دراسات سياسية

مفاهيم سياسية:الدولة والدولة الحديثة

يبدو من الضروري قبل البدء بمعالجة موضوع الدراسة التقديم له بعرض إطاره النظري للتعرف على معاني مفرداته ومفاهيمه فلكي تكون الصورة واضحة قدر الإمكان عند دراسة أي مفهوم لا بد من معرفة معانيه ودلالاته تجنباً للخلط بين المفاهيم، وتحرراً من العموميات، ومقاربة للدقة والعلمية. ولأن الظواهر السياسية والاجتماعية –بصفة عامة- ظواهر مركبة، ومتعددة المتغيرات،فإن المفاهيم الدالة عليها تتسم بالعمومية والتعقيد وتعدد الأبعاد، كما أن المفاهيم تمثل نتاجاً لخبرة اجتماعية مشتركة تختلف بدورها من حيث الزمان والمكان، فإنّ استخدام مفاهيم معينة أو فهمها بدلالات ومعانٍ متعددة إنّما يعكس في حد ذاته تفضيلات وخيارات وثيقة الصلة بخبرة الجماعة([1]).لذلك تُعدّ عملية بناء الأُطر النظرية من المسائل الحاكمة في العلوم الاجتماعية، مادام أن منهجية الدراسة، وطبيعة معلوماته، ونوعية فروضه تتوقف في جانب مهم منها على هذا البناء، وتتصل به سلباً أو إيجاباً، فالأطر النظرية تبدو بمثابة “بناء متكامل من الأفكار والمفاهيم النظرية يؤدي كل منها إلى الآخر، وتربط بينها جميعاً رابطة واحدة”([2])، والإطار النظري لأي مفهوم، هو بناء مركب من عناصر متعددة، الأمر الذي يسوقنا إلى تفكيك المفهوم( موضوع الدراسة)، وتحديد ماهية كل عنصر من عناصره ،ومن ثم تركيب هذه العناصرعلى وفق علاقة أو رابطة تتحدد بدلالتها ماهية ذلك المفهوم([3]). ولا مرية في أن من الخطأ إستعمال الكلمات بدون تحديد مفاهيمها، فغالباً مايؤدي إهمال هذا التحديد على حد قول المؤرخ اليوناني (توسيديوس)، إلى أن نمتدح الطاعة العمياء كأنها الحرية، ونمجد الوحدة المفروضة بالإكراه كأنها تحقيق للديمقراطية”([4])،و لكننا وبدون أدنى شك نواجه صعوبات كثيرة في محاولاتنا لتحديد دلالة أي مفهوم في العلوم الاجتماعية بصورة عامة، والعلوم السياسية بصورة خاصة  نتيجة لتعدد الآراء واختلافها بشأن أي مفهوم من هذه المفاهيم، وذلك لتعدد وإختلاف المنطلقات الفكرية لأصحاب تلك الآراء، فضلاً عن الاختلاف في جملة الأوضاع الزمانية والمكانية المحيطة بكل منهم، هذا إلى جانب الطبيعة الخلافية لمواضيع العلوم الإنسانية بحكم ارتباطها بالإنسان، والمجتمع، ولكن على الرغم من كل هذه الصعوبات، لا بد لنا من أن نسعى قدر الإمكان لتحديد الإطار النظري، وان نعرّف المفاهيم التي نعتمدها في الدراسة، والمفاهيم الرئيسة في هذه الدراسة هي (الدولة الحديثة)، و(هوية الدولة الحديثة)، و(الهوية) ،و لذلك سنركز في الفصل الأول في تحديد ماهيتها لنتمكن بعد ذلك من دراسة مفردات هذه الرسالة .

المبحث الأول: مفهوم الدولة والدولة الحديثة

المطلب الأول : إشكالية مفهوم الدولة

لا تخلو معظم الدراسات حول موضوع الدولة من ذكر مصاعب تحديد وتعريف الدولة، والاختلاف في الفقه، والفكر السياسيين حول تعريف هذه الظاهرة التي تتسم بالتعقيد، والغموض، والتنوع([5])، وإذ يرى الباحثون صعوبة في الاتفاق على تعريف واحد للدولة، لذلك فإن هناك من يعدّ تعريفات كثيرة للدولة ([6])،ولا يشمل اختلاف التعريفات فحسب، وإنما يمتد أيضاً إلى تحليل وتفسير هذه الإختلافات، فهنالك آراء مختلفة حول سبب هذا الاختلاف والتعدد والتنوع في تعريف الدولة،و هناك من يرجع  الاختلاف في تعريف الدولة إلى الاختلاف في النظرة لتكوين وبناء، ووظيفة الدولة، وتأسيساً على ذلك ظهرت ثلاثة آراء بهذا الصدد([7]):-

يقول الرأي الأول بأن الدولة عبارة عن منظمة تسعى لتحقيق أهداف محددة لمصلحة الجماعة؛ و يقول الرأي الثاني بأن الدولة عبارة عن جمعية ضمن الجمعيات الأخرى تؤدي عملها وفقاً لأحكام القانون الذي وضع من قبل الحكومة صاحبة السلطة والتي تستطيع عن خلالها، أي السلطة ،إرساء دعائم النظام في المجتمع؛ و يرى الرأي الثالث بأن الدولة مؤسسة، وهي مؤسسة الأصل، وتتفرع عنها مؤسسات أخرى أقل منها شأناً كالحكومة، والأحزاب.

وهناك من يعتقد بأن تعدد التعريفات التي طرحت بشأن الدولة راجع إلى تعدد المفكرين وعلماء الاجتماع، والسياسة الذين تصدوا لهذا الأمر، وبما ما يعكس التعدد والتنوع في خلفياتهم الأيديولوجية وانتماءاتهم السياسية والفكرية، فالدولة عند (هيجل) هي تجسيد لأسمى فكرة أخلاقية برجوازية، وعند ماكس فيبر هي التنظيم الذي يحتكر الاستخدام المشروع للعنف في رقعة جغرافية معينة([8]). و من يرجع التعدد والتنوع في تعريف الدولة عند الآخرين إلى وجود الاتجاهات والميادين المعرفية والعلمية التي تشكل الدولة أحد مواضيعها الرئيسة، كعلم الاجتماع السياسي، وعلم السياسة، والقانون، وغيرها من العلوم التي تجمع رغم كل شيء على أن الدولة في عصرنا الحالي أصبحت مهمة إلى درجة لا يمكننا الاستغناء عنها([9]).

وبذلك فإن الاختلاف، والتعدد، والتنوع في تعريفات الدولة، أمور تصاحبها الاختلاف في الرأي حول أسباب هذا الاختلاف أيضاً.

1- الدولة (State) لغةً:

الدولة في اللغة العربية يقابلها (State) في اللغة الإنكليزية و (Stata) بالألمانية و(Etat) في الفرنسية. وهي في الأساس كلمة لاتينية هي (Status) وتعني الواقف أو الثابت، أو الحالة المستقرة والثابتة([10])، واستخدمت كلمة (الجمهورية) (Republica) في اللغة الفرنسية بصورة أكثر، وهذا مذكور في مؤلفات (جان بودان) الكتب الستة للجمهورية([11])، وكانت كلمة (Respublica) إذ استخدمت لأول مرة بمعنى الشئون العامة، لكنها أصبحت فيما بعد تعني: شكلاً من الحكم لا ينتخب فيه رئيس الدولة على أساس وراثي أو غير مباشر([12])، وإذاً فالدولة (State) هي كلمة حديثة نسبياً استخدمت في أوربا في عصر النهضة بشكل واضح وواسع للدلالة على ذلك الإطار المنظم للسلطة السياسية، ولكن الكلمة أخذت قبل ذلك مدلولاً سياسياً في العصور الرومانية عندما أصبحت تعرف بالجمهورية، إلا أنه كان علينا الانتظار حتى القرن السادس عشر حين استخدم ميكافيللي في كتابه (الأمير) كلمة الدولة بالمعنى الحديث، إذ قال: “كل هيأة التي كان أو.. لها سلطة على الشعوب هي دول، أو إمارات، أو جمهوريات”([13]). وبذلك فقد انصرف مدلول الدولة في اللغات الأوربية إلى الهيأة أو الجماعة بعدّها حالة مستقرة وثابتة، بيد أنه في العصر الحديث لا تشير إلى جميع المجتمعات مهما كان نوعها أو درجة تنظيمها، بل تنصرف إلى درجة معينة من التنظيم تتفق مع المفهوم الصحيح الحديث للدولة([14]).

وتشتق كلمة (الدولة) في اللغة العربية من الفعل (دال) بمعنى تغير الزمان وانقلب، ومن هذا قولهم (دالت دولتهم) بمعنى ذهبت وأتت مكانها دولة أخرى، وفي هذا تأكيد على عنصر التغيير والتحول([15]). وجاء في لسان العرب حول كلمة (الدُّولة) (بضم الدال) “اسم الشيء الذي يتداول، والدَّول (بفتح الدال) الفعل والانتقال من حال إلى حال، ويشير أيضاً إلى الإدالة والغلبة؛ مثلاً: وأدلنا الله من عدونا، من الدولة: يقال: اللهم أدلني على فلان وانصرني عليه، وفي الحديث تُدال عليهم، ويُدالون علينا؛ الإدالة: الغلبة، والدَّولة الإنتقال من حال الشدة إلى الرخاء، ودالت الأيام، أي دارت، والله يداولها بين الناس، وتداولته الأيدي؛ أخذته هذه المرة وهذه المرة ” ([16]).

وبذلك فإن (الدولة) في العربية تشير إلى الغلبة، والاستيلاء، والشيء المتداول فيكون مرة لهذا ومرة لذاك، والدولة في الحرب بين الفئتين أن تدال إحدى الفئتين على الأخرى أي أن تهزم هذه مرة، وهذه مرة، ودالت الأيام دارت، والله يداولها بين الناس، ودال الدهر انتقل من حال إلى حال([17]). ويعني هذا أن تعبير الدولة في اللغة العربية يدل على عدم الاستقرار والتغيير عكس المعنى المستفاد من الأصل اللاتيني([18]). ولكن الدولة باتت تستخدم في العربية الحديثة والمعاصرة مقابل (State) الانكليزية.

2– تعريف الدولة في الفكر السياسي والقانوني

تعريف الدولة في الفكر السياسي:

يظهر الاختلاف في تعريف الدولة في الفكر السياسي أيضا عند استعراض التعريفات المختلفة لها عند المفكرين، والفقهاء القانونيين، فالدولة عند (جان بودان)، وهو يطلق عليها (الجمهورية)، لا تعد دولة إن لم تكن فيها قوة سيدة توحد كل أعضائها، وأجزائها، وكل أسرها وهيئاتها في جسم واحد، تلك هي، بالنسبة ل (بودان) النقطة الرئيسة والأكثر ضرورية([19])، وإنطلاقاً من ذلك يُعرف (الجمهورية) بالقول “إن الجمهورية هي الحكم المستقيم لعدة أسر، ولما هو مشترك لديها، بشرط أن تتوفر لديه قوة سيدة”([20]). ويرى (جون أوستن)، (1790-1859)، في كتابه (قراءات حول الاجتهاد)، أن الدولة “هي نظام قانوني توجد فيه سلطة عليا تتصرف بوصفها المصدر النهائي للقوة”([21]). وفي كتابه (أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة)، يعرف (انجلز) الدولة بأنها “علاقة قهر اجتماعية، أي أنها سيطرة طبقة على مجتمع”([22])؛ حيث وصلت فيه الطبقات إلى مستوى تهدد فيه صراعاتها على المصالح، والمنافع وجود ذلك المجتمع، ويؤذن بانهياره وانحطاطه، ولذلك تنشأ الدولة كسلطة قمعية لتلطيف حدة التناقضات والصراعات ولتكون أداة بيد الطبقة المالكة لوسائل الإنتاج لغرض سيطرتها وسلطتها على الطبقات الأخرى([23]). والدولة عند كارل ماركس هي عميل البرجوازية([24])، وأن جميع أجهزة الدولة تصبح عيوناً وآذاناً، وسواعد، وأرجلاً تمكن المالكين من التأثير، وهو اي (ماركس) يرى بصورة عامة بأنه ” ليست السلطة الحديثة سوى لجنة تدير الشئون المشتركة لكامل الطبقة البرجوازية([25]). وفي نفس الإطار الفكري وبنفس المنهجية، جاء تعريف الدولة في دائرة المعارف الاجتماعية المعبرة عن الفكر الماركسي لمفهوم الدولة بقولها إن الدولة هي أداة للسلطة السياسية في المجتمع الطبقي وعرفت الدولة الاشتراكية بأنها دولة عموم الشعب ، وأنها هيئة سياسية للشعب بأسره، وأداة لبناء الشيوعية، وجعل الطبقة العاملة هي القاعدة لعموم الشعب. وجاء أيضاً في قاموس المصطلحات السياسية المعبر عن الفكر الماركسي، بأن الدولة هي “شكل تاريخي للتنظيم السياسي، يقسم المجتمع إلى مستغِلين ومستغَلين، أو إلى مستغلين و شغيلة”([26])، ويرى الفكر الماركسي بصورة عامة، أن الدولة طالما كانت شكلاً من أشكال دكتاتورية الطبقة السائدة، فإنها تمارس سلطتها كقوة قمعية بمساعدة القوات المسلحة والمؤسسات القمعية الأخرى مثل الشرطة والمحاكم والسجون، وجوهر نمط الدولة واحد في جميع الحالات، أي حالات (الجمهورية، البرجوازية، الملكية الدستورية…)، هو دكتاتورية الطبقة المسيطرة اجتماعياً واقتصادياً. تنعكس هذه الأفكار بطبيعة الحال وجهة النظر الماركسية لمفهوم الدولة، حيث تتناول جوهر فكرة الدولة من منظور وتحليل طبقي، دون أن تتناول الدولة كواقع قانوني وسياسي أو اجتماعي معاش، وتعتقد أن عند تحقيق المجتمع الشيوعي الكامل لن تكون هناك حاجة إلى الدولة([27]).

وهكذا مزّق الماركسيون هالة القداسة التي خلعت على الدولة عند (هيجل) حيث صورها بأنه تجسيد للروح المطلقة، وصورها الماركسيون بأنها ليست إلا أداة سيطرة طبقة على طبقة أخرى، فأثاروا الاهتمام بالقوى الاجتماعية والاقتصادية التي تتحكم بالدولة، ورفعوا عنها حجاب الشرعية المقدسة (حتى لو كانت قدسية دنيوية وغير دينية باسم المصلحة العامة والشعب)، والتي تتذرع لتبرر استخدامها من قبل طبقة دون الأخرى([28]).

ويعرف (إميل دوركهايم) الدولة بأنها “فريق من الموظفين من نوع خاص، مرتبطين بالسلطة والهرمية”([29])، ويلاحظ بأن الدولة عند (دوركهايم) هي أداة وظائفية للمجتمع الحديث. ومن أبرز التعريفات الشائعة للدولة تعريف (ماكس فيبر)، الذي يقول فيه “نقصد بالدولة، منشأة سياسية سمتها مؤسساتية عندما وطالما إن إشرافها الإداري يطالب بنجاح بتطبيق القوانين باحتكار القهر المادي الشرعي”([30])، ويحلل مطولاً في كثير من النصوص أداتي الدولة الأساسيتين المؤلفين برأيه من العنف الشرعي والإدارة المؤسساتية (البيروقراطية)([31]). والمجموعة السياسية عند (ماكس فيبر)، هي مجموعة سيطرة تطبق أوامرها على إقليم معين بواسطة تنظيم إداري يستخدم التهديد أو اللجوء إلى الإجبار المادي أي استخدام القوة المادية([32]). وبهذا الشكل فإن الدولة عند (فيبر) هي عقلنة المجتمع، والبنية والتجمع السياسي الذي يدعي بنجاح احتكار الإكراه المادي المشروع([33]). ويرى (مارسيل بريليو) بأن الدولة “هي الشكل الأهم والأكمل والأبرز للحياة الجماعية، وهي من صنع وإرادة الإنسان وعقله وهو يركز جهوده وأفكاره في معضلة التنظيم السياسي، وينجح في ديمومة هذا التنظيم”([34]). ويعرف (شارلز تلي) الدولة بأنها “منظمات تتحكم بعملية القسر بشكل يميزها عن الجماعات العائلية والقرابية، وهي تتمتع بأسبقية واضحة في بعض المجالات على كل أشكال التنظيم الأخرى ضمن أقاليم واسعة”([35])، وهو يقصد بالمجالات احتكار القسر المادي أي السلطة السياسية وممارستها وذلك لأنها صاحبة السيادة. ويعرف (روبرت كارنيرو) الدولة بأنها “تلك الوحدة السياسية المستقلة التي تجمع بين جنباتها وعلى أرضها الواحدة مستقرات ومجموعات بشرية، وتملك حكومة مركزية لها سلطة فرض الضرائب”([36]). أما العالم الاجتماعي (انتوني غدنز) فيعرف الدولة بأنها “جهاز سياسي يضم الحكومة والمؤسسات بالإضافة إلى موظفي الخدمة المدنية ويسيطر على حيز مكاني معين، ويدعم سلطته القانون والقدرة على استخدام القوة”([37])، ونلاحظ هنا عدم ذكر أهم عنصر من عناصر الدولة وهو الناس، وهذا التعريف يشير إلى الحكومة، أي الجزء وليس الدولة التي هي الكل. ويعرف (رايموند كارفيلد)، الدولة، بأنها “مجموعة من الأفراد، يحتلون منطقة معينة بصورة دائمة ومستقلة شرعياً عن أية سيطرة خارجية، ولهم حكومة منظمة تأخذ على عاتقها تشريع القانون وتطبيقه على جميع الأفراد والمجموعات الداخلة ضمن حدودها القانونية”([38]).

وهناك مساهمة متواضعة للفكر السياسي العربي في تعريف الدولة، تدور نوعاً ما في فلك الفكر الغربي، فيعرف (اسماعيل صبري عبد الله) الدولة، بأنها “جوهرياً جهاز يحد من حرية المواطنين، وهي دائماً تمثل مصالح الطبقات السيدة في المجتمع، كما إنها تمارس السلطة من خلال البيروقراطية، فتتجه دائماً إلى تبرير وجودها وتوسعها المستمر باسم سهرها على القانون والمصلحة العامة”([39])، وهذا تعريف قريب من الفكر الماركسي ويورد (احمد زايد) (أستاذ علم الاجتماع في جامعتي القاهرة وقطر)، تعريفاً مطولاً، منتقداً وجهات النظر المختلفة حول الدولة، ويخلص إلى القول، بأن الدولة “هي مجموعة من الأجهزة المركزية تمارس سلطتها من خلال مجموعة من الموظفين ووفقاً لمبدأ السيادة على إقليم معين تحتكر في داخله الاستخدام الشرعي لوسائل القهر الفيزيقي الذي يُمكنّها من تكوين سلطة فيما يتصل بصناعة القوانين وتطبيقها، الدولة مجموعة مؤسسات تقف على رأس مجتمع مدني لا تنفصل عنه، بل تمتد بأطرافها في داخلها، فالدولة هي القوة الضابطة لهذا المجتمع، والسيدة الحركية، ولكنها هي نفسها نتاج له، الدولة كيان تاريخي تكتسب خصائصها ووظائفها مثل الاستقلال النسبي والمركزية والوظائف الاقتصادية والإيديولوجية، فالدولة جزء لا يتجزأ من البنى الاقتصادية الاجتماعية والإيديولوجية ومن البنى المحيطة، كما أن تلك الأخيرة جزء لا يتجزأ من الدولة ويؤثر كل منها بالآخر، ولذلك يجب الاهتمام بدراسة الدولة من خلال مركب من العلاقات الخارجية الاقتصادية والطبقية والقانونية والسياسية بالتفاعل مع مركب من العلاقات الداخلية المشابهة لتعزز بالنهاية نظاماً سياسياً قطرياً ذا خصوصية معينة”([40]). ويلاحظ بأن هذا عبارة عن مجموعة من التعاريف، يمزج فيه بين التعريفات القانونية والسياسية والفلسفية، وأنه تعريف شامل لكنه يفتقد الأصالة إذ يميع الجوهر العام والخاص للدولة، ويضع مفهوم الدولة في التباسات شاملة وغير واضحة([41]). ويعرف (محمد شحرور) الدولة بأنها “أداة للتعبير عن واقع يعيشه شعب ما، يحتوي على (قوميات وأمم، أو قومية وأمم، أو قومية واحدة وأمة واحدة، أو عدة قوميات وأمة واحدة)، من خلال مؤسسات، وتعتبر الدولة قمة الوعي الأخلاقي والاجتماعي والسياسي السائد في المجتمع، لذا فهي بنية فوقية لبنية تحتية، تمثل العلاقات الاجتماعية والاقتصادية السائدة والمستوى المعرفي”([42]).

  • التعريفات القانونية للدولة

نستعرض بعض التعريفات لفقهاء القانون حول الدولة، لنتبين مدى اختلاف هذه التعريفات عن بعضها البعض. يعرف بونار (Bounnar) الدولة بأنها “وحدة قانونية دائمة تتضمن وجود هيئة اجتماعية لها حق ممارسة سلطات قانونية معينة على شعب أو أمة مستقرة، على إقليم محدد، وتباشر الدولة حقوق السيادة بإرادتها المفردة عن طريق استخدام القوة المادية التي تحتكرها”([43]). ويعرف (اسمان Esmein) الدولة بأنها “التشخيص القانوني لأمة ما”([44])، وعند (كاريه دي مالبيرج) (Carre de Malberg) الدولة هي “مجموعة من الأفراد، مستقرة على إقليم معين، ولها من التنظيم ما يجعل الجماعة في مواجهة الأفراد، سلطة عليا آمرة وقاهرة”([45])، ويعرفها (اندريه هوريو) بأنها “مجموعة بشرية مستقرة على أرض معينة، وتتبع نظاماً اجتماعياً وسياسياً وقانونياً معيناً، يهدف إلى الصالح العام ويستند إلى سلطة مزودة بصلاحيات الإكراه”([46]). ويعرف (هولاند) (Holand) الدولة، بأنها “مجموعة من الأفراد يقطنون إقليماً معيناً، ويخضعون لسلطات أغلبية أو سلطات طائفة منهم”([47])، أما (بلنتشلى) يعرف الدولة بأنها “جماعة مستقلة من الأفراد، يعيشون بصورة مستمرة على أرض معينة بينهم طبقة حاكمة وأخرى محكومة”([48])، ويعرفها معهد القانون الأمريكي (The American Law Institute) في إطار القانون الدولي بأنها “كيان له إقليم محدد وسكان دائمون يخضعون لسيطرة حكومة لها القدرة للعمل في العلاقات الرسمية مع الكيانات الأخرى”([49]).

أما الفقه القانوني العربي يتضمن مجموعة من التعاريف، القريبة من الفقه الغربي والمستوحاة منه، فنأخذ بعض من هذه التعريفات على سبيل المثال: يعرف (حميد الساعدي) الدولة بأنها “جماعة من الناس، تقطن بقعة محددة من الأرض في ظل نظام سياسي”([50]). أما عند (اسماعيل غزال) الدولة هي “مجموع أفراد المنظمة في وسط اجتماعي تسيطر عليه سلطة سياسية، منبثقة عن هذا المجتمع، تتميز بقدرة اصدار القوانين، واتخاذ القرارات التي من شأنها تنظيم حياة المجموعة وتنفيذ القواعد القانونية واحترامها”([51])، وعند (عبد الحميد متولي ) الدولة هي “عبارة عن ذلك الشخص المعنوي الذي يمثل قانون أمة ما، تقطن أرضاً والذي بيده سلطة عامة”([52])، وهذا تكرار لنفس تعريف (اسمان) ولكن بصيغة مختلفة قليلاً. ويعرف (طعيمة الجرف) الدولة بأنها “مجموعة من الأفراد تعيش حياة دائمة ومستقرة على إقليم معين، تحت تنظيم سياسي معين، كذلك لبعض أفراد الدولة بالتصدي لحكم الآخرين”([53]).

ويلاحظ بأن الفقهاء القانونيين يعرفون الدولة بصورة عامة بأنها “مجموعة من الأفراد، يقيمون بصفة دائمة في إقليم معين، تسيطر عليهم هيئة حاكمة ذات سيادة، أو أنها عبارة عن مجموعة دائمة ومستقلة من الأفراد يملكون إقليماً معيناً، وتربطهم رابطة سياسية مصدرها الاشتراك في الخضوع لسلطة مركزية تكفل لكل فرد منهم التمتع بحريته ومباشرة حقوقه وقال بعضهم أن الدولة يجب أن تكون مستقلة وذات سيادة حتى يُعتَرف بها كدولة”([54]). والفقهاء القانونيون يركزون على ذكر عناصر الدولة الحديثة وفقاً لمعايير قانونية ودستورية حديثة.

  • تعريف الدولة في القواميس السياسية والفلسفية

في حين جاء في القواميس السياسية والفلسفية، بأن الدولة مصطلح فلسفي وتاريخي يدل على كيان تاريخي كما يدل على فكرة فلسفية أي صورة دائمة للجماعات الإنسانية، فالدولة تقتضي علاقات ثابتة بين جماعة وإقليم معينين([55])، وجاء في موسوعة علم السياسة بأن الدولة “هي الكيان السياسي والإطار التنظيمي الواسع لوحدة المجتمع والناظم لحياته الجماعية وموضع السيادة فيه، بحيث تعلو إرادة الدولة فوق كل الإرادات الأخرى الفرعية ضمنها”([56]). ومن التعريفات البارزة والمتميزة عن التعاريف الفقهية السابقة تعريف (العميد دوجي)· (Duguit)، حيث يقول بأن “الدولة هي كل تنظيم للجماعة السياسية القديم منها والحديث، المتأخر والمتمدن، أي أن كل مجتمع سياسي أياً كانت صورته يسمى الدولة، وعلى ذلك فإن الدولة توجد حيث تقوم جماعة معينة بالتفرقة بين الحكام والمحكومين وما يترتب على ذلك من نشأة سلطة حاكمة تحكم هذه الجماعة”([57]). ولا يتفق معظم الباحثين وعلماء السياسة والفقهاء على هذا التعريف، لأنه لا يميز بين الدولة كنمط حديث للسلطة السياسية والنظام السياسي وبين باقي الأشكال والأنماط الأخرى للتنظيمات السياسية والاجتماعية والسلطة السياسية، لأنه يقتصر فقط على عنصر وجود الحكام والمحكومين من العناصر الضرورية لوجود الدولة، مثل وجود أرض وشعب وسيادة. ونرى من فقهاء العرب (منذر الشاوي) يؤيد هذا التعريف للدولة، حيث يعرفها بأنها، “تمثل الإطار الذي تمارس في حدوده السلطة، أي سلطة الدولة، على أشخاص مقيمين فيه دون استثناء”([58])، وهو أيضاً يركز فقط على وجود الحكام والمحكومين كشرط لوجود الدولة*.

عناصر الدولة

يلاحظ في غالبية التعريفات التي أوردناها، حول الدولة بصورة عامة، والتعريفات القانونية بصورة خاصة، التركيز على مجموعة من العناصر تكاد تكون موحدة ومتفق عليها لدى الجميع، وهي (السكان، الأرض، التنظيم السياسي)([59])، أو السلطة السياسية ذات سيادة، بالإضافة إلى الاعتراف الدولي بهذه الدولة. ويورد رايموند كارفيلد مثل الباحثين الآخرين العناصر التالية للدولة:-

  • (السكان)- الشعب.
  • الأرض- الإقليم (معينة ومحدودة- ذات حدود واضحة).
  • الحكومة – سلطة ونظام سياسي.
  • السيادة: سيطرة الدولة وعلو وسمو سلطاتها على جميع الأفراد والمنظمات التابعة لها واستقلالها النسبي عن سيطرة خارجية([60]).

ويورد زهير شكر أيضاً (السكان، السلطة، الإقليم، السيادة)([61])، ويعتبر البعض بأن السيادة ليست عنصراً وإنما هي خاصية لسلطة الدولة التي تميزها عن باقي الأنواع الأخرى من السلطات داخل الدولة([62]).

أما ما يتعلق بالنظريات التي تفسر نشأة الدولة، فيشير الباحثون بصورة عامة إلى عدة نظريات مختلفة، ولكن أغلب الباحثين في إشارتهم إلى هذه النظريات لا يميز بين نظريات نشأة الدولة كتنظيم سياسي حديث متميز وبين نشأة السلطة السياسية بصورة عامة والتنظيمات السياسية المختلفة في التاريخ الإنساني، وتنقسم هذه النظريات بصورة عامة إلى: نظريات ديمقراطية؛ نظرية العقد الاجتماعي بصيغ مختلفة وجوهر ومضمون واحد (هوبز، لوك، روسو)، والنظريات غير الديمقراطية؛ (نظرية القوة، نظرية الحق الإلهي، “الثيوقراطية والتفويض الالهي المباشر وغير المباشر”، والنظريات المعتمدة على التحليلات الاقتصادية والتطور الاجتماعي، …)([63]).

ونستخلص مع (سعد الدين إبراهيم) من كل التعاريف التي أوردناها حول الدولة وعناصرها، بأن الدولة هي “كيان سياسي، قانوني، ذو سلطة سيادية معترف بها في رقعة جغرافية محددة على مجموعة بشرية معينة”([64]). ونتفق مع (سعد الدين إبراهيم) ايضاً على أن؛ أول عنصر من العناصر الواردة في أغلب التعريفات حول الدولة هي، أنها كيان سياسي قانوني، وينطوي هذا على حقيقة أنها بناء أو هيكل بـ(القوة) تحكمه مجموعة من القواعد المقننة ويتجسد هذا الهيكل في جهاز بيروقراطي، مدني عسكري وأمني. والعنصر الثاني، هو أنها ذات سلطات سيادية، وينطوي هذا على أن هيكل القوة الذي تمثله الدولة هو نظرياً على الأقل، أعلى هياكل القوة في المجتمع، والعنصر الثالث هو الاعتراف بشرعية هذا الكيان السياسي القانوني، داخلياً وخارجياً، والاعتراف داخلياً يعني أن أغلبية أفراد المجتمع يقرون بحق هذا الكيان في ممارسة السلطة عليهم، وهذا الإقرار قد يتراوح بين الحد الأدنى، وهو الإذعان لها، والحد الأقصى وهو التأييد والاعتزاز، إذاً الإقرار بالحد الأدنى يعني عدم مقاومة ومناهضة سلطة الدولة*، أما الحد الأقصى فهو التهيؤ والاستعداد لحماية هذه الدولة والتضحية في سبيلها. أما الاعتراف الخارجي فيعني قبول الدولة في الأسرة الدولية والعنصر الرابع هو شرط توافر إقليم (الأرض) محدد بحدود واضحة ومعترف بها والذي تمارس عليه وفيه سلطة هذا الكيان، وهذا يعني أن لكل دولة أرضاً ذات حدود معروفة، والعنصر الخامس هو شرط توافر البشر، يعيشون بشكل شبه دائم على أرض أو إقليم الدولة ويخضعون لسلطاتها، ويعرفون باسم الشعب people أو المواطنين Citizens أو الرعايا، وقد يشكلون أمة([65]).

المطلب الثاني: الدولة الحديثة وخصائصها

  • الدولة الحديثة

يقول (جوزيف شتراير) “إن أفظع مصير يمكن معرفته في العالم الراهن، هو مصير من لا وطن له”([66])، ويؤكد (شتراير) أن شخصاً بدون عائلة، وبدون سكن ثابت، وبدون انتماء ديني يمكن أن يعيش حياة مكتملة بصورة كافية، لكنه بدون دولة ليس شيئاً، وليست له حقوق، ولا أي أمن، وعلى الأرض لا خلاص خارج إطار دولة منظمة، وهذه لم تكن الحالة دائماً، لقد كانت ثمة عهود ليست بعيدة جداً على قياس التاريخ، حيث لم تكن الدولة موجودة، دون أن يوجد أحد يعترض على هذا الغياب([67]).وتثير هذه المسألة تساؤلات وجدالات حادة بين المختصين والباحثين حول ما إذا كانت الدولة ظاهرة قديمة قدم المجتمعات البشرية أم ظاهرة حديثة؟ وللإجابة عن هذه التساؤلات هناك آراء مختلفة في الفكر السياسي المعاصر، ويحدد لنا (عبد الله العروي) أربعة وجهات نظر رئيسة ومختلفة حول هذه المسألة([68]):-

  • عند انجلز والأثنولوجيين (علماء الإنسانيات)، ترتبط الدولة التاريخانية باستقرار القبائل الرحل والملكية الخاصة والكتابة، وهي خصائص نشأة التاريخ المكتوب ابتداءً من القرن الخامس عشر قبل الميلاد على أقل تقدير، والتي تدوم بدون تغيير جذري إلى أن ينتهي عهد الملكية الخاصة وتقسيم المجتمع إلى طبقات (ستنتهي وتنتهي معها الدولة)، حسب قول انجلز.
  • وعند ماركس في نقده لفلسفة قانون هيجل، تعني الدولة التنظيمات الجديدة التي عرفها عهد النهضة وعهد الثورة الفرنسية.
  • في اجتماعيات القرن (التاسع عشر)، تعني الدولة الصناعية، دولة مجتمع يغلب فيه العمل في المصانع والمتاجر على العمل في الحقول، وطبقة الأجراء الصناعيين على الفلاحين، الرأسمال النقدي على الملكية العقارية، وكلها تطورات تنعكس على وظائف الدولة وأجهزتها، يعني أنها ليست حديثة وإنما امتداد للسابق ولكن بوظائف وبنى جديدة.
  • في اجتماعيات أواسط القرن العشرين، تعني الدولة الجهد المترتب على تداخل العلم والصناعة وارتفاع نسبة قطاع الخدمات على حساب قطاع الصناعة التحويلية، وانتشار الوسائل السمعبصرية ومستوى متقدم من تنظيم العمل ومراقبة العمال، أي دولة معاصرة. ويتساءل (عبد الله العروي) أي من النماذج نعني بالدولة القائمة الآن، التأريخانية؟ الحديثة؟ الصناعية؟ المعاصرة؟، ويجيب بالقول بأنه من البديهي أن أي حكم نطلقه على الدولة منوط بالنموذج الذي نستعمله عندما نصف وظائفها ووسائلها. إن نموذج انجلز فضفاض، أما النموذج الإعلاموي (المعاصر) فإنه ليس عاماً لأنه يخص قسماً ما يزال ضئيلاً بالنظر إلى المنتظم الدالي، رغم ان هذا القسم هو الأكثر غنى ووفرة ونفوذاً، ويبقى النموذج الثاني (الحديث) والثالث (الصناعي)، وهما يتداخلان ويؤلفان نموذجاً واحداً يسمى الدولة الحديثة وهو ما يستعمله الباحثون في العلوم السياسية. ولم يحسم الأمر حول هل أن للدولة الحديثة جذور تاريخية أي هل أنها امتداد للدول الوسيطة والقديمة؟ أم أنها حديثة بكل ما تعني الكلمة، أي أنها ظهرت في المجتمعات الحديثة بشكل منقطع عن السابق.

ويمكن تحديد اتجاهين اثنين رئيسين من الآراء حول هذه المسألة واتجاه ثالث تتراوح آراؤه بين الأول والثاني، الاتجاه الأول يقول بأن الدولة ليست ظاهرة حديثة وإنما قديمة قدم المجتمعات رغم بعض الاختلافات في بنيتها وشكلها، والاتجاه الثاني يقول بأن الدولة ظاهرة حديثة، برزت إلى الوجود بعد أن تجاوزت المجتمعات الغربية العصور الوسيطة ودخلت العصور الحديثة بكل ماتبعتها من التحولات والتغييرات في كافة المجالات الحياتية، وهناك مجموعة آراء أخرى تقول بأنه صحيح أن الدولة الحديثة بشكلها وبنيتها الحالية حديثة النشأة، ولكنها وجدت في المجتمعات القديمة بشكلها الجنيني وتحت مسميات أخرى، وإن كانت الاختلافات بين الدولة الحديثة وأشكالها القديمة كثيرة وكبيرة إلا أنها في بعض جوانبها تعتبر امتداداً لها، وبالتالي لا يمكن اعتبار (الدولة) ظاهرة حديثة بالمطلق. ونحاول أن نستعرض بعض تفاصيل هذه الاتجاهات  باختصار فيما يلي:-

الاتجاه الأول: الدولة قديمة قدم المجتمعات، فحسب مؤيدي هذا الاتجاه فإن فكرة الدولة تعود لكافة المجتمعات البدائية منها والمتحضرة، فهناك دولة كلما كان بالإمكان التفريق بين طبقة تعود لها السلطة الآمرة وطبقة التي عليها واجب الطاعة، ومنذ الوقت الذي يستطيع به الفرد أو مجموعة أفراد  فرض إرادته أو إرادتهم سواء بالإقناع أو بالقسر على مجموعة من أفراد، يمكن القول بوجود الدولة([69]). وأبرز ممثلي هذا الاتجاه هو العميد (دوجي) الذي يذهب إلى إطلاق اسم الدولة على كل تنظيم للجماعة السياسية أياً كانت صورته([70]). وعلى ذلك فالدولة توجد حسب وجهة نظره، حيث توجد تفرقة بين الحكام والمحكومين، أي حيث تقوم سلطة سياسية تحكم الجماعة، وهذا واضح في تعريف سبق ذكره ل(العميد ديكي) للدولة بصورة قد توسع في إطلاق التسمية على مختلف أشكال الجماعات الإنسانية، وجعل الفيصل في ذلك وجود السلطة الحاكمة في هذه الجماعة الإنسانية، دونما التفات إلى ضوابط أخرى وشروط وضعها واشترطها الآخرون للجماعة الإنسانية كي تسمى بالدولة([71]). ويؤيد (شارلز تلي) هذا الرأي أيضاً ولكن مع بعض التحفظ والحذر وذلك في تمييزه بين الدولة باعتبارها منظمات تتحكم بالقسر وبين الجماعات العائلية والقرابية، ويؤكد بأن تعبير الدولة يشمل (المدن- الدول، الإمبراطوريات والدول القائمة على سلطة رجال الدين وأشكال أخرى كثيرة من نظم الحكم، لكنه لا يشمل القبائل أو القرابات أو الكنائس. ويشير (شارلز تلي) إلى أن الكثير من دارسي السياسة يستخدمون تعبير الدولة بالمعنى التنظيمي، إلا أن بعضهم يوسعه ليشمل أية بنية للسلطة على كتلة سكان كبيرة ومتقاربة، بينما يقصره الآخرون على المنظمات ذوات السيادة القومية (فقط) الممركزة  والمتمايزة نسبياً، أي على يسميه (تلي) بشكل تقريبي الدولة-القومية، وحسب رأي تلي فأن بقايا الحفريات تدل على وجود أول دولة منذ عام (6000 ق.م)، وكانت هذه تتكون من عاصمة (في الغالب) يحكمها كاهن تحيط بها منطقة تدفع الخراج غير أنه بعد ذلك وحوالي (2500 ق.م) ظهرت إمبراطوريات في بلاد مابين النهرين([72]). ويضيف (تلي) أنه على امتداد التاريخ الإنساني، لم تظهر الدولة إلا نادراً، فمعظم الدول في التاريخ لم تكن قومية، بل إمبراطوريات ومدناً- دولاً أو مدناً دولاً.

ويؤيد (منذر الشاوي) وجهة نظر العميد (ديكي)، ويقول “الدولة ليست في الحقيقة إلا التمييز بين الحكام والمحكومين، وبوجود هذا التمييز تظهر الدولة”([73])، ولكنه يتساءل بأن ظاهرة التمييز بين الحكام والمحكومين اذا كانت موجودة في كل المجتمعات والفئات الاجتماعية، فكيف نميز إذا بين هذه الفئات والدولة؟ وهل يمكن إطلاق صفة الدولة على كل أو أية فئة اجتماعية يوجد فيها أشخاص (قل عددهم أو كثر)، يأمرون، وآخرون يطيعون؟ أم هناك مميزات خاصة بالدولة تنفرد بها عن باقي الفئات الاجتماعية الأخرى؟([74]). يجيب (الشاوي)، بأنه في الواقع هناك مميزات خاصة بالدولة تختلف بها عن باقي الفئات الاجتماعية الأخرى، والفرق الأساس حسب رأيه هو في درجة تنظيم السلطة في كل من الدولة وهذه الفئات الاجتماعية، وليس فرقاً في طبيعة هذه السلطة، فالسلطة في الدول تمتاز بدرجة كبيرة من التعقيد أو التطوير في التنظيم لا يوجد في الفئات الأخرى، ويتجلى ذلك في الجهاز الحكومي والسلطات الثلاثة (التشريعية والتنفيذية والقضائية)([75])، ولكنه يبقى يؤكد على أن الدولة وجدت في المجتمعات القديمة مهما كانت درجة تخلفها أو تقدمها، وإذاً فأن الدولة ليست ظاهرة حديثة.

وهناك بعض الباحثين العرب ايضا يعتقدون بأن الدولة ظاهرة قديمة، وخاصة في المجتمعات الشرقية، ويقولون بأن العرب لم يعرفوا مصطلح الدولة، ولكنهم (أي العرب) عرفوا مفهوم الدولة كواقعة قبل الإسلام في ممالك اليمن في سبأ وحمير ومعين، وفي دولتي المناذرة والغساسنة وقد تلازم هذا المعنى عندهم بالسلطان حتى غدا اسم الدولة أو المملكة ملازماً لكلمة السلطان في الفكر السياسي العربي الإسلامي، لاسيما في عصوره الوسيطة التي أعقبت انهيار الإمبراطوريات الإسلامية الكبرى. وعلى الرغم من إقرار بعض الباحثين العرب بأن اسم الدولة (State) بمعناه الحالي، لم يظهر في اللغات الغربية إلا في العصر الحديث والمعاصر، إلا أن هذا المفهوم ظهر بمسميات مختلفة في الفكر الشرقي عموماً والفكر العربي الإسلامي بصورة خاصة، وهكذا يؤكد البعض على أن الدولة قديمة عرفها العالم قبل آلاف السنين، وقد كان للشرق قصب السبق على الغرب في تنظيم أوجه السلطات، وإن كان ذلك، كما يقولون، تحت مسميات وعبارات لم تشر إلى كلمة الدولة مباشرة، مستعيضاً عنها بعبارات أخرى مثل (الإمارة والخلافة والمملكة والسلطان أو السلطنة)([76]). وباختصار شديد، نستطيع القول بأن أنصار هذا الاتجاه لا يميزون بين الدولة والسلطة، وعندما يشيرون إلى الدولة القديمة فإنهم في الحقيقة يشيرون إلى السلطة السياسية في المجتمعات القديمة بأشكالها المتعددة وفي إطار أنظمة سياسية مختلفة.

الاتجاه الثاني: اعترض العديد من المختصين والباحثين، على الآراء المطروحة من الاتجاه الأول، ومن بينهم (لوسيان فافر Lucian Febvre)، الذي وصف هذه النظرة للدولة “بفرض الأفكار التي لا تطاق، وأن الكلام عن الدولة، إذا كان المقصود التخيل، بالرجوع إلى الماضي البعيد للمجتمعات البشرية، التي قد تكون بداية الانطلاقات لسلطة لا يمكن أن نسميها سياسية”([77])، وأنصار هذا الاتجاه يؤكدون على أن الدولة بالمعنى الدقيق للكلمة لا توجد إلا منذ حقبة التي تنفصل بها السلطة السياسية في مجتمع متحضر عن باقي العناصر القريبة منها، وبالأخص العناصر ذات الطابع الوراثي. وإذاً فأن هذا الفريق يرى بأن الدولة لا توجد إلا حيث تكون الجماعة السياسية قد وصلت إلى درجة من التنظيم، يجعل لها وجوداً مستقلاً عن شخص الحكام الذين يمارسون السلطة فيها([78]).

ويقول (جورج بوردو)، بأنه ليس كل مجتمع سياسي منظم دولة ولا يمكنا اعتبار التعاريف التي تقرنها بواقع التمايز بين المحكومين والحكام بأنها صحيحة ،لأن ما تكشف عنها هذه التراتبية هو وجود السلطة، وإذا كانت ظاهرة السلطة عالمية ، ثمة أشكال كثيرة لا تمت بصلة إلى الدولة . وأنه لكرم لفظي مفرط أن نطلق صفة الدولة على التنظيم السياسي الذي عرفه البابليون والماديون والفرس ، وكذلك عندما نطلق الصفة نفسها على السلطة التي يمارسها أحد شيوخ القبائل في ماليزيا أو في أفريقيا الإستوائية. إننا دون شك ، ففي الدولة ترتدي السلطة سمات لا نجدها خارجها، إذ إن طريقة تحذرها في الجماعة تعطيها خاصية تنعكس على وضع الحكام ، كما أن غائيتها تحررها من تعسف الأرادات الفردية ، وممارستها تخضع لقواعد تحد من خطرها. يبدوا أن ذلك كاف للحؤول دون دمج الدولة مع أي من التمايزات بين الرؤساء والرعايا.[79]

ويشير (علي عباس مراد)، إلى تعدد وتنوع الأنظمة السياسية تبعا لتنوع وتعدد المجتمعات، والأزمنة، ومتطلباتها ومصالحها وهو ما جعل الأنظمة السياسية في العصور والمجتمعات السابقة تتخذ أشكالها التقليدية المعروفة والمناسبة والمتناسبة معها، مثل (رئاسة الجماعة الأولى، مشيخة القبيلة، زعامة القرية، دولة المدينة، المملكة، الإمبراطورية، الإمارة الإقطاعية، الخلافة، السلطنة)، وهذه كلها أنظمة سياسية لكنها ليست دولاً، فليس كل مجتمع سياسي منظم دولة، ثمة أشكال من السلطة لا تمت بصلة إلى الدولة([80]). وعلى هذا الأساس فأن يفترض ما تصفه الدراسات التاريخية والاجتماعية والسياسية من أشكال النظم السياسية بأنه دولة، إما أن يكون من الأشكال التقليدية القديمة للنظم السياسية، وعندها لا يكون وصفه كدولة وصفاً صحيحاً، إذ لا تعدو حدود الاستعارة المجازية التي لا تتطابق فيها الصفة (الدولة) مع الموصوف (النظام السياسي التقليدي)؛ أو أن يكون الشكل الحديث للنظم السياسية والمقترن ظهوره بالحداثة الأوربية، حيث نتج منها وأنتجها في آن واحد، وعندها يكون وصف هذا الشكل بأنه (دولة State) صحيحاً تماماً، لأنه الشكل الوحيد من أشكال النظم السياسية الذي تتطابق فيه صفة الدولة مع موصوفها مع بقائه شكلاً واحداً فقط من أشكال السلطة السياسية في المجتمع ولكنها بالتأكيد ليس شكلها الوحيد. حيث كانت أوربا ومستعمراتها في تلك الحقبة بوتقة اجتماعية تفاعلت فيها وفي آن واحد شتى العوامل:-

  • السياسية: صراع السلطة المركزية مع الأمراء الإقطاعيين ورجال الدين.
  • الاقتصادية: صراع البرجوازية مع الإقطاع.
  • الاجتماعية: صراع العامة مع سلطة الملوك المطلقة والمقدسة، وسلطة الإقطاع والكنيسة.
  • الفكرية: صراع الجديد مع القديم والعلم مع الموروث، وعصر الأنوار والإصلاح الكنسي، ودعوات حقوق الإنسان والحريات الفردية والعامة، والأسس المدنية للقانون وللسلطة، وفصل الدين عن السياسة ونظريات القومية السياسية وسيادة الأمة والسيادة الشعبية.

وكانت المحصلة الكلية لتفاعل هذه العوامل والصراعات التي أنتجتها ونتجت عنها، هي ظهور الدولة كشكل مستحدث لممارسة السلطة السياسية وتنظيمها وفقاً لتلك النتائج وبما يستجيب لدواعيها([81]).

ولـ(محمد جمال باروت) نفس الرأي تقريباً، حيث يقول، يمكن القول “بلغة النمذجة، إن الدولة الحديثة هي الدولة نفسها وما سواها نوع ما من السلطة قد يقترب أو ينقطع بهذا القدر أو ذاك مع نموذج الدولة إلا أنه يبقى نموذج سلطة”([82])، فإذا كان مستحيلاً وجود دولة دون سلطة فإنه من الممكن على الدوام وفي كل العصور والمجتمعات بما في ذلك عصرنا ومجتمعاتنا الراهنة، أن توجد سلطة دون دولة، فثمة أشكال من السلطة لا تمت بصلة إلى نموذج الدولة ومن هنا ينكر الفكر السياسي الأوربي وجود دولة بالمعنى الدقيق قبل نشوء الدولة الحديثة، فيعتبر أن كل ماجاء قبلها هو مجرد أطر شكلية للسلطة لا علاقة لها بالدولة بالمعنى الدقيق([83]).

وهناك مجموعة أخرى من الباحثين لهم آراء أكثر اعتدالاً بهذا الشأن، فمثلاً اعتبر (روبرت لووي) (Robert Lowie)، “إن الدولة موجودة في حالة جنينية في جميع المجتمعات، حتى أكثرها بدائية، وإنها مدعوة إلى التأسيس تدريجياً بقدر ما كانت تعمم ظاهرة الترابط وتضعف لحمات حياة الجماعات المتحدة”. وهذه النظرة تنطلق من أفكار التيار التطوري، فعلم الاجتماع الوظائفي، بتصوره للدولة كنتيجة لتطور بطيء في الأنساق الاجتماعية وليس كنتيجة قطيعة تاريخية مفاجئة ويعتقد (صاموئيل آيزنشتا)، إن الإمبراطوريات فئة وسطية بين المجتمع التقليدي والدولة الحديثة، والإمبراطوريات تشير إلى تقدم بالنسبة للمجتمع التقليدي، وتبتعد بالمقابل عن الدولة الحديثة بجملة من السمات التي تجعل نتائجها السياسية جزئية وغير مكتملة، تبقى استقلالية السلطة السياسية الإمبراطورية محددة بحكم مقاومة الصيغ التقليدية للمشروعية، وبحكم ثقل التراتيب الاجتماعية، لا تكون المؤسسات منزوعة الشخصية إلا بشكل ضعيف، ولا يبلغ إلى المجال العام أخيراً إلا درجة ضعيفة من الشمولية، فيكون عند هذا المستوى ضحية استمرار الولاءات المحلية التقليدية، والخمول السياسي عند السكان الذين يجهلون المركز ولا يتوجهون إليه أبداً، بهذا الشكل يتصور (آيزنشتاد) الإمبراطوريات كشكل ما قبل الدولة الحديثة([84]). ويؤكد (جوزيف شتراير) عند الحديث عن نشأة الدولة الحديثة أنه لم توجد البتة دول في عهود سابقة، أو في عالم غير أوربي، (Lapolis- البوليس) اليونانية كانت بلا جدل دولة، وكذلك إمبراطورية (هان) في الصين، أو الإمبراطورية الرومانية، لكن فيما يتعلق بأصول الدولة الحديثة، فهذه ليست مشتقة بصورة مباشرة من أي مثال من هذه الأمثلة القديمة([85]).

وهكذا يتضح لنا بأن أنصار هذا الاتجاه ينقسمون مابين من يرى في الدولة الحديثة امتداداً للكيانات والنسق السياسية السابقة، أو شيئاً مختلفاً عنها ومتجاوزاً لها، ومن يقول إن “الدولة الحديثة تتحقق بطريقة تدريجية متجاوزة ومحسنة أشكال النسق السياسي السابق”([86]). ويرى أنصار (علم اجتماع الحداثة)، الدولة كبنية تحتية للمجتمعات الصناعية غير قابلة للفصل عن التطور الاجتماعي-الاقتصادي بصرف النظر عن مكان تحققه، ويؤكد (جان دابان- Jean Dabin) على أن الإنسان قد دخل عصر الدولة بخطوات بطيئة وطويلة، خضعت لمؤثرات مختلفة ومتشابكة من النواحي الدينية والاجتماعية والعسكرية، ويقول أيضاً، بأن الدولة المعاصرة تعود إلى أواخر القرن الخامس عشر ومطلع القرن السادس عشر الميلادي بعد تفكك الإمبراطورية الرومانية([87]). وقد يختلف الباحثون فيما بينهم حول بداية نشأة الدولة الحديثة، ولكنهم يتفقون على الربط بين نشوء الدولة الحديثة وتفكك الإطار الإمبراطوري للسلطة وانتهائه، وتم ذلك حسب آراء الباحثين أول ما حدث في أوربا الغربية، وتحقق أول اعتراف بالدولة الحديثة ولو بشكلها البدائي من خلال معاهدة ويستفاليا (1648)، التي أنهت حرب الثلاثين عاماً في أوربا، وأرست معالم نظام دولي جديد تقوم وحدته الأساسية على الدولة-الأمة([88]). ويقول (إسماعيل غزال) بأنه منذ القرن الثالث عشر حتى القرن الرابع عشر الميلادي برزت شيئاً فشيئاً في قلب النظام الإقطاعي الملامح الأساسية للدولة الحديثة([89])، ولكن (جوزيف شتراير) يؤكد على أنه خلال القرون الممتدة بين عام (1000م إلى 1300م) شهدنا ظهور بعض العناصر الأساسية للدولة الحديثة، ومنذ بداية القرن الرابع عشر أصبح بديهياً أن الدولة ذات السيادة ستكون البنية السياسية العالمية في أوربا الغربية، ويشير إلى أن الدولة الحديثة تطابق المخطط الذي نشأ في أوربا مابين (1100-1600)م.

  • خصائص الدولة الحديثة

لإبراز وتشخيص مميزات وخصائص الدولة الحديثة، يقارن الباحثون بين الدولة الحديثة والأنساق السياسية السابقة لها. وفي هذا الصدد، يقول (جوزيف شتراير)، بأن؛ تجزؤ للسلطات، وعدم الاستقرار المكاني، أي غياب الديمومة في المكان والزمان للوحدات السياسية، والولاء الشخصي، وشخصنة السلطات كانت مميزات الكيانات القديمة مثل الاقطاعيات والإمارات ماقبل نشوء الدول الحديثة([90])، ويشير أيضاً أنه في العالم القديم، كانت الدول تنتسب، إجمالاً إلى فئتين، الإمبراطوريات الكبيرة ذات التلاحم الضعيف، والوحدات السياسية الصغيرة، المندمجة بقوة، مثل الحاضرة اليونانية وكان لكل من هذين النموذجين نواحي ضعفه؛ لقد كانت الامبراطوريات تتمتع بالقوة العسكرية، لكنها لم تكن تستوعب سوى قسم صغير من سكانها في العملية السياسية أو في أي نشاط آخر يتجاوز المصالح المحلية المباشرة، والحاضرة (دولة-مدينة) لم تكن تستطيع أن تحل مشكلة استيعاب أراض واسعة أو سكان جدد، لكن كانت دولة تصبح تارة نواة لامبراطورية، وتتحول إلى الامبراطورية، أما الدول الحديثة استطاعت أن تجمع مابين قوة الامبراطوريات القديمة والتلاحم الاجتماعي عند الدولة-المدينة حيث نجحت الدولة الحديثة في إعطاء شعور بالهوية المشتركة للجماعات المحلية([91]). لذلك فإن الدولة الحديثة قوية وواسعة بصورة كافية([92]).

ويقول (محمد سعيد طالب)، بأن الدولة الحديثة هي شكل أرقى من الدول السابقة، تستند إلى الفصل بين الديني والدنيوي (العلماني) والسياسي والمدني، وتنبثق من الإرادة العامة التي هي تعبير عن مجموع الإرادات الفردية([93]). ويشير (شارلز تلي) بأن الدولة الحديثة هي الدولة-القومية، وهذا مايميزها بشكل جوهري عن الأنساق السابقة، ويضيف بأن الدولة الحديثة، حكمت شعبها (محكوميها) بصورة مباشرة، مثل دويلات المدن القديمة، ولكن في ظل الامبراطوريات حكمت كل دولة، رعاياها عبر وسطاء أقوياء تمتعوا باستقلالية واسعة عطلوا مطالب الدولة (السلطة المركزية) التي تعارضت ومصالحهم وحققوا أرباحاً لحسابهم الخاص من تفويض سلطات المركز لهم، وحصلت قومنة القوة المسلحة (التحول من الاعتماد على المرتزقة إلى تجنيد المحاربين في صفوف السكان المحليين الوطنيين، وهذا ماتجلى في فرنسا بعد الثورة 1789م)([94])، ومهدت لأوربا الانتقال من الحكم غير المباشر إلى الحكم المباشر ومركزية الحكم، وبدأ التوسع الأكثر درامية في نشاط الدولة، حيث ازدادت واجبات الدولة تجاه المواطن صحيح أيضاً، حيث إن الدولة تراقب الصناعة وظروف العمل وتقييم وتنظيم النظم الوطنية للتعليم، وتنشئ وتصون خطوط الاتصالات وتفرض الرسوم لصالح الصناعات المحلية وتشرف وتراقب آلاف من النشاطات الأخرى، وأصبح المواطنون يطالبون بحقوقهم منها في  ميادين شديدة الاتساع تمتد من الحماية إلى القضاء. والى الانتاج والخدمات والتوزيع، وعلى الصعيد الداخلي تولت الدول فرض لغة وطنية رسمية وخدمة عسكرية وطنية وأشياء اخرى، وعلى الصعيد الخارجي فقد بدأت بالسيطرة على التحركات عبر الحدود، واستخدام التعرفة والرسوم كأدوات للسياسة الاقتصادية، ومعاملة الاجانب كأنواع مميزة من البشر، تستحق حقوقاً مجددة وتخضع للمراقبة، وتوحدت اللغات القومية، وانتظمت أسواق العمل والاقتصاد الوطنية وأخذ الجنود يمثلون الأمة، والسكان المدنيون يتحملون حرمانات ومسؤوليات مشتركة ومن بين العواقب الأخرى أخذت الخصائص السكانية بالتقارب داخل الدولة الواحدة والتباعد الأكبر بين الدول([95]).

ويحدد (زهير شكر) أربعة معايير للتمييز بين الدولة الحديثة وأشكال الحكم السابقة مثل (الإمارات، الامبراطوريات، الدويلات، المدن، القبائل، الإقطاعيات…)، وهي كالآتي([96]):

1) معيار الاستمرارية: حيث كان ظهور الدولة الحديثة نتيجة للتمييز الذي حصل بين السلطة وبين أشخاص الحكام، وهذا مايفسر المثل الفرنسي (مات الملك، وعاش الشعب)، أي مفهوم استمرارية الدولة بمعزل عن شخص الحاكم، ففي الماضي لم يكن للدولة استمرارية، ففي كل تغيير للحكام كانت تحدث أزمات وحروب أهلية، تختفي معها الدولة مؤقتاً أو يتغير شكلها وتكوينها، إذاً المعيار الأول هو، قيام مؤسسات سياسية غير شخصية، ودائمة نسبياً، وبروز فكرة فصل السلطة عن شخص من يمارسها، وهناك من يعتبر الثورة الفرنسية (1789م) هي بداية التحول نحو الفصل بين شخص الحاكم والدولة على اعتبار أن هذا الفصل هو وحده الذي يكفل خضوع الحكام لسياق القانون، كما أنه شرط ضروري لقيام النظام الديمقراطي القائم على سيادة الشعب([97]).

2) معيار الحدود الثابتة: ولكي تتحول الجماعة البشرية المنظمة إلى دولة، لا بد من ثباتها في المكان بصورة كافية للعيش والعمل المشترك على أرض معينة، وطوال فترة من الزمن تتبلور لدى جماعة بشرية معينة النماذج التنظيمية الأساسية لتشييد أسس الدولة، لأن الدولة الحديثة ترتكز على مؤسسات دائمة، ومن الصعب إنشاء هذه المؤسسات ما لم يوجد مركز جغرافي ثابت تستطيع الجماعة الداخلية فيها أن تبني نظامها السياسي([98]).

3) معيار السيادة: إن وجود مؤسسات مستقرة وثابتة فوق أرض محددة لا يكفي لوجود الدولة، فلا بد من أن يكون لهذه المؤسسات مكانة وسلطة، أي لا بد من تمتعها بالسيادة([99]).

4) معيار المصلحة العامة: حيث يكون مشاعر الولاء تجاه الدولة نتيجة لاقتناع المواطنين بضرورة إعطاء الأولوية لمصالح الدولة التي تمثل الخير الجماعي الأعلى([100]).

        وهكذا فإن ظهور الدولة الحديثة كان نتيجة لتبلور وحدات سياسية دائمة، وثابتة ومستقرة في إطار حدود جغرافية، وتطور مؤسسات دائمة وغير شخصية، والاقتناع الجماعي بضرورة وجود سلطة عليا وشيوع نزعة الولاء لهذه السلطة.

        ويشير (أنتوني غدنز) إلى الخصائص التي تميز الدولة الحديثة ويجمعها في النقاط الآتية([101]):-

  • السيادة: فالأراضي التي حكمتها الدول القديمة كانت غامضة الحدود إلى حد بعيد، مثلما كانت درجة السيطرة التي تفرضها عليها الحكومة المركزية ضعيفة جداً.
  • المواطنية: فأغلب سكان الدول التقليدية القديمة لم تكن لهم أية حقوق سياسية أو صلاحيات تنفيذية، واقتصر الإنتماء للجماعة السياسية العامة على الطبقات المهيمنة أو الفئات المرفهة في العادة، وعلى العكس من ذلك، فإن أكثر الناس الذين يعيشون داخل حدود أنظمة سياسية في المجتمعات الحديثة يعتبرون أنفسهم جزءً من الدولة، رغم وجود لاجئين سياسيين أو مهاجرين، فإن جميع الناس هم أعضاء في نظام سياسي وطني محدد*.
  • القومية: الدولة الحديثة تعتبر دولة قومية تطبق فيها فكرة المواطنة والإقرار بأن للناس (المحكومين) حقوق وواجبات ويدرك المواطنون فيها أنهم جزء من الدولة وأن لهم انتماء قومي وإحساس مشترك بأنهم جزء من كيان سياسي واسع.

وهناك من يميز الدولة الحديثة على أساس وجود مستوى متطور من الديمقراطية والعقلانية في الحكم والإدارة والتنظيم السياسي، فعلى سبيل المثال، يميز (ماكس فيبر) بين ثلاثة أنواع من السلطة السياسية كل نوع من هذه الأنواع يمثل مرحلة معينة من مراحل تطور المجتمعات، وهو يمثل حالة التحول والانتقال من المجتمع التقليدي إلى المجتمع الحديث، ويمكن جعلها معياراً للتمييز بين السلطة في الدولة الحديثة والأنماط التقليدية للسلطة في الوحدات السياسية المختلفة ماقبل الدولة الحديثة حتى لو وجدت على شكل الدولة الحديثة وبأسمها . والأنواع الثلاثة هي كالآتي([102]):-

  • السلطة التقليدية: وهي تقوم في المجتمعات التقليدية على أساس التقاليد والأعراف وحكم العادة، ولايوجد في السلطة التقليدية المشروعة وظائف ومراكز وظيفية واضحة، وإنما مراكز شخصية لدعم مركز ذوي السلطة، وحيث إنه لا توجد صلاحيات واضحة الحدود والمعالم، فإن ذوي السلطة التقليدية المشروعة يمارسونها على نحو تعسفي كاستخدام الفصل والعفو وبغياب الصلاحيات الواضحة والتخصص يختفي التمييز مابين النشاط السياسي والنشاط الخاص، وبالتالي المصالح العامة والمصالح الخاصة.
  • السلطة الملهمة أو الكاريزماتية: وهذه السلطة تستوحي مسيرة التاريخ بوعي مكثف وإرادة قوية، وتقوم على أساس تفوق الشخصية لدى الزعيم، أو على الأقل هكذا ينظر إليه من يلتف حوله من الأتباع أو المؤازرين، فالزعيم الملهم يستقطب حوله إخلاص مؤيديه له، وثقتهم بشخصه، لهيبته أو بطولته أو صفاته النادرة أو غير ذلك. ومن ثم فإنه عندما يمارس السلطة، لن يتقيد بالمؤسسات القائمة، ولا بالسوابق في الحكم، وفي بعض الأحيان تكاد مشيئته الشخصية تقف على قدم المساواة مع القواعد القانونية، وطاعة الأفراد له لا تتأتى من عرف أو قانون وإنما من إيمان كامل به.
  • السلطة العقلانية أو القانونية: وهي التي توجد في المجتمعات الحديثة والمتطورة، وتقوم على مجموعة من القواعد القانونية المبنية على أسس المنطق والعقل. وكل من له سلطات يستمد صلاحياته من هذه القواعد القانونية والدستورية، ومصدر السلطات قائم أساساً في طبيعة النظام الشرعي ذاته. فهناك تمييز مابين الوظائف وبين الأشخاص الذين يشغلونها، ولذلك فإن سلطة الأفراد متأتية من الوظائف التي يشغلونها، أما خارج نطاق ذلك، فإنهم ليسوا سوى أشخاص اعتياديين وتجسد البيروقراطية السلطة الشرعية العقلانية-القانونية.

ويرى (ماكس فيبر) أن البيروقراطية هي التدرجية التي تحل مكان السلطات الملهمة، والسلطات التقليدية، وأن تجريد السلطة من طابعها الشخص الذي كان أساس المجتمع التقليدي في السابق هو ما نقل أوربا من مرحلة النظام الإقطاعي إلى مرحلة الدولة-الأمة بشكلها الديمقراطي بعد أن مرت بمرحلة الملكيات المطلقة. وتجسد الدولة الحديثة الشكل­ العقلاني القانوني من السلطة السياسية وهكذا يتحقق بناء الدولة عند (ماكس فيبر) بفضل إقامة شكل شرعي للسلطة والسيطرة، ضد التجنيد الوراثي، وتشكل ولادة الإدارة الديوانية (البيروقراطية) تقريباً بذرة الدولة الحديثة([103]). ويؤكد (فيبر) على أن الخروج من الإقطاعية يتحقق من خلال تركز السلطات العسكرية باللجوء إلى نمط معين من الجيش لا يرتبط بروابط التبعية الشخصية، بل بقيام الحكام بدفع منتظم لرواتب الجنود، وبذلك تنضج الدولة الحديثة بقضائها على كل المظاهر الشخصية والوراثية وقطع الصلة نهائياً بين ممارسة وظائف الدولة المدنية والعسكرية وبين أية رابطة ملكية محتملة لصالح الماسكين بزمام هذه الوظائف إن ولادة الدولة هي نهاية للوراثة، تميز وتمركز وتؤسس الحكم والإدارة، ولكن عليها دفع أجور موظفيها، حتى يتماثل هؤلاء كلياً وفعلياً مع وظائفهم، ويبتعدون من حيث دورهم عن إنتمائهم الاجتماعي التقليدي السابق على وجود الدولة([104]). إذاً يرى فيبر أن تجريد السلطة في الدولة الحديثة من طابعها الشخصي وفيه كل موظف يشغل وظيفة تتمايز بمكانها في التدرجية الإدارية، كما تتميز أيضاً بالتحديد الدقيق لصلاحياتها، ويكافأ الموظف براتب ثابت ومنظم ثم يخضع نشاطه إلى رقابة رئيسه الأعلى الذي يتمتع بصلاحيات التعيين والترقية وإيقاع العقوبات وفق ضوابط رأس واضحة وقانونية([105]).

ويشير (عبد الله العروي) إلى أبرز مظاهر الاختلاف والتمييز بين الدولة الحديثة وبين الأنماط الأخرى التقليدية للوحدات السياسية، والذي يتجلى في شكل وطبيعة كل من (الجيش، الإدارة، الاقتصاد، التعليم)([106])، حسب منهج (فيبر) للتمييز بين الدولة الحديثة والأنماط الأخرى للوحدات السياسية، وكان (ماكيفيللي) قد طرح قبل (فيبر) مشكلة الجيش الوطني، حيث قال إن إيطاليا لن تكون دولة موحدة ما لم تستغنِ عن المرتزقة وتدافع بنفسها عن نفسها. والمؤرخون ركزوا بصورة أكثر على إصلاح الإدارة العمومية، والدليل الأوضح على الثورة الإدارية هو القانون النابليوني الذي جمع في كتاب واحد موجز كل القوانين الواجب تطبيقها على جميع المواطنين بدون تمييز جغرافي أو عرقي أو طبقي ولاتعني البيروقراطية مجموعة من الموظفين كيفما كانوا بل تعني موظفين يعملون وكأنهم جيش مدني، إن (ماكس فيبر) هو الذي جعل من هذا المفهوم محور اجتماعيات السياسة وعلامة دالة على اكتمال الدولة العصرية([107]). وهكذا بالإضافة إلى التطورات والإصلاحات في المجالات الاقتصادية والتعليمية، فنموذج دولة نابليون هو البارز في هذا المجال، فأصبح من واجب الدولة التدخل في هذه المجالات، بالإضافة إلى الإصلاحات في مجالات الإنتاج وتنظيمه وتغيير وتطوير وعصرنة التعليم وجعله عمومياً، فكان لنابليون سياسة ثقافية وعلمية أيضاً بمعنى حقيقي، وكان هدفها توحيد لغة التلقين والتعامل الإداري الرسمي من خلال توحيد لغة التعليم في المواد المدرسية وهذا يركز ويقوي أيضاً التلاحم القومي، فيقوي فعالية الجيش، والإدارة وينمي الاقتصاد، إذاً التوحيد اللغوي يوازي نشأة سوق وطنية.

ويعطينا (عبد الله العروي) جدولاً يوضح فيه عناصر التمييز بين الدولة الحديثة ونموذجها (الدولة النابليونية مقابل علامة I) والدولة التقليدية ونموذجها (الامبراطورية النمساوية مقابل علامة II).

جدول (1) ([108])

المميزات

الدولة

الجيشالإدارةالاقتصادالتعليم
دولة نابليون Iوطني

شعبي

ديمقراطي

توحيدية

تجريبية

تعميمية

موحد السوق

توجيهي

إنتاجي

مؤمم

موحد اللغة

تطبيقي

دولة النمسا IIمحترف

ارستقراطي

موالي

عرفية

محلية

متفاوتة

مجزأ

مهجور

استهلاكي

كنسي

متعدد اللهجات واللغات

أدبي

جدول (2)

نموذج Iنموذج II
توحيدتعدد
نظامعادات
فعاليةمجانية
تجريدتجريبية

        إن نموذج (I) هو مايعنيه الجميع حالياً بالدولة الحديثة، والنموذج (II) هو الدولة التقليدية، ولم تصل أية دولة في التاريخ إلى صفاء الأول، ولم تبقَ أية دولة حالياً وفيّة تماماً للنموذج الثاني([109]).

        وهناك من يرى بأن الاقتصاد النقدي للدولة الحديثة يساعدها على تدمير كل شكل تقليدي للسلطة، وبناء الدولة الحديثة ليس سوى شكل من أشكال مركزة السلطة السياسية والإدارة، وهو يتم حسب نماذج مختلفة([110]). وظهور الدولة الحديثة هو عبارة عن الاستقلال التام للنسق السياسي عن النسق الاجتماعي حسب رؤية (تالكوت بارسونز)([111]).

ويشير (علي عباس مراد) إلى النقاط الثلاثة الآتية التي تميز الدولة الحديثة أو الدولة بصورة عامة، عن باقي الأشكال التقليدية للسلطة السياسية([112]):-

  • استقلال البنى المؤسسية والهياكل التنظيمية للسلطة وانفصالها عن باقي البنى الاجتماعية ومؤسساتها وهياكلها.
  • استقلال الأنشطة الوظيفية للسلطة السياسية وانفصالها عن الأنشطة الوظيفية الاجتماعية الأخرى.
  • الطابع المؤسسي المجرد وغير الشخصي للسلطة ومناصبها.

وإذ دخلت أوربا عصر نهضتها بالدولة ومع الدولة، فقد كان من الطبيعي، أن يصبح ابتكار الدولة هو جوهر الحداثة الأوربية وسببها ونتيجتها في آن واحد، سواء فهمنا الدولة على أنها السلطة السياسية التي تتم ممارستها على المجتمع بأسره منظوراً إليه من زاوية تنظيمه السياسي الإجمالي، أو فهمناها على أنها المجتمع بأسره منظوراً إليه من زاوية تنظيمه السياسي الاجمالي أو فهمناها على  انها الدولة في مقابل الدولة، كأشخاص للقانون الدولي، يتفاعلون في إطار النظام الدولي هذه الدولة التي حققت الحداثة الأوربية وتحققت من خلالها، فعلت ذلك أساساً في سياق تفكيكها للعمليتين السياسية والاجتماعية وفصلها بينهما مما جعل من الوظيفة السياسية وظيفة مستقلة تتولاها هيئة مستقلة ومتخصصة حصرياً بمزاولتها. وهذا هو الإنجاز الاهم في ذلك السياق، لأنه كان الأساس الذي قام عليه اختلاف الدولة وتميزها عن الأشكال التقليدية السابقة للسلطة السياسية التي لم تعرف من قبل لا استقلال سياسي عن الاجتماعي ولا التخصص الوظيفي السياسي، وهو مايعني أن أشكال السلطة تلك كانت تنظيماً اجتماعياً بقدر ماهي تنظيم سياسي وبطريقة مباشرة، ولم يكن فيها سياسة ولا دولة بمعنى ضيق ومستقل). وبذلك فقد أصبح من أبرز خصائص الدولة ومميزاتها، الاعتراف باستقلال النطاقين/المديين، الاجتماعي والسياسي عن بعضهما على المستويين الوجوديين المؤسسي والوظيفي، مع الإقرار باستحالة افتراقهما وحتمية تعايشهما وتفاعلهما وتكامل أدوارهما.

وبذلك تجسدت الدولة، جوهر الحداثة الأوربية ومقدمتها، ونتيجتها في ثلاث عناصر تكوينية: ([113])

  • السلطة السياسية.
  • المجتمع المدني.
  • مبادئ التفاعل بينهما وضوابطه وآلياته.

والعنصر الأخير هو ماأصبح يعرف باسم (النظام الديمقراطي)، وجوهره هو المشاركة الشعبية في العملية السياسية، لتتخذ الدولة ونظام التفاعل فيها شكل مثلث متساوي الأضلاع قاعدته هي الديمقراطية/المشاركة السياسية الشعبية التي يقوم عليها وجود السلطة السياسية، والمجتمع المدني وتعايشهما وتفاعلاتهما كضلعين متقابلين ومتكافئين في هذا المثلث.

       ومايهمنا هنا من هذين النموذجين للحكم أو النظم السياسية (الأنماط التقليدية للنظام السياسي والدولة الحديثة)، هو أنهما نموذجان مؤسسان للهوية، حيث يقوم نموذج الامبراطورية كنمط تقليدي للسلطة السياسية على التعدد (الجيش المتعدد الجنسيات، الأعراف والقواعد القانونية المتعددة، السوق الاقتصادية المجزأة، التعليم الموزع بين هيئات مختلفة وتقليدية)، فأن نموذج الدولة الحديثة قائمة على الوحدة (الجيش المكون من جنسية واحدة، القوانين الموحدة، السوق الواحدة، لغة التلقين الواحدة)، وبذلك فأن منطق الدولة في نمط الدولة الحديثة هو منطق التوحيد والتجريد والتعميم، في حين أن منطق الامبراطورية هو منطق التعدد والتجريبية والمجانية([114]). ونحن يهمنا في هذه الدراسة النموذج التوحيدي المركزي (نموذج الدولة الحديثة). بقدر ما ان هذا النموذج هو المسؤول عن الهوية الموحدة والقائم عليها والمحتاج اليها.

([1]) حسنين توفيق إبراهيم، ظاهرة العنف السياسي في النظم العربية، ط2، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت- لبنان، 1998، ص39.

([2]) علي عباس مراد؛ عامر حسن فياض، الظاهرة القومية (مدخل إلى الفكر القومي العربي)، ط1، جامعة قاريونس، بنغازي- ليبيا، 1998، ص11.

([3]) المصدر السابق، ص11.

([4]) نقلاً عن: عامر حسن فياض، جذور الفكر الديمقراطي في العراق الحديث (1914-1939)، ط1، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، 2002، ص15.

([5]) عبد الفتاح عبد الرزاق محمود، الإعلان عن الدولة، أطروحة دكتوراه غير منشورة، كلية القانون ،جامعة صلاح الدين-أربيل، 2007، ص8.

([6]) حميد الساعدي، مبادئ القانون الدستوري وتطور النظام السياسي في العراق، ط1، دار الحكمة للطباعة والنشر، الموصل-العراق، 1990، ص23.

([7]) المصدر السابق، ص23.

([8]) حسن محمد سلامة السيد، العلاقة بين الدولة والمجتمع المدني في مصر مع إشارة إلى الجمعيات الأهلية، ط1، المكتبة المصرية للطباعة والنشر والتوزيع، الاسكندرية، مصر، 2006، ص84.

([9]) عبد العالي دبلة، الدولة: رؤية سوسيولوجية، ط1، دار الفجر للنشر والتوزيع، القاهرة، 2004، ص57.

([10]) ينظر: إسماعيل غزال، القانون الدستوري والنظم السياسية، ط1، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بدون تاريخ، ص69؛ وكذلك ينظر: زهير شكر، الوسيط في القانون الدستوري، ج1، ط3، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، 1994، ص18.

([11]) المصدر السابق، ص18.

([12]) جيفري روبرتس وأكشر ادواردس، القاموس الحديث للتحليل السياسي، ترجمة: سمير عبد الرحيم جلبي، ط1، الدار العربية للموسوعات، بيروت-لبنان، 1999، ص395.

([13])إسماعيل غزال، القانون الدستوري..، م س ذ، ص18.

([14]) عبد الفتاح عبد الرزاق محمود، إعلان الدولة، م س ذ، ص7.

([15]) إحسان هندي، مبادئ القانون الدولي العام في السلم والحرب، ط1، دار الجليل للطباعة والنشر، دمشق، 1984، ص159.

([16]) ابن منظور، لسان العرب، اعتنى بتصحيحه؛ أمين محمد عبد الوهاب ومحمد الصادق العبيدي، ج4، ط3، دار الإحياء للتراث الشعبي، مؤسسة التاريخ العربي، بيروت-لبنان، 1999، ص444.

([17]) جميل صليبا، المعجم الفلسفي بالألفاظ العربية والفرنسية والإنكليزية واللاتينية، ج1، ط1، ذوبي الغربي- سليمان زاد، قم-إيران، 1385، ص568.

([18]) كمال الغالي، مبادئ القانون الدستوري والنظم السياسية، منشورات جامعة دمشق، مديرية الكتب الجامعية، 1996، ص19.

([19]) عبد الفتاح عبد الرزاق محمود، الإعلان عن الدولة، م.س.ذ، ص8.

([20]) المصدر السابق، ص8.

([21]) برتران بادي، بيار بيرنبوم، سوسيولوجيا الدولة، ترجمة: جوزيف عبد الله و جورج أبي صالح، ط1، مركز الإنماء القومي، لبنان، بدون تاريخ، ص11.

([22]) المصدر السابق، ص15.

([23])محمد سعيد طالب، الدولة الحديثة والبحث عن الهوية ،ط1، دار الشروقق للنشر والتوزيع، عمان- الأردن،1999،  ص28.

([24]) نقلاً عن: برتراند بادي، بيار بيرنبوم، سوسيولوجيا الدولة، م.س.ذ، ص5.

([25]) المصدر السابق، ص11.

([26]) نقلاً عن: محمد سعيد طالب، الدولة الحديثة والبحث عن الهوية، م.س.ذ، ص26.

([27]) المصدر السابق، ص27.

([28]) للتفصيل ينظر: حسن صعب، علم السياسة، ط2، دار العلم للملايين، بيروت-لبنان، 1971، ص135 وما بعدها.

([29]) نقلاً عن: برتراند بادي، بيار بيرنبوم، سوسيولوجية الدولة، م.س.ذ، ص14.

([30]) نقلاً عن: المصدر السابق، ص19.

([31]) للتفصيل ينظر: صادق الاسود، علم الاجتماع السياسي (أسسه وأبعاده)، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، جامعة بغداد، كلية العلوم السياسية، 1990، ص137 ومابعدها؛ برتراند بادي، بيار بيرنبوم، سوسيولوجيا الدولة، م.س.ذ، ص19؛ محمد سعيد طالب، الدولة الحديثة والبحث عن الهوية، م.س.ذ، ص22.

([32]) صادق الأسود، علم الاجتماع السياسي، م.س.ذ، ص137.

([33]) محمد سعيد طالب، الدولة الحديثة والبحث عن الهوية، م.س.ذ، ص22.

([34]) نقلاً عن: حسن صعب، علم السياسة، م.س.ذ، ص134.

([35]) شارلز تلي، الدول والقسر ورأس المال عبر التاريخ، ترجمة: عصام الخفاجي، ط1، دار الفارابي، بيروت-لبنان، 1993، ص6.

([36]) روبرت كارنيرو، نظرية في نشأة الدولة، ترجمة: رضوان السيد، مجلة الفكر العربي، العدد 12، السنة الثالثة، ايلول/تشرين الأول، مركز الإنماء العربي في بيروت، 1981، ص7.

([37]) انتوني غدنز، علم الاجتماع، م.س.ذ، ص750.

([38]) رايموند كارفيلد كيتل، العلوم السياسية، ج1، ترجمة: فاضل زكي محمد، ط2، مؤسسة فرانكلين للطباعة والنشر، مكتبة النهضة، بغداد، نيويورك، 1962، ص106.

([39]) نقلاً عن: محمد سعيد طالب، الدولة الحديثة والبحث عن الهوية، م.س.ذ، ص31.

([40]) نقلاً عن:المصدر السابق ص32.

([41]) المصدر السابق، ص33.

([42]) محمد شحرور، دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتمع، ط1، الأهالي للطبع والنشر، دمشق، بدون تاريخ، ص179.

([43]) نقلاً عن: عمر أحمد قدور، شكل الدولة وأثره في تنظيم مرفق الأمن، ط1، مكتبة مدبولي، القاهرة، 1997، ص18؛ وللتفصيل ينظر إلى: حميد الساعدي، مبادئ القانون الدستوري، م.س.ذ، ص29.

([44]) نقلاً عن: عبد الفتاح عبد الرزاق محمود، الاعلان عن الدولة، م.س.ذ، ص9.

([45]) المصدر السابق، ص9.

([46]) أندريه هوريو، القانون الدستوري والمؤسسات السياسية، ج1، ترجمة: علي مقلد وآخرون (شفيق حداد؛ عبد المحسن سعد)، ط1، الأهلية للنشر والتوزيع، بيروت، 1974، ص98.

([47]) نقلاً عن: عمر أحمد قدور، شكل الدولة…، م.س.ذ، ص18.

([48]) المصدر السابق، ص18.

([49]) نقلاً عن: عبد الفتاح عبد الرزاق محمود، الإعلان عن الدولة، م.س.ذ، ص9.

([50]) حميد الساعدي، مبادئ القانون الدستوري وتطور النظام السياسي في العراق، م.س.ذ، ص  .

([51]) اسماعيل غزال، القانون الدستوري والنظم السياسي، م.س.ذ، ص71.

([52]) نقلاً عن: عمر أحمد قدور، شكل الدولة وأثره…، م.س.ذ، ص 18.

([53]) طعيمة الجرف، نظرية الدولة (الأسس العامة للتنظيم السياسي)، ط1، مكتبة القاهرة الحديثة، 1964، ص5.

([54]) محمد سعيد طالب، الدولة الحديثة والبحث عن الهوية، م.س.ذ، ص26.

([55]) غيه هيرميه وآخرون، معجم علم السياسة والمؤسسات السياسية (عربي-فرنسي-انكليزي)، ترجمة: هيثم اللمع، ط1، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت-لبنان، 2005، ص205.

([56]) أسعد مفرج ولجنة من الباحثين، موسوعة عالم السياسة (تعريف شامل بالسياسة فكراً وممارسة)، ج23، ط1، القاموس السياسي (Nobilis)، بيروت، 2006، ص142؛ عبد الوهاب الكيالي، موسوعة السياسة، ج2، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط3، عمان-الاردن، 1997، ص702.

  • او ديكي او دوجي او ديجي.

([57]) كطران زغير نعمة، مبادئ القانون الدستوري (نظرية الدولة)، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، العراق، بلا تاريخ، ص14.

([58]) منذر الشاوي، الدولة (الديمقراطية في الفلسفة السياسية والقانونية: فكر الديمقراطية)، ط1، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، بيروت-لبنان، 2000، ص28.

* وسنتناول هذا الموضوع بصورة أوسع في سياق هذه الدراسة.

([59]) عبد الغني بسيوني عبد الله، النظم السياسية والقانون الدستوري، ط1، الدار الجامعية للطباعة والنشر، بيروت، 1992، ص21.

([60]) رايموند كارفيلد كيتل، العلوم السياسية، م.س.ذ، ص26 ومابعدها.

([61]) زهير شكر، الوسيط في القانون الدستوري، م.س.ذ، ص29 ومابعدها.

([62]) حميد الساعدي، مبادئ القانون الدستوري وتطور النظام السياسي في العراق، م.س.ذ، ص

([63]) للتفاصيل يمكن مراجعة معظم المصادر الواردة التي ذكرناها سابقاً في هذا المبحث بصورة عامة وخاصة: ابدوريا، المدخل إلى العلوم السياسية (لنظريات الأساسية في نشأة الدولة، وتطور الأحكام والنظم والقوانين والدساتير في أهم دول العالم)، ترجمة: نوري محمد حسنين، ط1، مطبعة الديواني، بغداد، 1988، ص13 إلى ص45؛ كطران زغير نعمة، مبادئ القانون الدستوري (نظرية الدولة)، م.س.ذ، ص13 إلى ص30.

([64]) سعد الدين إبراهيم وآخرون، المجتمع والدولة في الوطن العربي، ط1، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت-لبنان، 1988، ص41.

*  خارج إطار الشرعية الدستورية والقانونية السائدة، على سبيل المثال المواجهة والتمرد المسلح ضد الدولة وسلطاتها.

([65]) للتفصيل ينظر: سعد الدين إبراهيم وآخرون، المجتمع والدولة في الوطن العربي، م.س.ذ ص42 وما بعدها.

([66]) جوزيف شتراير، الأصول الوسيطة للدولة الحديثة، ترجمة: محمد عيتابي، ط1، دار التنوع للطباعة والنشر، بيروت-لبنان، 1982، ص7.

([67]) المصدر السابق، ص7 ومابعدها.

([68]) عبد الله العروي، مفهوم الدولة، ط7، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، 2006، ص 62 وما بعدها.

([69]) إسماعيل غزال، القانون الدستوري والنظم السياسية، م.س.ذ، ص70.

([70]) كطران زغير نعمة، مبادئ القانون الدستوري (نظرية الدولة)، م.س.ذ، ص9-10.

([71]) عمر أحمد قدور، شكل الدولة وأثرها…، م.س.ذ، ص23.

([72]) تشارلز تلي، الدولة والقسر رأس المال عبر التاريخ، م.س.ذ، ص6.

([73]) منذر الشاوي، الدولة والديمقراطية في الفلسفة السياسية والقانونية، م.س.ذ، ص24.

([74]) المصدر السابق، ص24.

([75]) المصدر السابق، ص25.

([76]) للتفاصيل ينظر: عمر أحمد قدور، شكل الدولة وأثره..، م.س.ذ، ص14-15 وما بعدها؛ محمد شحرور، دراسات إسلامية معاصرة (الدولة والمجتمع)، م.س.ذ، ص180؛ محمد سعيد طالب، الدولة العربية الإسلامية (الدولة والدين؛ بحث في التاريخ والمفاهيم)، ط2، الأهالي للطباعة والنشر والتوزيع، 2005، ص3 وما بعدها.

([77]) إسماعيل غزال، القانون الدستوري والنظم السياسية، م.س.ذ، ص70.

([78]) كطران زغير نعمة، مبادئ القانون الدستوري (نظرية الدولة)، ص10.

[79] جورج بوردو،الدولة ، ترجمة: سليم حداد،ط3،المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع،بيروت- لبنان،2002،ص17

([80]) نقلا عن: علي عباس مراد، المجتمع المدني والديمقراطية (مقاربة تحليلية في ضوء التجربتين السياسيتين الغربية والعربية)، مجلة دراسات في الاقتصاد، مجلد 21، العدد الأول والثاني، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة قار يونس، بنغازي، الجماهيرية العربية الليبية، 2002، ص122-123.

([81]) المصدر السابق، ص124.

([82]) محمد جمال باروت، الدولة والنهضة والحداثة: مراجعات نقدية، ط1، دار الحوار للنشر والتوزيع، سوريا-اللاذقية، 2000، ص34.

([83]) المصدر السابق، ص34.

([84])نقلاً عن: برتراند بادي، بياربيرنبوم، سوسيولوجيا الدولة , م س ذ، ص39-40.

([85]) جوزيف شتراير، الأصول الوسيطة للدولة الحديثة، م.س.ذ، ص12.

([86]) برتراند بادي، بيار بيرنبوم، سوسيولوجيا الدولة، م.س.ذ، ص39.

([87]) المصدر السابق، ص65 وما بعدها.

([88]) للتفاصيل حول اتفاقية ويستفاليا ينظر: محمد محمد صالح، تاريخ أوربا من عصر النهضة وحتى الثورة الفرنسية (1500-1789)، ط1، مطبعة دار الجاحظ للطباعة والنشر، بغداد، 1981، ص ص310، 365.

([89]) جوزيف شتراير، الأصول الوسيطة للدولة الحديثة، م.س.ذ، ص53.

([90]) المصدر السابق، ص18.

([91]) المصدر السابق، ص15-16.

([92]) زهير شكر، الوسيط في القانون الدستوري، م.س.ذ، ص23.

([93]) شارلز تلي، الدولة والقسر ورأس المال عبر التاريخ، ص17 ومابعدها.

([94]) المصدر نفسه، ص17 ومابعدها.

([95]) للتفاصيل ينظر: شارلز تلي، الدولة والقسر ورأس المال عبر التاريخ، م.س.ذ، ص ص121، 154.

([96]) زهير شكر، الوسيط في القانون الدستوري، م.س.ذ، ص21-22.

([97]) المصدر السابق، ص21.

([98]) للتفاصيل ينظر: عبد الفتاح عبد الرزاق، الإعلان عن الدولة، م.س.ذ، ص7؛ محمد رفعت عبد الوهاب، الأنظمة السياسية، ط1، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت- لبنان، 2005، ص18 ومابعدها.

([99]) زهير شكر، الوسيط في القانون الدستوري، م.س.ذ، ص22.

([100]) المصدر السابق، ص22.

([101])انتوني غدنز، علم الاجتماع، ترجمة: فايز الصياغ، ط1، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، 2005، ص468 ومابعدها.

* هذا على الصعيد النظري، ولكن في واقع الأمر هذا صحيح فقط في الأنظمة السياسية الديمقراطية.

([102])صادق الأسود، علم الاجتماع السياسي (أسسه وأبعاده)، م.س.ذ، ص137 ومابعدها.

([103]) برتراند بادي، بياربيرنبوم، سوسيولوجيا الدولة، م.س.ذ، ص ص18،19.

([104]) المصدر السابق، ص19.

([105]) صادق الأسود، علم الاجتماع السياسي (أسسه وأبعاده)، م.س.ذ، ص141

([106]) للتفصيل ينظر: عبد الله العروي، مفهوم الدولة، م.س.ذ، ص64 ومابعدها.

([107]) المصدر السابق، ص64.

([108])الجدولين نقلاً عن: المصدر السابق، ص72

([109]) المصدر السابق، ص73.

([110]) برتراند بادي، بياربيرنبوم، سوسيولوجيا الدولة، م.س.ذ، ص62.

([111]) المصدر السابق، ص29.

([112]) علي عباس مراد، المجتمع المدني والديمقراطية، م.س.ذ، ص125.

([113]) المصدر السابق، ص128.

([114]) محمد جمال باروت، الدولة والنهضة والحداثة (مراجعات نقدية)، م س ذ، ص34.

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى