدايات الظهور الحقيقي لآراء ابن خلدون في الغرب جاءت بعد ظهور الفكر الاقتصادي الحديث، الذي بدأ مع ظهور كتاب ثروة الأمم لآدم سميث (Schumpeter, 2001)، ويضاف لذلك غياب المناقشة لفكر ابن خلدون الاقتصادي، حيث انحصرت المناقشة في التاريخ وعلم الاجتماع، كما أشار البعض إلى عدم وجود تأثير متبادل في مختلف الجوانب وليس في الفكر الاقتصادي فقط، فيقول توينبي أن ابن خلدون لم يتأثر بفكر من سبقه، ولكنه في ذات الوقت لم يؤثر بمن جاء بعده (الجوهري ومحسن، 2008)، وفي حدود ما اطلع عليه الباحث في أهم مؤلفات تاريخ الفكر الاقتصادي الغربي، لم يرد ذكر ابن خلدون إلا عند Schumpeter في كتاب History of Economic Analysis([9]) بشكل مقتضب، حيث أشار إلى دور ابن خلدون في التأسيس لدراسة دور الجغرافيا البشرية في علم الاجتماع التاريخي(Schumpeter, 2001)، كما أشار Landreth  في كتابه History of Economic Thought لمحة مختصرة عن الأفكار الاقتصادية التي تناولها ابن خلدون (Landreth & Colander, 2001)، وقد وردت العديد من الدراسات الغربية التي تناولت العديد من جوانب الفكر عند ابن خلدون، حيث نال على أثرها شهرة واسعة بين مختلف الأوساط.

وعلى الرغم من صعوبة افتراض تأثير ابن خلدون في الفكر الاقتصادي التقليدي، إلا أنه سبق بفكره الفكر الاقتصادي الغربي، ووضع حجر الأساس لعلم الاقتصاد السياسي، فيظهر بوضوح إبرازه للترابط الواضح والتأثير المتبادل بين الاقتصاد والسياسة والجغرافيا وعلم الاجتماع، فلا تكاد تجد موضعا ناقش فيه موضوعا اقتصاديا إلا وارتبط بأحد هذه العلوم.

ومن هنا يتضح أن آراء ابن خلدون في نظرية القيمة، تناولت جلّ ما قدمته نظرية القيمة الحديثة لاحقا، من حيث تفسير القيمة بالعمل، أو بتكاليف الإنتاج، أو بالمنفعة، وصولا إلى تحديد آلية السوق للقيمة، وعلى الرغم من ذلك فقد جاءت هذه الآراء متناثرة، ومرتبطة بالسياسة وعلم الاجتماع بالدرجة الأولى، فلم تُقدَّم هذه الآراء في إطار نظرية قائمة بحد ذاتها كما أصبحت فيما بعد، وقد يعود ذلك إلى طبيعة الفلسفة والتفكير السائد، الذي يناقش أغلب المسائل، بما فيها الاقتصادية، تحت تأثير سيادة الكيان السياسي، وطبيعته الاجتماعية والجغرافية، ولا يمكن لأحد أن ينكر أن نظرية القيمة تكوّنت في الفكر الاقتصادي التقليدي، بعدما أصبح علم الاقتصاد علما قائما بحد ذاته، فتراكمت الأفكار وتطوّرت إلى أن خرجت بثوبها الحالي، وعلى الرغم من ذلك يبقى لابن خلدون قصب السبق في تناول محددات القيمة، نظرا للتفاوت التاريخي بين العصر الذي نشط به ابن خلدون وعصور بدايات نظرية القيمة.

الخاتمة

قدّم هذا البحث تحليلا لآراء ابن خلدون في نظرية القيمة، مقارنة مع نظرية القيمة وتطوّرها في الفكر الاقتصادي التقليدي، وقد توصلت الدراسة إلى النتائج التالية:

  • تناول ابن خلدون أغلب الأفكار التي وردت في مختلف مراحل تبلور نظرية القيمة، فقدم تفسيرا لقيمة السلعة على أساس العمل المبذول لإنتاجها كما جاء عند سميث وماركس، وعلى أساس تكاليف إنتاج السلعة كما جاء عند سميث وريكاردو، وعلى أساس المنفعة التي تحققها كما جاء لدى منظري المدرسة الحدية، وأخيرا على أساس تفاعل قوى العرض والطلب ومحدداتهما وفقا لآلية السوق كما جاء عند مارشال.
  • قدّم ابن خلدون الكثير من محددات القيمة التي عرضت لاحقا كسعر السلعة، أسعار السلع الأخرى البديلة والمكملة، حجم السكان، مستوى الدخل والثروة، الموقع الجغرافي، والضرائب وغيرها.
  • انفرد ابن خلدون في تقديم بعض المحددات المؤثرة في القيمة كاختلاط التجارة بالامارة واخلاق التجار والآفات السماوية مبينا ماهية هذا التأثير.
  • جاءت آراء ابن خلدون في القيمة متشعبة ومتناثرة، ومرتبطة بعلم الاجتماع والسياسة، إلا أنه قدّم تفسيرا شبه متكامل لكيفية تشكل القيمة في الأسواق، يتطابق إلى حد بعيد مع النظرية الحديثة للقيمة، وعلى الرغم من أن فكرة تأثر مفكري الاقتصاد التقليدي أو استعانتهم بما قدّمه ابن خلدون، تبدو بعيدة عن الواقع في ظل توقيت ظهور مؤلفاته في الغرب، إلا أنه من الصعب لأي أحد أن ينكر أسبقيته في طرح التفسيرات السائدة لقيمة السلع والخدمات، ومع ذلك فقد تأخر إبراز الفكر الاقتصادي لابن خلدون حتى في العالمين الإسلامي والعربي، على الرغم مما تضمنته من سبق فكري، وتحليلات قيّمة في إطار معظم فروع الاقتصاد.
  • ومن الممكن الاجتهاد في تقديم إعادة صياغة لنظرية القيمة وفقا لفكر ابن خلدون؛ فالسلعة أو الخدمة لا تتمتع بأي قيمة إذا لم تحقق منفعة حقيقية للفرد، وتتحدد القيمة من خلال ما تكبدّه المنتج من تكاليف إنتاج بما فيها قيمة العمل المبذول فيها، وتمثل هذه التكاليف الحدود الدنيا لقيمة السلعة أو الخدمة، مضافا إليها هامشا من الربح، وتخضع جميع المحددات السابقة، وخاصة نسبة الربح لظروف العرض والطلب في السوق، فتتمثل القيمة في السعر التوازني الذي يتحدد من خلال تحقق التوازن بين العرض والطلب، ويتأثر كل من العرض والطلب بعدد من المحددات تتمثل في أهمية السلعة أو الخدمة للفرد، دخل الفرد وثروته، الضرائب، الإنفاق الحكومي، الأذواق، حجم السكان، الاحتكار، المخاطرة، تقسيم العمل، فيكون أثر هذه المحددات تأثيرا غير مباشر، ويضاف إلى كل ذلك اختلاط الإمارة بالتجارة، وما تخلفه هذه السلطة من أثر على القيم، أخلاق التاجر وأثرها على القيمة من خلال الغش والخلابة، وأثر الموقع الجغرافي، والآفات السماوية.

الهوامش:

(1) للإطلاع على تفاصيل حياة ابن خلدون ينصح بالرجوع إلى:

  • ابن خلدون، عبد الرحمن بن محمد، التعريف بابن خلدون ورحلته شرقا وغربا، تحقيق: محمد بن تاويت الطنجي، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة، مصر، 1951م.
  • الحبابي، محمد عزيز، ابن خلدون معاصرا، ط1، دار الحداثة للنشر، بيروت، لبنان، 1984.
  • حسين، طه، فلسفة ابن خلدون الاجتماعية: تحليل ونقد، ترجمة: محمد عبدالله عنان، تصدير: محمد صابر عرب، ط2، دار الكتب والوثائق المصرية، القاهرة، مصر، 2006م.
  • حسين، فردوس نور، ابن خلدون شاعرا، دار الفكر العربي، القاهرة، مصر، 2000م.
  • وافي، علي عبد الواحد، الأعلام: عبد الرحمن بن خلدون، ط1، الهيئة العامة المصرية للكتاب، القاهرة، مصر، 1975م، ص20-21.

(2) قدمه الباحث كترجمة بيانية لرأي ابن خلدون.

(3) حول الطلب والعرض أنظر على سبيل المثال:

McConnell et al, Economics: Principles, Problem, and Policies, 2009, 45-70, Besanko & Braeutigam, MICROECONOMICS, 2011, 28-62, Mankiw, Principles of Microeconomics, 2006, 45-84, McKenzie & Lee, Microeconomics for MBAs: The economic way of thinking for managers, 2010, 84-108.

(4) للاطلاع على أثر هذه التغيرات أنظر:

Samuelson & Nordhaus, ECONOMICS, 1998, 50-56, Besanko & Braeutigam, MICROECONOMICS, 2011, 62-66, Nicholson &  Snyder, Microeconomic Theory: Basic Principles and Extensions, 2008, 402-403.

(5) للاطلاع على السقف السعري والأرضية السعرية أنظر:

McKenzie & Lee, Microeconomics for MBAs: The economic way of thinking for managers, 2010, 84-108, Besanko & Braeutigam, MICROECONOMICS, 2011, 400-413, McConnell, et al., Economics: Principles, Problem, and Policies, 2009,59-62, Samuelson & Nordhaus, ECONOMICS, 1998, 74-77.

(6) تقسم السلع استنادا إلى المصالح الاجتماعية في الإسلام إلى ثلاثة مستويات: الضروريات وهي كافة الأشياء والأفعال التي يتوقف عليها الحفاظ على الضروريات الخمس، والحاجيات وهي الأشياء والأفعال التي لا يتوقف عليها الحفاظ على الضروريات الخمس، وإنما تكون للتوسعة ورفع الحرج، أما التحسينيان (الكماليات) وهي الأشياء والأفعال التي تتجاوز حدود الحاجيات لتسهيل الحياة وتحسينها، للمزيد انظر: الغزالي، أبو حامد، المستصفى من علم الأصول، تحقيق: محمد عبد السلام عبد الشافي، ط1، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 1993م، ج1، ص173-178، الشاطبي، إبراهيم بن موسى، الموافقات في أصول الشريعة، تحقيق: أبو عبيده مشهور بن حسن آل سلمان، ط1، دار ابن عفان، 1997م، ج4، ص345-355، وقد أشار لها ابن خلدون في المقدمة ص398-399.

(7) الوكالات: هي حصر جلب وبيع بعض السلع بأشخاص محددين، ولا يحق لغيرهم جلبها أو بيعها، مما يؤدي إلى احتكارها، والتحكم بأسعارها، وقد أوجب بعض الفقهاء التسعير على هؤلاء منعا لفرض الأسعار بشكل مبالغ فيه، للمزيد أنظر: ابن تيمية، تقي الدين احمد بن عبد الحليم (728هـ)، الحسبة في الإسلام، ط1، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 1992م، ص19-25.

(8) راجع في ذلك على سبيل المثال: الجوعاني، محمد نجيب حمادي، ضوابط التجارة في الاقتصاد الإسلامي، ط1، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 2005م، ومنصور، الشحات إبراهيم محمد، ضوابط السوق الفقهية والقانونية، ط1، دار الفكر الجامعي، الإسكندرية، مصر، 2011م.

(9) يعد هذا الكتاب أحد أهم وأضخم الكتب التي تناولت تطور الفكر الاقتصادي، وقد ظهر هذا الكتاب بعد وفاة المؤلف بعدة سنوات، فجمع من خلال ما قدمه خلال عمله في جامعة هارفارد في الولايات المتحدة الأمريكية، للمزيد انظر: Schumpeter, 2001, xxii – xvii.

المراجع

المراجع باللغة العربية

  • أحمد، عبد الرحمن يسري، مساهمة ابن خلدون في الفكر الاقتصادي، منشورات جامعة الإسكندرية – مصر، 1979م، ص 44.
  • أرسطو (322 ق م)، في السياسة، ترجمة: أوغسطين برباره البولسي، اللجنة اللبنانية لترجمة الروائع الإنسانية – بيروت، لبنان، 1980م.، ص26-27.
  • بدوي، عبد الرحمن، مؤلفات ابن خلدون، دار المعارف، القاهرة، مصر، 1962م، ص8-10.
  • الجوهري، محمد و يوسف، محسن، ابن خلدون: انجاز فكري متجدد، تقديم: إسماعيل سراج الدين، مكتبة الإسكندرية، مصر، 2008م، ص159-161.
  • الجوعاني، محمد نجيب حمادي، ضوابط التجارة في الاقتصاد الإسلامي، ط1، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 2005م
  • الحبابي، محمد عزيز، ابن خلدون معاصرا، ط1، دار الحداثة للنشر، بيروت، لبنان، 1984، ص23.
  • حسين، طه، فلسفة ابن خلدون الاجتماعية: تحليل ونقد، ترجمة: محمد عبدالله عنان، تصدير: محمد صابر عرب، ط2، دار الكتب والوثائق المصرية، القاهرة، مصر، 2006م، ص9.
  • حسين، فردوس نور، ابن خلدون شاعرا، دار الفكر العربي، القاهرة، مصر، 2000م، ص40.
  • خلف، فليح حسن، الاقتصاد الجزئي، عالم الكتب الحديث، جدارا للكتاب العالمي – اربد، الأردن، ط1، 2007، ص53-140.
  • ابن خلدون، عبد الرحمن بن محمد، مقدمة ابن خلدون، اعتناء ودراسة: أحمد الزعبي، شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم، بيروت، لبنان، 2001م، ص417-418.
  • داودي، الطيب، نظرية القيمة عند ابن خلدون، مجلة العلوم الإنسانية، جامعة محمد خيضر، بسكرة، الجزائر، العدد الأول، تشرين ثاني، 2001م.
  • زيدان، جورجي، تاريخ آداب اللغة العربية، دار مكتبة الحياة، بيروت، لبنان، 1983م، ج3، ص226.
  • السبهاني، عبد الجبار، حمد عبيد، الأسعار وتخصيص الموارد في الإسلام: مدخل إسلامي لدراسة النظرية الاقتصادية، سلسلة الاقتصاد الإسلامي(2)، دار البحوث للدراسات الإسلامية وإحياء التراث، دبي، الإمارات العربية المتحدة، 2005، ص 309.
  • عبد المولى، سيد شوربجي، الفكر الاقتصادي عند ابن خلدون الأسعار والنقود: دراسة تحليلية، إدارة الثقافة والنشر، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الرياض، السعودية، 1989م.
  • أبو الفتوح، نجاح عبدالعليم، الاقتصاد الإسلامي: النظام والنظرية، عالم الكتب الحديث، اربد، الأردن، ط1، 2011م.
  • عجوة، عاطف، المفكر الإسلامي ابن خلدون ونشأة علم الاقتصاد السياسي، مركز البحوث، كلية العلوم الإدارية بجامعة الملك سعود، الرياض، السعودية، 1402هـ، ص 37-38.
  • منصور، الشحات إبراهيم محمد، ضوابط السوق الفقهية والقانونية، ط1، دار الفكر الجامعي، الإسكندرية، مصر، 2011م.
  • وافي، علي عبد الواحد، الأعلام: عبد الرحمن بن خلدون، ط1، الهيئة العامة المصرية للكتاب، القاهرة، مصر، 1975م، ص20-21.

المراجع باللغة الانجليزية

  • Besanko, David. A., & Braeutigam, Ronald. R., MICROECONOMICS, JohnWiley & Sons, Inc., New Jersey, USA, 4th Edition, 2011, p 28-62.
  • Boulakia, Jean David C., Ibn Khaldun: A Fourteenth-Century Economist, Journal of Political Economy, Chicago, USA, Vol. 79, No. 5, Sep-Oct 1979, p1109-118.
  • Fetter, Frank. A., Economic: Volume 1 Economic Principles, The Century CO., New York, USA, 9th Edition,1928, p 19-20.
  • Ganguli, S., Oskar Lange: The Complete Social Scientist, The Economic & Political Weekly, Vol. 17, Issue No. 52, December, 25, 1965, p1884.
  • Gray, Alexander, The Development of Economics Doctrine: An Introductory Survey, Longmans, Green And Co., Northumberland Press Limited, London, UK, 17th Edition, 1956, P26.
  • Jevons, Stanley. W., The Theory Of Political Economy, Sentry Press, New York, USA, Reprinted Of 5th Edition, 1965, P56.
  • Landreth, Harry., & Colander, David C., History of Economic Thought, Houghton Mifflin Company, Boston, USA, 4th Edition, 2001, p35.
  • Landsburg, Steven. E., Price Theory & Applications, South-Western Cengage Learning – Mason, USA, 8E, 2011,
  • Leftwich, Richard. H. and Eckert, Ross. D., The Price System and Resource Allocation, The Dryden Press, Chicago, USA, 8th Edition, 1982.
  • Mankiw, N. Gregory., Principles of Microeconomics, Cengage Learning, EMEA., Michigan, USA, 4E, 2006, p45-84.
  • Marshall, Alfred. Principles of Economics: An introductory volume, MACMILLAN AND CO., LIMITED, LONDON, UK, 8th Edition, 1947, p 61-63.
  • Marx, Karl, Capital, Volume I: The Progress of Production of Capital, Translated of 4th German edition, Translated by Samuel Moore and Edward Aveling, edited by Frederick Engels, Corrected by Mark Harris, Progress Publishers, Moscow, USSR, 4th Edition, 2010, p26-29.
  • McConnell, Campbell. R., & Brue, Stanley. L., & Flynn, Sean. M., Economics: Principles, Problem, and Policies, McGraw-Hill Company, Irwin, Boston, 18th Edition, 2009, p 45-70.
  • McKenzie, Richard. B. & Lee, Dwight R, Microeconomics for MBAs: The economic way of thinking for managers, Cambridge University Press, Cambridge, UK, 2nd Edition, 2010, p84-108.
  • Menger, Carl., Principles Of Economics, Ludwig Von Mises Institute, Alabama, USA, 2007, p 121-148.
  • Mill, John. Stuart., Principle Of Political Economy, The Project Gutenberg EBook, Mississippi, USA, 2009, p 289-291.
  • Ricardo, David., The Principles Of Political Economy And Taxation, Batoche Books, Kitchener, Ontario, Canada, 2001, p 8.
  • Nicholson, Walter, and Snyder, Christopher, Microeconomic Theory: Basic Principles and Extensions, Thomson South-Western , Mason, 10th  Edition, 2008, P 402-403.
  • Rothbard, Murray. N., An Austrian Perspective On The History Of Economic Thought: Economic Thought Before Adam Smith, Volume I, Edward Elgar Publishing Ltd., Ludwing Von Mises Institute, Alabama, USA, 2nd Edition, 2006, p 298-299.
  • Samuelson, Paul. A., and Nordhaus, William. D., ECONOMICS, McGraw-Hill Companies, Inc. New York, USA, 16th edition, 1998, 50-56.
  • Schumpeter Joseph. A., History of Economic Analysis, Edited from Manuscript By: Elizabeth Boody Schumpeter, Taylor & Francis e-Library, London, UK, 2006, P590.
  • Smart, William., An Introduction To The Theory Of Value, Macmillan And Co., The Macmillan Company, London, UK, 3rd Reprinted of 4th Edition, 1931, P 84-86.
  • Smith, Adam., The Wealth of Nations, Edited With an Introduction and Notes by Andrew Skinner, Penguin Books Ltd, Penguin Group, London, UK, 6th Edition, 1997, P35-37.
  • Spengler, Joseph , Economic Thought of Islam: Ibn Khaldun, Comparative Studies in Society and History, Cambridge, UK, Vol. 6, No. 3, Apr  1964, pp. 268-306.
  • Stigler, George. J, The Theory of Price, Macmillan Publishing Company, New York ,USA, Collier Macmillan Publishers, London, UK, 4th Edition, 1987, p13-15.
  • Walras, Leon, Elements of Pure Economics, translated by William Jaffe, The American Economic Association, Richard Irwin, Homewood, USA, 1954, p374-375.
  • Wicksteed, Phillip. H., The Common Sense Of Political Economy, Vol: 1, Routledge & Kegan Paul Limited, London, UK, 7th Edition, 1957, p 45-46.

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى