دراسات سياسية

معركة حلب: الحسم العسكري، إفلاس، وفرص هزيمة الإرهاب

د.عامر مصباح (جامعة الجزائر 3)
17/12/2016
لم يكن نجاح القوات المسلحة السورية في السيطرة على شرق حلف مفاجئأ من الناحية التكتيكية والعملياتية، لسبب بسيط أن إدارة أوباما وحلفاءها في المنطقة سحبت دعمها عن الجماعات المسلحة في المدنية، منذ أن أعلن أوباما قبل ثلاث أسابيع “أنه لا يمكن للمعارضة أن تصمد طويلا في شرق حلب”، وبالتالي أصبح تركيز الولايات المتحدة وحلفائها في أوربا موجها نحو تأمين خروج العملاء وعناصر الدعم اللوجستي والاستخباري من شرق حلب، بالإضافة إلى تقليص الآثار الإنسانية إلى حدودها الدنيا في صفوف المدنيين. كما أن قدرات الجيش السوري في حرب المدن ليست جديدة، فقد اكتسبها من الحرب الأهلية في لبنان لأكثر من عشرين سنة.
المسألة الرئيسية المترتبة عن معركة حلب محددة في فرص الحكومة السورية، روسيا وحتى الولايات المتحدة ومن معها، النجاح في إلحاق الهزيمة الكبرى بالإرهاب في سوريا واحتواء مخاطر انتقال أفراد الجماعات المسلحة إلى مناطق أخرى؛ أو حتى إستعادة أنفسها والانخراط من جديد في حرب عصابات عبر سوريا ومناطق أخرى، ومهاجمة خصومها هنا وهناك. بمعنى أدق، هل الحسم العسكري في معركة معينة سوف يؤدي إلى تراجع قوة الجماعات المسلحة، ومن وراء ذلك تحقيق نصر على الإرهاب نفسه.
الإجابة ببساطة لا، بسبب أن الحرب العسكرية الجارية ضد الإرهاب في المنطقة تجري ضمن سياق فراغ سياسي أو بالأحرى إفلاس سياسي، بحيث أن القوات المسلحة تقاتل الجماعات المسلحة باسم حكومات ليس لديها مشروع سياسي يمكن أن يشد انتباه الشعب ويقلص مناخ إنتاج الإرهاب. على اعتبار أن الحكومات التي تشهد مجتمعاتها تصاعد حدة الإرهاب ليست شرعية ولا تتمتع بقاعدة شعبية عريضة. وفي أحسن الحالات، وجود حكومات منتخبة بطريقة مزورة أو تتميز بالميول المذهبية أو متورطة في عمليات فساد كبرى. لذلك، سوف يستمر الإرهاب يضرب المنطقة ويمزق المجتمعات، مرة ضد القوات المسلحة، ومرة أخرى ضد الأقليات الدينية (تفجير الكنيسة القبطية بحي العباسية في القاهرة الأسبوع الماضي)، ومرة أخرى ضد المصالح الأجنبية.
الوضع الأكثر تعقيدا، أن الحكومات الغربية التي تدعي أنها ديمقراطية، تعمل على دعم وتشجيع الجماعات الإرهابية والحكومات العسكرية أكثر من دعمها للتحول الديمقراطية وتشجيع الأحزاب السياسية والمجتمع المدني، بل إن الديمقراطية قد قبرت بواسطة دعم الجماعات الإرهابية وحتى الجماعات الإنفصالية تحت اسم “المعارضة المعتدلة”.
إن كل الحقائق الإمبريقية تشهد على فشل الاستراتيجية العالمية لمكافحة الإرهاب، بأن تحولت بعض الدول إلى فاشلة، وأخرى عسكرية، وظهرت جماعات إهاربية جديدة، تتغذى من الوضع المأساوي لفشل التحول الديمقراطي وإفلاس السياسة المدعومة أصلا من حكومات الاتحاد الأوربي وأمريكا الشمالية.
يجب عدم البكاء على حلب، وتصويرها على أنها انهيار لجبهة المقاومة ضد الطغيان، لأن تلك الجبهة (كما يتهيأ للبعض) هي صناعة اسخبارية أطلسية عربية لوضع آخر مسمار في نعش “التحول الديمقراطي”. النتيجة، أنه سوف تظهر موجة أخرى من الإرهاب وجيل جديد من المتطرفين اليائسين من السياسة، والمحبطين من الواقع الاجتماعي الاقتصادي، والمنتقمين من الذين دفعوهم إلى القتال باسم الجهاد ثم سنّوا قوانين تصنفهم على أنهم إرهابيين إذا رجعوا إلى أوطانهم.

 

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى