دراسات سياسية

مفاهيم سياسية: شكل الدولة الفيدرالية

الدولــــة الفدراليـــة
يعد النظام الفدرالي شكلا من أشكال الدول المركبة، تبنته دول عديدة كبرى، من بينها الولايات المتحدة الأمريكية، ألمانيا، كما يتميز بنوع من التعقيد والخصوصية مقارنة ببقية الأشكال الأخرى التي قد تظهر بها الدولة.
وتنشأ الدولة الفدرالية أو الاتحادية بمقتضى دستور تتفق عليه دولتان أو أكثر ويقع بمقتضاه خلق دولة واحدة هي دولة الإتحاد التي تتولى ممارسة السيادة الخارجية بدلا من الدول الأعضاء التي تفقد شخصيتها الدولية وتحافظ بالمقابل على استقلالها وبمعظم شؤونها الداخلية.
إن هذه الاستقلالية رغم تكريسها في الدولة الفدرالية عن طريق محافظة كل دولة على دستورها وبرلمانها وحكومتها وقضائها، لم تمنع من احتفاظ هذا النوع من الدول المركبة بوحدتها، فكيف يمكن تفسير بقاء الاتحاد داخل الدولة الفدرالية قائما رغم تمتع هذه الدول الأعضاء بالاستقلالية ؟
مهما تباينت الظروف التي أدت إلى بروز الدول الفدرالية فهي ترتكز على نفس المبادئ وترمي إلى تحقيق نفس الأهداف. فالدولة الاتحادية تعمل على تحقيق تضامن ووحدة شعوب الدول الأعضاء من خلال إنشاء دولة واحدة تحل محلهم مع احترام شخصية وخصوصية كل الدول الأعضاء.
وعلى هذا الأساس فالدولة الفدرالية تهدف إلى تحقيق توازن بين رغبتين متناقضتين هما : النزعة نحو توحد الدول الأعضاء من خلال انصهارها في دولة واحدة، والرغبة في المحافظة على استقلالية الدول الأعضاء، فتحقق بذلك الفكرة الفدرالية التوفيق بين هاتين الرغبتين من خلال مبدأين اثنين هما مبدأ المشاركة ومبدأ الاستقلالية.
إن هذين المبدأين يحددان بالأساس آليات تنظيم الدولة الاتحادية والدول الأعضاء ( أ )، وكذلك العلاقة القائمة بين الدولة الاتحادية والدول الأعضاء ( ب ).( أ )- تنظيـم الدولة الاتحادية والدول الأعضاء
يقوم وجود الدولة الاتحادية وتنظيمها على الدستور أي على وثيقة قانونية داخلية. ويعمل الدستور في تنظيمه للدولة الاتحادية على الأخذ بعين الاعتبار التوازن الذي يجب أن يقام بين رغبة الدول الأعضاء في توثيق الروابط بينها ورغبها في نفس الوقت في الإبقاء على كيانها الذاتي والاحتفاظ بقدر من الاستقلالية في إدارة شؤونها الداخلية. ويتجسم هذا التوازن من خلال وحدة الدولة الاتحادية ( أولا )، من جهة واستقلالية الدول الأعضاء ( ثانيا ) من جهة أخرى.

أولا: وحـدة الدولـة الفدراليـة
تتجلى وحدة الدولة الاتحادية من خلال وحدة دستورها الاتحادي الذي يقر وحدة شعبها المتكون من مجموع رعايا الدول المنضوية تحت الاتحاد، ووحدة إقليمها المتكون من مجموع أقاليم الدول الأعضاء، ووحدة سلطتها السياسية في نطاق القانون الداخلي ( 1 ) والقانون الدولي ( 2 )

1- في نطاق القانون الداخلي: يقوم الدستور الاتحادي بتحديد السلطات الاتحادية في الميادين التشريعية والتنفيذية والقضائية.
– وتتمثل مهمة السلطة التشريعية التي تتكون من مجلسين، في سن التشريعات المتعلقة بالمسائل الهامة والمتعلقة مثلا بالعملة والبنوك والجنسية وتنظيم التجارة الخارجية والأمن والجمارك، فكل هذه المسائل هي محل تنظيم وتطبيق من قبل الدولة الاتحادية يجب على متساكني أقاليمها تطبيقها و إتباعها.

  • السلطة التنفيذية الاتحادية تتكون من رئيس الاتحاد كما هو الشأن في الولايات المتحدة الأمريكية أو من هيئة جماعية كما هو الشأن في سويسرا، وتتولى هذه السلطة التنفيذية تنفيذ القوانين والقرارات الإدارية داخل أقاليم الدول الأعضاء.
  • السلطة القضائية الاتحادية تتكون خاصة من محكمة عليا فدرالية، كالمحكمة العليا الأمريكية أو المحكمة الاتحادية بسويسرا. ( 2 نقطتين )

2- في النطاق الدولـي: تمارس الدولة الفدرالية عملا بدستورها وحدها حق التمثيل الدبلوماسي فهي التي تمثل الاتحاد لدى الدول الأجنبية، وهي التي تعتمد الممثلين الدبلوماسيين. كما تمارس الدولة الاتحادية وحدها حق إعلان الحرب والتوقيع على المعاهدات الدولية وحق عضوية المنظمات الدولية، وهكذا لا يوجد في الدولة الاتحادية إلا شخص دولي واحد يتعامل مع الدول الأخرى.

ثانيا: استقلاليــة الدول الأعضـاء
تتجسد استقلالية الدول الأعضاء في ممارستها بموجب الدستور الاتحادي للعديد من الصلاحيات في مجال شؤونها الداخلية دون تدخل السلطة المركزية الاتحادية.
وعلى هذا الأساس، تسن كل دولة من دول الاتحاد دستورها الخاص الذي تنظم بواسطته نظام الحكم فيها، وذلك بتحديد اختصاص السلطات المؤسسة في ظله من تشريعية وتنفيذية وقضائية. فلكل دولة من الدول الأعضاء سلطة تشريعية تختص بإصدار القوانين في الميادين الراجعة بالنظر للإقليم، وسلطة تنفيذية تتولى ممارسة الشؤون الحكومية والإدارية داخل إقليم الدولة العضو، وسلطة قضائية تتكون من نظام قضائي خاص وتفصل بين أفرادها.
وتجدر الملاحظة أن هذه الصلاحيات التي تتمتع بها الدول الأعضاء في الاتحاد والتي تمكنها من التنظيم الذاتي الملائم لخصوصيتها ولظروفها لا يمكن أن تمارس إلا في نطاق احترام الدستور الفدرالي.

والدول الاتحادية ( الفدرالية ) في عصرنا كثيرة العدد، ففي أوروبا نجد سويسرا، ألمانيا التي توحدت من جديد سنة 1990، والنمسا وفدرالية روسيا وبلجيكا، وتضم القارة الأمريكية أيضا إضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، كندا، المكسيك، البرازيل، الأرجنتين، فنزويلا، أما بالقارة الإفريقية فنجد نيجيريا والجمهورية الاتحادية الإسلامية للقمر، وأثيوبيا. أما في آسيا، فنجد الهند، أندونيسيا، ماليزيا، الإمارات العربي المتحدة، ويضاف إلى كل هذه الدول أستراليا.

( ب )- العلاقـات بين الدولة الفدرالية والدول الأعضاء
يتجلى كذلك التوازن بين النزعة نحو التوحد والرغبة في الاستقلالية في هذا المجال من خلال مشاركة الدول الأعضاء في سلطة الدولة الفدرالية ( أولا )، ومن خلال تحديد سلطاتها من طرف الدولة الفدرالية ( ثانيا ).

أولا: مشاركة الدول الأعضاء في سلطة الدولة الاتحادية
تبرز هذه مشاركة الدول الأعضاء خاصة من خلال تمثيلها في البرلمان الفدرالي ( 1 )، وتعديل الدستور الفدرالي ( 2 )
( 1 )- المشاركة في البرلمان الفدرالي:
يتكون البرلمان الفدرالي من مجلسين ( ثنائية برلمانية )، يمثل الأول شعب كل دول الاتحاد على أساس قاعدة الانتخاب بطريقة الدوائر الانتخابية، ويتكون المجلس الثاني من ممثلي الدول الأعضاء على أساس المساواة بينها بغض النظر عن مساحتها وعدد سكانها، وهناك بعض الاستثناءات لهذا المبدأـ إذ لا يعمل بالتمثيل المتساوي بين الدول الأعضاء في نطاق المجلس الثاني، مثل ما هو معمول به في الاتحاد الهندي، أو كندا.
( 2 )- المشاركة في التعديل الدستوري:
يشكل الدستور في نطاق الدولة الفدرالية الأساس الذي تنبثق عنه هذه الدولة لأنه يجسد رغبة الدول الأعضاء في الاتحد فعلا داخل إطار دولة واحدة، وةيجسد أيضا التوازن بين سلطات حكومة الاتحاد وحكومات الدول الأعضاء، وحتى لا يقع الإخلال بهذا التوازن بين سلطات الحكومتين، يجب الالتزام ببنود الدستور وإخضاع عملية تعديله إلى الإرادة المشتركة لدولة الاتحاد والدول الأعضاء. هذا ما يؤكد أن عملية تعديل الدستور لا تكفيها موافقة السلطة الاتحادية وإنما يوجب لإمكان إجراء التعديل موافقة أغلبية الدول الأعضاء، فيتطلب دستور الولايات المتحدة الأمريكية لتعديله وجوب موافقة ثلاثة أرباع الدول الأعضاء على الأقل على التعديل المقترح أي 38 ولاية من أصل 50 ولاية.

ثانيا: تحديد سلطات الدول الأعضاء من قبل الدولة الاتحادية
يجسم تحديد سلطات الدول الأعضاء من طرف الدولة الفدرالية وحدتها وعلو سلطاتها في الميادين التي سيسندها إليها الدستور الفدرالي، ويقوم هذا الدستور في هذا الصدد بعدة مهام نخص بالذكر منها ما يلي:
• يفرض الدستور الفدرالي بعض المبادئ والإجراءات على النظام الدستوري للدول الأعضاء، ومن ذلك مثلا يقر دستور سويسرا الفدرالية،النظام الجمهوري ويفرض بأن تكون دساتير الدول الأعضاء في الاتحاد أن تكون صادرة بموافقة الشعب وأن تكون قابلة للتعديل من قبله.
• يقوم الدستور الاتحادي بتوزيع الاختصاصات بين دولة الاتحاد والدول الأعضاء ويميز بين ثلاثة أساليب :
* الأسلوب الأول: ويتمثل في تحديد الدستور الفدرالي لاختصاصات الدولة الفدرالية بحيث تكون الاختصاصات غير الواردة في هذا التحديد من اختصاص الدول الأعضاء. وهذا الأسلوب هو الأكثر انتشارا، وقد أخذت به الولايات المتحدة الأمريكية، المكسيك، سويسرا، استراليا.
* الأسلوب الثاني: ويتمثل في تحديد الدستور الفدرالي لاختصاصات الدول الأعضاء بحيث تكون الاختصاصات غير الواردة في هذا التحديد من اختصاص الدولة الفدرالية. ويعمل بهذا الأسلوب في كندا والهند.
* الأسلوب الثالث: ويتمثل في تحديد الدستور الفدرالي لاختصاصات كل من الدول الأعضاء وكذلك دولة الاتحاد، ويعاب على هذه الطريقة التي تبقى نظرية، أن توزيع الاختصاص بمقتضاها لا يمكن أن يكون شاملا ودقيقا.
• يقوم الدستور الاتحادي ببعث محكمة عليا اتحادية يكون لها سلطة تفسير الدستور والفصل في المنازعات بين الدولة الفدرالية والدول الأعضاء، وبين الدول الأعضاء فيما بينها. كما يمكن لها أن تفصل في دستورية القوانين المطعون فيها أمامها.

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى