دراسات سياسية

مخاض السياسة في العراق

اعداد: تمارا كاظم الأسدي – باحثة متخصصة في الشؤون الدولية- العراق

ماجستير علاقات دولية وسياسة خارجية – كلية العلوم السياسية -الجامعة  المستنصرية

13 تشرين الثاني/ نوفمبر2018

     بعد تعيين برهم صالح إلى رئاسة الجمهورية ومع تكليف الأخير بعد انتخابه للدكتور عادل عبد المهدي بتشكيل الحكومة العراقية المقبلة من دون الحديث عن الكتلة الأكبر في البرلمان ، وبدعم واضح من طرفي الصراع السياسي في بغداد ( واشنطن وطهران)، مما يؤكد وجود صفقة شيعية- سنية على توزيع المناصب العليا، وجاء ملء رئاستي الحكومة والجهمورية المحجوزتين للمكونين الشيعي والكردي في أعقاب انتخاب محمد الحلبوسي رئيساً لمجلس النواب ممثلاً للمكون السني.

ويواجه رئيس الوزراء عادل عبد المهدي تحديات في مهمته التي يجب أن ينجزها خلال ثلاثة أسابيع لاسيّما في ظل دعوة زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر رئيس الوزراء إلى اختيار وزراء مستقلين التي أثارت استياء الكتل السياسية ، إذ أن عبد المهدي سيطلب من الأحزاب المؤهلة لتسنم حقائب وزارية وفق نظام النقاط المعتمد في توزيع المناصب تقديم (3- 4) مرشحين لكل حقيبة على أن يترك له بت اختيار شخص من بينهم وللكتل حرية تقديم مرشحين مستقلين أو ينتمون إليها، إلا أن التحدي الأبرز الذي واجه عبد المهدي هو إشراك الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارازني في الحكومة بعد أزمة الأحزاب الكردية التي تلت انتخاب رئيس الجمهورية برهم صالح ( من الاتحاد الوطني الكردستاني)، فضلاً عن ضرورة إعادة إعمار المحافظات والمنشأت التي دمرت بسبب الحرب على تنظيم داعش، وبت ملف التعويضات للمواطنين وحل إشكاليات إبناء الحشد العشائري وتحويلهم إلى المؤسسة الأمنية وصرف رواتبهم، مما يفرض عليه أن يخلق انسجام وتوافق مع رئيس الجمهورية برهم صالح وفي حال اتفق الاثنان على برنامج عمل سياسي- اقتصادي فإن البلاد ستشهد تغييراً جذرياً شرط أن يتم تحييد الدول المجاورة وكسب دعم الولايات المتحدة الأمريكية، فهذا مما سيسأل عنه عادل عبد المهدي وقد صار رئيس حكومة: هل بات هو نفسه يريد ذلك؟ وهل إذا إراد سيسمح به ذاك التضامن الوثيق بين التفتت الداخلي للعراق والتدخل الخارجي فيه؟

لهذا من المتوقع أن يميل الحديث العام في العراق إلى أن الحكومة المقبلة ستكون وسطية بالمنحى الدولي في علاقاتها الخارجية وأكثر تنوعاً من حيث شكلها الداخلي، إلا انها ليست أكثر نجاح في التغيير أي أنها خارجياً لن تستطيع الفكاك التام من إيران المنهكة من العقوبات الأمريكية المتجددة والتي لن تستطيع تفاديها على المدى البعيد، كما أنها لن تصبح تحت طاعة واشنطن المصرة على دحض الوجود الإيراني في المنطقة في ظل التنافس المتصاعد بينهما ، فضلاً عن ميل المشهد الكردي إلى الثبات في التوجه والوضوح في المطلب مما يجعلها حكومة متشددة لمصالحها وأكثر ثباتاً في هيكلها من حكومة بغداد الوسطية التوجه والهشة التحالفات، فالتقدم الذي حققه الحزب الديمقراطي الكردستاني في انتخابات إقليم كردستان سوف يفرض على الاتحاد الوطني الذي حصل على كرسي الرئاسة في بغداد الذي يعلم بقدرته على المناورة في الأقليم ليست بذات القوة في الحكومة العراقية ؛ لذا سيحاول تقديم العديد من العروض للحزب المتقدم عليه بأشواط ككتلة نيابية لإقناعه بالتشارك معه في الحكم، فالشكل المقبل للحكومة الكردية سيكون بقيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني المعروف عنه بخصامه مع الحكومة العراقية السابقة التي همشت مطالب الإقليم في حل مشكلة المناطق المتنازع عليها وحل قضية قانون النفط والغاز، وهذا ما سيكون موضوع المفاوضات ما بين الحكومة العراقية وبين الحكومة الكردية ومدى نجاح هذهِ المفاوضات سيكون مؤشراً على مدى قدرة الحكومة العراقية بحلتها السياسية الجديدة على تجاوز مفاهيم المركزية في السلطة على الإقليم لصالح المشاركة الحقيقية في إدارة البلاد، وهكذا فقد تتحول جهود الإصلاح إلى إعادة هيكلة كاملة للنظام السياسي العراقي على الرغم من أنه من المستبعد حصول ذلك فقد تحقق التحالفات الناشئة مظهراً من الاستقرار لمستقبل غير مضمون، وربما تترجم نهاية الحرب على الدولة الإسلامية( داعش) إلى حرب على الفساد، الأمر الذي يمكن أن يكون مزعزعاً للاستقرار بالقدر نفسه، فالإصلاح إذا كان جوهرياً وعميقاً بما فيه الكفاية قد يزعزع المصالح الراسخة لكثير من الأحزاب السياسية التي تتشابك مصادر رزقها بعمق مع الطائفية، لذا سيحتاج العراق إلى تشكيل ائتلاف من الفاعلين المحليين والإقليميين للمساعدة على كسر حلقة عدم الاستقرار التي واجهها منذ العام 2003 وقد تكون جهود رئيس الوزراء الدبلوماسية الأخيرة بداية حملة لمواجهة هذه التحديات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الضخمة، كما قد يكون وقوفه بحزم في صف متابعة شراكات إقليمية جديدة مجرد بداية مسعاه لإعادة صياغة السياسة العراقية.

وعلى هذا الأساس يمكن القول أن أسابيع عدة تفصلنا عن استكمال تشكيلة الحكومة العراقية الجديدة وهذا صحيح وغير صحيح في آن واحد فالقضايا التي يجب التفاوض في شأنها قبل تشكيل الحكومة لاتحتاج إلى اسابيع، ما لم تكن جميع الأطراف مصرةً على تسوية كل القضايا العالقة سلفاً بما في ذلك مثلاً الاستفتاء على كركوك وقانون النفط التي تتطلب تعديلات دستورية سيجعل العملية السياسية برمتها في حالة من الفوضى ويسبب تأخيراً أطول، ومع ذلك لا تكمن المشكلة الحقيقية في هذه المرحلة في أن القضايا التي سيتم التفاوض في شأنها ستستغرق وقتاً طويلاً لتحديد الوزارات المتبقية، بل في أن المفاوضات الجادة لم تبدأ بعد على ما يبدو فالساسة العراقيون لايزالون يركزون على التموضع أكثر مما يركزون على التوافق.

 

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى