دراسات سياسية

مفاهيم الدولة: إشكالية المفهوم واقتراباته وتطوره عبر التاريخ

عرض لمقالة :Conception of the State

مقدم إلي: أ.د/ علي الدين هلال و إعداد / شروق علي الزيات

كلية الاقتصاد والعلوم السياسية – قسم العلوم السياسية – برنامج الدكتوراه – نظرية السياسية المقارنة

مفاهيم الدولة “Conceptions of the State” هي مقالة تم نشرها عام 2002 ضمن كتاب Encyclopedia of government and politics”” و الذي تم طبعه في نيويورك ولندن. يضم الكتاب عدد من المقالات التي تركز على دراسة الحكومات و السياسات على المستوى الداخلي و الأقليمي و العالمي، مستخدمين في ذلك اقترابات كلاسيكية و حديثة لدراسة هذه المفاهيم و علاقاتها المتشابكة. و يعد الكتاب بمثابه مرجع لطلاب وأساتذة العلوم السياسية على حد سواء. و قد شارك العديد من المتخصصين في هذا المجال من مختلف دول العالم في صياغة هذا الكتاب ؛ منهم اندرو فينسن “Andrew Vincent” كاتب هذه المقالة. فينسن هو أستاذ النظرية السياسية ورئيس مركز الايدلوجيات السياسية في جامعة شيفلد البريطانية، و قد عمل في العديد من الجامعات و المراكز البحثية في بريطانيا، استراليا و هونج كونج. تتركز ابحاثة في مجال النظرية السياسية و حقوق الانسان و قد حصل على جائزة عن كتابه ” طبيعة النظرية السياسية” عام 2004.

• مقدمة:
الدولة ظاهرة ومؤسسة سياسية خالصة، بحيث لا يمكن الفصل بين الدولة والسياسة، بل يُعرف علم السياسة كعلم الدولة، وكان مجال الاهتمام الأول لعلم السياسة هو الدولة. وفي هذا يقول أندرو فنسن ” سؤال ما هي الدولة هو أحد أبسط ، ولكن أكثر الأسئلة إثارة للحيرة يمكن ان يطرح في علم السياسة ” ، و ذلك لما للدولة من أهمية كأحد الركائز الاساسية في دراسة النظام السياسي. و بالرغم من تلك الأهمية الا ان المفهوم شهد التخبط بين فئتين من الباحثين؛ فالأول ركز على أهمية دور الدولة و محوريته، و الفريق الآخر تعدى مفهوم الدولة لما هو اعم واشمل. و تكمن المشكلة الاساسية في تحديد مفهوم الدولة في ارتباطه بالكثير من المفاهيم الفرعية و التي تجعله مفهوم مركب يصعب تعريفه على حدى . ولتعريف طبيعة الدولة يجب طرح العديد من التساؤلات مثل ما هي الجهات الحاكمة ؟ او تبنى ابعاد مختلفة فعلى سبيل المثال البعد القانوني يقوم بالتركيز على دراسة القوانين الأساسية الحاكمة للدولة. وكمحاولة لللاجابة على هذه التساؤلات تتناول المقالة مفهوم الدولة، فانصب اهتمام الباحث بشرح اصل المفهوم و تطوره و الأقترابات المختلفة لدراسته. وقام بتقسيم الورقة البحثية الى اربعة محاور رئيسية؛ الاول يتناول الأصل اللغوي للمفهوم و تطوره، والثاني عن اشكالية علاقة المفهوم بالمفاهيم الأخرى، اما المحور الثالث فيقوم بشرح مراحل لتطور المفهوم من الناحية التاريخية و اخيرا الأقترابات الأكاديمية المختلفة التي تناولت مفهوم الدولة. و قد استخدم فينسن مدخل تحليل المفاهيم لتقديم تحليل تاريخي نقدي للمفهوم الدولة، واستخدم البعد التاريخي لأن مناط اهتمامه التغير المفاهيمي، و قام باستعراض تطور المفهوم و الاقترابات العلمية المختلفة لدراسته.

• المحور الأول: الأصل اللغوي للمفهوم و تطوره:

كلمة State أي الدولة مشتقة من اللفظة اللاتينية STARE والتي تغني “أن يقوم” وأيضاً من كلمة ستاتو Status بمعنى “موقف أو وضع″، وهذه الكلمة أطلقت على الكيانات السياسية التي استقرت ونتجت عن تفكك الإمبراطورية الرومانية ، و بعدها استخدم الايطاليين المفهوم للدلالة على وضع الحاكم و تحقيقيه للاستقرار والعوامل التي تؤدي الى هذا الاستقرار. وبالتالي فالتمركز الرئيسي للمفهوم كان حول الأستقرار. و في تلك الفترة كان تحقيق الأستقرار عن طريق بعض العوامل مثل العائلة، المهنة و أكثر هذه العوامل تأثيرا هي الملكية و في تلك الفترة كانت الطبقات الحاكمة تلك التي تملك هذه المقومات و كانت الاعلى مكانة، و هذه السلطات كانت تعد بمثابة ضمان النظام والمصلحة العامة و بالتالي ارتبطت تلك الطبقات بتحقيق الاستقرار (و الذي كان مشتق من نفس الأصل). و في الأنجليزية مستمدة من الكلمة estate والفرنسية etat و كلاهما كان يستخدم للتعبير عن مهنة او وضع اجتماعي معين. كما وجدت العديد من المترادفات في اللغات الاخري.
ما تم الاشارة اليه كان مفهوم الدولة حتى القرن الثاني عشر، و معى مضي الوقت تطور المفهوم و اصبح يشير الى السلطة الشعبية public power التي هي فوق الحكام والمحكومين و بالتالي ارساء اهمية السلطات السياسية و القانونية لتنظيم الدولة، و من ثم فتطور المفهوم من الاشارة الى الاستقرار الى السلطة الشعبية و بالتالي الاشارة الى مرحلة جديدة من التواجد المدني / المشاركة المدنية.

– خصائص الدولة:

و لتعريف المفهوم لابد من معرفة خصائصه الجوهرية ، بداية لابد من وجود نطاق جغرافي محدد وجود مساحة محددة من الارض لها حدود مميزة تفصلها عن الدول الاخرى المجاورة وايضا لابد من وجود شعب يشغل هذا الاقليم. و الدولة تفرض سيطرتها على كل السكان داخل حدودها و يكون لها اهداف واهتمامات اعم و اشمل من باقي المؤسسات. و بناء على ذلك سلطة الدولة تعد سلطة شرعية و المصدر الرئيسي لسن القوانين و التي تنفذ عن طريق بعض القواعد الاجرائية التي تحظى بشرعية و اعتراف شعبي اكثر من القواعد الاخرى، و يكون تنفيذ هذه القواعد من قبل بيروقراطية مدربة من الموظفيين. بالاضافة الى سيطرة الدوله على معظم المصادر و القوى داخل محيطها . و معظم الدول تسعى لفرض هذه السيطرة بشرعية – وليس عن طريق القوة- و ذلك بزيادة التأييد و الاعتراف و القبول الشعبي لاكتساب شرعية التصرف. بالاضافة الى ذلك هذه الخصائص ليست فقط على الصعيد الداخلي و انما تمتد الى خارج حدود الدوله وتتمثل في محافظة الدولة على سيادتها داخل اقليمها و خارجيا – باعتراف الدول الاخرى بها.

• المحور الثاني: إشكالية علاقة المفهوم بالمفاهيم الأخرى:

تتمثل الاشكاليه في الارتباط الوثيق بين مفهوم الدولة و بعض المفاهيم الاخرى مثل المجتمع، الحكومة، السيادة فهذه المفاهيم تتزامن مع مفهوم الدولة و بالتالي يتم فهم دورهم في اطار الدولة و بالتالي يصعب الفصل بينهم. فالمجتمع يصبح جانب من جوانب الدولة. و على صعيد آخر اذا نظرنا للمجتمع من منظور الشرعية – شرعية الدولة في المجتمع- و مدى تأثير ذلك على الدولة و فاعلية دورها يصبح دور المجتمع مستقل عن دور الدولة بل و سابق عليه. و في مواضع اخري قد يستخدم مفهوم الدولة كبديل للحكومة . ولهذا فان الارتباط الشديد بين المفاهيم المختلفة يستلزم تفسير لكل مفهوم حسب سياق و اقتراب الدراسة.

• المحور الثالث: مفهوم الدولة من الناحية التاريخية:

بالرغم من قدم مفهوم الدولة و كثرة استخدامه في العلوم السياسية الا انه لا يوجد اتفاق على اصل نشأة المفهوم، فقام فنسن بتحديد ثلاث حقب تاريخية يمكن ان يرجع لها اصل المفهوم ؛ الاولى ترجع الى دولة اليونان القديمة التي نحتت كلمة Polis بمعنى دولة المدينة منذ 500 سنه قبل الميلاد، فبالنسبة لارسطو كان علم السياسة هو علم دراسة الدولة. ومفهوم الدولة كان ينطوى على خصائصها من توافر الاقليم ، السلطة ، و الشعب و غيرها من المفاهيم. و ممارسة الحياة بها كانت تشتمل على ممارسات دينية، اخلاقية و فنية ولكن صغر حجم الدولة و نطاقها الضيق لا يمكننا من مقارانتها بالمفهوم الحديث و على الصعيد الآخر الامبراطوريات كانت تتسم بشدة الاتساع والتفكك مما يبعدها ايضا عن الصورة الحالية للدولة.

اما الحقبة الثانية فترجع الدولة للعصور الوسطى، و لكن النظام الاقطاعي ادى الى اضعاف مفهوم الدولة المتعارف عليه، فالحكام و الاقطاعيين و الكنيسة كان لهم قوانينهم و محاكمهم الخاصة، و السيادة في فترة العصور الوسطى كانت تتصف بسيطرة المفاهيم المسيحية باعتبارها نظاما مميزا عن الدولة والصراع القائم بين السلطة الدينية والزمنية. وقد ولدت فكرة السيادة الحديثة من هذه الظروف وشهدت تحولا في مفهومها، فتغير مفهوم السلطة بعد أن شهد تصادم بين هاتين القوتين المتصارعتين نظرا لعدم وضوح الاختصاصات والحدود بينهما في ذلك الوقت، وهكذا فإن هذا العصر شهد نشأة الدولة بمفهومها الحديث.

و الحقبة الثالثة و الاخيرة ترجع مفهوم الدولة الى العصور الوسطى و بالاخص القرن السادس عشر، فالرجوع الى اصل المفهوم يؤكد ظهوره بالمعنى الحديث في القرن ال16 و لكن يوجد خلاف حول من من المفكرين قام بتقديم الفكرة ( ميكيافيلي ام بودن) ومتى واين بدأت مماراسات الدولة الحديثة ؟ و لكن الكثير من الكتابات ترجعها الى عصر النهضة في ايطاليا وفرنسا.

• المحور الرابع: الأقترابات الأكاديمية:

بعد استعراض أصل المفهوم وتطوره عبر التاريخ، حدد فينسن خمسة اقترابات – تتداخل في بعض الاحيان- لدراسة مفهوم الدولة و هي.

1- الاقتراب القانوني:
يرجع هذا الاقتراب الى عصر الرومان في بداية توصيفهم للدولة، فاستخدم مفاهيم مثل القوة، السلطة والشرعية. و في ظل هذا الاقتراب – نتيجة لتأثره بالنظام الاقطاعي -ادى ذلك لارتباط مفهوم الدولة بالسلطة و القانون و التركيز على في آداء الطبقة الحاكمة. و مع تطور المفهوم ارتبط بهيراركية من القوانين الحاكمة المرتبطة بالسلطة الشرعية. و اختلفت الآراء حول فاعلية هذا الاقتراب؛ فمدرسة مثل الوضعية القانونية legal positivism تؤيد استخدامه و لكن الكثير من الاتجاهات الاخرى تجد هذا الاقتراب محدود جدا و ذلك لان مفهوم الدولة يتعدى كونه مجرد هيراركية من القوانين الحاكمة

2- الاقتراب التاريخي
الكثير من المؤخيين اهتموا بدراسة تطور الدولة، فقام بعضهم بالتركيز على العناصر المرتبطة بنمو الدولة – مثل نشأة الدولة المدينة في عصر النهضة ، اعادة تكوينها ، انفصالها عن الامبراطورية الرومانية ، و نمو البيروقراطية المركزية و الجيش , و فرض الضرائب و ظهور الحروب الدينية. و اتجاه اخر من المؤرخيين اهتم اهتم بتأرييخ ما يحدث اثناء نمو الدولة. وانتقد هذا الاقتراب لكونه شديد التبسيط و الاختصار و لا يعبر عن نمو الدوله فلا يمكن فهم و تفسير نمو الدوله بدراسة الاحداث التاريخية المصاحبة لهذا النمو، بالاضافه الى ذلك، الدولة – منذ ظهورها- ارتبطت بافكار و نظريات الوجود المدني civil existence و اغفال هذا البعد يحد من الفهم الصحيح للدولة.

3- الاقتراب الاجتماعي / الانثروبولوجي
علماء الاجتماع و الانثروبولوجي دائما ما كانوا يروا الدولة على انها اداة لتنظيم المجتمع و هو مفهوم موجود في المجتمعات المتقدمة اقتصاديا، و بالتالى رؤيتهم للدولة كانت على انها جزء من المجتمع، او ان الدولة هى جزء من الحكومة. فرؤيتهم للدولة كانت انها وسيلة لتنظيم حياتهم الاجتماعية. و الكثير من الكتاب مثل ماركس و ماكس ويبر قاموا بفهم دور الدوله في سياق المجتمع. و تكمن صعوبة دراسة المفهوم من هذا الاقتراب نظرا لعموميته، و اهتمامه بالجانب الاقتصادي و الاجتماعي للدوله . على سبيل المثال و التوضيح رؤية تالكوت بارسونز للدولة و مفادها انه مع تطور المجتمع و الثورة الصناعية ظهرت العديد من المؤسسات و العلاقات مختلفة بين الافراد في المجتمع، و بالتالي كانت الحاجة للدولة كمنسق للعلاقة بين الافراد و القطاعات المختلفة في المجتمع. و يزيد هذا الدور عندما تسيطر الدولة على موارد كافية بما يضمن لها لعب هذا الدور و تنظيم المجتمع على نحو افضل.

4- الاقتراب السياسي العلمي
اقترابات العلوم السياسية جنحت الى تفضيل الاطر الاقل عمومية و ذات الشرح الواضح للمفاهيم و كان الانجاة العام في العلوم السياسية يسعى لايجاد نظريه يمكن قياسها و تطبيقها و اشتملت على العديد من افرع العلوم السياسية مثل الاقتصاد السياسي و علم النفس. فكان الاتجاه العام يشير الى الالتزام بالاسس العلمية وخاصة بعد الثورة السلوكية في 1950 و التي كانت تبدي اهتماما باستخدام الارقام في تحليل العلوم السياسية. و عليه فظهرت الاتجاهات المختلفة لدراسة مفهوم الدولة وتعريف ماهيتها و من هذه الاتجاهات ؛ النظرية التعددية والتعددية الجديدة، النظرية النخبوية، النظرية الكوربوراتية و الكوربوراتية الجديدة، بالاضافة الى النظرية الماركسية و الاقتصاد السياسي. هذه النظريات تمكن علماء السياسة من اخضاع الدولة لدراسة تجريبية قابلة للاختبار، و فيما يلي عرض باختصار لهذه الاتجاهات؛
فاصحاب الاتجاه الامبريقي و التعددين الجدد ينظروا للدولة على انها مرادفة للحكومة و بالنسبة لهم المجتمع مقسم الى مجموعات ،منها على سبيل المثال، جماعات الضغط و التي تقوم بالضغط على الحكومة لتنفيذ مطالبها و بالتالي الضغط على الدولة. و دور الدولة مختلف بالنسبة لهذه الجماعات، فالبعض يرى الدولة على انها المتحكم الاساسي في السياسات و البعض الاخر يحيد دور الحكومة باعتبارها حكم محايد في العملية السياسيةو معظم رواد هذا الاتجاه يدمجوا بين النظرية الديمقراطية و رؤيتهم للدولة، فمنظورهم للديمقراطية اكثر واقعية من نظرائهم – من النظرية الكلاسيكية- اصحاب منظور ديمقراطية المشاركة . فابالنسبة للتعديين امثال روبرت دال وشمبيتر مفهوم الديمقراطية مرتبط بالتنافس بين الجماعات و اختيار القيادات ، والجماعات القادرة على النجاح هي التي تصنع القوانين من خلال وظائفها في الحكومة . فاتجاة التعددية كان يرتكز بالاساس على دور المجتمع.

و حينما كانت التعددية تركز على المجتمع ، فهناك اتجاه اخر ظهر خلال الثمانينات من القرن الماضي وينصب تركيزها على الدولة و في هذا الاتجاه يتم النظر للدولة على انها عنصر مركب و مستقل عن اهتمامات المجتمع. و يبدي هذا الاتجاه اهتمام اكبر بالنظام القانوني و التكوين التشريعي للدولة ، فالمسؤلين الحكومين و الاجراءات الحكومية مستقلين عن الاختيارات و التفضيلات الاجتماعية. و بالتالي ادى ذلك لزيادة اهمية الدولة و استرجاع مكانتها في العلوم السياسية و لكن هذا الاتجاه غير قادر على توصيف ماهية الدولة.
اما بالنسبة لاتجاه النخبة، فمفكرين هذا الاتجاه مثل ميتشلز و موسكا قالوا بان المجتمعات مسيرة من قبل مجموعة صغيرة من الافراد و هم النخبة و هو ما تم ذكره من قبل ميتشلز في القانون الحديدي للاوليجاركية . فبغض النظر عن نظام الدولة تكون دائما محكومة من قبل النخبة. هذا الاتجاه يتعارض بشكل قاطع مع نظرة التعددين. و يسطير على العديد من النظريات النخبوية الحديثة محاولة الدمج بين النخبوية والتعددية لتأتي بمفهوم الديمقراطية النخبوية ، و يركز هذا الاتجاه على سلوك النخبة – المؤثرة في عملية صنع السياسات- سواء خلفياتهم الاجتماعية، اساليب وصولهم للسلطة و سلوكيتاتهم، و من ثم يتم تقييم الدولة بناء على طبيعة النخبة بها.

الاتجاه الكوربوراتي:

وهذا الاتجاه يشهد استخدام متزايد في الفترة الحالية و ذلك نتيجة لزيادة دور المؤسسات و تأثيرها الاقتصادي و السياسي على هيكل الدولة ، و بعض من مفكريين هذا الاتجاه يستخدم مفهوم الدولة كمرادف للحكومة. وفي هذا الاطار نجد ان الفرق الذي يظهر بين الكوربوراتيون و التعدديون في عدد المجموعات المتنافسة، وطبيعتهم ووضعهم و علاقتهم بالحكومة. ففي تصنيف كاوسن هناك ثلاث اشكال اساسية للكوربوراتية ؛

1- نظام اقتصادي جديد كليا، مختلف عن الراسمالية و الاشتراكية
2- نظام الدولة في مجتمع راسمالي
3- تنظيم تفاعل المصالح في المجتمع

أما بالنسبة للاتجاه الماركسي- و الذي هو مرتبط بالاساس على مصالح طبقة معينة- هناك منظوران للدولة في ظل هذا الاتجاه، الاول يرى الدولة اداة مسيطرة على الطبقة البرجوازية و تحد من نطاق الرأسمالية، والثاني – متأثر اكثر بكتابات جرامشي فيرى ان الدولة لها استقلالية نسبية عن الاقتصاد و تكون الدولة بمثابة المتحكم في الوحدة الايدولوجية وللحد من الخلافات بين الطبقات المختلفة.

و اخيرا الاتجاه الاقتصادي و الذي يرتبط فيه دور الدولة بتحقيق الاختيارات الفردية، فهذا الاتجاه متأثر بفكر الفردية فدور الدولة يبرز من الخيارات المصالح الشخصية للافراد، و مثال واضح على ذلك هو نظرية الاختيار العام. فالعمل الجماعي – في امور مثل القوانين و الدفاع – يساعد الافراد على تقليل التكلفة و زيادة المنفعة و بالتالي يصبح من مصلحتهم وجود دولة لتحقيق هذه الاغراض . و لكن هذه النظرية لا تسمح بوجود دولة متدخلة بشكل كبير لانها سوف تكلف الافراد اكثر من منفعتهم و بالتالي فيتطلب وجود قيود تشريعية للتركيز على اختيارات الافراد.

و بشكل عام هناك نقطتان ضعف اساسيتان لهذه الاتجاهات في العلوم السياسية؛ اولا ، هذه الاتجاهات تصف الدولة و لكنها لا تجيب على الاسئلة المعيارية المتعلقة بها مثل ” ما هي الدولة ؟ و ما هي مقوماتها ؟ ” ثانيا، معظم هذه الاتجاهات تعد منقوصة حيث ان معظم انشطة الدولة لها علاقة بالقيم المعيارية و تصورات طبيعة الانسان و هذه الاتجاهات لا تتعرض لمثل هذه الجوانب.

5- الاقتراب الفلسفي/المعياري
هذا الاقتراب يقوم بتحليل الدولة من وجهة نظر مختلفة، فيهتم بالجانب المعياري للدولة ، و لكن هذا الجانب لا يبرز دور الدولة على النحو المطلوب. على سبيل المثال يقوم هذا الاتجاه بالتفريق على اساس الايدولوجيات المختلفة ( دولة ليبرالية و اخري ) فيغفل هذا الفرق الايدولوجي تصوير الدولة بشكل مختلف على الرغم من وجود اختلافات في دورها و نطاقها. وهذا الاقتراب مقسم ايضا الى اربعة اتجاهات و هي ؛ الحكم المطلق و الاتجاه الدستوري، الاتجاه الاخلاقي و اخيرا الاتجاه التعددي.

• خاتمة:
و في النهاية قام اندرو فينسن بتقديم شرح مفصل لمفهوم الدولة تناول فيه الاصول اللغوية و تطور المفهوم عبر التاريخ و محاولة لمعرفة اصولة التاريخية و يمكن القول بان اصل المفهوم يرجع الى القرن السادس عشر، كما قام باستعراض سريع للمفاهيم الاخري المتعلقة بمفهوم الدولة و اشار الى اشكالية تداخله مع العديد من المفاهيم الاخرى. و اخيرا قام بعرض الاقترابات المختلفة لدراسة المفهوم بالتركيز على الاتجاهات السياسية و المعيارية المختلفة.

و على الرغم من العرض الجيد لاصل المفهوم الا انني – و في رأي الشخصي- ارى اغفال الكاتب عن ذكر بعض النقاط الرئيسية المتعلقة بمفهوم الدولة؛ فمثلا لم يتعرض الكاتب للاشارة الى انواع الدولة و لا نظرية العقد الاجتماعي على الرغم من تأثيرها الكبير في تطور الدولة ، كما انه لم يشير الى علاقة القوة بالدولة و لا دورها في اكسابها الشرعية. بالاضافة الى عدم تعرض الكاتب على الاطلاق لنظرية الحق الالهي (الثيوقراطية) بالرغم من اهميته – في رأيي الشخصي ايضا – في تشكيل علاقة الدولة بالمواطنين. و اخيرا قام الباحث بعرض اصل المفهوم و لكنه لم يتطرق الى اى من تعريفاته. و لكن بشكل عام كانت الورقة البحثية مفيدة جدا في استعراض اتجاهات العلوم السياسية المختلفة في تناول المفهوم فقد اعطت لى الفرصة لمعرفة التناولات المختلفة لنفس المفهوم.

المصدر: ملتقي الباحثين السياسيين العرب Arab political researchers forum

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى