...
السياسات العامةدراسات سياسية

محاضرات مقياس السياسات العامة – ماستر سنة أولى

شهدت السياسة العامة كحقل معرفي تطورات و تغييرات منهجية و عملية ملحوظة، ففي خضم كل التحولات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و حتى الأمنية التي عرفها العالم تغير مضمون و مفهوم السياسة العامة التي أصبحت أكثر تعبيرا عن مصالح و احتياجات أفراد المجتمع، و أكثر تجسيدا لمحصلة التفاعل و التمازج القائم بين النشاطات المختلفة للفواعل الرسمية منها و غير الرسمية.

إن السياسة العامة كممارسة موجودة منذ القدم، فعندما تكون سلطة تتخذ قرارات عمومية في مجالات تهم المجتمع فهي بذلك تصنع سياسة عامة، لكنها كمصطلح لم تظهر إلا حديثا، و مفهومها تطور و تغير تبعا لتغير الظروف، و يمكن حصر هذا التطور في خمسة مراحل:

المرحلة الأولى: مرحلة ما قبل الحرب العالمية الأولى

حيث كانت كانت الدراسات التقليدية هي السائدة، و التي تميزت بدراسة الحكم والسياسة في نطاق الفلسفة الأخلاقية بالتركيز على السياسة الموضوعة من طرف الحكومة، المؤسسات السياسية، الترتيبات الهيكلية، و المبررات الفلسفية للحكومة…الأمر الذي جعل من الدراسات وصفية ظاهرية بعيدة عن التحليل لاسيما فيما يخص السلوكيات و التصرفات المصاحبة لصنع السياسة العامة، هذا الوضع بقي على حاله إلى غاية استقلال علم السياسة عن الفلسفة الأخلاقية و تحوله إلى فرع من فروع العلوم الاجتماعية، و بذلك أصبح ينظر للسياسة العامة على أنها وجه للقانون والعلاقات المتفاعلة بين المؤسسات عن طريق مجموعة القواعد التي تحكم بينهما من جهة ، و أن هذه السياسة تمثل جزءا لا يتجزأ من النشاط الاجتماعي من جهة أخرى، ويمكن إرجاع سطحية الاهتمام بالسياسة العامة في هذه لفترة إلى كون علم السياسة ما زال في إطاره الفلسفي، ولكن بعدما بدأ يتبلور علم السياسة ويغدو فرعا من فروع العلوم الاجتماعية عقب استقلاله عن الفلسفة الأخلاقية، حضي بالدعم العلمي والمعرفي اللازم، واعتبار أن السياسة صارت تمثل جزءا لا يتجزأ من النشاط الاجتماعي والنفسي للمجتمع وللظاهرة الاجتماعية

المرحلة الثانية: الأزمة الاقتصادية العالمية في 1929

و التي أدت إلى توسيع دور الحكومة ، و ما صاحبه من طلب وعرض متزايد للمعلومات الضرورية لوضع السياسة العامة و تحليلها، فكلما تطورت الحكومة و توسعت صلاحياتها زادت الحاجة لتحليل السياسة العامة.

و من نتائج الأزمة الاقتصادية العالمية هو تحول الدولة الرأسمالية من دولة حارسة للممتلكات إلى دولة متدخلة (دولة الرفاه الاجتماعي) ، بالتالي فهذه الأزمة ساهمت في تحويل الاهتمام في العلوم الاجتماعية من الاهتمامات التقليدية للعلوم السياسية إلى الاهتمام بعمليات صنع السياسة العامة، و التي اعتبرت من طرف الأكاديميين السبب الرئيسي لتلك الأزمات و الإنتكاسات لمعظم الدول.

المرحلة الثالثة: بعد الحرب العالمية الثانية

إن فترة مابين الحربين العالميتين و التي عرفت شيوعا و انتشارا كبيرا لنتائج المدرسة السلوكية ، مما أدى إلى بروز التوجه السلوكي لعلم السياسة الحديث، حيث كان التركيز في البداية منصبا على القواعد النفسية والاجتماعية لسلوك الأفراد و الجماعات، دراسة محددات التصويت، وظائف الجماعات المصلحية و الأحزاب السياسية، و التوزيع المختلف للسلوك التصارعي بين السلطات…فيما بعد اتجه التركيز بشكل أكبر إلى مضمون السياسة العامة بتحليل أثر القوى السياسية و الاجتماعية فضلا عن تقويم نتائج السياسة العامة على المجتمع المتوقعة وغير المتوقعة و هكذا، و خاصة بعد الحرب العالمية الثانية ،انصب التركيز بشكل أكبر على مفهوم السياسة العامة ،كيفية بلورتها، أهدافها، أساليب تنفيذها و تقويمها ضمن إطار تحليلي بسبب تزايد الأصوات المنادية بتدخل أكبر للدولة لتفعيل النشاط الاقتصادي، و تسيير الموارد الاقتصادية، و

استيعاب النمو المتزايد في الخدمات الواجب توفيرها والتي تتعدى حدود القطاع الخاص و قدراته الخدماتية

بالتالي السياسة العامة لم تكتسب معناها الاصطلاحي علميا، إلا في مطلع الخمسينات من القرن السابق، على يد عالم الاقتصاد السياسي “هارولد لازويل H.D Laswell” الذي تناول بالدراسة في كتابه: من يحصل على ماذا؟ متى؟ وكيف؟ ، وكتابه مع “دانيال ليرنر D.Lirner” عام 1951م المعنون بـ: “علوم السياسات: التطورات المعاصرة في الهدف والأسلوب”، الذي تطرق فيه إلى الإطار التحليلي للسياسات العامة

فقد شهدت الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية انحسارا لفلسفة النظام الاقتصادي الحر حيث اتسمت هذه الفترة بالأطروحات المنادية بأهمية تدخل الدولة كمحرك رئيسي للنشاط الاقتصادي، فقد تعاظم دور الدولة في المجتمع بالقدر الذي جعلها في بعض الحالات السلطة المهيمنة والمنسقة لكافة الوظائف السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، الأمر الذي قاد بعض المفكرين إلى القول أن هذا العصر هو عصر تدخل الدولة.

وقد تحولت الدول الغربية من نظم حكم تسلطية إلى نظم ديمقراطية، وأصبحت سلطة الدولة تستخدم بشكل متزايد من أجل الاستجابة للاحتياجات والمطالب الشعبية، قد أنتجت العملية السياسية الديمقراطية ما يعرف بدولة الضمانات الاجتماعية، من خلال برامج التأمين الإجتماعي والصحة والتعليم العام وغيرها، وهكذا فإن العلاقة البسيطة بين التحول الديمقراطي وبين الخصائص الضمانية للدولة في العقود الأولى من القرن 20م، قد تحولت إلى إشكالية معقدة ومتشابكة، ولقد نتج عن ذلك تنامي دراسات السياسة العامة في العلوم الاجتماعية.

كما عرفت تطور أدوات البحث العلمي في الدراسات السياسية كالاعتماد على الجوانب الكمية، تفعيل الاستبيان والإحصاء…إضافة إلى تطور الدراسات المتعلقة بمفهوم المال العام، و اتساع قضايا السياسة العامة، فبعض القضايا أصبحت مواضيع للسياسة العامة بعدما كان ينظر لها على أنها قضايا خاصة و واجبة الاحترام، أو أنها خاضعة للإرادة الإلهية لا يسمح بالتدخل في نطاقها ومن أمثلة دلك :التربية،المرأة،الكوارث

المرحلة الرابعة:بعد مرحلة التسعينات

وخلال مرحلة التسعينات وما بعدها من القرن العشرين، وانتقالا إلى متطلبات القرن الحادي والعشرين وما أحدثه من تغيرات على دور الدولة وارتفاع مستويات التفاعل بين مؤسسات القطاعين الخاص والعام فضلا عن تزايد دور الشركات المتعددة الجنسيات والمنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية في صياغة أولويات السياسات العامة وتحديد مساراتها، وقد ساعد على تبلور هذا الدور التغير في مفهوم السيادة والتسارع المعلوماتي والاتصالي، الذي منح للمنظمات الدولية غير الحكومية مثل منظمات حقوق الإنسان، القدرة السريعة على التدخل في السياسات العامة الداخلية للدول ومن ثم التأثير في مضامين هذه السياسات، وظهرت بحوث وكتابات جديدة تركز على دور الفاعلين الجدد في السياسات العامة كمنظمات حقوق الإنسان والمجتمع المدني، وهذا كله قد أسهم في بلورة الاتجاهات الحديثة التي ترى أن السياسات العامة ما هي إلا محصلة للتفاعلات الرسمية وغير الرسمية، بين عدد من المؤثرين والفاعلين على المستوى المحلي والمركزي، وأن السياسات العامة في ضوء ذلك تعبر عن إرادة الفاعلين والمؤثرين الذين هم عادة ما يكونون أعضاء في شبكة منظمة تُدعى حاليا باسم “شبكة السياسة Policy Network “.

وبتحليل ما سبق يمكن القول أن علم السياسة العامة قد تطور من الوصف إلى التحليل ثم إلى المقارنة ليصبح الآن حقلا شاملا نما مع بدايات تطور الفكر السياسي، ليصل في هذا القرن بمنهجية وأسلوب علمي للتحليل مستقل وكنقطة إلتقاء بين العديد من العلوم الاجتماعية كالاقتصاد والعلوم السياسية، والاجتماع، والإدارة وغيرها، ومع هذا التطور توالت اهتمامات متتابعة بالسياسة العامة، تمثلت في الأبحاث والدراسات النظرية والتجريبية في العديد من التخصصات، وكان نتاجها ما نعايشه حاليا من تعدد المحاور والأطروحات العلمية والعملية التي أثرت التوجهات والفكر بالمعارف والتجارب المتصلة بفعاليات وقواعد صنع السياسات العامة وطرق تنفيذها وتقويمها بشكل فعال وكفء.

أي أن السياسة العامة عرفت تطورا في المفهوم و الممارسة و أصبح البحث عن كيفية رسم سياسات عامة ناجحة عن طريق توفير المعلومات الصحيحة و ذلك بفتح المجال لتعدد قنوات الاتصال و استخدام التطور التكنولوجي لذلك، كما بادر العديد من الكتاب و المفكرين إلى وضع العديد من التعاريف الخاصة بالسياسة العامة.

مفهوم السياسة العامة

إن تحول الدولة من دولة الرعاية إلى دولة متدخلة أدى إلى تضاعف وتيرة التدخل في مجمل مناحي الحياة التي تخص المواطن ، مما ترتب على ذلك مشكلات ومصاعب، استدعت تشخيص الأسباب ووضع الحلول المناسبة لهذه المشكلات على أسس علمية وموضوعية، و مع هذا بدأت تبرز السياسة العامة كحقل علمي يتطلب العناية و الدراسة فتعددت التعاريف و تباينت حسب المدارس البحثية والخلفية الفكرية لكل باحث، و من أهمها:

تعريف جيمس اندرسون على أنها” برنامج عمل للحكومة في نطاق بيئة محددة لتوضيح الغرض المستهدف والمحددات المراد تجاوزها سعيا للوصول إلى الأهداف، أو لتحقيق غرض مقصود…أو هى برنامج عمل هادف يعقبه أداء فردي أو جماعي في التصدي لمشكلة أو قضية ما.”

يركز تعريف جيمس أندرسون على ثلاث عناصر هي المؤسسة الحكومية و الهدف الذي ينبغي تحديده منذ البداية لحل المشكلة المستهدفة، و البرنامج أي أن السياسة العامة عبارة عن خطة عمل.

كما عرفها توماس داي بأنها” العلاقة بين الوحدة الحكومية وبيئتها، فهي تعبير عن كل شيء تقوم به الحكومة، أوهي تقرير أو اختيار حكومي للفعل أو عدم الفعل…”.

هذا التعريف يتناول الإختلاف بين ما تقرره الحكومة وما تفعله فعلا ، حيث يوضح الجانب الضمني والخفي في السياسة أي بمعنى السكوت حول قضية ما ، أو عدم إبداء أي رد فعل حول مشكلة ما كإضراب أو طلب الزيادة في الأجر لشريحة معينة، هذا الصمت رغم أن هذا الأمر من إلا أنه عبارة عن عدم الفعل الذي يعبر عن سياسة عامة للحكومة.

كما يرى أيضا”جابرييل ألموند” أنها تمثل:”محصلة عملية منتظمة عن تفاعل المدخلات مع المخرجات للتعبير عن أداء النظام السياسي في قدرته الإستخراجية والتنظيمية، التوزيعية، الرمزية”

تعتبر السياسات العامة بمثابة مخرجات او استجابات النظام السياسي للمدخلات الصادرة اليه من البيئة.

كما يعرفها كل من محمد محمود ربيع، عبد الله الغنيم ::”برنامج معد للقيم المستهدفة والممارسات، وهي وضع وصياغة وتطبيق التحديات والمطالب والتوقعات”

أما علي الشرقاوي يرى أنها”تطلق على تلك القرارات الجوهرية التي تتم في منظمة معينة وتتصف بأكبر قدر من التشعب وتعطي أطول مدى زمني وتتطلب أكبر قدر من المعلومات والتفكير الإبداعي و التأملي”

يركز هذا التعريف على عنصرين مهمين هما: القرارات الجوهرية بمعنى القرارات الإستراتيجية و الإدارية أما العنصر الثاني فهو المعلومات بمعنى ضرورة توفر المعلومة الصحيحة في الوقت المناسب.

حسن ابشر الطيب يرى بأنه: “مع تعاظم تدخل الدولة العصرية، المتمثل في أدوارها المتعددة الهادفة لتخطيط وتنظيم وتنسيق وتوجيه كافة جوانب الحياة في المجتمع يتجسد في السياسات العامة المتعددة والمتنوعة التي تبلور الإرادة المجتمعية وتحدد الأطر الفكرية والمناهج العملية لتوجهات وأساليب عمل المؤسسات الحكومية ومنها السياسات العامة المتصلة بالدفاع والأمن والعلاقات الخارجية الصحة والتعليم والإسكان والقوى العاملة والاقتصاد القومي والرعاية الاجتماعية والبيئة وغيرها”

حسب هذا التعريف أن الدولة العصرية هي تلك الدولة المتدخلة في كل القطاعات (دولة الرفاه) و هذا ما أدى إلى كثرة السياسات العامة في كل القطاعات الإقتصادية و الإجتماعية و الثقافية.

أما فهمي خليفة الفهداوي فيرى أنها تعني:”المشاركة في صنع القرارات ا لمهمة في المجتمع والقرار بصفة عامة هو الإختيار الواعي بين البدائل بعد دراسة الموقف من أجل تحقيق هدف معين “

كما يعرف فهمي خليفة الفهداوي السياسة العامة انطلاقا من ثلاث زوايا:

1- من منظور ممارسة القوة (السلطة) بمعنى أنها القدرة على التأثير في صنع القرار في المجتمع، أي

أن منظور القوة يعكس إمكانية الصفو ة في حصولها على القيم العامة عبر التأثير على قوة الآخرين في المجتمع ، وأن السياسة العامة يمكن لها أن تكون إنعكاسات لوجهة نظر أو إرادة أصحاب النفوذ والقوة، الذين يسيطرون على محاور التنظيم السياسي ونشاطات مؤسساته المختلفة

وتكون القوة نتيجة إمتلاك مصدر أو مصادر القوة المعروفة مثل الإكراه ، المال ، الخبرة ،

المنصب ، الشخصية ….الخ

2-مفهوم السياسة العامة من منظور أداء النظام:

إن هذا المنظور قدم نظرة كلية واسعة وشاملة، لحركة البيئة وتفاعل نظمها، بالشكل الذي يسهم في إقامة وحدة تحليلية مترابطة ترتكز على قضايا وشؤون المصلحة العامة، كإستجابة للنظام السياسي، فالسياسة العامة من هذا المنظور تتأثر بعوامل عديدة قائمة في المجتمع، فالبيئة الداخلية والخارجية تعملان على تشكيل القضايا والمشكلات السياسية في الدولة، وتضع تحديات في وجه السياسة العامة مثل البطالة والتضخم ، وعليه لا تكون السياسة العامة ذات كفاءة وفعالة ما لم تراعي الظروف البيئية التي تحيط بها

3- مفهوم السياسة العامة من المنظور المؤسسي (الحكومة) أي النظر إلى السياسة العامة من خلال عملية إتخاذ القرارات ورسم السياسات داخل الأجهزة الحكومية في سبيل صيانة بنيتها التنظيمية.

مما سبق يمكن القول بأن السياسة العامة هي مجموعة القرارات والبرامج الحكومية التي تشكل مخرجات النظام السياسي في مجال معين و التي تشارك في صنعها فواعل رسمية و غير رسمية، ويتم التعبير عنها في عدة صور وأشكال منها القوانين واللوائح والقرارات الإدارية.

خصائص السياسة العامة:

من تعريف السياسة العامة يمكن أن نستنتج السمات و الخصائص التي تتميز بها وهي:

ا( إنها حصيلة عملية جماعية تطرح فيها الاجتهادات وتُؤثر فيها الاتجاهات والإيديولوجيات مثلما تخضع للمعرفة والأطر النظرية وللأساليب العقلانية والتقنية .

ب( إنها تُناقش ثم تُقر ثم تصدر من جهات رسمية مخولة دستوريا أو قانونيا بذلك، لكن لا يمنع من بحثها ودارستها ومشاركة الكثيرين في بلورة أفكارها وبدائلها ممن هم غير رسميين بمعنى أن التوجهات العامة بشأن المشكلات والقضايا المجتمعية، لا تصبح سياسات عامة ما لم تتبناها الحكومة وتصدر بشأنها قانونا أو قرارا يحدد أهدافها وينظم مسارات ونشاطات المؤسسات الحكومية المعنية بشأن سياسة ما، وبذلك فهي تعبر عن توجهات الحكومة الفكرية والعملية،

ج ( إنها تتناول قضايا ومشكلات تهم المصلحة العامة ولها طابع الشمولية، ولكن ذلك لا ينفي

تناول السياسات العامة لقضيا تهم فئة يتعاطف معها جمهور واسع من المواطنين، أو تكون للسياسات العامة توجهات إستراتيجية ومستقبلية لا تشغل بالعموم المواطنين.

د ( إنها تتسم بالثبات والاستمرارية والديمومة في نفاذها وفاعليتها، وان كان لبعضها سقف زمني بوقف مفعولها ويكون معلوما في قرار صدورها، وعندها تكون السياسة العامة مرحلية أو مؤقتة بظرف سنة أو سنتين ثم ينتهي مفعولها .

ه (تتسم بالواقعية والعقلانية وتكون قابلة للتنفيذ والقياس والتقويم والتحليل، أي أن السياسة العامة هي بمثابة البديل أو البدائل التي يمكن تحقيقها وفق الإمكانيات المتوافرة وليست حلما أو طموحا عاما

و) السياسة العامة تعبير عن التوازن بين الجماعات المصلحية: إذا كانت السياسة العامة هي بلورة للإرادة المجتمعية، فهي تتفاعل وتتمازج فيها توجهات ورغبات الجماعات ذات المصلحة المباشرة في السياسة العامة المعينة، وبعبارة أخرى فان لأغلب السياسات العامة أطراف رابحة وأخرى خاسرة، أو طرف يحظى بالكثير والآخر لا يصيبه منها إلا القليل

المداخل

lمدخل الجماعة:

يقوم مدخل الجماعة على اعتبار أن الجماعة هي وحدة التحليل في دراسة الظواهر السياسية فهي محور العملية السياسية، و المجتمع يتكون من الجماعات المتعددة التي غالبا ما تكون في حالة من التعاون و الصراع، و هذا يعود إلى أن الأفراد بتوجهاتهم و خياراتهم المتشابهة إلى التواجد في جماعة ما بهدف طرح مطالبهم أمام المؤسسات الحكومية و الضغط عليها لكي تستجيب لهم ، و بذلك تتحول الجماعة إلى جسر رابط بين الفرد و الحكومة

و بالتالي تبقى المهمة الأساسية للنظام السياسي في ظل مدخل الجماعة هي القيام بإدارة

أوجه الصراع و التفاعل بين هذه الجماعات و التوصل إلى الحلول الوسيطة و التوفيقية التي تكون في شكل قوانين و برامج أي سياسات عامة لأنه عن طريق تنظيم عمليات الصراع و التوفيق يتمكن النظام من التنفيذ و التطبيق بشكل فعال

إن هذا المدخل يصلح أكثر في تفسير صنع السياسات العامة في الدول الديمقراطية التي تسمح بأن يتنظم المجتمع في شكل جماعات كانت أحزابا أو نقابات أو جمعيات و غيرها.

إذن يمكن استنتاج مميزات قطاع المعلومات في ظل هذا المدخل بما يلي:

تنوع المعلومات في حد ذاتها نظرا لتعدد مصادرها الرسمية و غير الرسمية

كثرة المؤسسات التي تقوم بتوفير المعلومات كانت خاصة أو عامة

وجود مؤسسات تقوم بجمع وانتقاء و تحليل المعلومات

البحث عن السبل و الآليات التي تضمن جودة المعلومات

الإعتماد على الطرق العلمية

و في ظل هذا المدخل

مدخل النخبة:

لقد ظهر هذا المدخل على أيدي مجموعة من المفكرين باريتو، موسكا، روبرتو ميشلز، رايت ميلز، برنهام،، وقد رأى هؤلاء أنه ما من مجتمع مهما كان مستواه من التطور الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، لا يخلو من أقلية ماهرة تسيطر و تتخذ القرارات و ترسم السياسات وأكثرية تخضع لحكم تلك الأقلية، ويطلقون عليها تلك الأقلية الحاكمة اسم: الصفوة أو النخبة.

و من أهم ما يتميز به هذا المدخل :

1- النخبة الحاكمة ليست ممثلة للأغلبية تمثيلا حقيقيا، حيث غالبا ما تكون النخبة الحاكمة من الطبقة العليا الغنية وذات النفوذ، والبعيدة عن الطبقات العامة ولا تلبي مطالبها، بل أنها تسعى فقط لتلبية مصالحها الخاصة.

بمعنى آخر أن هذه الأقلية تستأثر بالقوة السياسية وتتخذ القرارات الهامة التي تؤثر على حياة المجتمع، ويأتي هذا التأثير انطلاقا من السيطرة إما بفعل الانتماء العائلي، أو التحكم في الموارد، أو تجسيد القيم الدينية أو الاجتماعية السائدة، أو ارتفاع المستوى التعليمي، أو حيازة مهارات معينة أو قدرات تنظيمية كبيرة

2-الأغلبية التي لا تشارك ولا تؤثر في عملية صنع القرار و إنما هي خاضعة للنخبة الحاكمة، كما أنتحول الأفراد من فئة الأكثرية إلى فئة الأقلية النخبوية، يقيد بضوابط شديدة، تكمن في الحفاظ على الاستقرار وتجنب حالات قيام الثورة، بحيث لا يدخل ضمن فئة النخبة إلا الذين يؤمنون فعلا بقيم النخبة والاقتناع بها والإخلاص لها.

3- لا يخضع النخبة لضغوط الجماهير الأغلبية، إلا بنسبة محدودة، إذ أن النخبة هي التي تشكل مصدر الضغط والتأثير في الجماهير وليس العكس، كما أن آراء الجماهير عادة ما يتم تضليلها والتأثير عليها من قبل النخبة، دون أن يكون لتلك الجماهير أي رد فعل أو أثر يذكر في قيم النخبة.

تكون السياسة العامة هي تلك التي تعبر عن قيم وتفضيلات النخبة الحاكمة، وأنها كنخبة متميزة هي التي تشكل رأي الجمهور حول السياسة العامة، وهي التي تؤثر في الجمهور بأكثر مما تتأثر هي به.

يمكن استنتاج مميزات قطاع المعلومات في ظل هذا المدخل بما يلي:

هيمنة النخبة و استحواذها على المعلومات

عدم تعدد قنوات الاتصال بين الأقلية و الأغلبية

حجب المعلومات عن الأغلبية

مدخل النظم:

يعبر عن النظام بأنه عبارة عن عملية تكوين منظم ومركب من عدة عناصر

تنتظم معا في تكوين متناسق لتحقيق هدف أو عدة أهداف، وأن أي عطب يصيب جزء منه فإنه يؤثر في بقية الأجزاء أو العناصر المكونة للنظام

من أبرز رواد هذا المدخل دافيد ، Kaplan وكابلان ، Gabriel Almond وغابريال ألموند ، David Eston إستون . Maclelland ومكليلاند

يرى أنصار هذا المدخل وجود علاقة خطية بين كل من مدخلات النظام و مخرجاته، إذ يتم تحويل هده المدخلات الآتية من البيئتين الداخلية و الخارجية إلى مخرجات، كما أن الاستجابات المترتبة عن المخرجات قد تتحول إلى مطالب جديدة للنظام و هو ما يعرف بالتغذية الراجعة أو العكسية

بالتالي يرتكز مدخل النظم على العناصر التالية:

1- المدخلات: Inputs وتتكون من العناصر التالية:

أ.المطالب: وهي الحاجات والتفضيلات المختلفة لأفراد المجتمع، والتي تدخل إلى النظام السياسي كمطالب وتمثل ما يريده أو يسعى له الأفراد والجماعات لغرض إشباع مصالحهم العامة، ما يفرض على السلطات أن تستجيب لها بصورة أو بأخرى.

ب-الدعم والمساندة: وتعبر عن التزام الأفراد والجماعات بما تقوم به الحكومة، وكذا علاقتهم بالسلطات والمؤسسات الرسمية، ويكون التأييد في أشكال عدة: كدفع الضرائب، تطبيق القوانين….

ولهذا السبب يرى استون أنه يجب على كل نظام سياسي أن يعمل على خلق والمحافظة على درجة عالية من التأييد، حيث أنه كلما انخفضت نسبة التأييد عن الحد الأدنى، فإن استمرارية وديمومة النظام السياسي تصبح معرضة للخطر.

ج-المعارضة أو المقاومة: وتكون هذه المعارضة من قبل الهيئات التي لديها مطالب ترمي إلى تحقيقها من خلال ممارستها لها للضغوط على النظام السياسي، كالأحزاب السياسية والجماعات المعارضة.

المصادر والموارد: تمثل المصادر المادية والبشرية والموارد الموجودة في بيئة النظام السياسي على المستوى الداخلي والدولي، والتي يتم توظيفها تحقيقا لأهداف النظام وتنفيذ السياسة العامة.

المعلومات الراجعة: هي تلك المعلومات الصادرة من المجتمع تجاه السياسة العامة السابقة، والتي تشكل جملة مطالب جديدة.

2-المخرجاتoutputs : تأخذ أشكال عدة من ضمنها شكل: السياسة العامة، القرارات، القوانين، الأوامر و المراسيم الصادرة عن السلطات و الهيئات السياسية الموجودة في النظام السياسي كاستجابة لمدخلات النظام.

إن درجة الاستجابة تختلف باختلاف طبيعة و كمية المدخلات، و طبيعة و إمكانيات النظام السياسي، و أيضا قوة تأثير و ضغط الفواعل السياسة.و تعد استجابة النظام للمطالب و الاحتياجات عاملا مهما للرفع من درجة التأييد، لأن النظام يرفع من قدرته على الاستجابة من خلال استرجاع المعلومات المتعلقة بوضعية النظام و البيئة الداخلية و الخارجية له، و هذا ما

يعرف بالتغذية الراجعة و التي تشير إلى التأثير الذي تحدثه السياسات العامة و القرارات في البيئة و المطالب المطروحة من قبلها و أيضا في خصائص النظام السياسي ذاته.كما يمكن للسياسة العامة أن تولد مطالبا جديدة تؤدي بدورها إلى مخرجات جديدة و بناء على ذلك يتم إدراج التعديلات و التغيرات الضرورية في السياسات و القرارات بما يتماشى و الاحتياجات و المطالب الفعلية للأفراد و الجماعات..

3- البيئة الكلية للنظام :و التي تنقسم إلى البيئة الداخلية و البيئة الدولية.

البيئة الداخلية: أين تتفاعل مجموعة من الأنساق الفرعية فيما بينها مثل المسق الإجتماعي الاقتصادي،الثقافي، البيولوجي ،و الشخصي

البيئة الدولية: و ذلك نظرا لتأثير العلاقات الخارجية و التغيرات الدولية التي كثيرا ما تضغط على الجهاز السياسي أو تعمل على تقديم الدعم له.

إذا حسب ايستون فإن النظام السياسي، و بفعل الضغوط التي يتعرض لها من البيئتين الداخلية و الخارجية، يسعى من خلال رسمه للسياسات العامة و اتخاذه لمجموعة من القرارات إلى إحداث تغييرات في هياكله و توجهاته عن طريق تعبئة موارد و إمكانياته بالشكل الذي يمكنه من الاستمرار و التصدي للضغوط و التحديات المفروضة عليه . السياسة العامة بناء على هذا

المدخل هي نتاج مجموع المدخلات التي يتلقاها النظام السياسي، أي أن مضمون السياسات العامة و أهدافها يمكن تحديدها بناء على تحليل و تحديد كمية و نوعية المطالب التي عمل النظام على الاستجابة لها.

مما سبق يمكن إستنتاج مميزات قطاع المعلومات في ظل هذا المدخل كما يلي:

1-حركة النظام ككل قائمة على طبيعة و كمية المعلومات، سواء تلك الصادرة من البيئة الكلية (الداخلية و الدولية) في شكل مدخلات(مطالب…)أو تلك الصادرة من العلبة السوداء في شكل مخرحات(قرارات سياسات…)

2-تعدد قنوات الإتصال و فتح المجال لتعدد مصادر المعلومات

المدخل المؤسساتي:

لقد حضيت المؤسسات باهتمام العديد من المختصين مثل صامويل هانثنقتون،

وفقا لهذا المدخل فإن الأنشطة السياسية والحكومية تتمحور من خلال المؤسسات الرسمية في الدولة وهي: المؤسسة التشريعية، التنفيذية والقضائية، بحيث أن هذه المؤسسات هي التي تتخذ القرارات وتصنع السياسة العامة، فالسياسة العامة وفقا لهذا النموذج تتبناها وتنفذها الحكومة النموذج كما يتميز هذا المدخل بالطابع الوصفي و القانوني ،بسبب ارتكازه على المؤسسات الحكومية الرسمية و تأكيده على أن السياسة العامة نشاط يجري داخل المؤسسات الحكومية، يعني أنه يركز على الفواعل السياسية الحكومية و يهمل بشكل كلي الفواعل غير الحكومية كالأحزاب السياسية و جماعات المصالح…كما يعمل على إلغاء التفاعلات القائمة بين هذه الفواعل و دور هذه التفاعلات في رسم و صنع السياسة العامة.لكن و مع بروز المدرسة السلوكية عرف هذا المدخل تعديلات و تطورات،حيث أصبح الاهتمام منصبا أكثر على العملية السياسية أو صنع السياسات العامة في إطار المؤسسات الحكومية من خلال التركيز على مجموع السلوكات

و الفواعل السياسية الحكومية و غير الحكومية المشاركة في هذه العملية .إن تطور هذا النموذج أدى إلى الانتقال من دراسة ما يجب أن يكون إلى دراسة ما هو كائن،أي أن النموذج المعدل لم يكتفي بالجوانب الهيكلية بل تعداها إلى دراسة مجموع التفاعلات القائمة بين الفواعل الحكومية و غير الحكومية إلى جانب علاقات التأثير المتبادلة بين هذه المؤسسات و البيئة المحيطة، و دور هذا التأثير في رسم السياسات العامة.

مما سبق يمكن استنتاج عدم إعطاء الأهمية للمعلومات في ظل هذا المدخل، و المعلومات الموجودة لاتخاذ القرار و شنع السياسات مرتكزة أساسا في المعلومات الرسمية التي تأتي من الفواعل الحكومية

خامسا: النموذج الكلي الرشيد: تعود جذور هذا النموذج إلى أفكار المدرسة الكلاسيكية في الإدارة(الإدارة العلمية، التقسيم الإداري، النموذج البيروقراطي)، التي كانت تبحث عن مبادئ و قواعد تؤدي لإدارة ميثالية و لإتخاذ قرارات ميثالية دون وجود أي مجال للخطأ.

وفقا لهذا النموذج، فإن القرار الرشيد أو السياسة الرشيدة هو ذلك الذي يحقق أكبر عائد (ناتج) اجتماعي معين، بمعنى أن يحقق الفوائد الكبيرة وفقا لأقل قدر من التكاليف المطلوبة.

ويقوم هذا النموذج من العناصر الأساسية التالية:

– وجود مشكلة محددة، وهي قابلة لأن تدرس بشكل متأني وجديرة بالاهتمام .

– تحديد الأهداف، أي أن صانع القرار يقوم باتخاذ قراره في ظل وضوح الأهداف وأهميتها وترتيبها تبعا لدرجات الأفضلية فيها وترتيبها يكون منطقيا.

فحص جميع البدائل ودراستها بصورة كاملة، مع تحديد وتحليل النتائج المتوقعة من اختيار البدائل كلها قياسا ومقارنة مع الكلفة.

و يقوم هذا النموذج على الإعتبار المعياري بمعنى امكانية قياس الفرق بين القيم المضحى بها و القيم المكتسبة جراء اتخاذ قرار معين

إن كل بديل جرى اختياره تجري عليه عملية مقارنة تبعا لما يتوقع عنه من نتائج مع البدائل الأخرى، سعيا لتحديد البديل الأفضل.

وبالتالي يقوم صانع القرار بناء على تلك الخطوات السابقة باختيار البديل الأفضل، الذي يمكن صانع القرار من إمكانية تحقيق الهدف المسطر في البداية وبأقل تكاليف ممكنة بوصفه الأفضل من بين جميع البدائل الأخرى.

– في ظل هذا النموذج المعلومات كلها متوفرة لدى متخذ القرار و البدائل كلها متوفرة كذلك ، و يقوم متخذ القرار بإجراء عمليات حسابية بين ما سيكسبه و ما سيضحي به حتى يتخذ القرار ذو المنفعة القصوى.

عرف هذا النموذج انتقادات عديدة من أمهما وجود محدودية للعقلانية بسبب عدم توفر المعلومات، و وجود معوقات يتلقاها متخذ القرار سواء كانت ضغوطات و تأثيرات من البيئة الداخلية و الخارجية، و عدم قدرته على معرفة كل القيم المكتسبة و المضحى بها، هذه الإنتقادات كانت بداية لظهور نموذج آخر و هو النموذج التدريجي أو التراكمي.

سادسا:النموذج التدريجي

يجد جذوره هذا المدخل في أفكار المدرسة السلوكية أمثال هربرت سايمون و خصوصا نظريته العقلانية المحدودة، و يقوم هذا النموذج في عملية صنع القرار من خلال كون السياسة العامة ماهي في حقيقة الأمر إلا استمرارية للنشاطات الحكومية السابقة، مع وجود بعض التعديلات التدريجية

وصاحب هذا النموذج هو : تشارلز لندبلوم في مقالته الشهيرة: “علم التخبط العشوائي أو نظرية الخوض في الوحل”، ويها كذلك بالتدريجية المجزأة باعتبار أن صانعي القرارات يفضلون تجزئة المشكلات عند صياغة القرارات، لغرض التمكن من اختيار القرار الذي يحقق في كل منها هامشا مطلوبا من الحل.

ويقوم النموذج التدريجي على أساس أن القرار والسياسة العامة عملية تراكمية محورها الإضافة لما تم في الماضي، ومحاولة تحسين الوضع بصورة آنية وجزئية، وعليه فإن البرامج والمشروعات الراهنة وما يتصل بها من سياسيات تتخذ كقاعدة يبنى عليها مع إضافة بعض التعديلات الجزئية.

يمكن استنتاج أن هذا النموذج يعطي أهمية للمعلومات، كما أنه يدرك صعوبة توفر كل المعلومات سواء حول المشكلة المراد حلها أو حول البدائل المتاحة ، كما أن قنوات الإتصال كثيرة و متعددة في ظل هذا النموذج، لهذا السياسة العامة هي تراكمية.

سابعا: نموذج الفحص المختلط:

صاحب هذا النموذج هم أميتاي اتزيوني Amitai Etzioni الذي دعا إلى ضرورة إيجاد نموذج توفيقي في عملية صنع القرار واتخاذه، بحيث يأخذ هذا النموذج من النموذج الكلي الرشيد كما يأخذ أيضا بجانب من النموذج التدريجي.

وجاءت أفكار اتزيوني بناء على الانتقادات التي وجهها إلى النموذج العقلاني على أساس أنه نموذج خيالي، وأن صانع هذا القرار هو إنسان لا يمكن أن يتصف بكل صفات الكمال التي تؤهله لاتخاذ قرار رشيد، كما وجه انتقادات للنموذج التدريجي تجلت في أن الإنسان لا يعرف كل البدائل، وأن هذا النموذج يركز على حاضر المؤسسة وماضيها دون الاهتمام بالمستقبل.

وعليه فقد قدم اتزيوني بديلا أطلق عليه الفحص المختلط، واعتبر أن عملية التخطيط والتنفيذ وظيفتان متكاملتان، ما يعني أن مرحلة التخطيط تستدعي اعتماد النموذج الرشيد ومرحلة التنفيذ تتطلب اعتماد النموذج التدريجي.

أي أن السياسة العامة تمر بمرحلتين التخطيط ثم التنفيذ، ففي التخطيط يتم الإعتماد على النموذج الكلي الرشيد، و في التنفيذ يتم الإعتماد على النموذج التدريجي.

وبالتالي فإن اتزيوني حاول التوفيق بين النموذجين من أجل الحصول على نموذج قائم على الدمج بين العقلانية والتدريجية التي تعتبر الأسس التي يقوم عليها نموذج الفحص المختلط.

بعد التطرق إلى بعض المداخل و النماذج التي عنيت بتحليل و تفسير أسباب اتخاذ السياسيات العامة، و خلفيات ذلك و آثاره باعتبارها ظاهرة ديناميكية، نلاحظ أن كل مدخل يركز و يحصر مجال اهتمامه في بعض الجوانب و إهمال دور الجوانب الأخرى.

المطلب الثالث: مراحل صنع السياسة العامة

توصل مجموعة ما العلماء أمثال هارولد لاسويل و توماس داي إلى تحديد مجموعة من العمليات و النشاطات الوظائفية التي تصنع و ترسم في إطارها السياسة العامة و اعتبروا السياسة العامة برنامج عمل مستمر تتخلله جملة من العمليات بدءا من الصنع وصولا إلى الإنهاء أي أنها سلسلة من النشاطات العامة و الخطوات التي تجسد في مجموعها السياسة العامة و أهمها:

تحديد المشكلات:يتم هذا التشخيص عن طريق تجميع المطالب،لأجل التحرك أو العمل الحكومي حيالها،و بما يؤكد اهتمامها و عنايتها.

2/تشكيل مقترحات السياسة:يتم التوصل إلى تشكيل مقترحات السياسة من خلال وضع و تحديد الأجندة لأغراض المنافسة العامة، و تطوير مقترحات برامج لحل المشكلة.

3/تشريع السياسات:عندما يتم اختيار المقترح،و بناء الدعم السياسي المطلوب له،و العمل على تفعيله ليأخذ شكل قانون فإننا نكون بصدد تشريع سياسة ما.

4/تنفيذ السياسات:تطبيق السياسات يكون من طرف المنظمات البيروقراطية، و دفع الأجور،و توفير الخدمات إلى جانب فرض الضرائب.

5/تقويم السياسات:لتقويم السياسة لابد من دراسة البرنامج،و تقدير مخرجاته،ثم العمل على تحديد آثاره على الجماعات الموجودة في المجتمع لمعرفة ما إذا كان البرنامج هادفا أم لا، و انطلاقا من النتائج المتوصل إليها يتم اقتراح التعديلات الضرورية.

إن هذه الوظائف و العمليات تجسد في مجموعها الطابع السياسي لعملية صنع السياسة العامة، باعتبارها تتضمن صراعا بين الأطراف و الجماعات أو كفاحا من أجل الخيارات المتعلقة بالقضايا السياسية و مشاكلها.

أولا/ تحديد المشكلة

يمكن تعريف المشكلة بأنها ترتبط بقضية أو بموقف معين، أو حاجات مطلوبة، وبالتالي هي ظاهرة محددة، لها أغراضها وآثارها المباشرة وغير مباشرة، وهي قابلة للحل في إطار المقومات البيئية

أن الأسلوب العلمي لذلك يكون بتتبع أسبابها و ظروف حدوثها و معدل تكرارها وصولا إلى الأسباب الحقيقية التي أدت لظهورها. ومن هذا المنطلق يمكن تحديد المشكلة الحقيقية تحديدا دقيقا ، فالعجز عن تحديد المشكلة تحديداً واضحاً أو عدم القدرة على التمييز بين المشكلة السطحية والمشكلة الحقيقية قد يؤدي إلى قرار أو سياسة عامة أو حل صحيح لمشكلة أخرى غير تلك المشكلة التي يريد متخذ القرار حلها .

ويتم التساؤل هنا من الذي يجعل الحكومة أو صانعوا القرار يهتمون ببعض المشاكل دون الأخرى؟، لهذا فإنه لا يتم الاقتصار فقط على المشكل وإنما المشاكل العامة التي تمس شريحة واسعة من المجتمع وتثير إنتباه الحكومة مثل: التلوث البيئي، الفقر، انخفاض الدخل، … الخ.

لذا فالمشكلة العامة هي التي تدفع صناع السياسة العامة للتحرك بسرعة لأنها تمثل مجموعة المطالب والحاجات والقيم التي يجب الإستجابة لها، وصفة العمومية هي الصفة الأساسية في تحديد مشاكل السياسة العامة

يعد التشخيص الدقيق للقضايا والمشكلات التي تعالجها السياسات العامة، صلب عملية صنع السياسة العامة، وهذا إنطلاقا من التعبير القائل بأن تشخيص المشكلات هو نصف حلها ، لذلك يجب أن تستخدم لأساليب الدقيقة وتسند العمليات إلى محصلة وافية من المعلومات المساعدة للإحاطة التامة والشاملة بالقضايا محل الإهتمام،لأن العملية تتطلب تشكيل حوصلة عن الأبعاد الحقيقة للمشكلة وكذالك عن مختلف ردود الأفعال وماقد تثيره من حساسيات عند معالجتها أو حتى عن صرف نظر صناع السياسة عنها.

جمع المعلومات الضرورية و ذلك عن طريق جمع و تحليل البيانات

في هذه المرحلة يتم جمع جميع البيانات والمعلومات التي قد تساهم في تفهم جوانب المشكلة وأبعادها وفي نفس الوقت تساهم في حلها ولا تقتصر عملية جمع البيانات والمعلومات على مرحلة من المراحل بل تتم في جميع مراحل تحليل وحل المشكلات.

ما هي العناصر الأساسية التي تتكون منها المشكلة ؟

أين تحدث المشكلة ؟

متى تحدث المشكلة ؟

كيف تحدث المشكلة ؟

لماذا تحدث المشكلة بهذه الكيفية وهذا التوقيت ؟

لمن تحدث هذه المشكلة ؟

لماذا تحدث المشكلة لهذه الشريحة بالذات ؟

ثانيا: الأجندة السياسية أو جدول الأعمال “Policy Agenda”

تواجه الحكومات العديد من القضايا المجتمعية، لكن لا تستطيع أن تحل كل تلك المشاكل، مهما كانت إمكانياتها المادية والبشرية، لهذا فإنها تقوم بإدراج أهم القضايا أو المطالب العامة الأكثر طلبا عند المجتمع في جدول يسمى بجدول أعمال السياسة العامة أو ما يسمى بأجندة سياسة الحكومة

و هناك نوعين من جداول الأعمال، الأول نظامي والثاني حكومي. الأول، يضم المسائل التي تتبناها السلطة وتستدعي تدخل السلطات الثلاث وفقا لصلاحيتها واختصاصاتها، أما الثاني فهو بمثابة جدول للنقاش يكتفي عادة بالمستوى الحكومي لمعالجتها، وما تجدر الإشارة إليه أن جدول الأعمال السياسة يتميز بغياب التفاصيل فيه وعدم الوضوح وموضوعاته محل جدال دائما.

أحيانا قد تدرج مشكلة في الأجندة الحكومية لكن هذا لا يعني انتقالها إلى مراحل أخرى متقدمة في السياسة العامة، وهناك العديد من القضايا تدخل الأجندة وتبقى عالقة أو تزول بسبب ظهور مشاكل أكثر أهمية وإلحاحا على الساحة

ويرجع عدم استجابة النظم السياسية أو الحكومات للقضايا بطريقة سريعة إلى :

– المتطلبات التي يفرضها الدستور حول معالجة القضايا بطريقة متأنية و الخطوات البيروقراطية، كل هذا يؤثر في حل القضايا المطروحة مما ينعكس سلبا على فعالية الأجندة السياسية.

-كما يؤخذ بعين الاعتبار أسبقيات الأجندة و ذلك في ضوء اعتبارات سياسية أسهم في بلورتها أشخاص فاعلون مثل “المنظمين للقضايا أو المتفتحين للأجندة”، بحيث تتداخل المواقف حول الأسبقيات، مما يؤدي إلى معالجة قضية على حساب قضايا أخرى أكثر أهمية وإلحاحا.

– المحددات والظروف و العوائق التى تؤثر على متخذ القرار، حيث يمكن لمتخذ القرار إما التغلب عليها أو الالتفاف حولها أو إزالتها تماما أو تحييد أثرها، أو إثبات عدم وجودها سوى فى مخيلة البعض وأنها مجرد حاجز ذهنى بحت، وقد تكون مجرد عائق يلزم فقط توخى الحذر منه، أو أخيرا قد يلزم الأمر الانتظار حتى تزول هذه العوائق والمحددات.

3-تشكيل مقترحات السياسة

بعد تحديد المشاكل ووضعها على الأجندة السياسية، لابد للحكومة من بلورة الأفكار والسياسات الممكن إتباعها للتعامل مع المشاكل ذات الأولوية

وتعبر هذه المرحلة أيضا عن محاولة التعرف على الحلول المختلفة للمشكلة القائمة فلا توجد مشكلة لها طريق واحد في نظر صناع السياسة، بعد جمع المعلومات وترشيحها وتنقيتها من وتقديمها لتعطي صورا عن حلول مختلفة

فمهما كانت الطرق المؤدية إلي صياغة مقترحات السياسة العامة وما قد يحدث فيها من تناقضات وتضارب في المصالح بهدف الكسب السياسي ، فإن جدوى البدائل المقدمة تتوقف بصورة شبه كلية على المعلومات والواردة إلى الحكومة من المرحلة السابقة وكذا مدى ملائمة ودقة وشمولية وحداثة هذه المعلومات، ووصولها في الوقت المناسب سواء كان الرافد هو محللون سياسيون أو مراكز معلومات أو معاهد بحوث ودراسات متخصصة .

حصر جميع البدائل التي نري أنها يمكن أن تحقق الهدف.

الابتكار و الإبداع في طرح البدائل.

صياغة البدائل بناء على المعلومات والبيانات التى تم تجميعها.

استكمال المعلومات والبيانات اللازمة لصياغة البدائل بالدقة والتفصيل المطلوبين.

تحديد النواتج والعواقب الناتجة عن كل بديل، سواء كانت عواقب إيجابية أو سلبية..

تحليل مبدئي لإمكانية التنفيذ.

التوصل إلي البدائل القابلة للتنفيذ

وهذه العملية تأتي محصلة لتفاعل عوامل عدة منها: الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، فنجد بعض متخذي القرارات يركزون اهتمامهم علي الاعتبارات الاقتصادية والمالية ويعتقدون أن الناحية المالية يجب أن تأخذ الاعتبار الأول بينما يميل البعض الآخر إلي التركيز علي النواحي الإنسانية ونجد البعض الآخر يميل بطبيعته إلي القيم الروحية والدينية

و يتم ذلك في صورة نماذج مختلفة يستخدمها صناع السياسة في عملية وضع الحلول و إعداد البرامج ، حيث يتم ذلك في جو من الرشد أي إختيار الحلول التي ينبغي أن يتمخض عنها أكبر عائد إجتماعي بالشكل الذي يعبر عن تحقيق فوائد كبيرة.

صياغة السياسات:

يتم في هذه المرحلة إختيار بديل من البدائل المطروحة كبديل مفضل للسياسة، أي إتخاذ القرار من طرف الجهة الرسمية المخولة لذلك، أو إصدار تشريع أو قانون يجسد الأهداف المراد بلوغها، ويشمل هذا تبني مقترحات بعينها أو تعديلها أو رفض أو قبول بديل آخر

حيث تتم عملية المفاضلة بين البدائل و البحث عن البديل الذي يحل المشكلة جزئيا أو كليا أو البديل الذي يرضي الأطراف المختلفة أو غير ذلك، حيث يتم التساؤل حول طبيعة السياسات العامة و ما الهدف منها( تحسين مستوى الحياة، تلبية حاجيات الأفراد…)

أي أن محلل السياسة العامة يقوم باختيار البديل بحسب السياق المنطقي للمفاضلة، وعلى أساس التوجه الموزون والمحسوب في ضوء المعايير والمقاييس ذات العلاقة بالأبعاد الاجتماعية و السياسية والاقتصادية وغيرها

و لا يكون أثر المحلل للسياسات العامة في عملية المفاضلة بين البدائل بصورة عشوائية و إنما يكون مبني على رؤية ومقاييس علمية دقيقة تساعد المحللين وصناع السياسة في اختياراتهم السياسية مثل نظريات المباريات أو شجرة القرار أو نظرية الاحتمالات أو بحوث العمليات كأساليب كمية قادرة على الكشف عن آثار البدائل في شكل طرق بيانية للتوصل إلي توقعات سليمة و التعامل مع الأحداث والمواقف والمشكلات والقضايا الغامضة وغير المؤكدة.

فعملية إختيار أفضل بديل وتبنية كسياسة عامة تتم في حالة الشك و عدم اليقين و هذا ما يبين صعوبة هذه المرحلة ،وعليه لابد تكون المعلومات الضرورية واللازمة متوفرة

إذن متخذ القرار مقيد بالمعلومات التي تم إيصالها إليه بقنوات الاتصال المختلفة، و مقيد بالضغوط الاجتماعية والأعراف والتقاليد و عليه إيجاد نقطة التوازن بين ما يتطلبه القرار وما يفرضه المجتمع من ضغوط.

خامسا: مرحلة تنفيذ السياسة العامة

تنفيذ السياسة العامة عبارة عن مجموعة النشاطات والإجراءات والتدابير التنفيذية الهادفة لإخراج السياسة العامة أو وضعها حيز الواقع العملي , باستخدام الوسائل والإمكانات المادية والبشرية و التكنولوجية وغيرها في سبيل تحقيق مقاصد السياسة العامة، وعادة ما يعبر ذلك التنفيذ عن منجزات البيروقراطية الحكومية ومهاراتها الأدائية.

وبالرغم من وجود صعوبة في تحديد المرحلة التي تفصل بين العمل التشريعي والتنفيذي، وهنا تعتبر عملية تنفيذ السياسة العامة استمرار لمختلف العمليات السابقة والتي ينتقل العمل فيها إلى السلطة التنفيذية بمختلف مستوياتها، وتتمتع بسلطات تقديرية واسعة أثناء التنفيذ وذلك لتمتعها بالخبرة اللازمة والثقة والتجربة في كافة الميادين، مما يعطيها الحق في إصدار اللوائح والتعليمات اللازمة بتفاصيل تنفيذ السياسات العامة

إن معظم التشريعات الحديثة هي ذات طبيعة عامة وشاملة لعموم الأفراد في البيئة الإجتماعية ، وبالتالي لا يمكن تطبيقها ما لم يقم المسؤولون الإداريون بالعمل على وضع لوائح تفصيلة و إجراءات تنظيمية لتحويل تلك التشريعات التي تتضمنها السياسة العامة إلى نتائج واقعية ملموسة ، فالسلطة السياسة لم تضيق الخناق بل تركت هامش لإصدار اللوائح التنفيذية والتنظيمية وفق الحدود والصلا حيات المخولة لها في الهيئات المركزية او المحلية وإن كان هذا له إنعكاسه السلبي في إمكانية التلاعب بالسياسات العامة.

وللتطبيق الفعال يجب وجود خطة تنفيذية تفصيلية لتنفيذ دقائق العمل بفاعلية .

والخطة التنفيذية يجب أن تشمل ما يلي :

– تحديد مراحل التنفيذ والخطوات في كل مرحلة بالتوالي .

– تحديد توقيتات تنفيذ الخطوات والمراحل

– تحديد من سيقوم بتنفيذ كل خطوة من الخطوات .

– تحديد من سيراقب التنفيذ

كما أن التطبيق الجيد هو الذي يجسد السياسة العامة في أرض الواقع، وبناءا على ما تقدم إن نجاح عملية تطبيق السياسة العامة يتطلب توفير جملة عوامل متحكمة في التنفيذ:

– رصد الأموال والموارد اللازمة للتنفيذ.

– دراسة إمكانية التنفيذ ورصد الكفاءات الضرورية لذلك.

– تحديد الأهداف بدقة وإيضاحها للمسئولين عن التنفيذ.

– إعطاء الشرعية المناسبة للسياسة بجلب أكبر عدد من المؤيدين

– الحرص الشديد على التنسيق بين أجهزة التنفيذ والصياغة و بين السياسات نفسها().

كل ما سبق ذكره يجعل الاعتقاد بأن الحكومات تحاول أن تكون سياستها مبنية على العقلانية وتسعى لضمان التنفيذ الجيد للسياسات، غير أن الواقع يؤكد أن تنفيذ السياسة العامة يتم في ظروف مختلفة يغلب عليها طابع الجمود في القوانين وقلة الإمكانات اللازمة لتجسيد السياسات التي قررتها القيادة العليا .

سادسا: مرحلة تقويم السياسات العامة

عرف “جاك فونتانال” التقييم بأنه هي عملية منظمة تستهدف تقييم النشاطات الحكومية حتى تقدم معلومات متكاملة عن الآثار بعيدة وقريبة المدى للبرامج الحكومية”

أي أن مرحلة التقييم تعتمد على المعلومات المرتدة عن التنفيذ حول النتائج (المخرجات) المطلوبة للبديل المختار في التوقيت المتوقع و بالكيف المطلوب

أما موفق محمد حديد يرى أن التقييم يعني:”قياس مدى فعالية برنامج معين تحت التنفيذ في إنجاز أهدافه ، أو مقارنة مرحلة التصميم بمرحلة التشغيل وربط النتائج بالعناصر المستخدمة في البرنامج ، وكذلك العمل على تطوير البرنامج عن طريق التغيير في العمليات الحالية”

يركز تعريفه على ثلاث عناصر هي الأهداف، المقارنة، التغيير أو التعديل بمعنى مقارنة ما تم تنفيذه مع الأهداف المرجوة بغية إدخال التحسينات اللآزمة

إذن فعملية التقويم عملية أساسية وذلك لتشخيص وقياس آثار السياسة العامة، من أجل التوصل إلى معرفة نتائج السياسة العامة، و في حالة وجود أنحرافات يتم تصحيحها

للتقويم عدة أنواع في السياسة العامة، يمكن اختصارها فيما يلي:

– التقويم السابق للتنفيذ يتم الاهتمام فيه بجدوى السياسة قبل تنفيذها.

– التقويم الملازم للتنفيذ ويضم دراسة التكلفة، التشغيل، تطوير و تحسين عملية الأداء.

– التقويم اللاحق للتنفيذ يحدد نجاح أم فشل السياسة.

– التقويم الإستراتيجي بهدف تحقيق الفاعلية في التنفيذ، حيث يمكن إدخال التعديل على السياسات لردم الهوة بين الأداء والتخطيط من جهة و النظرية و التطبيق من جهة أخرى.

– تقويم الفاعلية أي مدى قدرة السياسة أو البرامج على تحقيق الأهداف.

– تقويم الكفاءة أي الحصول على أقل نفقة ممكنة.

– تقويم النتائج والآثار من حيث السلبية أو الإيجابية.

كما أن التقويم يعتمد على مجموعة من المعايير للتحقق من مدى نجاح السياسة العامة هي:

-1 المعيار الاقتصادي: يؤكد على التقليل من الإنفاق الحكومي ومن عيوبه، وهو عدم تمكن احتساب زيادة الإنفاق و المنافع التي تتخلى عنها كنتيجة لخفض الإنفاق.

– 2 الكفاءة: تعني مستوى الإنجاز أو النتائج مقاسا بالمقارنة بالمدخلات ويشمل التعريف على مواصفات معينة للأشياء التي سوف يتم إنجازها.

الفعالية: تقيس المقدار الذي أنجزه من الأهداف.

-4 العدالة: من حيث التوزيع العادل للمنافع بين مختلف الشرائح وتستخدم عدد من المقاييس في كيفية توزيع الموارد والثروات .

-5 الشرعية القانونية: من حيث مطابقة هذه السياسات إلى التشريعات والقوانين واللوائح المنظمة لتلك السياسات أو البرامج

فبهذه المعايير يتم تحليل و تقييم مدى تحقيق السياسة العامة للأهداف المتوخاة.

لكن بالرغم من أهمية عملية التقويم إلا أنه تواجهه العديد من التحديات منها: غموض الأهداف، ضعف آثار السياسة العامة، عدم استقرار السياسات، صعوبة تعميم نتائج التقويم

لذا فعملية التقويم تعد مرحلة هامة، ملازمة لجميع مراحل صنع السياسة العامة، لا يمكن الاستغناء عنها، لأن السياسة العامة من خلالها تستطيع أن تتجنب مختلف الصعوبات والمشاكل التي تعترضها خاصة أثناء تنفيذها، وإذا تحققت نتائجها بالصورة التي خطط لها.

مما سبق يمكن القول أن السياسة العامة عبارة عن مجموعة من الخطوات المترابطة فيما بينها والمتعاقبة في العمل إلا أن التميز بينها صعب بسبب النشاطات الوظيفية المتداخلة لكن التأكيد على هذه الخطوات الإجرائية يسهم في فهم السياسة العامة، و دور المعلومات و ضرورة توفيرها يظهر في كل مرحلة.

فالمعلومات تأتي من جهات متعددة سواء كانت حكومية أوخاصة ،مراكز المعلومات، هيئات الإستشارية، مراكز البحوث والدراسات، المعاهد المتخصصة ،ذوي الإختصاص والخبرة والمحللين من أجل الحصول على معلومات و حصيلة وافية من البيانات اللاز مة والدقيقة والمعبرة عن الواقع الفعلي حتى يمكن الإعتماد عليها.

كما هناك طرق عديدة لجمع المعلومات كالاعتماد على الأحداث والمقارنات مع حلول ونماذج سابقة ، أو الملاحظة المباشرة التي تتوقف على الخبرة العلمية للعاملين بالسياسة وفقهائها ، أو إستخدام أساليب علمية كبحوث العمليات التي تعد عملية منتظمة لتطبيق الوسائل العلمية في مواجهة المشكلات المعقدة ، أو النماذج الرياضية الإحصائية والبحثية التي تؤدي إلى تكوين حصيلة من البيانات يتم إختزانها في ذاكرة الحكومة ، ضف لذلك دور التكنولوجيا الحديثة و دورها في إختزان المعلومات وإيصالها في الوقت المناسب لطالبيها

حسن إستخدام المعالجات الإحصائية لتوفير معلومات كافية كما ونوعا وفي الوقت المحدد سواء تعلق الأمر بالأهداف والوسائل وبالتأثيرات المتبادلة بين القرارات والبدائل السياسية وتوظيف أحسن المعلومات بالإسناد إلى مقاييس الموضوعية والصدق والثبات بما يضمن الفعالية في إعطاء القرارات والتقييمات الجيدة

 

2/5 - (4 أصوات)

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى