مخطط دراسة مستقبلية : فلسطين بين احتمالات الحل وبين التحولات الاستراتيجية المحتملة

وليد عبد الحي

مع العام الاول في القرن الثاني لوعد بلفور ، تتضح معالم اتجاه تاريخي للصراع العربي الصهيوني ، وهو ان المشروع الصهيوني يسير قُدما بدءا من مجرد وعد باقامة دولة لليهود الى اقامتها والشروع في خطوات عربية متلاحقة للاقرار بوجودها وشرعنتها، وصولا الى انشاء سلطة فلسطينية تُقِرُ بهذا الوجود وشرعيته وتعتبر مقاومته عملا من اعمال الارهاب.
ذلك يعني وبعيدا عن العواطف ان التاريخ يتحرك لصالح الطرف الصهيوني، واستنادا لهذه الصورة فإن المرحلة الاخيرة من الصراع تعني انها لن تكون منبتة عن الاتجاه التاريخي الذي يلقي بظلاله على الواقع الفلسطيني والعربي، وتتدعم هذه الصورة بمجموعة من المعطيات التي لا يجوز القفز عليها :
أولا:
وجود سلطة فلسطينية أصبحت جزءا من وزارة الداخلية الإسرائيلية ، فهي تجمع المعلومات الامنية وتسلمها لاسرائيل ، وتعتقل كل من يقاوم، وتقطع الاموال عن كل من قاوم وبأثر رجعي، وتحاصر غزة وبإجراءات لا تقل قسوة عن اسرائيل، بل لم تعد تقبل بأي شكل من الاشكال حتى التظاهر ضد اسرائيل، والايام القليلة الماضية تؤكد ذلك تماما.
من ناحية اخرى فإن هذه السلطة اصبحت جزءا من مؤسسات الاستيطان الاسرائيلي، فهي تقوم بتفريغ ممنهج للريف الفلسطيني وتكديس السكان في عدد محدود من المدن من خلال افقار الريف وبناء مشروعات الجذب في مدن فلسطينية محددة لتتحول لنقاط جذب سكان الريف للمدينة ، وفي ذلك تهيئة للظروف للتمدد الاستيطاني في فراغات الريف الفلسطيني.
ثانيا:
من جانب عربي، فبعد الاعتراف الفلسطيني باسرائيل واعتراف الاردن ومصر باتفاقيات دولية ، وتوالي الانفتاح والتطبيع العربي سرا وعلانية بخاصة من دول الخليج وبعض القوى في المغرب العربي، وإجهاز الربيع العربي على ما تبقى من قوة عراقية او سورية ، فإن الاتجاه التاريخي يزداد تكريسا وعمقا.
ثالثا:
من جانب دولي، ليس للطرف الفلسطيني أي سند دولي يُعْتَدُ به، فلا بوتين الروسي ولا شي جين بينغ الصيني يعتبر القضية الفلسطينية ضمن اولوياته الاستراتيجية، والاتحاد الاوروبي مشغول بمستقبله وبمستقبل الحلف الاطلسي وبمستقبل المهاجرين وتنامي النزعة اليمينية…الخ، يضاف لذلك إيغال أمريكي في إدارة الظهر لكل المطالب الفلسطينية حتى في حدها الادنى.
في ظل هذه الصورة القاتمة جدا، ما هي الحلول المحتملة للموضوع الفلسطيني؟
1- الدولة الديمقراطية: أي ان يعيش العرب واليهود في دولة ديمقراطية واحدة على اساس فرد/ صوت، وهو امر يصعب انجازه في ظل اختلال موازين القوى لصالح الطرف الصهيوني، وفي ظل طبيعة العقيدة الصهيونية والتي ازدادت عنصرية مع شعار يهودية الدولة ، ويكفي النظر الى ان هناك قرابة 1,7 مليون فلسطيني داخل اسرائيل لكنهم لا يتمتعون بالكثير من الحقوق الديمقراطية، بل إن لجانا عسكرية وأمنية في الكنيسيت غير مسموح للاعضاء العرب عضويتها، عدا عن التمييز في الوظائف والتعليم …الخ، وهذا يعني ان هذا النموذج هو اقرب للحل الطوباوي.
كذلك فإن حل الدولة الديمقراطية لا يحول دون احتمال تجدد المواجهة الداخلية بين الطرفين لأن التناقض القومي والديني والتاريخي والصور الذهنية والمشاعر لا تزال متجذرة لدى الطرفين.
2- حل الدولتين: يجمع الغالبية العظمى من السياسيين والباحثين على ان حل الدولتين لا تزيد احتمالاته عن 20%، فمع ضم القدس والتوسع الاستيطاني الذي وصل سكانه الآن في الضفة الغربية الى ما يساوي أكثر من عدد سكان اسرائيل عند الاعلان عن انشائها عام 1948( فنحن نشهد اسرائيل الثانية في الضفة الغربية)، ناهيك عن اختراق البنية التحتية الاستيطانية ( شبكات المياه والطرق والمصانع..الخ) لطول الضفة الغربية وعرضها.
3- التطهير العرقي: أي طرد الفلسطينيين كلهم أو أكبر قدر ممكن الى خارج فلسطين بخاصة نحو دول الجوار سواء من خلال:
أ‌- اشعال حرب اهلية في الضفة الغربية تدفع البعض للهروب منها نحو الخارج
ب‌- التضييق المستمر على حركة الفلسطينيين وخنقهم اقتصاديا في الوقت الذي قد تفتح دول عربية اسواقها بخاصة الخليجية لتجنيس الفلسطينيين وادماجهم وتذويبهم في مجتمعات واقتصاديات الخليج مع العمل على تفكيك المخيمات الفلسطينية في دول الشتات لتذويب الهوية التاريخية للشخصية الفلسطينية.
4- البانتوستانات: أي عزل الفلسطينيين في مناطق خاصة بهم على غرار البانتوستانات التي كانت قائمة في جنوب افريقيا، وتترك لهؤلاء الفلسطينيين ادارة شؤونهم الذاتية في المساحات المتبقية لهم من فلسطين ويكونوا خزانا لايدي عاملة رخيصة لآلة الانتاج الإسرائيلية.
5- الاخذ بنموذج ” دولة ونظامين” على غرار النموذج الصيني وهونغ كونغ ، أي ان تكون السيادة لاسرائيل ولكن يُترك للفلسطينيين انشاء نظامهم الخاص بهم في المساحة التي تبقى لهم، والفرق بين هذا النموذج ونموذج البانتوستانات أن هذا النظام يجعل كل شيء في يد الدولة(وهنا تكون اسرائيل) الا في الشان” الخاص” بالاقلية العربية في الدولة مع حرمانها من بقية مرافق الدولة المختلفة، بينما في ” دولة ونظامين” يكون كل شيء بيد الدولة الا النظام الاقتصادي(خاص او عام).
ويبدو ان المعطيات القانونية (الاتفاقيات واتجاهات القانون الدولي واتجاهات الرأي العام الدولي) وموازين القوى بين الاطراف في مستوياتها المحلية والاقليمية والدولية تشير الى ان الحل سيميل تدريجيا الى أحد الاحتمالين الأخيرين(الرابع او الخامس)
ولكن ما مدى صمود هذه الصورة إذا جرت احدى التحولات التالية:
أ‌- تغير استراتيجي في دول عربية مركزية( مصر او السعودية ) والعودة للعلاقة مع سوريا وايران وقوى المقاومة الأخرى.
ب‌- تصاعد النزاعات الأمريكية الصينية والامريكية الروسية لا سيما في المنطقة العربية وجوارها في غرب آسيا، بشكل يدفع لاعادة وتيرة التدخل الخارجي في المنقطة بكثافة شديدة.
ت‌- تراجع أهمية المنطقة العربية للولايات المتحدة لا سيما بعد تراجع اهميتها النفطية وهو ما سيلقي بظلاله على المكانة الاستراتيجية لاسرائيل في المنظور الغربي
ث‌- حدوث تطورات تكنولوجية في دول المنطقة وتزايد احتمالات الحصول على سلاح نووي على غرار ما جرى مع الهند وباكستان.
ماذا يعني ذلك ؟
1- علينا ان نضع كل احتمال من الاحتمالات الخمسة الاولى ثم البحث في التأثير السلبي والايجابي عليها فيما لو تحقق أي من التحولات الاربعة .
2- البحث عن المؤشرات الفرعية التي تدعم كل من التحولات الاربعة لتحديد أكثرها احتمالا
3- قياس تأثير التحول الاكثر احتمالا على الحل الاكثر احتمالا…
المنهجية المقترحة:
يمكن انجاز الدراسة من خلال تطبيق التقنيات التالية:
أ‌- مصفوفة التأثير المتبادل:(Cross Impact Matrix)
ب‌- دولاب المستقبل( Futures Wheel)
ت‌- التدرج السببي( Causal layered)
ث‌- المنحنى السوّقي(Logistic Curve)
كل ذلك يكشف عن مستوى التعقيد في رسم الصورة المستقبلية لمنطقتنا …ربما.

 

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button