دراسات افريقيةدراسات مغاربيةكتب

مراجعة لكتاب موجز تاريخ إفريقيا لمؤلفين ى.سافلييف و ج.فاسلييف

-المركز الديمقراطي العربي

اعداد الباحثين:

  • محمد أرحال  : طالب باحث في علم الاجتماع- جامعة ابن زهر/المغرب
  • ياسين عـتـنا : طالب باحث في علم الاجتماع- جامعة ابن زهر/المغرب

تعد إفريقيا من اكبر القارات احتضانا لأقدم الحضارات الإنسانية، الأمر الذي رجحها أن تكون ذات أهمية بمكان في الدراسة العلمية الأكاديمية. وعلى أثر هذه القيمة صدر كتاب “موجز تاريخ إفريقيا ” عن مؤلفين : ى.سافلييف و ج.فاسلييف، وتمت ترجمته من طرف أمين الشريف، ونشر تحث لواء دار النشر مؤسسة العصر الحديث. في حدود 156 صفحة من الحجم المتوسط. إذ يرسم لنا هذا العمل معالم تاريخ القارة السمراء وصيرورتها وفق خمس فصول أساسية: أولها الحضارات القديمة في إفريقيا، حيث يحاول فيه تسليط الضوء على أهم الحضارات في هذه القارة التي لها جذور في التاريخ، في حين ذهب الفصل الثاني الموسوم بإفريقيا في العصور الوسطي إلى التأكيد على الخصائص التي تتميز بها هذه القارة في ذات المرحلة. أما الفصل الثالث المعنون بالإمبريالية و تقسيم الأراضي فيركز على تدخلات الدول المستعمرة في هذه القارة و تقسيمها لها، الأمر الذي سينعكس عنها-إفريقيا- في الفترة مابين الحرب العالمية الأولى و الثانية، وهذا ما جاء في مضمون الفصل الرابع الذي عنون بإفريقيا من الحرب العالمية الأولى إلى الحرب العالمية الثانية. ليختتما الكتاب بالفصل الخامس تحث عنوان كفاح الشعوب الإفريقية في سبيل التحرير ونشأة الدول الإفريقية، موضحا من خلاله وعي الدول الإفريقية بوجوب تحررها و بناء سيادة وطنية، بالإضافة إلى تقديم المؤلفين جداول توضيحية تكشف عن تواريخ استقلال الدول الإفريقية وبعض المعطيات عنها.

خصص المؤلفان الفصل الأول من الكتاب لإبراز أهم الحضارات القديمة التي ولدت واحتضنتها القارة الإفريقية ،كمصر القديمة التي عرفت بالنظام التيوقراطي المطلق، الذي يترأسه الفرعون، وبموجب هذه السلطة يتم السيطرة على الشعب. يقسم المؤرخون تاريخ الحضارة المصرية إلى ثلاث مراحل أساسية؛ المرحلة القديمة التي كانت تعرف بمصر العليا ومصر السفلى، وهي المرحلة التي بنيت فيها الأهرام، ثم تليها مرحلة العصور الوسطى التي تميزت بازدياد الاستغلال الطبيعي، الأمر الذي أدى إلى قيام ثورة فلاحية على النظام القائم( فرعون ،الأمراء )، لكن هذا الحراك  سيحكم  عليه بالفشل  لكونه يفتقد إلى متغير التنظيم، مما أدى كنتيجة عنه عودة النظام التيوقراطي(الفرعوني). أما بالنسبة للمرحلة الحديثة التي يمكن تلخيصها في القول بأن حضارة مصر صارت قوة عسكرية تنهج سياسة ” الحرب والغنائم “، لكن استيلاء الطبقة الحاكمة على هذه العائدات جعلها تعيش ضعفا داخليا، وصارت بذلك محطة أطماع الدول الأخرى مثل الإسكندر الأكبر. إلى جانب هذه الحضارة؛ نجد حضارات شمال شرق إفريقيا وشمال إفريقيا (نباتا، القرطاجية…) ودولتين كبيرتين للبربر في شمال إفريقيا هما؛ نوميديا وموريتانيا. أما فيما يخص دول جنوب الصحراء فالتاريخ القديم للأقاليم الواقعة بجنوب الصحراء؛ ما هو إلا تاريخ مبهم في عقل المؤرخين، لكن ما يمكن قوله في هذا المقام هو أن الأقاليم المجاورة لبحيرة تشاد كانت مراكز لحضارة عريقة لها اهتمام زراعي و معدني وكذا بالفخار وكذا في الأقاليم الواقعة بين نهري السنغال والنيجر وفي بداية التاريخ الميلادي  قامت في هذه الأقاليم مملكة تدعى أوكو وغانا. بالإضافة إلى جملة من الحضارات التي لا نعلم عنها إلا بعض المعارف البسيطة الأمر الذي يطلب منا المزيد من البحث العلمي الدقيق والتوثيق المتين.

في الفصل الثاني من الكتاب، يحاول المؤلفان التركيز على تاريخ إفريقيا، لكن هذه المرة مع فترة تاريخية أخرى، آلى وهي العصور الوسطى، ويبدأ هذا العصر في القارة الافريقية ببروز النظام الإقطاعي، الأمر الذي سيكون له تأثير جوهري في التكوين الجنسي والتطور الحضاري لشعوب شمال افريقيا [1]. في شمال إفريقيا وشمال شرق إفريقيا تعتبر القبائل العربية من أهم الحضارات تجدرا في الأصول الإفريقية، وهذا راجع إلى فتحها لمصر في شمال إفريقيا خلال القرن الثامن ميلادي، مما أدى إلى انتشار اللغة العربية مقابل اللغات المحلية، بالاستناد إلى معطى الدين الإسلامي وكذا اعتمادها في المراسلات التجارية. كما قامت عليها جملة من الحضارات كالعباسية والفاطمية وكذا العثمانية. هذه الأخير التي عرفت انتشارا واسعا في كل من مصر وتونس والجزائر باستثناء مراكش.  إلى جانب ذلك أبرز المؤلفين أهمية بلدان غرب إفريقيا دولة مالي ودولة سنغاي، فقد عاشت دول غرب إفريقيا تحولات وديناميات كبيرة في الماضي، وأصبحت مسرحا للأحداث التاريخية في مرحلة العصور الوسطى، بحيث على إثرها شهدت ممالك وامبراطويات قوية كنموذج تكرو وغانا، وإمارة مالي في غرب السودان. وغلب على هذه الحضارات الطابع القبلي في العلاقات الاجتماعية وفي نظام الدولة، بالإضافة إلى خضوعهم لمبدأ الأمومة في نظام الميراث. أما ساحل غينيا وإفريقيا الوسطى فتعتبر من اعرق الممالك القائمة منذ بداية نشأتها على الرواج التجاري مع كافة القبائل الشمالية في إفريقيا ، و كذا في تجارة الرقيق مع الأوربيين. وتعبر مملكة أشانتي المتواجدة على ساحل غينيا من أقوى الدول في هذه المنطقة.

تعد قبائل شرق إفريقيا وجنوبها بناءا على المادة التاريخية من أقدم القبائل في إفريقيا، وهذا ما يؤكده التطور الذي وصلت إليه هذه المنطقة على المستوى الاقتصادي والتجاري، حيث كانت تنافس كل من الحضارة الصينية والهندية والإغريقية ومصر القديمة. هذا ما جعلها تكون محطة أطماع البرتغال، حيث جعلوها بين اختيارين؛ إما الولاء للقوة و السلطة البرتغالية أو الإخضاع بقوة السلاح، وهذا الأخير هو الذي كان مآلهم، وفي هذا الصدد قال حاكم  منسبة في خطاب موجه إلى حاكم مالندى “لم يبق في المدينة ديارا و لا نافخ نار، فقد قتلوا كل الأهالي نساء و رجالا، شيبا و شبابا و أطفالا إلا من نجا بنفسه “[2]. وفي أوائل القرن 18 تم طرد المستعمر البرتغالي، لكن مازالت أطماع دول أخرى ترصد هذه المنطقة، من قبيل ألمانيا وبريطانيا، مع انتصار هذه الأخيرة في الاستيلاء عليها. ويختم المؤلفان هذا الفصل بفكرة أساسية وهي أن الكشوفات الجغرافية هي من اكبر العوامل المساهمة في سياسة النصب والغزو والاستغلال الأوروبي الرأسمالي للثروات الإفريقية .

خصص الفصل الثالث من هذا العمل للكيفية التي عملت بها القوة الامبريالية المتمثلة في الدول الاستعمارية( بريطانيا، فرنسا، ألمانية)، بجهد جهيد لتحقيق أطماعها الاستعمارية في القارة الإفريقية، وتقسيمها فيما بينها على أساس التراضي والتفاوض. فالأراضي التي كانت تحت مظلة الاستعمار البريطاني من مصر والسودان وأملا في غرب إفريقيا، وخاصة مصب نهر غامبيا وسراليون وساحل الذهب ونيجيريا، كانت تنهج بريطانيا في تدخلها للدول الأفريقية على سياسة تسخير النخبة المحلية وعقد اتفاقيات معها ” واحتفظ السلاطين المحليون بامتيازاتهم ولكنهم أصبحوا موظفين تابعين لوزارة المستعمرات البريطانية، وقد قام ما يسمي بالحكم غير المباشر على معاهدات من هذا القبيل”[3]. بالإضافة إلى عقد جملة من الاتفاقيات مع الدول الأخرى، كنموذج اتفاقية ” هيلجوند ” سنة 1890 من اجل تهدئة النزاع على الدول المستعمرة.  أما فيما يخص القوات الاستعمارية الفرنسية، فاستندت إلى سلطة  البندقية وإراقة الدماء، بداية بالجزائر وصراعها مع القائد الأمير عبد القادر الذي لم ينهزم إلا بعد سلسلة من الصراعات، ثم بعد ذلك تونس ومراكش، هذه الأخيرة التي بدورها كانت جد صامدة في مواجهة القوى الاستعمارية. كما كانت كل من السودان والنيجر والسنغال وجملة من القبائل والممالك ضمن الخطة الاستعمارية لفرنسا، التي كانت ترسم إمبراطورية استعمارية تمتد من المحيط الأطلنتي في الغرب إلى البحر الأحمر  في الشرق . هذا ما جعلها تصطدم في بعض الحالات  – وادي النيل السوداني- مع القوات البريطانية. بالإضافة إلى كون فرنسا نهجت الأسلوب الدموي وعقد المبايعات وشراء الحكام المحليين من اجل السيطرة، كما وجدت مواجهات جد صعبة في جملة من الدول والقبائل على سبيل المثال مقاومة داهومي.  في حين عملت القوات الألمانية بحكم تأخرها في التدخل إلى إفريقيا بسلطة العنف والصراع، وإنشاء السجون و المعسكرات والاعتقالات، وكذا سياسة نزع الأراضي والسخرة وفرض الضرائب.

تعد سياسة تقسيم إفريقيا على البلدان الأوروبية (بريطانيا- فرنسا- ألمانيا) مثال واضح لتكالب القوة الامبريالية على ثروات القارة السمراء بغية إخضاعها وجعلها تابعة لها. كما اجتهدت هذه القوة في خلق صراعات قبلية من اجل عدم تكتل الجسم الإفريقي وخلق تعاون قاري يؤدي إلى محوها.

وفي الفصل الرابع ركز المؤلفان بشكل خاص على الحديث عن إفريقيا من الحرب العالمية الأولى إلى الحرب العالمية الثانية، وكيف أن الاستعمار الأجنبي للقارة أدى بها لكي تعيش جميع الأزمات المترتبة عن هاتين الحربين، إذ تم تجنيد العديد من الأفارقة للمشاركة في الحرب. لقد كان للثورة الروسية دور أساسي في تصاعد الشعور القومي الإفريقي؛ الأمر الذي سيؤدي إلى مطالبة أغلب الحركات بالإصلاح لا الاستقلال [4]. ويختم المؤلفان هذا الفصل بإبراز الإستراتيجية المتبعة من قبل كل من فرنسا وبريطانيا في استعمار إفريقيا؛ ففرنسا اتبعت ما يسمى بنظام الحكم المباشر في غرب إفريقيا  في حين اتبعت بريطانيا نظام الحكم غير المباشر أي أنها أبقت على نظم الإدارة والحكم القبليين [5].

 

ركز الباحثان في الفصل الخامس على توضيح كيف تكبدت الدول الإفريقية هزائم الدول المستعمرة المتواجدة في الحرب، بحيث اعتبرت إفريقيا، ذلك المزود الرئيسي لكل من الموارد الحربية والغذائية للدول المستعمرة. وكان هذا يمارس بشكل مفروض عليها، الأمر الذي أنتج عنه بزوغ هلال الصراع الطبقي والرغبة في اكتساب الحقوق السياسية. كما ساهم في نشؤ إرادة لا تؤمن بالإصلاح النصفي وإنما خلق ثورة للتحرير الوطني، و على هذا الأساس قامت الدول المضطهدة في خلق تحالفات كتجسيد لهذه الإرادة الشعبية التي تطمح إلى الحرية. كما حاول المستعمر من موقعه أن يمارس مبدأ القوة والقهر تارة والتساهل والوعود، والإصلاحات الاجتماعية تارة أخرى. بالاضاقة إلى منعه لإنشاء الأحزاب السياسية الوطنية والهيئات الحقوقية، وسعى في الحقل الاقتصادي إلى خلق أسس التنمية اللبرالية بغية جعل هذه الدول تابعة للدول المستعمرة. لكن كل هذا لم يؤجل فكرة الترافع على مطلب الاستقلال، الذي أدى إلى الانخراط في جملة من التعديلات والإصلاحات السياسية التي يمكن تلخيصها في إدخال أسلوب أو نظام الانتخابات كمرحلة إجرائية من اجل الوصول إلى الديمقراطية مع تجسيد نقابات تدافع عن حق العمال بالإضافة إلى نبد التفرقة و الإرهاب.

كما تم مد جسور هذا الكفاح ضد المستعمر خارج  إفريقيا وبالأخص أسيا،  وهذا ما سمي بحركة التضامن وعقدت جملة من المؤتمرات والهيئات العليا، أسفرت بجهدها الى تحرير مجموعة من الدول واضعة في صلب أعينها مرحلتين مهمتين، أولهما مرحلة الاستقلال السياسي، تم ثانيها مرحلة تعزيز السيادة الوطنية  وخلق قاعدة الاقتصاد الوطني مع إحياء ثقافة قومية. ترجمت مجهودات هذا التخطيط في كل من الزراعة ( إعادة الأراضي من المستعمر) والصناعة والتجارة ( تنمية الصناعة الخفيفة بغية الوصول إلى صناعة ثقيلة) و تطوير أجهزة الدولة ( تعزيز النظام الديمقراطي وآلياته).

بعد تغلب الدول الإفريقية على وحش الاستعمار و استقلالها سياسيا واسترجاعها للسيادة الوطنية، انغمست في تجربة النضال من اجل تحقيق الذات والمطالب الشعبية (الصحة- التعليم- السكن)، وأفصح مثال عن هذه التجربة نموذج دولة مالي التي عملت على تنفيذ خطة اقتصادية تفيد دعم الاستقلال السياسي والإصلاح الزراعي وتنمية الصناعة الوطنية وخلق سياسة خارجية نقوم على التعاون الاشتراكي مع السنغال. أما تجربة كينيا تعتبر كذلك نموذج رائد في حقل الزراعة كما عمدت على تطبيق سياسة إنشاء جمعيات وتعاونيات من اجل تعزيز فكرة الاقتصاد الوطني الحكومي والقضاء على المرض والجهل والفقر.

وبناء على هذا التاريخ الإفريقي المرير والذي كان من أشد المراحل مأساوية في الذاكرة الإفريقية، جعل من صوت أفريقيا الحديثة – ما بعد الاستقلال – يعلوا في المحافل الدولية و المؤتمرات العالمية بكونها مناصرة لفكرة السلام و مدافعة عنها و ناهجة سياسة نزع السلاح، و بغية تجسيد هذا الكلام عقدت  القارة جملة من الاتفاقيات التي تتماشى وطبيعة المبادئ التي تعد قوام الديمقراطية .

* arhal.med12@gmail.com

* *  yassineatana94@gmail.com

[1]  موجز تاريخ افريقيا، تأليف ى.سافلييف و ج.فاسلييف، ترجمة أمين الشريف، دار النشر مؤسسة العصر الحديث، ص 17.

[2]   نفس المرجع، ص 31.

[3]  نفس المرجع، 49-50.

[4]   نس المرجع ،ص85

[5]  نفس المرجع ، ص 96-97.

 

 

 

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى