دراسات سياسية

معتقدات النخب ونظرية الديمقراطية النخبوية

الكتاب: معتقدات النخب ونظرية الديمقراطية النخبوية*
Elite Beliefs and the Theory of Democratic Elitism””
تأليف: مارك بيفلي وروبرت روهرشنيدر
قراءة: د.عقل صلاح* —

التعريف بالمؤلفين: هذه الدراسة هي عبارة عن الفصل الرابع من كتاب دليل أكسفورد للسلوك السياسي, وقد قام بتأليف هذا الفصل المؤلفين مارك بيفلي Mark Peffley)) وروبرت روهرشنيدر (Robert Rohrschneider)

1. مارك بيفلي: حصل على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة مينيسوتا في عام 1984, تخصص في مجالات عدة كالرأي العام, وعلم النفس السياسي, والتسامح السياسي. يعمل مديرا للمبادرة الكمية للبحوث السياسية والاجتماعية. وقد منح جائزة روبرت لين على أفضل كتاب في علم النفس السياسي من قسم علم النفس السياسي لجمعية العلوم السياسية الأمريكية (مع جون هرويتز) بعنوان العدالة في أمريكا: حقائق منفصلة للسود والبيض في 2011.

2. روبرت روهرشنيدر: يحمل جنسيتين إحداهما ألمانية والأخرى أمريكية, حصل على شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة فلوريدا في عام 1989. من مجالات اهتماماته الأكاديمية: التمثيل السياسي, الاتحاد الأوروبي, السياسة الألمانية, الثقافة السياسية, الديمقراطية, الحركات البيئية العالمية, الانتخابات, الأحزاب السياسية, النخب السياسية, ومنهجية البحث. عمل أستاذا للعلوم السياسية في العديد من الجامعات ولكن منذ يوليو 2008 شغل منصب أستاذ متميز للرأي العام الدولي والبحوث المسحية في قسم العلوم السياسية في جامعة كنساس.
هدف الدراسة الرئيسي: “هو تقييم مدى صمود أركان الأطروحة النخبوية عند عرض الأدلة من منظور عبر وطني.”
وفي هذه الدراسة قام الباحثان بتقييم ادعاءات النخب من خلال تقييم الأدلة العملية من ثلاثة هيئات بحثية:

1) دراسة مجموعة متزايدة من بحوث النخبة حول التسامح السياسي, في كل من الولايات المتحدة والخارج, والذي قدم دليل مباشر حول كيفية التزام النخب بقيم الديمقراطية مقارنة مع كتل العامة.
2) استكشاف تحليلات لمعتقدات النخب في المؤسسات الديمقراطية الجديدة سواء على المستوى الوطني أو العالمي, لتحديد ما إذا كانت النخب السياسية تدعم معايير المؤسسات الديمقراطية التي أنشئت حديثا.
3) تقديم تقييم نهائي للنظرية والبحث آخذين بعين الاعتبار الدراسات الأخيرة للنخب التي تسلط الضوء على سؤال الدراسة المركزي.

أسئلة الدراسة:
السؤال المركزي:
ماذا تخبرنا الأدلة المتوفرة حول مدى جودة صنع القرار لدى النخب في بداية القرن الحادي والعشرين؟
الأسئلة الفرعية: تم طرح بعض الأسئلة الفرعية وهي:
1. ما هي العوامل التي شكلت معتقدات النخبة؟
2. هل تمنع النخب بفعالية الاضطهاد, كما تفترض نظريات النخب؟
3. هل النخب لا تشجع حشد الجماهير المتعصبة ضد الجماعات الهجومية؟
4. هل النخب السياسية تتصرف مثل الساسة, ينحنون للحسابات السياسية عندما تكون وسيلة للترويج لقمع الجماعات الغير شعبية بغض النظر عن مواقفهم؟
5. إلى أي مدى يتصرف النخب كأوصياء على الديمقراطية كما تدعي نظرية النخب (ركيزة الوصاية)؟.
الطريقة التي استخدمها الباحث في دراسته: اعتمد الباحثين في عرضهم للحجج والأدلة على ما يلي:
أجروا مراجعات للدراسات المسحية التي قارنت آراء النخبة وآراء الجمهور عبر السياقات الوطنية الشاملة, وهذه الدراسات ساعدت على التغلب على واحدة من المعيقات الأكثر جدية في البحوث الأولية: وهي التركيز الحصري على الديمقراطيات الناضجة, بشكل عام, والولايات المتحدة بشكل خاص. لأنه عندما ينتقل المرء إلى ما بعد الولايات المتحدة ركائز الديمقراطية النخبوية تصبح موضع تساؤل على نحو متزايد. ثم قاموا بتحليل النتائج المترتبة على هذه الدراسات لبيان مدى صمود أركان نظرية الديمقراطية النخبوية.
الموضوعات التي تناولتها الدراسة:
1. المقدمة: كشفت دراسات الرأي العام السابقة عن عدد من المقارنات المذهلة بين نظم المعتقدات للجمهور والنخب. في سلسلة من الدراسات التاريخية, محلل تلو الآخر وثق حالة التطور السياسي للرأي العام عند مقارنته بالنخب وبخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية: على نحو ملفت للنظر, فلديهم مستويات منخفضة من المعلومات السياسية, ويفتقرون إلى التفكير الأيدلوجي, ولديهم القليل من القيود بين المواقف السياسية المختلفة, وقلق من عدم وجود التزام تجاه مبادئ الديمقراطية الأساسية مثل التسامح السياسي وحقوق الأقليات. كان العزاء الوحيد في هذه الدراسات هو المستوى العالي نسبيا من التطور الديمقراطي والفضيلة التي اكتشفت بين الناشطين والنخب .لم تكن مواقف النخب السياسة تستند فقط على مخزون من المعلومات والخبرات, ولكنها كانت منظمة للغاية من قبل الإيديولوجيات وكانت راسخة على الالتزام المستمر بمبادئ الديمقراطية والمؤسسات. هذه النتائج تأتي من مصادر مختلفة, والتي ظهرت لتأكيد المطلب الرئيسي لنظرية الديمقراطية النخبوية: أن النخب السياسية والنشطاء هم “الحاملين لعقيدة الديمقراطية” والحامين للنظام الديمقراطي في كثير من الأحيان من العامة البسطاء وغير الديمقراطيين.
وقال الباحثين أيضا الكثير حول المصادر والمزايا عالية الجودة لمعتقدات النخب في السياسة الديمقراطية. وقيل إن النخب هم أكثر تعقيدا, لأن لديهم كل المزايا إلى جانبهم: إنهم أفضل تعليما, اجتماعيا هم أفضل في الأخذ والعطاء في السياسات الديمقراطية, ويمتلكون قدرا غير متكافئ من الخبرة, ويتم اختيارهم من الطبقات الاجتماعية والاقتصادية الأقدر. تواصل النخب سهل جدا بسبب اعتمادهم على أيديولوجية مشتركة توفر إرشاد قوي وفعال لجعل معنى للمعلومات المحيرة في العالم السياسي. نقاش النخبة ساعد على هيكلة الجدل السياسي بحيث يمكن للعامة اعتماد حزمة أفكار النخب لمعرفة ما يجري مع ما, حتى لو كانوا لا يعرفون لماذا.وعلاوة على ذلك, إذا كان هناك إجماعا في الرأي بين النخب في دعمهم لقيم الديمقراطية, تلك القيم هي التي يحتمل أن تنتقل إلى العامة بوجه عام, أو على الأقل للنشطاء السياسيين.
ادعاءات النخب كانت محور نقاش مطول في أدب السلوك السياسي على مدى السنوات الخمسين الماضية, هذا الفصل لا يقوم بمراجعة كاملة لدراسات النخب, لأن العديد من الكتاب الآخرين قد قاموا بإجراء دراسة شاملة تغطي كافة الجوانب الخاصة بالنخب والجمهور التي هي خارج نطاق هذه المراجعة .بدلا من ذلك تم التركيز في هذه الدراسة على الأدلة العملية لأربعة من أكثر الدعائم إثارة للجدل لأطروحة الديمقراطية النخبوية التي حددتها الدراسات (Democratic elitism thesis) وهي:
1) الاتفاق الجماعي بين النخب موجود في دعمها والتزامها بقيم الديمقراطية (دعامة توافق الآراء)
2) مواقف النخب الديمقراطية منظمة للغاية (دعامة القيد)
3) النخب إلى حد ما أكثر ديمقراطية من كتل العامة (دعامة الجمهور- النخبة)
4) النخب هم بمثابة أوصياء موثوق بهم للديمقراطية وحماة للمؤسسات الديمقراطية من العامة المتعصبين (دعامة الوصاية).
2) المصادر طويلة المدى لمعتقدات النخب: معظم التحليلات بينت أن التنشئة الاجتماعية كانت مصدرا مهما لمعتقدات النخب. الفكرة الأساسية للتنشئة الاجتماعية هي أن نقطة التقاء ما قبل النضوج الاجتماعي, والتعليم السياسي للبالغين, والتجنيد الانتقائي للأفراد ذوي الصفات المرغوبة جميعها تسهم في ظهور الاختلافات للنخب- الجمهور في المعتقدات السياسية.
في بداية التنشئة الاجتماعية للنخب تتعرض النخب لمجموعة من المصادر التي يتعرض لها جميع أفراد التنظيم السياسي ومعظمها من خلال الآباء والأقران بالإضافة إلى المؤسسات الدينية ووسائل الإعلام وشبكات الصداقة. تعمل هذه القوى على المستويين الوطني والعالمي. مثل النخب الأوروبية قبل الخبرات الوطنية شكلت اختياراتهم على الاندماج. وهذا يشير إلى أن التعليم السابق للنخب يشكل تأثيرا قويا على معتقدات النخب.
إضافة إلى ذلك, النخب السياسية معرضون لقواعد النظام, وبالتالي لديهم المزيد من الفرص لاستيعاب هذه القواعد مقارنة مع المواطنين. التجنيد الانتقائي يتطلب أن يتم اختيار الأفراد المطابقين لمواصفات النظام لشغل المناصب القيادية في المقام الأول. بحوث النخب بالتالي وبشكل منظم يروا أن الأفراد المتعلمين تعليما عاليا أو مطابقين لمواصفات النظام هم مؤهلين أكثر لمناصب بارزة من الأفراد الذين يفتقرون لهذه الصفات. أخيرا, النخب السياسية هم العناصر الفاعلة. يأخذون بعين الاعتبار العوامل قصيرة المدى مثل أداء النظام, أو المنافع الشخصية التي تنبع من مجموعة معينة من المؤسسات. و بالتالي ليس فقط الأثر طويل المدى للتنشئة الاجتماعية على مواقف النخب التي يجب أن يحتسب, ولكن أيضا المصلحة الشخصية قصيرة المدى التي ينبغي أن تتنبأ بمعتقدات نظامهم السياسي. فقط مزيج من العوامل الاجتماعية والمصلحة الشخصية من المرجح أن توفر فهما أفضل لكيفية تصرف النخب بالطريقة التي يتصرفون بها و عما إذا كانوا من المحتمل أن يقوموا بدور المدافعين عن مذهب الديمقراطية.
نظرا للمجموعة المتنوعة من المصادر التي تسهم في تعليم معتقدات النخب, فإنه من الصعب, بل ربما من المستحيل, تحديد المساهمة الفريدة لكل مرحلة. ومع ذلك, وكما لو أن العديد من الدراسات تثبت أن التنشئة الاجتماعية شكلت مواقف النخب, إلا أن هذه الدراسات تلقي بعضا من الشكوك حول دعامة توافق الآراء ودعامة الوصاية على الديمقراطية النخبوية وبخاصة في الديمقراطيات الحديثة. لأننا لا نستطيع أن نفترض أن النخب السياسية هم حملة معايير عقيدة الديمقراطية في الدول الاستبدادية سابقا حيث أن تعلم الديمقراطية لم يكن يحدث. في الواقع, فكرة أن التعليم هو بمثابة مصدر ليس فقط للتنوير ولكن أيضا للتلقين أدى ببعض المحللين ليفترضوا منذ عدة قرون مضت على أن المرء يجب أن ينظر في الظروف الغير ديمقراطية التي بموجبها جاءت النخبة لتكون متعلمة: إذا كانت النخب متعلمة في سياق السلطة, قد يكونوا في الواقع أكثر عزوفا في تأييد قيم الديمقراطية. وهكذا, عندما نتحرك خارج نطاق الديمقراطيات الناضجة, حجج التنشئة الاجتماعية تشير إلى احتمالات مقلقة أن نخب ما بعد السلطوية لا تؤيد قيم ومعتقدات الديمقراطية للدرجة نفسها مقارنة مع نظرائهم الأمريكيين.
3) بحوث التسامح السياسي: البحوث المقارنة لمستويات ومصادر التسامح السياسي (الذي يعرف على أنه رغبة أو استعداد للسماح بالتعبير عن الأفكار المعارضة) بخصوص الجمهور والنخب قدمت واحدة من أكثر التقييمات تركيزا على النظرية النخبوية الديمقراطية. ستوفير (1953) و ماكلوسكي (1964) وجدوا من خلال دراساتهم أن مستويات التسامح بين النخب أعلى بشكل مثير مقارنة مع الجمهور, والتي قدمت الكثير من الدعم التجريبي للديمقراطية النخبوية. كشف ستوفير في دراسته حول معالم التسامح السياسي في الولايات المتحدة خلال عهد مكارثي (الخوف الأحمر), (1955) عن وجود فجوة كبيرة بين الجمهور والنخب (يعرفون على أنهم قادة المنظمات المحلية السياسية والمجتمعية) في تسامحهم مع مجموعات الجناح الأيسر (الشيوعيين في المقام الأول). مكلوسكي (1964) وجد أيضا أن النخب السياسية كانوا أكثر التزاما بمعايير وقيم الديمقراطية من جمهور العامة. إن النتائج المستخلصة من هذه الدراسات وغيرها وضعت الأساس لنظرية نخبوية الديمقراطية عن طريق الاقتراح بأن الديمقراطيات من المرجح أن تستمر إذا كان النخب يتصرفون “كحماة للديمقراطية” و”حملة لعقيدة الديمقراطية” ويحمون النظام من العامة المتعصبين.
نان,وكروكت, ووليامز (1978) أعادوا تكرار للدراسة المسحية لستوفير (1970) وخلصوا إلى أن الاختلافات ما بين النخب والجمهور في مستويات التسامح السياسي يمكن أن يعزى إلى التجنيد الانتقائي للنخب من الطبقات الاجتماعية والاقتصادية العليا. إضافة إلى ذلك, ماكلوسكي وبريل (1983) خلصوا إلى أن النخب في استطلاعات الرأي كانوا أكثر دعما لقيم الديمقراطية لأنهم كانوا في موقع أفضل لمعرفة هذه القواعد المعقدة من المواطنين العاديين. ليس فقط النخب من المرجح أن يتعرضوا لمبادئ التحررية والدروس العملية لتطبيق هذه المبادئ على الحالات الحقيقية. ولكن النخب من المرجح أنهم يمتلكون الدافع والمعرفة والتنوير والانفتاح على صيغ بديلة للفكر والسلوك الذي في كثير من الأحيان لا يتواجد بين كتل العامة. إن الحكمة التقليدية مغلفة في النخبوية الديمقراطية بحيث تعكس الأدوار التقليدية للمواطنين المدققين بالنخب في نظرية الديمقراطية الكلاسيكية. كما جادل ماكلوسكي وبريل (1983), نحن يجب :”أن نأخذ الراحة من الحقيقة, كما فعل ستوفير, أن قادة المجتمع الذين هم أكثر تسامحا من عامة الناس والذين من المحتمل أن يمارسوا نفوذا غير محبذ على السياسة العامة”. هذه الدراسة, باختصار, ساعدت في إنشاء الدعامة الأولى للأطروحة النخبوية- أن النخب في الأساس موحدة خلف قيم الديمقراطية.
في أواخر 1980 وأوائل 1990, نظرية الديمقراطية النخبوية فيما ينطبق على التسامح السياسي جاءت تحت هجوم سياسي من قبل الباحثين في دراسات التسامح الذين أثارت نتائجهم في الولايات المتحدة و خارجها تساؤلات جدية حول حكمة الاعتماد على النخب حتى يكونوا بمثابة أوصياء على الديمقراطية. أحد أكثر الانتقادات اللاذعة للنخبوية الديمقراطية يأتي من سيندرمان وزملائه (1989,1991,1996) ميثاق حقوق الدراسة في كندا. هذا المشروع يتألف من عينة كبيرة من الجمهور وعينة من النخب السياسية من السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية الحكومية. وجد المؤلف أنه حتى في الديمقراطيات الناضجة مثل كندا, الخلافات بين النخب من مختلف الأحزاب السياسية في كثير من الأحيان تؤدي إلى خسف معدل الاختلافات في مستويات التسامح السياسي ما بين الجمهور والنخب. سيندرمان وزملائه وجدوا أن النخب في أكثر من حزب سياسي كندي واحد كانوا أقل تسامحا في المجمل من العامة
إضافة إلى ذلك, سيندرمان وآخرون (1989) مددوا رؤيتهم إلى الولايات المتحدة, حيث أعادوا دراسة نتائج ماكلوسكي وبريل (1983) لإظهار أن, بينما ماكلوسكي وبريل قارنوا فقط متوسط مستويات الاختلافات بين النخب-الجمهور في التسامح السياسي, هدم كلا الفريقين بواسطة الإيديولوجية التي تثبت أن النخب المتحفظة في الولايات المتحدة كانوا أقل تسامحا من المواطنين المتحفظين وكانوا بشكل ملحوظ أقل تسامحا من المواطنين الليبراليين. وهكذا, في كل من كندا والولايات المتحدة, المقارنات ما بين النخب والجمهور عموما قد تكون مضللة. وإنما, هي شؤون أي من النخب في السلطة وأي من النخب يصنع السياسة. لنطرح مثال آخر من أوروبا الغربية, عندما ظهرت الأحزاب اليمينية أو الأحزاب المتطرفة المعادية للأجانب, تم قيادتهم من قبل نخب غير ديمقراطية. النقطة العامة هنا هي أنه قد تكون هناك اختلافات كبيرة عبر الأطراف بشأن مدى دعم النخب السياسية لعقيدة الديمقراطية. باختصار, ركيزة التوافق أو الإجماع قد لا تنطبق على جميع النخب.
يمكن للمرء أن يضيف أيضا أي القيم (أو المجموعات) في الجدل حول الحريات هو في تناقض. سيندرمان وآخرون (1998) وجدوا أنه عندما يتم تقديم النخب والمواطنين للتحدث عن آرائهم الأولية عن التسامح, النخب من الممكن أن يبدلوا مواقفهم كالمواطنين. حتى أكثر إثارة للقلق, النخب (والمواطنين) الذين يبنون في البداية موقفا متسامحا هم أكثر عرضة لتغيير وجهات نظرهم من أولئك الذين يبنون موقفا متعصبا منذ البداية.
سيندرمان وآخرون (1991) خلصوا إلى أن “ليس هناك أدلة قاطعة على أن النخب السياسية, لمجرد كونهم نخب, هم الأوصياء الموثوقين للحريات المدنية. هناك تباين ملحوظ بين النخب من قبل الأطراف, في الواقع إن ما يهم ليس النخب أو المواطنين بل أي النخب تصنع سياسة الحريات المدنية”. بوضوح, التعليم السياسي على مستوى النخب يشمل ليس فقط التعرض للقيم الثقافية الكبرى ولكن أيضا لقواعد جماعات معينة, والتي قد تكون أو لا تكون متسامحة. وباختصار, تفترض النخبوية الديمقراطية أن التناقض الحاسم هو بين الجماهير والنخب, متجاهلا بذلك أي النخب التي تسود. لكن النظام الانتخابي يختار بين مجموعات متنافسة من النخب. وبالتالي ما يهم أي النخب هي التي تقارن بكتل العامة عند تقييم صحة أول (توافق الآراء) وثالث (اختلافات الجمهور- النخب) ركائز الأطروحة النخبوية.
ركيزة توافق الآراء في النظرية النخبوية واجهت مقاومة كبيرة من دراسات التسامح السياسي خارج الولايات المتحدة وغيرها من الدول الناطقة بالانجليزية (بريطانيا, نيوزيلندا). كما أشار العديد من الباحثين, إذا كانت النظرية النخبوية تدعي أن النخب هم أكثر ميلا إلى تعلم الأعراف السائدة للنظام من الجمهور, فإن النخب من الأنظمة غير الديمقراطية سابقا أو في الديمقراطيات الناشئة حديثا يمكن أن تكون أضعف التزاما بقيم الديمقراطية وممارساتها من الواضح, لاختبار هذا الافتراض يحتاج المرء لدراسات استقصائية يتم تطبيقها في الدول التي تتعرض فيها النخب لقواعد أنظمة وممارسات ديمقراطية مختلفة.
دراسة روهرشنيدر (1996,1999) عن التسامح السياسي بين أعضاء البرلمان في برلين المتحدة بعد وقت قصير من سقوط جدار برلين والإتحاد, يقدم واحدة من التجارب الأكثر صرامة لهذا الاقتراح. هذه الدراسة حققت فوائد تحليلية حيث أن الفرق الرئيسي بين أعضاء البرلمان الشرقيين والغربيين هو اختلاف الخبرات التعليمية على المستوى المؤسسي التي تعرضوا لها قبل الإتحاد. وبالتالي, أي اختلاف بين شرقي و غربي نواب البرلمان يعزى إلى التعلم المؤسسي. ونتائج روهرشنيدر تؤكد على أهمية التعلم المؤسسي عندما يتعلق الأمر بتوسيع نطاق الحريات المدنية للجماعات الهجومية. من ناحية أخرى, نواب البرلمان من شرقي وغربي ألمانيا أظهروا مستويات مماثلة من الدعم لقيم الديمقراطية العامة, لأنه يفترض أن المواطنين في الأنظمة الاستبدادية السابقة طوروا أفضلية لقيم الديمقراطية الغربية من خلال مجموعة متنوعة من المصادر (الوصول إلى التلفزيون الغربي, الاتصالات مع الغرب, الخ). من ناحية أخرى, النخب الشرقية من المحتمل أنها من المجموعات الأقل التي تعمل على ربط دعمها لقيم الديمقراطية بتطبيقات معينة من التسامح. وهكذا, على الرغم من وضعهم الاجتماعي والاقتصادي المرتفع, توفر النخب أساسا هشا للتسامح إذا كانت خبرات المؤسسات التعليمية تشجع التعصب.
الدراسات السابقة تثير تساؤلات جدية حول دعامة توافق الآراء ودعامة النخب- الجمهور, وبخاصة في البلدان الغير غربية وفي ظروف من التهديد الكبير والمعارضة للجماعات الهجومية. في ظل ظروف طبيعية تحت مستويات معتدلة من التهديد, وجدت العديد من الدراسات أن النخب السائدة غالبا ما تراوغ في دعمها لقيم الديمقراطية, إلا أنها مازالت أكثر تسامحا من جمهور العامة. باختصار الدعامة الثالثة لأطروحة الديمقراطية النخبوية قد لا تزال معلقة, على الأقل في ظل ظروف معينة. لماذا فقط في حالة الدول الأربع (بريطانيا, إسرائيل, نيوزيلندا, والولايات المتحدة) يتم دراسة مصادر الفجوة في التسامح بين المواطنين والمشرعين الوطنيين من قبل محققين عملهم السابق هو نقد مختلف جوانب النظرية النخبوية بعد تحليل مستفيض, سوليفان وزملائه وجدوا أن هناك تفسيران للاختلاف ما بين الجمهور والنخب في مستويات التسامح:
1) التجنيد الانتقائي لأعضاء البرلمان, الكنيست, والكونجرس من بين هؤلاء الناخبين, لأن الديمغرافيا, الايدولوجيا, والخصائص الشخصية تهيئ لهم أن يكونوا متسامحين.
2) تحول الخبرات الاجتماعية السياسية للراشدين المرتبطة بكونه سيصبح زعيما سياسيا والتي تؤثر على التسامح السياسي علاوة على تأثير المستوى الفردي والخصائص الشخصية, مثل ضرورة وجود تسوية مع المعارضين ومسؤولية وجود حاجة فعلية للحكم.
من المحتمل أن يكون هناك استثناءات كثيرة للظروف التي يندرج تحتها إما التجنيد الاختياري أو التنشئة السياسية هما المسئولان عن توليد مستويات عالية من التسامح السياسي بين النخب من بين الجمهور. أولا, كما ناقشنا بالأعلى, العديد من النخب أقل تسامحا من الجمهور في قضايا الحريات المدنية. ثانيا, سوليفان وآخرون يشيرون بوضوح لتجارب التنشئة الاجتماعية للقادة السياسيين الذين يعملون في النظام الديمقراطي, وليس نظاما أكثر استبدادا أو حديثا, نشوء الديمقراطية في القواعد الليبرالية التي هي أقل توافقية وأقل استيعابا بين النخب.
إضافة إلى ذلك, التنشئة الاجتماعية للنخب نحو التسامح يمكن أن تؤدي إلى الفكر الثاني المعتدل عندما تدرك النخب أن التهديد من الجماعات المنشقة هو دون عتبة معينة. كما لاحظ آخرون, أن الفجوة بين النخب والجمهور في التسامح حدثت أساسا لما كانت الفئة المستهدفة غير معتبرة من قبل النخب لتشكل تهديدا خطيرا لنظام الديمقراطية. على النقيض لاختبارات التسامح, عندما تدرك النخب السياسية أن هناك مستوى عال من التهديد من قبل الجماعات المنشقة, فجوة التسامح بين النخب والجمهور ستتقلص بشكل كبير. في مثل هذه الحالات, لا خصائص النخب الفردية ولا التنشئة السياسية هي كافية لتدفع النخب إلى مستويات أكبر بكثير من التسامح من المواطنين العاديين. وهكذا, عندما يواجهون مع الجماعات المتطرفة والتي يعتقد أنها غاية في التهديد, القادة السياسيين في إسرائيل, ألمانيا, وكندا و النخب المحلية في الولايات المتحدة في 1950 والذين لم يكونوا بشكل كبير أكثر ميلا للانخراط في الفكر الثاني المعتدل أكثر من المواطنين العاديين.
تحذير نهائي لوحظ من قبل بارنوم وسوليفان (1989) و غيرهم, هو أن معظم الدراسات, باستثناء دراسة ستوفير, حددت النخب بشكل ضيق, بوصفهم أعضاء في الهيئات التشريعية الوطنية. المسئولين على المستوى المحلي (مثل الشرطة, المسؤولين المحليين المنتخبين, وقضاة المحاكم الابتدائية) الذين هم في وضع يمكنهم من تقييد الحرية السياسية ليسوا بالضرورة أكثر تسامحا أو حتى متسامحين كأفراد المجتمع
بحوث التسامح تساءلت بجدية عن شمولية الدعامة الأولى من دعائم الأطروحة النخبوية (النخب هي موحدة بالتراضي) كما توفر أدلة هامة على أن دعامة القيد ودعامة النخب-الجمهور تبرز أساسا عند توفر شروط معينة (مثل مؤسسات ديمقراطية مستقرة, مستويات منخفضة أو معتدلة من التهديد). عموما, ومع ذلك, إن الدعامة الثالثة للتسامح الكبير للنخب مقارنة مع الجمهور تتلقى ربما دعما أكثر عبر مجموعة من السياقات, ولكن حتى هنا مختلف الاحتمالات والمحاذير تنطبق.
معيق نهائي للنظرية النخبوية في سياق بحوث التسامح هو أنه يفترض أن تترجم مواقف النخب إلى سلوك. الدليل للدعائم الثلاث الأولى هو غالبا يأخذ كركيزة للدعامة الرابعة, وهي ركيزة الوصاية, والتي تؤكد على سلوك النخب السياسية في حماية الديمقراطية من الجمهور المتعصب. معظم أبحاث النخب, لا تقدم دليلا مباشرا على كيفية تصرف النخب لأنها تركز بشكل حصري تقريبا على مواقف النخب (و الجمهور), وإعطاء القليل من الاهتمام للمراسلات بين مواقف النخب ودورهم في عملية صنع السياسة عندما يتقرر إما أن يتم مسامحة الجماعات الغير شعبية أو أن يتم قمعهم.
نجد أجوبة مقلقة في الدراسات القليلة التي تفحص دور النخب في صنع سياسة التسامح. دراسة جيبسون (1988) عن القمع السياسي للشيوعيين في عهد مكارثي في الولايات المتحدة بينت أن مدى التسامح عند الشيوعيين بين الجمهور أو النخب كان أكثر قدرة على شرح عدد من قوانين الدولة التي تم تمريرها لقمع الشيوعيين خلال أواخر 1940 و أوائل 1950. في تحليل جيبسون لبيانات ستوفير حول الآثار المستقلة لمواقف النخب والجمهور من سياسات الدولة أشارت أكثر إلى النخب من المواطنين العاديين. على الرغم من أن الجمهور قد يرغب بالتواطؤ, خلافا لنظرية النخب, هناك أدلة وافرة على أن النخب لعبت دورا حاسما في عهد مكارثي, ليس باعتبارهم كأوصياء على الديمقراطية, ولكن كقوة للقمع السياسي في الولايات.
دراسة ميشال شامير (1991) عن التسامح السياسي في إسرائيل ألقت مزيدا من الشكوك حول الافتراض القائل أن النخب السياسية هم بمثابة أوصياء موثوقين للديمقراطية. بواسطة الاستقصاء عن النخب والكتل خلال الوقت الذي كان فيه الكنيست الإسرائيلي يقر حظر الجماعات المتطرفة الذين فازوا بمقاعد في المجلس التشريعي, شامير درست تحديات نظرية النخب على ثلاث حسابات رئيسية. الأولى, على النقيض من نظرية النخب, في دراستها المسحية الوطنية لأعضاء الكنيست الإسرائيلي والمواطنين وجدت أن السابقين متعصبين كما اللاحقين. ثانيا, وجدت أن حوار النخب ورسم السياسات بشأن الأسئلة المهمة لحظر الجماعات السياسية كان قد تأثر بحساباتهم السياسية أكثر من مواقفهم السياسية. شامير وثقت أن الأعضاء الذين صوتوا لحظر الجماعات كان نتيجة لحسابات سياسية وبناء للتحالف. النخب المتنافسة لم تقيد تعصب بعضها البعض تجاه مجموعات معينة ولكنهم عوضا عن ذلك تعاونوا في الحد من مجموعة أوسع من الجماعات. الثالثة, كما هو الحال في عهد مكارثي في الولايات المتحدة, لم تكن النخب حماة للديمقراطية ولكنهم استغلوا الجهود المختلفة لتعبئة التعصب بين العامة, الذي كان إلى حد كبير سلبي الموقف وليس مصدرا للسياسة القمعية.
مرة أخرى, الدليل على نظرية النخب في كونها ضعيفة هي في المواقف الأكثر تهديدا واعتراضها على المجموعات الهجومية. من ناحية, يمكن القول أن نتائج هاتين الدراستين هما الأكثر إثارة للقلق لأن دور الوصاية للنخب يكون أكثر حرجا في الحفاظ على الحريات المدنية عند التهديد من الجماعات غير الشعبية. من ناحية أخرى, قد تلعب النخب مع ذلك دورا هاما في الوصاية عندما يكون التهديد دون عتبة معينة والمخاطر السياسية لحماية المجموعات غير الشعبية لا ينظر إليها على أنها باهظة.
4) مواقف النخب في المجالات القيمة الأخرى: إذا وسعنا نطاق دراستنا لقيم ديمقراطية أخرى إلى جانب التسامح, نجد أن الدعم لركائز الأطروحة النخبوية يعتمد على السياق وبخاصة عندما نتحرك خارج نطاق الديمقراطيات الصناعية المتقدمة. الدراسات القليلة لقيم النخب الديمقراطية تبين أن النخب في أوروبا الغربية تدعم الديمقراطية الليبرالية, في حين أشكال أخرى من الديمقراطية, مثل النماذج الاشتراكية, تتلقى دعما ضئيلا. بشكل عام, النخب الأوروبية الغربية في الواقع من أشد المؤيدين لأشكال الحكم الديمقراطي الليبرالي. بما يتفق مع ركيزة توافق الآراء.
كلما انتقلنا إلى ما بعد الديمقراطيات المستقرة للغرب تصبح الأدلة التي تدعم ركيزة توافق الآراء أضعف بكثير. سلسلة من المقارنات ما بين النخب والجمهور في روسيا وأوكرانيا لميلر, هيسلي, وريسنجر, تشير إلى أن النخب الذين انتخبوا بعد انهيار الاشتراكية اعتمد مفهومهم لمصطلح الديمقراطية لدرجة كبيرة على أساس الليبرالية للحريات السياسية, وسيادة القانون, والمشاركة السياسية وإنهم يؤيدون إلى حد ما إصلاحات السوق, بالرغم من تنشئتهم الاشتراكية. في الوقت نفسه, كان هناك اختلافات جوهرية في قطاع النخب, نفسه و اعتمادا على ما إذا كانت النخب سياسية أو بيروقراطية, أو ما إذا كانوا يقيمون في المناطق الريفية أو الحضرية. في سياق مماثل, دراسة عن النخب الصينية المحلية بينت أن النخب مقسمة على الحريات المدنية: أعضاء الحزب الشيوعي المحلي هم أقل تأييدا لإجراءات الديمقراطية من النشطاء المؤيدون للتغيير المؤسسي (شن 1999). وهكذا, مثلما جادل سيندرمان وآخرون (1996) في سياق الحريات المدنية في كندا والولايات المتحدة, إذا كنا وجدنا دعما لركيزة توافق الآراء فإنه يعتمد بشكل حاسم على أي من النخب تم دراستها.
ليس هناك سوى دعم ضعيف لركيزة أطروحة الديمقراطية للنخب- الجماهير. من ناحية, جماهير العامة هم أكثر عرضة من النخب للإشارة إلى المساواة الاجتماعية لحماية الديمقراطيات. هذا يشير إلى أن النخب هم أكثر التزاما بعقيدة الديمقراطية الليبرالية من جمهور العامة. ومن ناحية أخرى, “الاختلافات ليست كبيرة”. وكما وجد روهرشنيدر (1999) في ألمانيا, أن ما بعد النخب السلطوية كانوا أكثر التزاما بمبادئ الديمقراطية من جمهور العامة. في الوقت نفسه, النخب السياسية ليسوا بالضرورة موحدين برضاهم خلف مبادئ الديمقراطية, ليست خلافات الجمهور- النخب جوهرية كما وجدوا في غرب أوروبا. نستنتج بالتالي أن دعامة توافق الآراء ودعامة النخب- الجمهور من أطروحة الديمقراطية النخبوية غير معتمدة بشكل كامل في سياق ما بعد التسلط, وبالتأكيد ليست إلى الدرجة التي تفترضها الأطروحة النخبوية.
فيما يتعلق بدعامة القيد, نجد أدلة مختلفة في الأبحاث حول معتقدات النخبة. في أوروبا الغربية, النخب السياسية والنشطاء السياسيون معرضون لمستويات من القيود أعلى بكثير من جمهور العامة. و بالمثل, تظهر النخب السياسية قدرا كبيرا من التماسك في المواقف عبر مجموعة من المواقف الديمقراطية, مثل الحقوق الديمقراطية الليبرالية, مفاهيم الصراع, والمنافسة التعددية الحزبية. في المقابل, النخب السياسية في الديمقراطيات الحديثة تفتقر إلى هذه البنية. على سبيل المثال, ميلر, هيسلي, وريسنجر وجدوا أن الترابط بين معتقدات الديمقراطية على مستوى النخب هي نوعا ما منخفضة وأحيانا لا تزيد عن جمهور العامة. ويجادلون أن القيود المنخفضة نتجت من عدم الاتساق في بيئة المعلومات في الديمقراطيات الناشئة التي “تفتقر إلى المؤسسات والترتيبات التي تعزز القدرة على التنبؤ في الإجراءات, والتحالفات المستقرة للأحزاب, والمسائلة التمثيلية” ثمة استنتاج مماثل تقريبا يظهر في دراسة النخب السياسية والمواطنين في بكين. عموما, فإن هذه الآثار المترتبة على هذه التحليلات مثيرة للقلق: عندما نتحرك خارج نطاق الديمقراطيات الناضجة نجد أنه ليس المحتوى لمعتقدات النخب التي لا ترقى للأطروحة النخبوية بل هي بنيتها وتركيبها أيضا.
باختصار, نقاشنا والأدلة حول معتقدات النخب بجدية يعقد دعائم أطروحة الديمقراطية النخبوية. لا يجوز أن نفترض دون أي دراسة منهجية عملية, أن النخب حتى في الديمقراطيات الناضجة هم متوافقون من حيث الآراء وراء عقيدة الديمقراطية. ولا يمكن أن نفترض أيضا أن النخب في الأنظمة الجديدة هم المدافعون عن العقيدة. الدعامة الثانية تشكل إشكالية أيضا: إن نظام الاعتقاد للنخب في الديمقراطيات الحديثة هو غالبا غير منظم. دعم أقوى لحجة الديمقراطية النخبوية ينبثق من الدعامة الثالثة, الجمهور- النخب: لدرجة أن معتقدات العامة والنخب تم مقارنتها, والدراسات تكشف بشكل عام أن النخب هم أكثر ديمقراطية من جمهور العامة, وعلى الرغم من ذلك هذه الاختلافات ليست كبيرة جدا.
5) المصادر الإستراتيجية لمعتقدات النخب: في حين أن نقاشنا في الأعلى لهذه النقطة قد أكد أن النظام الاجتماعي هو أساس التزام النخب بمبادئ الديمقراطية, البحوث دلت على وجود تباين كبير في الدرجة التي أي من النخب المختلفة في نفس الدولة تدعم قيم الديمقراطية. هذا يبين لنا أن النخب لا تسن ببساطة القيم التي يكتسبوها خلال عملية التنشئة الاجتماعية, ولكنهم أيضا الأطراف الإستراتيجيون الذين يجرون مجموعة من العمليات الحسابية على المدى القصير عندما يقررون فيما إذا كانوا سيدعمون النظام الديمقراطي. نظريا, من المهم أن ندرك أن تقييم النخب المؤسسي لا يعتمد فقط على ميولهم طويلة المدى, ولكن أيضا على منظورهم الشخصي وأهدافهم السياسية. النخب السياسية تنجذب بشكل طبيعي للبنية الإدارية التي تنتج بكفاءة المخرجات السياسية المرغوب بها والتي تتيح لهم الوصول إلى عمليات صنع القرار.
إن المهم بالنسبة للنخب ذوو الأداء الحكومي الجيد قد تبين من قبل روبرت بوتنام ومساعديه في دراستهم للنخب الإيطالية (1993). تحليلهم العبقري بين أنه عندما يتم استبدال المؤسسات المعطوبة بمؤسسات تقوم بأداء أفضل, نفس السياسيين يصبحون أكثر دعما لهذه المؤسسات. ميادين الأدلة هذه مع المؤلفات الكثيرة على اتجاه الدول التي تشهد مزيدا من النجاح الاقتصادي لتعزيز الاستقرار الديمقراطي على المدى الطويل, صلة تتطلب مزيدا من الدعم لأداء المؤسسات الديمقراطية بنجاح من قبل النخب السياسية (والعامة). النقطة الهامة هنا, هي أن تفضيل النخب لمؤسسات محددة لا يمكن فصله عن رغبتهم في المؤسسات التي تؤدي عملها على نحو كاف. كما يجادل ميلر, وهيسلي, وريسينجر “إذا كان يعتقد المواطنون أن النظام الحالي لا يفي بتوقعاتهم عن الديمقراطية المثالية, فإنه سيكون عندئذ أقل دعما للمحاولات الجارية للدمقرطة ” (1997) وبعبارة أخرى, قد ترفض النخب نظام ديمقراطي لأسباب تتعلق بالأداء, وليس لأنهم يفتقرون للالتزام بقيم الديمقراطية.
والعامل الثاني الذي قد يدخل في الحسابات الإستراتيجية للنخب, ويؤثر لاحقا على مضمون معتقدات النخب حول العمليات الديمقراطية, هو أن النخب السياسية قد وصلت إلى مؤسسات صنع القرار في النظام. بعض الأنظمة المصممة حديثا استبعدت نخب الأقليات, إلى جانب الديانة, الأيديولوجية, أو العرقية وهذا يقلل عادة من استعدادها لقبول البنية الديمقراطية. لهذا السبب, فإن عددا من المحللين أشاروا إلى أنه خلال التغييرات الديمقراطية المسماة Pact- making (التحالف) إن النخب يجب أن تشمل جميع قطاعات النخب من أجل تشجيع معظم النخب لقبول المؤسسات الديمقراطية الجديدة. هذه الاعتبارات التكتيكية أيضا أصبحت واضحة في تحليل هوجينز للبيروقراطيين في المفوضية الأوروبية: الحوافز المادية تشكل اختياراتهم المؤسساتية
باختصار, هذه الدراسات تشير بقوة إلى أن الحسابات السياسية على المدى القصير تأثر على رغبة النخب بتأييد المؤسسات الديمقراطية. هذا قد يتغلب على بعض أوجه القصور في الديمقراطية الاجتماعية إذا كان أداء الأنظمة الجديدة مفضل. وبعبارة أخرى, قد تصبح النخب المدافعين عن عقيدة الديمقراطية حتى لو كانوا بداية ليسوا ملتزمين بقوة بقيم الديمقراطية. بيد أنه إذا فشلت الديمقراطيات الحديثة بأداء دورها بشكل كاف أو أن النخب ممنوعين من الوصول إلى مؤسسات صنع القرار. فإنهم قد يكونوا غير راغبين في دعم أنظمة الديمقراطية.وبالتالي, حسابات السياسيين قصيرة المدى تقودهم بعيدا عن كونهم الضامنين للديمقراطية, تماما كما أشارت الدراسات حول التسامح السياسي
6) الخاتمة و تشتمل على أهم النتائج التي توصلت لها الدراسة:
1. لا يمكن الافتراض بأن ركيزة توافق الآراء لأطروحة الديمقراطية النخبوية هي صحيحة عالميا. لأنه بينما تدعم النخب معتقدات الديمقراطية, هناك أدلة كافية تشير إلى أن هناك استثناءات كثيرة لهذه القاعدة التي لا ينبغي أن تكون أمرا مفروغا منه.
2. كقاعدة عامة, معتقدات النخب تميل لأن تكون أكثر تنظيما من معتقدات الجمهور ومع ذلك, وجد الباحثين أدلة على أن دعامة القيد يجب أن تأهل بشكل جدي في الديمقراطيات الحديثة, لأننا نصادف العديد من الاستثناءات المشكوك بها بأن هذه الركيزة تنطبق على غير ديمقراطيين.
3. الدعم الأقوى يبرز من ركيزة النخب- الجمهور. إلى درجة أن الاختلافات بين المستويين يظهر بوضوح أن النخب السياسية هي أكثر ديمقراطية من الجمهور العادي. هذا القول نسبي, لأنه في ظل ظروف التهديد وفي الكثير من الديمقراطيات الغير غربية الفجوة ما بين الجماهير والنخب في التزامهم بمبادئ الديمقراطية تتقلص إلى حد كبير.
4. الدراسات القليلة التي قامت بدراسة سلوك النخب في أدائهم لدور الوصاية أثارت تساؤلات خطيرة حول ما إذا كانت النخب التي تم انتخابها هم الأوصياء الموثوقين للديمقراطية في ظل ظروف عالية من التهديد.
وخلص الكاتبين في نهاية الفصل إلى الاستنتاج الرئيسي وهو أن النخب قد تكون أفضل رهان في ضمان الحقوق الديمقراطية والحريات المدنية, لكنها أبعد ما تكون عن الرهان الآمن.

أهم الأبواب التي فتحتها هذه الدراسة أمام الباحثين:
• يرى الكاتبان أن دراسات النخب قدمت بعض التقدم في دراسة وبلورة مكونات نظرية النخبة, ولكنهم أوصوا بضرورة إجراء أبحاث تعتمد الأساليب التكنولوجية الحديثة, فيرى الكاتبان أن دراسات المقطع العرضي المسحية هي الشكل السائد لاستطلاع رأي النخب وهي مناسبة تماما لتقييم توافق الآراء لقيم النخب وإجراء مقارنات ثابتة مع عينات من الجمهور. ولكن أشار البعض الآخر بأنها لا يمكنها تقديم تقييم لديناميكية المنطق السياسي أو قياس مدى قوة التزام المشاركين بالمثل العليا المختلفة.
• يرى الكاتبان أيضا أن هناك ضرورة لوجود دراسات أكثر من أجل تقييم مدى مراوغة النخب في التزامهم بمبادئ الديمقراطية في ظل الظروف السياسية المختلفة.
• يضيف الكاتبان أن هناك حاجة لدراسات على المدى الطويل لمواقف النخب في البلاد التي تتوافر فيها بيئة سياسية متغيرة من أجل تقييم ديناميكية التعلم السياسي والاجتماعي للنخب.
• بين الكاتبان أن هناك نقصا في الدراسات التي تدرس السلوك الفعلي للنخب وبخاصة على المدى القصير, والعوامل الإستراتيجية, ونقاط الضعف التي تؤدي بالنخب للتخلي عن دورهم كخبراء في صنع القرار ومدافعين عن حقوق الديمقراطية.
• هناك حاجة أيضا لدراسات استقصائية يتم تطبيقها في الدول التي تتعرض فيها النخب لقواعد أنظمة وممارسات ديمقراطية مختلفة.

تقييم الدراسة:
1. لقد قام الكاتبان بتحديد هدف عام وقد نجحا في تحقيق هذا الهدف في نهاية الدراسة, حيث كان الهدف الرئيسي يتمثل بمدى صمود أركان الأطروحة النخبوية عند عرض الأدلة من منظور عبر وطني, وقد خلص الباحثان في النهاية إلى أن النخب هي أفضل رهان حالي لضمان الحقوق الديمقراطية والحريات المدنية ولكنه ليس بالرهان الآمن.
2. لقد تميزت الدراسة في إضفاء مزيد من الموضوعية العلمية على الدراسات المتعلقة بالنخب. إضافة إلى أنها فتحت المجال أمام دراسات مستقبلية.
3. لم يكتف الكاتبان بتناول الدراسات التي أيدت أركان نظرية النخب الديمقراطية وإنما تناولوا أيضا الدراسات التي شككت في أركان النظرية.

*كاتب وباحث فلسطيني
Salah.nablus@yahoo.com

المصدر:

*Peffley M, and Rohrschneider R. Elite Beliefs and the Theory of Democratic Elitism. In: Dalton R, and Klingemann H D. The Oxford Handbook of Political Behavior. Oxford University Press. 2007.

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى