مفهوم الأمن القومي وتطوراته وأهم القضايا والنقاشات في حقل السياسة العالمية

إيمان جابر

مقدم إلى

أ.د. محرز الحسيني

 جامعة الإسكندرية – كلية الدراسات الاقتصادية والعلوم السياسية 2019م

  ملتقي الباحثين السياسيين العرب Arab political researchers forum

لتحميل الملف بصيغة pdf على الرابط: تطور الأمن القومي

المقدمة:

الأمن القومي والدراسات الأمنية تتغير وتتطور مع الأحداث الجارية في العالم، وأصبح   مناقشة مفهوم الأمن القومي وتطوراته من أهم القضايا والنقاشات في حقل السياسة العالمية.

من خلال الورقة البحثية سأقوم بعرض التغيرات التي دفعت إلى إعادة النظر في كافة الافتراضات الأساسية للمعادلة الأمنية في العلاقات الدولية، إضافة إلى النظریات التقلیدیة للأمن القومي.

كما سيتم تناول النظريات التقليدية للأمن القومي (النظرة الواقعية والليبرالية)، إضافة إلى المقاربة الحديثة للأمن القومي، وتطورات الأمن القومي بعد الحرب العالمية الأولى، والحديث عن الأمن بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، والإجراءات التي اتخذتها الولايات المتحدة الأمريكية على الصعيد الداخلي والخارجي لمواجهة هذا الخطر. 

  • التغيرات التي دفعت إلى إعادة النظر في كافة الافتراضات الأساسية للمعادلة الأمنية في العلاقات الدولية. وهذه التغيرات حدثت على المستويين الآتيين: الوورد
  1. تغير على مستوى الفاعلين:

لقد ارتكز التنظيم الدولي منذ معاهدة وستفاليا 1648، على النظر إلى مجموع الدول باعتبار أن كل دولة تمثل وحدة سياسية متميزة عما عداها من الدول، مما جعل العلاقات الدولية مقتصرة  على صورتين من صور التعامل الدولي الرسمي ألا و هما الدبلوماسية و الإستراتيجية (الحرب).  و هكذا،  في ظل النظر إلى الدول كوحدات مستقلة ومنعزلة عن بعضها البعض واقتصار التفاعل فيما بينها على أضيق نطاق فعلى المستوى الدولي تزايد دور المنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية، وعلى المستوى العبر وطني برزت الشركات متعددة الجنسيات وكارتلات المخدرات والجريمة المنظمة، أما على المستوى تحت وطني فلا يمكن إغفال دور المجتمع المدني  وخاصة الأقليات والجماعات الإثنية، التي تطالب بمزيد من الحقوق والمشاركة والاستقلال، ويلخص عــالم الاجتماع الأمريكي دانييل بل “Danial Bell”  هذا الوضع في عبارته الشهيرة :” الدولة أصبحت أصغر من أن تتعامل مع المشكلات الكبرى وأكبر من أن تتعامل بفعالية مع المشكلات الصغرى.

وكل هذه المتغيرات تفرض بالضرورة إحداث تغيير جذري في بنية الدولة الوطنية للتحول إلى “الدولة الشبكية”، لأن الشبكات المالية و التجارية والتكنولوجية والإعلامية والثقافية هي التي أصبحت تحدد الواقع القائم في العالم، وقد أدى ذلك إلى ظهور الفكرة التي عرفت بسياسات الترابط “Linkage Politics”  بمعنى الترابط بين الأوضاع الدولية العالمية و بين الأوضاع الداخلية المحلية  أو العكس.

  1. تغير على مستوى مصادر التهديد:

لاشك أن تحقيق الأمن الداخلي والحفاظ على الأمن الخارجي من الوظائف التقليدية للدولة والتي كان ينظر إليها فلاسفة السياسة كمهمة مركزية للدولة وكان الاعتقاد السائد لدى العديد من السياسيين الممارسين أن الواجب الأسمى للدول هو تولي هذه المهام بفاعلية. و قد ارتبط مدلول الأمن بمفهوم الخطر و التهديد،  فلا نستطيع تعريفه إلا في مجال داخلي ودولي محدد وبذلك فهو يمثل المحصلة النهائية لمستوى ودرجة التحصين لكيان الدولة من الداخل والخارج. وبقي مفهوم الأمن محافظا على أهميته الجوهرية في عصر العولمة بكل أبعاده سواء الداخلية أو الخارجية،  وليس ذلك غريبا ففي كل العهود والأزمنة كان للاقتصاد، الحروب والسياسة روابط ضيقة ومتقاربة.

إلا أن الجديد في هذا المجال يتمثل في القضايا والإشكالات الجديدة التي تواجه الدولة في عصر العولمة، الأمر الذي يفرض تطوير المهمة الأمنية للدولة وتحديث أساليب أدائها. وفي هذا المجال يمكن الإشارة إلى بعض القضايا الجديدة وما تتطلبه من أدوار أمنية للدولة على المستويين الداخلي و الخارجي:  

1– التعرف على أنواع الجرائم التي تهدد الأمن الوطني كالجرائم الاقتصادية و منها غسيل الأموال التلاعب بالبورصة والفساد الإداري

2– مقاومة التطرف و الإرهاب،  حيث أن ظاهرة التطرف والإرهاب تعد من الظواهر الخطيرة التي تهدد الأمن الوطني. وعلاج هذه الظاهرة لابد وأن يجمع بين الأساليب الأمنية، الاقتصادية الاجتماعية والنفسية، وعلى هذا الأساس أصبحت محاربة الفقر إحدى أدوات الأمن. ودعم التنمية عاملا مهما للاستقرار.

3– فيما يتعلق بمفهوم الأمن الخارجي والذي يدور حول الحفاظ على سلامة إقليم الدولة براً  بحرا وجوا، ومنع تعرضها للعدوان الخارجي و توفير القدرة اللازمة للتصدي له،  هذا بالإضافة إلى الدفاع عن مصالح مواطني الدولة في الخارج، هذا المفهوم للأمن الخارجي لم يعد قاصرا على هذه الجوانب التقليدية. فاختراق إقليم الدولة لم يعد يتم بالوسائل العسكرية المباشرة و إنما يتم بوسائل تكنولوجية متطورة، من خلال الأقمار الصناعية  وغيرها من وسائل جمع المعلومات الحديثة ويتم كذلك من خلال ما يمكن أن نطلق عليه ” الأساليب الذكية ” التي تدور حول تحليل البيانات الإستراتيجية للدولة والتعرف على كيفية إدراك صانع القرار السياسي للواقع السياسي الذي يعمل في إطاره داخليا وإقليميا وعالميا. ومن هنا فإن تحقيق الأمن الوطني على هذا المستوى لم يعد يتم من خلال الأساليب العسكرية وحدها، وإنما من خلال أساليب جديدة تعتمد على العلم  والمعارف المتطورة.

وفي هذا السياق أصدر اتحاد العلماء الأمريكيين بيانا جاء فيه: “إن العالم لم يعد يدار بالأسلحة بعد الآن أو الطاقة أو المال، إنه يدار بالأرقام والأصفار الصغيرة…إن هناك حربا تحدث الآن…إنها ليست لمن يملك رصاصا أكثر إنها حول من يسيطر على المعلومات، ماذا نسمع أو نرى؟ كيف نقوم بعملنا ؟ كيف نفكر ؟ إنها حرب المعلومات، وهكذا يضاف إلى مدلولات الأمن الواسعة مدلول جديد اسمه ” الأمن المعلوماتي”، يفرض على الدولة  أخذه بعين الاعتبار في هذا القرن الذي تؤدي التكنولوجيا فيه دورا أساسيا .

4– وفي مجال الأمن الخارجي كذلك تبرز قضية التدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية للدول لاعتبارات إنسانية وقد أخذ هذا النمط يتخذ شكل النزعة الإنسانية المسلحة المتجسدة في بعث جيوش متعددة الجنسية لفرض احترام حقوق الإنسان في دول مختلفة.

  • النظریات التقلیدیة والأمن القومي:

قبل الحرب العالمیة الثانیة كانت الدراسات الأمنیة من اختصاص العسكریین والاستراتجیین، ولأن الحرب العالمیة الأولى أوضحت أنھا لا یمكن أن تترك الحرب بید الجنرالات، أدى تدخل المدنیین في الحرب العالمیة الثانیة إلى تحول الدراسة في المجال الأمني والتي عرفت حسب المفكر”ماك سویني أربعة مراحل في تطورھا:

المرحلة الأول: وتبدأ بانتھاء الحرب العالمیة الأولى إلى أواسط الخمسینیات
وارتبطت بمصطلح الأمن الجماعي وكانت دراسة الأمن جزء من دراسة القانون
الدولي والمنظمات الدولیة والنظریة السیاسیة.

المرحلة الثانیة: منذ منتصف الخمسینیات بدأت مرحلة جدیدة مع تطور البحث في
علم السیاسة وأثناء الحرب الباردة تطور البحث في المقاربات العلمیة للتھدید
واستعمال القوة للدفاع عن مصلحة الدولة واستتباب الأمن. كما ظھرت مصطلحات جدیدة
كنظام الأمن والأمن الدولي تؤكد اعتماد الدول فیما بینھا.

المرحلة الثالثة: وكانت مع بدایة الثمانینیات وعرفت إعادة النظر في المقاربات
النظریة الموجودة ونجاح نظریات الاعتماد المتبادل ومقاربات السیاسة الاقتصادیة
الدولیة مع “جیلبان و”كیوھان.

المرحلة الرابعة: وھي مرحلة ما بعد الحرب الباردة، أین اتخذت الدراسات الأمنیة
أبعادا أخرى بدخولھا كل المیادین والمجالات (1).

(1) صليحة كبابي، الدراسات الأمنية بين الاتجاهين التقليدي والحديث، مجلة العلوم الانسانية، عدد 38، ديسمبر 2012، ص 233

  • النظرة الواقعية:

یرى الواقعیون في الأخطار العسكریة أھم تھدید لأمن الدولة وخاصة التھدیدات الخارجیة، وعلیھا فإن الدراسات الأمنیة حسب “والتز” یجب أن تركز على دراسة التھدید واستعمال ومراقبة القوة العسكریة، وإبقاء الأمن في نطاق دولاتي- عسكري من خلال استعمال الوسائل التقلیدیة كأضمن حل وأكثر ضمان للأمن، على ھذا الأساس یمكن تحدید مفھوم الأمن تقلیدیاً على أنه: حمایة مصالح الدولة الوطنیة والقومیة من التھدیدات الخارجیة التي تحول دون تحقیقھا باستخدام القوة كوسیلة نھائیة لاستئصال مصادر التھدید وضمان استمراریة تحقیق تلك المصالح ،
لذلك كان أمن الدولة یفھم على أنھ أمنھا العسكري فقط، وأدى إلى أن لجأت الدول الأكثر مقدرة إلى التحالفات لمواجھة الأخطار المحتملة لضمان الأمن الجماعي للدول
كدعم لفكرة الاعتماد المتبادل فیما بینھا. ورغم ما قدمتھ الواقعیة من أفكار-لا یعتبرھا كثیرون نظریة- إلا أنھا اعتبرت بعیدة عن الدراسات الأمنیة لأنھا استندت إلى مفاھیم غامضة لعدم وجود مناھج أكیدة لدراستھا، فمثلا فكرة توازن القوى كمفھوم أمني قائم على فكرة عقلانیة لم یكن واضحا، وھو كثقافة ارتكز على تحقیق الحد الأقصى للأمن بدلا من ثقافة التوازن بمرتكزاتھا الأساسیة كالدبلوماسیة والتحكیم والوساطة وكل الوسائل السلمیة.وھذا ما أدى إلى المأزق الأمني الذي حاول الواقعیون الجدد إیجاد تفسیر له وتدارك اللبس الفكري الذي وقع فیه الواقعیون
التقلیدیون (1).

(1) صليحة كبابي: مرجع سبق ذكره، ص 234.

  • الواقعیة الجدیدة/ ارتكزت على فكرة أن الفوضى ھي سمة النظام الدولي الذي تغیب فیه سلطة مركزیة قادرة على ضبط سلوك الدول، وأن ازدیاد درجات الصراع حتى في وضعیة اللاحرب، یجعل من احتمال قیام الحروب أمراً متوقعاً على الدوام، ولأن الریبة والشك تؤدي إلى فقدان الثقة، وأن وجود التعاون بین الدول أمر متوقع وقائم ولكنه محدود ومقید بمنطق التنافس الأمني المسیطر علیه والذي لا یزول مھما كان حجم التعاون، فالسلام الحقیقي والدائم في العالم مرھون بالمعضلة الأمنیة.

ھذه المنھجیة تسمح بتقدیم تعریف سلوكي للأمن أكثر من كونه تعریفاً تعاقدیاً
)الطرح الواقعي) على اعتبار أن الفرد ھو وحدة للتحلیل كذلك وأن الدولة لم تعد الموضوع المرجعي الوحید لفھم وتفسیر الظواھر الأمنیة على المستوى الإقلیمي والعالمي، والموضوع المرجعي یتغیر بتغیر القطاع الأمني قید الدراسة ویتأثر بعوامل وبمجالات خمسة،
 وعلیه نكون أمام أشكال الأمن الآتیة:

1الأمن العسكري : ویرتبط بالقدرات الھجومیة والدفاعیة للدول وكذلك القدرات التصوریة للقدرات العسكریة لدولة أخرى.

2- الأمن السیاسي:  ویتعلق بالھجوم ضد استقرار التنظیم داخل الدولة وھو
موجه ضد الحكومة وضد مؤسسات وأیدیولوجیات تعبر عنھا الدولة.

3– الأمن البیئي:  ویتعلق بالحفاظ على البیئة والطبیعة كعنصر متغیر أساسي للحیاة والتھدید، قد تكون في شكل زلازل وبراكین وفیضانات أو تلویث للبیئة…وقد یكون التھدید العسكري خطرا على القطاعات الخمس. الدراسات الأمنية بین الاتجاهین التقلید والحدیث

-4 الأمن الاقتصادي: الحصول على الموارد والمال والثروة بھدف المحافظة على الصحة كأھم مؤشر للأمن.

5 الأمن الاجتماعي: ویرتبط بالأخطار ضد الھویة الوطنیة أو الاجتماعیة
والقیمیة… وغیرھا.  كبابي

  • النظرة الليبرالية:

انطلقت اللبرالیة من فكر سیاسي كلاسیكي وبمجموعة من الأھداف العملیة والمثالیات أساسھا أن الفرد ھو وحدة التحلیل الأھم والمطلوب توفیر الحقوق له، وأن دور الدولة ھو دور جزئي في المجتمع اللبرالي، وھي تتصرف بشكل أساسي كحكم في النزاعات بین الأفراد وضمان توفیر الشروط التي یتابعون بھا الحصول على حقوقھم كاملة. فرغم وجود اختلاف بین المنظرین اللبرالیین إلا أنھم أجمعوا على أھمیة الفرد وعلى دور الدولة كوجود محدود لتحقیق الاستقرار السیاسي والاجتماعي والبیئي والاقتصادي والذي یمكن الأفراد من التفاعل والكفاح للوصول بخیاراتھم إلى النھایة، وتضمنت اللبرالیة اتجاھات فكریة أھمھا الليبرالیة البنیویة والليبرالیة المؤسساتیة.

  • الليبرالية البنيوية:

استندت إلى فكرة السلام الدیمقراطي التي ظھرت في ثمانینات القرن العشرین موضحة إن انتشار الدیمقراطیة من شأنه أن یؤدي إلى زیادة الأمن الدولي، وھي مصدر أساس للسلام. وتعود فكرة السلام الدیمقراطي إلى الأبحاث التي قام بھا كل من “سمول مالفین و”دافید سینغر” وكانت في مقال نشر لھما سنة 1976، في صحیفة القدس للعلاقات الدولیة.

فقد أشار “مايكل دویل”إلى أن التمثیل الدیمقراطي والالتزام الأیدیولوجي بحقوق الإنسان والترابط العابر للحدود الوطنیة ھي العناصر الأساسیة المفسرة لاتجاه (المیل للسلام) الذي یمیز الدول الدیمقراطیة، وأن اھتزاز الأمن مرتبط بغیاب الصفات والقیم الدیمقراطیة التي من دونھا یحل منطق القوة محل منطق التوفیق.

  • الليبرالية المؤسساتية:

وجاءت للرد على الواقعیة الجدیدة التي تزعمھا”كنیث والتز،” وظھرت في ثمانینات وأوائل القرن العشرین، ویعتمد أصحاب ھذا الطرح أن النمط الناشئ للتعاون المؤسساتي بین الدول یفتح المجال أمام فرص لم یسبق لھا مثیل في السنوات القادمة، وأن المؤسسات الدولیة تلعب دوراً في المساعدة على تحقیق التعاون والاستقرار. ویرى (كیوھان ومارتن ) بإمكان المؤسسات توفیر المعلومات وخفض تكالیف العملیات، وجعل الالتزامات أكثر موثوقیة وإقامة نقاط تركیز من أجل التنسیق والعمل على تسھیل إجراءات المعاملة بالمثل فالمؤسسات تسھم في التغلب على العداوة التقلیدیة بین الدول الأوروبیة، ولو أن الأوروبیین تأثروا بالحسابات الضیقة للقوة لما قام أو تلاشى الاتحاد الأوروبي أو الحلف الأطلسي. ومع أن المؤسسات قد لا تمنع الحروب إلا أنھا تخفف من مخاوف الغش وتلطیف المخاوف التي تنشأ أحیانا من المكاسب غیر المتكافئة الناتجة عن التعاون، وھي آلیة مھمة في تحقیق الأمن الدولي رغم استمرار القوة العسكریة في العلاقات الدولیة (الطرح الواقعي).

من أبرز الليبرالیین كذلك نجد”جوزیف ناي“الذي قدم مقاربة ا(لقوة الناعمة) كفكرة وسط بین الواقعیة والليبرالیة، الأمر الذي جعله واقعي- ليبرالي) وعرف”ناي” القوة الناعمة ” القدرة على تحقیق النتائج المرجوة من خلال الجذب والإقناع بدلا من اللجوء إلى الوسائل الإكراھیة التقلیدیة، فھي باھضة وغیر مضمونة، وبدلا منھا تستعمل تكنولوجیا المعلومة والمعرفة ھي أھم استراتجیات لضمان الأمن.    كباجي238-239.

وفي هذا السياق أصدر اتحاد العلماء الأمريكيين بياناً جاء فيه إن العالم لم يعد يدار بالأسلحة بعد الآن أو الطاقة أو المال، إنه يدار بالأرقام والأصفار الصغيرة، إن هناك حرباً تحدث الآن، إنها ليست لمن يملك رصاصاً أكثر إنها حول من يسيطر على المعلومات، ماذا نسمع أو نرى؟ كيف نقوم بعملنا ؟ كيف نفكر ؟ إنها حرب المعلومات. وهكذا يضاف إلى مدلولات الأمن الواسعة مدلول جديد اسمه ” الأمن المعلوماتي”، يفرض على الدولة  أخذه بعين الاعتبار في هذا القرن الذي تؤدي التكنولوجيا فيه دورا أساسياً . الوورد

  • المقاربات الحديثة للأمن:

لفترة طویلة ظل حجم التھدیدات ومدى المخاطر أثناء الحرب الباردة مركزاً على
الصفقات التي تضم دولا-أمما تقلیدیة والتحالفات التي تقودھا (نموذج وستفالیا) بعد
1990أصبح تحلیل المشكلات الأمنیة وحلولھا یتصدر الاھتمامات ویلقي الضوء على
فواعل أخرى داخل الدولة وخارجھا؛كحركات التمرد المجتمعات الاثنیة والإقلیمیة، الشركات متعددة الجنسیات والأطراف وغیرھا.كما تناولت البعد الدولي كالأعمال الإرھابیة الإجرامیة، واتسعت لتشمل الأبعاد الإنسانیة التنمویة ولقد حدث ھذا التحول لأسباب عدة أھمھا:

1- أن مشاكل الأمن لیست نفسھا بالنسبة للدول المتطورة أو النامیة، وبالتالي تحلیل المشاكل لا یكون بنفس الطریقة.

-2التھدید بالنسبة للدول یتطور وفقاً للتحول في العنف (إستراتیجیة غیر مباشرة أو نزاعات أو إرھاب) ووفقا للمحیط الدولي. ولھذا كان الحدیث عن الأمن الطاقوي في السبعینیات وتغیر الحدیث بعد أحداث 11سبتمبر2001.

-3 السلطات السیاسیة لم ترغب ولا ترید أن یكون تعریف الأمن ضیقاً حتى لا تتحدد قدراتھا أمام مواجھة الأخطار ضد أي مصلحة حیویة.

-4      ھذا ما أدى إلى ظھور مجموعة من الأفكار النقدیة التي ومع اختلافھا في نواحي معينة إلا أنھا اشتركت في جوانب عدة، وبالنسبة للنقدیین فالأمن ھو بناء اجتماعي ويعرفونه على أنه الانعتاق: وھو غیاب التھدیدات وتحرر الأفراد والجماعات من المشاكل المادیة والإنسانیة التي تمنعھم من القیام بخیاراتھم. فالأمن والانعتاق ھما وجھان لعملة واحدة، وأن الانعتاق ولیس القوة ھي التي تؤدي إلى الأمن الذي أصبحت الدولة عاجزة عن ضمانه، فالأمن الحقیقي حسب
“كین بوث لا یمكن تحقیقه إلا إذا تمكنت الدولة من رؤیة الآخرین لیس كوسیلة ولكن كھدف وأن الأمن الدائم لن یكون لأحد إلا إذا ضمنه الآخر. كباجي239

  • تطور الأمن القومي بعد الحرب العالمية الأولى:

ارتبط هذا المفهوم بالقوة العسكرية ومصادرها، وقد ساد هذا المفهوم العسكري للأمن القومي في ظل نظام متعدد الأقطاب ومبدأ توازن القوى، حيث كانت الحروب بين الدول القومية هو السمة الغالبة على ذلك النظام.

وبعد الحرب العالمية الأولى، بدأ الصراع الأيديولوجي بين المتحدة الأمريكية والغرب الرأسمالي من جهة، والاتحاد السوفيتي والمنظومة الإشتراكية من جهة أخرى. واستمر سباق التسلح واستقطاب الدول من قبل الطرفين حتى نشوب الحرب العالمية الثانية التي تمخضت عن تحول النظام الدولي إلى ثنائي القطبية. وقد تأثر بذلك مباشرة مفهوم الأمن القومي،
وخصوصاً حين نشأ نظام توازن الرعب النووي، إذ أدركت القوتان العظمتان (الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي)، أن نشوب حرب تم استعمال الأسلحة النووية هذا أمر مستحيل ذلك أن الحرب ستسفر عن تدمير الدولتين معا، بالإضافة إلى دول أخرى مجاورة وسقوط ملايين من الضحايا. وهذا الوضع فرض على القطبين الاتفاق على بعض القواعد التي تحكم العلاقة بينهما.

والبعض الآخر تم التوصل إلٌه ضمنا كما أوردها د.محمد السيد سليم
وفيما يلي أهم هذه القواعد:

.1أن لا يتحدى كل من الدولتين الآخر بشكل مباشر في منطقة نفوذه، حيث اعتبرت أمريكا
اللاتينية مثلاً منطقة نفوذ أمريكية وشرق أوروبا منطقة نفوذ سوفيتية، وما عدا ذلك اعتبرت باقي
مناطق العالم مناطق نفوذ مفتوحة للتنافس بين العملاقين، ولكن ضمن حدود معينة، أي أن هناك
خطوطا حمراء لا ٌسمح بتجاوزها.

  1. الالتزام المتبادل بعدم مفاجأة تالطرف الآخر وٌتحقق ذلك بواسطة نظام الاتصال، يتعرف من
    خلاله كل طرف على نوايا الطرف الآخر. وقد كانت أزمة الصوارٌخ الكوبية سنة 1962سبباً في
    الاتفاق على هذه القاعدة، حيث أن الاتحاد السوفيتي فاجأ الولايات المتحدة بنصب صواريخ في كوبا تبعد ( 95 ميلاً) عن الأراضي الأمريكية، والتزاماً بهذه القاعدة قامت الولايات المتحدة بإخطار الاتحاد السوفيتي بأنها قامت بتلغيم الموانيء الأمريكية سنة .1972وقد استفادت الدول الصغيرة والنامية من نظام ثنائي القطبية، حيث توفر لها حرية الحركة واستغلال حاجة القطبين إلى ضم دول لهما من أجل نشر قيمه ومبادئه وتوسيع دائرة نفوذه.

وبالمقابل نشبت بين القطبين حرب أشد خطورة بنتائجها من الحربين العالمية الأولى والثانية، وهي ما عرفت بـ “الحرب الباردة” وكانت تدار الحروب بالوكالة وليست بين القطبين مباشرة. وقد أدت هذه الحرب إلى سقوط الاتحاد السوفيتي وتفككه وانهيار المنظومة الاشتراكية وتحول النظام الدولي إلى أحادي القطبية، التي تربعت على قمته الولايات المتحدة الأمريكية، وتأسس في ضوء ذلك نظام دولي جديد بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. وبرز مع قيام هذا النظام ما يعرف اليوم بـالعولمة التي توصف لدى عدد من الباحثين بـ “الأمركة” ومنهم على سبٌل المثال جوناثان كٌرشنر قول: ليس من المستغرب القول بأن “العولمة” و “الأمركة هما مترادفان وأن الفصل بينهما ليس دائماً عملاً سهلاً أو واضحاً، ونتيجة لذلك فان بعضا من ردود
الفعل العنيفة ضد العولمة تعبر عن نفسها من خلال العداء لأمريكا.” وبهذا فقدت الدول الصغيرة
هامش التحرك الذي كان لديها في ظل نظام ثنائي القطبية.

ومن الطبيعي أن هذا النظام الجديد أحدث انقلاباً في المفاهيم السائدة ومنها، الأمن القومي وسيادة الدول، فبعد أن كان يغلب الطابع العسكري على الأمن الأمن، أصبح له مفهوماً شاملاً ومستويات متعددة وأهدافاً وأدوات مختلفة. وقد كان للتعريف الذي جاء به روبرت ماكنمارا، في الستينات، أثرا بالغاً في تغيير النظرة إلى مفهوم الأمن القومي، حيث ركز على البعد الاجتماعي للمفهوم ولخصه بالتنمية الشاملة علاوة على القوة العسكرية.

حتى أن طبيعة النظام الدولي انعكست على الميزانية الدفاعية للدول، فبعد انهيار الاتحاد السوفيتي، اتجهت كل الدول الأوروبية إلى تخفيض ميزانيتها الدفاعية من 35-40%،
كما انخفضت ميزانية حلف شمال الأطلسي بنسبة ٌ10%.   بيرزيت47

  • الأمن القومي بعد أحداث 11 سبتمبر 2001:

اعتمدت الولايات المتحدة الأمريكية بعد أحداث سبتمبر 2001، بناء استراتيجية عسكرية وأمنية من أجل حماية أمنها القومي، حيث أعطت هذه الأحداث الضوء الأخضر للولايات المتحدة من أجل القيام بمجموعة من التدابير، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي، حملت بين طياتها صفة رد الفعل الأمريكي على تلك الأحداث.

حيث قامت الولايات المتحدة الأمريكية بمراجعة منظومة الأمن القومي الأمريكي، لسد الثغرات التي كشفت عنها هذه الأحداث، والعمل على منعها مستقبلاً، وكانت تلك على صعيد الأمن القومي الداخلي والخارجي.

أولاً: الإجراءات على صعيد الأمن الداخلي

  1. إنشاء مكتب الأمن الداخلي.
  2. إعادة هيكلة وزارة العدل.
  3. تغيير هيكلة مكتب المباحث الفدرالية وسياسة الاستخبارات الأمريكية
  4. إصدار قوانين مكافحة الإرهاب.
  5. زيادة التخصيصات المالية لمتطلبات الأمن القومي.
  6. إنشاء مركز قومي لمكافحة الإرهاب.

ثانياً: الإجراءات على صعيد الأمن الخارجي:

  1. الإجراءات السياسية: أصدرت الولايات المتحدة مجموعة من القرارات المؤيدة لها من خلال سيطرتها على مجلس الأمن، (قرار 1368) والذي اعتبر أحداث 11 سبتمبر عدواناً مسلحاً لها، وفتح الباب لتبرير الولايات المتحدة وحقها في الدفاع عن نفسها، وإصدار قرار(1373) ويقضي بإدانة الهجمات الإرهابية، وضرورة مواجهة مخاطر الارهاب، بكل الوسائل السياسيو والعقابية وتجميد أموال المشتبه فيهم، بنشاطات إرهابية وعدم تقديم توفير المأوى للإرهابيين.

ودعت وزيرة الخارجية الأمريكية “هيلاري كلينتون” إلى تعاون مع روسيا وتحسين الشراكة مع الصين، وتمتين العلاقات مع الدول الأوروبية خصوصاً ألمانيا، فرسنا وبريطانيا.

  1. الإجراءات الإقتصادية:

استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية إجراءات لحماية أمنها القومي، ومكافحة الإرهاب باعتباره التهديد الأول لها، فعمدت إلى تقديم مساعدات مالية واقتصادية لحلفائها الموجودين، داخل المناطق الحاضنة للإرهاب مثل تركيا وإسرائيل لضمان وقوفهم معها، وتقديم المساعدات المساعدات لاأصدقائها مثل مصر والاردن، باكستان وأوزباكستان، كما أن الحملة على الارهاب منحت الولايات المتحدة مبرراً قوياً لفرض عقوبات اقتصادية على الدول التي لا ترضخ لقراراتها .

  1. التدابير الثقافية والإعلامية:

         اعتمدت الولايات المتحدة الأمريكية على الآليات الثقافية والاعلامية في مكافحة الإرهاب فهي بحاجة إلى محتوى فكري وقيمي لتبقي على هيمنتها، وعلى ما تقدمه من طروحات سياسية لدى شعوب العالم، والترويج ونشر أخبار الهدو وتشويه صورته أمام الرأي العام العالمي، لإثارة مشاعر السخد ليخول لها اتخاذ قرارات لحماية مصالحها.

  1. التدابير الأمنية:

تضمنت سياسة الدفاع والانفاق العسكري، وزيادة القواعد العسكرية الأمريكية، إضافة للحرب الاستباقية أو الوقائية وغيرها التي تحافظ بها على وتحمي أمنها الداخلي والخارجي.

  • المراجع:
  • تطور مفهوم الأمن القومي، https://revues.univ-ouargla.dz/index.php/numero-01-2009-dafatir/515-2013-05-02-10-52-41 .
  • سامي الكعبي، مفهوم الأمن القومي في ظل العولمة- دور النظام الاقليميي العربي نموذجاً 1991-2013، جامعة الشرق الأوسط، 2011.
  • صليحة كبابي، الدراساتالأمنية بين الاتجاهين التقليدي والحديث، مجلة العلوم الانسانية، عدد 38، ديسمبر2012.
  • محمد منصور، مفهوم الأمن في ظل العولمة، جامعة بيرزيت، 2012.
  • وفاء العمري، الأمن القومي وحقوق الانسان بعد أحداث 11 سبتمبر 2011- الولايات المتحدة الأمريكية نموذجاً، جامعة بانته كلية الحقوق العلوم السياسية، 2016.

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button