دراسات قانونية

محاضرات في مقياس حقوق الإنسان

أستاذ المقياس الدكتور بدر الدين شبل

مقدمة:
تعتبر حقوق الإنسان موضوعاً ذا أولوية على الصعيد الوطني، كونه مرتبط بالإنسان والعدالة، ومقاومة كل أشكال الاعتداء والاستغلال و اللامساواة، لأجل ذلك كانت الجهود منصبة لأجل وضع الضوابط الكفيلة لضمان العدالة وحماية الإنسان من كل تلك المظاهر .
وتعد موضوعاً مهماً أيضاً على الصعيد الدولي، بعد انتقال الاهتمام بها كموضوع من النطاق المحلي إلى العالمي، فصكت بصددها الصكوك، وعقدت المؤتمرات وأبرمت الاتفاقيات، كل ذلك لأجل صيانتها وحمايتها.
كما أن الموضوع شغل الكتّاب والباحثين ورجال القانون خصوصاً، ولا يزالون به منشغلين، ونجد آراؤهم حوله متشعبة ومختلفة، وهي السمة التي لازمت الموضوع منذ بدايات الاهتمام به في القدم، وعلى مر العصور .
وهذا الاختلاف مرجعه المنطلقات الفكرية والنظرية والتي تبلورت في اتجاهات ومذاهب ومدارس عدة، وهو ما يواجه الدارس للموضوع، الذي يتطلب منه الموقف التعرض لتلك الآراء والاتجاهات المختلفة، للتمكن من أخذ فكرة ولو شاملة عن الموضوع، وخصوصاً إذا تعلق الأمر بجزء من الموضوع ككل كحالتنا هذه المتعلقة بالحقوق والحريات السياسية، التي تعتبر فئة من فئات حقوق الإنسان عموما ً.

كما أنه لابد من التعرض إلى معاني الحق والحرية، والاختلافات الواردة بصددهما، للتمكن من إدراك وفهم معنى حقوق الإنسان، التي وردت وترد بصددها اختلافات، و كذلك استعراض مختلف تصنيفاتها، والاختلاف الدائر حولها أيضاً، وكذلك محاولة فهم كل التطورات التي عرفتها حقوق الإنسان على مر العصور، وصولاً إلى ما هي عليه الآن، وفي سياق ذلك نحاول استعراض المصادر وآليات الحماية المتاحة على الصعيدين الوطني والدولي، ومن ثمّ يمكن تقسيم هذه المحاضرات إلى:
أولا: مفهوم الحق والحرية والتمييز بينهما
ثانيا: مفهوم حقوق الإنسان
ثالثا: تطور حقوق الإنسان
رابعا: مصادر حقوق الإنسان
خامسا: آليات الحماية الدولية لحقوق الإنسان.

أولا-مفهوم الحق والحرية والتمييز بينهما: للوقوف عند معنى كل منهما، فإن الأمر يتطلب معرفة المعنى اللغوي لكل من الحق والحرية، ثم معرفة المعنى الاصطلاحي لكليهما، وذلك يكون من خلال مختلف التعاريف التي وردت بصدد كل منهما.
1-معنى الحق: للحق عدّة معاني مستقرة في اللغة، وكثيرة الورود في القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف، وكذلك في الفقه والقانون .
فالحق نقيض الباطل كما ورد في قوله تعالى: ( ولا تلبسوا الحق بالباطل ) .
والحق بمعنى ثبت، وفي هذا يقول الأزهري، معناه وجب وجوباً، وهو ما ورد في قوله تعالى: ( لقد حق القول على أكثرهم ) .
وحق الطريق بمعنى توسطه، وحق العقدة بمعنى أحكم شدّها .
وقد يرد الحق بعدة معاني أخرى، كالعلم الصحيح، أو العدل، أو الصدق أو البين الواضح…الخ .
أ – الاتجاه المنكر لوجود فكرة الحق: وقد عرفت فكرة الحق اختلافا كبيراً بين الفقهاء، منهم من أنكر جدواها، ومن ثم وجودها القانوني، وهؤلاء قلة أبرزهم الفقيه الألماني أوجست كونت، وهو من أنصار المذهب الوضعي، حيث يرى أن الحق فكرة خيالية غير موجودة، وبالتالي يجب استبدالها بالواجب .
وهناك فقيه آخر، هو الفرنسي ليون دوجي، الذي يرى بأن ما يدعى بالحقوق، ما هو إلا مراكز قانونية غير متضمنة لحقوق شخصية، ذلك أن القاعدة القانونية حسبه، لا تقرر للفرد مالا يمكن للآخرين الحصول عليه.
أما الفقيه الثالث فهو النمساوي كلسن صاحب النظـرية البحـتة للقـانون، والذي يرى أن القانون ما هو إلا قواعد متضمنة لالتزامات، ولا وجود لما يسمى بالحقوق، وأن ما يدعى بالحق ما هو إلا التزام على عاتق شخص معين بعدم التعرض للحق المدعى به ، فالقاعدة القانونية حسبه منشئة لالتزامات لا مثبتة لحقوق .
وقد انتقدت آراء هؤلاء المنكرين لفكرة الحق، فضلاً عن كونهم أقلية، فهم فشلوا في محو الاعتقاد بوجود فكرة قانونية مستقلة للحق .
ب- الاتجاه القائل بوجود فكرة الحق: أما القائلين بوجود فكرة الحق، فقد اختلفوا فيما يعد العنصر الجوهري للحق، والذي يمكن أن يعتمد عليه في تعريفه، وقد تبلّورت هذه الاختلافات في اتجاهات مختلفة.
– الاتجاهات التقليدية: وهذه الاتجاهات التقليدية تجسدت في ثلاث اتجاهات:
الاتجاه الشخصي: أو ما يعرف بالنظرية الإرادية، وينظر فقهاء هذا الاتجاه إلى الحق من خلال صاحبه، ولذلك فهم يعرفون الحق على أنه: ( القدرة أو السلطة الإرادية التي يخولها القانون لشخص من الأشخاص في نطاق معلوم ) .
وأبرز فقهاء هذا الاتجاه الألمانيان، وينشيد وسافيني، وأخذ عليه أي الاتجاه ربطه للحق بالإرادة، وخلطه بين ثبوت الحق ومباشرته، فقد تثبت حقوق لفاقدي الإرادة كالمجنون والصبي، وحتى دون العلم كالغائب، بينما مباشرة الحق لا تكون إلا بتوافر الإرادة، فالصبي تثبت له حقوق، ولكن لا يباشرها إلا ببلوغه .
الاتجاه الموضوعي: والذي يعرف كذلك بنظرية المصلحة، وينظر فقهاء هذا الاتجاه إلى الحق من خلال موضوعه، ولذلك فهم يعرفونه على أنه: ( مصلحة يحميها القانون، وهذه المصلحة قد تكون مادية أو معنوية (أدبية)).
وأبرز فقهاء هذا الاتجاه الألماني أهرنج، والذي يرى بأن جوهر الحق هو المصلحة، ويضيف عنصراً شكلياً هو حماية القانون.
وقد أنتقد هذا الاتجاه لاعتماده في تعريف الحق وتحديده على المصلحة، رغم كونها ليست جوهر الحق، بل هي الغاية المرجوة منه، وهو وسيلة تحقيقها .
الاتجاه المختلط: أو ما يعرف بالاتجاه التو فيقي، وسمّي كذلك لأنه يجمع بين الاتجاهين السابقين، فهو يجمع بين فكرتي السلطة الإرادية والمصلحة، مع الاختلاف بين فقهائه في تغليب إحدى الفكرتين عن الأخرى.
فمن غلب الإرادة عرف الحق على أنه: ( القدرة الإرادية المعطاة لشخص في سبـيل تحقيـق
مصلحة يحميها القانون )، أما من غلب المصلحة، عرف الحق على انه مصلحة يحميها القانون عن طريق قدرة إرادية يعترف بها لشخص معين) .
وقد انتقد هذا الاتجاه على أساس أن الجمع بين الإرادة والمصلحة لا يحدد جوهر الحق، فالقدرة الإرادية شيء مختلف عن جوهر الحق، وكذلك المصلحة كونها الغاية المرجوة منه .
– الاتجاهات الحديثة: وأبرز تعريف في هذه الاتجاهات هو تعريف الفقيه البلجيكي دابان ، الذي عرّف الحق على أنه: ( استئثار شخص بقيمة معينة، أو شيء معين، عن طريق التسلط عن تلك القيمة أو هذا الشيء )، وتحليل هذا التعريف يورد أربعة عناصر:
1 – الاستئثار أو الاختصاص .
2 – التسلط .
3 – احترام الغير لهذا الحق .
4 – الحماية القانونية .
وقد أورد الفقهاء العرب عدّة تعار يف للحق، فعرّفه عبد الحي حجازي على أنه: ( ميزة يمنحها القانون لشخص وتحميه طرق قانونية، فيكون لذلك الشخص بمقتضى تلك الميزة أن يتصرف في مال أقرّه القانون بانتمائه إليه، سواء باعتباره مالكاً أم باعتباره شيئا مستحقا في ذمة الغير ) .
وعرّفه توفيق حسن فرج على أنه: ( استئثار بشيء أو بقيمة استئثارا يحميه القانون ).
وعرّفه حسن كيرة على أنه: ( تلك الرابطة القانونية التي بمقتضاها يخول القانون شخصا من الأشخاص على سبيل الإنفراد والاستئثار – التسلط عن شيء أو اقتضاء أو أداء معين من شخص آخر) .
أما في الشريعة الإسلامية فهو: ( علاقة شرعية تؤدي إلى الاختصاص بشيء مع امتثال شخص آخر في إطار محدد ومشروع )، ومن ثم فللحق في الشريعة الإسلامية خمسة أركان:
1- صاحب الحق .
2- الشيء المستحق .
3 – من عليه الحق .
4- نص شرعي يوجب الحق .
5- المشروعية .
1 – معنى الحرية: للحرية في اللغة عدة معاني، فالحرار من حر إذا صار حراً والاسم (الحرية)، والحر (بضم الحاء) نقيض العبد، وجمعها أحرار وحرار، والحر كل شيء فاخر، وحر كل أرض وسطها وأطيبها، والحر الفعل الحسن وتحرير الكتابة إقامة حروفها وإصلاح السقط، وتحرير الحساب إثباته مستوياً .
وفي القرآن الكريم لم يرد لفظ الحرية وما ورد من ألفاظ منها:
الحر: ضد العبد في قوله تعالى: ( كتب عليكم القصاص في القتلى، الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى ) .
تحرير رقبة: بمعنى عتقها في قوله تعالى: ( من قتل مؤمنا خطا فتحرير رقبة مؤمنة، ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا…) .
محرراً: في قوله تعالى: ( رب إني نذرت لك ما في بطني محررا ) .
وتحرير الولد: أن يخصص لطاعة الله، وأسم المفعول محرر .
أما عن تعريفها فقد تناولها العديد من الفقهاء بالتعريف، إلا أن تعار يفهم، ورغم اتفاقها على عناصر معينة، فقد وردت مختلفة، ومرد ذلك هو التساؤل متي يمكن أن نصنف نشاطا إنسانيا بأنه حر، فمعناها يختلف باختلاف الزمان والمكان، فمثلاً وصف نظام أو مذهب بأنه حر في زمن معين، وفي مكان معين، نجد وصفه أنه غير حر في زمن آخر و في مكان آخر .
فالحرية لدى قدماء اليونان مختلفة عن الحرية لدى فقهاء الثورة الفرنسية وثوارها، ومختلفـة عن الحرية لدى الفقهاء المعاصرين، وهو ما عبّر عنه قول لأحد الرؤساء الأمريكيين وهو لنكولن في خطاب ألقاه عام1864م: ( إن العالم لم يصل أبداً إلى تعريف طيب للفظ الحرية، فنحن نستعمل الكلمة ذاتها إلا أننا لا نقصد المعنى ذاته) .
فالحرية كثيرة الاستخدام، ومتعددة المدلول ومختلفة فيه، وقد وردت لها عدة تعار يف من قبل الفقهاء العرب والغربيين .
أ- الفقه الغربي: وقد أورد الفقهاء الغربيين عدة تعار يف منها:
يعرفها جون لوك صاحب العبارة الشهيرة: ( إن الناس جميعا قد ولدوا أحراراً )، ويضيف لها مفسراً: ( إن الإنسان يولد حراً كما يولد مزوداً بالإرادة )، على أنها: ( الحق في فعل شيء تسمح به القوانين ) .
ويعرفها مونتسكيو على أنها: ( الحق فيما يسمح به القانون ، والمواطن الذي يبيح لنفسه مالاً يبيحه له القانون لن يتمتع بحريته، لأن باقي المواطنين سيكون لهم نفس القوة ) .
وعرّفتها المادة الرابعة من إعلان حقوق الإنسان والمواطن الفرنسي على أنها : ( إمكانية عمل مالاً يضر بالآخرين ) .
ب- الفقه العربي: وقد وردت للفقهاء العرب عدّة تعار يف منها:
يعّرفها طعيمة الحرف على أنها: ( تأكيد كيان الفرد اتجاه الدولة ) .
ويعرّفها زكرياء إبراهيم على أنها: ( الملكة الخاصة التي تميز الإنسان من حيث هو موجود عاقل يصدر في أفعاله عن إرادته هو لا عن أية إرادة غريبة عنه، فالحرية تعني: انعدام القسر الخارجي ).
ويعرّفها محمود عاطف البنا على أنها: ( مركز قانوني عام يتضمن القدرة على إتيان أعمال وتصرفات معينة يترتب على ممارستها – عادة – نشؤ حقوق خاصة ) .
ويعرّفها محمد سعيد المجذوب على أنها: ( سلطة أو إمكانية السيطرة على الذات، بموجبها يختار الإنسان بنفسه تصرفاته الشخصية، ويمارس نشاطاته دون عوائق أو إكراه ).
أما تعريفها من الوجهة الشرعية فهي: ( ما يميز الإنسان عن غيره، ويتمكن بها من ممارسة أفعاله وأقواله وتصرفاته بإرادة واختيار، من غير قسر أو إكراه، ولكن ضمن حدود معينة ) .
ودون الإسهاب في سرد المزيد من التعاريف الفقهية، والتي تكاد تكون كلها مختلفة، وإن اشتركت في عناصر معينة، أهمها ضرورة تقييد هذه الحرية لا إطلاقها، وتقييدها يكون وفق التنظيم العام، أي المساواة في تقييدها، والتي قد تتم وفق أسلوب وقائي عن طـريق ربط ممارسـتها بـإذن أو ترخيص من جهة معينة، وقد تكون وفق أسلوب علاجي بوضع جزاءات مدنية وجزائية .
3- التمييز بين الحق والحرية: يستخدم البعض المصطلحين كمترادفين، إلا أن الغالب يميز بينهما:
1- أن الحرية إجازة أصلية مباحة للجميع ودون تمييز، والاعتداء عليها أو الحول دون التمتع بها ينشىء حقا فيها، فالحرية يتساوى فيها الجميع، أما الحق فيقتصر على أشخاص معنيين، لتمكنهم من عنصر الاستئثار والإنفراد .
2- أن الحرية لا يقابلها التزام على عاتق الغير بوجوب القيام بعمل أو أداء معين، بخلاف الحق المقترن بالواجب لدى الغير، وذلك بأن هناك واجب على الغير بعدم الاعتداء على حق وحرية الآخرين.
ورغم هذا التمييز فإن هناك بعض الاتفاقيات والإعلانات قد أخلطت بينهما، ودرجت على أن الحرية حقا، منها المادة الثالثة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: ( لكل فرد الحق في الحياة والحرية والأمن الشخصي ) .
وكذلك المادة التاسعة في فقرتها الأولى من العهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية: ( لكل فرد الحق في الحرية والسلامة الشخصية )، و كذلك نص المادة الخامسة في فقرتها الأولى من الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان: ( لكل فرد الحق في الحرية والأمان…) .
ثانيا- مفهوم حقوق الإنسان وتصنيفاتها: نحاول من خلال هذا النقطة التطرق إلى تحديد مفهوم حقوق الإنسان، انطلاقا من الإجابة عن السؤال التالي: ما المقصود بحقوق الإنسان ؟
وهذا يتطلب التعرض إلى ما يتردد من أفكار ومفاهيم حولها، مما يعني الاستناد إلى الجانب الفلسفي والنظري، قبل الجانب القانوني، وذلك لمعرفة الاختلاف والتنوع في النظرة إلى حقوق الإنسان، ذلك لأنه من الثابت أن القيم التي تتضمنها تجد أصولها في كافة المذاهب الفكرية، القانونية، السياسية، الاجتماعية والدينية، بحيث لا يرقى الشك في أنها نتاج الحضارات والديانات كافة.
ولمعرفة الموضوع وفهمه، فإنه تجب دراسة الحقوق والحريات دراسة تفصيلية.
لذلك نحاول في البداية، التعرض لتحديد مفهوم حقوق الإنسان، ثم نتعرض إلى تصنيف هذه الحقوق والحريات .
1- مفهوم حقوق الإنسان: يبدوا تحديد معنى حقوق الإنسان، صعباً في ظل اختلاف الكتاب حول التسمية المحددة للموضوع، فالبعض يستعمل مصطلحي حقوق الإنسان والحريات العامة كمترادفين مثل: بيلو وجون روش ، بينما يرى البعض أن الحريات العامة مجرد تسمية فرنسية، وهناك من يرى بأن حقوق الإنسان ما هي إلا اصطلاح جديد لما عرف بالحقوق والحريات العامة، و مسألة المفهوم ترتبط بمسألة التصنيف .
أ- التمييز بين حقوق الإنسان والحريات العامة: يميز العديد من الكتاب بين حقوق الإنسان والحريات العامة، وفي هذا يقول دومينيك تيربان: ( بأنـه في الوقت الذي نجد مفاهيم كل من حقوق الإنسان والحريات العامة كمترادفة، إلا أن هـذا لا يعني أن أحدهما يغطي الآخر، فالأولى قديمة جداً، وطموحه جداً، وواسعة جداً، لكنها قليلة الدقة، كونها أكثر فلسفية وسياسية – وهي اليوم أسست على كثير من القداسة – .
بينما الثانية أي الحريات العامة حديثة، كما أن دراستها مستقلة، متأخرة، ولها بداية محتشمة ومتواضعة، ولكن في نفس الوقت أكثر قانونية، وبالتالي أكثر دقة، ودون تردد يمكن اعتبارها نصر كبيـر، ولأجل تجنب أي تفرقة أو تمييز موجود، فإن بعض البلدان الأنجلوسكسونية خاصـة، تفضل القـول بحقوق الشخص ومثالـه: ( ميثاق الحقوق والحريات للشخص الكيبكي سنة 1975، والقانون الكندي لحقوق الشخص سـنة 1997 ) .
وقد وضع الكتاب مبررات للتمييز بين حقوق الإنسان والحريات العامة أهمها:
1 – أن الحريات العامة، حقوق للفرد قبل الدولة، ويكفلها الدستور والقانون، وتمارس في مواجهة السلطة وفي إطارها، فهي تفترض تدخل السلطة العامة اعتراف وضماناً، لترتقي من مجرد حرية مجـردة إلى حرية عامة، وبهذا يعرفها ريفيرو على أنها: ( الحقوق التي تعتبر بمجموعها في الدول المتحضرة بمثابة الحقوق الأساسية اللازمة لتطور، الفرد والتي تتميز بنظام خاص من الحماية القانونية) .
وبالتالي فمصـدر هـذه الحريات وضعي، وهو تلك الإرادة الشعبية التي وضعت الدسـتور أو القانـون،وعليه لا يـمكن تصـور وجود حريات عامة، إلا في ظل نظام قانوني معين، وهو ما يجعلها وثيقة الصلة بالدولة.
أما حقوق الإنسان فهي حقوق طبيعية يمتلكها الإنسان لطبيعته الإنسانية، وتظل موجودة حتى عند عدم الاعتراف بها أو انتهاكها من قبل سلطة ما، كونها تستمد وجودها من مصادر تاريخية وفلسفية ترجع إلى فكرة القانون الطبيعي .
وهي هكذا يعرفها عبد الحكيم حسن العيلي: ( الحقوق التي تهدف إلى ضمان وحماية معنى الإنسانية في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية) .
وهذه الحقوق تقع فوق أطر القانون الوضعي، وما عليه إلا أن يقررها ويكفل حمايتها فإذا ما فعل اعتبرت في نظره حريات عامة.
2- الحريات العامة غالبا ما تستعمل في إطار الدولة دلالة على الإمكانيات التي يمتلكها المواطن في مواجهة السلطة، ولذلك فمكانها الدستور أو القانون، وعلى هذا يعرفها كوليار: ( حالات (أوضاع) قانونيـة مشروعة ونظامية حيث يسمح للفرد أن يتصرف كيفما شاء ومن دون قيود في إطار حـدود مضبوطة من طرف القانون الوضعي ومحددة تحت رقابة قاضِ من قبل سلطة بوليسية مكلفة بحفظ النظام العام ) .
بينما يحتفظ بتعبير حقوق الإنسان دلالة على اهتمام المجتمع الدولي بالإنسان وحقوقه، ولذلك يكون نطاقها القانون الدولي، وبهذا يعرفها عمر إسماعيل سعد الله: ( جملة من القواعد والمبادئ القانونية الدولية، التي قبلت بموجبها الدول الالتزام القانوني والأخلاقي بالعمل على تعزيز وحماية حقوق الإنسان والشعوب وحرياتها الأساسية ) .
ومرد هذا الاختلاف إلى اختلاف المدارس الفكرية في حقوق الإنسان، وحسب كامل زهيري فإنه يمكن تركيز هذه المدارس في ثلاث مدارس أساسية: مدرسة دينية، ومدرستان وضعيتان، على أن المدرسة الوضعية المستندة إلى القانون الوضعي، تضم غالبية فقهاء القانون الدستوري المعاصرين .
وترى أن حقوق الإنسان ليست سوى اصطلاح جديد يغطي كل ما عرف حتى الآن تحت اسم الحقوق والحريات العامة، والتي ترجع إلى الفكر الأوربي خلال القرنين 18 و 19، وإلى فكرة العقد الاجتماعي وإلى مبدأ الحرية والمساواة، والتي انعـكست في الإعـلان الفرنـسي لحقـوق الإنسـان
و المواطن وإعلان فرجينيا في أمريكا .
وتضم مدرسة الحقوق والحريات العامـة المـعاصرة، فقيهين مهمين هما جورج بيردو وكلود ألبير كوليار، وهي المدرسة التي أخذ بها أغلب فقهاء القانون الدستوري العرب .
والحرية حسب هذه المدرسة توصف كذلك، عندما يترتب عليها واجبات يتعين على الدولة النهوض بها وتتميز عندهم بالوضعية – أي ما لم يعترف القانون بالحريات فإنها لا توجد، والحرية عندهم لم تعد مشكلة في حدّ ذاتها، لا يهتم بها سوى المفكر والفيلسوف، بل انتقلت تدريجياً من التجريد إلى التطبيق، ومن الفكرة إلى العمل، بدءا من إشكالية الحرية والسلطة والحرية والدولة إلى الحرية في المجتمع .
ومن هنا كانت النقلة الكبرى والتطور العظيم من الفكرة المجردة إلى مرحلة التقنين، وذلك لأن الفكرة الأساسية عند هذه المدرسة أن الحريات لا توجد ما لم يعترف بها القانون، ومن ثم ظهـرت ضرورة إصدار المواثيق الوطنية والدولية، وهو ما تحقق عقب الثورة الفرنسية على المستوى الوطني، وتحقق بعد الحرب العالمية الثانية على المستوى الدولي.
ولكن الفقيه الدستوري رينيه كاسان أسس بعد الحرب العالمية الثانية، مدرسة جديدة وتجديدية في فقـه حقوق الإنسان، وذلك بأنها تقوم بغض النظر عن اعتراف الدستور بها أو عـدم اعترافه، وهو يختلف مع المدرسة القانونية الوضعية التي تقول أن الحريات لا تنشأ إلا إذا اعترف بها القانون .
وعلى هذا فإن رينيه كاسان يؤمن بأن حقوق الإنسان لها قيمة فوق قانونية، ويضيـف كاسان بأن حقوق الإنسان متطورة ومتجددة وديناميكية، لأن حقوق الإنسان المدنية والسياسية سبقـت الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وإذا كانت الأولى نبعت من أفكار مونتسكيو وروسو، فـإن الثانية نبعت من رواد المنادين بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية مثل لوي بلان وبرودون .
وبقدر ما كانت أفكار كاسان في حقوق الإنسان متجددة ومعترفة بالتطور فإنها لم تكن حبيسة النظرة الأوربية لحقوق الإنسان، فقد أوضح في كتاباته مختلف الثقافات والحضارات القديمة، وأشار إلى التقدم في حقوق الإنسان في الربع الأول من القرن 19 في مصر والهند واليابان .
وأهمية هذه المدرسة، تنبع من كونها تتحمس لتوسيع حقوق الإنسان، وتتجدد تبعاً لاحتياجات الإنسان في المجتمع، ولأن الحقوق تثبت للإنسان لمجرد كونه إنساناً، لأنها تنبع من ضمير الجماعة، ومطالبة الجماعة بهذه الحقوق، دون اشتراط أن يكون القانون الوضعي قد اعترف بها أو أدركها بالحماية، إضافة إلى أن هذه المدرسة تعترف بحق الشعوب في تقرير المصير، وبالتالي فالحق موجود أصلاً لكل شعب يناضل، ليكون له وطن، ومن ثم دولة، حتى قبل الاعتراف الدولي بها .
ورغم التمييز الذي وضع بين حقوق الإنسان والحريات العامة، فإن هذا التمييز بدأ يتجه نحو الضيق وذلك أن أغـلب الـدول صارت أطـرافا في المـعاهدات الـدولية المتعلقة بحقوق الإنسان،
وباعتبار أن القواعد الدولية المتعلقة بالموضوع هي قواعد آمرة، حيث يرى الشافعي محمد البشير بأن حقوق الإنسان صارت قانوناً دولياً ووطنياً من حيث المصدر والتطبيق، وأساس ذلك يكمن في الشرعة الدولية لحقوق الإنسان .
ب- تعريف حقوق الإنسان: صعوبة تحديد معنى حقوق الإنسان، لا تنتهي عند حد التسمية، بل تمتد إلى التعريف، وهذا راجع ربما إلى تباين الثقافات الإنسانية، والمذاهب الفكرية وتباين الأنظمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية لمختلف الدول، وهذا ما يؤدي إلى اختلاف المعايير والاعتبارات التي يعتمد عليها في تعريف الموضوع. ونجد هناك ثلاث وجهات:
– الدول الغربية: ويعتمد مفهومها على المذهب الفردي بمصادره المتعددة، ونجدها تركز على الحقوق والحريات الفردية، وفي إطارها على ما يسمى بالحقوق والحريات التقليدية أي الحقوق والحريات المدنية والسياسية، والتي تعدها مقدسـة، ويتـساوى فيـها الجـميع، وعلى الـدولة عـدم التدخل فيها مما يجعل مضمونها ذو طابع سلبي .
– الدول الاشتراكية: ويرجع أصول مفهومها عموما إلى الزحف الاشتراكي إبان الثورة الصناعية، ومطالبات العمّال بحقوقهم، ونجدها تنتقد الدول الغربية لاعتمادها على الحقوق والحريات التقليدية – القديمة المستمرة إلى الآن والتي لا تلتزم فيها الدولة سوى التزام سلبي وهو ما لم يعد كافياً بل لابد من اضطلاعها بدورها وهو ضمان ظروف حياة كريمة للأفراد، وهو ما يجعلها تلتزم إيجابياً، وتعمل على إبراز الانتهاكات التي تعرفها الحقوق والحريات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في الدول الغربية، وتعمل جاهدة على صيانتها في دوله.
– دول العالم الثالث: ويركزون على انتقادهم للدول الغربية في تركيزها على الحقوق الفردية وإهمالها للحقوق الجماعية، حيث أن ذلك حسبهم تعصب للحضارة الغربية، كما أنهم ينكرون بعض الحقوق، ويقولون أن ذلك تضحية بها بصفة مؤقتة بهدف تحقيق الحقوق الجماعية، وقد ظهر هذا الخلاف جلياً بصدد صياغة العهدين الدوليين حيث صيغا العهدين بمقدمة واحدة، ولم يظهرا في عهد واحد محاولة للتوفيق بين المعسكرين، ونفس الخلاف ظهر من قبل أثناء إعداد ميثاق الأمم المتحـدة، حيث كانت حقوق الإنسان محل اختلاف إيديولوجي .
هذا الصراع ولد مفهوما معاصرا لحقوق الإنسان، خاصة مع وصول الأحزاب الاشتراكية إلى السلطة في الدول الغربية، وإضفاء نوع من اللبرلة في الدول الاشتراكية، كل هذا أدى إلى صياغة مفهوم يراعي كل فئات حقوق الإنسان، ويعدها نتاج لنضال إنساني، وتراث مشترك للإنسانية، ساهمت في صياغته مختلف الحضارات وهي:
– الفئة الأولى: الحقوق المدنية والسياسية
– الفئة الثانية: الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية
– الفئة الثالثة: الحقوق الجماعية أو حقوق التضامن
وقد وردت عدة تعار يف أكاديمية لحقوق الإنسان فيعرّفها رينيه كاسان على أنها: ( فرع خاص من فروع العلوم الاجتماعية، يختص بدراسة العلاقات بين الناس، استنادا إلى كرامة الإنسان، بتحديد الحقوق والرخص الضرورية لازدهار شخصية كل كائن إنساني ).
أمـا تلميذه كارل فاساك فيعرّفها: ( أنها تلك الحقوق التي ينبغي الاعتراف بها للإنسان لمجرد كونـه إنسانـاً، وتختلف عـن الحقوق الوضعية في كون المطالبة بها تتوقف على شرط هو الحماية القانونيـة لها) .
وهناك تعريف آخر يقال أنه تقني وضع من قبل مجموعة باحثين سنة 1973، وعلى رأسهم كار ل فاساك، حيث وضعوا حوالي خمسة آلاف كلمة في الحاسوب تتعلق بحقوق الإنسان، فحصلوا على التعريف التالي : ( علم يهم كل شخص ولاسيما الإنسان العامل، الذي يعيش في دولة معينة، والذي إذا كان متهما بخرق القانون أو ضحية حالة حرب، يجب أن يستفيد من حماية القانون الوطني والدولي، وأن تكون حقوقه وخاصة الحق في المساواة مطابقة لضرورات المحافظة على النظام العام).
ويعرفها إيف ماديو في كتابه حقوق الإنسان الصادر سنة 1976 على أنها:
( دراسة الحقوق الشخصية المعترف بها وطنياً ودولياً والتي في ظل حضارة معينة، تضمن الجمع بين تأكيد الكرامة الإنسانية وحمايتها من جهة والمحافظة على النظام العام من جهة أخرى) .
وعرفتها إحدى نشرات الأمم المتحدة الصادرة سنة 1990م على أنها: ( الحقوق المتأصلة في طبيعتنا والتي لا يتسنى بغيرها أن نعيش عيشة البشر فهي الحقوق التي تكفل لنا كامل إمكانات التنمية واستثمار ما نتمتع به من صفات البشر، وما وهبناه من ذكاء ومواهب وضمير ومن أجل تلبية احتياجاتنا الروحية وغير الروحية وهي تستند إلى تطلع الإنسان المستمر إلى حياة تتميز باحترام وحماية الكرامة المتأصلة في كل إنسان وقدره) .
ويعرفها إبراهيم بدوي على أنها: ( أن الإنسان كونه بشراً فإنه يتمتع بمجموعة من الحقوق اللازمة واللصيقة به وذلك بغض النظر عن جنسيته أو جنسه أو ديانته أو أصله أو وضعه الاجتماعي أو الاقتصادي) .
ويعرفها مصطفى كامل السيد على أنها: ( ممكنات أو قدرات تسخرها الإرادة لبلوغ غايات معينة مادية أو معنوية وهذه الممكنات هي نابعة من طبيعة الإنسان فلا يكون لها وجود بدون استخدامها ولا يتمتع بأي كرامة إلا في ظلها، ولما كانت هذه الممكنات لازمة لوجود الإنسان وكرامته فإن مفرداتها الأساسية تظل واحدة برغم اختلاف الثقافات وتنوع النظم الاجتماعية وتعدد الدول التي يعيش في ظلّها البشر).

2- تصنيف حقوق الإنسان: إن إعطاء تصنيف معين لحقوق الإنسان، يبدوا أمرا عسيرا، كونه يتعلق بوضع حدود فاصلة بين مختلف هذه الحقوق والحريات، رغم كون هذه الحقوق والحريات مترابطة وتحقيق بعضها يعتمد على تحقيق الآخر، وهو ما جعل الكتاب يعتبرون مسألة التصنيف مجرد عملية تقديرية تفرضهـا مقتضيات الدراسة .
فهي جائزة ومقبولة لأغراض علمية ودراسية لأن حقوق الإنسان كل لا يتجزأ فهي متداخلة ومترابطة ببعضها إلى درجة التكامل التام.
ووضعت التصنيفات لحقوق الإنسان بهذه التسمية، من طرف الذين قالوا بأنها ترجع إلى فكرة القانون الطبيعي، ومن ثم فهي تقع فوق أطر القانون الوضعي، وكذلك الذين قالوا باستعمال هذه التسمية دلالة على اهتمام المجتمع الدولي بها، ومن ثم يكون نطاقها القانون الدولي، وهو ما وضحناه عند التمييز بين حقوق الإنسان والحريات العامة، وقد وضعت تصنيفات من قبلهم وهي مختلفة كونها تقوم على معايير مختلفة منها:
أ- معيار العدد: وقد صنفت وفق هذا المعيار إلى:
– حقوق فردية: وهي التي تتعلق بالفرد، بغض النظر عن كونه منتمي لمجموعة اجتماعية.
– حقوق جماعية: وهي التي تفترض لممارستها مجموعة من الأشخاص أو عدداً منهم ويندرج فيها ما يعرف بحقوق التضامن .
ب- المعيار المعتمد على فئات: وتصنف إلى ثلاث فئات:
– الحقوق المدنية والسياسية: وهي تلك التي تفترض، بصفة عامة، امتناعا من جانب الدولة حتى يمكن احترامها، وبالتالي فهي ترتب التزامات سلبية على عاتق الدولة بأن تمتنع عن التدخل في حقوق وحريات الأفراد، ويدخل في هذه الفئة، الحق في الحياة، و حماية المراسلات واحترام الحياة الخاصة وحرية الرأي والتعبير والاجتماع.
– الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية: وهي على خلاف الفئة الأولى، تتحمل الدولة اتجاهها التزامات إيجابية بما يمكن للأفراد الحصول عليها، وبالتالي فهي تتطلب من الدولة تدخلاً حتى يمكن كفالة التمتع بها، كالحق في العمل والتأمين الاجتماعي والحق في التعليم والحق في الصحة.
– الحقوق الحديثة للإنسان ( حقوق التضامن ): وهي لا تطرح في المجال الوطني، وقد اقتضتها ضرورات الحياة المعاصرة بمشكلاتها المتنوعة نتيجة التقدم العلمي الهائل في كافة المجالات، ويدخل في نطاق هذه الفئة الحق في بيئة نقية ونظيفة والحق في السلام والحق في التنمية…الخ .
ج- المعيار المعتمد على الموضوع: وصنّفت إلى:
– حقوق شخصية: كالحق في الحياة، والشرف والجسم .
– حقوق مدنية: كحقوق الأسرة .
– حقوق اقتصادية: كالحق في العمل، والملكية .
– حقوق اجتماعية: كالحق في العلاج ، والتأمين .
– حقوق سياسية: كالحق في المشاركة السياسية .
– حقوق ثقافية: كالحق في التعليم، والإبداع والابتكار .
ومهما كانت التصنيفات المختلفة، سواء من قبل كتاب كل رأي أو بين الرأيين، فإن كل تصنيف يمكن أن يكون صحيحاً، إذا ما احترم وراعى المعايير التي يقوم عليها.
ثالثا- تطور حقوق الإنسان: تعد حقوق الإنسان من حيث كونها قيم أو مبادئ أو قانون، قد نشأت وسادت في إطار المجتمع والدولة، لذلك فهي تعبر عن خصوصية تلك الدولة في علاقاتها بأفرادها، ولما كانت متعلقة بالعنصر الإنساني، فهم من جنس آدمي واحد في كل المجتمعات والدول، وبالتالي ينبغي أن يتمتعوا بكل الحقوق والحريات على السواء في كل أنحاء العالم، لذلك باتت حقوق الإنسان مسألة عالمية، يرجع الفضل في دعمها وتجسيدها إلى التنسيق والتنظيم في مجالات علاقات المجتمع الدولي وجهوده من خلال القانون الدولي، وذلك بوضع قواعد دولية تخص هذا الموضوع .
1- حقوق الإنسان في العصور القديمة والوسطى: فيما يخص العصور القديمة فهي الحقبة السابقة عن نهاية القرن الخامس الميلادي، وبالتالي فهي تشمل المجتمعات البدائية السابقة عن الحضارات وعن ظهور الدولة، وعن وضع القواعد القانونية، ويذكر الباحثون على أن هذه المجتمعات لم تعرف الاسترقاق والاستعباد، فقد كانت حقوق الإنسان مكفولة وخصوصاً الشخصية .
أما المجتمعات التي عاشت في الحقبة اللاحقة لظهور الدولة، فقد ساد فيها تقسيم المجتمع إلى طبقات، وكان الفرد يستمد حقوقه وحرياته من الطبقة التي ينتمي إليها، كما عرفت تمييزاً بين الرجل والمرأة حيث تحرق الأرامل في الهند وتشوه أقدام النساء في الصين، ورغم هذا فلم تكن الحقوق والحريات غائبة تماماً، خصوصاً بظهور القوانين المكتوبة عن طريق تدوين الأعراف والعادات، وصياغتها في أحكام ملزمة .
وقد عرفت الشعوب الشرقية عدّة قوانين بدءاً بقانون بلالاما ملك أشنونا حوالي (1930 قبل الميلاد)، وهو أقدم وثيقة تشريعية مكتوبة، وكذلك قانون حمو رابي الملك البابلي (1686-1728 قبل الميلاد)، وفي الهند وجد قانون مانو حوالي ( 718 قبل الميلاد).
وعرفت الشعوب الغربية كذلك عدة قوانين، ففي اليونان ظهر قانون درا كون (621 قبل الميلاد)، وكذلك قانون صولون (594 قبل الميلاد)، وفي الرومان قانون الألواح الإ ثني عشر (641 قبل الميلاد) .
وهذه القوانين ورغم كونها قد وضعت للحد من الطغيان، وتضمنت بعض الحقوق والحريات الأولية للإنسان فإنها تضمنت انتهاكات أيضاً لتكريسها للتمييز وعدم المساواة .
كما أن للفلاسفة اليونان دور حين تحدثوا عن الديمقراطية والحرية والتي نجد لها دور في الأصول التاريخية لحقوق الإنسان، والتي يذكر البعض أنها ترجع إلى أثينا، كما أن روما عرفت أول جمهورية ديمقراطية في التاريخ، تجعل من الشعب صاحب السيادة ومصدر كل السلطات .
كما يشير البعض إلى أن هذه الحقبة عرفت وجود إعلانات واتفاقيات دولية في مجال حقوق الإنسان، ويذكرون أن الإمـبراطور الفارسي كورشي العظيم قد أسس أول إعـلان دولي لحقوق الإنسان، كما أن الإتفاقيات المبرمة بين مصر الموحدة على يد ميتا حوالي ( 3200 قبل الميلاد ) والدولة السومرية في جنوب الفرات حوالي (4000 قبل الميلاد )، متضمنة لأحكام تدخل في مجال حقوق الإنسان .
وفيما يخص الديانات السماوية، نجد أن الديانة اليهودية المعتمدة أساساً على التوراة، وما أضافه عليها أحبار اليهود، وما جمعوه من أسفار وتم تداولها في ما يسمى بالتلمود، والذي كان بأصله بضع مجلدات، وصار منذ ثمانية قرون فقط 12 مجلداً، وهو اليوم بالإنجليزية 36 مجلداً، ومن التلمود هذا استمد اليهود روح سفك الدماء بأساليب بربرية فاشية، ونادوا باحتقار الشعوب باعتبارهم شعب الله المختار .
وأما الديانة المسيحية فبمجيئها دعت إلى الحرية والمساواة ودافعت عن الفقراء والمستضعفين ضد الأغنياء، فقد قال المسيح ما أسعدكم أيها الفقراء فلكم مملكة الله ) وقال أيضاً: ( ما أشقاكم أيها الأغنياء فإنكم قد نلتم عزاؤكم) .
إلا أن المسيحية لم تتحرر من قيود العصر، فتركت الرق والسيطرة للأغنياء على الفقراء، وألغت حرية العقيدة، وبالتالي فالمسيحية كدين اختلفت عن تاريخ تطبيقها.
وقد حملت المسيحية إلى الفكر الأوربي والحضارة الأوربية وإلى حقوق الإنسان عموماً عنصرين أساسيين، هما كرامة الشخصية الإنسانية، وفكرة تحديد السلطة، وهو ما أدى إلى عدم قبول فكرة السلطة المطلقة، فالعنصر الأول المتعلق بالكرامة الإنسانية أساسه أن الشخصية الإنسانية تستحق الاحترام والتقدير، كون الإنسـان من مـخلوقات الله، فـهو مخلوق ممتاز لكونه على صورة الله، فهو يعيش حياة عابرة عن هذه الأرض، ومقدراً أن يعيش حياة أبدية بعد الممات.
وتعتمد هذه التعاليم على أن عيسى المسيح عليه السلام، يمثل صلة الوصل بين الإله والمخلوقات، ولهذا فالشخصية الإنسانية تستحق الكثير مـن العناية، وهي فكرة جاءت مـن الفلسـفة اليونانية، وعملـت الكنيسة على إظهارها حتى في العصور الوسطى فيما بعد، ونادت أيضا بمساواة الجميع أمام الله، ولهذا كان إقبال العبيد عليها واسعاً، ولكن تطبيقها كان محدوداً، وبقي الوضع كما هو .
أما تحديد السلطة فترى تعاليم المسيحية، أن أي سلطة فوق الأرض لا تكون مطلقة، والسلطة المطلقة لا يمارسها إلا الله، فكل سلطة إنسانية هي سلطة محدودة، فلا يمكن لسلطة أي حكم أن تكون مطلقة، ومن حق الناس الثورة عليه إذا لم يطبق التعاليم السماوية، ولكن الواقع والحقيقة مختلفة تماماً، ففصلت الدين عن الدولة مؤكدة على تعاليم المسيح ما لقيصر لقيصر وما لله لله )، ولكن القيـصر شوّهـها وحاربها، ولهذه الأفكار دور في ظهور مدرسة القانون الطبيعي فيما بعد .
وفي العصور الوسطى والتي قلنا عرفت استمرارا للوجود الكنسي فعرفت انتشار الإقطاع وتحول الفلاحين إلى أقنان مسلوبي الحرية والحقوق، وسرعان ما تحوّل معظمهم إلى رقيق .
ويرى البعض أن هذه العصور تعد بعثاً حقيقياً لعصر البربرية – وتمتد العصور الوسطى بين القرن 5 ميلادي و 16 ميلادي – خصوصاً مع تسليمها بنظام التبعية، الأمر الذي جعل هذه العصور تمثل في عملية التحرر تقهقراً إلى الوراء .
كما عرفت هذه العصور الدور الكبير للكنيسة واعتماد رجالها على النصوص المقدسة لتبرير أفعالهم، فأحد مطارنة رانس يقول : ( أيها التبع الزموا – كما قال الرسول – الخضوع في كل حين لأسيادكم ولاتنتحلوا الأعذار من قسوتهم أو بخلهم، والزموا الخضوع )، وأحد رهبان ديرسان لو يقول: (إن الله نفسه قد أراد أن يكون بين البشر سادة وتبع حتى يلزم الأسياد تبجيل الإله وحبهم له ويلزم التبع تمجيد أسيادهم وحبهم لهم وذلك وفقاً لما قاله الرسول عندما صاح : أيها التبع أطيعوا أسيادكم الزمنيين في خوف ورعدة) .
كما أن للكنيسة دور في إنشاء محاكم التفتيش وللباباوات المتحكمين في مصير أوربا، كذلك دور في الحروب الصليبية على الشرق الأوسط والاستيلاء على أراضيها، وهو انتهاك صارخ لحقوق الإنسان.
إلا أن هذه العصور قد عرفت أيضا بوادر الإعتراف بحقوق الإنسان، فقد منحت صكوك الأمان للتّجار الأجانب نتيجة ازدهار تجارتهم مع المدن الإيطالية .
ولكن ورغم الانحطاط الذي عرفته حقوق الإنسان في هذه العصور، فإنها قد مهّدت لبروز ثورات للمطالبة بالحقوق والحريات .
2- حقوق الإنسان في الشريعة الإسلامية: ورغم ظهورها في العصور الوسطى وفق المنظور الكرونولوجي، إلا أن أغلب الكتّاب والباحثين يفردون لها إطاراً خاصاً للدراسة، كونها شريعة شاملة وعالمية لكافة الناس صالحة لكل زمان ومكان، وبالتالي فهي ليست مرتبطة بزمن معين، وأيضاً بخصوصية أحكامها وقواعدها.
وقد جاءت لتحرير البشر من العبودية، وحصر العبادة والخضوع لله وحده لقوله تعالى: ﴿ قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم آلا نعبد إلا الله، ولا نشرك به شيئا، ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله، فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون ﴾ .
فالمؤمن يفرد الله وحده بالكبرياء والألوهية، ويخلص له العبادة وخشيته وحده سبحانه، ليس كمثله شيء، والناس من دونه أنداد وأشباه كلهم عباده وهو خالقهم، وبهذا تتحقق الحقوق الحريات الأساسية للإنسان، والمساواة على أساس العقيدة، فتتحقق الحقوق والحريات والمساواة حين ارتباطها بالعقيدة، لأن العمل لأجلها يصبح تلبية لأمر الله الذي حرّم الطغيان من الإنسان على الإنسان ومن البشر على البشر، وفي هذا يقول المودودي: (إذا نظرت إلى المجتمع الإنساني استيقنت إلى أن المنبع الحقيقي للشر والفساد، هو ألوهية الناس إما مباشرة وإما بواسطة…) .
وإسناد تقرير الحقوق والحريات لله عزّ وجل، وربانيته وألوهيته، اعتراف على أنها من عنده وليست منحة من أي بشر، وهي ثابتة ودائمة في كل زمان ومكان .
كما أن إحقاق الحق ومقاومة الظلم التزام يفرضه الإسلام على الفرد والجماعة والدولة لأن حق الفرد في الشرع مقترن بحق الجماعة وسائر الحقوق، وهو واجب على غيره وعلى الجماعة وعلى الدولة، وهذا تأكيد بأن لا مجال للفردية والأنانية لقوله صلى الله عليه وسلم: ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه )، وهذا الالتزام هو التزام ديني عن طريق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لقوله تعالى:} كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكـر وتؤمنـون بالله { .
ولكن ورغم سمو النص الشرعي، فإن سياق المسار التاريخي سار بغير الوجهة المحددة نظرياً، فشهد التاريخ الإسلامي انتكاسات متعددة وعلى عدّة مستويات .
3- حقوق الإنسان في العصر الحديث والمعاصر: ونستطيع أن نبدأ من مدرسة القانون الطبيعي التي ظهرت في أواخر القرن السادس عشر وأوائل القرن السابع عشر، والتي ترى بأن وجود الإنسان سابق عن وجود المجتمع والدولة، الذي كان يعيش على الحالة الطبيعية، وبالتالي فحقوقه وحرياته يستمدها من طبيعة شخصيته الإنسانية، لا مما تصدره الدولة من قوانين. فالحقوق والحريات سبقت في قيامها المجتمع والدولة، وهي مستقلة كذلك عن التعاليم الدينية، فهي حقوق طبيعية مستمدة أساساً من القانون الطبيعي.
وانطلاقا من الحالة الطبيعية يقوم العقد الاجتماعي، والذي ثار اختلاف في تفسيره فهو بز فسّره على أنه عقد بين جميع الأفراد باستثناء رئيس الجماعة، وهو ليس طرفاً في العقد وبهذا العقد تنازلوا عن حقوقهم الطبيعية التي كانت لهم في الحياة الطبيعية التي يسودها قانون الأقوى (شريعة الغاب)، لذلك قرّروا الانتقال من الحياة الطبيعية إلى حياة جديدة مستقرة، ويظهر من هنا أن هو بز لا يعترف بالقانون الطبيعي ويعترف بالقانون الوضعي الذي تضعه السلطة وتقرر له الجزاء.
وأما تفسير لوك فينطلق أن الحياة الطبيعية كانت تخضع إلى القانون الطبيعي، وكان جميع الأفراد أحرار متساوين، لا تسود بينهم العداوة، ورغبة في تنظيم حالتهم التي يسودها غموض القانون الطبيعي ومرونته المطلقة وكذلك اشتباك المصالح، وعدم وجود من يقيم العدل، وبالتالي قرروا تأسيس المجتمع الذي لا يتخلى فيه الإنسان إلا عن الحقوق اللازمة، ويكون هذا التخلي لفائدة المجتمع، وكل ما تبقى يكون الحقوق الأساسية.
وأبرز فقهاء مدرسة القانون الطبيعي جروسيوس، وكذلك بوفندوف في كتابه المخصص للقانون الطبيعي، والذي يرى بأن الحق يمثل الحرية بذاتها، مع تسليمه بأن لابد لهذه الحرية من التقييد بالقوانين الوضعية. كما أن لأفكار روسو مونتسكيو التي ظهرت في القرن الثامن عشر دوراً مهماً في تطوير حقوق الإنسان .
فمونتسكيو حين نادى بمبدأ الفصل بين السلطات وفرق بينها باعتبارها أفضل ضمانة للحقوق والحريات، وذلك من خلال كتابه روح القوانين 1748 .
وبالنسبة إلى روسو في كتابه العقد الاجتماعي، والذي أسس نظريته على نظرية القانون الطبيعي، فهو ينطلق من الحياة الطبيعية ووجوب قيام مجتمع منظم ويرفض تفسير هو بز، ويرى عدم كفاية نتائج لوك، ويرى بأن العقد الاجتماعي، يعني ضرورة قيام مجتمع يكون فيه الإنـسان حـراً، يضمن فيه جميع حقوقه وحرياته الأساسية، وحسبه فإن الأفراد يتخـلون عـن جميـع حقوقهم لصالح المجتمع الذي أسسوه، وهذا التخلي يقابله استعادتهم لحقوق جديدة تتفق والمجتمع الجديد الذي أسسوه .
هذه الحقوق تقرّها السلطة وتعمل على عدم المساس بها، كونها ما و جدت إلا لحمايتها، وبهذا يتمتع كل الأفراد بحقوق وحريات متساوية، ويبقى الشعب صاحب السيادة، كون القانون تعبيراً عن إرادتهم الجماعية .
فكل هذه الأفكار والنظريات لها دور في صياغة الإعلانات والدساتير والوثائق المتضمنة لحقوق الإنسان، وذلك نتيجة تأثر واضعيها بهذه الأفكار والنظريات، وتعود البداية إلى بريطانيا وخبرتها في ميدان حقوق الإنسان، والبداية مع العهد الأعظم سنة 1215م ثم 1379م، حين وافق البرلمان البريطاني على قانون هابياس كوربوس المتضمن حقوق وحريات أساسية للإنسان .
وسنة 1628 طالب البرلمان الإنجليزي ملتمس الحقوق من الملك، نظير الموافقة على المال الذي طلبه للحرب على إسبانيا، وسنة 1689 صدر قانون الحقوق، وتحولت الملكية إلى مقيدة .
أما في الولايات المتحدة الأمريكية، فقد صدر إعلانها الشهير في 4 جويلية 1776م، بولاية فيلادلفيا والذي أكّد احترامه للبشرية، وبأن الحكومات تقام لضمان الحقوق والحريات وتنبثق من رضا المحكومين .
وهو ما سلكه الدستوريون الفرنسيون حين طالبوا بنظام يرتكز على حقوق الإنسان والمواطن، وجسد في إعلانهم سنة 1789م، الذي نقلوه في ديباجة دستور 1791، حيث نصّت المادة 16 منه تقول: ( أن المجتمعات التي لا تتوافر على ضمانات الحقوق، ولا تقوم على مبدأ الفصل بين السلطات، هي مجتمعات خالية من الدستور) .
وبالتالي فهذه الدساتير تحوي صفات إجمالية تتعدى الحدود السياسية، كونها ذات طبيعة عالمية.
وتدعم هذا الرصيد بإعلانات ودساتير تختلف نظرتها للحقوق والحريات، وذلك بعد ثورة أكتوبر في روسيا 1917، وصدور الإعلان السوفياتي لحقوق الشعب العامل المستقل، والدستور السوفياتي سنة 1918، حيث تدعّم انتصار حقوق الإنسان بالوجهة الاجتماعية.
وتدعم كذلـك مع الميثاق الإفريقي سنة 1949، ونصّه على الحقوق الجماعية بمعنى الحقوق الجديدة أو حقوق التضامن، والتي ضمنت حتى في ميثاق الأمم المتحدة، وهو ما يعكس استكمال النص على حقوق الإنسان في الدساتير المختلفة للدول، والانتقال بهذا التقنين إلى المستوى الدولي، وهو ما يعد استكمالا لهذا التقدم بالتفاعل والتواصل .
وتطور الحركة التقنينية على المستوى الدولي، سبقت ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي، وتعود إلى أواخر القرن الثامـن عشـر بإبـرام العـديد من الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحماية الوجود القانوني للفرد، وكذلك عند نهاية الحرب العالمية الأولى وصدور عهد العصبة، وجاءت النصوص المتعلقة بحقوق الإنسان فيه عامة، بسبب عدم اتفاق جماعة الدول آنذاك على فكرة حماية حقوق الإنسان، كما أن من صاغوا العهد لم يفكروا بذلك بجدية .
غير أنه وبانتهاء الحرب العالمية الثانية، والانتهاكات التي تركتها، وصدور ميثاق الأمم المتحدة، وهو ما دفع الجماعة الدولية إلى وضع العديد من الإتفاقيات المتعلقة بحقوق الإنسان، وذلك من خلال المنظمات الدولية .
وقد لعبت الأمم المتحدة دوراً بارزاً وحيوياً بخلاف العصبة التي كانت قاصرة، في صدور العديد من الوثائق الدولية المتضمنة لحقوق الإنسان، بتباينها وأشكالها المختلفة، بل إن دورها لم يتوقف عند هذه المجموعة الهائلة من الوثائق، بل وضعت نظاماً للرقابة على الالتزام الدولي بتلك الحقوق والحريات، عن طريق آليات أوجدت لهذا الغرض .
وأنتقل الأمر إلى المستوى الإقليمي، والذي أفرز وثائق إقليمية خاصة بحقوق الإنسان، لينتقل الأمر مرة أخرى من مجرّد إعلانات ووثائق متضمنة لنصوص، وموجدة لأجهزة قصد الحماية، إلى العمل على مستوى المؤتمرات الدولية، بدءاً بالمؤتمر العالمي لحقوق الإنسان في فيينا الذي دعت إليه الأمم المتحدة في الفترة الممتدة بين 14 و25 يونيو 1993، ومؤتمر الأرض في ريودي جانيرو بالبرازيل سنة 1992، وكذلك مؤتمر القمة العالمية للتنمية الاجتماعية في كوبنهاجن بالسويد في الفترة الممتدة بين 06 و12 مارس 1995، وكذلك المؤتمر العالمي للمرأة ببكين في مارس 1995، والذي شكّل أكبر تجمع نسائي في التاريخ.
وتعد هذه المؤتمرات عينة عن الإهتمام العالمي، وعلى أعلى المستويات الشعبية والرسمية بحقوق الإنسان .
كل هذا التطور جعل الباحثين يقولون بأن القانون الدولي قد تطور في هذه المسألة، وقد اتجه نحو إقرار عالميتها، وصارت محط اهتمام دولي، والسند في ذلك المادتين 55 و 56 من ميثاق الأمم المتحدة اللتين، أقرتا التزام الدول بالتعاون مع الأمم المتحدة، لأجل إقرار حقوق الإنسان وضمان احترامها، إضافة إلى صياغتها في نصوص محـددة، كل هذا أدى إلى الإقـرار بوجود قواعد دولية آمرة في مجال حقوق الإنسان .
وهذا يعني أن حقوق الإنسان لم تعد خيار داخلياً ولا قضية داخلية، وإنما التزاما دولياً، وضرورة لا غنى عنها للتكيف مع متطلبات التغير والمستجدات الدولية.
رابعا- مصادر حقوق الإنسان:
توجد مصادر حقوق الإنسان في ثلاثة مصادر رئيسية هي المصدر الدولي، والمصدر الوطني، والمصدر الديني، إلى جانب ذلك توجد المصادر الاحتياطية المتمثلة في الإعلانات الدولية وأحكام المحاكم واللجان الدولية المختصة بحقوق الإنسان .
وهناك من يضيف العرف الدولي كمصدر ويعرّفه على أنه استمرار سلوك الدول على قاعدة معينة من السلوك ومراعاتها في علاقاتها بغيرها مع شعورها بضرورة الامتثال إلى حكمها، ولكن يبقى مجاله ضيق في القواعد المنظمة لحقوق الإنسان، إضافة إلى الفقه والقضاء واللذين لا يعتمدان لإنشاء قواعد، ولكن يستعان بهما للدلالة عن وجود قواعد وتحديد مدى تطبيقها.
كما نجد أن هناك من يعتبر الفكر الفلسفي والسياسي وقيم الثورات الكبرى كمصدر لحقوق الإنسان ويدرجها في ثلاثة مدارس على حدّ تعبيره وهي:
أ- مدرسة القانون الطبيعي: وحسبهم فإن الإنسان يعيش في جماعة منظمة، وبالتالي يلزمه التمتع بمجموعة من الحقوق التي يستحيل الحياة بدونها، وتوصف هذه الحقوق بأن مصدرها القانون الطبيعي، ويعد فلاسفة العقد الاجتماعي – هوبز ولوك وروسو- من أبرز من أسهموا في إثراء فكرها، وحسبهم فإن فكرة الحقوق الطبيعية تقوم على:
– أن هذه الحقوق سابقة في نشأتها عن الوجود السياسي للجماعة ( الدولة ) وبالتالي فهذه الجماعة مسؤولة عن وجوب احترام هذه الحقوق وعدم المساس بها.
– أي تناقض بين سلطة الجامعة وحقوق الأفراد وحرياتهم الأساسية، يتم حسمه لصالح هذه الأخيرة، لأن الهدف من وجود الجماعة السياسية هو حماية هذه الحقوق والحريات.
– مبدأ الحرية يمثل قاعدة الوجود السياسي، وهذا يعني تقييد سلطة الدولة لصالح حقوق الأفراد .
ب- مدرسة القانون الوضعي: ويرى أصحابها بحتمية وضع الحقـوق والحريات الأساسية للإنسان في قوالب قانونية مناسبة ومقبولة، وفي إطار هذه المدرسة ظهرت أفكار مهـمة دعـمت وأثـرت مفاهيم حقوق الإنسان، وأهمها مبدأ الفصل بين السلطات لمونتسكيو، والتي استهدف أساساً الحد من تركز السلطة في يد الحاكم، وأيضاً النظرية الديمقراطية على حد تعبيرهم، والتي جعلت مـن الفرد محور اهتمام رئيسي، ومن ثمّ ركّزت على حماية حقوقه الشخصية، وهذه المدرسة يرجـع لـها الفضل في عملية تقنين حقوق الإنسان على المستويين الدولي والوطني .
ج- المدرسة النفعية: وينطلق أنصارها على حد تعبيرهم من أن الجماعة التي يعيش فيها الفرد تعد مصدر حقوقه وحرياته الأساسية التي يتمتع بها، ومن ثم يتعين على هذه الجماعة أن تحرص على تحقيق أكبر قدر من المنافع لأكبر قدر من الأفراد، ولو استلزم ذلك التضحية بحق فرد من الأفراد، ونكتفي بالتعرض للمصادر الرئيسية حسب الشافعي محمد البشير .
1- المصادر الدولية: إن المصادر الدولية متعددة، هذا التعدد يمكن أن ندركه من خلا ل وجود مصادر تخص كل الدول على المستوى العالمي، والتي يطلق عليها بالمصادر العالمية، ومصادر أخرى تخص مجموعة من الدول فقط لاعتبارات محددة، والتي يطلق عليها بالمصادر الإقليمية .
أ- المصادر العالمية:
وهي تلك الوثائق العالمية المنـشأ والتطـبيق والتي تميز إلى وثائق عامة تخص كل الحقوق و الحريات، ووثائق خاصة تخص جانبا معينا من الحقوق و الحريات.
– الوثائق العامة: وهي متضمنة لمعظم حقوق الإنسان.
ميثاق الأمم المتحدة: ونجد أن ديباجته تؤكد على الإيمان بالحقوق الأساسية للإنسان وكرامة الفرد، وبما للرجال والنساء، والأمم كبيرها وصغيرها من حقوق وحريات متساوية.
ونصّت المادة الأولى على أن أهداف الميثاق هي حفظ السلم والأمن الدوليين، أما الفقرة الثانية من نفس المادة فنصّت على حق تقرير المصير، الذي يعد أساس السلام العالمي، ونصت الفقرة الثالثة من المادة الأولى دائماً، على مقاصد الأمم المتحدة في تعزيز احترام حقوق الإنسان دون تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين أو التفرقة بين الرجال والنساء، ونصت المادتان 55 و56 على حق الشعوب في تقرير مصيرها، وفي احترام حقوق الإنسان، وأكّدت المادة 60 على مسؤولية الجمعية العامة للأمم المتحدة في تحقيق هذه الأهداف، بمساعدة المجلس الاقتصادي والاجتماعي، وذلك بتخويله وفق المادة 62 تقديم توصيات تتعلق بإشاعة حقوق الإنسان، كما أن له وفق الفقرة الثالثة من نفس المادة، إعداد مشروعات اتفاقيات لتعرض على الجمعية العامة في المسائل التي تدخل في اختصاصه، كما له وفق المادة 68 سلطة إنشاء لجان، وقد تمّ إنشاء لجنة حقوق الإنسان.
و أهم ما يمكن استخلاصه من نصوص الميثاق، هو أن حقوق الإنسان ليست مـن الاختصاصات المطلقة للحكومات .
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: وقد أُعد من قبل لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان التابعة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي، و أصدرته الجمعية العامة سنة 1948م، ويتألف من 30 مادة وديباجة، ويعد متنه عبارة عن مواد تحدد حقوق الإنسان، التي يجب التمتع بها دون تمييز، فتحدثت المادة الأولى عن المبادئ الأساسية والفلسفة التي يقوم عليها الإعلان، وأكدت على الحق في الحياة وفي المساواة، باعتباره حقاً يولد مع الإنسان، ولا يجوز التصرف فيه، وتتابع المادة الثانية تطور الفكرة السابقة، وتمنع التمييز فيما يتعلق بالتمتع بالحقوق والحريات الأساسية بين سائر البشر في مختلف البلدان والأقاليم.
وتنص المواد من 3 إلى 21 على الحقوق المدنية والسياسية والمواد من 22 إلى 27 على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، أما المواد الثلاثة الأخرى فجاءت كمواد ختامية، وذات صبغة عمومية .
إلا أن هذا الإعلان، ورغم أهميته على حد تعبير رينيه كاسان، أثناء النقاش الختامي الذي دار حول الإعلان في الجمعية العامة الذي قال: ( أن الإعلان هو تفسير لميثاق الأمم المتحدة…)، إلا أن الكثير يرو أن هذا الإعلان ورغم الموافقة بالإجماع عليه من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة، فإنه لا يتمتع بالصفة الإلزامية بالمعنى القانوني، لأنه عبارة توصية تدعوا فيها الجمعية العامة الدول إلى تطبيق مضمونها .
ولذلك فصدوره يعد مجرد خطوة إلى الأمام، فهو لا يحمل أكثر من معنى الالتزام الأدبي، وبالتالي فالاتفاقيات وحدها المتضمنة من حيث الشكل، معنى الالتزام القانوني بنصوصها .
ويعد هذا الإعلان بمثابة الأساس وليس كل البناء، حيث كان لصدور هذا الإعلان دور في التوجيه والإشارة إلى المبادئ والأهداف العامة التي تلتزم بها الدول أخلاقياً، وذلك بالمحافظة عليها والسعي لبلوغها وعدم التدني عليها، ولذلك طالـبت الجمـعية العـامة بأن يعقب هذا الإعلان بميثاق أو اتفاقية تحدد وبالتفصيل وبصورة ملزمة الحدود التي تتـقيد بها الـدول في مجـال تطبيق الحقوق والحريات، وذلك بأن يكون الميثاق هو التطبيق العـملي للإعلان، ولإنشاء نوع من الإشراف الدولي أو الرقابة الدولية على هذا التطبيق .
العهدان الدوليان: الأول للحقوق المدنية والسياسية، والثاني للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وقد اعتمدا من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الواحدة والعشرين المنعقدة عام 1966م ودخلا حيز التنفيذ عام 1976 .
ويتميزان بكونهما مشتملان على تعريف حقوق الإنسان وحرياته السياسية في كافة المجالات، بتفصيل لم يسبق وجوده في أية وثيقة عالمية، وكذلك لاحتوائها ولأول مرة عالمياً في إطار العمل الدولي العالمي المنظم على إجراءات تطبيقية، من شأنها أن تؤدي إلى إقرار مبادئ الأمم المتحدة وأهدافها، وتضع أسس ثابتة وحقيقية لعالم يسوده السلام والعدالة والرخاء .
وفيما يخص نصوص العهدان فيستندان إلى نصوص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ولكنهما جاء أكثر تفصيلاً، إضافة إلى كون العهدين ملزمين لأطرافهما، وهو ما دفع الدول إلى إعادة النظر في نصوص الإعلان، في إطار ما يمكن أن تتحمله، حتى لا تتحول تلك النصوص إلى مسؤوليات على عاتقها، بما قد يتعارض مع سياساتها ومصالحها وأوضاعها الداخلية، وهو ما كان سبباً في تقييد العديد من نصوص الإعلان التي نقلت إلى العهدين بمقتضيات القانون والأمن الوطني والنظام العام.
وسمح كذلك بإدخال أفكار ونصوص جديدة، لم تضمن في الإعلان كحق الشعوب في التمتع بمواردها وثرواتها الطبيعية، وحرية استغلالها بكاملها…الخ .
وقد ألحق العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية ببروتوكولين اختياريين، الأول سنة 1966م والثاني بهدف إلغاء عقوبة الإعدام سنة 1989 .
– الوثائق الخاصة: وهي تلك التي وضعت بجهود الأمم المتحدة ومنظماتها المتخصصة وتعد مصدراً لحقوق الإنسان، إضافة إلى الوثائق المتعلقة بحقوق الإنسان أثناء النزاعات المسلحة، ويعود الفضل في إبرامها إلى جهود منظمة الصليب الأحمر، ويمكن أن نوجزها فيما يلي:
وثائق لحماية الإنسان الأكثر ضعفاً: وتشمل النساء والأطفال، والمتخلفون عقلياً والمعوقون والشيوخ، والأقليات، واللاجئون، وعديمي الأهلية، الذين يحتاجون لحماية خاصة، ومن بين تلك الإتفاقيات التي وردت في هذا الصدد نذكر :
– اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة سنة 1968 .
– الاتفاقية بشأن جنسية المرأة المتزوجة سنة 1957 .
– الاتفاقية حول الحقوق السياسية للمرأة سنة 1952 .
– اتفاقية حقوق الطفل سنة 1989، والتي سبقت بإعلان حقوق الطفل الصادر عن الجمعية العامة في 20 نوفمبر 1959 .
– الاتفاقية الخاصة بوضع الأشخاص عديمي الجنسية عام 1954 .
– الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين سنة 1951 .
– الاتفاقية الخاصة بخفض حالات انعدام الجنسية سنة 1961 .
وهناك اتفاقيات أخرى، كما نجد أن الجمعية العامة للأمم المتحدة قد أصدرت عدداً من الإعلانات الدولية الخاصة بحقوق وحماية المتخلفين عقلياً سنة 1971، والمعوقين عام 1976…الخ.
وثائق خاصة لحقوق محددة: وهي تعطي مزيداً من العناية لأحد الحقوق أو الحريات الواردة في الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، وذلك بالنص عن تفصيلات لحماية هذا الحق أو هذه الحرية، وإيجاد وسائل دولية لممارسة هذه الحماية، ومن هذه الوثائق نذكر:
– الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز عام 1965 .
– الاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري والمعاقبة عليها عام 1973 .
– اتفاقية عدم التمييز في مجال الاستخدام والمهنة عام 1958 .
– الاتفاقية الخاصة بمنع الرق عام 1926 وبروتوكول عام 1953، والاتفاقية التكميلية عام 1956.
– اتفاقية الحرية النقابية وحماية حق التنظيم النقابي عام 1948 و 1949 .
– اتفاقية علاقات العمل عام 1978 .
وهناك العديد من الإتفاقيات الأخرى في هذا المجال.
الوثائق التي تطبق خلال النزاعات المسلحة: وهي التي تعرف بإسم قانون جنيف، نسبة إلى مدينة جنيف، مقر اللجنة الدولية للصليب الأحمر التي سعت إلى وضع هذا القانون وتطويره، ويطلق عليها أيضاً القانون الدولي الإنساني، وهي وضعت لتكون مضادة لقانون الحرب أو ما يعرف بقانون لاهاي، نسبة إلى مدينة لاهاي التي كانت مقرا للمؤتمرات الدولية التي أسفرت عن وضع المواثيق المنظمة للحرب، وخاصة مؤتمرات عام 1899 و 1907 .
وهدف هذا القانون، هو التخفيف من معاناة ضحايا المنازعات المسلحة الخاضعين لسلطات العدو، سواء كانوا جرحى أو مرضى أو منكوبين في البحار أو أسرى الحروب، وكذلك أسرى الحروب المدنيين.
وينطبق على النزاعات المسلحة الدولية أو غير الدولية، كالنزاعات المسلحة التي تناضل من خلالها الدول ضد الاستعمار، ويرجع إدخـال النضـال من اجل التحرر إلى جهود دول العالم الثالث في المؤتمر الدبلوماسي بجنيف سنة 1977، ومن هذه الوثائق نذكر:
– اتفاقية جنيف الأولى بشأن تحسين حال الجرحى والمرضى من أفراد القوات المسلحة في الميدان عام 1949م.
– اتفاقية جنيف الثانية بشأن تحسين حال الجرحى والمرضى والغرقى من أفراد القوات المسلحة في البحار عام 1949 .
– اتفاقية جنيف الثالثة بشأن أسرى الحرب عام 1949 ..
– اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية المدنيين في وقت الحرب عام 1949 .
إضافة إلى البروتوكول الأول لعام 1977 الملحق باتفاقية جنيف لحماية ضحايا المنازعات المسلحة الدولية، والبروتوكول الثاني لعام 1977 الملحق باتفاقيات جنيف، والمتعلق بحماية ضحايا المنازعات المسلحة غير الدولية .
ب- المصادر الإقليمية: وتشتمل على الاتفاقيات، ومختلف الوثائق المتعلقة بحقوق الإنسان على مستوى المنظمات الإقليمية وهي:
– على مستوى أوربا: وقد أبرمت دول مجلس أوربا الاتفاقية الأوربية لحماية حقوق الإنسان في روما بتاريخ 4 نوفمبر 1950، ودخلت حيز النفاذ في 9 سبتمبر 1953، وقد عرفت هذه الاتفاقية عدة بروتوكولات ملحقة، أدمجت في صلب المعاهدة، والتي استدركت من خلالها بعض الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وقد أضيفت اتفاقيتان، هما الميثاق الاجتماعي الأوربي المبـرم بطورينو في 10 أكتوبر 1961، والثانية تتمثل في بروتوكول مكمل له، إضافة إلى الاتفاقية الأوربية لمنع التعذيب والمعاملة أو العقوبة غير الإنسانية أو المهينة، المبرمة بتاريخ 26 نوفمبر سنة 1987، وهي تقترب من تلك التي تمّت على مستوى الأمم المتحدة سنة 1984 .
– على مستوى أمريكا: نجد وثيقتين هما ميثاق بوغوتا المنشأ لمنظمة الدول الأمريكية، بتاريخ 30 أفريل 1948، والتي دخلت حيز النفاذ في 13 سبتمبر 1951 وتعديلاته، خاصة تلك التي حصلت عام 1967، في بيونس أيرس، والاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان عام 1969، والتي دخلت حيز النفاذ في 18 جويلية 1978، بعد اكتمال النصاب القانوني من التصديقات .
ويوجد الإعلان الأمريكي لحقوق الإنسان و واجباته، الذي وضع بتاريخ 2 ماي 1948، وقد سبق الإعلان العالمي في حد ذاته، وهو يخلو من الصفة الإلزامية .
– على مستوى إفريقيا: وقد أنشأت منظمة الوحدة الأفريقية بناءاً على الميثاق الموقع في أديس أبابا بتاريخ 25 ماي عام 1963، ووافق مؤتمر القمة الإفريقي الثامن عشر المنعقد بنيروبي من 24 إلى 27 جوان 1981 على الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، والذي دخل حـيز النفاذ في 21 أكتوبر 1986 .
– على المستوى العربي: ونجد هناك مشروع وثيقتين، مشروع الوثيقة الأولى هو مشروع الميثاق العربي لحقوق الإنسان، وقد أعدته اللجنة العربية الدائمة لحقوق الإنسان، التي أنشأت بطلب من الأمم المتحدة عقب هزيمة 1967م، ولم يتم اعتماد مشروع هذا الميثاق ليومنا هذا .
وهناك مشروع ميثاق حقوق الإنسان والشعب في الوطن العربي، والذي أعد من قبل أساتذة قانون عرب خلال المؤتمر المنعقد بالمعهد الدولي للدراسات العليا في العلوم الجنائية بمدينة سيراكوزا الإيطالية في ديسمبر 1985م، عن العدالة الجنائية وحقوق الإنسان .
وهناك اتفاقيات أخرى على المستوى العربي كالميثاق العربي للعمل عام 1965م، وميثاق حقوق الطفل العربي عام 1983، وغيرهما من الاتفاقيات الأخرى .
2- المصادر الوطنية: وهذا المصدر الوطني قد يكون وطني النشأة، وقد يكون محولا من المصدر الدولي، ويقصد بالمصدر الوطني، ما يرد من نصوص متعلقة بحقوق الإنسان، سواء كانت في الدستور أو في القوانين العادية أو في العرف أو في أحكام المحاكم الوطنية، ونتعرض إلى الدستور والقوانين العادية باعتبارها المصادر الرئيسية على المستوى الوطني .
أ- الدساتير: ونظراً لاختلاف الدول من حيث أنماط الحكم و من حيث اعتناق الوجهة النظرية أو الواقعية، فإن كل دولة تحاول انتهاج مبادئ دستورية تتماشى ومصالحها وأمنها، وذلك وفقاً للاعتبارات السابقة .
ولذلك نجد من الدساتير من يمنع حقاً أو يحد من حرية ما، أو يفضل هذا الحق أو تلك الحرية، وعموماً تنص الدساتـير على المـبادئ الأسـاسية والقواعد العامة لحقوق الإنسان وحمايتها، ومن ثم نجد أن الدساتير ترد مركزة .
ب- القوانين العادية: وتأتي القوانين العادية للتدقيق في الحقوق والحريات و كيفيات ممارستها ومداها، وذلك بعد أن يتم الاعتراف بها دستورياً في شكل مبادئ أساسية وقواعد عامة.
فنجد القانون المدني يبين كيفية اكتساب الحقوق المالية، وكيفية التمتع بها وممارستها وحمايتها، إضافة إلى الالتزامات الملقاة على الغير، وكذلك قانون الجنسية، الذي يبين من له الحق في التمتع بالجنسية، وإجراءات اكتسابها، وحالات فقدها، وكافة الحقوق والواجبات التي تترتب عن الجنسية.
أما قانون الأسرة، فهو يتضمن الحقوق الشخصية للأفراد، والالتزامات المتبادلة في علاقاتهم، فينص على الحق والحرية في الزواج، وكيفية قيام الروابط الزوجية، وما ترتبه من حقوق وواجباتّ، وحق النسب، وحق انفصال الزوجين، وحق الإرث وإجراءاته، وحق الجنسين فيه، وفي ذلك تختلف التشريعات من دولة إلى أخرى، بحسب المعتقد والعرف والعادات والتقاليد .
أما قانون العمل فهو الذي يبين طرق ممارسة حق العمل وظروف العمل، وحق المساواة فيه، والحماية الاجتماعية، والحق النقابي، وحق الإضراب، وكل هذا في إطار ما يسمح به الدستور طبعاً .
أما قانون العقوبات، فقد جاء طبقاً لقاعدة (لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص) من جهة، فإنه يوفر ما يطلق عليه بالحماية الجنائية لحقوق الإنسان، فهو يكرّس حق الدفاع الشرعي، وحق المتهم في الاستفادة من الظروف المخففة، وكذلك القانون الأصلح للمتهم، وحق الدفاع وحقّه في محاكمة محايدة ونزيهة وفق إجراءات محدّدة في قانون الإجرائية الجزائية .
إضافة إلى غيرها من القوانين العادية التي تختلف باختلاف الدولة، و اخترنا مثال عن مثل هذه القوانين لنبين دورها كمصدر لحقوق الإنسان، غير أن الوثائق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان لم تترك مجالاً للبحث عن الحقوق والحريات في المصدر الوطني، إلا التقصي عنها في الدستور والقانون أو العرف وأحكام المحاكم الوطنيـة لإثارتها دفاعاً عن هـذه الحقوق المنتهكة باعتبار المصدر الوطني لحقوق الإنسان، خط الدفاع الأول عن هذه الحقوق والحريات قبل اللجؤ إلى أي مصدر دولي للحماية .
وهو ما تشترطه المواثيق والقرارات الدولية المعنية بحقوق الإنسان، إذ نجدها تتطلب من الدولة أو الفرد الذي يشكو الاعتداء على الحقوق الإنسانية، استنفاذ وسائل الدفاع الوطنية قبل اللجؤ إلى وسائل الدفـاع الدوليـة، و هو ما نصّت عليه المادة 41 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وكذلك المادة 5 من البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد، وكذلك الفقرة السادسة من القرار 1503 الصادر عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة في 27 ماي 1970 .
3- المصادر الدينية: والمقصود بها هنا الأديان السماوية، التي وضعت أساساً نظرياً لحقوق الإنسان من خلال تأكيد القيم العليا والمبادئ الحكيمة، خصوصاً المبدأ القاضي بوجوب احترام حقوق الأفراد جميعاً دون أي تفرقة بينهم لأي اعتبار كان، ولعل المبادئ التي كرّست في المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان كعدم التمييز بسبب الجنس أو العرق أو الأصل أو الانتماء، قد نصّت عنها الأديان السماوية من قبل .
ولعل المصدر الديني الوحيد لحقوق الإنسان منذ 14 قرناً، هو الدين الإسلامي، باعتباره الرسالة الخاتمة، حيث يقول الإمام محمد الغزالي : ( إن آخر ما أملت الإنسانية من قواعد وضمانات لكرامة الجنس البشري كان من أبجديات الإسلام، ومن الإنسان الكبير والرسول الخاتم محمد بن عبد الله صلى الله وعليه وسلم).
وقد صاغ كبار مفكري العالم الإسلامي في 19 سبتمبر 1981، البيان العالمي لحقوق الإنسان في الإسلام، بالاعتماد على مصادر الشريعة الإسلامية، حيث أستند في صياغة هذا البيان على مبادئ وأحكام وقواعد موجودة في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة منذ حوالي 1400 سنة، وهما مصدرا الإلزام في الشريعة الإسلامية .
والمصدر الديني لحقوق الإنسان، هو مصدر رئيسي ومباشر في الدول الإسلامية المستندة إلى القرآن الكريم والسنة النبوية كمصدر دستوري وتشريعي مباشر، مثل المملكة العربية السعودية، ولهذا فإن مصدر حقوق الإنسان الإلزامي يجد مصدره المباشر في القرآن الكريم والسنة النبويـة، وقد دون المجلس الإسلامـي العالمـي حقوق الإنسان على نحو ما ورد في الشرعة الدولية متبعا لآيات القرآن الكريم والسنة النبوية، باعتبارها كما قلنا مصدر الإلزام في الشريعة الإسلامية، وقد ورد في ديباجة البيان العالمي لحقوق الإنسان في الإسلام ما يلي: (نحن معشر المسلمين على اختلاف شعوبنا وأقطارنا وانطلاقا من رؤيتنا الصحيحة في كتابنا المجيد – لوضع الإنسان في الكون، والغاية من إيجاده والحكمة من خلقه .
نعلن نحن معشر المسلمين – حملة لواء الدعوة إلى الله – في مستهل القرن الخامـس عشـر
الهجري – هذا البيان بإسم الإسلام، عن حقوق الإنسان مستمدة من القرآن الكريـم والسنـة النبـوية المطّهرة، وهي بهذا الوضع – حقوق أدبية، لا تقبل حذفا، ولا تعديلا، ولا نسخاً ولا تعطيلاً، إنها حقوق شرعها الخالق – سبحانه – فليس من حق البشر – كائنا ما كان – أن يعطلها أو يعتدي عليها، ولا تسقط حصانتها الذاتية لا بإرادة الفرد تنازلاً عنها، ولا بإرادة المجتمع ممثلاً فيما يقيمه من مؤسسات أيا كانت طبيعتها، وكيفما كانت السلطات التي تحتويها.
إن قرار هذه هو المدخل الصحيح لإقامة مجتمع إسلامي حقيقي…) .
رابعا-آليات الحماية الدولية لحقوق الإنسان:
والحديث عن الضمانات الدولية، يعني تلك الآليات والميكانيزمات الموجودة على مستوى الوثائق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، والتي من شأنها حمايتها بصورة فعلية، وهي عالمية وإقليمية.
1- الآليات العالمية: وهي تلك الموجودة على مستوى الأمم المتحدة وعلى مستوى المنضمات المتخصصة التي تعني بحقوق الإنسان في إطار مجال اختصاصها، ونختار منظمة العمل الدولية كمثال عنها، إضافة إلى المنظمات غير الحكومية .
أ- على مستوى هيئة الأمم المتحدة: وتضطلع الأجهزة الرئيسية في الأمم المتحدة بمهمة ترقية حقوق وحمايتها إضافة إلى مهامها الأخرى وهذه الأجهزة هي:
– الجمعية العامة: فالجمعية العامة للأمم المتحدة مخولة بمقتضى المادة 13 في فقرتها الأولى من الميثاق بإجراء دراسات ولإصدار توصيات ، بهدف المساعدة على تحقيق حقوق الإنسان، وذلك للناس كافة دون تمييز، وعمليا كثيرا ما ناقشت الجمعية العامة قضايا الجمعية العامة قضايا حقوق الإنسان وهي القضايا التي عادة ما تحال على اللجنة الثالثة، وهي لجنة الشؤون الاجتماعية والإنسانية والثقافية.
المجلس الاجتماعي والاقتصادي: فقد أجازت له المادة 62 من الميثاق إصدار توصيات متعلقة بتوطيد إحترام حقوق الإنسان، كما أن له إعداد مشاريع اتفاقيات لعرضها على الجمعية العامة، والدعوة إلى عقد مؤتمرات دولية، وتشكيل لجان من أجل حقوق الإنسان، وهو ما قام به المجلس حين أنشأ لجنة حقوق الإنسان، بماله من صلاحيات وفق المادة 68 من ميثاق الأمم المتحدة، والتي تعد من أهم الأجهزة المتفرعة عنه، وقد أنشأت بالقرار الصادر في فيفري 1946 تحت رقم 5/1، وتتكون هذه اللجنة من 43 عضو ينتخبهم المجلس لمدة ثلاث سنوات على أساس التوزيع الجغرافي العادل، وتختص هذه اللجنة بمساعدة المجلس في تناول قضايا حقوق الإنسان التي تدخل في صلاحياته، وتتميز بحق إنشاء لجان فرعية .
وقد أنشأت سنة 1946 ثلاث لجان، واختصرت فيما بعد في لجنة واحدة متبقية منذ عام 1947، وهي اللجنة الفرعية لمنع التمييز وحماية الأقليات ، وقامت أيضا بتشكيل مجموعات عمل خاصة، أولها مجموعة العمل الخاصة بحقوق الإنسان في جنوب إفريقيا ليتأسس فيما بعد مجلس حقوق الإنسان بقرار الجمعية العامة رقم 251/60 بتاريخ 15 مارس 2006 و يتكون من 47 عضوا يمثلون الدول الأعضاء في الجمعية العامة على أساس التوزيع الجغرافي العادل .
و يعد أحد أجهزة الجمعية و يتبعها في الإجراءات و قد حل محل لجنة حقوق الإنسان التي انتهت ولايتها سنة 2005، و يتولى ذات المهام المتعلقة بتشجيع احترام حقوق الإنسان، و يختلف عن اللجنة في كونه يعطي للدول مجال اكبر لتقييم الذات و مراجعة سياستها العامة و تحديد أولوياتها في معالجة القضايا الهامة بالنسبة …. من خلال الآليات التي تمت إضافتها مؤخرا إلى هذا الجهاز كآلية للاستعراض الدوري الشامل .
مجلس الأمن: ورغم أن حقوق الإنسان ليست من اختصاصات مجلس الأمن ولكن يمكن لمجلس الأمن اتخاذ بعض التدابير وفق المادتين 41 و 42 من الميثاق بسبب انتهاك حقوق الإنسان داخل دولة ما، ويتوقف التدخل هنا على مدى التهديد الذي يمثله للسلم والأمن الدوليين .
أما فيما يتعلق بآليات الرقابة على تنفيذ التزامات الدول فيما يتعلق بحقوق الإنسان، وعلى الصعيد الدولي العالمي فإننا نجد منها:
– تقديم التقارير وفحصها وإبداء الملاحظات عليها .
– تقديم الشكاوى من دولة ضد دولة .
– تقديم الشكاوى من الفرد ضد دولته .
– عرض النزاع على محكمة العدل الدولية .
– التوفيق والتحقيق .
مجلس حقوق الإنسان: يعد المجلس الهيئة الدولية الحكومية الرئيسية في الأمم المتحدة التي تضطلع بالمسؤولية عن حقوق الإنسان وحرياته الأساسية وقد استلم جميع الوظائف والمسؤوليات والآليات التي كانت تضطلع بها لجنة حقوق الإنسان وتعمل المفوضية بوصفها أمانة للمجلس كما كانت تعمل بوصفها أمانة للجنة حقوق الإنسان، وقد أنشأ المجلس من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة بموجب قرارها رقم: 60/251 بتاريخ 15مارس 2006 حيث صوت على القرار 174 دولة و 4 ضده هي كوبا والولايات المتحدة الأمريكية وهاييتي وإسرائيل وامتناع 3 وهو يتألف من 47 عضوا ويكون مقره في جنيف وقد حل محل لجنة حقوق الإنسان التي كانت هيئة فرعية تابعة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي بينما المجلس فهو جهاز تابع للجمعية العامة باعتباره هيئة فرعية تابعة لها.
وقد أنشأ المجلس من قبل الجمعية العامة بموجب قرارها رقم: 60/251 بتاريخ 15 مارس 2006 ويؤكد إنشاؤه التزام الجمعية العامة بتعزيز آلية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية في الأمم المتحدة بهدف كفالة تمتع الجميع بكل الحقوق والحريات وسيعمل مستفيدا من إنجازات لجنة حقوق الإنسان وسيجتمع المجلس في 3 دورات سنويا على الأقل بما في ذلك دورة رئيسية لفترة يصل مجموعها إلى ما لا يقل عن 10 أسابيع أي شهرين ونصف حوالي 8 شهور في السنة وسيكون بإمكانه عقد دورات استثنائية عند الحاجة بناءا على طلب أحد الأعضاء يحظى بتأييد ثلث أعضاء المجلس مما يجعل المجلس هيئة شبه دائمة .
وقد أقرت الجمعية العامة في القرار الذي أنشأت به المجلس بالدور الهام الذي تؤديه المنظمات غير الحكومية على الأصعدة الوطنية والإقليمية والدولية في تعزيز وحماية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية وتشترط أن تكون مشاركة المراقبين بمن فيهم المنظمات غير الحكومية على أساس الترتيبات والممارسات التي كانت تطبقها اللجنة من قبل ولذلك فإن التمتع بمركز استشاري لدى المجلس الاقتصادي والاجتماعي شرط للمشاركة في أعمال المجلس الجديد ومن المتوقع أن تستمر المنظمات غير الحكومية في المشاركة بنشاط كما كانت تفعل طوال عمل اللجنة .
ويجب أن يحصل العضو المنتخب في المجلس على 96 صوتا من مجموع 191 على الأقل والانتخاب يكون لفترة 3 سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة وعند ثبوت إنتهاك دولة عضو لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية فإن عضوية هذه الدولة توقف أو تجمد وذلك بحسب درجة الانتهاك وقد روعي في تشكيلته التوزيع الجغرافي العادل حيث أعطي لإفريقيا 13 مقعدا وأوربا الشرقية 6 مقاعد وأوربا الغربية 7 مقاعد وآسيا 13 مقعدا وأمريكا والكاريبي 8 مقاعد، وقد انتخب أعضاء الأمم المتحدة بتاريخ 17 ماي 2007 أعضاء مجلس حقوق الإنسان 47 من 14 دولة بعد جولتين من التصويت بالجمعية العامة
وقد كانت هذه الانتخابات وفقا للفقرة 7 من قرار الجمعية العامة رقم: 60/251 التي تنص: )يتألف مجلس حقوق الإنسان من سبع وأربعين دولة من الدول الأعضاء تنتخبها أغلبية أعضاء الجمعية العامة بالاقتراع السري المباشر وبشكل فردي؛ وتستند عضويته إلى التوزيع الجغرافي العادل وتوزع مقاعده بين المجموعات الإقليمية على النحو التالي: ثلاثة عشر لمجموعة الدول الأفريقية؛ وثلاثة عشر لمجموعة الدول الآسيوية؛ وستة لمجموعة دول أوروبا الشرقية وثمانية لمجموعة دول أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي؛ وسبعة لمجموعة دول أوروبا الغربية ودول أخرى؛ وتمتد فترة ولاية أعضاء المجلس ثلاث سنوات ولا تجوز إعادة انتخابهم مباشرة بعد شغل ولايتين متتاليتين( .
وتصدر التعهدات الطوعية التي اختارت الدول الأعضاء تقديمها دعما لمرشحيها، وفقا للفقرة 8 من قرار الجمعية العامة 60/251، في شكل وثائق من وثائق الجمعية العامة بجميع اللغات الرسمية .
والدول المنتخبة في الجولة الأولى من الاقتراع هي أنغولا وبوليفيا ومصر والهند وإندونيسيا ومدغشقر وهولندا ونيكاراغوا والفلبين وقطر و سلوفينيا وجنوب أفريقيا، بينما فازت كل من البوسنة والهرسك وإيطاليا في الجولة الثانية .
ففي المجموعة الأفريقية حصلت مدغشقر على 182 صوتا من أصل 192 وجنوب أفريقيا على 175صوتا وأنغولا 172 ومصر 168 بينما في المجموعة الآسيوية حصلت الهند على 185 صوتا وإندونيسيا على 182 والفلبين 179 وقطر 170 ومن المقعدين المخصصين لغرب أوروبا حصلت هولندا على 121 في الجولة الأولى بينما تعادلت الدانمارك وإيطاليا بحصول كل منهما على 114 صوتا وفي الجولة الثانية حصلت إيطاليا على 111 صوتا بينما حصلت الدانمارك على 86 صوتا، وبحسب قوانين المجلس فإن الأعضاء المنتخبين سيخدمون لفترة تصل إلى ثلاث سنوات، وسيقوم المجلس بدوره في مجال تعزيز وحماية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية كما يلي :
– النهوض بالتثقيف والتعلم في مجال حقوق الإنسان وحرياته الأساسية فضلا عن الخدمات الاستشارية والمساعدة التقنية وبناء القدرات على أن يجري توفيرها بالتشاور مع الدول الأعضاء المعنية وبموافقتها.
– الاضطلاع بدور منتدى للحوار بشأن القضايا المتعلقة بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية .
– تقديم توصيات إلى الجمعية العامة تهدف إلى مواصلة تطوير القانون الدولي في مجال حقوق الإنسان وحرياته الأساسية .
– تشجيع الدول الأعضاء على أن تنفيذ الالتزامات المتعهد بها في مجال حقوق الإنسان وحرياته الأساسية بالكامل ومتابعة الأهداف والالتزامات المتصلة بتعزيز وحماية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية المنبثقة من مؤتمرات ومؤتمرات القمة التي عقدتها الأمم المتحدة .
– إجراء استعراض دوري شامل يستند إلى معلومات موضوعية وموثوق بها لمدى وفاء كل دولة من الدول الأعضاء بالتزاماته وتعهداته في مجال حقوق الإنسان وحرياته الأساسية على نحو يكفل شمولية التطبيق والمساواة في المعاملة بين جميع الدول ويتخذ هذا الاستعراض شكل آلية تعاون تستند إلى حوار تفاعلي يشترك فيه البلد المعني اشتراكا كاملا مع مراعاة احتياجاته في مجال بناء القدرات وتكمل هذه الآلية عمل الهيئات المنشأة بموجب معاهدات ولا تكرر عملها وسيضع المجلس طرائق عمل آلية الاستعراض الدوري الشامل وما يلزمها من اعتمادات .
– الإسهام من خلال الحوار والتعاون في منع حدوث انتهاكات حقوق الإنسان وحرياته الأساسية والاستجابة سريعا في الحالات الطارئة المتعلقة بها .
– الاضطلاع بدور ومسؤوليات لجنة حقوق الإنسان في ما يتصل بعمل مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان وفق ما قرره قرار الجمعية العامة رقم:48/141 بتاريخ 20 ديسمبر 1993 .
– العمل بتعاون وثيق في مجال حقوق الإنسان وحرياته الأساسية مع الحكومات والمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية والمجتمع المدني .
– تقديم توصيات تتعلق بتعزيز وحماية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية .
– تقديم تقرير سنوي إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة .
ويذكر أن مجلس حقوق الإنسان قد انتخب السفير الروماني دورو رومولوس كوستيا رئيسا للمجلس بعد ترشيحه من قبل مجموعة دول أوروبا الشرقية، وأدلى كوستيا بعد انتخابه بكلمة ألقاها بعدة لغات من بينهاالعربية، قال فيها إن قوة مجلس حقوق الإنسان تكمن في التمسك بالطابع العالمي المترابط الذي يرفض تجزئة تلك الحقوق .
ويبدوا أن المجلس الذي أنهى بناء مؤسساته تقريبا بعد عامين من تأسيسه، دخل مؤخرا مرحلة معالجة تطبيق المعايير الكونية لحقوق الإنسان من خلال آلية الاستعراض الدوري الشامل. وفي هذا الصدد يجمع المسؤولون الأمميون على أن المصداقية تأتي عبر مراقبة حسن التطبيق للتوصيات .
ب-على مستوى منظمة العمل الدولية: ويبدو أن دورها يكون في مجال اختصاص عملها ويشار إلى أن العمال يشاركون في وضع القواعد الدولية للعمل حيث نجد أن نظامها ينص على التمثيل الثلاثي في المنظمة من البلدان المختلفة ، وذلك بممثلين عن الدولة وممثلي أرباب العمل وممثلي العمال ( النقابات) والاتفاقيات الدولية للعمل تحرس على إعطاء محتوى ملموس لحقوق الإنسان في جانبها الاجتماعي والاقتصادي .
وقد نص ميثاق المنظمة في ديباجته على أن إقامة سلام عالمي دائم لا يمكن إلا إذا بني على العدالة الاجتماعية، وأن تحقيق العدالة الاجتماعية يتضمن تحسين ظروف العمل، ومكافحة البطالة وتوفير أجر يكفل ظروف ومعيشة مناسبة للعمال …. إلخ .
وقد أكدت مختلف الاتفاقيات مجال حماية حقوق العمال وحرياتهم الأهداف المذكورة في نظام المنظمة.
ومن المسائل التي أكدتها تلك الاتفاقيات، آليات الرقابة والتي تركت لإرادة الحكومات وهي:
نظام التقارير: تقدم من طرف الدولة
نظام الشكاوى: تقدم من الدول أو من النقابات.
ج- في إطار المنظمات والهيئات غير الحكومية: وهي عديدة كمنظمة العفو الدولية ، والفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان، ومنظمة هيرمان رايت ووتش أي مرصد حقوق الإنسان، ومنظمة مراسلين بلا حدود، وكذلك أطباء بلا حدود، ومنظمة السلم الأخضر في مجال حماية الطبيعة وتأمين الكرة الأرضية من أنواع التلوث، وغيرها من المنظمات، وهي كثيرة .
وهذه المنظمات يقع مقرها الرئيسي في دولة، وتخضع لقوانين تلك الدولة، ولكن عملها له امتداد جهوي أو عملي، نظرا للمهام التي تعتزم القيام بها، وقد تشكل لها فروع في مناطق أو دول أخرى من العالم ويتمثل دورها في تعزيز حقوق الإنسان من خلال :
– دورها في المجالات الإعلامية .
– دورها في مجال رصد انتهاكات حقوق الإنسان .
– نشاطها في تزويد الأجهزة المختصة في الأمم المتحدة بالمعلومات التكميلية .
– دورها في تقديم الشكاوى أمام الأجهزة المختصة في نطاق الأمم المتحدة .
– مشاركتها بالاستناد إلى صفتها الاستشارية في أعمال المجلس الاجتماعي والاقتصادي واللجان المنبثقة عنه، وكذلك في أجهزة الوكالات المتخصصة في حدود اختصاصها .
2- الآليات الإقليمية: وهي تلك الآليات المتاحة على مستوى الاتفاقيات الإقليمية المتمخضة عن المنظمات الإقليمية .
أ- الآليات الأمريكية لحماية حقوق الإٌنسان : وتتمثل الآليات الأمريكية في :
– اللجنة الأمريكية لحقوق الإنسان: المكونة من سبعة قضاة منتخبين من الجمعية العامة للمنظمة، وأنشأت هذه اللجنة بقرار من مجلس وزراء الخارجية سنة 1959، وتطور دورها بعد تعديل ميثاق الدول الأمريكية الذي دخل حيز التنفيذ سنة 1970، وبعد دخول الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان حيز التنفيذ استكملت اللجنة دورها .
– المحكمة الأمريكية لحقوق الإنسان: وهي مكونة من سبعة قضاة لمدة 6 سنوات قابلة لتجديد مرة واحدة ، وتملك اختصاصين ، قضائي واستشاري .
ب- الآليات الأوروبية لحماية حقوق الإنسان: وهنا لا بد أن نميز بين الفترة السابقة عن سنة 1998، واللاحقة عنها، فقبل سنة 1998، كان النظام الأوروبي لحماية حقوق الإنسان يقوم على ثلاثة آليات تقوم بالرقابة على تنفيذ الأعضاء لالتزاماتهم بموجب الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان وتتمثل هذه الآليات في:
– اللجنة الأوروبية لحقوق الإنسان .
– المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان .
– الأمين العام لمجلس أوربا ولجنة وزراء مجلس أوربا .
أما بعد سنة 1998، فنجد أن النظام الأوروبي تغير وصار يحتوي على آلية وحيدة هي المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، وذلك من خلال البروتوكول 11، والذي ألغى اللجنة الأوروبية لحقوق الإنسان، وأبعد لجنة الوزراء عن لعب الدور الذي كان لها في النظام القديم ما عدا في تطبيق أحكام المحكمة، كما ألغى ذات البروتوكول الطبيعة الاختيارية لقبول الدول الأعضاء لاختصاص المحكمة، وكذلك قبول لجوء الأفراد إلى تلك المحكمة، وعوضت صلاحيات اللجنة بغرفة مكونة من سبعة قضاة .
ج- الآليات الأفريقية لحماية حقوق الإنسان: ينص الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان و الشعوب عن إنشاء لجنة على غرار الآليات الإقليمية و ذلك في المادة 30 من الميثاق، و غاب النص عن إنشاء محكمة افريقية على غرار الآليات الإقليمية الأخر، و تتكون اللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان من 11 عضوا ينتخبون لمدة 6 سنوات قابلة للتجديد، و يمكن اللجوء إلى هذه اللجنة من قبل الأفراد و الدول و المنظمات غير الحكومية، و ذلك عن طريق رفع شكاوى لهذه اللجنة .
د – الآليات الواردة في المشاريع العربية لحماية حقوق الإنسان: و هي تلك الواردة في مشروع الميثاق العربي لحقوق الإنسان، و كذلك تلك الواردة في ميثاق حقوق الإنسان و الشعب في الوطن العربي .
– في مشروع الميثاق العربي لحقوق الإنسان: لا نجد أثرا لآليات الحماية على غرار ما فعلته المواثيق الإقليمية الأخرى، إلا أن هناك من يقول بأن دور الرقابة ، يمكن أن تلعبه اللجنة العربية الدائمة لحقوق الإنسان التي وضعت من قبل مجلس جامعة الدول العربية بعد مراسلة الأمين العام للأمم المتحدة و هو ما قد يشابه الوضع الذي عرفته الآليات لحقوق الإنسان، و التي أعطت دعما كبير لحماية حقوق الإنسان و هناك من يرى بأن تناط مهمة الحماية هذه إلى مهمة العدل العربية المنصوص عنها في المادة 9 من ميثاق الجامعة .
– في مشروع ميثاق حقوق الإنسان و الشعب في الوطن العربي: و الذي احتوى على آليتين هما:
– اللجنة العربية لحقوق الإنسان: التي تتكون من 11 خبيرا ممن لهم كفاءات في الدفاع عن حقوق الإنسان، و يمكن اللجوء إلى اللجنة من قبل دول و الأفراد و الجماعات عن طريق رفع شكاوى إليها .
– المحكمة العربية لحقوق الإنسان: و تتكون من سبعة قضاة لمدة 6 سنوات قابلة للتجديد، و تنظر في الشكاوى المحالة إليها من قبل اللجنة، و التي تعذر عليها حلها .
أما على مستوى القارة الآسيوية فان الحديث عن نظام لحقوق الإنسان مازال مجرد إرهاصات لإبداء فكرة حول الموضوع، و مرد ذلك الاتساع الجغرافي الهائل ، تنوع الثقافات و اختلاف الأديان، و المستوى الاقتصادي لمختلف كثيرا بين دولها، فضلا عن تباين الأنظمة السياسية بين الديمقراطية المتفتحة و بين المتسلطة، كل ذلك أدى إلى تعقيد محاولات تنظيم لحقوق الإنسان في آسيا .

 

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى