دراسات استشرافية

مدخل للدراسات المستقبلية – نحو وعي بأهمية الممارسة الاستشرافية

من اعداد د. خالد ميار الإدريسي

رئيس تحرير مجلة مآلات، فصلية محكمة تعنى بالدراسات الاستشرافية

إن الاهتمام بالدراسات المستقبلية يعكس حتما وعي المجتمعات بقيمة الزمن والاعتبار بحوادث الماضي والحاضر والتطلع إلى مستقبل أفضل. فالدراسات المستقبلية ليست ترفا فكريا وإنما هي “معرفة” تحدد مصير أفراد وشعوب ودول بل البشرية بكاملها والعالم أجمع بكل ما فيه من طبيعة وبشر.

إن الدراسات المستقبلية هي تفكير جدي وعملي وإبداعي في الوسائل والمناهج والطرق الممكنة لتحسين الوضع الإنساني. وهذا التعريف رغم مثاليته فإنه محتوم على البشرية أن تفكر بشكل جماعي في مصيرها. لقد هيمن ولازال على الفكر المستقبلي، الاستحواذ والأنانية والإقصاء والرغبة الجامحة في التفرد أوالتميز السلبي. ومن المعلوم أن كل شعب له الحق في التفكير في تطوير طرق عيشه والوصول إلى التميز “الحضاري”، ولكن لا يجوز أن يكون ذلك على حساب سعادة واستقرار وأمان باقي الشعوب.

إن المجتمع العالمي المعاصر، هو مجتمع مخاطر بامتياز، أي أصبح العالم – أفرادا وشعوبا ودولا- يبتكر أسباب الدمار ويصنع مخاطر كفيلة بنهايته. ولذا فإن الدراسات المستقبلية من مهامها الأساسية، ليست فقط حمل الناس على التخطيط لمستقبلات أفضل، وإنما كذلك الوعي بأن العالم يمتلك مستقبلا مشتركا، بحكم ترابطه وتشابكه.

ولقد كتبت دراسات كثيرة حول المستقبليات، ووضعت مفاهيم جديدة، وأصبحت دول متعددة منشغلة بوضعها المستقبلي القريب والمتوسط والبعيد. وهكذا يتم الحديث عن أمريكا سنة 2030 و2050 وروسيا وبريطانيا وفرنسا واسرائيل والهند والسعودية ومصر والمغرب…

وبالرغم من تداول مفاهيم المستقبل في الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب والتفاعلي، فإن العالم العربي لازال غير مهتم بشكل جدي وعملي بهذا الحقل المعرفي الناشئ.

ويبدو أن هناك حاجة إلى المزيد من الدراسات التي تروم التعريف بالدراسات المستقبلية، معتمدة في ذلك التبسيط والتقريب. ولذا فإننا نتوخى من هذا المدخل المتواضع حول الدراسات المستقبلية، المساهمة في التعريف بهذا الحقل وكذلك تمكين القارئ من قائمة من المصادر والمراجع الأجنبية والعربية التي اهتمت بالدراسات المستقبلية.

المبحث الأول: تعريف الدراسات المستقبلية وأهميتها ووظائفها
أولا: تعاريف الدراسات المستقبلية
إن الاهتمام بالمستقبل والتطلع إلى معرفة وإدراك وفهم ما سيأتي به، هو طبع إنساني، مرتبط بدافع الأمل في الغد أو التوجس منه[1]. والديانات السماوية رغبت في المستقبل الأخروي ورهبت منه[2]. ولذلك انغرس في الوجدان الفردي والجماعي، القلق من المستقبل أو التوق إليه. ولذلك فجميع الحضارات، اهتمت بالتنبؤ والتكهن والتنجيم وتخيل المستقبل.

ويبدو أن تمثل الحضارة الإنسانية للمستقبل، حسب بعض الباحثين[3]، قد ارتبط بثلاث منظورات؛ ففي المرحلة التي كانت فيها الديانات سائدة، نظر إلى المستقبل باعتباره أحداثا مقدرة سلفا. وفي المرحلة التي سادت فيها الوضعانية العلمية، نظر إلى المستقبل كنتيجة حتمية لأحداث مترابطة بمبدأ السببية، أما في المرحلة المعاصرة، فتسود نظرة اللايقين، بسبب تعقد الأحداث وتشابكها واستحالة الجزم بمعرفة مآلات الأحداث والأوضاع. إن صعوبة توقع مسارات الأحداث؛ أسهمت في الإقرار بعدم جدوى تلك النظرة الأحادية للأمور والقائمة على زعم مفاده أن مبدأ السببية، يؤدي حتما إلى نتيجة معينة ومتوقعة. ذلك أن منطق الاحتمالات المتعددة، يفضي إلى الاعتراف بأن مشاهد مستقبلية متعددة لحدث واحد، واردة وممكنة ومحتملة؛ بل يمكن أن تتلاقى الأحداث، لخلق أوضاع غير قابلة للتوقع.

ويمكن القول بأن الجهد الاستشرافي عبر التاريخ البشري، عرف سيادة ثلاث مراحل[4]:

  • مرحلة التكهن والمرتبطة بالسحر والكهانة.
  • مرحلة التخيل والإبداع وتصور مجتمعات مثالية.
  • مرحلة التوقع الممنهج والخاضع لتوجيه مؤسساتي.

وتعتبر المرحلة الأخيرة هي بداية تأسيس الدراسات المستقبلية، أو المجال المعرفي الجديد والمهتم باستشراف مستقبل الدول والحضارات ومجالات الحياة، سواء كانت علوما أو أحداثا أو موارد طبيعية أو سكانا…

إن محاولة تعريف “الدراسات المستقبلية”، تصطدم بوفرة المصطلحات المتجاورة والدالة على الانشغال بالمستقبل. وهكذا يلاحظ تضارب بين المختصين والباحثين في مجال تاريخ الفكر المستقبلي، في اختيار وتحديد مصطلح جامع ومتفق عليه، حول المجهود الفكري المتوجه إلى دراسة “المستقبل”. ويبدو أن “الدراسات المستقبلية بدأت تكسب معناهها العلمي والاصطلاحي في أوائل القرن العشرين، إذ اقترح العالم س.كوم جيلفات عام (1907) إطلاق إسم (ميلونتولوجيا) (mellontologie)، وكان أول من توصل إلى اصطلاح دراسة المستقبل هو المؤرخ الألماني “أوسبيب فلنختاهيم” عام 1930، تحت اسم Futurology وهو الاسم الشائع للدراسة المستقبلية في اللغة الانجليزي، ويقابله المصطلح الفرنسي prospective للعالم ” جاستون بيرجيه” ويطلق عليها أحيانا اسم (a Future Studies)”[5]. وهناك مجموعة أخرى من المفاهيم الدالة على البحث في مجال المستقبل[6]، ومن ذلك مفهوم المستقبلية Futurism وبحث الأمور المستقبلية) (Futures research ودراسات المستقبل والريادات المستقبلية (Futuristics) والتكهنات (prognostics) والمستقبلات Futuribles ودراسات البصيرة (Foresight Studies) والتحركات المستقبلية Futures (Movements) والتنبؤ المشروط (Forecasting) وغيرها من المصطلحات. والذي تم الاتفاق عليه واستعمل بكثرة، هو مصطلح “الدراسات المستقبلية”، ويليه مصطلح بحوث المستقبل.

وقد اعتمدت السكرتارية الحكومية في السويد سنة 1973 مصطلح “الدراسات المستقبلية” رافضة بذلك مصطلح “علم المستقبل” على اعتبار أن الدراسات تحتضن رؤى متعددة ومناهج مختلفة من كافة التخصصات والحقول المعرفية[7]. وتقول الباحثة أمينة الجميل “ومما لاشك فيه أن الجمعية العالمية للدراسات المستقبلية ساعدت كثيرا في جعل مصطلح “الدراسات المستقبلية” Futures Studies الأكثر انتشارا واستخداما عالميا، وهي تعني بذلك اكتشاف ما سيحدث ومطابقته بما نرجو أن يحدث. وجاء هذا التعريف من فكرة أن العديد من الأشخاص حقيقة مهتمون بالتطورات المستقبلية للمجتمع بكل أبعاده، خلال سبعينيات القرن الماضي أشمل جون ماك هل John Mc Hale كل أنواع التفكير في الدراسات المستقبلية مثل الاستقراء والتفكير المثالي وغيرها”[8]. ويشير معجم اكسفورد إلى كون الدراسات المستقبلية هي “ذلك التكهن الممنهج للمستقبل وخاصة من منطلق الاتجاهات الحالية في المجتمع”. ونفى ادوارد كورنيش أن يكون البحث في المستقبل أو الاستشراف تكهنا بالمستقبل وإنما سعي لتحسينه. “نحن نريد استباق ظروف المستقبل الممكنة أو المتوقعة حتى تستطيع التحضير لها. نحن نريد بشكل خاص أن نعرف عن الفرص والمخاطر حتى نكون مهيئين لمواجهتها”[9]. أما السيد الأمين العام للرابطة العربية للدراسات المستقبلية، فقد اعتبر البحث في المستقبل، هو ذلك “الاجتهاد المنظم الذي يتوخى صياغة التنبؤات والتوقعات”[10].

وهناك من يعرف الدراسات المستقبلية “بأنها مجموعة من الدراسات والبحوث التي تستهدف تحديد اتجاهات الأحداث وتحليل مختلف المتغيرات التي يمكن أن تؤثر في إيجاد هذه الاتجاهات أو حركة مسارها أو مجموعة الدراسات والبحوث التي تكشف عن المشكلات أو التي بات من المحتمل أن تظهر في المستقبل وتتنبأ بالأولويات التي يمكن أن تحددها كحلول”[11]. كما يشير ضياء الدين زاهر بأن الدراسات المستقبلية هي “تخصص علمي يهتم بصقل البيانات وتحسين العمليات التي على أساسها تتخذ القرارات والسياسات في مختلف مجالات السلوك الإنساني، مثل الأعمال التجارية والحكومية والتعليمية، والغرض من هذا التخصص مساعدة متخذي القرارات ان يختاروا بحكمة من بين المناهج البديلة المتاحة للفعل في زمن معين”[12]. ويبدو لنا بأن الدراسات المستقبلية ليست هي التنبؤ بالمستقبل، فالتنبؤ ادعاء بامتلاك صورة حقيقية يقينية لما سيقع، أو علم يقيني بالمستقبل وهذا من المحال، لأن علم الغيب، يستأثر به الحق سبحانه وتعالى. بينما الدراسات المستقبلية هي مجرد محاولات فكرية تتوسل مجموعة من المناهج الكمية والكيفية، لبناء وصياغة تصورات على تطور الأحداث وتداعياتها. والدراسات المستقبلية ليست علما، منضبطا بالقواعد العلمية الصارمة المعروفة، حيث يمكن اختيار الفرضيات وقياس النتائج وإجراء التجارب، وإنما هي أقرب إلى فن تخيلي أو حدسي كما أشار إلى ذلك جوفنيل في كتابه فن التكهن بالمستقبل أو فن الحدس[13].

وقد أكد المهدي المنجرة على كون الدراسات المستقبلية ليست علما وإنما منهجا “يسمح بدراسة التطورات المختلفة والمحتملة لوضع معين، في وقد محدد، وتطبيق نتائج هذا القرار أو ذاك على هذه التطورات، ويتميز منهجها بالشمولية، وتعدد التخصص، والسلوك الدائم لسبيل مفتوح يعتمد التفكير فيه على دراسة خيارات وبدائل”[14]. وبالرغم من اعتماد المهتمين بالدراسات المستقبلية لمناهج رياضية كمية، مثل مصفوفة الآثار المقطعية والمنحنى الجامع والسلسلة الزمنية ودولاب المستقبل وشجرة العلائق وغير ذلك؛ فإن ذلك لا يمنح الدراسات العلمية صفة “العلم”[15]. ولذا فإن الدراسات المستقبلية هي حقل معرفي، يتوخى أصحابه استنباط القواعد والمحددات المتحكمة في توجيه مسارات الأحداث أو المعارف أو السياسات وتأثير ذلك على الحاضر. ومنذ سنة 2006، بدأ الاهتمام باتجاه جديد في الدراسات المستقبلية، يزعم أصحابه أنه يتجاوز منظور الاستشراف La prospective، ويطلقون على منهجهم أو منظورهم الجديد “الاستباقية السياسية” (Anticipation Politique).

إن منهج الاستباقية السياسية[16] الذي أسسه الباحث فرانك بيانشري (F. Bianchri)[17] يرتكز على تصور مؤداه أن الاتجاهات tendances ليست دائمة وأبدية، فهي قابلة للانقطاع، وذلك بخلاف “الاستشراف” أو ما يسميه البعض بالتحسب المستقبلي. ولذا فإن الاستباقية السياسية تنطلق من سؤالين متى ستنقطع الاتجاهات؟ ومتى يمكن اتخاذ قرارات حاسمة تراعي هذا الانقطاع؟ فالاستباقية السياسية تنطلق من الحاضر وللحاضر، وتتسم بالواقعية الشديدة، وتتوخى استباق التحول واختيار اللحظة الحاسمة والمناسبة لتغيير الاتجاه.

ويمكن القول بأن الدراسات المستقبلية تحتضن منظورات واتجاهات فكرية متعددة، ومن ذلك الاستشراف الذي وضع أسسه غاستون بيريجه والاستباقية السياسية والمستقبليات المتكاملة والمستقبليات النقدية وغير ذلك[18]. ومن المرجح أن تتكاثر التوجهات والمناهج والاقترابات. فهناك الاقتراب الذي يعمد إلى مواجهة التغيرات والاقتراب الذي ينطلق من اليوتوبيا لبناء المستقبل والاقتراب الذي يعتبر المستقبل عبارة عن مشروعات. كما يتم الحديث عن أبحاث المستقبليات التطورية وأبحاث المستقبليات الحرجة[19]. وعموما فإن الدراسات المستقبلية هي مجمل النشاط الفكري الذي يتوسل بمناهج ومنظورات متعددة لفهم وإدراك ما يمكن أن يقع في المستقبل؟ وكيف سيقع؟ ولماذا سيقع؟. والدراسات المستقبلية هي اهتمام أكاديمي ومؤسساتي بدراسة مجال زمني هو المستقبل. وباعتبار أن المستقبل هو مجال البحث، فإن المهتمين بالدراسات المستقبلية، يصنفون المستقبل إلى ما يلي[20]:

  • المستقبل المباشر، وهو تلك المدة الزمنية التي لا تتجاوز السنتين منذ اللحظة الراهنة.
  • المستقبل القريب، وهو تلك المدة الزمنية التي تصل إلى حدود خمسة سنوات.
  • المستقبل المتوسط وتقدر مدته بعشرين سنة.
  • المستقبل البعيد والذي يتجاوز العشرين إلى الخمسين سنة.
  • المستقبل غير المنظور وهو تلك المدة التي تفوق الخمسين إلى المائة سنة أو أكثر.

وهناك تصنيفات أخرى المستقبل ومن ذلك، المستقبل المستحيل والممكن والمحتمل والمفضل أو المرغوب فيه وغير المرغوب فيه والغير متوقع وغير المفكر فيه. ويرى هيج جوفنيل[21]، بأن المستقبل هو مجال للحرية والقوة والإرادة. وبالطبع فإن المنظور السائد في الدراسات المستقبلية، يتوخى الاستحواذ على المستقبل أو كما يقول ضياء الدين سردار “استعمار المستقبل”[22]. والبشرية في حاجة ماسة إلى فكر مستقبلي يراعي حاجات البشرية بكاملها وبدون تحيز جيوسياسي، بل الإنسانية في حاجة إلى فكر إبداعي عقلاني عادل، يراعي المصالح الإنسانية ولذلك نقترح مصطلح “استبصار المستقبل”[23]، إذ يتضمن مفهوم البصيرة والتي هي نظرة الحكمة ومراعاة مراد الله في عباده والحرص على جلب المنافع ودفع الآفات.

ثانيا: أنواع الدراسات المستقبلية والتمييز بين التقليدي وما بعد التقليدي
إن السمة الغالبة على الدراسات المستقبلية هي التعدد في التعريف، والتعدد في الرؤى والمنظورات. فالدراسات المستقبلية، هي حقل معرفي ناشئ وجديد، لم يصل بعد إلى مستوى “الاكتمال العلمي” أو إلى صفة “العلم”، وإنما لازال في حالة “ما قبل العلم” prescientific[1] ذلك أن موضوع الدراسات المستقبلية هو المستقبل وهو مجال عصي عن الإدراك والامتلاك. وباعتبار تعدد منطلقات الباحثين في مجال الدراسات المستقبلية، وتعدد منظوراتهم ومناهجهم، فإن الدراسات المستقبلية ليست نوعا واحدا وإنما أنواع. وهي قابلة في المستقبل للتأثر بالصراع الابستمولوجي الدائر بين الوضعيين وما بعد الوضعيين، والصراع السياسي والمعرفي ما بين المدافعين عن المركزية الغربية والرافضين لها، أو الداعين إلى تحرير المعرفة من “تسلط” المركزية الغربية[2] ومقولاتها. كما أصبح الحديث عن دراسات مستقبلية تقليدية وأخرى ما بعد تقليدية.

1.الدراسات المستقبلية التقليدية.

إن المقصود بالدراسات التقليدية، ليست تلك الممارسات الاستشرافية القديمة التي عرفتها الشعوب من تكهن وتنجيم وطقوس سحرية وغير ذلك؛ وإنما يراد بالدراسات المستقبلية التقليدية مجمل المنظورات والممارسات الاستشرافية الحديثة والمرتبطة بشأن هذا الحقل الفكري الجديد، والتي تلتزم بالفلسفة الوضعية والتوجه الحداثي[3].

فالدراسات المستقبلية التقليدية تهتم أساسا بدراسة العالم الخارجي وليس العالم الداخلي للأفراد. إذ يقوم الباحثين في الدراسات المستقبلية التقليدية، بتقديم تصوراتهم واستشرافاتهم ضمن سياق معرفي وسياسي يهيمن عليه منطق المصلحة والنفعية. فالدراسات المستقبلية التقليدية، هي تحت الطلب، وليست تفكيرا متحررا من ضغوطات صناعة السياسات. كما أنها سجينة النظرة الاحادية للأمور المستقبلية، ويقول سلوتر ريشارد الذي يعد من المنظرين للمستقبليات ما بعد التقليدية[4]: “يرسم العمل التقليدي في أي ميدان جزءا جوهريا من الصورة الشاملة. وهو يعمل ضمن حدود معرفة مسبقا تبعا لقواعد محددة بوضوح، مستخدما أفكارا وطرقا معروفة جيدا. ويقع جزء كبير من فعالية المستقبليات في العالم ضمن هذا المفهوم؛ وهو يخدم احتياجات وزبائن معروفين جيدا. وتقع فعالياته في مناطق مألوفة: الشركات التجارية، أقسام التخطيط، المكاتب الاستشارية، الوكالات الحكومية وما شابه ذلك، ويغلب على العاملين ضمن هذا الأسلوب امتلاكهم شهادة جامعية أو خبرة طويلة في الطرق المستقبلية المعروفة مثل طريقة دلفي؛ وتحليل التوجهات والسيناريوهات. ويميل هؤلاء من خلال ما يعرفون به إلى التركيز على المجال الجماعي الخارجي (التكنولوجيا، البنى التحتية، العالم المادي)”.

وبالرغم من الحديث حول تعدد الرؤى والمنظورات في الدراسات المستقبلية، فلا يعني ذلك انها تحتوي على “تعددية راديكالية” في الانموذج النظري “Paradigme”. فهي تصورات وإن تباينت في النتائج وحتى في المنطلقات، لا تعدو أن تكون وليدة نفس الرؤية للعالم.

فالمجتمعات الصناعية وما بعد الصناعية[5] متمسكة بمبدأ التقدم[6] والذي هو من محركات الحداثة، وهو مبدأ يفرز الحاجة إلى المزيد ثم المزيد من الابتكار والتجديد.

والابتكار في عالم سريع ومتحول ومتقلب، يتطلب مجهود متميزا في استشراف مستقبل الصناعات والتجارة والخدمات وميولات المستهلكين وتداعيات السياسات العامة وبصفة إجمالية التغيرات الجزئية والكلية. ولذا فإن الدراسات المستقبلية التقليدية مرتبطة، بطبيعة إدراك المجتمعات لحاجاتها للتغير وتمثلها للمستقبل[7].

والدراسات المستقبلية التقليدية هي امتداد للفكر الجيوسياسي التوسعي، المرتكز على مبدأ اكتساح المجالات المادية والمعرفية. فالمستقبل هو مجال للاستحواذ والاكتشاف[8]والضبط والقوة والتحكم.

وعموما يمكن تعريف الدراسات المستقبلية التقليدية، بأنها مجمل الجهود الاستشرافية المتقيدة بالتوجه الوضعي، والمتحيزة للرؤية الغربية وغير المعترفة بإمكانية مساهمة باقي الثقافات[9] في إنتاج فكر مستقبلي مختلف.

ويندرج ضمن هذه الدراسات المستقبلية التقليدية، الأعمال الاستشرافية التي ينتجها مختلف الباحثين في العالم والمنبهرين بالتقاليد الاستشرافية الغربية؛ والغير الطامحين إلى بناء تصورات ومنظورات تنسجم مع الخصوصيات الثقافية والسياسية والدينية لبلدانهم[10].

وتحتضن الدراسات المستقبلية التقليدية أنواعا وأنماطا، يمكن تصنيفها حسب طبيعة المعيار المعتمد. وهكذا يتحدث الباحثين عن نمطين، أحدهما استطلاعي أو استكشافي Exploratory Type والآخر نمط معياري Normative Type، ويميز بينهما الأستاذ عامر قائلا[11]: “والفرق بين النمطين هو فرق في الخطوات المنهجية في كل منهما، فبينما تبدأ الدراسة في البحوث الاستطلاعية من الحاضر، ومنه تستطيع أن تشكل وتصوغ صورة المستقبل المتوقعة أو الممكن تحقيقها، نجد في البحوث المعيارية وتبدأ الدراسة أولا برسم صورة المستقبل المرغوب في تحقيقه ومنها تنتقل إلى الحاضر، ولذلك فإن كل نمط من هذه الأنماط له أساليب وتقنيات بحث خاصة به…”

وهناك من يصنف الدراسات المستقبلية بناءا على معيار التفاؤل والتشاؤم[12]، وهكذا يمكن الحديث عن دراسات مستقبلية تفاؤلية، وهي تؤمن بمستقبل أفضل للعالم، وأنه قادر على التغلب على مشاكله ومصاعبه؛ ويتم التركيز في هذا النوع من الدراسات على القيم التي يمكن أن تؤسس لمستقبل الغد ومن ذلك مفهوم المسؤولية[13] اتجاه الأجيال القادمة.

أما النوع الثاني فتغلب عليه النظرة التشاؤمية، ويهتم بدراسة المخاطر الكبيرة التي يواجهها العالم[14]، ومن ذلك الفقر والتلوث والحروب والعنف واللامساواة والمخدرات والانفجار السكاني والمخاطر النووية وقضايا الهجرة والأمن الغذائي والتصحر والتقلبات المناخية والتطرف والإرهاب والخوف من تداعيات التكنولوجيا[15] وغير ذلك.

وهناك تصنيف آخر للدراسات المستقبلية بناءا على معيار الجهة التي أنجزت الدراسة، فهناك دراسات مستقبلية، تنجزها مؤسسات حكومية، من وزارات أو مراكز أبحاث تابعة لها، أو لجان وزارية متعددة، أو مؤسسة قومية مهتمة بالتخطيط، أو وكالات الاستخبارات. وهناك دراسات مستقبلية أكاديمية محضة، غير تابعة لمؤسسات حكومية. وفي الحقيقة يصعب الفصل بينهما فغالبا ما يكون البحث الأكاديمي في خدمة صناع السياسة. ولذلك فالأصل في الدراسات المستقبلية هو أنها وليدة، مختبرات البحث التي تشتغل لصالح المؤسسات الحكومية، ومن ذلك مؤسسة راند التي ساهمت في صياغة تقنية السيناريو.

ويمكن القول بأن الدراسات المستقبلية الأكاديمية، هي تلك الدراسات التي تتوخى المعرفة أولا ولا ترتبط بجدول أعمال سياسي متحكم. فالدراسات المستقبلية الأكاديمية، تنطلق من شغف المعرفة لبناء تصورات مستقبلية واقعية وقابلة للتطبيق وصالحة للبشرية. لكن هذه النظرة تبقى مثالية، لأن البحث العلمي في مجمله متحيز معرفيا وسياسيا.

والمرجو والمطلوب، هو اتفاق الباحثين في الدراسات المستقبلية على تشجيع البحث المتحرر من دوغمائية السياسة والمصالح الضيقة، لأن الوضع العالمي أصبح متشابكا مترابطا؛ وبالتالي فالتفاعلات العالمية تعني جميع ساكنة العالم.

وعموما يمكن القول بأن الدراسات المستقبلية أنواع متعددة، وتنوعها يكمن في تعددية المنظور والمناهج والرؤى والمنطلقات والأولويات والمدارس والاتجاهات الفكرية؛ ويبدو أن الدراسات ما بعد التقليدية أصبحت تحظى بمزيد من اهتمام الباحثين.

2.الدراسات المستقبلية ما بعد التقليدية.

إن الانتقال من التقليدي إلى ما بعد التقليدي في مجال الدراسات المستقبلية، مرتبط بالموجة العارمة للفكر ما بعد الحداثي. فالنزعة ما بعد الحداثوية[16]رامت إعادة النظر في مسلمات العقل الغربي، ودعت إلى نبذ الدوغمائية الفكرية واحتفت بالمنظورية والتفاعل بين الذوات وعمقت من النزعة الشكية وساهمت في تعرية الخطاب المعرفي والكشف عن تحيزاتi ودفاعه عن المصالح وإقصائه لثقافة المهمشين[17]. ولاشك أن الفكر ما بعد النبوي[18] وما بعد الوضعي، هو مطالبة يتجاوز المقولات والمناهج والنظرة السائدة في الدراسات المستقبلية. ولذلك فالدراسات المستقبلية المتكاملة والتي تعتبر ما بعد تقليدية بامتياز، تدعو إلى تبني تعددية المنظور وتكاملية المعارف وتعددها، ولذلك يؤكد جوزيف فوروس على كون “المستقبليات المتكاملة لا تأخذ منظورا أحاديا، بل تميز، بالأحرى عددا وافرا من الرؤى. وهي ليست محددة بأداة أو منهجية مفردة، بل إنها بالأحرى تدرك وجود تشكيلة أدوات شاملة (وهي في الحقيقة لا نهائية). وهي تقر بوجود العديد من طرق المعرفة – والعديد من النماذج والممارسات ومنهجيات طلب المعرفة – وبأن أي نموذج وحدة لا يمكن أن يعطي تفوقا مسبقا (…) وترحب دراسة المستقبليات المتكاملة بكل الأساليب الحريصة والصادقة الباحثة عن المعرفة في جميع نواحي الفعالية الإنسانية كما تتبناها وتقيمها إذا ما كانت مناسبة ووافية – بما في ذلك التحليل المنطقي والاستشراف الحدسي والإلهام الروحي”.[19]

ويبدو واضحا بأن المستقبليات المتكاملة (integral Futures)، تؤمن بالأخذ من كل المعارف والتجارب والخبرات الحضارية، وعدم التقيد فقط بطرق التحليل المنطقي، بل الانفتاح على الطرق الأخرى للمعرفة ومن ذلك الحدسي والإلهام الروحي. ومن المعلوم أن الفكر الوضعي الحداثي، لا يسلم بوجود طرق للمعرفة، سوى “العقل الحداثي”، الذي من طبعه إقصاء كل الطرق والوسائل المتجاوزة لمقولات العقل الغربي.

وتختلف الدراسات المستقبلية النقدية عن الدراسات المستقبلية التقليدية، فالأخيرة ركزت على دراسة العالم الخارجي بينما الأولى ركزت على عالم الأفراد. ويقول “سلوتر” وقد ركز كل من الاستشراف وبناء السيناريوهات بصورة واسعة على العالم الخارجي. أما الدراسات النقدية للمستقبليات (critical Futures Studies)، فقد عالجت ما يمكن أن ندعوه بـ”الدواخل الاجتماعية”. وهذا يعني أنها ارتأت ان الهيئات الخارجية للمجتمع التي درست بعناية (مثل السكان، والتكنولوجيات، البنى التحتية…الخ)، مرتكزة في عوامل اجتماعية قوية مثل المنظور إلى العالم و النماذج والقيم المتبعة، وتعتمد عليها”[20].

ويلاحظ سلوتر بأن الدراسات النقدية رغم اهتمامها بالأفراد، إلا أن ذلك لم يكن بشكل معمق ولذا فإن الدراسات المستقبلية المتكاملة، حاولت تدارك ذلك [21].

وتتسم المستقبليات النقدية، بتفكيكها للخطاب السائد حول المستقبليات وبالتالي نقد الدراسات المستقبلية التقليدية، وتعرية تحيزاتها المعرفية والسياسية والحضارية. وتستثمر المستقبليات النقدية الارث ما بعد الحداثي في تفكيك[22] الخطابات السائدة في العلوم الاجتماعية الغربية.

ويشير سهيل عناية الله[23] إلى تركيز المستقبليات النقدية على مساءلة مفهوم المستقبل وكيفية بنائه وتمثله في الخطابات، ولماذا تصبح “صياغة” معينة للمستقبل هي المهيمنة وهي المفضلة بدل صياغات أخرى؟ إن المستقبليات النقدية هي ممارسة خطابية بامتياز، أي انشغال بتشكيل الخطابات حول المستقبل، أكثر من الاهتمام بالطرق المتعددة والمناهج المتداخلة لسبر أغوار المستقبل. ولذا فالدراسات المستقبلية المتكاملة بخلاف المستقبليات النقدية، غير منحصرة في النقاش الخطابي وإنما تسعى إلى تعميق الفهم لطبيعة إدراك الأفراد للمستقبل ودورهم في تحديد صوره.

وتندرج مجموعة من الأعمال ضمن الدراسات المستقبلية المتكاملة ومن ذلك أعمال راشكوف (Douglas Rushkoff) وفوروس (J. Voros) وهايوارد (Peter Hayward) وخوسي راموس (José Ramos) [24].

و”يقر إطار المستقبليات المتكاملة بتعقيد الأنظمة والبيئات المحيطة، والشبكات المترابطة للإدراك والفعالية. وتؤثر كل هذه في سلوكية الأفراد والمجموعات. وهي تعطي البنى والأحداث في العوالم المادية والاجتماعية والبسيكولوجية أشكالها. ويشمل الإطار منظورا تطوريا يميز طرق الوصول المختلفة الفردية والجماعية إلى البنى المختلفة للوعي”[25] كما يقول سلوتر.

وعموما فإن الدراسات المستقبلية المتكاملة هي اعتماد لتخصصات متعددة وانفتاح على رؤى متباينة وأطر تفسيرية واسعة؛ وهي تجميع لما تفرق.

ويشير سهيل عناية[26] بأن الدراسات المستقبلية، هي ذات توجه تنبؤي وأخرى ذات توجه تأويلي وأخرى ذات توجه نقدي (المستقبليات النقدية) وأخرى ذات توجه تشاركي ويوصي بالجمع بين كل هذه التوجهات.

ثالثا: الأهمية الاستراتيجية للدراسات المستقبلية
لا يمكن أن يجادل أحد في أهمية المستقبل، ذلك أننا نتجه إليه؛ وهو الحقيقة التي سنواجهها، وهو مستقبل اني دنيوي أو مستقبل أخروي. والمستقبل بالنسبة للأفراد أو الجماعات، إما خير أو شر؛ إما رفاهية وازدهار وتقدم بالنسبة لدول، أو تخلف وضياع وفقر وتبعية وخضوع لدول أخرى؛ لذا فإن المستقبل له أهمية استراتيجية، فهو مصير كل الكيانات. والتفكير في المستقبل هو من الحكمة ورجاحة العقل، فالإنسان يجني ما زرع، خيرا أو شرا. والدول ذات التقاليد الراسخة في صياغة استراتيجيات الأمن القومي[1]، منشغلة بفهم وإدراك مسارات الزمن، وتوقع المخاطر الآتية والفرص الممكنة.

إن اهتمام الدول اليقظة بالمستقبل مرتبط بعوامل متعددة ومنها، “رصيد المعرفة الهائل الذي يتراكم في سنوات قليلة، والتغيرات الكيفية في أساليب معالجة المعلومات، والتقدم غير المسبوق في علم تحليل النظم، والمخاطر التي تترصد مستقبل البشرية من جراء التوسع في حيازة أسلحة الدمار الشامل وتلوث البيئة وندرة المياه والتصحر والنمو المفرط في السكان وتزايد رقعة الفقر”[2].

ويختلف الدارسون في تصنيف محددات أهمية الدراسات المستقبلية، فمنهم من يعتقد بأن تلك الأهمية تكمن في ضرورة توقع المشاكل القادمة ووضع الخطط لمواجهتها. وهناك من يرى بأن الدراسات المستقبلية هي من معالم تحضر المجتمع، فأهميتها تكمن في الحاجة إلى استباق التحولات والإعداد لمستقبل أفضل ومواكبة التحولات السريعة. “فالمجتمع الذي ينساق باستمرار مع تغيير وراء تغيير سوف يتحول من أزمة إلى أزمة إلى أن يصل إلى أزمة لا مخرج منها”[3] كما يقول ضياء الدين سردار. ولذلك يرى بعض الباحثين بأن أهمية الدراسات المستقبلية كامنة في تمكين صناع القرار من اتخاذ قرارات سريعة وسليمة ومدركة للتداعيات المستقبلية.

ويرى توفلر بأن الوعي بالمستقبل والاستعداد له، هو تفادي لصدمة المستقبل، “كما أشار إلى ذلك في كتابه “صدمة المستقبل” ، “إذا لم نستطع أن نتحكم في معدلات التغيير في شؤوننا الخاصة، وفي المجتمع ككل، فإنه مقضي علينا لا محالة بالتعرض للانهيار الجماعي نتيجة لعجزنا عن التكيف مع عملية التغيير”[4]. ويشير ادغار موران إلى أن الدراسات المستقبلية هي بالأساس فهم للحاضر “والحال أن المستقبل يتولد من الحاضر ومعنى ذلك أن الصعوبة الأولى للتفكير في المستقبل هي صعوبة التفكير في الحاضر. والانعماء اتجاه الحاضر هي التي تجعلنا بالفعل لا نبصر المستقبل”[5]. ومما لا شك فيه أن الدراسات المستقبلية، ليست تحليقا في المستقبل وتخيلا له وهروبا إليه، وإنما هي محاولة إدراك للحاضر أساسا، ولذا هناك حاجة استراتيجية لتمثل الواقع والحاضر والآني. “فمن الأكيد أن حالة العالم الحاضر تتضمن، بشكل مضمر، حالات عالم المستقبل. لكنها تتضمن بذورا مجهرية ستتبلور، لكنها غير مرئية بالنسبة لأعيننا (…) إن المستقبل سيكون خليطا مجهولا من الأمور المتوقعة وغير المتوقعة. وإلى هذا ينبغي أن نضيف أن المستقبل ضروري لمعرفة الحاضر”[6].

ويشير كورنيش إلى العمل الذي قام به روبرت يانك (Jungk)، الذي كان يحتج على أخطاء الماضي والحاضر، فنبهه أحد مرضى السرطان الناتج عن قنبلة هيروشيما “أنت تحتج الآن ضد القنبلة، ولكن ذلك متأخر جدا، أنت دائما تبدأ متأخر جدا”[7]. كان هذا التنبيه سببا ليغير يانك تفكيره ويدشن “ورش عمل عن المستقبل”، يساهم فيه، على تشجيع الناس لتغيير تمثلهم للمستقبل[8]. ذلك أن عرض الرؤى حول المستقبل ومطارحتها وإعادة النظر فيها وصياغتها من جديد، له دور حاسم ومهم في توجيه تمثلات المجتمع حول المستقبل.

وتكمن أهمية الدراسات المستقبلية كذلك في تنمية الفكر الاحتمالي و”يمثل التفكر الاحتمالي والمعلومات حجر الزاوية في الدراسات المستقبلية والتي أخذت حيزا وافيا من الاهتمام والانتباه عند الباحثين، كما يعد من المواضيع الأساسية في بناء الاستراتيجيات واتخاذ القرارات خاصة على صعيد القيادة الاستراتيجية (…)”[9].

وعموما فهناك إجماع على الأهمية الاستراتيجية للدراسات المستقبلية، إذ تخصص ميزانيات لدعم المؤسسات الحكومية المهتمة بالدراسات المستقبلية وتشجيع الباحثين على التخصص في مجال البحث المستقبلي، ووحدها دول العالم النامي التي لا زالت غير واعية بهذه الأهمية.

ويبدو لنا بأن الأهمية الاستراتيجية للدراسات المستقبلية، يمكن أن تختزل في المعالم التالية:

  • الحاجة إلى فهم وإدراك تحولات وإيقاعات الزمن العالمي.
  • الحاجة إلى الانخراط في دينامية التحولات العالمية.
  • ضرورة تفادي الاقصاء والاضمحلال من الساحة العالمية.
  • ضرورة الوعي بمسؤولية المجتمع العالمي اتجاه مستقبل الأجيال.
  • ضرورة الوعي بخطورة مصير الحضارة الإنسانية.

إن التفكير في أهمية الدراسات المستقبلية مرتبط حتما بوعي الأفراد والدول بالزمن. وهذا الوعي ليس ناتجا عن ذلك التأمل الحكيم في مجريات الأمور وإنما هو بالأساس تراكم معرفي وخبرات عملية حول فهم قوانين الزمن؛ سواء كانت فيزيائية أو تاريخية أو نفسية أو فلسفية[10] . فالزمن ليس معطى خارجي فحسب وإنما كذلك تمثل فردي وجماعي.

فالوعي بوجود “مستقبل” أي زمن آتي، يؤثر حتما في الزمن الحاضر . ولذلك فالتفكير المستقبلي فرديا أو جماعيا، لا ينفلت من قبضة الحاضر، بل حتى الماضي[11]، كما أشار إلى ذلك بيير ماسي، فدائما يطرح سؤال، ماذا لو لم أفعل كذا وكذا؟ وماذا سيكون الأمر، لو فعلت كذا وكذا؟

ولذلك فإذا كان المؤرخ يشتغل على فهم وإدراك قوانين الماضي، فإن المستقبلي يشتغل على تأثير هذه القوانين على المستقبل؛ بل يتوق إلى تغيير “مستقبل ما”. لأن “المستقبل الجامع” هو حصيلة كل محاولات التأثير في مسارات الزمن. ولا أحد يملك “المستقبل الجامع”. ويقصد به ليس ما يطلق عليه عند المستقبليين بـ”المستقبلات” أو البدائل، وإنما هو الاتجاه الزمني المستقبلي النهائي الذي يكون وعاءا لكل المستقبلات الفردية والجماعية.

إن الخبرة التاريخية هي التي جعلت الدول، تفكر في مستقبل مرغوب فيه للبعض، ومحروم منه البعض الآخر[12]. ذلك أن الحروب والكوارث التي عرفها العالم في القرن العشرين، والخوف من اختلال ميزان القوى[13] الدولي، جعل حواضن الفكر المستقبلي تهتم بفهم إيقاعات التحولات الزمنية، التي أصبحت تتسم بسرعة فائقة. وقد اعتبر بول فيغليو (P.Virilio)[14]، القوة هي امتلاك للسرعة. والسرعة هنا بكل أبعادها سواء في الحصول على المعلومات وتحليلها واتخاذ القرارات واستشراف البيئات المستقبلية.

ومن المعلوم أن “سرعة التغيير” في الحقب التاريخية كانت متباينة، وكانت سببا لطرح سؤال المصير وكما يقول زريق “إن التساؤل عن المصير يشتد في بعض الحقب منه في سواها والحقب التي تعني بها هي الكوارث أو ما تحف بها من الأخطار، ففي أوقات الدعة والسلام والاندفاع إلى الأمام يكون الإنسان مطمئنا متفائلا فلا تثور في نفسه الشكوك ولا يخشى ما يخبئه له المستقبل، أما الأوقات العصيبة فهي أدعى للتوقف والتساؤل والتبصر في مسيرة الحياة واتجاهاتها.. فالقديس أوغسطيوس كتب كتابه “مدينة الله” في وقت كانت تتداعى فيه الامبراطورية الرومانية، ومقدمة ابن خلدون كتبت في حقبة شهدت محنة الأخطار والتهديدات التي واجهت الحضارة الإسلامية آنذاك”[15].

ويبدو جليا أن التغير هو الأساس في التاريخ البشري والأزمات والكوارث، تحمل الناس والمجتمعات والدول على التفكير الجدي في كيفية الاستعداد للمستقبل[16]. ولأن القرن الواحد والعشرين، يتميز بالسرعة الفائقة في التغير والتحول، لم يعد ممكنا تجاهل قيمة الفكر المستقبلي الرصين والمستمر.

إن الدراسات المستقبلية ليست ضرورية فقط لتتبع ورصد التحولات وتوقع مآلاتها وإنما هي تستجيب لحاجة ماسة إلى الانخراط في دينامية التحولات العالمية. ولذلك فالدول معنية بفهم “الزمن العالمي”[17] والانخراط فيه والمساهمة في إيقاعه، وذلك لا يكون إلا عبر الرصد المستقبلي، الذي يمكن من الإنصات إلى نبض المستقبل فالتاريخ العام للحضارات[18]، يفيدنا كيف سقطت دول وامبراطوريات لأنها لم تستطع مواكبة دينامية العالم المتغيرة، كما يخبرنا عن دول استطاعت النهوض من سباتها والالتحاق بالركب العالمي. والدول ذات التقاليد الاستشرافية هي في توجس دائم من المستقبل.

ولذلك يعتبر الباحث ميلز (Miles) “التنبؤ جزءا من التفسير الاجتماعي للمستقبل وهو اتجاه خاصة لصناعة التاريخ ولا ينفصل عن العملية الواسعة التغير”[19]. والرغبة الملحة في لعب دور رئيسي أو ثانوي في دينامية التحولات العالمية هي التي جعلت الدول تضع مخططات قصيرة أو طويلة الأمد؛ وتجدد في منظوراتها للتخطيط الاستراتيجي[20].

ومن المنطقي أن تكون الدراسات المستقبلية واقية للدول من تفادي آفة الاقصاء والاضمحلال من الساحة الدولية. إن الصراع الجيوسياسي والجيواقتصادي محتدم بين الدول، إذ تستعمل جميع الأساليب سواء كنت قانونية أو غير قانونية، أخلاقية أو غير أخلاقية. فالحرب الاقتصادية تغتال الأمم[21] وتزج بها في الأزمات بل تقضي عليها بالانهيار والفشل[22] والاضمحلال. ومن هنا تصبح رعاية الدولة للبحث المستقبلي امرا في غاية الخطورة، لأن مصير الدولة رهين بقدرة وكفاءة الباحثين على تحذير الدولة من المخاطر والتحديات التي يمكن أن تعصف بكيان الدولة.

ولم يعد التنبؤ أمرا سهلا في الزمن ما بعد الحديث المتسم بسيادة اللايقين والتعقد والفوضى والتدفق الهائل للمعلومات وتشابك الأحداث وترابطها. لذلك تلجأ الدول إلى تكوين أطر متخصصة في اليقظة الاستراتيجية[23] والتي يمكن المستقبليين من الحصول على المعلومات والمؤشرات التي تعتمد في بناء مشاهد مستقبلية تربية ومتوسطة. والرصد الاستراتيجي من شأنه التقاط مواطن الخطر أو الفرص، فعبر اعتماد تقنية الإشارات الخافتةFaibles Les signaux[24]، يمكن استشراف التحولات القادمة.

لقد تحدث آل غور في كتابه حول المستقبل، عن ستة محركات للتغير العالمي، وحددها فيما اصطلح عليه بـ “شركة الأرض” وهي نتاج العولمة الاقتصادية والتي تجعل العالم كيانا مترابطا. ثم اعتبر “العقل العالمي” كمحرك ثاني، ويراد به ذلك الترابط بين العالم على مستوى المعلومات والاتصالات وقواعد البيانات. ثم نبه إلى تحول ميزان القوى السياسية والاقتصادية العسكرية، يشكل مختلف عن القرون السابقة. واعتبر ظهور نمو سريع غير مستدام محركا آخر يساهم في خلخلة المنظومات. ثم ذكر محركا خامسا يكمن في الثورة التكنولوجية الجديدة والتي ستغير الكثير من الفهوم والتصورات وعلاقة البشر بذواتهم والعالم؛ وأخيرا بروز “علاقة جديدة جذريا بين القوة الاجتمالية للحضارة البشرية والنظم الايكولوجية للأرض، بما في ذلك على وجه الخصوص النظم الضعيفة الأكثر عرضة للضرر – وهي الغلاف الجوي والتوازن المناخي اللذان يعتمد عليهما استمرار ازدهار الجنس البشري – وبداية تحول عالمي هائل في الطاقة التي نمتلكها، والتقنيات الصناعية والزراعية والانشائية، من أجل إعادة تأسيس علاقة سليمة ومتوازنة بين الحضارة الإنسانية والمستقبل”[25].

ويعتقد ميشل كاكو، بأن التكنولوجيا قادرة في المستقبل القريب والمتوسط والبعيد، على حل أغلب مشاكل البشرية.

إن التفكير الواقعي في الوضع العالمي الحالي، يجعلنا جميعا امام مسؤولية ضخمة وكبيرة اتجاه الأجيال القادمة، ولذا فإن الدراسات المستقبلية، منوط بها التنبيه إلى حجم المخاطر التي يتسبب فيها الصراع المجنون وغير العقلاني على خيرات الأرض. إن الأجيال القادمة مرشحة لوراثة أرض خراب في المستقبل، إذا لم تكن هناك إدارة سياسية وأخلاقية في إعادة النظر في نمط السلوك السائد، والذي يتصف بالجشع والأنانية والبطش والفساد والرغبة اللامحدودة للاستهلاك والتلذذ وبدون اعتبار للمآلات.

ولذا فإن الفكر المستقبلي المتجرد من الدوغمائية السياسية والمصلحة الضيقة، مطالب بالتأكيد على المسؤولية الأخلاقية العالمية اتجاه الأجيال المستقبلية[26]. ويظهر بشكل جلي، لكل متتبع للتحولات العالمية على المستوى الجيوسياسي والاقتصادي والاجتماعي والديني والتكنولوجي، أن المصير البشري في خطر، وليس فقط وضع الأجيال.

إن هناك اتجاه متفائل[27] يرى بأن البشرية قادرة على الوصول إلى الرشد الحضاري الكافي لتصحيح أخطاء الماضي وبناء حضارة عالمية مبنية على التساكن والوئام. وهناك اتجاه متشائم يعتقد بأن الإنسانية تتجه نحو الكارثة الكبرى، التي ستنتج عن حرب نووية شاملة، أو وباء عالمي يفتك بالجميع أو مجاعة عالمية أو فوضى عارمة وغير ذلك من المشاهد المستقبلية المرعبة والتي تنتهي بانقراض الإنسان. وتساهم أفلام هوليود في صياغة فنية لهذه الهواجس العالمية[28].

وهناك اتجاه يمثله الفكر المابعد الانساني، المنبهر بالتكنولوجيا والذي يرى بأن الإنسان يجب أن يسلم بضرورة قدوم عصر التفرد، الذي يتحد فيه الإنسان مع الآلة، ويفسح المجال، لما بعد الإنسان “Posthuman”[29].

إن الدراسات المستقبلية تتحمل مهمة إرشاد البشرية إلى مستقبل أفضل، يشارك الجميع في صياغته، شرط الاتفاق على وجهة تضمن الحفاظ على الكرامة الإنسانية وصون الذات الإنسانية من الانقراض، إلى حين مجيء أمر الله، بنهاية العالم. والدراسات المستقبلية الغربية تتنازعها رؤى علمانية صرفة وإلحادية وأخرى دينية فالأولى لا تؤمن بفردوس سماوي وإنما بفردوس أرضي أو فردوس في كواكب أخرى، يرحل إليها الإنسان حينما تعجز الأرض على حمله. بينما الرؤى الدينية تؤمن بنهاية محتومة للعالم[30]، والانتقال إلى الفردوس السماوي.

وبالرغم من اختلاف منظورات المستقبليين في الغرب وخارجه، فهناك “إجماع واضح على أن المستقبل الذي يبزغ حاليا سيكون مختلفا للغاية عن أي شيء عرفناه في الماضي. وهو ليس اختلافا من حيث الكم وإنما من حيث النوع”. كما يقول آل غور[31] .

رابعا: وظائف وأهداف الدراسات المستقبلية
إن الدراسات المستقبلية تجسد “مرحلة من مراحل أعمال الفكر في شؤون المستقبل، ترسي أساسا لمراحل أخرى أقرب إلى التخطيط والتدبير”[1] ولذا فهي ليست ضربا من الترف الفكري، وإنما جهد حقيقي لتبين الاتجاهات الممكنة لمستقبل دولة أو قطاع معين، مما يقتضي التفكير في وضع سياسات عمومية تتواءم مع التغيرات القادمة.

ويبدو أن أهداف أو وظائف الدراسات المستقبلية، كامنة في الأهمية الاستراتيجية للاشتغال بالبحث في قضايا المستقبل. وقد حددناها في مواكبة التغير وفهم إيقاعات الزمن العالمي، وتفادي الاقصاء والمساهمة في الدينامية العالمية ومراعاة مصلحة الأجيال القادمة وتقدير المخاطر المهددة للحضارة الإنسانية برمتها.

وأهداف الدراسات المستقبلية تتباين وتختلف، باختلاف الرؤية الاستراتيجية لكل دولة وحجمها في العلاقات الدولية وتطلعاتها وهواجسها. فهناك دول تسعى للاستفراد بإدارة العالم وتطمح أن تظل هي المهيمنة والموجهة والمسيرة، ولذلك توظف الدراسات المستقبلية لتعبئة الموارد المادية وغير المادية لتحقيق استمرارية التفوق في المستقبل القريب والمتوسط والبعيد. فالهدف الأسمى هو الحفاظ على التفوق والاستفراد به، ويتفرع عنه هدف ثاني هو إعاقة الخصوم الأقوياء واستغلال الضعفاء واستعمارهم والتحالف مع الأصدقاء الداعمين، واعتبر الدكتور المهدي المنجرة، هذا النوع من الدراسات المستقبلية “مستقبلية الانتهاز” على المستوى الوطني و”مستقبلية الاحتكار” على المستوى الدولي”[2].

كما اعتبر ضياء الدين سردار أغلب الدراسات المستقبلية “عقيمة وتافهة.. فقد أصبحت.. استعمارية وفروع مستعبدة، لهذا فإنها بشكل عام لا معنى لها لدى الغالبية العظمى من الناس في العالم الثالث”[3].

وهناك دول أخرى تطمح إلى حجز مقعد في دائرة الدول القوية والموجهة للمسارات العالمية، تسخر الدراسات المستقبلية لاستكشاف مكامن القوة والضعف لدى الفاعلين في العلاقات الدولية، وفهم وإدراك المخاطر والفرص الممكنة في المستقبل والتي تعيق أو تخدم التوجه نحو دائرة القوة. وهذا النوع كذلك من الدراسات المستقبلية محكوم بهاجس القوة والسيطرة والتحكم.

وهناك دول لا تتوخى الوصول إلى دائرة القوة دوليا أو إقليميا وإنما الحفاظ على كينونتها في عالم مضطرب، وتفادي الابتلاع أو التلاشي، ويمكن اعتبار الدراسات المستقبلية التي تنجزها وقائية بامتياز وليست هجومية كما هو الحال لدى الدولة المتفوقة أو الدول التواقة للبقاء في دائرة القوة.

وهناك دراسات مستقبلية ليست خادمة لدول معينة، وتتوق إلى الانفلات من قبضة جيوسياسة القوة والاستحواذ، وتستهدف خدمة البشرية جمعاء وهذا النوع من الدراسات المستقبلية قليل. ولذلك أشار “ويندل بل” في كتابه أسس الدراسات المستقبلية إلى ” أن جمعا من المستقبليين قد ركزوا جهودهم على مستقبل أفضل للإنسانية كافة، وتحدثوا بأنه لا ينبغي أن يترك المستقبل لأولئك المستقبليين الاستثنائيين المحترفين مديروا الحرب الجدد الذين اشملت (مشاهدهم) في الاحتمالات على مئات من الحروب النووية حتى عام 2044″[4].

إن التفكير العالمي نحو مصير واحد، وبرؤية تشاركية هو مطلب مثالي ذلك أن أغلب الدول تخطط لمستقبل تكون فيه في أمان ولا تعتد بمستقبل الباقي، لكن المنطق السليم يقتضي النظر في المستقبل برؤية جماعية ولذلك يقول آل غور في كتابه (المستقبل: ستة محركات للتعبير العالمي): “بغض النظر عن الدولة التي نقيم فيها، ونحن كبشر نواجه الآن خيارين: إما أن تجتاحنا التيارات القوية للتغيير التكنولوجي والحتمية الاقتصادية وتجرفنا إلى مستقبل يمكن أن يهدد القيم الدفينة لدينا، وإما أن نبني القدرات التي تمكنا من صنع القرار الجماعي على نطاق عالمي، ما يسمح لنا، بتشكيل ذلك المستقبل بطرق تصون الكرامة البشرية وتعكس طموحات وتطلعات الأمم والشعوب”[5].

إن أهداف الدراسات المستقبلية، إما أن تكون أخلاقية أو غير أخلاقية؛ إما أن تكون استحواذية وانتهازية واستعمارية وانتهاكية وإما أن تكون خادمة لبقاء الإنسان وصون كرامته ومراعاة لمراد الله في خلقه.

ويعتبر ويندل بل من المستقبليين الذين حاولوا تحديد مهام الدراسات المستقبلية حيث أكد على أنها “اكتشاف أو ابتكار وفحص وتقييم واقتراح ومستقبلات ممكنة أو محتملة”[6]، كما ذكر تسعة مهام أساسية تتولى الدراسات المستقبلية تحقيقها وهي كالتالي[7]:

  • بذل الجهد الفكري والخيال في صياغة تصورات لمستقبلات ممكنة، حتى ولو لم يكن ممكنا تحقيقها، والغرض من ذلك انفساح مجال الخيارات البشرية.
  • دراسة مستقبلات محتملة Probable future.
  • دراسة صور المستقبل Images of the future .
  • دراسة الأسس المعرفية للدراسات المستقبلية.
  • دراسة الأسس الأخلاقية للدراسات المستقبلية
  • تفسير الماضي وتوجيه الحاضر.
  • اعتماد التكاملية المعرفية أو تضافر المعارف .
  • التشاركية في بناء وتصميم التوجهات المستقبلية.
  • اختيار تصور مستقبلي واعتماده والترويج له.

وتختزل أهداف الدراسات المستقبلية لدى (روى أمارا) في ستة وهي كالتالي”[8]:

  • تحديد وفحص الدراسات المستقبلات البديلة (…)
  • توصيف درجة عدم اليقين المصاحبة لكل احتمال أو مستقبل بديل.
  • تحديد المناطق الحاكمة التي تمثل إنذارات أو تحذيرات من مستقبلات معينة وذلك لأن دراسة المستقبل تهتم أساسا بالتعرف على العديد من المفاتيح الممكنة المتقدمة حول التغييرات المتطورة.
  • فحص مجموعة متنوعة من المتتاليات أو المترتبات.
  • اكتساب فهم للعملية الضمنية للتعبير لأن فهمنا هو غالبا ما يكون غير كاف لنواتج الاستشراف طويل المدى مع أي درجة من اليقين بسبب أهمية الأحداث غير المتوقعة والأحداث الطارئة أو العارضة.
  • شحذ معارفنا وفهمنا لأفضلياتنا”.

وعموما، فمهما تعددت الأهداف وتم الاختلاف بين الباحثين حول مهام الدراسات المستقبلية، فإن الهدف الأكبر، هو شحذ العقول لتصور مستقبل مرغوب فيه والتخطيط له بواقعية وبحنكة علمية وسياسية.

مدخل للدراسات المستقبلية
– نحو وعي بأهمية الممارسة الاستشرافية –
– 5 –

المبحث الثاني: تاريخ استشراف المستقبل

أولا: التنبؤ في الحضارات القديمة
لقد جبل الإنسان على التطلع إلى معرفة المستقبل، ولازمت هذه الرغبة تاريخ البشرية، فلا يمكن أن يوجد شعب أو تجمع بشري في حقبة تاريخية وليس لهم اهتمام بالمستقبل[1]. وتختلف بالطبع، الحضارات فيما بينها، في طبيعة هذه المعرفة، إذ يمكن أن تكون مجرد تطلع فطري وممارسات طقوسية مرتبطة بالحاجات الموسمية للقبيلة أو التجمع؛ بينما هناك حضارات عرفت ممارسة تنبؤية “علمية” تستند إلى قراءة وملاحظة ورصد، ومن ذلك ما عرف عن حضارة المايا[2] من شغف بعلم الفلك وكذلك الحضارة المصرية والبابلية وغير ذلك من الحضارات.

ويمكن تصنيف دوافع التطلع إلى الغيب والتهافت لمعرفته، إلى دوافع شخصية ودوافع سياسية. أما الشخصية فتكمن في رغبة الناس في إدراك ما سيكون عليهم مستقبلهم الشخصي، من زواج وتجارة وأبناء وغير ذلك؛ أما الدوافع السياسية[3]، فهي نزوح الملوك والحكام وقادة القبائل والتجمعات البشرية، لمعرفة الفرص الممكنة في المستقبل والمخاطر التي تهدد كيانهم والعدو الذي يتربص بهم ومدى نجاح أو فشل خططهم الحربية أو سياستهم للناس. وكلا الدوافع لازالت قائمة في الوقت المعاصر[4]، بالرغم من ادعاء العقلانية والتلويح بشعارات الخرافة والتخلف والشعوذة وغير ذلك – ذلك أن الممارسة اليومية، تبين الحاجة الملحة لمعرفة المستقبل بجميع الطرق الممكنة، وكلما اشتدت الأزمات العاطفية والشخصية أو السياسية، تتمظهر الرغبة الجامحة لاستباق مجريات الأمور.

ويبدو أن تاريخ البشرية القديم عرف نمطين من قراءة المستقبل، أحدهما مارسه الكهان باعتبارهم أوصياء على المعبد وآخر مارسه العرّاف والذي جمع بين وظيفة قراءة المستقبل والتطبيب. وهذا التصنيف ليس دقيق بالتمام إذ يمكن أن يجمع الكاهن بين وظيفة الكهانة والعرافة، كما يمكن أن يتحول العرّاف إلى كاهن، إذا تغيرت الظروف السياسية. كما تصنف ممارسة قارئي المستقبل ضمن خانة السحر، فإن كان أسودا فإنه يعاقب وإن كان أبيضا يسمح به وكما يقول “الياد مرسيا” إن السحر الأسود كان ممنوعا بموجب قانون الشرائع وكان المجرمون يعاقبون بالإعدام. وإنه لمن المؤكد أن بعض الممارسات الموغلة في القدم، كانت بصورة غير مباشرة تمتع بشهرة خارقة في الأوساط الشعبية، وعلى العكس، فإن السحر الأبيض كان مباحا ويمارس كثيرا كما يدل على ذلك العديد من النصوص المكتشفة حديثا، وهذا السحر كان يتضمن على الأخص شعائر تطهير وإبعاد المرض”[5]. ولاشك أن وظيفة التطهير والتمريض، تشمل الحاضر والمستقبل.

وقراءة المستقبل لدى الكاهن أو العرّاف، مرتبطة بمصدرين أو طريقتين، إما الاتصال أو الإلهام أو قراءة الرموز؛ فالطريقة الأولى “فطرية أو هبة” والثانية تحليل واستقراء[6].

والمقصود بالاتصال عند الكهنة، هو ذلك التلقي عن الشياطين والجن، التي تحمل إليهم الأخبار المستقاة من السماء، وفيها ما هو صحيح وما هو كاذب. ومن المعلوم أن ذلك قد حاربته الديانات السماوية التوحيدية وقد قال الله سبحانه: ﴿وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم﴾ أما الطريقة الثانية والتي تعتمد على الاستقراء والاستنباط، فكانت تعتمد وساءل متعددة ومن ذلك التنجيم والفراسة والقيافة والعيافة والطَّرْقْ والخط والتطيّر والفأل وضرب القِدَاحْ [7]وغير ذلك.

والملاحظ أن الحضارات القديمة مارست هذه الطرق واعتمدتها كوسائل لاستشراف المستقبل، وكذلك معرفة ما خفي من الماضي والحاضر. ويشير أحد الباحثين إلى وجود قابلية لدى عديد من شعوب الحضارات القديمة لممارسة وفهم وإدراك المغيبات، وهاته الحضارات القديمة محصورة في مجتمع دون آخر، بل كانت كل المجتمعات تتوفر على كهانها وعرافيها وممارسي التنبؤ بالمستقبل[8].

والمؤرخين المهتمين بالتنبؤ في المجتمعات القديمة، يعتمدون على النصوص والحفريات المتوفرة لديهم، ومن أقدمها ما بقي من العهد البابلي؛ حيث أبرزت بعض تقنيات استشراف المستقبل ومن ذلك قراءة أحشاء القرابين المقدمة في المعبد، لمعرفة المستقبل (Extispicine) وكذلك قراءة مواقع النجوم “ومن الشواهد التاريخية عن التنجيم عند العراقيين القدماء ما جاء في (لوح فينوس) الذي يعود تاريخه إلى العصر البابلي القديم، عثر عليه في مكتبة آشور بانيپال، كتب بأسلوب منتظم ضمن الفؤول المأخوذة من حركة فينوس. وانتقل علم التنجيم من وادي الرافدين إلى سائر البلدان، ففي مصر القديمة ذكر أن فرعون كان يقتل أبناء بني اسرائيل لأخبار المنجمين إياه بأنه سيولد لهم مولد سيكون هلاكه على يده. فضلا عن العراقيين والمصريين القدماء فقد عرف التنجيم اليونان والرومان والهند والفرس”[9].

واستعمل التنجيم لمعرفة الوقت المناسب للسفر والغزو والزواج والانجاب والتحالف وقضاء جميع الأغراض الشخصية أو العامة. والتنجيم كما هو معلوم، يتأسس على معتقد فاسد، مؤداه أن مواقع النجوم وحركيتها لها تأثير على المصير الإنساني، بل مصير الكرة الأرضية، حيث ذهب كهان ومنجمي حضارة المايا إلى التنبؤ بنهاية العالم سنة 2012[10] بناءا على تقويم معتمد لديهم وحسابات فلكية؛ ولا يخفى على كل لبيب ما لذلك من تداعيات على مجريات الأمور، وإفساد لعقول الناس وتوهيمهم بمعرفة توقيت نهاية الدنيا، الشيء الذي اختص به الحق سبحانه.

والتنجيم[11] عمل به في جل الحضارات، حيث “برع الاشوريون عن طريق ملاحظة الكواكب والأجرام السماوية وأخذ الكلدانيون هذا العلم عنهم وواصلوا قراءة صفحات السماء وأقاموا على ذلك علما يمكنهم من التنبؤ بحظوظ الناس ومعرفة مصايرهم وكان للقدماء المصريين نصيب، أما الاغريق فقد كانوا لا يقدمون على أمر من الأمور إلا بعد استشارة والتماس النصح من “الآلهة” والكهنة المدعمين لمعرفة الغيب وكان علم الكهانة شائعا في الجاهلية عند العرب وكان من الكهان شق بن أنمار وسطيح بن مازن وطريفة الكاهنة وزبراء وغيرهم”[12].

ولقد مارس الكهان في جميع الحضارات، كل الطرق والوسائل المعتمدة في استقراء وادعاء معرفة المستقبل؛ فيما تبرم الفلاسفة من طرق الكهان، مثل العيافة ومراقبة الطيور، حيث أشار إلى ذلك شيشرون[13] نقلا عن أرسطو.

ويمكن القول بأن التكهن بالمستقبل والتنبؤ به، تباين بتباين الممارسين، فالمنجمين حاولوا الاستناد إلى قراءات حسابية، كما طور البعض علم الأرقام والحروف وغير ذلك من الوسائل الرياضية[14]، بينما التجأ البعض إلى طرق حدسية مثل قراءة حركة الطير وحركة دخان القرابين وغير ذلك. ولجأ البعض إلى التوسم أو علم الفراسة، وإن كان لذلك شق نوراني، حيث يؤتى المسلم فراسة ثاقبة، كما هناك شق غير رباني. وهناك جانب من الفراسة، يهتم ليس بالمستقبل، وإنما فهم وإدراك طبائع الناس وأخلاقهم من خلال التوسم في وجوههم وأعضاء جسمهم.

ويقول جورجي زيدان: “أما العرب فقد كانوا في الجاهلية يعتقدون أشياء تعد من قبيل الفراسة كالقيافة والريافة والعيافة. وكانت القيافة عندهم صناعة يستدل بها على معرفة أحوال الإنسان يسمونها قيافة البشر لأن صاحبها ينظر إلى بشرات الناس وجلودهم وما يتبع ذلك من هيئات الأعضاء وخصوصا الأقدم ويستدل بتلك الأحوال على الإنسان والريافة عبارة عن تعريف الرائف للماء المستجن في الأرض أقريب هو أم بعيد يشم رائحة ترابها ورؤية نباتها وحيوانها ومراقبة حركاتها. والعيافة تتبع أثار الأقدام والأخفاف والحوافر في الطرق التي تتشكل بشكل القدم التي تقع عليها. ومن ذلك علم “الاختلاج” وهو الاستدلال على ما سيقع للإنسان من النظر إلى اختلاج أعضائه من الرأس إلى القدم”[15].

إن الممارسات التنبؤية وإرهاصاتها في الحضارات القديمة اختلطت بمعتقدات متعددة ومتباينة[16]، وكان الهاجس الأساس، هو اتقاء تقلبات الزمن والاستعداد لمواجهة مخاطر الطبيعة ومخاطر البشر المتربص، ولذلك كان الكهان والعرافة في خدمة الخاصة[17] والعامة. ويلاحظ كذلك أن التنبؤ بطرقه المتعددة، ساهم في إرساء معالم ومضامين “علمية”، فالتنجيم حين تم فصله عن الاعتقادات الخاطئة، تطور إلى اهتمام علمي بالفلك ومعرفته بالنجوم والكسوف والخسوف، لأغراض معرفية محضة ولوظائف أساسية، من زرع وري وتقدير للأوقات.

إن الممارسات التكهنية لازالت في وقتنا الحاضر مستمرة إما في شكل تقليدي، كما هو الحال في بعض المجتمعات الافريقية[18] والآسيوية، التي لازالت محافظة على تقاليدها “التكهنية” أو عن طريق الممارسة الحديثة التي تتستر وراء “العلمية”، لذلك يعتبر أحد الباحثين[19] أن الممارسة الاستشرافية المعاصرة من طرف الحكومات المتقدمة، هي استمرار لتقاليد قديمة بلغة جديدة.

المبحث الثاني: تاريخ استشراف المستقبل
ثانيا: استشراف المستقبل في الفكر الديني
إن المستقبل بدلالته الواسعة والتي تتضمن البعد الدنيوي والأخروي، حاضر بشكل قوي في الخطاب الديني اليهودي والمسيحي والإسلامي؛ سواء في التوراة أو الإنجيل أو القرآن، أو في كتابات فقهاء الأديان السماوية والمفكرين[1].

ويمكن تفسير هذا الحضور القوي لمفهوم المستقبل[2] بالدور الذي قام به الأنبياء والمتمثل في الإشارة إلى الغد والآخرة والمعاد والموت والحشر والنشر والنعيم والعذاب والجنة والنار وغير ذلك من المغيبات المرتبطة بالعالم الآخر، وهي إشارات تتوخى إنهاض النفوس للإقبال على الله، توحيدا وطاعة وعبادة؛ وكذلك تحذير الناس من آفات إنكار وجود الله والجحود والعزوف عن الامتثال للأنبياء.

ويندرج إعلام الأنبياء الناس بأمور مستقبلية دنيوية، ضمن مقصد ترسيخ اليقين برسالاتهم وهكذا فأخبار المستقبل الدنيوي داعمة للإيمان، ومثبتة للقلوب وحاملة للناس على الاعتبار بالمآلات.

إن الحديث عن المستقبل في الكتب المنزلة (التوراة والإنجيل والقرآن الكريم) يتضمن بعدا أخرويا وآخر دنيوي[3]. فأما الأخروي فيشتمل على وصف نهاية العالم أي القيامة ثم لقاء الله، وأهوال الآخرة ونعيمها، وهي أشياء تتجاوز حدود العقل البشري، ولا ينفع معها سوى التسليم والإيمان؛ واستعراض ذلك يندرج ضمن الترغيب والترهيب. أما الحديث حول المستقبل في الدنيا، فيشمل مستقبل الكيانات (امبراطوريات ودول وقبائل وتجمعات بشرية) ومستقبل الأفراد من فقر وغنى ومرض ورضا الله وغضبه.

إن حديث الأنبياء عليهم السلام عن المستقبل، هو وحي من الله، وغاية ذلك الرحمة والهداية والمنفعة الأخروية والدنيوية، حيث قال الله تعالى: ﴿قال تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه في سنبله، إلا قليلا مما تأكلون ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصنون﴾ (سورة يوسف، الآية: 47 – 48). فسيدنا يوسف عليه السلام، أخبر الناس بمستقبل عصيب، ودلهم على وسيلة اتقاء المجاعة والهلاك.

كما حذر نبي الله صالح قومه وأخبرهم بأن قتل الناقة فيه عصيان الله، فعصوه، فدمدم عليهم ربهم بعذاب عظيم. كما أشار القرآن الكريم إلى أن الإيمان يؤدي إلى الفلاح الدنيوي والأخروي، فالإيمان له تأثير على الوضع المستقبلي للأفراد والجماعات، حيث قال الله تعالى: ﴿ولو أن أهل الكتاب ءامنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم ولأدخلناهم جنات النعيم﴾ (سورة المائدة، الآية: 65). كما قال تعالى: ﴿ولو أن أهل القرى ءامنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخدناهم بما كانوا يكسبون﴾ (سورة الاعراف، الآية: 96).

كما نبه القرآن الكريم إلى تداعيات الشحناء على مستقبل الجماعة المؤمنة ﴿وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين﴾ (سورة الأنفال، الآية: 46).

كما أكد القرآن الكريم على كون مستقبل المجتمع مرتبط بتغير أحوال الناس ﴿إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له ومالهم من دونه من وال﴾ (سورة الرعد، الآية: 11).

كما أخبر الله نبيه عليه الصلاة والسلام بمستقبل الروم في حربها مع الفرس ﴿ألم، غلبت الروم، في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون، في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون، بنصر الله ينصر الله من يشاء وهو العزيز الرحيم﴾ (سورة الروم، الآية: 1 – 5).

كما أشار القرآن الكريم إلى كون صلاح مجتمع ما ضمانة له من العذاب والأزمات: ﴿وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون﴾ (سورة هود، الاية: 117).

وبشر الله تعالى عباده بالتمكين في الأرض ﴿ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون﴾ (سورة الأنبياء، الآية: 105).

ويبدو أن الزبور وباقي الكتب السماوية تتضمن البشائر وكذلك التحذيرات من عواقب عدم الإيمان، وعدم احترام السنن الإلهية. فلا يخلو كتاب من الكتب السماوية من التبشير والتحذير ومن الترغيب والترهيب ومن الحديث عن المستقبل الدنيوي والمستقبل الأخروي ومن مستقبل الأفراد ومستقبل الجماعات والحضارات[4].

إن التحريف الذي طرأ على التوراة[5]، مكن رجال الدين اليهود من استثمار النص التراثي حسب أهوائهم وبالتالي فإن ما تضمنته التوراة من نبوءات فيه الصحيح وغير الصحيح، بل ساهم الفكر الديني اليهودي في تأويل نبوءات التوراة، واختلاق نبوءات تبشر اليهود بالاستيلاء على العالم وليس فقط الشرق الأوسط[6].

ويقول أحد الباحثين “(…) وما هذه الآراء سوى تأكيد للرأي القائل بأن تحريف الكتب السماوية وتشويه نصوصها أدى بالأصوليين المسيحيين واليهود على حد السواء إلى الذهاب لأبعد حد ممكن لتحقيق نبوءات ليست أصلا من الكتاب المقدس في شيء. ويشهد على ذلك الدكتور ج. كالفن. كين، الرئيس السابق لقسم الدراسات الدينية في جامعة سانت لورنس في نيويورك إذ يقول: “إن النصوص الكتابية التي ترد فيها هذه النبوءات المفترضة قليلة جدا، كما أن نظرة فاحصة لها تدل على أنها إما غامضة جدا في دلالاتها وبالتالي غير مقنعة، أو أنها نبوءات لأحداث وقعت بالفعل بعد كتابتها بوقت قصير، أو أنها انتزعت من سياقها وأعطيت دلالات ليست واردة أبدا في ذلك السياق” وهذا بالضبط هو ما نراه في مواعظ وكتابات الأصوليين الأمريكيين من مسيحيين ويهوديين يلوحون بالكتاب المقدس ويرددون هذه النصوص النبوئية على مسامع الملايين من المؤمنين الذين لا يتسنى لهم التحقق من صحتها أو دقة تفسيرها. يصف الفيلسوف الفرنسي روجيه غارودي هذا السلوك بـ “هرطقة تشكلت من القراءة الحرفية الاصطناعية لكلام منزل، بهدف جعل الدين أداة للسياسة، بإضفاء القدسية عليها… إنه مرض مميت يصيب نهاية القرن، وهو ما عرّفتُه سابقا باسم الأصولية”[7].

إن الكتب السماوية بريئة من أي قراءة متحيزة لفئة معينة تدعي لنفسها الحق بإبادة الناس والشعوب لتحقيق نبؤات ما. ولذلك فإن الفكر الديني يستثمر مفاهيم المستقبل المتضمنة في الكتب السماوية لبناء مشروعيات سياسية، تضفي القداسة على جيوسياسة الاستحواذ والنهب والاستعلاء على الخلق.

ومن النبؤات المشهورة في التاريخ المعاصر، سفر الرؤيا الذي أثر بشكل عميق على الفكر الغربي. وهناك اختلاف حول صاحب هذا السفر، هل هو يوحنا صاحب المسيح عليه السلام أم شخص آخر؟ كما تباينت مواقف الكنائس المسيحية من نص “سفر الرؤيا”، حيث انقسم رجال الدين حول ضم هذا السفر إلى الكتابات المقدسة المسيحية.

كما هناك اختلاف كبير بين رجال الدين في الكنيسة في قراءة نص سفر الرؤيا، فهناك من يتجه إلى القراءة الحرفية وهناك من يأخذ بالقراءة المجازية. وقد كان أوغسطين (354 – 430م) “بحث قراء سفر الرؤيا وسامعيه على النظر إلى المعركة بين الرب والشيطان والتي يصورها السفر بصورة متقدة كمجاز لـ “الصراع الأخلاقي داخل كل إنسان وفي الكنيسة بعامة” وكان يؤكد أن كل من يفعل غير ذلك فهو ينصاع “لأوهام هزلية”[8].

ويقول الباحث جوناثان كيرش: “إلا أن موقف أوغسطين المتشدد والصارم من سفر الرؤيا لم يفلح تماما في إطفاء النيران التي قصد النص إضرامها في قلوب وعقول قرائه وسامعيه. فسحر بيان السفر لا يقاوم كما قصد يوحنا بالتأكيد. فكان سفر الرؤيا بالنسبة لمن اضطروا للتعامل مع ضغوط الحياة اليومية في عالم العصور الوسطى يمثل الوعد بأن الوباء والجوع والمرض سيعقبه الانتقام من الأعداء على الأرض وثواب الحياة الأبدية في مملكة سماوية وليس في يوم من الأيام، بل قريبا”[9].

ورغم خروج أوروبا من عصر الانحطاط، فلم يتخلص إلى حد اليوم الفكر الغربي من تأثير سفر يوحنا، لم يتخلص المواطن المتدين من جاذبية النص، فسفر يوحنا لازال مساهما في نسج الخيالات والأوهام والطموحات السياسية. ويشير كيرش إلى أن نص سفر يوحنا مادة دسمة لتدعيم أنصار نظرية المؤامرة، فتأويل النص يجعلهم يفسرون كل التحولات العالمية من خلال مفردات ومقولات سفر الرؤيا و”من ثم فكل ظاهرة جديدة غير مألوفة في أمريكا ما بعد الحرب كان المتدينون الرؤيويون يرون فيها تجليا آخر للمؤامرة الشيطانية نفسها. فالثورة التقنية، مثلا والتي أدخلت الحواسب في شتى مناحي الحياة الأمريكية أوحت لبعض قراء سفر الرؤيا أن يروا في أرقام بطاقات الائتمان والأرقام الكودية لتحديد أثمان السلع “وسم الوحش” وكما يقول مؤلف سفر الرؤيا: “لا يقدر أحد أن يشتري أو يبيع إلا من له السمة أو الرسم الوحش أو عدد السمه”. بل إن قلة من الرؤيويين أن عدو المسيح سيكون حاسبا آلياً”[10].

إن تأويل “مفردات المستقبل” والتنبؤات في النص الديني، لازال متوهجا، وخطورة ذلك هو الزج بالعالم في صراعات وتطاحنات. ويتعين إشاعة وعي إيجابي بالمستقبل، فسيد المرسلين عليه الصلاة والسلام يوصي “إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليفعل” حديث رواه البخاري في الأدب المفرد والإمام أحمد بن حنبل في مسنده.
.

المبحث الثاني: تاريخ استشراف المستقبل
ثالثا: استشراف المستقبل في أدبيات الخيال العلمي
لقد ساهم الدين ولازال في استنفار العقول للتفكير في المستقبل بأبعاده المتعددة، كما ان العلم بهواجسه وتطلعاته، استفز المفكرين للبحث عن حلول آنية ومستقبلية لقضايا علمية وعملية.

ويعتبر الخيال أساس الإبداع، بحيث يحلق بصاحبه في عوالم متعددة وغريبة ومتجاوزة لحدود المألوف والمعقول. ولا يمكن أن يكون هناك إبداع فكري في مجال الدراسات المستقبلية[1] بدون إعمال الخيال حتى ولو كان في غاية الجموح. ذلك أن تصور المشاهد المستقبلية غير المفكر فيها والمنسية والعجيبة، لا يتحقق بدون قدرة تخيلية هائلة ومبتكرة.

وساهمت أدبيات الخيال العلمي إلى حد بعيد في تطوير الاهتمام بشؤون المستقبل، ذلك أن الثورة العلمية فتحت آفاقا جديدة ورحبة وكذلك مخاوف كثيرة، ومن ضمنها الخوف من حرب نووية شاملة أو انتشار أمراض فتاكة بسبب التلاعب الجيني أو حدوث انقلاب على العنصر البشري، تقوده الآلات الذكية.

إن أدبيات الخيال العلمي، قد فتحت نوافذ جديدة وطريفة مطلة على المستقبل الممكن وغير الممكن. ويراد بالخيال العلمي (Science-fiction)[2] ذلك النوع الأدبي الذي يرتكز في مادته الإبداعية على واقع ومستقبل العنصر البشري في زمن مستقبلي قريب أو بعيد، وارتباط ذلك بالتحولات العلمية والتكنولوجية.

فأدب الخيال العلمي هو استكشاف أدبي لمسارات المستقبل والتي يؤثر فيها العلم بشكل جلي وحتمي. كما أن الخيال العلمي محاولة لصياغة حلول “خيالية” لمشاكل علمية مستعصية، مثل إشكالية السفر في الزمن؛ والانتقال من مجرة إلى مجرات أخرى بسرعة تفوق سرعة الضوء؛ أو الانتقال في العوالم المتوازية أو تمكين الإنسان الآلي من الوعي والحلم والعواطف.

وتقول الباحثة جميلة بورحلة: “استخدم البحث منذ بداية مصطلح “أدب الخيال العلمي” بوصفه مقابلا للمصطلح الأجنبي: (La littérature de la science-fiction)، الذي يعد الأكثر شهرة والأكثر استخداما وخصوصا بعد أن أعطى هوجو جرنسباك مصطلحا مبدئيا للنصوص المنشورة في المجلة الأولى من نوعها الخاصة بهذا الجنس، والتي انتشئت سنة (1926) بعنوان “قصص مذهلة” (Amazing stories) ثم سرعان ما حوّل هذا الناشر مصطلحه الأول (Scientifiction) إلى مصطلح آخر (Science-fiction) إذ أنه سنة 1929، أسس مجلتين أخريين خاصتين بدورهما بأدب النوع هما: “قصص عجائب العلم” (Science Wonder Stories) و”قصص عجائب الهواء” (Air Wonder stories) اللتان أدمجهما فيها بعد تحت تسمية “قصص العجائب” (Wonder stories) وفي أول عدد من مجلة “قصص عجائب العلم” الصادر في جوان سنة 1929) وصف ما سينشره فيها على أنه “أدب خيال علمي”. وعندما بلغ تأثير مدّ أدب الخيال العلمي الأمريكي في عصره الذهبي القارة الأوروبية، حوالي سنة (1950م) لزم الفرنسيين، والأوروبيين عامة، استعمال المصطلح القادم من الولايات المتحدة الأمريكية (science-fiction) من أجل تلقيبه. فالأوروبيون وجدوه مصطلحا مناسبا لتسمية نتاجهم في أدب النوع انطلاقا من ذلك العام، وحتى تسمية النصوص الأدبية الخيالية العلمية السابقة للمصطلح، والتي تشغل الحيز الزمني القائم أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين (ومنها نصوص فيرن وويلز (Herbert George Wells)، أي قبل أن يتوجه وجهة أمريكية، حوالي (1925)، فيبلغ فيها مبلغ القوة والازدهار”[3].

وقد أطلق على الخيال العلمي تسميات متعددة ومن ذلك مصطلح “استباق علمي” (Anticipation Scientifique) ومصطلح “دعابة علمية” (Humour scientifique) ومصطلح “علم مروي” (science romancée) ومصطلح “الآداب الحدسية” (les litteratures Conjecturales) وهو مصطلح واسع يتضمن أجناسا أخرى مثل اليوتوبيا والرحلات العجيبة. كما أطلق المفكر المستقبلي جاك بيرجي على الخيال العلمي، مصطلح الآداب المختلفة (littératures différentes)، ذلك ان الخيال العلمي يختلف عن الأدب المعروف، من حيث الموضوع والإطار الزمني الذي تنم فيه القصة. كما صاغ دامون نايت مصطلح الخيال التأملي أو الافتراضي” (Fiction Spéculative) وأطلق جيرارد كلاين (Gérard Klein) على الخيال العلمي مصطلح “اليوتوبيا الحديثة” (Utopie moderne)[4].

وعموما يعتبر البعض بأن “أدب الخيال العلمي هو الفرع من الأدب الذي يتعامل مع تأثير التغيير على الناس في عالم الواقع، ويستطيع أن يعطي فكرة صحيحة عن الماضي والمستقبل، والأماكن القاصية. وغالبا ما يشمل أمورا ذات أهمية أعظم من الفرد أو المجتمع المحلي، وفي أغلب الأحوال تكون فيه الحضارة أو الجنس نفسه معرضا للخطر”[5].

ومن المصطلحات التي أطلقت على الخيال العلمي كذلك مصطلح الرواية المستقبلية[6]، لأن مجال اشتغال أدب الخيال العلمي هو المستقبل وشكل الحياة التي ستكون في المستقبل المتوسط أو القريب. وبالتالي فالرواية المستقبلية هي استكشاف لمآلات الفعل الإنساني في المستقبل في كافة المجالات ومن ضمنها العلم الذي يعتبر عند كتاب الخيال العلمي أساس التغيير والتحول في المستقبل. ولذا فإن الرواية المستقبلية هي نوع من تخييل المشاهد المستقبلية الممكنة والمستبعدة و”المستحيلة”. وهنا تكمن أهمية الخيال العلمي أو الرواية المستقبلية في تطوير مجال الدراسات المستقبلية.

إن الأعمال الأولى في مجال الخيال العلمي أو الرواية المستقبلية ترتبط بإبداع كل من الفرنسي جول فيرن (jules Verne) (ت 1905م) والانجليزي (هربرت جورج ويلز) (ت1946م). وأعمالهما رائدة في الخيال العلمي ومؤسسة لهذا التيار الأدبي.

وقد كتب جول فيرن مجموعة من الروايات[7] ومن بينها رحلة من الأرض إلى القمر وحول العالم في ثمانين يوما، وعشرون ألف فرسخ تحت الماء، وخمسة أسابيع في منطاد ورواية لم تنشر إلا في 1994 وهي باريس في القرن والعشرين. وقد تنبأ فرن في روايته من الأرض إلى القمر، بإمكانية وصول الإنسان إلى القمر؛ وللمؤلف عدة روايات في مجال الخيال العلمي؛ حيث تميز بغزارة الإنتاج.

أما الكاتب الانجليزي هربرت جورج ويلز، فقد ألف[8] رواية آلة الزمن (The Time Machine) وحرب العوالم وجزيرة الدكتور مرور والرجل الخفي وفي هذه الرواية حذر العالم من خطورة التطور العلمي الذي يفتقر إلى البعد الأخلاقي والإنساني.

كما ألف الكاتب مجموعة من الأعمال الفكرية التي حاول أن يتوقع فيها مستقبل البشرية، وقد غلبت عليه النزعة التشاؤمية لما رصده من تحول نحو الديكتاتورية[9].

ويعتبر كذلك هوجو جرنسباك[10] من أدباء الخيال العلمي وان لم يبلغ شهرة جول فيرن، فقد ألف رواية رالف 124 س 44+ (Ralph 124 c 44+) سنة 1911. وظهر كتاب آخرون لهم شهرة دولية مثل راي برادبوري (Ray Bradbury) وبيير بول (Pierre Boulle) ونورمان سبينراد (Norman Spinrad) وإسحاق أسيموف (Isaac Asimov) وجون فارلي (J. Varley) وكيرت فونجوت (Kurt Vonnegut) ومايكل كرايتون (Michael Crichton) وغيرهم[11].

وهناك كتاب الخيال العلمي في العالم العربي مثل طالب عمران[12] وأحمد خالد توفيف وعز الدين عيسى ومصطفى محمود ورؤوف وصفي ونهاد شريف وصبري موسى وغيرهم.

ويبدو أن الرواية المستقبلية تحظى اليوم بالكثير من الاهتمام، بحيث تجذب اهتمام المنتجين في هوليود. وقد أنتجت أفلام كثيرة ذات التوجه المستقبلي. ومن ذلك روايات جول فيرن وغيره. ومن المعلوم أن أفلام الخيال العلمي تجني أرباحا هائلة ومن ذلك سلسلة أفلام حرب النجوم وماتريكسMatrixs[13] .

إن الرواية المستقبلية لها دور كبير في تنبيه صناع السياسة إلى الرهانات والتحديات المستقبلية والكوارث البيئية والطبيعية الناتجة عن التوظيف السيء للتكنولوجيا. ولذلك فإن الانتاج السينمائي يقرب للمشاهدين الصور والمشاهد المستقبلية للحضارة الإنسانية المتجهة نحو مزيد من الرفاه والتقدم وذلك بنبرة تفاؤلية أو نحو الدمار والولوج إلى عالم كارثي تنعدم فيه الإنسانية والديموقراطية والأخلاق وذلك ما تحاول تصويره الروايات المستقبلية المتناولة لقضايا التلاعب الجيني والاستنساخ وتحول الآلات إلى كائنات متحكمة في المصير البشري. ولذلك تعرف الرواية المستقبلية ” بأنها ذلك الفرع من الأدب الروائي الذي يعالج بطريقة خيالية استجابة الإنسان لكل تقدم في العلوم والتكنولوجيا. ويعتبر هذا النوع ضربا من قصص المغامرات، إلا أن أحداثه تدور عادة في المستقبل البعيد أو على كواكب غير كوكب الأرض، وفيه تجسيد لتأملات الإنسان في احتمالات وجود حياة أخرى في الأجرام السماوية، كما يصور ما يمكن أن يتوقع من أساليب حياة على وجه كوكبنا هذا بعد تقدم بالغ في مستوى العلوم والتكنولوجيا ولهذا النوع من الأدب القدرة على أن يكون قناعا للهجاء السياسي من ناحية وللتأمل في أسرار الحياة والإلهيات من ناحية أخرى”[14].

إن الرواية المستقبلية ليست مجرد جموح لخيال مبدع، بل هي إدانة أخلاقية كذلك للتخطيط المستقبلي الذي لا يراعي الضوابط الأخلاقية للتعايش الإنساني، فالاستشراف الحضاري يقتضي توقع مآلات الوجود الإنساني، ذلك أن الفكر الما بعد الإنساني Post humanisme يسعى إلى إقناع العالم بضرورة الانتقال من طور الإنسانية إلى ما بعد الإنسانية وإفساح المجال لكائن هجين ليحل محل الإنسان؛ ولذا فإن الرواية المستقبلية الجادة يمكن أن تساهم في التقليل من النزعة الانبهارية المفرطة بالعلم والتكنولوجيا، بل نقد الدوغمائية المابعد الإنسانية التي أصبحت تعتقد بكون التكنولوجيا قادرة على تمكين الإنسان من تحقيق “الخلود الأرضي”[15].


المبحث الثاني: تاريخ استشراف المستقبل
رابعا: تأسيس الدراسات المستقبلية الحديثة
إن تأسيس الدراسات المستقبلية الحديثة لم يتم حتما من فراغ وإنما هو نتيجة لتضافر مجموعة من العوامل والأسباب والتحولات المعرفية والفلسفية والسياسية والاجتماعية والتكنولوجية. فالاهتمام بالمستقبل كما هو معلوم، كان ممارسة قديمة[1]، ارتبطت بظهور الجماعات البشرية وتكون القبائل والامبراطوريات. وكان استشراف المستقبل مسألة ضرورية لاستمرار هذه الكيانات الاجتماعية والسياسية. ذلك أن هواجس الخوف من التحولات الجارفة التي من شأنها تغيير الأنظمة وإزاحة السلالات الجاثمة أو المسيطرة على أراضي من عدد غير مرتقب، كان كل ذلك دافعا للاشتغال بمعرفة المستقبل بجميع الطرق والكيفيات والأساليب التي دونت في كتب التاريخ ومنها القيافة والعيافة والتنجيم أو بصفة عامة القدرة والكفاءة على قراءة الرموز واستنباط مؤشرات معينة للتحول[2].

ولقد ساهم فيما بعد التفكير الفلسفي[3] في تعميق النظر في مفهوم الزمن وحركية التاريخ وقراءة القوانين المتحكمة في تغيير أحوال الأمم كما هو الحال في الفكر الخلدوني الذي ساهم في تأسيس علم الاجتماع وكذلك فلسفة التاريخ. وبالطبع فإن فلسفة التاريخ في الغرب، كانت لها مساهمة كبيرة في وضع الأسس الأولى لاختمار الفكر المستقبلي. كما ساهم الفكر المثالي الحالم بمدينة فاضلة أو مثالية في توجيه النظر إلى التخطيط لمستقبل أفضل.

ويعتبر قسطنطين زريق في كتابه نحن والمستقبل، المدن الفاضلة بمثابة “تصور تداخله الرؤيا المستقبلية، إذ أن الغاية منه حث الناس على اكتساب ما أمكن من صفات المجتمعات المثالية المتخيلة وبالتالي على السعي المستقبلي فكرا وعملا”[4].

وقد كتبت مجموعة من الكتب الحاملة لتصورات مثالية للمدينة الفاضلة، ومن ذلك جمهورية أفلاطون، التي حاول فيها الفيلسوف أفلاطون استخلاص الدروس من النزاعات وهزيمة أثينا. فجمهورية أفلاطون ليست مجرد تفكير طوباوي ولكن كذلك وضع تصور بديل للوضع القائم آنذاك؛ فهي تخيل لمجتمع مثالي متجاوز للمشاكل المطروحة آنذاك.

ويعتبر كتاب “آراء أهل المدينة الفاضلة” لأبي نصر الفارابي، كذلك تصور لمجتمع إسلامي بديل قائم على العدل والمساواة وحسن التدبير والحكمة.

وكتب توماس مور “مدينته الفاضلة” وابتكر كلمة Utopia اليوتوبيا وتأثر به مجموعة من الكتاب وكما يقول زريق فقد أصبح كتابه “أصلا ونموذجا لمحاولات كثيرة تصورا لمجتمع الإنساني الذي يسوده الخير والسعادة والكمال”[5].

وألفت بعد المدينة الفاضلة لتوماس مور، كتابات أخرى أهمها “(مدينة الشمس) لتوماس كامبا نيلا) و(مدينة المسيحيين) لفالنتين أندريا و(أطلنطا الجديدة) لفرانسيس بيكون و(قانون الحرية) لجيرارد وتستلي[6]. وقد استمر التأليف في هذا المنحى طوال القرن الثامن عشر والتاسع عشر، حتى ظهرت الشيوعية.

وظهرت بعد ذلك حركة فكرية مناهضة لتيار المدينة الفاضلة، إذ برز أدب جديد يعنى بتخيل وتصور المدن الفاسدة (Anti-Utopian)[7] و”كان تعبيرا نقديا للمدن الفاضلة، أو أنه نتج عن التشاؤم وضعف الإيمان بتحقق مدن فاضلة، وأول تأليف في المدن الفاسدة كان رواية (نحن We) ليوجين زاميانتين (Eugene Zamiatin) (ت 1937م)، كتبها في روسيا بعد ثلاث سنوات من الثورة السوفيتية، يصف فيها مستقبلا لعالم ليس فيه سوى دولة كبرى واحدة هي الولايات المتحدة الأمريكية قد وفرت للناس الاستقرار والكمال والسعادة. ثم يبين المداخل التي تنافي هذه السعادة وتضادها، وسعي الناس لتغيير هذه الحياة التي كرهوها. وهذه الرواية كانت بداية لكتابات أخرى في “المدينة الفاسدة”[8].

إن التفكير المثالي والخيالي يمهد بشكل حاسم لظهور الكتابات الجادة أو العلمية في الدراسات المستقبلية ولذا يعتبر كتاب توماس روبرت مالتوس (ت 1843م)، “مقال في النمو السكاني” سنة 1898م والذي استشرف فيه الأوضاع البشرية بسبب النمو السكاني السريع. كما كتب على نهج مالتوس، الكاتب الانجليزي وليام فوكت Vogt كتابه “الطريق للبقاء” (Road to Survival) سنة 1946 وتنبأ فيه بأن يكون العالم مكتظا وفي أزمة خطيرة بسبب الانفجار السكاني[9].

إن الكتابات حول النمو السكاني ومشاكله، كان لها دور في اهتمام الحكومات بتحرير تقارير حول أوضاع السكان والتحولات المجتمعية، فساهم ذلك في وضع لبنات الدراسات المستقبلية الحديثة. إذ كتب شارل ريشيه (Charles Richet)، كتابه “في مائة عام In 100 Years” سنة 1892 وتنبأ فيه بأن تكون الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا أقوى الدول “وسيتفوقان على أوروبا نتيجة لانخفاض معدلات الولادة فيها. وتحدث الكاتب من مجالات أخرى، مثل التوقع ببقاء الاستعمار الفرنسي في شمال افريقيا، وأن مصر تستطيع أن تتحرر من الاستبداد البريطاني، وتوقع للنفط أن يحل محل الفحم بصفته مصدرا للطاقة وغير ذلك”[10].

ويعتبر التقرير عن الاتجاهات التقنية والسياسية القومية ومنها المضامين الاجتماعية للاختراعات الجديدة) والذي نشرته “لجنة الموارد القومية” في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1938م، من بين التقارير الهامة التي ساهمت في اهتمام المؤسسات الحكومية بقضايا المستقبل[11].

ويبدو أن “فكرة التقدم” التي راودت علماء وفلاسفة ورجال السياسة في الغرب، أهم محرك ومحفز لبناء المستقبليات الحديثة، ويقول وائل حلاق “إن نظرية التقدم الخاصة بعصر التنوير لا تشكل التاريخ وحده، بل تشكل أيضا وكما أسلفنا، بنى اللغة الحديثة نفسها، وهي لغة تعكس أيضا بدورها رؤية العالم التي تدعو إلى الهيمنة على الطبيعة والإنسان فحسب، بل أيضا تشكل وتوصل الهيمنة نفسها. وقد لا يوجد مبدأ حتى. فقد أعلنت “قانونا للتطور التاريخي وفلسفة للتاريخ وبالتالي فلسفة سياسية أيضا”. و”لا توجد فكرة أكثر منها أهمية في الحضارة الغربية”، لأنها “واحدة من أكثر الأفكار والقيم الغربية رسوخا”. وفي مقدمة لكتاب بيري (Bury) المهم حول تلك النظرية، أعلن تشارلز بيرد (Charles Beard) أنه “لا توجد فكرة من الأفكار التي سادت المجالات العامة والخاصة في المئتي سنة الماضية، أكثر أهمية أو أقدر على التأثير من مفهوم التقدم. فقد مثلت في القرنين الماضيين، ولا تزال، وبصورة نموذجية، لغة الآلهة الجديدة. وهي لا تعترف بأي مبادئ غير مبادئها، ما يعني أنها تزدري أي معيار أخلاقي لا تضعه بنفسها، ولأن عقيدة التقدم “وعاء للأيديولوجيا”، فإنها تخلق اتباعاً أوفياء “يؤمنون بأنهم على صواب مطلق”، ويجدون أنفسهم دائماً في مواجهة آخرين يعتبرونهم على خطأ مطلق”[12].

إن الهوس بفكرة التقدم هو الذي ساهم في بناء المؤسسات وتأسيس حواضن الفكر المستقبلي التي تشتغل على التخطيط لاحتجاز المستقبل.

وتعتبر مؤسسة راند[13] كما هو معلوم، ذات ريادة في التفكير في الاحتمالات المستقبلية للحرب النووية والصراعات العسكرية وتداعياتها، وفيها تمت صياغة مفهوم السيناريو الذي ابتكره هومان فان.

واستطاعت مؤسسة راند جذب مجموعة من الباحثين والعلماء والمفكرين المهتمين بقضايا الأمن والتكنولوجيا الحربية والاختراعات الجديدة وتداعياتها السياسية والاجتماعية. واهتمت المؤسسة فيما بعد بالقضايا الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والطبية والسياسات العمومية والابتكارات الجديدة وصياغة المشاهد المستقبلية لمختلف التحولات المحلية والإقليمية والعالمية.

ويعتبر غاستون بيرجي[14] مؤسس المركز الدولي المستقبلي، الأب الروحي للفكر الاستشرافي الفرنسي ورائد الفكر المستقبلي الحديث في أوروبا. وهناك مجموعة من الباحثين الذين تميزوا في الدراسات المستقبلية في أمريكا واوروبا، ومنهم برتراند دو جوفينيل وبيير ماسي وهيرمان خان وتوفلر وأولاف هلمر وادوارد كورنيش وريتشارد سلوتر ودانييل بل وغيرهم. كما برز إسم البروفسور المهدي المنجرة وضياء الدين سردار وسهيل عناية الله واسماعيل صبري عبد الله وقسطنطين زريق وراجا عزام وعلي محمد نصار وابراهيم حسن العيسوي وغيرهم.

الهوامش:

[1] للتوسع انظر:

Recher, Nicholas : Predicting the Future. (university of New York Press 1998)

B. Histoire des futures (Seghers 1986)

أحمد الشنتاوي. التنبؤ بالغيب قديما وحديثا (دار المعارف، مصر، 2002).

[2] انظر: هاني بن عبد الله بن محمد الجبير: من معالم المنهجية الإسلامية للدراسات المستقبلية. (كتاب البيان، الرياض، 1420هـ).

[3] انظر محاضرة الباحث Philippe Durance على رابط Youtub

Philippe Durance. Libérer l’innovateur-la prospective en pratique-Matin ISIS
[4] انظر تاريخ البحث المستقبلي في كتاب: Wendell

B :Fondations of Futures Studies. (V1, Transaction Publishers, FIFth printing 2009) pp 1- 73
والكاتب يشير إلى كون الاهتمام بالمستقبل ومحاولة إدراكه تطور لدى شعوب العالم، وارتبط ذلك بفهمهم وتمثلهم للزمن.

والكتاب في غاية الأهمية لفهم تاريخ ومنطلقات وأسس وفرضيات وتوجهات المهتمين بالدراسات المستقبلية.

[5] رحيم الساعدي: المستقبل في الفكر اليوناني والإسلامي (الجزء الأول دار الفراهيدي الطبعة الأولى 2011) ص: 17.

[6] انظر: ضياء الدين زاهر: مقدمة الدراسات المستقبلية (مركز الكتاب للنشر، القاهرة الطبعة الرابعة 2004) ص: 49.

ويرجع الباحث الاختلاف في الاصطلاح إلى الاختلاف في النشأة التاريخية والايديولوجية لتلك الدراسات التي اهتمت بالبحث في مجال المستقبل. وللتوسع في فهم الاختلاف بين هذه المفاهيم انظر مقالة سردار في الموضوع:

Zianddin Zardar : « The Namesake : Futures ; futures Studies ; Futurologie ; Futuristic ; Foresight-What’s in a name?” Futures 42 (2010) 177 – 184.
[7] مالك عبد الله محمد المهدي: ماهية مفهوم ودلالات الدراسات المستقبلية. ورقة مقدمة لملتقى الرؤى المستقبلية العربية والشراكات الدولية الخرطوم 3 – 5 فبراير 2013 ص: 13.

[8] الجميل أمينة: ماهية الدراسات المستقبلية. (سلسلة أوراق – مكتبة الاسكندرية 2011) ص: 31.

وتضيف الباحثة “ورغم انتشار استخدام مصطلح الدراسات المستقبلية إلا أن البعض أمثال داتور Dator كتبوا تحت مسمى “البدائل المستقبلية Futures alternatives نظرا لاتساع المصطلح وما يحمله من تعددية البدائل

والأطروحات للمستقبل الواحد. وقد لقي هذا المصطلح رواجا كبيرا خاصة بعد عدد من الأحداث التاريخية ذات التأثير القوي مثل: أزمة النفط، والتي برهنت على أن نتائج الأبحاث المستقبلية المعتمدة والمستمدة فقط من الاستقراء

غير كافية ولا تحقق النتيجة المرجوة” ص: 31.

[9] ادوارد كورنيش: الاستشراف. مناهج استكشاف المستقبل – ترجمة الدكتور حسن الشريف (الدار العربية للعلوم ناشرون الطبعة الأولى 2007) ص: 26.

[10] مالك عبد الله محمد المهدي، ماهية مفهوم دلالات الدراسات المستقبلية مرجع سابق ص: 15.

[11] فاروق عبده فلية وأحمد عبد الفتاح زكي: الدراسات المستقبلية. منظور تربوي. (دار المسيرة الطبعة الأولى 2003) ص: 17.

[12] ضياء الدين زاهر: مقدمة في الدراسات المستقبلية مرجع سابق ص: 51.

[13] انظر كتاب جوفينيل:

Jouvenel. B(de). L’art de conjoncture. (editions du Rocher 1964)

[14] المنجرة، المهدي: الحرب الحضارية الأولى (الدار البيضاء، دار عيون، 1994) ص: 276.

[15] انظر تحليل بيل ويندل الذي يتساءل عن ماهية الدراسات المستقبلية هل هي علم أم فن؟

B: Fondations of Future op.cit pp 165 – 190
[16] انظر الكتاب المعتمد في تدريس هذا المنظور الجديد:

Caillo, Marie-Hélène : Manuel d’anticipation politique (edition Anticipolis 2010)
[17] أسس فرانك مختبرا للاستباقية السياسية يصدر مجموعة من الدراسات والتقارير:

Laboratoire Européen d’anticipation politique.
[18] Richard, A. Slaughter, “changing Methods in futures studies”, in : Richard. A. slaugther, Futures beyond Dystopia : Creating social Foresight, futures and Education Series(London, New York : Routledg Falmer, 2004). Chap 7.

[19] الجميل أمينة، مرجع سابق، ص: 33.

[20] فاروق عبده فلية وأحمد عبد الفتاح الزكي: الدراسات المستقبلية، مرجع سابق، ص: 39 – 40.

[21] Hugues de Jouvenel : La démarche prospective. Un bref guide méthodologique. Revue Futuribles (n° 247, novembre 1999), mise à jour 2002. P 2 – 3

[22] ضياء الدين سردار: ماذا نعني بالمستقبليات الإسلامية. ترجمة محمد العربي (سلسلة أوراق. مكتبة الاسكندرية 2014).

يقول المترجم: إن أخطر ما يعنيه استعمار المستقبل أنه يسلب إمكانية الحركة والفعل من الثقافات، يدعو سردار إلى تحويل الدراسات المستقبلية إلى حركة خلاقة من شأنها أن تقاوم الواقع الحالي. وكي يتحقق هذا يجب أن يتم تغيير

اطرها المفاهيمية، بحيث تخرج من الأطر الغربية المهيمنة وإلا فستظل غريبة عن تناول المجتمعات غير الغربية. ص: 13..ويمكن الرجوع إلى:

Ziandin Sardar, “the problem of Futures Studies”, in Islam, Postmodernism and Other futures : A Zianddin Sardar Reader, by Sahail Inayatullah and Gail Boxwell (London : Pluto Press, 2003).
[23] سنفصل في دلالة هذا المفهوم في دراسة خاصة.

[1] انظر مقالة سردار:

  • Zianddin Sardar : The name sake : Future ; Futures Studies ; Futurology ; Futuristic ; Foresight-What’s in a name ? op.cit p178.

[2] Z. Sardar, Development and the location of Eurocentrism, in R, Munck, D. O’hearn (Eds), Cristal Development theory : Contributions to a new Paradigm. (Zad Books, London 1999).

  • Z, Sardar, colonising the future : the other dimension of Futures Studies, Futures. 25 (April (3)) (1993).

[3] Wendell. B : Fondations of Future Op.cit.

[4] سلوتر، ريتشارد: المستقبليات المتكاملة عصر جديد لممارسي المستقبليات. ضمن واغنر، سنثيا (تحرير): الاستشراف والابتكار والاستراتيجية. ترجمة صباح صديق الدملوجي (المنظمة العربية للترجمة، الطبعة الولى 2009) ص: 494.

[5] Belle, D : vers la société postindustrielle. (PUF 1976).

[6] Robert, A, Nibet, History of the idea of Progress (New York : Basic Books, 1980).

[7] للتوسع انظر الدراسة التالية:

  • Barbara Adam and Chris Groves : Future Matters : Action, Knowledge, Ethics. (Brill, Leiden Bonton 2007). P 1-2.

ويمكن الرجوع كذلك لتفصيل هذه الفكرة في دراسة دو جوفنيل ، في كتابه:

  • B (de). L’art de conjoncture op.cit.

[8] Hammel G, PRAHALAD G. K la conquêtes de future (Interéditions, 1995)

[9] Zardar : colonising the Future op.cit.

  • BOWDER, B : “Futures Research and the Thirol
  • World”. Futuristics, vol 4, N°, 1980. Pp. 39 – 53.

[10] انظر سردار: ماذا نعني بالمستقبليات الإسلامية؟ مرجع سابق.

[11] عامر، طارق: أساليب الدراسات المستقبلية (اليازوري الطبعة 8، 2008) ص: 79.

[12] محمد بن سعيد الفطيسي: مستقبل في قبضة يد، مرجع سابق، ص: 107 – 108.

ويتحدث الباحث عن ثلاث اتجاهات متفرعة عن الدراسات التشاؤمية والتفاؤلية، وهي الدراسات المستقبلية التنبؤية والدراسات المستقبلية الاستقرائية والدراسات المستقبلية الافتراضية. ويقول:

  • “الدراسات المستقبلية التنبؤية، التي تكتشف من خلالها أحداث المستقبل لتعيين محطات مستقبلية ثابتة ومؤكدة يتحرك نحوها المسار المستقبلي في خط مستقيم ابتداء من حاضرنا، وهذا النوع من الدراسة يعتمد على القدرات الفردية للباحث.
  • الدراسات المستقبلية الاستقرائية، التي تعتمد على استقراء الأحداث التاريخية الماضي والحاضر ورصد مسار الحركة التاريخية واتجاهها نحو المستقبل؛ لتخمين الوقائع المحتملة وكتابة التصورات (السيناريوهات) وبيان رؤاهم عما سيحدث في المستقبل لعقد أو اثنين أو ثلاثة عقود قادمة، وهذا النوع يعتمد الاستراتيجيون وهو يتطلب فريق عمل جماعي متخصصين في العلوم السياسية والاقتصادية والتربوية ونحو ذلك.
  • الدراسات المستقبلية الافتراضية، التي تعتمد على افتراض المستقبل وخلق احداثه بما يلاءم الأهداف والطموحات المراد تحقيقها، هذه الدراسات تخلق مسارا افتراضيا يبدأ الحاضر وينتهي بالأهداف المراد تحقيقها في المستقبل، وهي تشبه إلى حد كبير كتابة سيناريو الفيلم يراد إخراجه على شاشة الواقع استخدام الأدوات والشخوص والامكانيات المتاحة مع التوصية بتطويرها بما يلاءم حجم ونوع الأهداف. (ص: 108).

[13] انظر مجموعة من الدراسات التي أنجزت حول مسؤولية العالم اتجاه الأجيال القادمة:

  • Stiglitz, Joseph E. The Price of inequality : How Today’s Divided Society Endangers our future. (New York : Norton, 2012).
  • Ernest Partridge, ed, Responsabilities to Future generations. (Promethens Books, 1980).
  • Wendell Bell, “why Should we care about future generation ?” in Howard Distbury, ed, The years ahead : Perils, problems, and promises. (Bethesda, Maryland : World Future Society, 1993).
  • Andrew Dobson, ed, Fairness and Futurity. (oxford University Press).
  • Axel Gosseries, “on Future Generations, Future Right’s”. Journal for Political Philosophy, 2008).

[14] انظر جرد شامل لأهم هذه المخاطر التي هي مجال البحث في الدراسات المستقبلية:

  • Virgine Raisson : 2033 Atlas des Futurs Du monde. (Robert LaFFont, Paris, 2010).

[15] Bell, D. The Third Technological revolution and its possible Socio-economic consequences. (Dissent, 1989).

[16] انظر الكتب التالية:

  • ليوتار: الوضع ما بعد الحداثي. ترجمة أحمد حسان (دار الشرقيات، 1994).
  • روز مارغريت: ما بعد الحداثة. ترجمة احمد الشابي. (الهيئة المصرية للكتاب، 1994).
  • دافيد هارفي: حالة ما بعد الحداثة. ترجمة محمد بشير (المنظمة العربية للترجمة، 2005).

[17] انظر النقد ما بعد الحداثي للثقافات السائدة وتأثير ما بعد الحداثة على العلوم الاجتماعية..

  • J. “Incidance du postmodernisme sur l’avenir des sciences sociales”. Diogéne. N° 143. 1988.
  • Foster, Hal, ed, The anti-aesthetic : Essay on postmodern Culture (London and New york : routledge, 1994).

[18] انظر مقالة هامة لسهيل عناية الله.

    • Sohail Inayatullah : Futures Studies : Theories and Methods. In wfsf.org.

[19] ريتشارد سلوتر: المستقبليات المتكاملة، مرجع سابق، ص: 509 – 510.

[20] نفسه ص: 488 وللتوسع انظر:

      • Richard Slaughter, “Changing Methods and Approaches in Futures studies”. In Richard Slaughter, Futures beyond Dystopia : creating social Foresight, Futures and Education Series. (London. New York : Routledge Falmer 2004).

[21] ريتشارد سلوتر: المستقبليات المتكاملة ص: 488.

[22] Inayatullah, Sohail. “Deconstructing and reconstructing the Future” Futures 22 (2) 1990 : 115 – 141.

      • Inayatullah, S, “Causal Layered Analysis : Poststructuralism as method” Futures 30 (8) : 815 – 830.

[23] Sohail Inayatullah : Futures Studies. Theories and Methods. op.cit. p 44.

[24] انظر: سلوتر: المستقبليات المتكاملة مرجع سابق، ص: 498 – 507.

[25] نفسه، ص: 508.

[26] Sohail Inayatullah : Futures Studies op.cit. p 42 . 44

[1] ممكن الرجوع الى الوثائق المتضمنة لاستراتيجيات الدول القوية:

  • The national Military strategy of the United States of America 2015, June 2015, accessible at http://goo.gl//np47wz
  • ¨Russias’s 2014 Military Doctrime¨ in http://goo.gl/Ut.BZw
  • ¨White Papers, Chinas Military Strategy The State Council in formation office of the people’s Republic of china¨ Ministry of National Defence, The People’s Republic of china, May 2015.

[2] محمد بن أحمد حسن النعيري: أسس دراسة المستقبل في المنظور الإسلامي (دمشق، دار الفكر، الطبعة الأولى، 2009) ص: 41.

وانظر كذلك:

– عبد الرحمان بن صالح المشيتح: إطلالة على دراسات المستقبل – العرب والمستقبل (مكتبة العبيكان، السعودية الرياض، ط: 1، 1418هـ).

[3] عبد الله بن عمر المديفر: الدراسات المستقبلية وأهميتها للدعوة الإسلامية، بحث لنيل الماجستير، (جامعة طيبة المدينة المنورة 1428) ص: 96.

ويمكن الرجوع إلى النص الأصلي:

  • Sardar, Islamic Futures. The Shape of Ideas to Come, First Publised, (London and New york, Mansell Publishing Limited, 1985) p: 4.

[4] توفلر: صدمة المستقبل، ترجمة محمد علي ناصف (القاهر، دار النهضة، 1979) ص: 2.

[5] ادغار موران: إلى أين يسير العالم؟ ترجمة أحمد العلمي. (الدار العربية للعلوم ناشرون، الطبعة الأولى، 2009) ص: 12.

[6] نفسه، ص: 13

[7] ادوارد كورنيش: الاستشراف، مرجع سابق، ص: 122.

[8] نفسه، ص: 123.

ويصف يانك مشروعه “تبدأ ورشة العمل بمرحلة نقدية، يتم فيها عرض كل المعاناة والمآسي والتجارب السلبية المتعلقة بموضوع مختار. وتتبع ذلك مرحلة التخيل، حيث يقوم المشاركون بطرح أفكار كَرُدود فعل على المعضلات، وعن تمنياتهم، ويتخيلون تصورات بديلة مختلفة. ثم يتم اختيار المفاهيم الأكثر إثارة، ومجموعات عمل صغيرة لتقوم بتطوير هذه المفاهيم على حلول ثم على مخصصات مشاريع. وتختتم الورشة بمرحلة التنفيذ، بالعودة على الحاضر وما فيها من هياكل مسيطرة ومن عوائق. وفي هذه المرحلة بالذات، يقوم المشاركون بتقييم حاسم للفرص التي تمكنهم من تنفيذ المشاريع التي تم بلورتها، محددين العوائق، وساعين بشكل إبداعي وراء طرق للالتفاف على هذه العوائق، بحيث يتم وضع خطة عمل لذلك” ص: 123.

يمكن التوسع بالرجوع إلى كتاب يانك:

  • Jungk, Robert, and Nobert Mullert. Future workshops : How to Create Desirable futures (London : Institute for Social Inventions ; 1987).

[9] محمد مصطفى جمعة: التنبؤ الاستراتيجي – دراسة في تأثير التفكير الاحتمالي والمعلومات – (الدار العربية للعلوم ناشرون، الطبعة الأولى، 2012) ص: 11.

[10] انظر:

مارتين هيدجر: الكينونة والزمان. ترجمة وتعليق فتحي المسكيني. (دار الكتاب الجديد المتحدة، الطبعة الأولى 2012).

ولفهم مدلولات الزمن من منظور الفيزياء المعاصرة انظر:

  • هوكنج، ستيفن: تاريخ موجز للزمان (الهيئة المصرية العامة للكتاب).

[11] Massé, Pierre, ¨les attitudes envers L’avenir et leur influence sur le présent¨ Etapes de la prospectives, (Edition PUF, 1967) pp : 335 – 344.

[12] انظر التقارير والدراسات التي أنجزتها وكالات الاستخبارات الأمريكية وبعض مراكز الأبحاث الأمريكية حول مستقبل امريكا والعالم وصراع القوى المستقبلي.

  • Mapping The Global Future. Report of the National Intelligence Council’s 2020 project, December 2004.
  • انظر إصدارات المجلس الأطلسي (Atlantic Council) على الرابط: acus.org.
  • Campbell, Kurt M, et al. The age of consequences The Foreign policy and National Security Implcation’s of global climate change report From the Center for Strategic and International studies and Center for a New American Security (Washington : CSIS and CNAS, 2007).
  • IKenberry, G. John : ¨The Rise of china and the future of the West : Can the liberal System survive ?¨Foreign Affairs january/February 2008¨.

[13] انظر:

  • Banz man (dir) : Atlas geopolitique mondiale (Aogos, 2015).
  • François Géré ; Mary Sharpe (ed) : Global Security : A, vision of the Future (IOS Press 2011).
  • National Intelligence Council : (Global Trends 2030 : Alternative Worlds. (decembre 2012).

[14] Virilio, Paul : vitesse et politique (Galilée, 1977).

[15] زريق، قسطنطين: مطالب المستقبل العربي – هموم وتساؤلات. (دار العلم للملايين، بيروت 1983) ص: 19 – 20.

[16] Grindin, T. les metamorphoses du future (Economica, 1988)

  • Rascher, Nichlas : Predicting the future. (University of New york Press 1989).

[17] Zaki Laidi : le temps mondial : Enchainements, disjonctions et Médiations. (Les cahiers du CERI, 1996).

[18] انظر دراسة بول كيندي:

  • Paul Kennedy : The rise and fall of The greatpowers. Economic change and military conflict from 1500 – 2000. (New York : Randon House 1987).
  • Diamond, Jared. Effondrement. Comment les Sociétés décident de leur disparition ou de leur survie : quelque leçons tirées de l’histoire. (Gallimard, 2006).

[19] محمد مصطفى جمعة: التنبؤ الاستراتيجي مرجع سابق، ص: 114.

[20] ماري كونواي: مراجعة جديدة للتخطيط الاستراتيجي منظور مستقبلي، ضمن واغنر (تحرير)

الاستشراف والابتكار والاستراتيجية، مرجع سابق، ص: 761 – 486.

[21] انظر:

جون بركنز: الاغتيال الاقتصادي للأمم. ترجمة ومراجعة مصطفى الطناني وعاطف معتمد (الهيئة المصرية العامة للكتاب 2012).

وحول الحرب الاقتصادية انظر:

  • Ali Laidi : Les Etats en guerre économique. (Paris, seril ; 2010).
  • Christophe – alexendre Paillard : Les nouvelles guères économiques. (Paris, OPHRYS, 2011).

[22] انظر:

نعوم تشومسكي: الدول الفاشلة ترجمة سامي الكعكي (دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان، 2007).

وانظر كذلك كتاب نعومي كلين التي تبين كيف يتم جعل الدول فاشلة

  • كلين، نعومي: عقيدة الصدمة. صعود رأسمالية الكوارث. (شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، الطبعة الثالثة، 2011).
  • انظر كذلك الموقع المتخصص في تحديد مؤشرات الدول الفاشلة:
  • statesindex.org
  • وانظر كذلك:
  • Chataigner, J. Marc et Margo Hervé : (dir) : Etats et socétés fragiles. (Paris, Karthala, 2007).

[23] Cahen, Philippe. Signaux faibles, mode d’emploi-déceler les tendances, anticiper les ruptures. (Edition d’organisations, 2010).

[24] Hermel, Laurent : Maitriser et pratiquer… Veille Stratégique et intelligence économique. (AFNOR, 2010).

  • Patey, Emanuel. La veille Stratégique. (Economica, 1998).

[25] آل غور: المستقبل. ستة محركات للتغيير العالمي. ترجمة عدنان جرجس (عالم المعرفة مايو 2015) ص: 10 – 11.

[26] Edward Page, Climate change, Justice, and Future Generations. (Edward Elger, 2007)

Rachel Muers, Living for the Future : Theological ethics for coming generations. (T and T clark 2008).

Richard Sikora and Brian Barry. Obligations to Future generations (temple University Press, 1978).

[27] انظر:

  • Luc Mary : le mythe de la fin du monde. De l’antiquité à 2012. (Trajectoire 2009).
  • Hammoud, Allen. Quel monde pour demain? Scénario pour le xxle Siècle. (Nouveaux Horisons, 1998) pp 31 – 77.

[28] انظر دراسة تمثل الوحوش وغزاة الفضاء وغير ذلك من الكائنات والمخاطر في الثقافة الشعبية:

  • Graham, Elaine L. Representations of the Post/Human. Monsters, Aliens, and Others in Popular Cuture. (New. Brunswick, NJ : Rutgers University Press, 2002).

انظر دراسة حول هوليود وأفلام الخيال العلمي والمستقبل

  • Kramer, Peter. The new Hollywood. From Bonnie and Clyde to Star Wars. (Londres : wallflower, 2005).

[29] Cooney, Brian : Posthumanity : Thinking : philosophically About future. (Lauhan, Mi : Rowman and little Field ) 2004.

  • Harold W. Baillie and Timothy K. Casy : Is human Nature Obsolete ? (The MIT Press, 2005).
  • راي كرزويل: عصر اللآلات الروحية. عندما تتخطى الكومبيوترات الذكاء البشري. ترجمة عزت عامر. (كلمات عربية – كلمة، الطبعة ثانية، 2010).
  • Besnier, J Michel : Demain les Posthumains. (Hachetté. 2009).

[30] خصصت مجلة “عالم الأديان” الفرنسية عددا خاصا حول نبوءات نهاية العالم.

  • Le Monde des Religions : Les prophéties de la fin du monde. N° 56. 2011.

[31] آل غور: المستقبل، مرجع سابق، ص: 11.

[1] عبد الله بن محمد المديفر: الدراسات المستقبلية وأهميتها للدعوة الإسلامية، مرجع سابق، 87.

انظر كذلك:

حسيب وآخرون: مستقبل الأمة العربية التحديات والخيارات، (بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية 1988) ص: 528.

[2] عبد الله بن محمد المديفر: الدراسات المستقبلية وأهميتها للدعوة، مرجع سابق، ص: 91.

[3] نفسه، ص: 93.

[4] نفسه، ص: 93.

[5] آل غور: المستقبل، مرجع سابق، ص:194.

وأشار آل غور إلى أحد التقارير: “غير أن التقرير الذي صدر أخيرا عن نظام تحليل السياسات والاستراتيجيات الأوروبي (ESPAS) يتوقع تقديرنا أن يتضاعف عدد أبناء الطبقة الوسطى العالمية في السنوات الاثنى عشرة القادمة من مليارين إلى أربعة مليارات نسمة، وسيصل إلى ما يقرب من خمسة مليارات نسمة بحلول العام 2030.

ويضيف التقرير “بحلول العام 2030 من المرجح أن تتلاقى مطالب واهتمامات الناس في العديد من البلدان المختلفة عند نقطة واحدة، ما سيكون له أثر بالغ في السياسات الوطنية والعلاقات الدولية. وسينجم هذا بشكل أساسي عن ارتفاع مستوى الوعي لدى جميع المواطنين في العالم الذين يتقاسمون الطموحات والمظالم. هذا الوعي يرسم بالفعل أجندة مواطنية عالمية تؤكد الحريات الأساسية، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وبشكل متزايد، القضايا البيئية”. ص: 193.

انظر نص التقرير:

  • Strategy and Policy Analysis System, Global Trends 2030 – Citizens in Interconnected and Polycentric world. In www.iss.

[6] جميل، أمينة: ماهية الدراسات المستقبلية، مرجع سابق، ص: 42.

[7] انظر تفصيل ذلك لدى:

جميل أمينة: ماهية الدراسات المستقبلية، ص: 42 – 43.

[8] انظر تفصيل ذلك:

عامر، طارق: أساليب الدراسات المستقبلية، مرجع سابق، ص: 26 – 28.

ضياء الدين زاهر: مقدمة الدراسات المستقبلية، مرجع سابق، ص: 56 – 57

 

 

[1] جل الدراسات المهتمة بتاريخ الحضارات تضمنت إشارات إلى اهتمام الشعوب القديمة بالتنبؤ والتكهن واستكشاف المستقبل لذلك كتب الكثير عن ¨Divination¨.

انظر ما يلي:

  • Bloch, Raymond : La divination. Essais sur l’avenir et son imaginaire. Fayard 1991.
  • Caquot et Leibovic (ed) : La divination, 2 vol, Paris, 1968.
  • Le Normant François : Divination et science des présages chez les chaldéens. Editions Maisonneuve, Paris, 1975.
  • Vernant, Jean Pierre : Divination et rationalité, Paris, Seuil, 1947.

[2] كتب الشيء الكثير عن حضارة المايا انظر:

  • Baude, Claude-Françoi : Une histoire de la religion des Mayas, Paris, Albin Michel, 2002.

[3] انظر دراسة هامة:

  • Lenzi Alau, and Stökl (ed) : Divination, Politics, and ancient Near Eastern empires, Society of Biblical Literature, Atlanta.

[4] هناك مجموعة من المقالات والدراسات والإحصائيات حول لجوء العامة والخاصة في البلدان الغربية إلى العرافين والاستعانة بهم لمعرفة المستقبل كما هناك اهتمام يومي بقراءة الأبراج. وقد اصدرت العرافة الفرنسية اليزابيث تيسيه كتابا تحدثت فيه عن علاقتها بالرئيس الفرنسي فرونسوا ميتران، وأنها كانت مستشارته الروحية، كما كان لبوريس يلتسين الرئيس الروسي السابق، بدوره عرافة اسمها “دجونا” كما هناك حوالي 30 ألف محترف لمهنة التنجيم في فرنسا وينفق في فرنسا حوالي 3 مليارات أورو على التنجيم.

انظر التنجيم في فرنسا على الرابط:

  • yabayrouth.com/pages/index2648.htm.

انظر نفس الموضوع على رابط الجزيرة:

  • aljazira.net.

كما تحدث أنيس منصور في مذكراته عن العرافة الاسرائيلية مريام وادعائها لمعرفة مستقبل بعض الشخصيات السياسية ومن ضمنهم مبارك…

انظر كذلك:

  • Les voyants birmans au chevet du puissant. In directmatin.Fr/monde/2013-06-23/

[5] الياد مرسيا: تاريخ المعتقدات والأفكار الدينية، ترجمة عبد الهادي عباس، الجزء الأول، دار دمشق، الطبعة الأولى 1987، ص:181.

[6] Bloch, Raymond : La divination op.cit pp 35 – 64.

[7] المصطلحات الفرنسية المقابلة لبعض طرق التنبؤ:

(قراءة أحشاء الحيوانات) – Extispicine (observation des viscères)

(قراءة تحليق الطير) – Ornithomancie

(الفأل) – Clédonomancie

(الرؤيا) – Oniromancie

(نوع من الرؤيا يتم الاستعداد لها عبر طقوس معينة ومواد مخدرة كما هو الحال
عند شعوب الهنود الحمر) – Incubation

(قراءة التموجات التي يحدثها رمي شيء ما في الماء – Hydromancie

(ضرب القداح) – Cléromancie

(التنجيم) – Astrologie

[8] Silo : Le message, Edition Références, Paris, 2010 p 51.

[9] سعد عبود سمار: إدراك الغيب عند العرب قبل الإسلام، مجلة واسط للعلوم الإنسانية، عدد: 11، 2012، ص: 244.

[10] انظر:

  • Fox john lee : les prohéties maya 2012, 2d, Eclusifs, 2009.

[11] الساعدي رحيم: المستقبل في الفكر اليوناني والإسلامي، الجزء الأول، دار الفراهيدي، الطبعة الأولى، 2011، ص: 43.

[12] – le quèvre Fréderic : Astrologie, science ou imposture ? L’Horizon chimérique, 1991.

– Pecker Jean claude : L’astrologie et le science, Revue La Recherche n° 140, Janvier, 1985.

[13]-Ciceron: De Divinatione ,Flammarion, Paris, 2004.

[14] انظر:

  • Raymond : La divination op.cit.

هناك دراسات حول تطور “علم الأرقام التوقعي” Numérologie الذي يستند إلى الحساب والرياضيات والذي له جذور تاريخية.

  • O-Stéphane : la loi des Nombre, Editions Bussière, Paris, 2013.
  • NOTTER, François : Le grand Livre de la Numérologie, Editions De Nerchi 1989, 2003.
  • NOTTER, François La Numérologie du bonheur, Editions Ambre Genève, 2010.
  • Pochat Wilfrid : la Numérologie dévoillée. Ambre, 2010.

هناك دور كبير لنحلة القبالة اليهودية في تطوير ¨Numérologie¨.

  • Lévi Eliphas : Numérologie et Kabbale. Mortagne 1990.

[15] زيدان جورجي: علم الفراسة الحديث، كلمات، القاهرة، 2011، ص: 8 – 9.

[16] انظر:

  • Baudoin Claude : 4 voies de prédisposition à la divination, en Mèsopotamie et dans le monde Héllénistique. Parcs d’Etude et de Reflexion. La Belle idée, 2012.
  • Stone, Alby, Wyrd : Fate and Destiny in North European Pagamism, London : Chatto and Windus, 2004.
  • Tedlok, Barbara : ¨Divination as a Way of Knoning : Embodiment, Visualisation, Narrative, and interpretation¨,Folklore 112 (2011) : 189 – 197.

[17] انظر:

  • Flad Rowan k : ¨Divination and Power, A multiregional view of the development of Oracle Bone Divination in Earty china¨ Current Anthrology, vol 49, N 3, june 2008, pp 404 – 437.

[18] انظر على سبيل المثال:

  • RABEDIMY, J. F : Pratique de divination à Madagascar, Editions de l’office de la recherche scientifique et technique Outre-MER. Paris, 1976.
  • Mipham, Jay Golbberg : La MO de Manjushri. Méthode tibétaine de divination, Edition IFS, 2014.
  • Huat Denise : L’astrologie indienne. Grancher, 2013.
  • Sutton Komilla : Astrologie védique : comment découvrir les secrets de votre signe indien. Edition Guy Trendaniel , 2001.

[19] انظر:

  • Ariel : la politique des Oracles Raconter le Future aujourd’hui, Collection ¨Bibliothèque Idées¨, 2014

[1] – انظر أعمال ضياء الدين سردار:

  • Sardar, Islamc Futures. Op.cit.

[2] – للتوسع انظر:

  • الحوالي، سفر بن عبد الرحمان: المسلمون ودراسات المستقبل دار الايمان، مصر، الاسكندرية، 2000.
  • زيدان عبد الكريم: السنن الإلهية في الاسم والأفراد والجماعات، مؤسسة الرسالة، لبنان، بيروت، ط: 1، 1413هـ.
  • الغيري، محمد بن أحمد حسن: أسس دراسة المستقبل في المنظور الإسلامي، دار الفكر، دمشق، الطبعة الأولى، 2009.

[3] – انظر: المديفر عبد الله بن محمد: الدراسات المستقبلية وأهميتها للدعوة الإسلامية، مرجع سابق (الدروس السابقة)

[4] – زيدان عبد الكريم: السنن الإلهية في الإسلام والأفراد والجماعات، مرجع سابق.

[5] – انظر للتوسع:

طمسن، توماس: الماضي الخرافي للتوراة والتاريخ، ترجمة عدنان حسن، دمشق، دار قدس، 2001.

[6] – لوكمان زكاري: تاريخ الاستشراق وسياساته. الصراع على تفسير الشرق الأوسط، ترجمة شريف يونس، دار الشروق، الطبعة الأولى، 2007.

[7] – شعبان فؤاد: من أجل صهيون. التراث اليهودي – المسيحي في الثقافة الأمريكية، دار الفكر، الطبعة الثانية، 2003، ص: 143.

[8] – كيرش جوناثن: تاريخ نهاية العالم، مكتبة الشروق الدولية، الطبعة الثانية، 2011، ص: 173.

[9] – نفسه، ص: 146.

[10] – نفسه، ص: 255

[1] – انظر دراسة ويندل:

  • B : Fondations of Futures Stodies op.cit
  • انظر توظيف الخيال في بناء مشاهد مستقبلية حول المناخ:
  • climateimagination.asu.edu.
  • انظر كذلك:
  • Deléye – Perstuns Ki Edith, “Imagination du Futur” ; Ecologie et politique 3/2008 (N° 37), p.91. In www.cairn.info/ressue-ecologie-et-politique-2008-paye-91htm.

[2] – انظر موقع المجلة الرقمية المتخصصة في دراسة الخيال العلمي.

  • resf.revues.org.

[3] – جميلة بورحلة: أدب الخيال العلمي بين الأدبية والعلمية – رسالة ماجستير، جامعة فرحات عباس، سطيف الجزائر 2010، ص: 110.

[4] – نفس المرجع، ص: 109.

[5] – نفسه، ص: 112.

[6] – انظر:

  • resf.revues.org.

[7] – انظر بعض روايات جول فيرن المترجمة والمنشورة في موقع مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة.

  • hindawi.org.

[8] – انظر الترجمات التالية:

  • هربرت جورج ويلز: حرب العوالم. ترجمة شيماء عبد الحكيم طه، هنداوي، الطبعة الأولى 2013.
  • هربرت جورج ويلز: آلة الزمن ترجمة كوثر محمود طه، هنداوي، الطبعة الأولى 2013.
  • هربرت جورج ويلز: جزيرة الدكتور مورو، ترجمة أميرة علي عبد الصادق، هنداوي، الطبعة الأولى 2013.

[9] – للاطلاع على بيبلوغرافيا هربرت جورج ويلز انظر موقع موسوعة الخيال العلمي:

  • empiref.free.fr
  • وله كتاب “توقعات” وكذلك كتاب “إنقاذ الحضارة: مستقبل الإنسانية المرجح” وله كتاب “المدينة الفاضلة الحديثة”. وساهم في مجلة الغد: مجلة المستقبل (Tomorrow : The magazine of the Future).
  • G. Well : Anticipations of the reaction of mechanical and scientific progresupon. Human life and Thought. Dodo Press, 2007.

[10] – Hugo, Gerns back : Ralph 124c41+. Martino Fine Books, 2014.

وانظر دراسة حول هوجو:

  • Larry Steckler : Hugo Gernsback : Aman Well Ahead of his time. BookSurge Publishing 2007.

[11] – اسحاق أزيموف له عدة مؤلفات منها:

  • La fin de l’éternité, Prélude à Fondation, Tyrann, les courants de l’espace…
  • راي برادبوري له كتابات منها:
  • L’homme illustré, chroniques martiennes, Fahrenheit 451, la foire des ténèbres…
  • أما بيير بول فله مؤلفات منها:
  • La planète des singe, le bourreau, les jeux de l’esprit, le jardin de Kanashima, ….

أما نورمان سبينراد فله مؤلفات منها:

  • L’autre cote du reel, Jack barron et l’éternité, Rêve de Fer, Police du peuple, Oussama, Continent perdu…

[12] – أما الروائي العربي طالب عمران فله مجموعة مكن روايات الخيال العلمي، منها:

  • الازمان المضلمة ومدينة خارج الزمن ةوفوضى الزمان القادم وأنفاق العوالم الأخرى وغير ذلك.

وللأديب نهاد شريف مجموعة من الأعمال منها على سبيل المثال: رواية قاهر الزمن (1966).

ويقول نهاد شريف: أن ادب الخيال العلمي هو فن عربي أصيل وليس مستلهما من الغرب، فهناك العديد من الاسهامات للكتاب العرب والكثير من الأفكار العلمية التي تم تسجيلها وتنبأت بما يشبه الخيال العلمي: انظر: رمزي بهي الدين: نهاد شريف عميد ادب الخيال العلمي على الرابط:

  • masress.com

[13] – يقول طالب عمران:

لعل أول أفلام الخيال العلمي التي ظهرت في السينما الفيلم الذي أخرجه جورج ميلس عام 1902 وهو فيلم صامت بطول ست عشرة دقيقة، وقد استوحى قصته من رواية فيرن “من الأرض إلى القمر” وقصة ويلز “رجال القمر الأوائل”. (…) وتتابعت الأفلام فظهر “حرب النجوم”.Star War لجورج لوكاس الذي تحدث عن احتمال حدوث حرب فضائية…

  • انظر: عمران طالب. ادب الخيال العلمي ضمن الموسوعة العربية على الرابط:
  • arab-enay.an

وبخصوص ماتريكس (المصفوفة) يمكن الرجوع الى مجموعة من المواقع من ضمنها:

  • matrix-explained.net

كما يمكن الرجوع إلى كتاب:

  • ميشيل حنا: ما هي الماتريكس؟ دار ليلى للنشر 2007.

[14] – جميلة بورحلة، مرجع سابق، ص: 119.

[15] – انظر الدراسة التي نشرتها حول ما بعد الإنسان في موقع مسارات:

  • massarate.ma

وانظر كذلك:

  • Dominique le court : Humain, post humain. PUF 2003
  • Laurent Alexandre : la mort de la mort. JC la thés 2011

[1] انظر:

Bloch, Raymond : La divination. Essais sur L’avenir et Son imaginaire. Fayard 1991.

[2] انظر:

  • سعد عبود سمار: إدراك الغيب عند العرب قبل الإسلام، مرجع سابق، ص: 244 – 245.

[3] الساعدي رحيم: المستقبل في الفكر اليوناني والإسلامي، مرجع سابق.

[4] زريق قسطنطين: نحن والمستقبل، ص: 76 – 77.

وانظر كذلك: عبد الله بن محمد المديفر: الدراسات المستقبلية وأهميتها للدعوة الإسلامية، مرجع سابق، ص: 45.

[5] زريق: نحن والمستقبل، ص: 77.

[6] المديفر: الدراسات المستقبلية وأهميتها للدعوة الاسلامية، مرجع سابق، ص: 49.

وللتوسع انظر:

  • Abensour, Miguel : L’Utopie de Thomas More à walter Benjamin, Paris, Sens et Tonka, 2000.
  • Abensour, Miguel : le procès des Maitres rêveurs, Arles, Sulliver, 2000.
  • Ricœur Paul : l’idiologie et L’Utopie, Paris, Seuil ; 1997.
  • ¨Encyclopédie de L’Utopie, des voyages Extraordinaire et de la science-Fiction par Pierre Versins (éd. L’Age d’homme, 1972).
  • أشهر الكتابات حول المدينة الفاضلة هي كالتالي:
  • L’Utopie de Tomas More (1516) ;
  • La Cité du soleil de tommaso Campanella (1623) ;
  • La nouvelle Atlandide de Francis Bacon (1627) ;
  • L’AN 2440 de louis-Sébastienne Mercier (1771) ;
  • Voyage en Icarie d’Etienne Cabet (1840) ;
  • Cent ans après ou L’an 2000 d’Edward Bellamy (1880) ;
  • Nouvelles de nulle part ou Une ère de repos de William Morris (1990).

[7] المدينة الفاسدة أو Anti-Utopie أو dystopie

من أهم الدراسات حول المدينة الفاسدة:

  • Jean Paul Engelibert : Apocalypses sans royaume (politique des fictions de la fin du monde) , Classique Garnier, Patis, 2013.
  • Clément Dessy, Valérie Stienom (dir) : (Bé) vues du futur : Subtitle Les imaginaires visuels de la doystopie (1840 – 1940) éd, Press Universitaires du Septentrion, 2015.

أهم الأعمال الأدبية التي عالجت إشكالية المدينة الفاسدة هي كالتالي:

  • Engene Zamiatine, Nous autres, 1920 ;
  • Aldous Hurley, Le meilleur des modes (Brave new world) 1932 ;
  • Orwell, 1984 (Nineteen des eighty-Four), 1949 ;
  • Ray Bradbury, Fahrenheit 451, 1953 ;
  • Levin, Un bonheur insoutenable (This perfect Day), 1970 ;
  • Tevis, l’oiseau d’Amérique (Mockingbird), 1980 ;
  • Margaret Atwood, La Servante écarlate (The Handmaid’s Tale), 1985 ;
  • Jean-Christophe Rufin, Globalia, 2004 ;
  • Will Self, le livre de Dave , 2006.
  • Céline Minard, le dernier Monde, 2007 ;
  • Margaret Atwood, Le temps du déluge, 2009 ;
  • Jasper fforde, la route de haut-safran, 2010 ;
  • Starobinets, le vivant, 2011 ;
  • Xabia Molia, Avant de disparaitre, 2011 ;
  • Tejpal, La vallée des masques, 2012 ;
  • Michel Houellebecq, Soumission, 2015 ;
  • Boualem Sansal, 2084, la fin du monde.

وللتوسع في فهم المدينة الفاسدة أو أدب التكهن بالكوارث انظر:

  • Fréderic Claisse, «Futurs antérieurs et précédents Uchroniques : L’anti-Utopie comme Conjuration de la menace », Temporalité [Enligne], 12/2010, mis enligne le 15 decembre 2010, consulté le 9 – 2 – 2016, URL : temporalites.revues.org/1406.

[8] المديفر، مرجع سابق، ص: 50.

[9] نفسه، ص: 53.

[10] نفسه، ص: 54.

[11] نفسه، ص: 54.

[12] وائل حلاق: الدولة المستحيلة ترجمة عمرو عثمان، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الطبعة الأولى، 2014، ص: 55 – 56.

للتوسع انظر:

  • Bagnell Bury : The idea of Progress : An Inquiry into its Origin and Groqth, Introduction by Charles A. Pread (Westport, Conn : Greenwood Press, 1982).
  • A. Nibert : History of The idea of progress (New York : Books, 1980).

[13] انظر الرابط:

  • rand.org

[14] للاطلاع على النصوص الأساسية في الاستشراف الفرنسي انظر:

  • De la prospective, Textes fondamentaux de la prospectives française 1955 – 1966 : Seize texte dont onze de Gaston Berger, trois de Pierre Massé et deux de Jacques de Bourbon Busset, réunis par phillipe Durance, aux éditions L’Harmattan, Paris, 2007.

للاطلاع على الاستشراف الفرنسي انظر بعض المواقع:

  • Centre d’étude et de prospective Stratégique ceps-oing.org
  • Centre d’étude et de prospective sur La science. le-cep.org
  • Futuribles.com.

 

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى