مفاهيم أمنية: الأمن الانساني

يركز مفهوم الأمن الإنساني على الإنسان الفرد وليس الدولة كوحدة التحليل الأساسية؛ فأي سياسة أمنية يجب أن يكون الهدف الأساسي منها هو تحقيق أمن الفرد بجانب أمن الدولة؛ إذ قد تكون الدولة آمنة في وقت يتناقص فيه أمن مواطنيها. بل إنه في بعض الأحيان تكون الدولة مصدرًا من مصادر تهديد أمن مواطنيها. ومن ثم يجب عدم الفصل بينهما.

برز مفهوم الأمن الإنساني في النصف الثاني من عقد التسعينيات من القرن العشرين كنتاج لمجموعة التحولات التي شهدتها فترة ما بعد الحرب الباردة فيما يتعلق بطبيعة مفهوم الأمن، ونطاق دراسات الأمن. إذ أثبتت خبرة الحرب الباردة أن المنظور السائد للأمن -وهو المنظور الواقعي- لم يعد كافيًا للتعامل مع طبيعة القضايا الأمنية ومصادر التهديد فترة ما بعد الحرب الباردة، والحاجة لتوسيع منظور الأمن ليعكس طبيعة مصادر التهديد فترة ما بعد الحرب الباردة. وكان مفهوم الأمن لدى أنصار الاتجاه الواقعي في العلاقات الدولية يقتصر على حدود أمن الدولة القومية باعتبارها الفاعل الرئيس (إن لم يكن الوحيد) في العلاقات الدولية، وذلك ضد أي تهديد عسكري خارجي يهددها، أو يهدد تكاملها الإقليمي، أو سيادتها، أو استقرار نظامها السياسي، أو يمس إحدى مصالحها القومية. وفي سبيل حماية تلك المصالح فإن استخدام القوة العسكرية يُعد أداة أساسية لتحقيق الأمن، وتتحول العلاقة بالآخرين لمباراة صفرية لا بد فيها من مهزوم ومنتصر، والتعاون الدولي الطويل الأجل محض وهْم لا يمكن تحقيقه.

وقد ساد هذا المنظور الواقعي للأمن منذ صلح وستفاليا ونشأة الدولة القومية عام 1648، أي لمدة ثلاثة قرون ونصف القرن، إلا أن مفهوم الأمن قد حظي بمزيد من التمحيص من قبل دارسي العلاقات الدولية فترة ما بعد الحرب الباردة؛ وهو ما أثمر ظهور مفاهيم أخرى أبرزها مفهوم الأمن الإنساني.

تحولات المشهد الدولي وتغير المفاهيم

يعد التحول في مفهوم الأمن نتيجة منطقية لتغير المشهد الدولي بشكل نوعي؛ وهو ما أدى لإعادة النظر في كافة الافتراضات الأساسية للمعادلة الأمنية في العلاقات الدولية.

فمن ناحية لم يعد الفعل والتأثير في العلاقات الدولية حكرًا على الدولة القومية؛ إذ أصبح هناك فاعلين دوليين من غير الدول كالمنظمات الحكومية الإقليمية والدولية، والمنظمات الدولية غير الحكومية.

ومن ناحية أخرى حدث تحول في طبيعة مصادر التهديد للدولة القومية؛ إذ لم يصبح التهديد العسكري الخارجي هو مصدر التهديد الوحيد لأمن الدولة (كما يفترض أنصار المنظور الواقعي). فالدولة أصبحت الآن تواجه بأنماط عدة من مصادر التهديد، والتي ليست بالضرورة مصادر عسكرية، ومنها تجارة المخدرات عبر الحدود، والجريمة المنظمة، وانتشار الإرهاب الدولي، وانتشار الأمراض والأوبئة كالإيدز، وانتشار الفقر، والتلوث البيئي… إلخ. وعجز المنظور التقليدي للأمن عن التعامل مع تلك القضايا؛ إذ إن التهديد في معظم الأحيان غير مرئي أو واضح. كما أن القوة العسكرية لا تصلح كأداة لمواجهة تلك الأنماط من مصادر التهديد الذي قد تفوق آثاره المدمرة آثار التهديد العسكري المباشر، فتشير الإحصاءات إلى أنه خلال العقد الماضي تم إنفاق 240 بليون دولار على علاج الإيدز في العالم، وهناك 24 شخصًا يموتون جوعًا كل دقيقة. والأخطر من ذلك أنه لا يمكن لأي دولة أن تغلق حدودها أو أن تستخدم القوة العسكرية للحيلولة دون انتشارها. والخلل الاقتصادي والسياسي في أي مجتمع لم يعد يقتصر على المواطنين فقط بل تمتد تلك الآثار لخارج الحدود في صورة تلوث، وأمراض وأوبئة، وإرهاب، ولاجئين. ومن ثم يتطلب التعامل معها تعاونًا على المستوى العالمي وبأدوات مختلفة.

وكان لزامًا أن يؤدي ذلك إلى تغير أجندة العلاقات الدولية، فشهدت العقود الأخيرة مزيدًا من التركيز على مجموعة من القضايا، ومنها قضايا تلوث البيئة، والانفجار السكاني، وقضايا اللاجئين، وقضايا الأمن البحري، وغيرها من القضايا العالمية. ولم يصبح بمقدور دولة واحدة السعي لتحقيق أمنها منفردة، فلم تمنع القوة النووية التي كان يملكها الاتحاد السوفيتي والتي كانت تكفي لتدمير العالم عشرات المرات من تهاويه. وعلى جانب آخر حدث تحول في طبيعة الصراعات ذاتها؛ إذ أصبحت معظم الصراعات داخلية بين الجماعات والأفراد وليست بين الدول، فتشير الإحصاءات إلى أنه من بين 61 صراعًا شهدها عقد التسعينيات من القرن العشرين كان 58 منها صراعًا داخليًا -أي بنسبة 95% تقريبًا- و90% من ضحايا تلك الصراعات من المدنيين وليسوا عسكريين ومعظمهم من النساء والأطفال. فالصراعات أصبحت بين جماعات وليست بين الدول والضحايا فيها من المدنيين. ومصادر التهديد الأساسية للدول لم تعد مصادر خارجية فحسب، بل أصبحت من داخل حدود الدولة القومية ذاتها، ومثال النزاعات المسلحة في أفريقيا من الصومال إلى رواندا إلى ليبيريا مثال واضح.

ويتسم هذا النمط من الصراعات الداخلية بشدة التعقيد والتشابك وارتباطها بخلفيات وجذور ممتدة وغاية في التعقيد، بالإضافة إلى الاستخدام المتزايد للعنف، والانتهاك الشديد لحقوق الإنسان.

وعلى الرغم من أن مكونات الأمن الإنساني ومصادر تهديده موجودة تاريخيًا فإن بروز المفهوم مؤخرًا ارتبط بعملية العولمة والتي جعلت مصائرنا مشتركة؛ وذلك نظرًا لما تقوم عليه عملية العولمة من فتح للحدود بين الدول لانتقال السلع والخدمات والتحرير الاقتصادي العالمي. فقد أكدت دراسات الاقتصاد الدولي على أن التحرير الاقتصادي العالمي له مخاطر عدة منها انتشار أنظمة غير مستقرة لا يمكن التحكم فيها خاصة في الأسواق المالية. بالإضافة إلى ما أكدت عليه تلك الدراسات من تأثيرات سلبية قد تصيب الاقتصاد العالمي والتي يمكن أن يكون لها تأثيرها السلبي على قضايا البيئة، والاستقرار السياسي.

ففي تقرير صدر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي عام 1999 بعنوان “عولمة ذات وجه إنساني Globalization with a Human Face ” أكد التقرير على أنه على الرغم مما تقدمه العولمة من فرص هائلة للتقدم البشرى في كافة المجالات نظرًا لسرعة انتقال المعرفة وانتقال التكنولوجيا الحديثة وحرية انتقال السلع والخدمات، فإنها في المقابل تفرض مخاطر هائلة على الأمن البشرى في القرن الحادي والعشرين، وهذه المخاطر ستصيب الأفراد في الدول الغنية والفقيرة على حد سواء. وقد حدد التقرير سبع تحديات أساسية تهدد الأمن الإنساني في عصر العولمة تتمثل في:

أ. عدم الاستقرار المالي: والمثال البارز على ذلك الأزمة المالية في جنوب شرقي آسيا منتصف عام 1997. إذ أكد التقرير على أنه في عصر العولمة والتدفق السريع للسلع والخدمات ورأس المال فإن أزمات مالية مماثلة يتوقع لها أن تحدث.

ب. غياب الأمان الوظيفي وعدم استقرار الدخل: إذ دفعت سياسة المنافسة العالمية بالحكومات والموظفين إلى اتباع سياسات وظيفية أكثر مرونة تتسم بغياب أي عقود أو ضمانات وظيفية؛ وهو ما يترتب عليه غياب الاستقرار الوظيفي.

ج. غياب الأمان الصحي: فسهولة الانتقال وحرية الحركة ارتبطت بسهولة انتقال وانتشار الأمراض كالإيدز فيشير التقرير إلى أنه في عام 1998 بلغ عدد المصابين بالإيدز في مختلف أنحاء العالم حوالي 33 مليون فرد، منهم 6 ملايين فرد انتقلت إليهم العدوى في عام 1998 وحده.

د. غياب الأمان الثقافي: إذ تقوم عملية العولمة على امتزاج الثقافات وانتقال الأفكار والمعرفة عبر وسائل الإعلام والأقمار الصناعية. وقد أكد التقرير على أن انتقال المعرفة وامتزاج الثقافات يتم بطريقة غير متكافئة، تقوم على انتقال المعرفة والأفكار من الدول الغنية إلى الدول الفقيرة، وفي أحيان كثيرة تفرض الأفكار والثقافات الوافدة تهديدًا على القيم الثقافية المحلية.

هـ. غياب الأمان الشخصي: ويتمثل في انتشار الجريمة المنظمة والتي أصبحت تستخدم أحدث التكنولوجيا الحديثة.

و. غياب الأمان البيئي: وينبع هذا الخطر من الاختراعات الحديثة والتي لها تأثيرات جانبية بالغة الخطورة على البيئة.

ز. غياب الأمان السياسي والمجتمعي: حيث أضفت العولمة طابعًا جديدًا على النزاعات تمثلت في سهولة انتقال الأسلحة عبر الحدود؛ وهو ما أضفى عليها تعقيدًا وخطورة شديدين، كما انتعش دور شركات الأسلحة والتي أصبحت في بعض الأحيان تقوم بتقديم تدريب للحكومات ذاتها؛ وهو ما يمثل تهديدًا خطيرًا للأمن الإنساني.

وقد شهدت فترة ما بعد الحرب الباردة اهتمامًا بقدرات الدولة الاقتصادية -بجانب قوتها العسكرية- في توفير الحماية الأمنية على كافة المستويات آنفة الذكر.

فالاتجاه المتزايد نحو التكامل الاقتصادي سهل خلق روابط بين دول تنتمي لنظم وخلفيات سياسية واقتصادية واجتماعية مختلفة؛ وهو ما ساهم في خلق مناخ ملائم لتطوير وإنشاء عدد من المبادرات الأمنية.

وإذا كان التحليل التقليدي للأمن قد ركز على دور الترتيبات الحكومية والاتفاقات الدولية في تنظيم مجمل أنماط العلاقات الدولية فإن وجود تلك القواعد لا يعني بالضرورة التزام الدول بتنفيذ تعهداتها في إطارها. ومنها قضايا اللاجئين؛ إذ يوجد عدد كبير من القواعد والاتفاقات الدولية لتنظيم مجمل أوضاع اللاجئين، إلا أن ما تشهده حاليا هو اتجاه متزايد من الدول لعدم تنفيذ التزاماتها الدولية فيما يتعلق بمعاملة اللاجئين؛ وهو ما جعلنا نبدأ القرن الحادي والعشرين وبين مواطني العالم حوالي 15 مليون لاجئ بالإضافة إلى حوالي 27 مليون نازح داخلي. فما نشهده حاليا هو اتجاه الدول نحو عدم الالتزام بتنفيذ تعهداتها الدولية. لذا انصب الاهتمام على كيفية التوصل لإطار يمكن من خلاله الدفاع عن القواعد والأعراف الدولية بغية مساعدة الجماعات المختلفة خاصة في وقت الأزمات.

مقومات مفهوم الأمن الإنساني وتطوره

كانت هذه أسباب المراجعة القوية لمفهوم الأمن، وانصب اهتمام دارسي العلاقات الدولية على توسيع المفاهيم وتطوير النظريات حتى يتسنى لنا تفسير الواقع المتغير. وكان أحد المتطلبات هو أن تكون الدراسات في مجال العلوم الاجتماعية أكثر اقترابًا من احتياجات المواطنين -فيما يعرف بأنسنة العلوم الاجتماعية أو أنسنة قضايا الأمن.

ويرتكز مفهوم الأمن الإنساني بالأساس على صون الكرامة البشرية وكرامة الإنسان، وكذلك تلبية احتياجاته المعنوية بجانب احتياجاته المادية، والاقتراب الرئيسي هنا هو أن الأمن يمكن تحقيقه من خلال اتباع سياسات تنموية رشيدة، وأن التهديد العسكري ليس الخطر الوحيد، لكن يمكن أن يأخذ التهديد شكل الحرمان الاقتصادي، وانتقاص المساواة المقبولة في الحياة، وعدم وجود ضمانات كافية لحقوق الإنسان الأساسية. فتحقيق الأمن الإنساني يتطلب تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة، وصون حقوق الإنسان وحرياته، والحكم الرشيد، والمساواة الاجتماعية، وسيادة القانون.

وعلى الرغم من أن الأفكار التي تشكل أساس أو دعامة مفهوم الأمن الإنساني تركز على الفرد كوحدة تحليل فإنها أيضًا تدخل في اعتبارها ما وراء الدولة وتتفق مع الاقترابات الحديثة في دراسات الأمن والسلم الدوليين التي تقوم على أن أمن وسلم أي دولة يعتمد على أمن وسلامة الدول الأخرى؛ فأمن الدولة رغم أهميته لا يعدو إلا آن يكون جزءًا من أجزاء البناء الأمني المتكامل. بمعنى أن أي نظام عالمي آمن ومستقر يبنى أمنيًا من أسفل (الأفراد) إلى أعلى (العالم). ومن ثم، فان أمن الدولة مجرد مساحة وسيطة.

ويمكن تتبع جذور مفهوم الأمن الإنساني في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1945 الذي كان تركيزه منصب على إرساء بعض القواعد الكفيلة بحماية حقوق الإنسان، وبالتالي تحقيق الأمن الإنساني. تلي ذلك بعض المبادرات المحدودة لطرح مفهوم الأمن الإنساني، إلا أنه لم يكن لها صدى كبير ودور مؤثر في طرح المفهوم على أجندة العلاقات الدولية. ففي عام 1966 ظهرت نظرية سيكولوجية كندية باسم “الأمن الفردي Individual Security”، ومع بداية السبعينيات بدأت تظهر مجموعة من التقارير لبعض اللجان ومنها جماعة نادي روما، واللجنة المستقلة للتنمية الدولية، واللجنة المستقلة لنزع السلاح والقضايا الأمنية. وقد أكدت تلك اللجان في تقاريرها على أهمية تحقيق أمن الفرد. وركزت على ما يعانيه الأفراد في كافة أنحاء العالم من فقر وتلوث، وغياب للأمن الوظيفي في سوق العمل، ومن ثم ضرورة دفع الاهتمام نحو مشاكل الأفراد.

إلا أن المساهمة الحقيقية لدفع المفهوم جاءت من خلال تقرير التنمية البشرية لعام 1994 الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي؛ إذ تناول التقرير في الفصل الثاني “الأبعاد الجديدة للأمن الإنساني”، وتنبأ التقرير بأن تؤدي فكرة الأمن الإنساني رغم بساطتها لثورة في إدارة المجتمعات في القرن الحادي والعشرين.

وقد حدد التقرير أربع خصائص أساسية للأمن الإنساني هي:

1. الأمن الإنساني شامل عالمي؛ فهو حق للإنسان في كل مكان.

2. مكونات الأمن الإنساني متكاملة يتوقف كل منها على الآخر.

3. الأمن الإنساني ممكن من خلال الوقاية المبكرة، وهي أسهل من التدخل اللاحق.

4. الأمن الإنساني محوره الإنسان ويتعلق بنوعية حياة الناس في كل مكان.

وقد حدد التقرير مكونات الأمن الإنساني في شقين؛ الأول هو الحرية من الحاجة، والثاني هو الحرية من الخوف. (مما يتفق مع مفهوم الأمن الاجتماعي القرآني).

وهناك عدد آخر من الأسس أو الدعائم التي يقوم عليها المفهوم التي تناقشها الأدبيات المختلفة، ومنها:

1. الأداة الفاعلة في تحقيق الأمن الإنساني هي ما يطلق عليها القوة اللينة بجانب التنمية البشرية وتحقيق الديمقراطية. ومن ثم، يمكن تحقيق الأمن الإنساني من خلال التغيير الهيكلي بدلا من الأداة العسكرية.

2. إذا ما تم استخدام القوة لتحقيق الأمن الإنساني في مناطق النزاع أو في الأنظمة الاستبدادية الشرسة فهذا لا بد أن يتم بطريقة قانونية، وجماعية، وتحت مظلة المنظمات الدولية. فالدول والمنظمات الإقليمية والدولية (الحكومية وغير الحكومية ) يجب أن تتفاعل معًا لتشكيل قواعد العمل في مجالات الأمن الإنساني؛ إذ لا تستطيع دولة بمفردها مواجهة مصادر تهديد الأمن الإنساني.

3. رغم أن المفهوم يتجاوز النظرة التقليدية لأمن الدولة، فإنه لا يعني تهميش دور الدولة؛ ففي التحليل النهائي الدولة هي المسئولة عن توفير الأمن للمواطنين خاصة في ظل تعقد مصادر تهديد أمن الأفراد في ظل العولمة.

4. أي سياسة اقتصادية أو أمنية لصانع القرار يجب أن تشتمل على بعد اجتماعي، ويركز مفهوم الأمن الإنساني على أن السياسات العامة ينبغي أن تركز على مواجهة كافة أشكال الاضطهاد والاستبعاد.

5. إذ كان وفقا للمنظور التقليدي للأمن تحقيق الأمن يعد مباراة صفرية، فإن تحقيق الأمن الإنساني يعد مكسبًا لجميع الأطراف من أجل التنمية البشرية المتوازنة والأمن الجماعي طويل المدى.

الأمن الإنساني: مستقبل العالم من خلال مكانة الأفراد والمجتمع

لعل أبرز مرتكزات تحقيق الأمن الإنساني في عالم اليوم في ظل العولمة هي:

أولا :على المستوى المحلى

· ضرورة التوصل لإطار ملائم يمكن من خلاله التوفيق بين متطلبات الأمن الإنساني وأمن الدولة؛ نظرًا لارتباط أمن الأفراد بأمن الدولة؛ فتحقيق أي منهما لا يمكن أن يتم بمعزل عن الآخر.

· عملية إعادة بناء نظم واقتصاديات الدول يجب أن تنبع من اقتراب إنساني وأن تكون موجهة نحو خدمة وتحقيق أمن الأفراد من خلال خلق المؤسسات الكفيلة بتحقيق متطلبات الأمن الإنساني والرفاهة الإنسانية.

· اتباع سياسات تنموية رشيدة على المستوى المحلي يستلزم خلق نوع من التوازن بين متطلبات أمن الأفراد وأمن الدولة، من خلال توازن بين الإنفاق على الصحة والتعليم من جهة، والإنفاق العسكري من جهة أخرى. فوفقا لتقرير التنمية البشرية لعام 2001 يلاحظ انخفاض نسبتي الإنفاق على الصحة والتعليم مقارنة بالإنفاق العسكري كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي وخاصة في الدول ذات التنمية البشرية المنخفضة.

ثانيا: على المستوى الإقليمي

في ظل صعوبة وتعقد وتشابك قضايا الأمن الإنساني فإن التعاون الإقليمي يعد إطارًا ملائمًا لمواجهة مصادر تهديد الأمن الإنساني وخاصة في قضايا مثل قضايا اللاجئين. ومع هذا نجد أن دور المنظمات الإقليمية ما زال محدودًا. فبجانب الاتفاقيات التجارية والاقتصادية، فالمنظمات الإقليمية مطالبة بتوجيه مزيد من الاهتمام لقضايا الأمن الإنساني ومنها قضايا اللاجئين. ففي جنوب شرقي آسيا وحدها يوجد 2.2 مليون لاجئ، وهناك بعض المنظمات التي تنبهت لمفهوم الأمن الإنساني ومنها الآسيان (رابطة أمم جنوب شرقي آسيا)، ومع هذا يظل دور المنظمات الإقليمية بحاجة إلى مزيد من التفعيل فيما بينها لمواجهة التحديات السابق ذكرها من مشكلات لاجئين وتجارة مخدرات وجريمة دولية.

ثالثا: على المستوى العالمي

قضايا الأمن الإنساني هي بالأساس قضايا كونية أو عالمية ومواجهتها تتطلب سياسات رشيدة وتعاونًا على المستوى العالمي. ومن أبرز المتطلبات على المستوى العالمي لتحقيق الأمن الإنساني:

· إدخال بعض الإصلاحات على نظام الأمم المتحدة بحيث يصبح أكثر استجابة لمتطلبات الأمن الإنساني، ويمكن اقتراح إنشاء لجنة للأمن الإنساني في إطار المنظمة يكون هدفها دراسة أوضاع الأمن الإنساني في مختلف أنحاء العالم وتقديم تقاريرها في هذا الصدد، ومن ناحية أخرى هناك ضرورة للتوصل إلى أداة إلزامية تلزم الدول بتنفيذ تعهداتها الدولية في إطار الاتفاقات الدولية المتعلقة بقضايا حقوق الإنسان.

· يتطلب تحقيق الأمن الإنساني نموذجًا جديدًا للتنمية البشرية، وتحقيق هذا النوع من التنمية البشرية يتطلب درجة عالية من التعاون العالمي لتحقيق التنمية، أي تصميم إطار جديد للتعاون التنموي ليلائم التزامات الأمن الإنساني. وترتكز تلك السياسة التنموية على محاربة الفقر على المستوى العالمي، ومكافحة انتشار مرض الإيدز، ومحاربة التلوث البيئي.

ولا شك أن مفهوم الأمن الإنساني قد حظي بقوة دفع شديدة في السنوات الأخيرة، ولعل من إرهاصات دمجه في السياسات الخارجية تبني بعض الدول المفهوم كجزء من أجندة سياستها الخارجية ومنها اليابان وكندا، حيث وضعتا المفهوم كأحد الأهداف الأساسية في سياستهما للمساعدات والمعونات الخارجية وشروط وأوجه توظيفها ليتم توجيهها لمشروعات بناء القدرات الذاتية للأفراد والمجتمعات المحلية لتوفير مقومات الأمن الإنساني بما ينعكس على تحسين نوعية الحياة للبشر في مساراتهم اليومية.

 

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button