منهجية التحليل السياسي

مفاهيم فلسفية:مصطلح (ما بعد الحداثة)

صطلح (ما بعد الحداثة) مصطلح نفي سلبي، وهو ترجمة لمصطلح (post – modem isin أو postmodernism).
وقد تستخدم كلمة (post modernity) للدلالة على الشيء نفسه، وأحيانًا يطلق على مصطلح (ما بعد الحداثة) تعبير (ما بعد البنيوية) (بالإنجليزية post structuralism) باعتبار أن فلسفات ما بعد الحداثة قد ظهرت بعد ظهور وسقوط (الفلسفة البنيوية)، ویکاد مصطلح (ما بعد الحداثة) يترادف ومصطلح (التفكيكية).
وللتمييز بينهما، يمكن القول أن ما بعد الحداثة في الرؤية الفلسفية العامة، أما التفكيكية فهي بالمعنى العام أحد ملامح وأهداف هذه الفلسفة، فهي تقوم بتفكيك الإنسان، كما أنها منهج لقراءة النصوص يستند إلى هذه الفلسفة، ويجب ملاحظة أن اصطلاح (ما بعد الحداثة) يكتسب أبعادًا مختلفة بانتقاله من محل إلى محل آخر، فمعنى (ما بعد الحداثة) في عالم الهندسة المعمارية يختلف، من بعض الوجوه، عن معناه في مجال النقد الأدبي أو العلوم الاجتماعية. [١]

محتويات

مكونات المفهوم

يعد مصطلح ما بعد الحداثة من المصطلحات الأكثر اِلتباسًا وإثارة، لتعدد مفاهيمه ومدلولاته من ناقد لآخر، وليس هناك اتفاق على تحديد مصدره. [٢] [٣] يتميز مفهوم «ما بعد الحداثة» بقدر غير يسير من الغموض والتشويش، حيث يجري إطلاقه على الكثير من الأمور المتناقضة.
غير أن هذا لا يمنع من النظر إليه كبؤرة تتداخل فيها ثلاثة عناصر أساسية، يتعلق

  • أولها بالردة خلال العقود الأخيرة عن بعض مظاهر الحداثة.
  • وثانيها بانطواء ما بعد الحداثة على تيار فلسفي من مكوناته:
  1. رفض التنوير.
  2. وإلغاء الذات.
  3. واعتماد تصور انفصالي وفوضوي للزمن.
  4. ورفض كل مركزية.
  5. واعتبار العقل والحقيقة محض وهم.

وبالتالي فالنظريات العلمية حسب هذا التيار ما هي إلا أطروحات تعبر عن مصالح اجتماعية خاصة، وهو ما عبر عنه ميشال فوكو بقوله: «إن إرادة المعرفة هي مجرد شكل واحد من أشكال إرادة السلطة»، كما أن الواقع وفقه لا يعدو أن يكون مجموعة غير منتظمة من الجزيئات التي يهيمن عليها صراع لا ينتهي من أجل السلطة؛ وتبعاً لذلك فإن الناس، بوصفهم جزءًا من هذا الواقع يظلون مفتقرين إلى أي تماسك أو سيطرة على أنفسهم.

  • أما العنصر الثالث من عناصر ما بعد الحداثة فهو «نظرية المجتمع ما بعد

الصناعي» التي طورها علماء اجتماع مثل «دانييل بيل» في أوائل السبعينيات، حيث ذهبوا إلى أن العالم يدخل عصراً تاريخياً جديداً سوف يصبح الإنتاج المادي فيه أقل أهمية، بينما تغدو المعرفة فيه هي القوة الرئيسية للتطور الاقتصادي. وذهب فرانسوا ليوتار إلى حد القول بأن المعرفة في «وضع ما بعد الحداثة» تتخذ باستمرار شكلاً مجزأً متخلية عن كل دعاوى الحقيقة أو المعقولية وهو

ما يعبر عنه بـ «انهيار الروايات الكبرى»، كون العالم يشهد تفكك المذاهب والنظريات والاتجاهات الفكرية الكبرى، ويعاني من غياب أنساق المعتقدات التي توجه الإنسان في تفكيره وقيمه وسلوكياته وعلاقاته بالآخرين.

وإذا كانت محاولة تشخيص الحداثة تبدو أكثر يسراً من خلال الإمساك بها من إحدى مفاصلها الأساسية كـ:

فإن مجتمع ما بعد الحداثة بلغت فيه العمليات سالفة الذكر التمايز، الانتشار السلعي، العقلنة ذروة تداخلها المفضي إلى حالة من الغموض والتعقيد الشديدين.

[٤] وتضح فلسفة ما بعد الحداثة عند فردريك نيتشه وسيغموند فرويد ومارتن هايدغر.

ظروف النشأة

ظهرت ما بعد الحداثة في ظروف سياسية معقدة، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، في سياق الحرب الباردة، وانتشار التسلح النووي، وإعلان ميلاد حقوق الإنسان، وظهور مسرح اللامعقول (صمويل بيكيت، وأداموف، ويونيسكو، وأرابال… وظهور الفلسفات اللاعقلانية، مثل: السريالية، والوجودية، والفرويدية، والعبثية، والعدمية وتمتد فترة ما بعد الحداثة (Post modernism) من سنة (1970 م) إلى سنة (1990 م).

أهم رواد ما بعد الحداثة

من أهم الرواد والمنظرين: جان بودريار[٥]، وجان فرانسوا ليوتار[٦]، وجاك ديريدا، وميشيل فوكو، وجيل دولوز

  • ظهرت أولًا في مجال التشكيل والرسم والعمارة والهندسة المدنية، ثم غزت نظرية (ما بعد الحداثة) جميع الفروع المعرفية، كالأدب، والنقد، والفن، والفلسفة، والفكر، والأخلاق، والتربية، وعلم الاجتماع، والأنثروبولوجيا، والتكنولوجيا والسوسيولوجيا وعلم الثقافة، والاقتصاد، والسياسة، والعمارة، والتشكيل…

ويصنف ليمرت المفكرين ما بعد الحداثيين إلى ثلاث فئات:

  • ـ الراديكاليون: ليوتار، بودريار، إيهاب حسن، الذين يعتبرون الحداثة شيئاً ينتمي إلى الماضي، وأن الوضع الثقافي الراهن لا يحتمل مقولاتها.
  • ـ الاستراتيجيون: مثل ميشال فوكو، دريدا، دولوز الذين يتخذون من اللغة أو الخطاب أساساً لتحليلاتهم ويرفضون أية صياغة لمفهوم الجوهر الشامل، أو الكليّة أو القيم الشمولية.
  • ـ الحداثيون المتأخرون: مثل هابرماس وجيمسون، الذين يتخذون موقفا نقدياً من الأنساق الشمولية الكبرى، ولكنهم لا يرفضون مفاهيم الحداثة.[٧]

سمات تنطلق منها حركة ما بعد الحداثة

إن السمات الأساسية التي تنطلق منها حركة ما بعد الحداثة تتمثل في عدة اتجاهات أهمها:

  • – هدم الأنساق الفكرية الجامدة والإيديولوجيات الكبرى المغلقة وتقويض أسسها.
  • ـ العمل على إزالة التناقض الحداثي بين الذات والموضوع بين الجانب العقلاني والجانب الروحي في الإنسان، وذلك من منطلق الافتراض بعدم وجود مثل هذه الثنائية الميتافيزيائية.
  • ـ رفض الحتمية الطبيعية والتاريخية التي كانت سائدة في مرحلة الحداثة ولا سيما مفهوم التطور التعاقبي أو الخطي أو الزمني الذي يسجل حضوره في الأنساق الاجتماعية والحياة الاجتماعية.[٨]

ويصف إيهاب حسن مرحلة ما بعد الحداثة بالسمات التالية:

  • ـ فكر يرفض الشمولية في التفكير ولا سيما النظريات الكبرى مثل نظرية كارل ماركس، ونظرية هيغل، ووضعية كونت، ونظرية التحليل النفسي…إلخ، ويركز على الجزئيات والرؤى المجهرية للكون والوجود.
  • ـ رفض اليقين المعرفي المطلق ورفض المنطق التقليدي الذي يقوم على تطابق الدال والمدلول، أي تطابق الأشياء والكلمات.
  • ـ يلح على إسقاط نظام السلطة الفكرية في المجتمع والجامعة، في الأدب والفن، والإطاحة بمشروعية القيم المفروضة من فوق في الأنظمة والمؤسسات الاجتماعية كافة. [٩].
  • وفي هذا السياق، يرفض أنصار ما بعد الحداثة مفاهيم حداثية مثل: العقل والذات والعقلانية والمنطق والحقيقة، فهي مقولات مرفوضة.

والحقيقة وهم لا طائل منه، ذلك لأن الحقيقية مرتهنة بعدد من المعايير الخاصة بالعقل والمنطق وهذه بدورها مرفوضة أيضًا. [١٠].

نظريات ما بعد الحداثة

يقصد بها النظريات والتيارات والمدارس التي ظهرت في فترة ما بعد الحداثة والسيميائية واللسانية، وقد جاءت ما بعد الحداثة لتقويض الميتافيزيقا الغربية، وتحطيم المقولات المركزية التي هيمنت قديمًا وحديثًا على الفكر الغربي، كاللغة، والهوية، والأصل، والصوت، والعقل… وقد استخدمت في ذلك آليات التشتيت والتشكيك والاختلاف والتغريب، وتقترن ما بعد الحداثة بفلسفة الفوضى والعدمية والتفكيك واللامعنى واللانظام واللاانسجام، وتتميز نظريات ما بعد الحداثة عن الحداثة السابقة بقوة التحرر من قيود التمركز، والانفكاك عن اللوغوس -القانون الكلي للكون، والخطاب، والمبدأ، والعقل والعلم والاستدلال والحجة والنظام والعلة الجوهرية– والتقليد وما هو متعارف عليه، وممارسة كتابة الاختلاف والهدم والتشريح، والانفتاح على الغير عبر الحوار والتفاعل والتناص، ومحاربة لغة البنية والانغلاق والانطواء، مع فضح المؤسسات الغربية المهيمنة، وتعرية الإيديولوجيا البيضاء، والاهتمام بالمدنس والهامش والغريب والمتخيل والمختلف، والعناية بالعرق، واللون، والجنس، والأنوثة، وخطاب ما بعد الاستعمار… وإعادة النظر في الكثير من المسلمات والمقولات المركزية التي تعارف عليها الفكر الغربي قديمًا وحديثًا. [١١][١٢]

  • ترفض ما بعد الحداثة النماذج المتعالية، وتضع محلها الضرورات الروحية، وضرورة قبول التغيير المستمر، وتبجيل اللحظة الحاضرة المعاشة، كما رفضت الفصل بين الحياة والفن، وحتى أدب ما بعد الحداثة ونظرياتها تأبى التأويل، وتحارب المعاني الثابتة.[١٣]

ما بعد الحداثة وردة الفعل على الحداثة

جاءت ما بعد الحداثة رد فعل على البنيوية اللسانية، والمقولات المركزية الغربية التي تحيل على الهيمنة والسيطرة والاستغلال والاستلاب، وارتبطت في بعدها التاريخي والمرجعي والسياقي بتطور الرأسمالية الغربية ما بعد الحداثية اجتماعيًا، واقتصاديًا، وسياسيًا، وثقافيًا، كما ارتبطت ارتباطًا وثيقًا بتطور وسائل الإعلام.

أهداف ما بعد الحداثة

  • استهدفت ما بعد الحداثة تقويض الفلسفة الغربية، وتعرية المؤسسات الرأسمالية التي تتحكم في العالم، وتحتكر وسائل الإنتاج، وتمتلك المعرفة العلمية.
  • إدانة خطاب الغرب الاستشراقي الاستعماري (الكولونيالي).
  • محاربة التمييز العرقي واللوني والجنوسي والثقافي والطبقي والحضاري.
  • انتقاد اللوغوس والمنطق عبر آليات التشكيك والتشتيت والتشريح والتفكيك.

مرتكزات (ما بعد الحداثة) في ساحة الثقافة الغربية

  1. تقويض الفكر الغربي، وتحطيم أقانيمه المركزية بالتشتيت والتأجيل والتفكيك وتسلحت بمعاول الهدم والتشريح لتعرية الخطابات الرسمية، وفضح الإيديولوجيات السائدة المتآكلة، باستعمال لغة الاختلاف والتضاد والتناقض.
  2. التشكيك في المعارف اليقينية، وانتقاد المؤسسات الثقافية المالكة للخطاب والقوة والمعرفة والسلطة من أفلاطون إلى فترة الفلسفة الحديثة.
  3. العدمية والفوضوية، وتغييب المعنى، وتقويض العقل والمنطق والنظام والانسجام، ولا تقدم بدائل عملية واقعية وبراجماتية، بل هي فلسفات عبثية لا معقولة، تنشر اليأس والشكوى والفوضى في المجتمع.
  4. التفكك واللاانسجام والتعددية والاختلاف واللانظام، وتفكيك ما هو منظم ومتعارف عليه.
  5. هيمنة الصورة: أصبحت الصورة هي المحرك الأساس للتحصيل المعرفي، وتعرف الحقيقة.
  6. الغرابة وغموض الآراء والأفكار والمواقف والشذوذ.
  7. التناص: استلهام نصوص الآخرين بطريقة واعية أو غير واعية، امتصاصًا وتقليدًا وحوارًا، ويدل التناص على التعددية، والتنوع، والمعرفة الخلفية، وترسبات الذاكرة.
  8. تفكيك المقولات المركزية الكبرى: تقويض المقولات المركزية الغربية الكبرى، كالدال والمدلول، واللسان والكلام، والحضور والغياب، إلى جانب انتقاد مفاهيم أخرى، كالجوهر، والحقيقة، والعقل، والوجود، والهوية… عن طريق التشريح، والتفكيك، والتقويض، والتشتيت، والتأجيل…
  9. الانفتاح: وسيلة للتفاعل والتفاهم والتعايش والتسامح.
  10. قوة التحرر: تحرير الإنسان من قهر المؤسسات المالكة للخطاب والمعرفة والسلطة، وتحريره أيضا من أوهام الإيديولوجيا والميثولوجيا البيضاء، وتحريره كذلك من فلسفة المركز، وتنويره بفلسفات الهامش والعرضي واليومي والشعبي.
  11. إعادة الاعتبار للسياق والنص الموازي: أعادت الاعتبار للمؤلف والقارئ والإحالة والمرجع التاريخي والاجتماعي والسياسي والاقتصادي، كما هو حال نظرية التأويلية، وجمالية التلقي، والمادية الثقافية، والنقد الثقافي، ونظرية ما بعد الاستعمار، والتاريخانية الجديدة…
  12. تحطيم الحدود بين الأجناس الأدبية: لا تعترف بالحدود الأجناسية، فقد حطمت كل قواعد التجنيس الأدبي، وسخرت من نظرية الأدب؛ ومن ثم، أصبحنا – اليوم- نتحدث عن أعمال أو نصوص أو آثار غير محددة وغير معينة جنسيًّا.
  13. الدلالات العائمة: دلالات النصوص والخطابات غير محددة بدقة، وليس لها مدلول واحد، بل دلالات مختلفة ومتناقضة ومتضادة ومشتتة تأجيلاً وتقويضًا وتفكيكًا، ويغيب المعنى، ويتشتت عبثًا بسبب الغموض والإبهام والالتباس.
  14. ما فوق الحقيقة: فلا وجود لحقيقة يقينية ثابتة، ويعدون الحقيقة وهمًا وخداعًا.
  15. التخلص من المعايير والقواعد المنهجية والنظريات، ويرون أن النص أو الخطاب عالم متعدد الدلالات، يحتمل قراءات مختلفة ومتنوعة.

إيجابيات ما بعد الحداثة:

  • أنها حركة تحررية تهدف إلى تحرير الإنسان من عالم الأوهام والأساطير، وتخليصه من هيمنة الميثولوجيا البيضاء.
  • سعيها لبناء قيم جديدة، وتقويض المقولات المركزية للفكر الغربي، وإعادة النظر في يقينياتها الثابتة وانتقدت الخطابات الاستشراقية ذات الطابع الاستعماري بالنقد والتفكيك والتحليل والتقويض والتشكيك والتشتيت والتشريح والهدم.
  • آمنت نظرية ما بعد الحداثة بالتعددية والاختلاف وتعدد الهويات، وحاربت ثقافة النخبة والمركز، واهتمت بالهامش والثقافة الشعبية، واهتمت كذلك بالتناص والاختلاف اللوني والجنسي والعرقي، وعملت على إلغاء التحيزات الهرمية والطبقية، واعتنت كذلك بالعرضية، والهامش، والمدنس.
  • انزاحت عن الأعراف والقوانين والقيم الموروثة، واستسلمت للغة التشظي والتفكك واللانظام، ونددت بالمفاهيم القمعية القسرية وسلطة القوة، واحتفت بالضحك، والسخرية، والقبح، والمفارقة والغرابة.
  • وأعادت الاعتبار للسياق والإحالة والمؤلف والمتلقي، كما هو حال الهيرمينوطيقا وجمالية التلقي.

سلبيات ما بعد الحداثة:

  • اعتمادها على فكرة التقويض والهدم والفوضى، إذ لا تقدم للإنسان البديل الواقعي والثقافي والعملي، فمن الصعب تطبيق تصورات ما بعد الحداثة واقعيًا لغرابتها وشذوذها، وبذلك استهلكت قدرتها الاستراتيجية الفعالة في إبراز التحيزات المجحفة، دون أن يكون لها موقف أخلاقي أو سياسي أو اجتماعي.
  • هذه النهاية المحايدة دعت إلى توجيه أصابع الاتهام لها بأنها متواطئة مع الأشكال الشمولية القمعية التي تسعى إلى الهيمنة والسيطرة والظلم الاجتماعي الاقتصادي.
  • اصطفت مع المدارس والنظريات الطوباوية التي تحلم بها كل المثاليات: حداثية كانت أو ما بعد حداثية وأخذت تحلم وتتمنى أن يتحقق الوئام فجأة، فتسود العدالة، وتختفي الطبقية الهرمية، ويختلط المركز بالهامش، وتلغي الفوارق من غير تحيز أو غاية.[١٤]
  • الانغماس في عوالم افتراضية عبثية وعدمية وفوضوية بدلًا مما يشغل الإنسان ويهمه في واقعه العملي من السعي الجاد إلى البناء الهادف والتأسيس والتأصيل، وليس التفكيك والتقويض.
  • قوضت نفسها بنفسها؛ بسبب لطابعها الفوضوي والعدمي والعبثي.[١٥]
  • ظهرت مجموعة من النظريات الأدبية والنقدية والثقافية والسوسيولوجية والاتجاهات ضمن تلك النظريات والتي صنفت أنها نظريات فرعية عن الأصيلة التي رافقت مرحلة (ما بعد الحداثة)، ما بين سنوات السبعين والتسعين من القرن العشرين، وفي هذا الصدد، يمكن الإشارة إلى النظرية التأويلية، ونظرية التلقي أو التقبل، والنظرية التفكيكية، والنظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت، ونظرية النقد الثقافي، والنظريات الثقافية، والنظرية الجنسية، والنظرية الجنوسية، والنظرية التاريخانية الجديدة، والنظرية العرقية، والنظرية النسوية، والنظرية الجمالية الجديدة،

ونظرية ما بعد الاستعمار، ونظرية الخطاب (ميشيل فوكووالمقاربة التناصية، والمقاربة التداولية، والمقاربة الإثنوسينولوجية، والمقاربة المتعددة الاختصاصات، والفينومينولوجيا، والنقد البيئي، والنقد الجيني، والنقد الحواري، والمادية الثقافية، وسيميوطيقا التأويل، وسيميوطيقا الأهواء

النظرية التفكيكية:

التي هي نسقٌ من التحليل مثير للجدال يتحدّى أسس الفكر الغربيّ التقليديّ، وينطوي على نزع المرْكزة وتأسيس ممارسة تأويلية تفكك تلك النصوص التي تبدو وكأنها مرتبطة بحقيقة واضحة ونهائية، وتتحدى مفهوم التأويل القائم على وجود مدلول نهائي، وتسعى إلى البرهنة على أن السلطة التي تمتلكها اللغة تتجلى في قدرتها على أن تقول أكثر مما تدل عليه ألفاظها مباشرة والتفكيكية يعدها بعض الباحثين امتدادًا للتفاعلية الرمزية، وآخرين يعدونها بناءً جديدًا على أنقاض التفاعلية الرمزية، ويعد الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا أبرز منظر لها.

نظرية التأويل:

أو الهرمنيوطيقا من النظريات التي لاقت رواجًا، ووجدت عمقها النظري والتحليلي وبالذات في مجال العلوم الاجتماعية عند الفيلسوف الألماني غادامير، وكذلك في أعمال أتباعه ممن يرون أن التأويل والتفسير والشرح تشكل أهم الأدوات لفهم جوهر الظواهر الاجتماعية، ولا تزال هذه النظرية تلقى اهتمامًا، ولكن لا تزال هذه النظرية على تخوم علم الاجتماع العام وربما ذلك لصعوبة تناولها.

نظرية التعددية الثقافية:

تزامن ظهور هذه المدرسة مع مدرسة نقد الحداثة، ويعد إدوارد سعيد من أبرز المنظرين لها، فقد اتخذ موقع المنتقد الكاشف لخطأ الغرب في مقاربته ورؤيته للشرق، وطرح مقاربة جديدة تسهم في ردم الهوة بين الشرق والغرب، من خلال احترام التعددية الثقافية وربط المعرفة بالنزعة الإنسانية بدل النزعة التسلطية الأيديولوجية، ولأجل ذلك كان يوجّه الطلبة العرب إلى دراسة تاريخ الأمم والحضارات الأخرى، ويحثهم على عدم الاقتصار على معرفة تاريخهم فقط.

نظرية الخطاب ما بعد الكولونيالي:

(الاستعماري): خرجت من رحم التصورات النظرية والمنهجية لإدوارد سعيد وعلى هامش نظرية «ما بعد الحداثة» والتي انبرى لها فيه ثلة من الدارسين للنظريات والمناهج الاجتماعية ممن تعود أصولهم إلى آسيا وأفريقيا بنقد الحداثة والتجربة التحديثية الغربية، وكيف أنها ولدت شرورها، وألحقت أضرارًا بالغة بالعديد من المجتمعات والثقافات.

النظرية النسوية:

نظرية آخذة بالتوسع وبلورة وتعميق مفاهيمها النظرية والمنهجية، والتي بدأت ثورية جذرية، لكنها أخذت الآن صورًا تميل إلى مزيد من العقلانية؛ وتشكل في إطارها ما عرف بدراسات الجندر والنوع، ويظهر أن هذه النظرية ذات التوجهات العديدة والمختلفة بسبب الاهتمامات الدولية المتلاحقة بموضوع المرأة تلقى قبولًا وتفهمًا عالميًا واسعًا، وقد أخذت تصورات هذه المدرسة أبعادًا دولية كبيرة كظهور تنظيرات نسوية في العالم وأديانه وثقافاته وامتزجت دراسات المرأة بقضايا المجتمع الكبرى السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتتحدد معالمها وفق مجموعة من المعطيات أهمها:

  1. ضرورة الاعتراف بحضور النساء الكامل غير المنقوص في العالم الاجتماعي.
  2. الاهتمام بالقضايا التي تخص العالم الاجتماعي للنساء، ووجهة نظرهن وخبرتهن ونظرتهن المفاهيمية تجاه هذه القضايا.
  3. حتمية التفرقة بين الفروقات البيولوجية والاجتماعية بين الرجل والمرأة، فالفروقات البيولوجية -كما يقول النسويون- هي تلك الفروقات المرتبطة بالجنس كوصف بيولوجي، أما الفروقات الاجتماعية فهي تلك الفروقات التي ترتبط بالبني الاجتماعية كوصف للجندر، وتعتقد متبنيات النظرية أن الخصائص البيولوجية قد تكون ثابتة، ولكن العلاقات الاجتماعية المؤسسة في الثقافة المجتمعية فهي قابلة لإعادة التشكيل.

وقد تمّت أولى محاولات الضبط العلمي لمفهوم النوع/ الجندر عبر عالمة الاجتماع النسوية “آن أواكلي” التي صرحت بأن “الجنس” يمثّل مفردة تشير إلى الفوارق البيولوجيّة بين الذكر والأنثى، في حين تحمل لفظة “النوع” إحالة إلى الثقافة، كونها تشمل التصنيف الاجتماعي الذكوري والأنثوي، وتبنّي على ذلك حتمية الاختلاف بين الجنس والنوع.

  1. وأسس النسويون على هذه التفرقة أن قضايا النوع الاجتماعي أكثر ارتباطًا بالمكانة والدور الاجتماعي للمرأة والرجل، في الوقت الذي يبقى الجنس مؤشرًا يحيل إلى الفروق البيولوجيّة بين الذكور والإناث فقط.
  2. مواجهة اضطهاد النساء ومحاولة السيطرة عليهن من قبل الرجال، وكيفية التغلب على الاضطهاد والسيطرة، وهو التميز الذي يرجع إلى البناء الاجتماعي والذي بدوره يمنح الرجال السلطة والقوة، في حين تحرم منها المرأة.

فعلى الرغم من تباين الاتجاهات النسوية فيما يتعلق بتحليل وضع ومكانة المرأة في المجتمع، ودرجة التركيز على علاقات وقضايا النوع، إلا أن تلك الاتجاهات تشترك جميعها في الاهتمام بقضايا عدم المساواة في القوة فيما يتعلق بعلاقات النوع.

نقد النظرية النسوية

وقد واجهت المعطيات والأسس التي قامت عليها النظرية الاجتماعية النسوية انتقادات عدة أبرزها:

  • اختزالها النظرية النسوية الاجتماعية علم الاجتماع كحقل معرفي في متغير بحثي واحد هو الجنس، وإلى نمط بسيط للدور الاجتماعي هو النوع الاجتماعي أو ما يسمى الجندر، وهذه المعطيات التي قامت عليها النظرية النسوية الاجتماعية لا تعدو أن تكون استدراكًا نسائيًا على أطر ومفاهيم النظرية الكلاسيكية لعلم الاجتماع أملًا في رؤية أوسع وأشمل للعالم الاجتماعي تضم النوع النسائي.
  • إضافة إلى الارتباط الوثيق بين النظريات النسوية والأجندات السياسية جعل الشكوك تحيط بما تقدمه تلك النظريات ـ وفي مقدمتها النظرية النسوية الاجتماعية ـ من أطر ومفاهيم تخدم تلك الأجندات أكثر من خدمتها للقضايا المعرفية وقضايا المرأة.

ولا يزال التنظير وتوليد المفاهيم الجديدة آخذًا بالتوسع، ولعل موجة مفاهيم العولمة وصراع الحضارات هي معالجات تشكل امتدادات للجدل الدائر في هذه المدارس الجديدة. [١٦]

مواضيع ذات صلة

اقرأ هنا مقال عن حداثة [http://cutt.us/3FGST]

هوامش

مصادر

  • الحداثة وما بعد الحداثة، عبد الوهاب المسيري وفتحي التريكي، (ص 81) طبعة دار الفكر دمشق، (2003 م).
  • دليل الناقد الأدبي، سعد البازعي وميجان الرويلي، المركز الثقافي العربي، بيروت، لبنان، الطبعة الثانية، سنة (2000 م)، (ص: 138).
  • النظرية الأدبية، ديفيد كارتر، ترجمة: باسل المسالمة، دار التكوين، دمشق، سوريا، الطبعة الأولى سنة (2010 م)، (ص: 130).
  • قاموس المصطلحات المدنية والسياسية تحرير الدكتور: صقر الجبال، الدكتور: أيمن يوسف، الدكتور: عمر رحال، الطبعة الأولى: كانون الثاني (2014 م)، الناشر: مركز إعلام حقوق الإنسان والديمقراطية >شمس< Human Rights & Democracy Media Center”SHAMS
  • النظرية الأدبية، ديفيد كارتر، (ص: 132).
  • النظرية الأدبية، ديفيد كارتر، (ص: 134).
  • محمد حسام الدين، الإعلام وما بعد الحداثة، ص (27).
  • صام عبد الله، (الجذور النيتشوية لـ “ما بعد” الحداثة)، الفلسفة والعصر، العدد الأول، أكتوبر، (1999 م)، ص (237).
  • بومدين بوزيد، (الفكر العربي المعاصر وإشكالية الحداثة)، ضمن مركز دراسات الوحدة العربية، قضايا التنوير والنهضة في الفكر العربي المعاصر، العدد (18)، بيروت، ص (19-31)، ص (21).
  • عصام عبد الله، الجذور النيتشوية لـ “ما بعد الحداثة”، مرجع سابق، ص (238).
  • النظرية الأدبية، ديفيد كارتر، ترجمة: باسل المسالمة، دار التكوين، دمشق، سوريا، الطبعة الأولى سنة (2010 م)، (ص: (130 وما بعدها).
  • دليل الناقد الأدبي، سعد البازعي وميجان الرويلي، (ص: 143).
  • دليل الناقد الأدبي، سعد البازعي وميجان الرويلي، (ص: 142).
  • دليل الناقد الأدبي، سعد البازعي وميجان الرويلي، (ص: 138).
  • النظرية الأدبية، ديفيد كارتر، (ص 144).

نظريات علم الاجتماع، د. جميل حمداوي، ط/ (1)، (2015 م)، (ص: 99 وما بعدها) شبكة الألوكة: www.alukah.net/books/files/book_7067/bookfile/nazriat.docx

 

 

 

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى