مفاهيم سياسية: العولمة السياسية
الدكتور محند برقوق (*): أستاذ محاضر في العلوم السياسية (جامعة الجزائر) و المعهد الديبلوماسي و العلاقات الدولية (وزارة الخارجية)، مدير مركز الدراسات الاستراتيجية والأمنية -الجزائر-
تشكل العولمة السياسية أكثر الأبعاد حيوية ، حركية و خطورة للعولمة ، إذ أنها لا تقوم فقط بإعادة النظر في المنطلقات الأساسية للدول بجعلها أكثر ارتباطا بمحورية الإنسان و حقوقه و لكن أيضا بتنميط مجموعة قواعد التفاعل السياسي الداخلي و الوطني مع فرض تصورات منمذجة لأساليب الحكم .
فالعولمة السياسية، و إن كانت مرتبطة إلى حد بعيد بالمنطق الجدلي للفلسفة النيوليبرالية ، ولكنها أيضا تعكس التصورات و الطروحات التي أفرزها عالم ما بعد الحرب الباردة و التي تهدف لخلق نموذج حكم صالح لكل الأوطان والشعوب و الثقافات تماشيا مع منطق العالم الرافض للنسبية و الفارض للقيم المنمطة و الأنمطة المنمذجة .فالعولمة السياسية تقوم على مجموعة من المحددات التأسيسية لهذا المنطق :
-1- ضرورة بناء تصور موحد و إلزامي لحقوق الإنسان لا تعترف لا بالثقافة و لا بالدين و لا تعترف بالحدود، و لا بالسيادة و لا بالاختصاص الداخلي للدولة. فهنا نجد أولوية الإنسان على الدولة و أولوية منطق حاجات الإنسان على منطق أمن الدولة .
-2- جعل الديمقراطية نظام الحكم الوحيد القادر على التكيف مع منطلقات العولمة.
-3- جعل الديمقراطية حقا يستخدم لتغيير الأنظمة السياسية باسمه، و ترفض الأنظمة الإنقلابية باسم، و يتدخل في الشؤون الداخلية باسمه كما كان في حال تدخل الأمم المتحدة ، عن طريق تدخل الولايات المتحدة الأمريكية في هايتي سنة 1994 لإرجاع نظام حكم منتخب بعد أن كان ضحية انقلاب عسكري.
-4- تفعيل منطق دولة الحق و القانون .
-5- بناء منطق المجتمع التعددي بخلق حراك اجتماعي و سياسي مؤثر يتمحور حول المجتمع المدني.
-6- أما المحدد الأخير فيهدف إلى خلق آليات الرشادة و العقلانية السياسية عن طريق فرض فلسفة الحكم الراشد .
فمن هنا يظهر أن العولمة السياسية هي حركية تهدف لجعل العالم يحكم بنفس المنطق السياسي ، بنفس المنطلقات القيمية المرتبطة بالتصور الغربي لحقوق الإنسان ، و يهدف لجعل كل الدول تحكم بمنطق الديمقراطية المشاركاتية و الحكم الراشد في حال عدم تعارضها مع مصالح القوى المهيمنة .