دراسات سياسية

مستقبل العالم والركود الجيواستراتيجي

وليد عبد الحي
متغيرات الحياة الدولية أكثر من أن تُعد، لكن الخلاف بين الباحثين في الدراسات المستقبلية هو حول نقطتين هما وزن كل متغير وكيفية تحديده، والأثر المتبادل بين هذه المتغيرات وكيفية تحديده، لكن الاتجاهات الأكثر عناية من الباحثين في الدراسات المستقبلية تشير إلى أن اهم المتغيرات التي تحدد توجهات العالم هي:
1- المتغير السياسي ويتم تحديده في مسالتين هما : مؤشرات الحروب ومؤشرات التعاون والسلام
22- المتغير الاقتصادي ويتم تحديده من خلال معدلات النمو في كل دولة وعدالة التوزيع(داخل الدول وفيما بينها).
33- التكنولوجيا ويتم تحديدها من خلال المنحنى السوقي لكل من السلع المدنية والسلع العسكرية ومزدوجة الاستخدام
4- البيئة ويتم القياس من خلال مستوى التلوث والتحول في الدورات المناخية
55- الثقافة من خلال قياس مؤشرات متقابلة هي : الدين والعلمانية، الأدب والفن الواقعي والأدب والفن الخيالي وانعكاس كل ذلك على منظومة القيم الانسانية.
وفي دراسة أشرف عليها Philip Tetlock من جامعة بنسلفانيا، ونشرها عام 2014، قام باختيار 2000 شخص من العاملين في مجال الدراسات المستقبلية وراقب دراساتهم، ثم اختار اعلاهم مصداقية وعددهم 20 باحثا وأطلق عليهم اسم (super forecasters) ، لكن ما أدهش تيتلوك هو ان أفضلهم كان صيدلانيا،وحاول تحديد الأسباب التي جعلت هؤلاء هم الافضل في التنبؤ ، فخلص للنتائج التالية:
11- التفتح الذهني لانه أفضل السبل لمواجهة عدم اليقين والتعقيد الشديد من ناحية وللتخلص من الأفكار المسبقة والمهيمنة على العقل من ناحية ثانية(وهو يرى ان هذه المسالة هي الاكثر صعوبة).
22- الوعي الذاتي وإدراك الباحث لجوانب القصور في تفكيره( يعني ان قراءته لبحث او مقال في موضوع معين لا يجعل منه خبيرا يستطيع ان يبني عليه تصوراته المستقبلية)، وهنا تطهر اهمية هذه المسألة في ان العدد الاكبر من الناس “يتوقعون” استنادا لقدر قليل من المعلومات عن الموضوع ولقدر أقل من معرفة تقنيات التنبؤ وضوابطه.
33- ان العمل الجماعي لباحثي الدراسات المستقبلية يقود لنتائج افضل كثيرا من العمل الفردي بخاصة إذا وضعت ضوابط معينة لهذا العمل الجماعي.
دعوني اتوقف عند واحدة من احدث الدراسات المستقبلية وهي تحت عنوان ” geopolitical recessionn” أي الركود الجيوسياسي ، واصدرتها (Eurasia Group” والتي تعمل في هذا المجال منذ 1998. تحدد هذه الدراسة الصادرة عام 2017 أهم ملامح العلاقات الدولية خلال المستقبل المباشر في:
11- التفرد الأمريكي: ستكون الولايات المتحدة أكثر خشونة في السنوات الاربع القادمة وستعمل لمصلحتها حتى لو تضرر حلفاؤها من هذه السياسة، لكن ذلك سيوسع نطاق التفكك في حلف الاطلسي والاتحاد الاوروبي وسيعزز السياسة الصينية في شرق آسيا.
2- ستميل الصين مع اقتراب المؤتمر ال 199 للحزب الشيوعي الصيني إلى قدر محسوب من ” عسكرة سياستها الخارجية” لان ذلك يستجيب للتطورات القادمة مع الرئيس ترامب ويعزز قبضة السلطة الصينية على الداخل الصيني حيث تواجه القيادة الصينية داخليا تحديات هامة من داخل الحزب.
33- تزايد ضعف مكانة المستشارة الألمانية ميريكل بسبب ازمات الاتحاد الاوروبي بخاصة مع خروج بريطانيا، والأعباء على الاقتصاد الألماني لمواجهة مشكلات منطقة اليورو ناهيك عن مشكلات ألمانيا الداخلية لا سيما الارهاب والمهاجرين وتنامي اليمين في اوروبا…الخ. ورغم ان نجاح ميريكيل لولاية ثانية امر مرجح إلا ان علاقاتها مع الولايات المتحدة ستكون أميل للتشنج الدوري.
44- ان الدول الكبرى والتي في طور التطور لن تعرف اصلاحات اقتصادية او سياسية كبيرة سواء في روسيا او الهند او البرازيل او بريطانيا او فرنسا …الخ.
55- الشرق الأوسط سيبقى في حالة عدم الاستقرار : فتراجع نصيب النفط من الطاقة العالمية وتراجع اسعاره سيزيد الضغط على دول معينة، كما ان وسائل الاتصال الحديثة يسرت عددا من المظاهر المؤدية لعدم الاستقرار: قدرة المهمشين على نقل بؤسهم للشاشات الفضائية ومواقع الإنترنت، قدرة التنظيمات السرية على التجنيد، انتقال التنوعات المذهبية والعرقية والقبلية إلى مواقع متخصصة على الانترنت لتقوم بالتجنيد وخلق ما يمكن اعتباره قبائل الانترنت، ثم هناك مخاطر اختراق المواقع الالكترونية للمؤسسات العامة او العسكرية او المصرفية، وارتفاع نسب الشباب غير المؤهل للتعامل مع تكنولوجيا العصر واقتصادياته، كما ان تزايد انكشاف اسرار الانظمة واشخاصها بفعل التكنولوجيا الحديثة سيزيد الاحتقان السياسي والاجتماعي
66- تزايد الهجمات من قبل الزعماء في الدول الأكثر اهمية على البنوك المركزية في بلادهم وتحميلها مسؤولية الفشل الاقتصادي(في دول الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة التي تشكل 40% من الاقتصاد العالمي)، وسيؤدي ذلك إلى اضطراب في السياسات المالية لتنعكس بدورها على بقية الاقتصاد العالمي لا سيما في مجال الاقراض والفوائد واسعار العملات…الخ.
77- رغم انحياز الرئيس ترامب للشركات الكبرى ومتعددة الجنسية ، إلا ان بعضها كالتي تعمل في مجال الالكترونيات الحديثة بخاصة في كاليفورنيا ليست على توافق معه، وهو ما يعني ان بعض الاستقطاب سيظهر في بنية الاقتصاد الأمريكي بين الشد والحذب ، وهو ما قد يكون له انعكاسات سلبية على الوضع الاقتصادي الامريكي.
88- تركيا : مع اشتداد حملة أردوغان لمزيد من السلطة بتحويل النظام الحالي لنظام رئاسي ، فإن مخاطر عدم الاستقرار الداخلي قد تكون هي الارجح،كما ان تشنج علاقاته بأوروبا قد يزيد الامر تعقيدا.
9- كوريا الشمالية: مع تطورها الواضح في مجال الطاقة النووية ، يبدو ان لديها الآن القدرة على انتاج 20 قنبلة نووية ، وانها ستكون قادرة على ضرب السواحل الغربية للولايات المتحدة إذا تعرضت للعدوان.وقد يؤدي الضغط الامريكي المتزايد على كوريا الشمالية لتعقيد العلاقات الامريكية الصينية،لكن قد تحدث تغيرات في كوريا الجنوبية بوصول تيار يساري للسلطة يخفف من حدة التوتر في تلك المنطقة.
100- جنوب افريقيا: مشكلات الرئيس الجنوب افريقي جاكوب زوما مع خصومه قد يؤدي لتوتر يؤثر على اقتصاد جنوب افريقيا ويزعزع الاستقرار السياسي حولها.
111- مناطق الخطر الاخرى: من المستبعد نشوب حرب هندية باكساتانية، احتمالات تزايد توتر الوضع حول الرئيس البرازيلي وقد لا يكمل مدته.

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى