دراسات سياسية

مدخل إلى الفكر السياسي الغربي

أن نتحدث عن “تاريخ الفكر السياسي” أو عن ” الفكر السياسي الغربي”، فهذا يشكل جزءا هاما من ميدان علم السياسة، أيضا الفكر السياسي يشكل تخصصا أو حقلا علميا جوهريا في الدراسات الإنسانية والاجتماعية. من هنا نجد أن معاهد العلوم السياسية تدرس هذه المادة لأنها تساهم بقوة بالانفتاح،بالثقافة، ثم تضع أو تبني علاقة بين علوم (القانون،العلوم السياسية،العلوم الاقتصادية ،التاريخ،الفلسفة،علم الاجتماع) و المقاربات الأخرى لعلوم الإنسان في المجتمع، ومع المجتمع نفسه. “فالفكر السياسي” من دون أدنى شك، هو واحد من التخصصات “المفتاح” لتجربة أو اختبار الثقافة العامة، حيث أصبح من طقوس وشعائر امتحانات القبول في معاهد العلوم السياسية وخاصة في الدول التي تولي العلوم السياسية أهمية كبرى.

إن دراسة الفكر السياسي يمكن أن تسير وفق طريقتين،حيث كل طريقة لها مميزاتها ولها أيضا عقباتها. واحدة من الطريقتين ترتكز على تحقيق أو إتمام جمع الأفكار الكبرى و الأساسية لكل تيار أيديولوجي كبير. ومن صعوبات أو عقبات هذه الطريقة أمام القارئ أو الباحث الذي لا يمتلك منذ البداية الوسائل المطلوبة: أنها تتطلب إجراء مقارنات أو مراجع ربما لا يمكن الحصول عليها أو هي غير موجودة. أما الطريقة الثانية يمكن أن تقدم قراءة لكل واحد من الأعمال السياسية الكبرى. ولكن الخطر،في هذه الحالة،يأتي من إهمال السياق “contexte” التاريخي و الفكري الذي تم فيه إنجاز هذا أو ذاك العمل السياسي،والمعرفة وحدها هنا تسمح بوضع الأفكار ضمن رؤية واضحة. فالديمقراطية”مثلا” وفق أفلاطون ليس لها معنى إلا إذا وضعناها ضمن سياق الزمن التي وجدت فيه.أيضا نضيف خطرا آخرا، وهو عدم نقل إلا رؤية جزئية لكل مفكر.

وبما أنه لا يوجد إلا طرقا قليلة غير الطرق المذكورة، فإننا بالضرورة سنستخدمها في هذا الكتاب.فعلى المستوى التاريخي، يسعى الكتاب لتقديم المفكرين الذين طبعوا عصرهم بأفكار أو نظريات سياسية معينة وشاركوا بشكل كبير في التفكير السياسي السائد في زمنهم. أما بالنسبة للأفكار السياسية “الحديثة”، فسيحاول الكتاب التعرف عليها من خلال التيارات الإيديولوجية الكبرى.

نشير هنا إلى أن كتابا واحدا يريد دراسة الفكر السياسي الغربي لن يستطيع الادعاء بالقدرة على دراسة كل عمل سياسي لوحده وضمن فترته الزمنية التي ظهر فيها أو حتى دراسة الفكر السياسي في جميع البلدان الغربية. مع ذلك، يطمح الكتاب إلى تقديم عمل متماسك ومختصر للفكر السياسي الغربي، مؤكدا على دراسة الفكر السياسي المعاصر و الحديث من غير الإغراق كثيرا في الأفكار القديمة، وذلك نظرا للأهمية الكبيرة التي نراها في الفكر السياسي الغربي الحديث.

إذا بين طموح تقديم عمل متماسك و صعوبة الاختصار، سنلجأ إلى دراسة أهم الكتاب والمفكرين مع تحليل،قدر الإمكان، لنظرياتهم ومذاهبهم السياسية، كما أن الكتاب سيجهد في الحصول على نصوص”فكرية سياسية” أصلية تعبر عن السياق التاريخي و الفكري الذي ظهرت فيه.

كلمة لا بد من قولها هنا حول الفكر السياسي الغربي. حيث تاريخ هذا الفكر اتصف في القرون الأخيرة بظاهرة منحته نوعا من الوحدة: إنها الحداثة، ومن خلالها حقق الفكر السياسي انعتاقه بشكل تدريجي ثم بشكل واسع خاصة بعد تقديم تفسيرات وشروحات جديدة تعلق بالإنسان الذي استطاع أن يبعد الدين أو يبتعد عنه ويحول الفلسفة إلى أداة لتطوير خطاب شامل حول غايات الإنسانية النهائية، وقد رأينا هذه على سبيل المثال مع ميكيافلي في كتاباته عن “المدينة الدنيوية”.

أما السياسة أصبحت واعتبارا من القرن السادس عشر و السابع عشر تلك الكلمة أو اللحظة المليئة بالآمال في تغيير الدين بواسطة إيديولوجيات سياسية، وهذا الشكل التاريخي للفكر السياسي بدأ يحصل تدريجيا على معظم العقول مع نهاية القرن الثامن عشر وحتى القرن العشرين بسبب قدوم عصر الديمقراطية. بشكل محدد أكثر، في آخر قرنين انتشرت خطابات وحققت انتصارات كبيرة وتمحورت حول تيارين كبيرين: تيار الليبراليات الذي أتى بشكل سريع مصطحبا الاشتراكيات والقوميات في عملية من المنافسة والصراع للسيطرة على القلوب والعقول. والكتاب بين أيدين سيحاول الدخول في منطق هذه التغيرات و التحولات في تاريخ الفكر السياسي وهي عمليا تشير إلى استمرارية فكرية للجانب الآخر من التغييرات التاريخية. أما التراجع الحالي للإيديولوجيات السياسية فهو لم يستطع إغلاق ظاهرة الحداثة و التي تبحث عن ميادين ميثولوجية أخرى مع النظريات العلمية الجديدة. ويبقى القول بأنه على الفكر السياسي أن يجد طرقا أخرى أقل مواجهة وأكثر تواضعا، وقريبة من الحقائق العلمية الحديثة التي تشكل معطيات وقواعد علمية للتفكير الفلسفي العميق.

تحميل الكتاب

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى