مفاهيم أمنية: الأمن النفسي

لا يخفى على الجميع ان الامن بمفهومه العام هو التحرر من الشعور بالخوف الى الطمأنينة والراحة النفسية والكسينة، والخوف يدفع بالانسان الى الهروب من البيئة التي يعيش فيها كما جاء في الاية (21) من سورة الشعراء في قول موسى عليه السلام ((فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ))، والخوف ايضا قد يجعل الانسان يستسلم لليأس والعجز قال تعالى في الاية (97) من سورة النساء((إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ ۖ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ ۚ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا ۚ فَأُولَٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا))، وكانت الاديان السماوية خير من اظهر اهمية الامن النفسي والصحة النفسية وعلاقته بالجوانب الايمانية.
ويعرف الامن النفسي على انه” ذلك الشعور الذي ينتاب الانسان ويجعله يشعر بانه محبوب ومقبول ومحترم من قبل الاخرين ويحضى بالمكانة التي ترضيه اذا كان فيهم، ووجود بيئة امنة ومستقرة يستطيع ان يجد فيها ذاته من غير ان يشعر فيها بالخوف او الخطر او الخذلان” ومن هذا التعريف يمكن القول ان الامن النفسي يمتاز بوجود بعدين هما:-
1- البعد الاول– البعد الاساسي او الداخلي:- ويمتاز بان الفرد فيه:-
أ- يشعر بانه محبوب.
ب- تربطه صلة رحم او قرابه فهو زوج او اب اخ او عم او خال…
ج- يشعر بالفخر بين افراد اسرته ومكان عمله وعشيرته.
د- يشعر بالراحة والامان اينما حل.
هـ- يخطط لحياته بشكل صحيح ويتعامل مع الاحداث بواقعية.
2- البعد الثاني– البعد العام او الخارجي:- ويمتاز الفرد فيه:-
أ- يتعامل مع الاخرين بثقة.
ب- انه عنصر ايجابي في حياة الاخرين ولا يصدر منه الا كل خير.
ج- يشعر ان ما يحيط به يمثل بيئة امنه وصديقه له تلبي احتياجاته وترضي طموحه.
د- متوازن في سلوكياته وتصرفاته.
هـ- يؤدي ما عليه من التزامات تجاه مجتمعه.
و- يحاول ان يترك له اثر طيب بعد وفاته.

ويمثل الامن النفسي المستوى الاول من ضمن مستويات الامن يليه امن المجتمع ومن ثم الامن الاقليمي وبعدها الامن الدولي، وهو الحصن المنيع الذي يتحصن به الفرد ضد اهواء نفسه الامارة بالسوء او الوقوع في حبائل الشيطان او المعاناة من الامراض النفسية التي قد توصله الى التفكير بالانتحار او الشعور بالكأبة او التقليل من اثار الامراض المزمنة التي تصيبه او الوقوع في شراك الجريمة او ممارسة الرذيلة والتي قد تصل الى مستوى خيانة بلده.
وبناء على ما تم عرضه فانه يمكن تقسيم الامن النفسي الى قسمين هما:-
الاول- الامن النفسي السلبي او التوهمي :- وفيه يظهر الانسان عجزه عن معرفة ما ينفعه وينقاد وراء ما تمليه عليه نفسه غير المتسلحة او المحصنه، اي انه يعيش وهم الاعتقاد بان الحالة التي هو فيها هي التي تحقق له الامن كما جاء في الاية (44-45) من سورة التوبة في قوله تعالى((لاَ يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ*إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ)، او ما جاء في الاية (13) من سورة الحشر ((وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَارًا)).
الثاني- الامن النفسي الايجابي:- وهو الامن الذي يمنح الراحة للفرد ويجعله عنصرا نافعا مستقرا ويخطو خطوات ثابته نحو غايته ومن امثلة ذلك ما جاء في الاية (23) من سورة الحشر في قوله تعالى ((مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا))، او ما جاء على لسان موسى عليه السلام عندما وصل هو وقومه الى البحر ووصول فرعون وجنوده وكيف ان قوم موسى قالوا له بان فرعون وجنوده سيدركوهم ويقتلوهم فاجابهم اجابة الواثق المطمئن بان الله معه كما جاء في قوله تعالى الاية (61-62) من سورة الشعراء((فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ* قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ)) وتعتبر حادثة الغار من اهم القصص التي تظهر مكانة الامن النفسي في حياة الانسان وكيف ان ابي بكر الصديق قال للرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم : لو نظر احدهم تحت قدميه لرآنا، فرد عليه: ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما.

ان الامن النفسي يساهم الانسان نفسه في جزء كبير منه بالاضافة الى عوامل اخرى فهو الذي يجعله يستشعر المخاطر ويتعامل معها بجدية من غير الحاق الضرر بنفسه او بالاخرين وهو يبدأ من الانسان من لحظة ولادته وقد يستمر معه الى ما بعد الموت، وفي الوقت الحاضر انصب اهتمام العاملين في مجال اعمال خدمة الامن بالامن النفسي كونه يتأثر بكافة مجالات الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والعسكرية وبشكل اخص في الوقت الحاضر بالمجال التقني بسبب تطور وسائل الاتصال والتواصل الاجتماعي التي جعلت من ساكني البيت الوحد وكانهم اغراب حيث ينزوي كل واحد منهم بجهة يحمل معه وسيلة اتصال يبقى يتعامل فيها للساعات من غير ان يخرج وحتى ان يأكل او يشرب او يمارس حياته بشكل طبيعي.
ان الاهتمام بالامن النفسي يمنح الفراد القدرة على الابداع وان يكون جزءا فاعلا من المجتمع يؤدي ما عليه بحرية مع الشعور بالرضا وعدم الخوف من صاحب السلطان او المستقبل الذي ينتظره وانه هو الذي يلهب الحماسة ويمنح القناعة لرجال القوات المسلحة بالتضحية بانفسهم فداءا لما يؤمنون به ولرجال خدمة الامن في مواصلة العمل ليلا ونهارا وتعريض انفسهم للمخاطر من اجل ان ينعم غيرهم بالامن والراحة ويمارسوا حياتهم بكل يسر وراحة.
والامن الشخصي هو الذي يدفع بالانسان ان يتعلم وينتج ويبدع ويطور ويتسابق في سبيل الدفاع عن الوطن وعن المقدسات عن المعتقدات ويساهم في دعم الافراد على تطوير مهاراتهم وصقل مواهبهم والتكيف مع الازمات وتحمل اوجاع والالم الامراض التي تصيبهم.
الاسس التي يبنى عليها الامن النفسي

1- وجود اسرة واعية تتولى تنشئة الابناء تنشئة صالحة.
2- نظام تعليمي يزرع في الفرد ان يتعلم كيف يمكن ان يكون جزءا من الجماعة والمجتمع.
3- اعلام هادف يساهم في تعزيز ثقة الافراد بدولتهم.
4- دور عبادة تسهم مساهمة فاعلة في وجود صحة نفسية تعرف الافراد بدينهم مع نشر مبادئ التسامح والاعتدال والاستقامة.
5- مؤسسات حكومية تقدم خدمات عامة وفاعلة وباسعار مقبولة.
6- عدالة في توزيع الثروات والوضائف والاجور.
7- خدمات صحية شبه مجانية وخاصة للطبقة الفقيرة.
8- معاشات للتقاعد ومعاشات للرعاية الاجتماعية.
9- وجود امكان للترفيه وممارسة الانشطة الاجتماعية.
10- وجود مؤسسات امنية قادة على حفظ الامن والنظام بشكل مستمر.
11- منظمومة قضائية وشرطوية تحقق مصالح الناس من غير مماطلة وتسويف.
12- نظام سياسي يسوس الناس بالعدل والانصاف.

13- مجتمع يسمح بعودة الضالين والتائبين واصحاب السوابق.

 

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button