دراسات سياسية

مفاهيم سياسية: السيادة الناقصة

الدّولة هي الشخص الرئيسي للقانون الدّولي العام، فمن أجل الدّول وجد هذا القانون فلا يمكن لنا بدونها التصور هناك دافع لوجوده(( ). والدّولة صاحبة السلطة العليا والنهائية في أي إقليم من العالم ولا يوجد إزاءها سلطة تماثل سلطتها من شمول، لذلك يعدها الكثير من المفكرين أنها منظّمة المنظمات لكونها تحمل داخل وطنها أو إقليمها لواء وشمولية السلطات على الأفراد الذين يعيشون داخل حدودها، إضافة إلى أنها قائمة على تنمية علاقاتها الخارجية مع دول الإقليم الأخرى( ).
وتبرز أهمية الدولة في الدراسات السياسية والقانونية كونها المكان الذي ينضوي تحت لوائه جميع أفراد شعبها داخل حدودها لأنها هي التي تنجز كافة الأعمال في الداخل والخارج.
وما دامت الدولة هي السلطة العليا أو المنظمة العليا فإن لديها ما يمكنها من استصدار القوانين العامة والأنظمة المطلوبة لجميع فئات الشعب الذين يعيشون داخل إقليمها، لذا فقد اعتبرت الدولة لدى البعض القائم الأول على وضع كل الوسائل لتنظيم السلوك البشري داخل إطار الدولة العام(3).
ونحن إذ نبدأ بدراسة الدّولة والسيادة في مستهل بحثنا لأننا نجد أن معظم الاحتلالات أو جميعها حصلت على الدّول وانتهكت سيادتها، وهنا يمكن أن أؤكد أن الدولة والسيادة بمعيارها السياسي والقانوني لا يمكن أن تكون جامعاً مانعاً لكل عناصرها ومظاهرها الداخلية والخارجية ما لم تكن مستقلة وذات سيادة لا تقبل التجزئة، وبالتالي فأن الاحتلال يشكل انتهاك للقواعد التي تجمعها وهذا يستوجب منا في أن يكون الإبحار في الدولة وسيادتها سيقودنا حتماً إلى بيان حقوق واجبات الدول ولذلك جاء تقسيمنا لهذا المطلب على النحو المبين في الفروع الآتية:

تعريف الدّولة

وضع العديد من الفقهاء والمفكرين تعريفات عدة للدولة سنتطرق إلى بعضها:
يعرفها الفقيه السويسري (بلنتشلي) بأنها: (جماعة مستقلة من الأفراد يعيشون بصفة مستمرة على أرض معينة بينهم طبقة حاكمة وأخرى محكومة)( ).
أما الأستاذ بونار فيقول عن الدّولة بأنها) وحدة قانونية تتضمن وجود هيئة اجتماعية لها حقّ ممارسة سلطات قانونية معينة في مواجهة أمة مستقرة على إقليم محدد وتباشر الدّولة حقوق السيادة بإرادتها المتفردة عن طريق استخدام القوّة المادية التي تحتكرها(( ).
ويعرف الدكتور بطرس بطرس غالي الدّولة بأنها (مجموعة من الأفراد يقيمون بصفة دائمة في إقليم معين تسيطر عليهم هيئة معينة تنّظم استقرارهم داخل حدودهم)( ).
وفي ضوء ما ورد من تعريفات مختارة للدولة أستطيع أن أفسح المجال لنفسي بنشدان تعريف لها ينسجم مع المقومات القانونية والسياسية المذكورة لها وهو:
الدّولة كيان اجتماعي وسياسي وقانوني له حدود قانونية معترف بها وإقليم يقيم فيه مجموعة من الأفراد بصفة دائمة وعلى رأسه سلطة حاكمة تسير الأمور الداخلية والخارجية.

عناصر الدّولة

ونحن إذ نذكر الدّول وعناصرها فإنَّ قصدنا واضحٌ في ربطه في موضوع البحث لأنَّ الاحتلال بمعظم صورته وتجاربه يشمل كلّ هذه الأركان ويجعلها خاضعة لسيادته كالذي حدث في العراق في ضوء الاحتلال الأمريكي والبريطاني عام 2003، إلا إنه أحياناً يتم احتلال جزء من الدّولة كالاحتلال الإسرائيلي للجولان السورية وهذا لا يسمّى احتلالاً شاملاً ولا يؤثر على سريان سلطات الهيئات الحاكمة إلا في الجزء المحتل.
والدّولة كما أسلفنا هي مجموعة من الأفراد تقيم بصفة دائمة في إقليم محدد وتسيطر عليه هيئة حاكمة ذات سيادة، وتأسيساً على ذلك فإنّ وجود الدّولة يستلزم توفّر عناصر ثلاثة( ) حسب أراء اغلب الفقهاء:
أ. المواطنون (الشعب).
ب. إقليم معين تقيم عليه هذه المجموعة بصفة دائمة.
ت. هيئة حاكمة ذات سيادة تتولى شؤون المجموعة وتسيطر على الإقليم.

أ. المواطنون (الشعب):
ويطلق على هذه المجموعة اسم شعب الدّولة، وعلى الأفراد المكونين لها اسم رعايا الدّولة، بصرف النظر عن أصلهم أو لغتهم أو دياناتهم أو تقاليدهم، فالرّابطة التي تجمع بين أفراد المجموعة التي تتكون منها الدّولة هو الولاء للهيئة الحاكمة في الدّولة وخضوعهم لقوانينها مقابل تمتعهم بحمايتها، وتوصف هذه الرابطة في لغة القانون بوصف الجنسية أو الرعوية، فلفظ الجنسية يفيد إذا انتسب الفرد لدولة معينة يدين لها بالولاء ويتمتع بحمايتها( ).
وجوهر المواطنة وفقاً لرأي الفيلسوف اليوناني (أرسطو) هو امتياز شرف الإسهام في أمور الدّولة( )، أما الفيلسوف والمفكر البريطاني (توماس هوبز) فإنه يرى المواطنة مجرد خدمة وولاء وطاعة صاحب السيادة الذي تعاقد معه الأفراد من أجل أن ينتقلوا من الحالة الطبيعية (حالة الفوضى) إلى حالة القانون السياسي المنتظم( ).
واتفق الفقهاء إلى أن حجم أو عدد السكان ليس وجوباً في إقرار وجود الشّعب فهناك دول كبيرة السكان مثل الهند أو الصين وهناك شعب قليل السكان مثل دولة الفاتيكان وهناك شعب متوسط الحجم مثل معظم الدّول العربية والأوروبية، وعموماً يمكن القول بأنه لا يوجد قانون معين يحدد عدد السكان من أجل قيام الدّولة( ).

ب. الإقليم:
إنَّ الدّولة وفقاً لتعريف الدكتور (رايموند كارفيلد) هي (عبارة عن مؤسسة قائمة في مكان ثابت ومعين)( )، ومن البديهي أنَّه لا يمكن قيام أي دولة بدون إقليم ثابت ومعين.
والإقليم هو المساحة الأرضية ذات الحدود القانونية الذي يسكنه الأفراد وعليه تمارس الدّولة سلطاتها كالمحافظة على سيادته في البر والبحر والجو.

وإقليم الدّولة يشتمل على( ):
أولاً: الإقليم البري.
ثانياً: الإقليم النهري.
ثالثاً: الإقليم البحري
رابعاً: المجال الجوي.
ت. الهيئة الحاكمة (السلطة):
يقتضي وجود الدّولة إلى جانب الرعايا والإقليم، أن تكون هناك هيئة منظّمة تقوم بالإشراف على هؤلاء الرعايا وتنظيم العلاقات بينهم ورعاية مصالحهم، والعمل على إبقاء الوحدة التي تجمعهم وتحقيق الغرض المشترك الذي تجمعوا من أجله، كما تقوم بإدارة الإقليم واستغلال موارده أو تنظيم استغلالها على الوجه الذي تستفيد منه المجموعة، وبالدّفاع عن كيانه وكيان المجموعة في مواجهة المجموعات الأخرى المماثلة، ولا يهم الشكل السياسي الذي تتخذه هذه الهيئة ما دام أنَّ لها من القوّة والنفوذ ما يمكنها من فرض سلطانها على الإقليم وعلى الأشخاص الموجودين فيه( ) ويعبر عن هذا السلطان في لغة القانون الدّولي بلفظ السيادة التي سنأتي على ذكرها في المطلب الثالث من هذا المبحث.

حقوق وواجبات الدّول

للدول حقوق وعليها واجبات، وتمتعها بهذه الحقوق والتزامها بهذه الواجبات أمر ضروري لتحقيق الغرض من وجودها والقيام بالمهام المختلفة التي تضطلع بها. ومن المتفق عليه أن حقوق الدّول على نوعين: حقوق طبيعية أساسية تثبت للدولة بحكم وجودها، وحقوق مكتسبة ثانوية تكتسبها الدّولة عن طريق الاتفاق أو العرف( ).
وهناك مصدران لهذه الحقوق والواجبات، هما ما جاءت به قرارات لجنة القانون الدولي لعام 1951 الذي كلفت به من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة، والتي لم تقر هذه الحقوق والواجبات، والأخر هو ما تم استنباطه من ميثاق الأمم المتحدة ومواثيق حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني.
وإذ نبين هذه الحقوق فأن قصدنا هو توضيح حجم الانتهاكات التي يقوم بها الاحتلال والعدوان ويمنع الدولة من ممارسة تلك الحقوق والواجبات على المستوى الوطني والدولي ، وان التمسك بهذه الحقوق يعد الحافز الوطني لمقاومة الاحتلال واستعادة السيادة .والتي نستطيع أن نبينها على النحو الأتي:

الحقوق الأساسية للدول

يعد حقّ البقاء حقّ الدّولة الأساس، وينبع منه حقوق أخرى هي في الواقع نتيجة له ومتصل بعضها ببعض كحلقات سلسلة واحدة كحق الحرية وحق المساواة وحق الاحترام المتبادل( ).
أولاً: حقّ البقاء:
للدولة استنادها إلى حقها في البقاء أن تعمل كلّ ما من شأنه المحافظة على وجودها وأن تتخذ ما يلزم من الوسائل لدفع ما قد يهدد هذا الوجود من أخطار في الداخل أو في الخارج، وللدولة الحقّ على المستوى الداخلي أن تعمل إلى ما يؤمن لها المحافظة على كيانها ويسود على تقدمها من تنمية مواردها البشرية وثرواتها ورفع المستوى الثقافي وتحسين الحالة الاجتماعية والاقتصادية، والعمل على الوقوف بوجه التهديدات الداخلية التي تهدد أمن الدّولة ومواطنيها والدّستور والقوانين والنّظام.
أما على الصعيد الخارجي للدولة الحقّ بإعداد القوات العسكرية اللازمة للدفع ضد التهديدات الخارجية، ولها الحقّ في عقد معاهدات دفاعية أو الدخول في منظمات إقليمية أو دولية تحميها ويمكن اللجوء إليها لمساعدتها في حالة وقوع تهديد معادي أو كان وشيك الوقوع( ).
ونحن نجد ذلك منسجماً مع ما جاء في العهدين الدّوليين الخاصة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والخاصة بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966 والنافذ لعام 1976 في مادتها الأولى والتي نصت الفقرة الأولى منها (لجميع الشعوب حقّ تقرير مصيرها بنفسها وحرة في تقرير المركز السياسي وإنمائها الاقتصادي والاجتماعي)( ).
1- حقّ الدّفاع الشّرعي:
يعد حقّ الدّفاع الشّرعي من أهم مظاهر حقّ البقاء في حالة وقوع عدوان، وللدولة بموجب هذا الحقّ الدّفاع عن نفسها إذا اعتدي عليها لرد هذا العدوان ودفع الخطر الذي يترتب عليه، إلا أنه يشترط لاستعمال الدّولة لهذا الحقّ أن يكون الاعتداء حالاً والخطر واقعاً أو وشيك الوقوع( ).
وقد حظر ميثاق الأمم المتحدة على الدّول اللجوء إلى أعمال العنف لتسوية خلافاتها وصيانة حقوقها، ولقد ورد في المادة (51) من الميثاق أنه «ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينقص الحقّ الطبيعي للدول، فرادى أو جماعات، في الدّفاع عن أنفسهم إذا اعتدت قوّة مسلحة على أحد أعضاء الأمم المتحدة»( ). ومن هنا نجد أن المادة (51) من الميثاق اشترطت وربطت حقّ الدّفاع بوقوع اعتداء من قوّة مسلحة على أحد أعضاء الأمم المتحدة.

2- حقّ منع التوسع العدواني:
استناداً على حقّ الدّول بالدّفاع عن سلامتها كان هناك جدلاً حول حقّ الدّول في التدخل بالقوّة لتحول دون اتساع دولة أخرى على حساب جيرانها من الدّول الصغيرة، وإن الرأي الأقرب للعدالة هو الذي عبر عنه العالم الأمريكي (ويتون) ومفاده أنَّ الدّول التي تتدخل بكافة الوسائل لمنع دولة ما من الاتساع بشكل يهدد سلامة الدّول الأخرى، ولو كان هذا الاتساع يشكل مجالاً حيوياً لشعب هذه الدّولة( ).

ثانياً: حقّ الحرية والاستقلال:
هو حقّ الدّولة التي يجيز لها التصرف في شؤونها بمحض اختيارها دون الخضوع في ذلك لإرادة دولة أخرى، وهذا الحقّ نتيجة طبيعية لسيادتها وممارسة جميع مظاهر هذه السيادة سواء داخل الإقليم أو خارجه. (سنتطرق إلى موضوع السيادة بالتفصيل في المطلب الثالث).
ويعبر عن المركز السياسي للدولة التي لها كامل الحرية في ممارسة سيادتها بلفظ الاستقلال، فاستقلال الدّولة هو المظهر الرئيسي لتمتعها بالحرية، وهو الوضع الطبيعي الذي يحق لكلّ دولة أن تتمسك به متى توافرت له مقومات الدّولة من شعب وإقليم وسلطة حاكمة( ).
ثالثاً: حقّ المساواة:
تتمتع الدّول بحق المساواة كنتيجة لسيادتها واستقلال كلّ منها عن الأخرى، ويقصد بالمساواة هنا المساواة أمام القانون، وأعضاء الجماعة الدّولية سواءً أمام القانون الذي ينظم شؤون هذه الجماعة أي القانون الدّولي العام، فلهم جميعاً نفس الحقوق وعليهم جميعاً نفس الواجبات( ). وأن هذا الحقّ جاء صراحة في المادة الأولى من مبادئ الأمم المتحدة التي نصت «تقوم الهيئة على مبدأ المساواة والسيادة بين جميع أعضاءه».
وجاء في المادة (5) من مشروع إعلان حقوق وواجبات الدّول على أن لكلّ دولة الحقّ في المساواة القانونية مع الدّول الأخرى( ). وينتج عن حقّ المساواة القانونية بين الدّول أنه ليس للدولة أن تملي إرادتها على دولة أخرى تامة السيادة، كما أنه لكلّ دولة حقّ التصويت في المؤتمرات والهيئات الدّولية التي تشترك بها وليس لها غير صوت واحد أياً كان حجمها أو شأنها، بالرغم أنَّه هناك أدوار تقوم بها الدّول الكبرى الخمس وتصدر قراراتها في مجلس الأمن للأمم المتحدة
رابعاً: حقّ الاحترام المتبادل:
نتيجة لتساوي الدّول قانونياً فلها الحقّ أن تطلب من الدّولة الأخرى احترام كيانها المادي ومركزها السياسي ومراعاة كرامتها وهيبتها واعتبارها.
ويكون احترام كيان الدّولة المادي باحترام حدودها الإقليمية والامتناع عن العدوان على حدود بعضها الآخر، وأما احترام مركز الدّولة السياسي فيكون باحترام نظمها السياسية والإدارية والاجتماعية وعقائدها الدينية وكل ما هو متعلق بسير شؤونها العامة فيها( ).
ويعتبر من حقوق الدّولة احترام كرامتها وهيبتها وتجنب ما يسيء إلى مركزها الأدبي من قبل الدّولة الأخرى، وعلى كلّ دولة أن تقدم لرؤساء الدّول الأجنبية ومبعوثيهم الاحترام المتصل بصفتهم والمراسم التي جرى عليها العرف الدّولي والعادات المرعية.

واجبات الدّول

الحقوق والواجبات أمران متلازمان، فلكلٍّ حقّ واجبٌ يقابله، وتمتع الدّول بالحقوق يقتضي التزامها في ذات الوقت باحترام هذه الحقوق في مواجهة بعضها البعض، أو بعبارة أخرى قيام كلّ منها بالواجبات التي تتطلبها حقوق غيرها المماثلة، وقد ذكر أحد المفكرين السياسيين الفرنسيين (تيير) أن «كل دولة تريد أن تتصرف كشخص شريف يجب أن تعرف كيف تقر للدول الأخرى بالحقوق التي تطالب بها لنفسها»
وللدول واجبات أدبية وقانونية هي:

أولاً: الواجبات الأدبية:
`تستند واجبات الدّول الأدبية إلى فكرة العدالة أو الإنسانية أو المجاملة، وعلى ذلك لا تملك دولة أن تلزم أخرى بالقيام بها، ولا جزاء لها إلا حكم الرأي العام ومقابلة المثل بالمثل( )، وليس لهذه الواجبات حدود معينة ولا يتسع المجال لحصرها جميعاً، ويمكن القول أنها تدور كلها حول فكرة واحدة هي تحقيق أكبر قسط من العدالة والتعاون بين الدّول.
وعلى سبيل المثال نذكر بعض الواجبات( ):
أ- تقديم العون والمساعدة للدّول التي تصاب بنكبة من النكبات الطبيعية كالزلازل أو الفيضانات أو الوباء، وكذلك الدّول التي تحتاج إلى المساعدة الدولية على أثر حرب استنفذت مواردها أو أزمة اقتصادية جعلتها في حاجة إلى عون خارجي.
ب- التعاون على تحسين الحالة الصحية العامة باتخاذ إجراءات مشتركة بمكافحة الأمراض والأوبئة وبتخفيف آلام المرضى والجرحى.
ت- التعاون في مجال مكافحة الجريمة وتسيير تبادل تسليم المجرمين الهاربين.
ث- إيواء السفن الأجنبية التي تلجأ إليها للاحتماء من الزوابع والإعصار.
ج- مراعاة مبادئ الأخلاق العامة في العلاقات الدّولية.
ثانياً: الواجبات القانونية:
وهي الواجبات التي يجوز إلزام الدّول بمراعاتها باستخدام وسائل الإكراه التي يقررها القانون الدّولي وتتلخص بصورة عامة بالتزام الدّول بالآتي3)):
أ- احترام الحقوق الأساسية المقررة لكلّ منها.
ب- مراعاة قواعد القانون الدّولي العام والسير على مقتضاها.
ت- احترام العهود التي ارتبطت بها وتنفيذ تعهداتها الدولية بحسن نية.
وهناك واجبات ذات أهمية خاصة وهي(1):
1- عدم التدخل في شؤون الدولة الأخرى .
2- حل المنازعات الدّولية بالطرق السلمية.
3 – التعاون مع الأمم المتحدة في نظام الأمن الجماعي.
4- معاملة جميع الأشخاص الخاضعين لسيادة الدّولة على أساس المساواة واحترام حقوق الإنسان والحريات الرئيسية لهم دون تمييز
في ضوء ما تقدم من حقوق وواجبات الدول نؤكد إن سلطة الاحتلال العسكري تمنع الدولة المحتلة من ممارسة هذه الحقوق والواجبات وإنها تقوم بدور السلطتين التشريعية والتنفيذية خلافا للقوانين والمواثيق الدولية وبالذات اتفاقيات لاهاي عام 1907 واتفاقيات جنيف عام 1949.

الســـــــــــيادة

السيادة كما ذكرنا في المطلب الأول تمثل ما للدولة من سلطان تواجه به الأفراد داخل إقليمها وتواجه به الدّول الأخرى في الخارج، ويعد الكثير من الفقهاء إن السيادة احد أهم عناصر الدولة، ونحن نذهب إلى تأييد هذا الرأي لأنه من الصعوبة بمكان تصور وجود دولة دون سيادة أو بسيادة ناقصة عند تعرضها للاحتلال على سبيل المثال لا الحصر ووجود سلطة أخرى تحد من ممارستها السيادة.
سنلقي الضوء على مفهوم السيادة وخصائصها في هذا المطلب وفق الفروع الآتية:

مفهوم السيادة

هناك تعريفات للسيادة ذات مضامين سياسية وقانونية نستطيع أن نقترب إليها من خلال ما اقترن بها من تعريفات عدة أبيّنها على النحو الآتي:
عرفت السيادة بأنها القوّة القادرة على تحقيق الوحدة السياسية للدولة، بحيث لا يقابلها إلا الخضوع والطاعة من جانب الأفراد، ثم السيادة هي السلطة الدائمة غير المؤقتة والتي لا تقبل التجزئة ولا التفريط بها أو بجزء منها والتي لا مجال للمسؤولية عنها أمام سلطة أخرى( ).
ويعرفها رايموند كارفيليد بأنها (سيطرة الدّولة الكاملة على جميع الأفراد والمنظمات التابعة لها والمحافظة على استقلالها عن أية سيطرة خارجية)( ).
والسيادة فكرة مركبة حيث يمكن النظر إليها على صعيد القانون الداخلي وعلى صعيد القانون الدّولي العام وهي قد تطورت مع الزمن، (فبدأت أول ما بدأت بثوب سياسي خاص لكي تتحول إلى مفهوم قانوني مجرد)( ).
والسيادة بهذا المفهوم تحمل معنيين، فهي بثوبها السياسي الأول تعني السلطة العليا للدولة في الداخل واستقلالها في الخارج، وفي مفهومها القانوني المستقر فإنها (مجموعة من الاختصاصات أو الحقوق تخول الدّولة في حدود القانون أهلية ممارسة كافة السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية دون تدخل أجنبي)( ). ومن ثم أن السيادة سياسياً عبارة عن اطلاقية أما قانونياً فهي قرين الأهلية لذا فإن السيادة ترفض سياسياً أن تقيد، ولكنها تستجيب قانونياً للقيود الرضائية والعرفية( ).

خصائص السيادة

السيادة لها مفهومان أحداهما تقليدي وقد سموا من نادوا بها رواد السيادة المطلقة من بينهم الفرنسي بودان والإنكليزي هوبز والإيطالي ميكافيلي، والأخرى السيادة بخصائصها المعاصرة وبالذات عندما واجهت حركات التحرر وقواعد القانون الدّولي المعاصر الملزمة للأحكام والقوانين الوطنيّة وسميت السيادة المقيدة أو المحدود (المحددة)، وللسيادة بصورة عامة خصائص يمكن إيجازها على النحو الآتي( ):
1- السيادة مطلقة: وتعني أن السيادة ذات السلطة العليا في داخل الدّولة تفرض إرادتها على جميع أفراد الدّولة وهي غير محددة أو مقيدة ولا يوجد سلطة داخلية أعلى منها، أما على الصعيد الخارجي فإنها تعني استقلال الدّولة وسلطتها العليا استقلالاً مطلقاً بعيداً عن الإكراه أو التدخل من قبل أي جهة أخرى.
2- السيادة عامة وشاملة: وهذا يعني أنها تفرض إرادتها على جميع الأفراد والمنظمات ضمن حدود الدّولة ما عدا أولئك المستثنون بمعاهدات دولية حيث يصبحون خاضعين لسيادة دولة أو منظمات أخرى.
3- السيادة دائمة: تعني أن وجود السيادة مقترن بوجود الدّولة أي تستمر السيادة بالبقاء ما دامت الدّول موجودة وتزول بزوالها.
4- السيادة لا يمكن التنازل عنها: السيادة هي جوهر شخصية الدّولة ولا يمكنها أن تتنازل عن سيادتها لأن ذلك نهاية الدّولة.
5- السيادة غير مجزأة (منقوصة): السيادة لا يمكن تجزئتها فهي وحدة واحدة، فإذا تجزأت وتفككت الدّولة وأصبحت دويلات مجزأة وهذا ربما يؤدي إلى نهايتها وزوالها( ).

السيادة الناقصة

السيادة الناقصة تعني بأنها التي تحدّ من سلطانها سلطة أخرى أعلى منها ومنها خضوعها للاحتلال الكلي أو الجزئي الذي يقيد امتداد سلطانها على رعاياها ويحدّ من سلطاتها، وهذا يحدث في حالات الاحتلال حيث تمارس دولة الاحتلال هذه السيادة مقام الدّول الأصل وهذا ما يعد سيادة ناقصة( ).
وهذا المفهوم بالتأكيد يشير إلى إمكانية تجزئة السيادة بين أكثر من دولة، وهو مخالف للقانون الدّولي والأعراف الدّولية واستناداً لما جاء في خصائص السيادة كونها غير قابلة للتجزئة.
والدّول ناقصة السيادة تقسم إلى ثلاث أقسام( ):
1- دول محمية: وهي الدّول التي تخضع للحماية القهرية من قبل دولة قوية، وفيها تفقد الدّولة السيادة عندما يصبح لديها أي سيادة داخلية أو خارجية وتقوم الدّول الحامية بكل الوظائف الداخلية والخارجية.
2- دول تابعة: وهي الدّول التي تتفيأ في ظلال دولة قوية، وهي غالباً ما تكون ضعيفة والدّول المتبوعة قوية.
3- دولة مشمولة تحت نظام الانتداب ونظام الوصاية، وكان هذا النوع واسع الانتشار بعد الحرب العالمية الأولى والثانية ومثال ذلك الانتداب البريطاني لفلسطين والعراق والانتداب الفرنسي على سوريا ولبنان.
والخلاصة أن طبيعة السيادة اليوم قد أصبحت موضوعاً لأكثر من قاعدة دولية تحكم العلاقات بين الدّول وهذا يمنحها بعض معطيات معاني الصراع، التفاعل، الترابط والتعاون، والدّولة اليوم تشدها مجموعة المصالح المشتركة التي تفرضها عليها التعاون والترابط( ).
وفي ضوء ما تقدم نستطيع أن نبين إن ما وقع من احتلال أ و غزو لأي دولة هو يعد انتهاك لحقوق الدول والأمم والشعوب والأفراد، لاسيما وإن هذه الاحتلالات باتت وثيقة الصلة بانتهاكات مبادئ وقواعد القانون الدولي العام والقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني.
وأن ما وقع على الجزائر وفيتنام والدول الأخرى يمكن عده ضمن المعايير التي جاءت بها المبادئ والقواعد المذكورة، وهو الأخر يعد نموذجا واضحاً ما زال مستمر على الذي وقع في وطني العراق في التاسع من نيسان 2003.
وأن الاحتلال ينتهك السيادة ويقيد امتداد سلطان الدول على رعاياها ويحد من سلطاتها، وان السيادة تعد ناقصة تماما في ظل الاحتلال الأجنبي، حيث يعد العراق في ظل الاحتلال الأمريكي دولة ناقصة السيادة من وجهة نظر القانون الدولي، وكذلك الحال في أفغانستان المحتلة . لذا سنتناول العدوان والاحتلال بالتفصيل في المبحث اللاحق.

( 1) ينظر د. ابو هيف ،علي صادق، القانون الدّولي العام، منشأة المعارف، الإسكندرية، مصر، ط12، 1975، ص109.
(2 ) ينظر د. العزام ، عبد المجيد والزعبي، محمود ساري، دراسات في علم السياسة، عمان، 1988، ص97.
(3) المصدر نفسه، ص98.
( 4) ذكره الكعكي، يحي أحمد ، مقدمة في علم السياسة، دار النهضة العربية للنشر، بيروت، 1983، ص89.
( 5) غالي ، بطرس بطرس ومحمود خيري عيسى، المدخل في علم السياسة، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، ط7، 1984، ص173.
( 6) ينظر د.ابو هيف، علي صادق ، مصدر سبق ذكره، ص109 و110.
( 7) المصدر نفسه، ص110.
( ) Aristotle, politics, N, Y: Oxford University press, London, 1958, P. 4.
(8 ) ينظر درويش إبراهيم، علم السياسة، دار النهضة العربية، القاهرة، 1975، ص88.
( 9) Rodee and (Etal), Introduction to political science, Tokyo: Mc graw-Hill, 1979, PP. 21.
( 10) ينظر كيتيل ، رايموند كارفيليد، العلوم السياسية، ط2، ترجمة فاضل زكي محمد، مكتبة النهضة والنشر، 1963، ص28.
( 11) ينظر ليله، محمد كامل ، النظم السياسية، بيروت، دار النهضة العربية، 1967، ص ص25-29.
( 12) ينظر ابوهيف، علي صادق، مصدر سبق ذكره، صص116-120.
( 13) المصدر نفسه، ص191 و192.
( 14) المصدر نفسه، ص192.
( 15) المصدر نفسه، ص193-194.
(16) ينظر العهدين الدّوليين الخاصين في الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والمدنية والسياسية لعام 1966.
( 17) ينظر المادة (12) من مشروع إعلان حقوق وواجبات الدّول الصادر عن الأمم المتحدة في 5 كانون الأول 1950.
( 18) ينظر المادة (51) من ميثاق الأمم المتحدة لعام 1945.
(19) ينظر ابو هيف، علي صادق، مصدر سبق ذكره، ص195 و196.
( 20) المصدر نفسه، ص201 و202.
( 21) ينظر المادة (5) من مشروع إعلان حقوق وواجبات الدّول الصادر من الأمم المتحدة لعام 1950.
( 22) المصدر نفسه.
( 23) ينظر الكعكي، يحي احمد ، مقدمة في علم السياسة، دار النهضة العربية للنشر، بيروت، 1983، ص100.
( 24) ينظر ليغور، في مجموعة محاضرات لاهاي 1927، قسم 2، ص366 تحت عنوان: Theorie du droit natural.
ذكرها علي صادق أبو هيف، مصدر سبق ذكره، ص241.
(25) المصدر نفسه.
(26) ينظر مشروع إعلان حقوق الدول وواجباتها الصادر عن الأمم المتحدة لعام 1950
(27) ينظر المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة لعام 1941
( 28) ينظر الغنيمي ، محمد طلعت ، قانون السلام في الإسلام، دراسة مقارنة، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1977، ص333.
( 29) ينظر كيتيل، رايموند كارفيليد، العلوم السياسية، ترجمة فاضل زكي، مكتبة النهضة للنشر، بغداد، 1963، ص31-32.
( 30) ينظر هوريو، أندريه ، القانون الدّستوري والمؤسسات السياسية، ج1، الشركة الأهلية للتوزيع والنشر، 1977، ص136.
( 31) ينظر الغنيمي، محمد طلعت، مصدر سبق ذكره، ص333.
( 32) المصدر نفسه، ص333-334.
( 33) ينظر د.العزام، عبد المجيد ود. الزعبي، محمود ساري، دراسات في علم السياسة، مرجع سابق، ص135.
(34) ينظر كيتيل، رايموند كارفيليد ، مصدر سبق ذكره، ص173.
( 35) ينظر دروش ،إبراهيم ، علم السياسة، دار النهضة العربية، القاهرة، 1975، ص205.
( 36) ينظر د.مقلد، إسماعيل، الإستراتيجية والسياسة الدّولية، بيروت، مؤسسة الأبحاث العربية، 1979، ص5.
( 37) ينظر د.الربيعي، صلاح حسن، أفكار أولية في مفهوم السيادة، مكتب الغفران للخدمات الطباعية، بغداد، 2006، ص42

 

 

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى