مفهوم الأمن بين الماضي، والحاضر والمستقبل

من أحدث تعريفات الأمن وأكثرها تداولاً، تعريف باري بوزان، أحد أبرز المختصين في الدراسات الأمنية، وهو يعرف الأمن بأنه “العمل على التحرر من التهديد”، وفي سياق النظام الدولي فهو “قدرة المجتمعات والدول على الحفاظ على كيانها المستقل، وتماسكها الوظيفي ضد قوى التغيير التي تعتبرها معادية”([1])، والأمن يمكن فقط أن يكون نسبياً ولا يمكن أن يكون مطلقاً.
لكن الجامعي الفرنسي داريو باتيستيلا يرى في تعريف بوزان تبسيطاً لمعنى تعريف آرنولد ولفرز لعام 1952، الذي نال نوعاً من الإجماع بين الدارسين، وهو يرى أن “الأمن موضوعياً يرتبط بغياب التهديدات ضد القيم المركزية وبمعنى ذاتي، فهو غياب الخوف من أن تكون تلك القيم محور هجوم” وهي تتمثل بـ” بقاء الدولة، الإستقلال الوطني، الوحدة الترابية، الرفاه الاقتصادي، الهوية الثقافية، الحريات الأساسية…”.

وللأمن مفهوم مزدوج، حيث لا يعني فقط وسيلة للتحرر من الخطر، بل يعني أيضاً وسيلة لارغامه وجعله محدوداً، وبما أن الأمن أوجده الخوف فإنه يقتضي ضرورة القيام بإجراءات مضادة للتحكم فيه، أو تحييده واحتوائه. وقد تبنت بعض الدراسات نظرة أوسع للأمن تشمل الجوانب العسكرية وغير العسكرية لاسيما تلك التي تتناول دول العالم الثالث، التي أظهرت أهمية العوامل السياسية في المسألة الأمنية والاختلافات بين الدول المتقدمة والنامية. إذ أن التهديدات لأمن الأخيرة تأتي أساساً من المناطق المحيطة بها، إن لم تأت من داخل الدولة ذاتها. وهذا نتيجة لضعف البنى الدولية وعجز في شرعية الأنظمة، مما يتسبب في مشاكل أمن داخلية للدولة والتي غالباً ما تقود إلى صراعات مع الجوار.

لقد ميز بوزان خمسة أبعاد أساسية للأمن:
– الأمن العسكري: ويخص المستويين المتفاعلين للهجوم المسلح والقدرات الدفاعية، وكذلك مدركات الدول لنوايا بعضها.
– الأمن السياسي: ويعني الاستقرار التنظيمي للدول، ونظم الحكومات والأيديولوجيات التي تستمد منها شرعيتها.
– الأمن الاقتصادي: ويخص الموارد المالية والأسواق الضرورية للحفاظ بشكل دائم على مستويات مقبولة من الرفاه وقوة الدولة.
– الأمن الاجتماعي: ويخص قدرة المجتمعات على إعادة انتاج أنماط خصوصيتها في اللغة والثقافة والهوية الوطنية والدينية والعادات والتقاليد في إطار شروط مقبولة لتطورها.
– الأمن البيئي: ويتعلق بالمحافظة على المحيط الحيوي المحلي أو الكوني كعامل أساسي تتوقف عليه كل الأنشطة الإنسانية.

وبفعل العولمة، حدثت تحولات في مفهوم الأمن والمشهد الأمني العالمي، وأبرزها تحولات القوة، التي لم تعد ترتبط ارتباطاً وثيقاً ووحيداً بالعامل العسكري. بل تعدته إلى التكنولوجيا والتعليم، والنمو الاقتصادي والاعتماد المتبادل والمعلومات. فالقوة العالمية اليوم تتأسس على مصادر هي من قبيل القوة اللينة، كما تقوم على مصادر ملموسة:

القوة الصلبة

وكما يلاحظ جوزيف ناي فإن : “القوة أقل تحولية، وأقل قهرية، وأقل ملموسية”، ذلك أن تحويل المكاسب المحققة في مجال ما نحو مجال آخر يزداد صعوبة، أما فيما يخص الأمن، فإن الأمن اللين يعني التهديدات غير المباشرة أو التهديدات غير العسكرية، مثل عدم الإستقرار، التطرف، الإرهاب، التهريب، المخدرات، الهجرة غير المشروعة، الجريمة المنظمة، بينما يقصد بالأمن الصلب: التهديدات المباشرة أي التهديدات العسكرية.

واقع الأمر أن مفهوم الأمن متنازع عليه، وقد أدت التغييرات على البيئة الأمنية المعاصرة إلى كثير من المحاولات لتعريف هذه التغييرات ووضع اطارها المفاهيمي، سياسياً ونظرياً، وتأثيراتها على الدول والمجتمعات والأفراد. وقد انضمت إلى المفهوم التقليدي للأمن مفاهيم أخرى توسع طبيعة التهديدات المحتملة (الإرهاب، الجريمة المنظمة…)، وهي تهديدات ترتبط بعوامل الخطر في المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والبيئية، وتعمّق الأهداف المهددة لتشمل الأمن العالمي والجماعات دون الوطنية والأفراد.
إن إعادة تحديد الأطر المفاهيمية للأمن، التي توسع حالة الأمن لتشمل المخاطر والتهديدات الجديدة، التي تتجاوز الهجوم العسكري، تولّد مفاهيم مثل الأمن الداخلي، الأمن الوظيفي والأمن البيئي. وتتطلب المفاهيم العميقة للأمن التي ترتبط بحماية الأفراد من التهديدات التي تستهدف أمنهم، بناء إطار اجتماعي يستطيع البشر من خلاله أن يعيشوا بحرية من الخوف والحاجة على حد سواء.

وتركز النظريات الواقعية على المشاكل الدولية، والصراعات، وتبرز رؤى الشركات العالمية العابرة للحدود والقومية، النواحي الاقتصادية والمحافظة على النظام الاقتصادي الدولي. وتركز وجهات نظر الأمن الإنساني، التي أخذت تبرز على ظروف الأفراد والعالم، كما أن بدء تحليل المخاطر يبرز طريقة متممة للتعامل مع المشاكل الأمنية للتغلب على التناقض بين الأنواع المختلفة للمفاهيم الأمنية.

2- الأمن الإنساني:
في تقرير الأمن الإنساني 2005، بيانات عن التهديدات العنفية للأفراد، وقد ميّز فريق مؤلفي التقرير، بين “العنف السياسي” و “العنف الإجرامي” وهم يعتبرون أن العنف السياسي يشمل بالإضافة إلى الصراعات المسلحة العنف الجماعي وصراع الجهات غير الحكومية والإبادة الجماعية و”القتل السياسي”.
وفي موجز الأمن الإنساني لعام 2006، أنه يتعلق بحماية الأفراد والمجتمعات من أي شكل من أشكال “العنف السياسي” وأن التعريف الملائم للأمن الإنساني يشمل كل أنواع العنف الجماعي التي تهدد حياة الأفراد والمجتمعات في صحتها ومعيشتها.

إن التحول الإنساني في السياسة الدولية، قابله توسع الإهتمامات بالأمن الوطني، فكل أنواع العنف الجماعي يمكن أن تصبح اهتماماً أمنياً إذا كان حجمها كافياً لتهديد نسيج المجتمع، وقد شددت استراتيجيات الأمن القومي الأميركي للأعوام 2002 و 2006، واستراتيجية الأمن الأوروبي لسنة 2003، على المدى الراهن لتهديدات المجتمعات العابرة للحدود القومية، مثل الإرهاب الدولي، وحصول جهات غير حكومية على أسلحة الدمار الشامل وشبكات الجريمة العابرة للحدود القومية.

الفصل الأول: نظام الأمن الجماعي
المبحث الأول: مفهوم الأمن الجماعي
الأمن الجماعي، هو ذلك النظام، الذي يهدف إلى تحقيق السلم والأمن الدوليين، عن طريق تكاتف الدول المحبة للسلام في إطار تنظيم دولي، للوقوف في وجه أي دولة تلجأ إلى انتهاك هذا السلم، أو تعمل على تهديده. واتخاذ التدابير الجماعية المؤدية إلى الحدّ من الانتهاكات، وقد عرّف فريق الخبراء الحكوميين، الذي شكله الأمين العام لإجراء دراسة شاملة لمفاهيم الأمن، تطبيقاً لقرار الجمعية العامة رقم 188 في الدورة 38 لعام 1983، مفهوم الأمن في تقريره الذي نشر عام 1986 على النحو التالي: الأمن من حيث المبدأ، هو حالة ترى فيها الدول، أنه ليس ثمة أي خطر في شن هجوم عسكري أو ممارسة ضغط سياسي أو اكراه اقتصادي بحيث تتمكن من المضي قدماً نحو العمل بحرية على تحقيق تنميتها الذاتية وتقدمها.

مقومات نظام الأمن الجماعي:
1- لقيام نظام أمن جماعي، لا بد من توافر تعهدات إيجابية من جانب الدول المعنية به، أبرزها التالي:
‌أ- حظر اللجوء إلى القوة أو التهديد بها في العلاقات الدولية، إلاّ في حالتين فقط:
– من خلال الجهاز الدولي، الذي يجب أن يكون مسؤولاً عن تنفيذ نظام الأمن الجماعي.
– حالة الدفاع عن النفس. مرهونة بتوافر شروط معينة، لا تخرج عن تلك التي نصّت عليها المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة.
‌ب- احترام الإلتزامات الناشئة عن المعاهدات المبرمة بين الدول الأعضاء.
‌ج- عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.
‌د- تسوية المنازعات الدولية بالوسائلل السلمية.

2- ضرورة توسيع نطاق العضوية – أي شرط عالمية العضوية، أو شبه العالمية. ولأن عالمية العضوية، تؤدي غالباً ِِإلى الحد من مخالفة النظام الدولي العام.
3- توافر حياد وموضوعية نظام الأمن الجماعي. فإذا أريد للأمن الجماعي أن يؤدي وظيفته بنزاهة وتجرد، يجب على الحكومات والشعوب، أن تبدي مرونة أساسية في سياستها وعواطفها. فالأمن الجماعي لا يعترف بالصداقات التقليدية، ولا بالعداوات المزمنة، ولا يسمح بتحالفات مع، وتحالفات ضد.
4- أن تكون القوة الجماعية قادرة على تحقيق الردع وعدم الإخلال بالالتزامات التي يتضمنها نظام الأمن الجماعي. أي أن نظام الأمن الجماعي يتطلب أن تكون لديه الوسائل القسرية التي يمكنه اللجوء إليها في مواجهة الدولة التي تخلّ بالإلتزامات التي يفرضها النظام. وتتمثل هذه الوسائل فيما يسمى بالجزاءات (العقوبات). وهي جزاءات متعددة المستويات على النحو التالي:
‌أ- الجزاءات غير العسكرية: ومنها الدبلوماسية، والمالية والاقتصادية.
‌ب- الجزاءات العسكرية: وهي التي تتطلب استخدام القوة العسكرية في تنفيذها.
ولكن في ضوء التطورات المتزايدة على الصعيد الدولي، وبروز عمليات التكامل والتعاون الدوليين، وازدياد نفوذ المؤسسات والشركات الدولية كفاعلين جدد على الساحة الدولية. ظهرت طروحات جديدة في النظرة للأمن الجماعي ومقوماته.
وأبرز هذه الطروحات ما تحدث عنه روبرت مكنمارا في كتابه “جوهر الأمن”، في ستينات القرن الماضي. والذي أسس لمفهوم جديد للأمن: “إن الأمن ليس هو المعدات العسكرية وإن كان يتضمنها، والأمن ليس القوة العسكرية وإن كان يشملها، والأمن ليس النشاط العسكري التقليدي وإن كان ينطوي عليه. إن الأمن هو التنمية ومن دون تنمية لا يمكن أن يوجد أمن. والدول النامية التي لا تنمو بالواقع، لا يمكن ببساطة أن تكون آمنة”.

المبحث الثاني: نظام الأمن الجماعي في نطاق عصبة الأمم
مثل عهد عصبة الأمم، قفزة كبيرة نحو التثبيت الرسمي لعناصر الأمن الجماعي. فقد تحددت صيغته كما يلي: “قامت العصبة بين دول تعاقدت فيما بينها بصورة اختيارية، بهدف تشجيع التعاون الدولي، وتحقيق السلام والأمن الدوليين، من خلال الإلتزام بعدم اللجوء إلى الحرب. على أن يكون القانون الدولي، هو قاعدة السلوك المتبعة في العلاقات بين الدول التي يجب أن تكون علنية وعادلة وشريفة.

لقد قام نظام الأمن الجماعي الذي تضمنه عهد عصبة الأمم على ثلاثة عناصر رئيسية هي:

‌أ- احترام سلامة أقاليم جميع أعضاء العصبة واستقلالها السياسي. فقد نصت المادة العاشرة منه على أن “يتعهد أعضاء العصبة، باحترام سلامة أقاليم جميع أعضاء العصبة، واستقلالها السياسي القائم، والمحافظة عليه ضد أي عدوان خارجي”. وفي حالة وقوع عدوان من هذا النوع، أو في حالة وقوع تهديد أو خطر، يبادر مجلس العصبة إلى استخدام الوسائل الكفيلة بتنفيذ التزاماته.

‌ب- تسوية النزاعات سلمياً. إذ نصّت المادة 12 من العهد على أنه “إذا نشأ نزاع من شأنه أن يؤدي إلى احتكاك دولي. يوافق الأعضاء على عرض الأمر على التحكيم، أو التسوية القضائية، أو التحقيق بواسطة المجلس. كما نصّت المادة 13 فقرة (1): أنه كلما نشأ نزاع بين أعضاء العصبة، يحال إلى التحكيم، أو التسوية القضائية، إذا لم يكن ممكناً تسويته على نحو مرض بالدبلوماسية. وتوضح الفقرة (2) من المادة 13، أنواع الخلافات التي يمكن أن تنشأ، والتي تعتبر من الخلافات الملائمة للتحكيم أو التسوية القضائية. كما توضح الفقرة (3) من المادة نفسها، أن المحكمة المختصة في مثل هذه الحالات هي: “المحكمة الدائمة للعدل الدولي” أو أية محكمة يتفق عليها أطراف النزاع.

‌ج- عدم مشروعية الحرب، إلا إذا جاءت بعد انقضاء ثلاثة شهور على صدور قرار التحكيم أو الحكم القضائي أو تقرير المجلس، في أي نزاع ينشأ ومن شأن استمراره أن يؤدي إلى احتكاك دولي. وفي المادة 16، اعتبر الحرب غير مشروعة، إذا لجأ عضو من أعضاء العصبة إليها مخالفاً تعهداته وفقاً للمواد 12 و 13و 15. فيكون قد ارتكب فعلاً من أفعال الحرب ضد جميع أعضاء العصبة. وقد نصت المادة المذكورة على العقوبات التي تفرض في هذه الحالة على العضو المخالف مثل: قطع العلاقات التجارية، والمالية، والعقوبات العسكرية.

شكل قيام عصبة الأمم خطوة حاسمة في طريق انتقال العلاقات الدولية من حالة “الطبيعة” إلى حالة “المجتمع” على حد تعبير هوبز وذلك من زوايا عديدة:
– أنها فتحت أبواب عضويتها أمام الدول كافة، واستناداً إلى قاعدة المساواة السيادية بينها، من دون تمييز بين الدول الكبرى والدول الصغرى، سواء في حقوق العضوية أو في واجباتها. وكانت تلك خطوة حاسمة على طريق الانتقال من مفهوم الأمن “أو الضمان” الجماعي باعتباره مسؤولية أو حق تقتصر ممارستها على الدول الكبرى وحدها، إلى مفهوم أكثر تطوراً ينظر إلى فكرة الأمن باعتباره مسؤولية مشتركة تقتضي تعاون الجميع.

– أنها عالجت قضية الأمن الدولي في سياق أوسع وهو سياق تنظيم المجتمع الدولي ككل. ورغم اعطاء الأولوية لقضية الأمن بشكل مباشر إلا أن العصبة لم تهمل معالجة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية وقضايا حقوق الإنسان.

– أنها حاولت وللمرة الأولى في التاريخ الحديث، تنظيم العلاقات الدولية على أسس ثابتة ودائمة، وفقاً لقواعد محددة في اطار معاهدة دولية شبه ملزمة، والانتقال إلى صيغة “العقد الاجتماعي الدولي”.

لكن تجدر الإشارة هنا إلى أن العصبة لم تتحول بالفعل إلى منظمة عالمية، إذ غلب عليها الطابع الأوروبي، فالولايات المتحدة التي أسهمت بالدور الرئيسي في صياغة عهد العصبة، لم تصبح عضواً فيها بسبب رفض الكونغرس، ولم ينضم الاتحاد السوفياتي إليها إلا في عام 1934 ثم طرد منها عام 1939. وقد انسحبت اليابان عام 1933 وكذلك ألمانيا، ثم انسحبت معظم دول أميركا اللاتينية عام 1936 وفي الوقت نفسه، لم تهتم العصبة بالمشكلة الاستعمارية، باستثناء نظام الانتداب الذي طبق على المستعمرات، وبالتالي لم يكن متاحاً أمام نصف شعوب العالم تقريباً المساهمة في نشاط أول منظمة عالمية.

ورغم الأهمية التأسيسية لعهد وميثاق عصبة الأمم. إلا أنه لم يشق طريقه إلى التنفيذ، بل ظلّ محكوماً بالتطورات والتغيرات التي حدثت في التوازنات الدولية العامة. وتحت ضغط “توازن القوى” الذي حكم ولا يزال السياسة الدولية، مترادفاً مع توازن المصالح. وهو ما حال دون تحول نظام الأمن الجماعي إلى واقع فعلي بسبب عوامل عديدة منها:
– اعطاء الأولوية للمصالح القومية للدول المنضوية تحت لواء العصبة.
– الإجحاف الذي تضمنه الصلح في باريس عام 1919 بحق الدول المهزومة.
– لم يضع مؤتمر الصلح حداً للتنافس الاستعماري بين الدول العظمى، لأنه اعترف بـ”الانتداب” وهو الذي شكل الوجه الآخر للاستعمار (غير المباشر)، مما أدى إلى الشك في مصداقية العصبة والتزاماتها الواقعية.
– عدم تمكن العصبة من التوسع عالمياً. فقد غاب عنها الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة. وانسحبت اليابان وايطاليا، مما حدّ قدرتها على حل المشكلات، وعجزت عن فرض إجراءات جماعية ضد الدول المنتهكة لأحكام عهدها.
– بروز الفاشية والنازية في كل من ايطاليا وألمانيا.
– حدة التنافس على المصالح والمستعمرات بين بريطانيا وفرنسا.

المبحث الثالث: نظام الأمن الجماعي في نطاق الأمم المتحدة
 رغم استمرار سياسة توازن القوى في التحكم بالعلاقات الدولية، وترجمته لاحقاً، في منح “حق النقض- الفيتو” للدول الخمس الكبرى في مجلس الأمن، وهيمنة سياسة الاستقطاب الدولي على العلاقات الدولية. فقد جاء ميثاق الأمم المتحدة ليلغي عصبة الأمم، وليحدد بصورة غير مسبوقة، دور المنظمات الإقليمية في حفظ السلام والأمن الدوليين. مقدماً نموذجاً جديداً في مجال الأمن الجماعي، ينطلق من فكرة الحؤول دون قيام الحرب في المستقبل. من خلال اتفاق له طابق دولي، على مجموعة من الأهداف والمبادئ، تشكل نظام الأمن الجماعي ويرتكز على دورين للأمم المتحدة.

1- دور وقائي: ويشمل:

‌أ- حظر استخدام القوة:
فقد نصّت المادة 2 فقرة 4 من ميثاق الأمم المتحدة على أن العلاقات الدولية يجب أن تقوم على أساس الامتناع:
– عن التهديد باستعمال القوة.
– عن استخدام القوة والتهديد بها ضد الاستقلال السياسي لأية دولة.
– عن استخدام القوة أو التهديد بها على أي وجه آخر لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة.

ولكن تعددت التفسيرات والاجتهادات في هذا الباب من الميثاق في اتجاهين:
– الاتجاه الأول، واعتبر أصحابه أنه إذا استخدمت القوة بصورة تتفق ومقاصد الأمم المتحدة، فإن ذلك لا يتعارض ونص المادة 2 فقرة 4، وقد اعتمدت الولايات المتحدة على هذا التفسير في ضربها العراق عام 1997 ويوغسلافيا عام 1999، بحجة أنهما لا ينفذان قرارات مجلس الأمن.

– الاتجاه الثاني، وهم أغلبية في الأمم المتحدة، فقد اعتبروا أن الحظر الوارد في ميثاق الأمم المتحدة، لا يقتصر على استخدام القوة ضد سلامة الأراضي، أو الاستقلال السياسي فحسب. بل يمتد ليشمل أيضاً كافة أشكال القوة. طالما أن في ذلك تهديداً أو خرقاً للسلم والأمن الدوليين.
وقد أكدت هذه الوجهة قرارات الأمم المتحدة، وأعمال القضاء الدولي، عبر العديد من القرارات المندّدة باستخدام القوة في العلاقات الدولية، ومن بينها الإعلان الصادر عن الجمعية العامة لعام 1970، والذي جاء فيه: “إن على جميع الدول، الامتناع عن التهديد بالقوة، أو استخدامها كوسيلة من وسائل حل المنازعات الدولية. وكذلك الفقرة الأولى من قرار مجلس الأمن 242، والقاضية بعدم الاعتراف بالاستيلاء على أراضي الغير بالقوة، ولكن اسرائيل التي قبلت نص القرار، أخرجته بتفسيرها عن مضمونه، حيث ميّزت بين الاستخدام المشروع، وغير المشروع للقوة…؟

ب- تسوية النزاعات الدولية بالطرق السلمية
لقد تطورت آلية تسوية المنازعات بالطرق السلمية، لتأخذ صيغة محددة، في الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة كجزء لا يتجزأ من نظام الأمن الجماعي.
فنظام الأمن الجماعي لا يقوم على أساس ردع العدوان فحسب، بل لديه آلية محددة لمنع نشوئه، تتمثل بالطلب من أطراف أي نزاع – من شأن استمراره أن يعرض حفظ السلام والأمن الدوليين للخطر، أن يلتمسوا حله بطريق المفاوضات والوساطة والتحكيم والتسوية القضائية، أو أن يلجأوا إلى الوكالات والتنظيمات الإقليمية (المادة 33، الفقرة 11) من ميثاق الأمم المتحدة.
وقد حدثت تطورات مهمة في هذا السياق، منها: إعلان مبادئ القانون الدولي التي تحكم العلاقات الودية بين الدول لعام 1970، وأعلان مانيلا لعام 1982، والقرار رقم 59/47 لعام 1992 الخاص بتقصي الحقائق في مجال حفظ السلام والأمن الدوليين، والقرار 47/120 لعام 1992 والذي ثبتت فيه الجمعية العامة ما جاء في تقرير الأمين العام حول “أجندة السلام”، مؤكداً فيه “أن المحافظة على السلم والأمن الدوليين، تقتضي اتباع الدبلوماسية الوقائية لصنع السلام والمحافظة عليه، ولبناء السلام بعد انتهاء النزاع”.

يشار هنا إلى “عمليات حفظ السلام”، باعتبارها تطور هام في فعالية مواجهة الأزمات المتفجرة والصراعات المسلحة. خاصة في ضوء تحكم الاستقطاب الثنائي الدولي (الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي) وحلفائهما في التوازنات الدولية، وهيمنة الحرب الباردة على العلاقات الدولية، والإسراف في استخدام حق النقض: “الفيتو” في مجلس الأمن ، والذي تحول إلى أداة من أدوات الصراع السياسي بين المعسكرين، خلافاً لوظيفته الأصلية في ميثاق الأمم المتحدة، والتي هدفت إلى تمكين الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن من ممارسة دورها الرئيسي في حفظ السلام.

ج-تدابير قمع العدوان
المهمة الجوهرية لنظام الأمن الجماعي، تتمثل في حشد قوى الدول الأعضاء في الأمم المتحدة لقمع العدوان، من خلال قرارات وتدابير جماعية، تتراوح بين تدابير مؤقتة، وأخرى عسكرية حاسمة. فعند إقرار مجلس الأمن بوجود تهديد للسلم، أو إخلال به، أو عمل من أعمال العدوان، له الحق بسلطة تقدير واسعة، أن يصدر قراراً يصف فيه المسألة المعروضة عليه، بأحد الأوصاف المتاحة في الميثاق، ويتخذ في ضوئها القرار المناسب. كما يجوز له اللجوء إلى أحكام الفصلين السادس والسابع من الميثاق.

فالمادة 42 من الميثاق تنص على أنه إذا رأى مجلس الأمن أن التدابير المنصوص عليها لا تفي بالغرض “جاز له أن يتخذ من الأعمال ما يلزم لحفظ السلام والأمن، واعادتهما إلى نصابهما”.
ولما كان القيام بعمل عسكري مباشر وفعال لحفظ السلام يفترض وجود تنظيم عسكري ملموس للأمم المتحدة، فقد نصت المواد 43 و 47 على تشكيل هذه القوة، وحددتا كيفية عملها، وتشكيل لجنة اركان الحرب، في إطار:

– تعهد جميع أعضاء الأمم المتحدة، بوضع ما يلزم من القوات المسلحة والمساعدات والتسهيلات الضرورية لحفظ السلام، بتصرف مجلس الأمن وبناء على طلبه.
– تحديد عدد القوات، وأنواعها، ومدى استعدادها وامكاناتها.
– اجراء المفاوضة على الإتفاق بالسرعة اللازمة والمصادقة عليه.
– مبادرة مجلس الأمن لوضع الخطط اللازمة لاستخدام هذه القوات العسكرية طبقاً لنص المادة 46 بمساعدة لجنة أركان الحرب، الخاضعة لسلطة المجلس عليها.

د- دور علاجي:
يدخل في إطار البعد العلاجي في نظام الأمم المتحدة للأمن الجماعي، الترتيبات اللازمة لفرض الأمن والسلم الدوليين، في حالة رفض الإنصياع للتسوية بالطرق السلمية أو حدوث عدوان أو تهديد أو اخلال بالسلم يتطلب رداً فورياً لردعه أو قمعه.

ويعتبر هذا الجانب العلاجي، أقوى ما تضمنه ميثاق الأمم المتحدة، وقد مثل نقلة بالغة الأهمية في سياق استكمال نظام حقيقي لأمن المجتمع الدولي، باعتباره وحدة متكاملة واحدة، وقد اختص به مجلس الأمن، إذ زوّده الميثاق بالصلاحيات والسلطات كافة، التي تمكنه من مواجهة الموقف، بالإضافة إلى السلطات والصلاحيات الممنوحة له بموجب الفصل السادس، فقد منحه الميثاق، بموجب الفصل السابع، سلطة تقدير وتقرير ما إذا كان الذي قد وقع يشكل تهديداً للسلم أو اخلالاً به، أو عملاً من أعمال العدوان (المادة 39)، ودعوة المتنازعين إلى الأخذ بما يراه ضرورياً من تدابير مؤقتة (المادة 40)… وقطع العلاقات الدبلوماسية (المادة 41), وأخيراً فقد أجاز له الميثاق “أن يتخذ بطريق القوات الجوية والبحرية والبرية من الأعمال ما يلزم لحفظ السلم والأمن الدوليين أو لاعادتهما إلى نصابهما” (المادة 42).

ولتمكين مجلس الأمن من استخدام القوة فعلاً ضد الخارجين على الشرعية الدولية، حرص الميثاق على أن يضع بتصرفه أداة عسكرية دائمة ومستقلة عن إرادة الدول الأعضاء، فقد نصّت المادة 43 على تعهد جميع الدول الأعضاء بأن “يضعوا تحت تصرف مجلس الأمن، بناء على طلبه وطبقاً لاتفاق أو اتفاقيات خاصة، ما يلزم من القوات المسلحة والمساعدات الضرورية لحفظ السلم والأمن الدوليين وفي خدمة ذلك. وأقر الميثاق تشكيل لجنة أركان حرب من رؤساء أركان حرب الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن لتكون “مسؤولة عن التوجيه الاستراتيجي لأية قوات مسلحة موضوعة تحت تصرف المجلس”.

وبما أنه كان من المتوقع، أن يمر الوقت قبل وضع الاتفاقيات المشار إليها في المادة (43) موضع التنفيذ، فقد حرص الميثاق على أن يكون مجلس الأمن في وضع يمكنه من استخدام القوة المسلحة خلال المرحلة الانتقالية اللازمة قبل أن يصبح الجيش الدولي المرتقب جاهزاً ومستعداً، وذلك من خلال اجراءين:
– تفويض الدول الخمس الدائمة العضوية بالقيام نيابة عن الأمم المتحدة بالأعمال اللازمة لحفظ السلم والأمن الدوليين.
– تكليف جميع الدول الأعضاء بأن يكون لديها وحدات جوية وطنية قابلة للاستخدام فوراً لأعمال القمع الدولية المشتركة.

وفي الإستنتاج، بأن ميثاق الأمم المتحدة، قد تبنّى في الواقع مفهوماً تقليدياً للسلم والأمن الدوليين، لأنه افترض أن التهديدات التي يمكن أن تعرض السلم والأمن للخطر تكمن أساساً في احتمالات استخدام القوة المسلحة لتهديد الاستقلال السياسي أو السلامة الإقليمية للدول الأعضاء.

ماذا عن الوجه الفعلي-الواقعي للأمن الجماعي في نطاق الأمم المتحدة ومجلس الأمن؟

إن النظام الدولي الذي قام خلال فترة الحرب الباردة، وحتى مطلع التسعينات، استند إلى بروز قوتين عظميين هما الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، تاركاً هامشاً ضيقاً للدول الأخرى، للعب أدوار ثانوية، أو مكملة لدور أحد القطبين، ولم تستطع الكثير من المحاولات، وأبرزها من خلال منظمة دول عدم الإنحياز أن تخترق جدار التوازن الثنائي، أو على الأقل تعديل مساراته في مصلحة السلم والإستقرار والمحافظة على ميثاق الأمم المتحدة في جوهره وغاياته الأساسية. فقد أدى توازن الرعب، واصطفاف الدول حول المحورين المذكورين إلى نزاعات متعددة في العالم، وحروب محاور نيابة عن الجبارين.

صحيح أن النظام ثنائي القطبية، وبسبب توازن الرعب النووي بين قطبيه قد أدى إلى استقرار عالمي، وجنب البشرية حرباً مدمرة. إلا أنه كبّل الأمم المتحدة، وحدّ من فعاليتها، بحيث باتت غير قادرة على ممارسة دورها المرسوم لها، إلا من خلال توافق القوى العظمى. وهذا ما عبّر عنه الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة داغ همرشولد بقوله: “لم تخلق الأمم المتحدة لتقود البشرية إلى الجنّة بل لتنقذها من الجحيم”.

والأدهى مما سبق، أنه مع بداية التسعينات، تحكمت في التوازنات الدولية وأدوار الأمم المتحدة ومجلس الأمن، قوة أحادية الجانب هي الولايات المتحدة الأميركية. مما أدى إلى تدهور الأمن والسلم الدوليين على أكثر من محور وساحة إقليمية في مختلف أرجاء العالم وتصاعد الفوضى والأعمال العسكرية في كل مكان، وسادت فوضى المعايير الأمنية والقانونية، وتداخلت وتعقدت التحالفات السياسية والعسكرية، وتفاقمت ظاهرة الإرهاب، ضاربة في قلب الدولة الأميركية العظمى.

لقد صوّر الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى، ملامح الأمن الجماعي الدولي في عصر أحادية القوة، خلال مشاركته في اجتماعات مجلس الأمن بناء على دعوة رسمية مارس/آذار 2008، لمناقشة الأزمة العراقية. حيث سلط الأضواء على وهن المواثيق الدولية، وتراجع فعالية الشرعية الدولية ومؤسساتها. ومما قاله:”من الطبيعي أن تدور مناقشات عالمية حول دور مجلس الأمن بين الذين لا يرون دوراً للمجلس في حفظ الأمن، والذين يرون أن دور التنظيم الدولي كله قد بدأ بالاضمحلال، متسائلاً، عن مصير مبادئ السيادة وسلامة الأراضي.. التي تخرق… وتهدد… وعن دور وموقف مجلس الأمن ومعاييره… وهل يقوم أو باستطاعته أن يقوم بما عهد إليه من مسؤولية رئيسية في حفظ السلم والأمن الدوليين كما قضى الميثاق؟ وهل سلم مجلس الأمن بأن القوة أصبحت مصدراً للشرعية أو بديلاً عنها؟

يمكننا القول أن نظام الأمن الجماعي الدولي، الذي رسمه ميثاق الأمم المتحدة، ارتكازاً إلى مبادئ احترام جميع الدول للقانون والشرعية الدوليين، يتعرض منذ أكثر من عقد ونصف لأخطر تحد له على الإطلاق، بتجاهل القانون والميثاق علناً، وغلبة القوة المسلحة تحت ذرائع مختلفة ومتناقضة، خارج إطار الشرعية الدولية.

إن الأمن الجماعي في العلاقات الدولية، يقضي بأن يجعل كل طرف نفسه حارساً على غيره، أي أن لجوء أي دولة إلى استخدام القوة ضد أية دولة أخرى يقاوم بالقوة الجماعية من جميع الدول الأخرى. فمفهوم الأمن الجماعي عملية واسعة تتضمن التالي:
– التخلص من مصادر الخطر المستمر في المجتمع الدولي.
– إجراء تغيير جذري في العلاقات الدولية، يتضمن إقامة علاقات نوعية جديدة في إطار المجتمع الدولي.
– وهو يرتبط بأجهزة قانونية قادرة على تحريم العدوان.
– وهو يقتضي التركيز على الأسس الإيجابية في التعامل الدولي، وليس الغطرسة والعدوان والأحادية.

منظمات الأمن الجماعي (نماذج دولية):

أ‌- منظمة معاهدة شمالي الأطلسي (حلف الناتو):
أنشئت بموجب معاهدة شمالي الأطلسي لسنة 1949، كحلف دفاعي غربي، وتحدد المادة الخامسة في المعاهدة: “إلتزام الأعضاء بالرد على أي هجوم مسلح، يتعرض له أي طرف من الأطراف في المعاهدة”.
ومن المشاكل القائمة منذ زمن طويل، هي: تردد الدول في التنازل عن الصلاحيات أو الموارد إلى الإتحاد الأوروبي. لذلك فإن استراتيجية الأمن الأوروبي ظلت ضعيفة في توليد ردود متسقة على أزمات وتحديات محددة في العالم، نظراً إلى عدم وجود تقدم في خطط الإتحاد الأوروبي لإنشاء قوة رد سريع قوامها 60 ألف عنصر، لذلك ما زال يعتمد على سياسته ودبلوماسيته اللينة في معظم الأحيان. والمثال الأحدث على ذلك، هو تقديم بلدان الإتحاد الأوروبي مساهماتها في قوات حفظ السلام في لبنان، في إطار الأمم المتحدة بدلاً من عملية للاتحاد الأوروبي. هذا فضلاً عن صعوبة تنسيق الوسائل الكفيلة بمواجهة التحديات الأمنية الداخلية (الإرهاب، الجريمة المنظمة…).

ورغم مواصلة حلف الناتو منذ بداية القرن الحالي لسياسة الابتعاد عن الدفاع عن الأراضي الأوروبية، نحو مهمات الحملات خارج المنطقة، غير أن هذا التحول لا يلقى موافقة متساوية من الأعضاء. فيما لا يزال الحلف يبحث عن استراتيجية، تنفي التهم عنه بأنه فائض عن الحاجة، إذ لا يميل أعضاؤه، بما في ذلك الولايات المتحدة، للتعامل مع آخر التحديات الأمنية التي تواجههم في الخارج، في إطار الحلف.

ويرمي التحول إلى تغيير حلف الناتو وتعزيزه، وفي أواسط عام 2006 توقع دي هوب شيفر ثلاث “سلال” من النتائج للتغيير: الأولى تشمل العمليات مثل افغانستان وكوسوفو، والثانية تشمل قضايا القدرات مثل قوة الردع التابعة للحلف. والنقل الجوي الاستراتيجي والإنفاق العسكري، والثالثة تتعلق بالتقدم السياسي بما في ذلك مسألة أطر الشراكة مع حلف الناتو.
وإلى جانب تقوية الصلات القائمة مع الإتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وبلدان القوقاز وآسيا الوسطى والخليج والبحر المتوسط، فقد اقترحت الولايات المتحدة أن ينشئ حلف الناتو “شراكة عالمية” مع البلدان الراغبة مثل أوستراليا ونيوزيلندا، وكوريا الجنوبية واليابان، والفكرة أن يضم منتدى جديد للشراكة العالمية بلداناً متماثلة العقلية وذات توجه غربي، وقادرة على المساهمة في البعثات العسكرية لحلف الناتو في كل أنحاء العالم.

وفي هذا السياق دعا السناتور الأميركي ريتشار لوغار إلى توسيع دور الحلف ليشمل حماية أمن الطاقة للدول الأعضاء، وقد لقي هذا الاقتراح ترحيباً حاراً من قبل دول أوروبا الوسطى والشرقية، إذ تشعر بأنها أكثر عرضة لاضطرابات تدفق النفط والغاز، بسبب اعتمادها الشديد على روسيا.

ب‌- النموذج الروسي، ومنظمة معاهدة الأمن الجماعي(*):

وقعت ست دول من دول الإتحاد السوفياتي السابق على معاهدة الأمن الجماعي، في 15 أيار/مايو 1992، ويعد البند المتعلق بالمساعدة المتبادلة في حال وقوع اعتداء خارجي، العنصر المركزي فيها.
وفي الذكرى العاشرة للمعاهدة في أيار/مايو 2002 اتخذت الدول المشاركة (أرمينيا، بيلاروسيا، كازاخستان، قيرغيزستان، روسيا، طاجيكستان) قراراً بشأن انطلاقة جديدة، وأصبحت الدول المؤسسة لهيكل جديد، هو منظمة معاهدة الأمن الجماعي.. ودخل نظام المنظمة الأساسي خير التنفيذ في أيلول/سبتمبر 2003.

يبدو أن مشروع هذه المنظمة، مستوحى إلى حد بعيد من تجربة “حلف الناتو” إذ يحكمها على غراره نظام مؤسسات سياسية وعسكرية. وقد اتخذت المنظمة قرار انشاء قوات الإنتشار السريع في أيار/مايو 2001، بسبب الوضع في آسيا الوسطى وأفغانستان، كما نشطت في وضع تدابير مضادة للإرهاب، واتخذت خطوات مهمة لتعزيز حضورها الدولي، إذ أصبحت عضواً مراقباً في الأمم المتحدة في كانون الأول/ديسمبر 2006.

وقد أنشأت المنظمة نظاماً موحداً للدفاع الجوي، ونظاماً مشتركاً لتحديد تهديدات ذات صلة بأسلحة بيولوجية وكيماوية، وشكلت لجنة تنسيق بين قادة قوات وأجهزة الحماية من هذه الأسلحة، ووضعت تدابير مضادة للإرهاب. ففي نيسان/ابريل 2004، أيدت إنشاء منبر إعلامي دولي مضاد للإرهاب كهيكل غير حكومي يتعامل مع الدعم الدولي في سبيل الكفاح ضد الإرهاب الدولي. وتقرر في حزيران/يونيو 2005 إعداد قائمة خاصة بمنظمة المعاهدة، تتضمن أسماء منظمات إرهابية ومتطرفة. وفي آب/اغسطس 2006 نفذت المنظمة مناورتها التدريبية، وفق سيناريو ملائم لمتطلبات مكافحة الإرهاب.

ج- منظمة شانغهاي للتعاون:
تأسست هذه المنظمة بإعلان صدر في شانغهاي في 15 حزيران/يونيو 2001 عن ست دول هي: الصين، كازاخستان، فيرغيزستان، ورسيا، طاجيكستان، أوزبكستان، وأصبحت إيران ومنغوليا وباكستان دولاً مراقبة يحق لها حضور اجتماعات عالية المستوى في المنظمة.

تتميز منظمة شانغهاي، بأنها تتضمن قوة خارجية كبيرة هي الصين، وهي تشمل واحدة من أوسع المناطق الجغرافية التي تشملها أي منظمة أخرى من الحدود البولندية إلى فلادفيوستك، ومن البحر الأبيض إلى بحر الصين الجنوبي، وتملك دولها الست الأعضاء فيها ودولها الأربع المراقبة من 17,5% من احتياطي النفط العالمي المؤكدو 47-50% من احتياطي الغاز الطبيعي المعروف، وحوالي 45% من سكان العالم.

وعلى الرغم من أن السبب الرئيسي لوجود منظمة شانغهاي للتعاون منسوب إلى المجال الأمني، فإنها لم تميز نفسها كحلف عسكري شبيه بحلف “الناتو”. ويتمثل هدف هذه المنظمة ببناء الثقة المتبادلة والاستقرار وتجنب الصراعات والرد على تهديدات غير تقليدية مثل الإرهاب، وأعمال التمرد والإنشقاق الداخلي. ولكن الاقتصاد هو المجال الرئيسي لجدارة منظمة شانغهاي للتعاون، وهنا تقود الصين الإندفاع، يحفزها اهتمامها باستغلال السوق الإقليمية لنشاطات التصدير وبتأمين امدادات جديدة من النفط والغاز، وفي عام 2003 اقترح رئيس الوزراء الصيني انشاء منطقة تجارة حرة خاصة بالمنظمة. وقد تم الإتفاق على إنشاء منطقة مؤاتية لحرية حركة المنتجات ورؤوس الأموال والتكنولوجيا، والخدمات بحلول عام 2020، وشكلت في العام 2004 أربع مجموعات عمل، تشمل التجارة الإلكترونية والجمارك وتوحيد المقاييس والاستثمار، وفي اجتماع شانغهاي للعام 2006، رفعت المنظمة والمجموعة الاقتصادية الأوراسية مذكرة تفاهم على تحسين التعاون في الطاقة والنقل بهدف تيسير التجارة البينية.

 

 تعريف مفهوم الأمن القومي وتحديد أبعاده

   كان قيام الدراسات المهتمة بالأمن القومي متوافقاً مع ظروف عالمية سياسية وعسكرية جديدة أعقبت الحرب العالمية الثانية والتوازنات والتكتلات والمحاور التي نتجت عن الحرب بين القوى الدولية، بالإضافة إلى الانتشار الكثيف للأسلحة والتطور النوعي الذي شهدته هذه الأخيرة، والذي أدى إلى تعديلات في النظام الدفاعي العالمي وثوابته التقليدية الموروثة، وفرض رؤية جديدة للأمن، وتحديداً جديداً للمجال الأمني للدول[1]. وقد تحمّل المفهوم في نشأته الغربية الأمريكية بأهداف سياسية، حيث برز كمحور للسياسات الخارجية للدول العظمى في فترة الحرب الباردة والاستقطاب الدولي.

   وعلى الرغم من أن مصطلح الأمن القومي قد شاع بعد الحرب العالمية الثانية، إلا أن جذوره تعود إلى القرن السابع عشر، وبخاصة بعد معاهدة وستفاليا عام 1648 التي أسست لولادة الدولة القومية أو الدولة – الأمة Nation – State وشكلت حقبة الحرب الباردة الإطار والمناخ اللذين تحركت فيهما محاولات صياغة مقاربات نظرية وأطر مؤسساتية وصولاً إلى استخدام تعبير “إستراتيجية الأمن القومي”، وسادت مصطلحات الحرب الباردة مثل الاحتواء والردع والتوازن والتعايش السلمي كعناوين بارزة في هذه المقاربات بهدف تحقيق الأمن والسلم وتجنب الحروب المدمرة التي شهدها النصف الأول من القرن العشرين.

   نشأت تبعاً لذلك مؤسسات أكاديمية مهتمة بمسائل الأمن القومي: مصادره، مقوماته، إجراءات ضمان حمايته، من معاهد ومراكز بحث تنتمي إلى جامعات ومؤسسات علمية وإعلامية ومجلات متخصصة وإدارات مؤسسات مرتبطة بالقرار السياسي الرسمي. ويشكل مجلس الأمن القومي في الولايات المتحدة الأمريكية النموذج الأول والأمثل لهذه المؤسسات، حيث جسّد هذا المجلس التعريف الذي طرحه والتر ليبمان عن الأمن القومي بأنه ( قدرة الدولة على تحقيق أمنها بحيث لا تضطر إلى التضحية بمصالحها المشروعة لتفادي الحرب، والقدرة على حماية تلك المصالح إذا ما اضطرت عن طريق الحرب)[2].

   وقد بدأ التشكيل التنظيمي المؤسسي لمصطلح الأمن القومي بصدور قانون الأمن القومي لعام 1947 عن الكونجرس الأمريكي، أما بقية دول العالم فقد وضعت عنواناً آخر هو “الدراسات الإستراتيجية” على الأدبيات التي عالجته بوصفها اجتهادات في التخطيط السياسي النشط حول المستقبل، بدلاً من اجتهادات تعني ضمنياً محاولة لصياغة أجوبة أو ردود فعل بقصد حماية السيادة. وكأي مصطلح أو مفهوم، فإن مفهوم الأمن القومي لا يمكن التوصل إلى تحديد دقيق له خارج نطاق المكان والزمان الذي يتحرك من خلاله، وهو يخضع دائماً للتعديل والتطوير انسجاماً مع المتغيرات والعوامل التي تؤثر في بروزه إلى مسرح التداول.[3]

   وهكذا أصبح الأمن القومي فرعاً جديداً في العلوم السياسية، حيث امتلك ثقافة وتوفرت له المادة والهدف العلمي (تحقيق الأمن) وإمكانية الخضوع لمناهج بحث علمية، بالإضافة إلى كونه حلقة وصل بين علوم عديدة، فالأمن القومي ظاهرة مركبة متعددة الأبعاد تربط في دراستها بين علوم الاجتماع والاقتصاد والعلاقات الدولية ونظم الحكم وغيرها، كما تتطلب الاستفادة من المناهج المختلفة وقدراً أكبر من التكامل المنهاجي. وقد انتقل الاهتمام بظاهرة الأمن القومي من الغرب إلى دول الجنوب. ويذكر الباحثون عدة أسباب لزيادة الاهتمام بدراسة الأمن القومي في مختلف دول العالم، بما يمكن اعتباره ظاهرة، ومن أهم تلك الأسباب:[4]

1- التوسع في مفهوم المصلحة القومية ليشمل مسألة ضمان الرفاهية بما يعنيه ذلك من تأمين لمصادر الموارد، ومن ثم برز مفهوم الأمن القومي كتعبير عن كل من الرفاهية من ناحية، ومحاولة ضمان مصادرها الخارجية من ناحية أخرى، وحماية الترتيبات الداخلية التي تدفع إلى زيادة معدل الرفاهية من ناحية ثالثة.

2- ازدياد معدل العنف وتصاعد حدة الصراعات المباشرة والتي قد تتطور إلى حروب، ومن ثم سار الاهتمام بالأمن القومي في موجات ارتبطت بتزايد الصراعات على المستويين الإقليمي والدولي.

3- ازدياد الشعور لدى دول الجنوب بنوعين من التهديدات المتصلة بأمنها القومي. فمن ناحية، تُعد الديون الخارجية المستحقة عليها تهديداً لأمنها السياسي والاقتصادي، وتحد بالضرورة من حرية اتخاذ القرارات الإستراتيجية. ومن ناحية أخرى، تخشى الدول الصغرى من احتمالات قيام الدول الكبرى بإساءة توظيف المنظمات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة ليس فقط لتحقيق مصالحها، ولكن للإضرار بمصالح الدول الصغرى وأمنها القومي.

4- تزايد الإحساس بالقلق والتوتر الداخلي والذي يمكن أن يتحول إلى مظاهر عديدة من عدم الاستقرار وعدم الأمن في الدول الصغرى، فلا تزال تلك الدول تعاني من مشكلات كبرى في عملية الإنتاج وكذلك عملية التوزيع.

5- يُثار الاهتمام بظاهرة الأمن القومي عند التحول من نظام الدولة القومية إلى نظام أوسع وأكثر شمولاً كالنظام الفيدرالي، أو التجمعات الاقتصادية الدولية.

6- يُثار موضوع الأمن القومي في حالة تفكك الدول الكبرى وخاصة الفيدرالية إلى دول قومية مستقلة ذات سيادة.

   يتم في الجزء التالي دراسة مختلف الجوانب المتعلقة بتعريف مفهوم الأمن القومي وتحديد أبعاده، وذلك من خلال دراسة عدة موضوعات، من بينها تعريف مفهوم الأمن القومي، واستعراض أهم مدارس الأمن القومي، أي النظريات والمدارس المختلفة التي تناولت دراسة الأمن القومي من زوايا مختلفة: (عسكرية، اقتصادية، مجتمعية ….الخ)، بالإضافة إلى دراسة المستويات المتعددة للأمن القومي، سواء على المستوى الداخلي أم على المستوى الخارجي (الإقليمي والعالمي)، وحدود التداخل والتشابك بين تلك المستويات.

أولاً: ضبط مصطلح الأمن القومي وخلفياته:

   يتم فيما يلي تقديم تعريف إجرائي لمفهوم الأمن القومي وذلك من خلال التعريف اللغوي والاصطلاحي للكلمتين اللتين يتكون منهما المفهوم:

1- التعريف اللغوي والاصطلاحي لمفهوم الأمن:

   الأمن في اللغة هو نقيض الخوف. والفعل الثلاثي أمِن أي حقق الأمان. قال ابن منظور: “أمنت فأنا آمن، وأمنت غيري أي ضد أخفته، فالأمن ضد الخوف، والأمانة ضد الخيانة، والإيمان ضد الكفر، والإيمان بمعنى التصديق، وضده التكذيب، فيقال آمن به قوم وكذب به قوم”.[5] وقد ورد المفهوم في القرآن الكريم بقوله تعالى: “فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف”[6].

   تتفق معظم الأدبيات التي قامت بتعريف مفهوم الأمن على أن المفهوم يشير عموماً إلى تحقيق حالة من انعدام الشعور بالخوف، وإحلال شعور الأمان ببعديه النفسي والجسدي محل الشعور بالخوف، والشعور بالأمان قيمة إنسانية كونية مرغوبة لا تقتصر على فئة اجتماعية معينة أو مرتبطة بمستوى الدخل، فالفقير مثل الغني يحتاج إلى الشعور بالأمان ويسعى إلى تحقيقه وإن اختلفت درجات المتمتع به، ونظراً لصعوبة تحقيق الأمان الكامل، فقد أصبح يُنظر للأمن على أنه مسألة نسبية مرهونة بالسعي لتعزيز أفضل الشروط لتوافره.[7]

2- التعريف اللغوي والاصطلاحي لمفهوم القومية:

   المادة اللغوية لكلمة القومية هي (ق.و.م)، والقوم يعني الرجال دون النساء، وهو لفظ جمعي لا واحد له، وربما يدخل النساء فيه على سبيل التبع، وجمع القوم أقوام. أما الفعل الثلاثي منها قام، والرباعي أقام، ومنها يأتي معني الارتباط بالمكان، والقوم هم الجماعة التي ترتبط بمكان ما وتقيم فيه. وعندما يوجد قوم من الناس في أرض واحدة ويمارس أفراده الحياة بثقافة واحدة توجد بينهم علاقات أخرى قوية تدور حول المصلحة المشتركة والتضامن والنسب، وعلاقات اجتماعية تجعلهم يداً واحدة. وتلك الروابط هي التي توجد ما يُسمى بالقومية.

   وفكرة القومية قديمة قدم الاجتماع البشري. وقد عبّر عنها ابن خلدون بفكرة العصبية. وعناصر القومية لدى أغلب مفكري القومية العرب هي الأرض المشتركة، والتاريخ، والثقافة المشتركة، والمصالح المشتركة، أما قضية تأسيس القومية أو بالأحرى بناء الدولة القومية فهي القضية محل الاختلاف، فهناك رأيان حول علاقة القومية بالدولة، الأول يرى أن الدولة تجسيد لمعنى القومية[8]. والرأي الثاني يفصل بين القومية والدولة القومية[9]. ويرجع ذلك الخلاف إلى أن القومية كيان اجتماعي تتوافر فيه المقومات الأساسية السابقة. ومن الطبيعي أن يتجه ذلك الكيان إلى إنشاء نظام سياسي يصبح وعاء له، إلا أن ذلك لم يحدث دائماً بالضرورة في كل القوميات، فهناك قومية مجزأة، أو مستوعبة بجانب أخرى في دولة واحدة، وهناك قومية بلا دولة. فالقومية تنتمي إلى طائفة من الظواهر التي تتعلق بعملية تحديد هوية أو انتماء جماعات من الناس. وتتمايز عملية تكوين الهوية أو الانتماء إلى مستويين: ذاتي وموضوعي. ويشير المستوى الذاتي إلى اللغة والتاريخ والمصالح المشتركة. ويشير المستوى الموضوعي إلى الإقليم السياسي ونظام الدولة، وعندئذ تنشأ الدولة القومية، تعبيراً عن كيان اجتماعي تجسد في وعاء سياسي هو الدولة.

3- أهم تعريفات الأمن القومي:

   على الرغم من استخدامه على نطاق واسع، فإن مفهوم “الأمن القومي” يعني أشياء مختلفة لأشخاص مختلفين. فتقليدياً كان يتم تعريف الأمن القومي على أنه الحماية من الهجوم الخارجي، وبالتالي فقد تم النظر إليه بشكل أساسي على أنه يعني دفاعات عسكرية في مواجهة تهديدات عسكرية. وقد ثبت أن هذه الرؤية ضيقة جيداً، فالأمن القومي يتضمن ما هو أكثر من تجهيز قوات مسلحة واستخدامها.

   والأكثر من ذلك، فإن مثل تلك الرؤية قد تجعل المرء يعتقد بأن أفضل طريق لزيادة الأمن هو زيادة القوة العسكرية. وعلى الرغم من أن القوة العسكرية هي مكون مهم جداً في الأمن، فإنها تُعد جانباً واحداً من جوانب الأمن. فالتاريخ ملئ في واقع الأمر بأمثلة لسباقات تسلح تسببت في إضعاف الأمن وليس في تقويته. 

   تبدأ مثل هذه السباقات عادة بقيام دولة بتقوية قوتها العسكرية لأغراض دفاعية من أجل أن تشعر أنها أكثر أمناً. ويؤدي هذا الفعل بالدول المجاورة إلى أن تشعر بأنها مهددة، وترد على ذلك بأن تزيد من قدراتها العسكرية، مما يجعل الدولة الأولى تشعر أنها أقل أمناً فيستمر السباق.

   أدى ذلك إلى بروز الحاجة إلى صياغة تعريف أوسع للأمن القومي يتضمن الأبعاد الاقتصادية والدبلوماسية والاجتماعية، بالإضافة إلى البعد العسكري. وقد قدم أرنولد ولفرز مثل هذا التعريف عندما قال: (يقيس الأمن بمعناه الموضوعي مدى غياب التهديدات الموجهة للقيم المكتسبة، ويشير بمعناه الذاتي إلى غياب الخوف من أن تتعرض تلك القيم إلى هجوم).[10]

   يوضح هذا التعريف أنه على الرغم من أن الأمن مرتبط مباشرة بالقيم، فإنه ليس قيمة في حد ذاته، وإنما موقف يسمح لدولة ما بالحفاظ على قيمها، وبالتالي فإن الأفعال التي تجعل أمة ما أكثر أمناً ولكنها تحط من قيمها لا نفع لها. ومن الصعب قياس الأمن بأي طريقة موضوعية، ولذلك فإن الأمن يصبح تقييماً مبنياً على مفاهيم لا تتعلق بالقوة والضعف، وإنما أيضاً بالقدرات والنوايا الخاصة بالتهديدات المدركة.

   ويقود عدم الثقة بشأن المستوى الحقيقي للتهديد إلى التخطيط للبديل الأسوأ بسبب النتائج القاسية للفشل الأمني، وحتى إذا كانت المفاهيم دقيقة، فإن الأمر يتحدى القياس المطلق، لأنه موقف نسبي. فالأمن يتم قياسه نسبة إلى التهديدات القائمة والمحتملة، ولأنه من غير الممكن تحقيق أمن مطلق ضد كل التهديدات المحتملة، فيجب تحديد مستويات عدم الأمن التي يمكن أن تكون مقبولة. وأخيراً، فمن المهم إدراك أن الأمن القومي ليس موقفاً جامداً يوجد في فراغ، وإنما يتم تحديده في ضوء كل من البيئتين الدولية والمحلية، وكل منهما يتغير بشكل دائم.

   يعرف تريجر وكرننبرج الأمن القومي بأنه “ذلك الجزء من سياسة الحكومة الذي يستهدف خلق الظروف المواتية لحماية القيم الحيوية”.[11] ويعرفه هنري كيسنجر بأنه يعني “أية تصرفات يسعى المجتمع – عن طريقها – إلى حفظ حقه في البقاء[12]. أما روبرت ماكنمارا فيرى أن “الأمن هو التنمية، وبدون تنمية لا يمكن أن يوجد أمن، والدول التي لا تنمو في الواقع، لا يمكن ببساطة أن تظل آمنة[13].

   ويوضح تنوع تعريفات مفهوم الأمن القومي أن هناك قدراً من التخلف النظري للمفهوم. ويذكر باري بوزان عدة أسباب لذلك التخلف، وهي[14]:

أ- الأمن القومي مفهوم معقد ومركب لدرجة يصعب معها جذب الدارسين إليه، حيث انصرفوا إلى مفاهيم أكثر مرونة، أي أنه مفهوم مثير للخلاف والاختلاف.

ب- التشابك بين الأمن القومي ومفهوم القوة، لاسيما بعد بروز المدرسة الواقعية التي رسمت فكرة التنافس من أجل القوة في العلاقات الدولية، وبحيث يُنظر للأمن على أنه مشتق من القوة وأنه أداة لتعظيمها.

ج- ظهور موجة من المثاليين ترفض المدرسة الواقعية وتطرح هدفاً بديلاً للأمن القومي وهو السلام.

د- غلبة الدراسات الإستراتيجية في مجال الأمن القومي واهتمامها بالجوانب العسكرية للأمن، وتكريسه لخدمة المتطلبات الدفاعية والحفاظ على الوضع القائم، مما أسهم في تحجيم الأفق التحليلي والبعد النظري للمفهوم.

هـ- دور رجال السياسة في تكريس غموض المفهوم، لتوفير فرصة أكبر من المناورة عليه سواء في أغراض الاستهلاك الداخلي أم الصراع الخارجي.

4- التمييز بين مفهوم الأمن القومي وبعض المفاهيم المشابهة له:

     يُعد مفهوما المصلحة القومية والإستراتيجية القومية من أكثر المفاهيم التي يتم الخلط بينها وبين مفهوم الأمن القومي ولذلك يسعى الجزء التالي من الدراسة إلى وضع حدود بين مفهوم الأمن القومي ومفهومي المصلحة القومية والإستراتيجية القومية.

 

أ – التمييز بين مفهوم الأمن القومي والمصلحة القومية:

    تُستخدم المصلحة القومية كأداة تحليلية لوصف وشرح وتقويم مصادر السياسة الخارجية للدولة،  ومدى كفاءتها. ويتم توظيف المصلحة القومية كأداة للعمل السياسي في تبرير أو استنكار أو اقتراح سياسة ما. وغالباً ما يتم الربط بين المصلحة القومية والقوة، والنظر إلى المصلحة القومية على أنها هي التي تقرر السياسة الخارجية، وذلك أن تلك السياسة يتم رسمها بهدف تعزيز المصالح القومية وليس فقط مصالح كل فرد على حدة.

   إن المصلحة القومية، وفقاً لما سبق، هي الأوضاع التي ترى الدولة في وجودها واستمرارها ما يحقق أهدافها، وهي تتضمن الحفاظ على قيم الدولة وصيانة استقلالها وكيانها وحرياتها في علاقاتها الخارجية ودعم هيمنتها الاقتصادية. وغالباً ما تستخدم الدولة هذا المفهوم في محاولتها  للتأثير على البيئة الدولية لصالحها.

   كما أن هناك من يرفض قبول مفهوم المصلحة القومية كأداة تحليلية في مجال السياسة الخارجية على أساس ضخامة المفهوم وافتقاره إلى التحديد الكلي والتصنيف الجزئي لمكوناته، بالإضافة إلى غياب الوسائل الإجرائية لتجسيد المفهوم بعد تحديده. كما أن ارتباط المفهوم بالقيم يجعله كياناً أضخم من مكوناته[15].

   وإذا انتقلنا إلى التعرف على العلاقة بين الأمن القومي والمصلحة القومية، فسنجد أن هناك اتجاهاً يستخدم كلا المفهومين كمرادف للآخر. وهناك اتجاه آخر يرى وجود علاقة تأثير متبادل بين المفهومين، فنظرية الأمن القومي لدولة ما تعكس مصلحتها القومية، وكذلك فإن تحديد المصلحة القومية للدولة ينطلق من مفهوم واضح لأمنها وما يمكن أن يشكل خطراً أو تهديداً للأمن القومي.

ب- التمييز بين مفهوم الأمن القومي والإستراتيجية القومية:

   المقصود بالإستراتيجية أساساً فن القيادة، وهي مفهوم عسكري أساساً تطور وأصبحت له مضامين سياسية واجتماعية، فصارت الإستراتيجية هي تلك العملية التي يتم فيها الصهر الكامل لكل مصادر القوة في الجسد السياسي والاقتصادي والاجتماعي للدولة من أجل تحقيق المصلحة القومية العليا، والأهداف المطلوب إنجازها في إطار فلسفة الأمن القومي.

   يصعب تحديد كيفية تشكيل الإستراتيجية القومية وتنفيذها. وتنبع المصالح القومية من التفاعل بين القيم والبيئتين المحلية والدولية. ونظرياً يجب أن تُقدم هذه المصالح القومية الأهداف لإستراتيجية قومية. وفي الممارسة هناك صعوبتان مهمتان تتسببان في إعاقة تشكيل مثل هذه السياسة:[16]

الأولى: تتمثل في أن العناصر التي تؤثر على البيئة قد تكون غير مؤكدة أو غامضة. وعلى سبيل المثال فإن طبيعة ودرجة التهديدات للقيم الواضحة قد لا تكون واضحة أو قد يتم إدراكها بشكل مختلف.

الثانية: لا يوجد ميكانيزم يمكن من خلاله وضع إستراتيجية للأمن القومي تنبع من المصالح القومية. وكنتيجة لذلك فبدلاً من أن تكون هناك خطة متكاملة تخدم لتحقيق المصالح القومية وتقود تشكيل سياسة الأمن القومي، فإن الإستراتيجية تميل إلى أن يتم تشكيلها من خلال المفاهيم والمعتقدات لصانعي القرار كل على حدة، والهياكل والعمليات لصنع قرار الأمن القومي. وتشكل هذه الهياكل والعمليات نظام الأمن القومي.  

   ويتطلب تنفيذ الإستراتيجية القومية استخدام الإمكانات القومية المتاحة تحت جميع الظروف من أجل إنتاج أقصى سيطرة ممكنة على العدو عن طريق التهديدات بهدف تحقيق مصالح الأمن القومي للدولة، فهي منظومة الأساليب والوسائل العلمية والعملية القائمة على الاستخدام الأمثل للقوى والمصادر القومية من أجل تحقيق أهداف الأمن القومي، أو أنها مجموعة الخطط والمبادئ التي تحدد الأهداف القومية للدولة في جميع المجالات في نطاق التعاون الدولي وإدارة تلك الخطط والمبادئ لتحقيق أهدافها القومية في حدود القوة المتاحة، وفي إطار المبادئ والقواعد التي تحدد طبيعة النظام الدولي المعاصر.

    ولاشك أن زيادة القوة القومية للدولة (عناصر ومكونات القوة القومية مادياً ومعنوياً) تؤدي إلى زيادة الشعور بالأمن القومي والعكس  بالعكس. وهنا نجد اختلافاً في وجهات النظر حول طبيعة العلاقات بين الدول، حيث يوجد رأي يذهب إلى أن الصراع هو النمط الرئيسي والوحيد للعلاقات بين الدول، ولابد أن تقوم سياسات واستراتيجيات الأمن القومي على افتراض مؤداه أن الأمة لا تكون آمنة إلا عندما تزيد من قوتها الذاتية إلى أقصى حد مقارنة بالدول الأخرى.

   وهناك رأي آخر يرى أن التكامل والتعاون هو أساس العلاقات بين الدول ولابد من إنقاص قوة الدولة لكي يزداد شعور الدول الأخرى بالأمن. وتنتهي مصادر التهديد فيزداد التعاون والتكامل والاعتماد المتبادل فيما بينها  فينشأ مفهوم الأمن القومي الجماعي فيما بين هذه الدول فيحقق في إطاره الأمن القومي الخاص بكل دولة.

   وهكذا تتحدد علاقة الأمن القومي بالإستراتيجية القومية في أن مفهوم الإستراتيجية القومية يشير إلى تعبئة وتوحيد موارد المجتمع ويتضمن في ثناياه عدداً من الاستراتيجيات السياسية والعسكرية والاقتصادية التي تسعى كل منها وفي مجالها إلى تحقيق الأهداف القومية، وهذه الإستراتيجيات رغم تخصصها إلا أنها تترابط فيما بينها بحكم أنها تسعى لتحقيق الأهداف ذاتها ولكن في مجالات مختلفة. وبالتالي فإن الإستراتيجية القومية تجسد مفهوم الأمن القومي بما يتضمنه من خطط ومبادئ تعكس مكوناته.[17]

  ثانياً: عناصر قوة الأمن القومي وعوامل تهديده:

   تعني عناصر القوة تلك الأسس التي تشارك في تحديد الأمن القومي للدولة وتمثل قاعدة عمل لها ويمكن تحديدها في العنصر الجيوبوليتيكي والديموجرافي والاقتصادي والسياسي والعسكري، في حين أن عوامل التهديد هي كل ما من شأنه تهديد القيم الداخلية للدولة وكيانها بفعل عوامل داخلية أو عوامل خارجية، فهي عوامل تشكل جوانب الضعف في كيان الدولة ويمكن أن تستغلها القوى المعادية لتهديد الأمن القومي للدولة. والأمن القومي للدولة ينبع أساساً من معرفتها لمصادر قوتها ونقاط ضعفها والعمل على تنمية مصادر القوة والتغلب على عوامل الضعف.

1- عناصر قوة الأمن القومي:

   تتمثل أهم عناصر قوة الأمن القومي فيما يلي:

 أ-  العنصر الجيوبولتيكي:

     يمثل هذا العنصر أهمية قصوى بالنسبة لسياسات الأمن القومي. وقد ظهرت العديد من النظريات التي حاولت الربط بين تلك الطبيعة والأمن القومي، ومن بينها:

نظرية قلب الأرض  The Heart Land   

   ملخص هذه النظرية التي وضعها ماكيندر عام 1904 أن المستقبل لقوى البَر، حيث يجعل ماكيندر من اليابس قلباً للأرض يتحكم في الأطراف، ويرى العالم القديم قارة واحدة ذات ثلاثة فصوص ملتحمة يجمع بينها البحر المتوسط وتضم ثلثي اليابس وأسماها جزيرة العالم. ويوجد لهذه الجزيرة محور ارتكاز أسماه قلب الأرض  The Heart Land  والذي يمتد في تصور ماكيندر من حوض الفولجا غرباً إلى سيبيريا شرقاً وقلب إيران جنوباً. وتبلغ مساحته 21 مليون ميل.[18]

    وعلى الطرف النقيض من قلب الأرض تعرّف ماكيندر على نطاق ساحلي محيطي يغلف الجزيرة العالمية على شكل هلال وأطلق عليه اسم الهلال الخارجي والذي يضم بريطانيا وكندا وأمريكا وجنوب أفريقيا واستراليا واليابان، وهو مهد القوة البحرية، ويتمتع بحرية الملاحة على أوسع نطاق في المحيط العالمي.

   ويضع ماكيندر نطاقاً ثالثاً بين قلب الأرض والهلال الخارجي أسماه الهلال الداخلي ويضم ألمانيا والنمسا وتركيا والهند والصين، فهو منطقة بينية بمعنى أنها برية وبحرية جزئياً. ويرى ماكيندر أن اتحاد قلب الأرض مع الهلال الداخلي معناه السيطرة العالمية، فإذا كان شرق أوروبا هو مفتاح قلب الأرض ، فإن النتيجة هي أن من يحكم شرق أوروبا يسيطر على قلب الأرض ، ومن يحكم قلب الأرض يسيطر على جزيرة العالم، ومن يحكم جزيرة العالم يسيطر على العالم.

   وقد كان ماكيندر يغير باستمرار في حدود قلب العالم ونظرته للعالم ككل. وكان ماكيندر، كجغرافي، على علم تام بأن استغلال الإنسان لمحيطه الطبيعي كان دائم التغيير وأن المحيط الطبيعي كان أيضاً يتغير، وإن كان ذلك يسير ببطء.[19]

نظرية القوة البحرية لـ ماهان:

    يرى ماهان أن المستقبل لقوى البحر وأن الدول البحرية هي المؤهلة لامتلاك القوة البحرية التي هي سبيل السيادة العالمية. وهناك العديد من العناصر التي تؤثر في القوة البحرية، من بينها الموقع الجغرافي بمعنى تعدد الجبهات في الدول التي تطل على البحار، والتكوين الطبيعي للدولة، ويقصد به خطوط الأعماق في المنطقة الساحلية، ومدى امتداد الإقليم البحري ثم حجم السكان وقدرة الدولة على بناء السفن، وأخيراً طبيعة الحكومة وسياساتها تجاه تقوية أسطولها.[20]

 

 

 نظرية النطاق الهامشي لـ سبيكمان:

   تأخذ هذه النظرية على ماكيندر تقديره الزائد لإمكانات نظرية قلب الأرض، وترى أن القوة الحقيقية تكمن في الدول التي تسيطر على ما أسماه سبيكمان بالنطاق الهامشي، ويرى سبيكمان أن التاريخ السياسي لم يكن صراعاً بين قوى البر وقوى البحر، بقدر ما كان نضالاً بين بريطانيا وقوى هامشية من ناحية ضد روسيا وقوى هامشية من ناحية أخرى، أو بين بريطانيا وروسيا معاً وقوى هامشية. وهكذا يعدل سبيكمان نبوءة ماكيندر إلى أن “من يسيطر على النطاق الهامشي يحكم أوراسيا ومن يحكم أوراسيا  يتحكم في مصير العالم”.

ب- العنصر الديموجرافي:

   يعد العنصر الديموجرافي أحد عناصر قوة الأمن القومي، حيث يلعب العنصر البشري دوراً أساسياً في الأمن القومي لأية دولة، فعدد سكان الدولة يشكل عصب القوة البشرية اللازمة للحرب وللإدارة في الأجهزة المدنية، ولكن كبر حجم السكان ليس ضماناً في كل الأحوال لامتلاك قوة عسكرية كبرى، فهناك عوامل  كيفية أخرى أهمها القدرات القتالية ونوعية التسليح والتدريب.

   كما تعتبر المناطق ذات الكثافة السكانية العالية من العوامل التي تجعلها صعبة الاختراق والسيطرة عليها، ومن ثم فإن محاولة الاحتفاظ بها تعني تجميد نسبة كبيرة من قوات الاحتلال فيها. وخلاصة القول فيما يتعلق بالعنصر البشري إن تعداد السكان يعتبر من العوامل المهمة نسبياً في تكوين قوة الدولة، خصوصاً كلما اتسع نطاق فئات العمر في التكوين السكاني للدولة، و تخلق ضخامة السكان مع توافر عوامل أخرى قوة عسكرية للدولة، كما تجعل من الصعب على أية قوة أجنبية أن تسيطر عليها، بشرط أن يرتبط ذلك بالحد الأمثل للسكان.[21]

  ج- العنصر السياسي:

      يشمل هذا العنصر كلاً من السياسة الداخلية والسياسة الخارجية والمؤسسات السياسية.

السياسة الداخلية:

      يُقصد بالسياسة الداخلية في هذا السياق كل من المكونات السياسية والديناميكية والتطور السياسي. تعني المكونات السياسية التعرف على الأفكار والاتجاهات والقيم التي تسيطر على الحياة السياسية ومدى وجود جماعات المصالح وقوتها وأوزانها النسبية، وأسلوب تنظيم الأحزاب السياسية، والأهداف المعلنة وغير المعلنة والتي يمكن استنباطها عن طريق تحليل السياسات السابقة، وأثر ذلك على أسلوب صنع القرار واتخاذه والتماسك السياسي.

    أما الديناميكية السياسية فتهتم بالتعرف على شخصية القيادة السياسية وأسلوبها ومدى سلطتها في اتخاذ القرار والقواعد المنظمة لصنع القرار واتخاذه.

      ويعني التطور السياسي التعرف على مدى إمكانات التطور، وقدرة النظام السياسي على التنسيق بين إمكانيات الوحدة الجغرافية، والمشاركة الجماهيرية والقيادة وحل المشاكل واتخاذ القرارات والتحرك الجماهيري.

السياسة الخارجية:

    السياسة الخارجية هي الأداة الأولى للدولة التي تستخدمها في الدفاع عن مصالحها العليا وفي حماية أمنها والذود عن كيانها ومعتقداتها وقيمها ونظام الحياة فيها في وجه ما قد يواجهها من أخطار وتهديدات من هذا المصدر الخارجي أو ذاك. وتتوقف فعالية السياسة الخارجية لدولة ما على الجهاز الدبلوماسي للدولة وإمكانياته، وأسلوب استخدام الدولة لمصادر قوتها والمنظمات السياسية الدولية والرأي العام الدولي وسياسات الدول الأخرى ذات المصالح الحيوية في المنطقة، وتأثير ذلك كله على قدرة الدولة على شرح أهدافها للمجتمع الدولي، وقدرة الدولة على مد نفوذها  في الخارج.[22]

المؤسسات السياسية:

     من الأمور المهمة في دراسة المؤسسات السياسية التعرف على اتجاهات القيادة السياسية وخبراتها، وحدود قدرتها في التأثير على الجماهير، ودراسة التنظيمات السياسية ومدى قدرتها على تحريك الجماهير وتعبئتها، ودور وسائل الإعلام في شرح أهداف الحكومة، وأثر ذلك كله على مدى قدرة الدولة على حشد الجماهير خلف سياساتها.

د- العنصر الاقتصادي:

   يُعد العنصر الاقتصادي أحد أهم عناصر قوة الأمن القومي. وتوجد ثلاثة أنواع من الموارد الاقتصادية التي تؤثر على مستوى الأمن القومي، وهي:

– الموارد الغذائية:

   لا توجد دولة في العالم كله تحقق اكتفاءً ذاتياً من الموارد الغذائية، فلا يوجد أمن غذائي بالكامل، ومن ثم فإن كل دول العالم تعتمد بدرجة أو بأخرى على استيراد المواد الغذائية وهو عامل له اعتباره بصدد الأمن القومي لأي دولة.

– الموارد المعدنية:

   لا توجد دولة على الإطلاق تمتلك الاكتفاء الذاتي من الموارد المعدنية. وتستحوذ موارد الطاقة على أهمية خاصة بصدد سياسة الأمن القومي، ثم تأتي الموارد الإستراتيجية في المرتبة الثانية خصوصاً في فترات الحرب.

– الموارد الصناعية:

    يُعتبر النمو الصناعي للدولة سبباً مؤثراً في قوتها. ولا يمكن لأية سياسة دفاعية كانت أم هجومية أن تكون ذات أثر فعال إذا لم تساندها  قدرة على تصنيع آلات الحرب.

   وتتنوع أساليب التوظيف السياسي لعناصر القوة الاقتصادية لدولة في مواجهة الدول الخارجية، ومن أهم تلك الأساليب: [23]

  • الأسلوب القائم على تقديم الإغراءات والحوافز الاقتصادية للدول الخارجية.
  • الأسلوب القائم على توقيع العقوبات والجزاءات الاقتصادية.

هـ- العنصر العسكري:

      يوجد عدد من المؤشرات التي يمكن الاستناد إليها كمقياس لتحديد قوة الأمن القومي من وجهة النظر العسكرية. ومن بين تلك المؤشرات: حجم وتكوين القوات، وتنظيم القوات وتسليحها، والمرونة، والخبرة القتالية، والتعبئة، والإنتاج الحربي ، والأحلاف العسكرية[24].

   أما عن الكيفية التي يمكن من خلالها أن تستخدم الدولة قوتها العسكرية كأداة محققة لأهداف أمنها القومي، فإن هذا الاستخدام يمكن أن يتمثل في أي من الصور التالية:[25]

– الاستخدام الهجومي للقوة العسكرية:

   يوفر الاستخدام الهجومي للقوة العديد من المزايا للدولة التي تلجأ إلى استخدام تلك الوسيلة، رغم ما تتعرض له من إدانة دولية واسعة بسبب عدم مشروعيتها ولا أخلاقياتها. ومن هذه المزايا أنها تمتلك وحدها زمام المبادأة في كل ما يتعلق بمكان هذا الاستخدام وزمانه، مما قد يربك خصومها. ومن مظاهر الاستخدام الهجومي للقوة العسكرية: انتهاك السيادة الإقليمية لدولة من الدول أو إهدار استقلالها السياسي، وتغيير الوضع الدولي القائم لاستحداث علاقات قوية جديدة تعمل لصالح الدولة المهاجمة، والسعي إلى تحقيق بعض المصالح الاقتصادية الحيوية على حساب الآخرين.

الاستخدام الدفاعي للقوة العسكرية:

   ومفاده أن الدولة لا تستخدم قوتها العسكرية إلا إذا اضطرتها الظروف إلى ذلك إما دفاعاً عن نفسها أو دفعاً للتهديد الذي تستشعره لمصالحها. ومن مشكلات الأسلوب الدفاعي أنه قد يفقد الدولة زمام المبادرة، وأن التخطيط الدفاعي لا يضمن للدولة دائماً الحماية الفعالة ضد القدرات الهجومية المتفوقة لأعدائها المحتملين.

استخدام القوة المسلحة كأداة للردع:

   ثمة اعتقاد بأن الردع الفعال يُعد أفضل بكثير من الاعتماد على أسلوب الدفاع مهما كانت كفاءة الدفاع وفعاليته، والسبب هو أن الردع المؤثر والفعال قد يؤدي إلى إحباط الهجوم دون أن تضطر الدولة إلى تكبد الخسائر التي تترتب على دخولها في مواجهات عسكرية فعلية ضد خصومها. ولكي يكون الردع مؤثراً وفعالاً، لابد أن يكون بحوزة الدولة الرادعة إمكانات كافية من القوة تتيح لها المقدرة على مواجهة التهديد الذي تمثله الدولة المهاجمة، وكذلك لابد وأن يتوفر لديها التصميم على استخدام الإمكانات المتاحة لها من القوة إذا ما تجاوز الاستفزاز كل طاقة لها على احتماله. وإدراك الطرف الآخر لهذه الحقيقة هو الذي يجعله يحجم عن الإقدام على هجومه الذي قد يكلفه الكثير، وينتهي به إلى خسارة محققة.[26]

 

2- عوامل تهديد الأمن القومي:

   يُقصد بعوامل تهديد الأمن القومي كل ما من شأنه تهديد القيم الداخلية وكيان الدولة وفقدان ثقة الجماهير في النظام السياسي، سواء بفعل قوى خارجية أم داخلية، وسواء تم ذلك التهديد بطريق مباشر أم غير مباشر. وعلى اعتبار أن الأمن القومي بمفهومه الشامل السابق الإشارة إليه هو ظاهرة متعددة الجوانب ولا تقتصر على الجانب العسكري، بل تتعداه إلى الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فإن إمكانية استغلال نقاط الضعف في كل هذه الجوانب كثيرة.

   تختلف الدول من حيث رؤيتها لنوع الأخطار المهددة لأمنها القومي وحدودها، وذلك باختلاف وضعية تلك الدول، فالعوامل التي تهدد الأمن القومي تختلف من دولة لأخرى، بل إن ما يحقق الأمن القومي لدولة ما قد يهدد الأمن القومي لدولة أخرى. وهناك حد أدنى يمكن أن تقبله كل دولة في نطاق تحركها الخارجي، ومن ثم فإن أي تصرف من قبل الدول الأخرى يخرج عن هذا النطاق لابد وأن يواجه من جانب الدول التي تهدد أمنها مواجهة تتناسب ودرجة التهديد، بما يقودها إلى فكرة الدوائر الأمنية التي بتهديدها يتهدد الأمن القومي للدولة. وفيما يلي استعراض لعوامل التهديد المختلفة على كل من المستويين الداخلي والخارجي:

أ- المستوى الداخلي:

   يتصل المستوى الداخلي بالتهديدات القائمة أو المحتملة داخل مجتمع ما. وقد تكون تلك التهديدات ذات طبيعة سياسية مثل عدم الاستقرار السياسي وضعف شرعية السلطة، واتجاه الحياة السياسية إلى علاقات العنف بين مكونات المجتمع، وكثرة القوى المؤثرة في صنع القرار، والتخلف السياسي، وعدم وجود مشاركة شعبية في النظام السياسي، وعدم تعميق الشعور بالولاء والانتماء السياسي، إضافة إلى وجود جماعات مصالح لها نفوذ قوي وتسيطر على عملية اتخاذ القرار، إضافة إلى ضعف نفوذ السلطة التنفيذية، وإهدار كرامة القضاء وهيبته، وعدم وضوح الأهداف وتعارضها[27].

   أما بالنسبة لعوامل التهديد الداخلية ذات الطبيعة العسكرية، فمن أهمها ضعف القوة العسكرية للدولة، كما يعد الاعتماد على دولة واحدة كمصدر للسلاح والمعدات وقطع الغيار من أهم عوامل التهديد، كما أن الطبيعة الاجتماعية داخل بنية الجيش، وخلفياته الاجتماعية يمكن أن تُستغل لإيجاد الفرقة والصراع والحرب الأهلية بين قطاعات الجيش. ويزيد من تلك المخاطر وجود ميليشيات عسكرية لا تخضع لسيطرة جهاز الدولة. وهناك مؤشرات يمكن عن طريقها قياس عوامل التهديد العسكرية، منها تدخل القوات المسلحة في السياسة، ومدى وجود قوات شبه عسكرية غير خاضعة لسيطرة الدولة، وعدم كفاية الإنتاج الحربي لسد حاجة القوات المسلحة من الأسلحة والمعدات وقطع الغيار، إضافة إلى انخفاض المستوى العلمي والصحي للأفراد، وانخفاض المستوى التكنولوجي للأسلحة والمعدات، ويزيد على ذلك وجود قواعد عسكرية أجنبية على أرض الدولة ولا تخضع لرقابتها، وعدم قدرة الدولة على التعبئة السريعة لإمكاناتها العسكرية والمدنية.

   وتوجد عوامل تهديد داخلية للأمن القومي ذات طبيعة اقتصادية، حيث يعتبر التخلف الاقتصادي والوضع المنهار اقتصادياً من أهم تلك العوامل. ويمكن قياس عوامل التهديد الداخلية ذات الطبيعة الاقتصادية بدرجة الفقر وانخفاض مستوى المعيشة، ووجود فوارق كبيرة في الدخل بين الطبقات وارتفاع نسبة البطالة، إضافة إلى عدم توافر المواد الأولية والطاقة اللازمة للصناعة، وضعف الإنتاج الصناعي والزراعي والحيواني وعدم كفايته لتلبية احتياجات الجماهير، وعدم وجود اكتفاء ذاتي في المواد الغذائية والإستراتيجية، وضعف مستوى الخدمات والمرافق والبنية الأساسية للدولة، والاعتماد على الشركات متعددة الجنسيات وعلى البنوك الأجنبية، وارتفاع معدلات الاستهلاك مقابل انخفاض معدلات الادخار والاستثمار.

   أما بالنسبة لعوامل التهديد ذات الطبيعة الاجتماعية على المستوى الداخلي، فيمكن القول إن الجبهة الداخلية تعد من الأمور الحاسمة لصد أية تدخلات خارجية، وأصبحت الجماهير العادية تؤثر بشكل مباشر، ليس فقط على السياسة الداخلية، بل على السياسة الخارجية للدولة. ولهذا فإن إمكانيات الدعاية والحرب النفسية للتأثير على هذه الجماهير ممكنة وتقود إلى نتائج وخيمة، حيث يمكن لدولة ما أن تستغل الوضع في دولة أخرى تتقاسمها طوائف متصارعة ومتعددة. وقد كانت مشكلة حماية الأقليات والتدخل الخارجي لحمايتها من أهم ذرائع الاستعمار. وبالتالي فإن تلك العوامل يمكن قياسها من خلال إثارة النعرات الطائفية والقبلية والدينية ودرجة وجود خلل في التركيب الاجتماعي وانخفاض مستوى التعليم والصحة والإدارة والانضباط أو وجود خلل بين السكان والنمو الاقتصادي.

ب- المستوى الخارجي:

   وفيه يمكن التمييز بين مستويين فرعيين:[28]

– مستوى إقليمي:

   يتصل بمجال العلاقة بين الدولة “أو الدول” وبين محيطها الجغرافي أو الإقليمي أي مجال ما يعرف بـ “النظام الإقليمي”، وما يدخل تحت هذا الإطار من علاقات التهديد أو التعايش أو التعاون، وأحكام ذلك كله.

ب- مستوى عالمي:

   يتصل بمجال العلاقة بين الدولة وبين المحيط العالمي، وخاصة القوى الدولية الكبرى المتحكمة فيه، وما يدخل تحت ذلك الإطار أيضاً من علاقات التبعية أو الاستقلال أو التحالفات، وما يتبعها من أوضاع ونتائج.

   توجد مؤشرات متعددة لعوامل التهديد الخارجية، من بينها:

عوامل تهديد ذات طبيعة سياسية:

   من أهم عوامل التهديد ذات الطبيعة السياسية فصل الدولة أو تجميد عضويتها في المنظمات السياسية الدولية وقطع العلاقات الدبلوماسية مع دول ذات أهمية دولية وفرض العقوبات الرادعة على الدولة ووجود أحلاف وتكتلات تتعارض ومصلحة الدولة، على أن أخطر المؤشرات هي عمليات التجسس وهي عبارة عن محاولات للحصول بطريقة سرية أو بوسائل التزييف على معلومات حكومية ما لصالح حكومة أخرى. وبعبارة أخرى هي تلك الجهود التي تضطلع بها أجهزة مخابرات الدولة، بهدف التفتيش السري على جهود الدولة الأخرى للتأكد من حقيقة قوتها، وتحركها وخططها المستقبلية.

   وقد اتسعت مجالات الجاسوسية إلى كل من: الجاسوسية العسكرية، والتي تتركز حول معرفة القدرات العسكرية للدولة، وما تقتضيه من محاولة الحصول على معلومات عن طريق التنظيم والتدريب والتسليح والنظريات الإستراتيجية التكتيكية للقيادات، والجاسوسية السياسية التي تهدف إلى التعرف على النوايا الخفية للقادة السياسيين وطبيعة القوى الداخلية ومدى الصراع بينها، والجاسوسية الاقتصادية التي تهدف لمعرفة القدرات المالية والإنتاجية للدولة وقدراتها الصناعية ومراكز الإنتاج الاقتصادي المؤثرة، وجاسوسية علمية تهدف إلى توضيح المستوى العلمي للدولة ومعرفة أنواع الأبحاث الإنتاجية وأهدافها.[29]

 

عوامل تهديد ذات طبيعة عسكرية:

   أما بالنسبة لعوامل التهديد للأمن القومي ذات الطبيعة العسكرية فتتمثل في الهجوم المسلح أو حشد القوات المسلحة على الحدود أو القيام بمناورات وتدريبات عسكرية على الحدود في أوقات التوتر أو امتلاك دولة مجاورة لقوات مسلحة متفوقة في الأسلحة ذات الطابع الهجومي، أو إذا دخلت دولة مجاورة في حلف عسكري لا تتفق أهدافه ومصالحه مع أهداف الدولة ومصالحها، أو إذا وجدت قواعد عسكرية لدولة كبرى على أراضي دولة مجاورة أو تم فرض حظر على الإمداد بالأسلحة والمعدات وقطع الغيار. ولا شك أن أخطر تلك التهديدات هو الهجوم المسلح، والذي استمر كأحد أدوات تحقيق السياسة الخارجية للدولة وأحد عوامل تهديد الأمن القومي للدول المجاورة. ومن ثم فالعدوان العسكري هو ظاهرة مستمرة، الأمر الذي يتوجب على الدول أخذه في الحسبان وقياس القدرات العسكرية الأمنية والقدرات المستقبلية التي تتحدد على أساسها قدرة الدولة على حماية أمنها القومي.

عوامل تهديد ذات طبيعة اقتصادية:

   أما بالنسبة لعوامل التهديد ذات الطبيعة الاقتصادية، فتوجد عدة مؤشرات لقياس التهديدات الاقتصادية أهمها: فرض حصار اقتصادي على الدولة أو مقاطعتها، والتكتلات الاقتصادية التي تتعارض مع مصالح الدولة إضافة إلى إيقاف المساعدات الاقتصادية.

عوامل تهديد ذات طبيعة اجتماعية:

   أما بالنسبة لعوامل التهديد ذات الطبيعة الاجتماعية فتتمثل في تصدير إيديولوجيات لا تتفق وقيم المجتمع ومبادئه، واستخدام الحرب النفسية عن طريق الإذاعات المضادة.

ثالثاً: خصائص مفهوم الأمن القومي:

   استناداً إلى التحليل السابق، يمكن القول إن هناك عدة خصائص تميز مفهوم الأمن القومي تتمثل في:

1- الأمن القومي هو خلاصة التفاعل بين عوامل داخلية وإقليمية ودولية:

   تتعلق العوامل الداخلية بحماية المجتمع من التهديدات الداخلية المدعومة بقوى خارجية وبشرط أن تكون أهداف النظام السياسي معبرة عن القيم الحقيقية للشعب، وأن تسمح المؤسسات السياسية بتوفير قنوات المشاركة. والعوامل الإقليمية هي الخاصة بعلاقات الدولة مع الدول المجاورة لها في الإقليم أو المنطقة الجغرافية. والعوامل الدولية بمعنى أبعاد علاقات الدولة في المحيط الدولي وطبيعة تحالفاتها الدولية وطبيعة علاقاتها بالقوى العظمى.[30]

2- الأمن القومي له جانبان:

– جانب موضوعي يمكن تحديد مكوناته وعناصره والتعبير عنها كمياً.

– جانب معنوي يتعلق بالروح المعنوية ومدى ارتباط الشعب بالنظام السياسي، وأي دراسة متكاملة لابد وأن تأخذ كلا الجانبين في الاعتبار.

3- الأمن القومي ظاهرة ديناميكية حركية:

   يتسم الأمن القومي كظاهرة بالحركة والتغيير، فهو ليس مرحلة تصلها الدولة وتستقر عندها، فلا يمكن اعتبار الأمن حقيقة ثابتة تحققها الدولة مرة واحدة وإلى الأبد، فلا يمكن لأي دولة أن تتوقف عند مجموعة من الإجراءات والأعمال ترى أنها حققت من خلالها أمنها القومي، بل هي تتابع باستمرار ما يدور فيها وبينها وحولها إقليمياً ودولياً لتعدل من أوضاعها وتحركاتها، وتطور من قوتها لتحافظ على درجة الأمن التي ترغب في تحقيقها، أي أنه إذا كان الأمن القومي يعرف مجموعة من الثوابت فإن هناك أيضاً العديد من المتغيرات التي تكسب الأمن القومي خاصية الديناميكية.[31]

4- الأمن القومي حقيقة نسبية وليست مطلقة:

   لم يذكر التاريخ دولة تمكنت من السيطرة على مقدرات العالم، وأحكمت سيطرتها عليه، ومن ثم حققت لنفسها الأمن المطلق، وهذا يعود لسبب واحد وهو أن الأمن المطلق لدولة ما يعني التهديد المطلق لأمن كل الدول المجاورة، بل حتى الدول التي اختارت طريق الحياد لا تعيش في أمن مطلق، بل يمكن تهديد أمنها بفعل القوى ذاتها التي حافظت على حياد تلك الدول. ويكون سعي الدول لزيادة هامش أمنها دافعاً للأطراف الأخرى لسد الفجوة، أو تعويض النقص، وبالتالي تدخل كل الأطراف في تسابق أمني هائل ليس له سوى نتيجة واحدة وهي الإخلال بالأمن. ومن ثم فإن ما تسعى إليه كل الدول عادة هو تحقيق الأمن القومي النسبي لها آخذة في الاعتبار أمن الدول المجاورة، أو تلك التي تدخل معها في علاقات وثيقة، كما أن مفهوم الأمن القومي نسبي من الناحية الإيديولوجية، فتغير نظام الحكم في دولة ما بشكل أساسي، أو تغير الإيديولوجية التي تأخذ بها النخبة الحاكمة، كلها تطرح تأثيراتها على مفهوم الأمن القومي.

 

 

رابعاً: النظريات الأساسية في العلاقات الدولية فيما يخص القضايا الأمنية:

   انطلاقاً من نسبية الأمن القومي، على المستوى النظري كمفهوم، وعلى المستوى العملي كإطار استراتيجي، تعددت المدارس والاتجاهات في تحليل ماهية الأمن القومي، أبعاده ومؤشراته. وبرغم عدم وجود تصنيف حاسم لكتابات الأمن القومي، إلا أن هناك ثلاث نظريات أو مدارس أساسية للتفكير في العلاقات الدولية فيما يخص القضايا الأمنية لكل منها رؤى متعارضة وهي: النظرية الواقعية، والنظرية الليبرالية، والنظرية الثورية. وفيما يلي عرض لأهم مقولات تلك النظريات:

 1- النظرية الواقعية:

   تركز النظرية الواقعية على البعد الإستراتيجي. ووفقاً لها فإن الدولة هي الفاعل الدولي الرئيسي، إن لم يكن الوحيد، أما النظام الدولي فيتسم بالفوضويةAnarchy  لغياب سلطة دولية مركزية آمرة، ولذلك تتولى الدول فرادي أمر أمنها، وتدافع عن مصالحها وذلك من خلال استحواذ القوة Power واستخدامها.[32]

   ووفقاً لهذه النظرية الواقعية فإن الأمن هو أمن الدولة State Security ، أي ينصرف إلى التكامل الإقليمي والتماسك الاجتماعي والاستقرار السياسي للدولة، وهو بذلك يجب أمن الفرد والجماعة ويحتويه. ويزدهر هذا المفهوم للأمن في ظل مناخ وعلاقات الصراع والتوتر والحرب، ولذلك فقد ازدهر في أعقاب الحرب العالمية الثانية بعدما ظهر من انقسام دولي وبداية الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي. وبرز الاهتمام بسياسات الأمن Security Policies ، أكثر من الاهتمام بمفهوم الأمن  Concept of Security ، وانعكس ذلك في الولايات المتحدة الأمريكية في إنشاء مجلس الأمن القومي الأمريكي National Security Council  ، ليلعب دور المنسق بين استراتيجيات الدولة. ومنذ ذلك الحين انتشر استخدام مفهوم الأمن القومي بمستوياته المختلفة حسب طبيعة الظروف المحلية والإقليمية والدولية.

   وقد أدت الحرب الباردة إلى تحمل مفهوم الأمن القومي بأهداف الاستقطاب ومظاهره النفسية والإيديولوجية في الصراع بين الشيوعية والرأسمالية، حيث اهتم أنصار هذا الاتجاه بالحفاظ على النمط الرأسمالي والنظام الليبرالي في مواجهة الاشتراكية الصاعدة في الكتلة الشرقية، منذ خروج الاتحاد السوفييتي كقوة عظمى عقب الحرب العالمية الثانية مقابل تدهور مركز الزعامة الغربية التقليدية في بريطانيا وفرنسا.

   كان من المنطقي في مواجهة ما سمي بالمد الشيوعي أن توظف دراسات الأمن القومي وهي غربية النشأة لصالح خدمة الأهداف الغربية الأمريكية في الصراع الدولي مع الشرق الاشتراكي. وهكذا أصبح الأمن القومي يكمن في الحفاظ على الليبرالية ومحاربة الشيوعية، الأمر الذي ظهر في سياسات التطويق والاحتواء والردع والاستقطاب وحافة الهاوية.

   اعتبرت النظرية الواقعية أن القوة العسكرية هي الدرع الذي يحمي الوطن والردع الذي يصد العدوان والذراع القوية التي تتجسد فيها هيبة الدولة، حيث كانت العلاقات الدولية محكومة بالتوازنات العسكرية، وكان خيار الحرب على الصعيد التكتيكي أو الإستراتيجي ما يزال قائماً. وبذلك أقامت هذه المدرسة علاقة ترابط بين الأمن والقدرة العسكرية[33].

   وتتمثل أهم عناصر مفهوم الأمن القومي لدى النظرية الواقعية فيما يلي:

– أن مفهوم الأمن يرتبط بالقدرة العسكرية للدولة، كما يرتبط بمفهومي الردع  Deterrence  والقوة  Power.

– أن التهديدات التي تواجه الدولة ذات طابع عسكري بالأساس ومصدرها خارجي.

– أن مسئولية تحقيق الأمن تتولاها الجيوش وأجهزة المخابرات التابعة للدولة.

   ومن أنصار المفهوم العسكري للأمن القومي في الأدبيات العربية د. حامد ربيع الذي يرفض إطلاق مفهوم فضفاض على كلمة الأمن القومي، فالاصطلاح في رأيه يتجه أساساً إلى تلك الحماية الذاتية المرتبطة بحدود الدولة وأوضاعها الإستراتيجية والجيوبوليتيكية، وبالتالي فالأمن القومي وفقاً له هو “تلك المجموعة من القواعد الحركية التي يجب على الدولة أن تحافظ على احترامها وأن تفرض على الدول المتعاملة معها مراعاتها لتستطيع أن تضمن لنفسها نوعاً من الحماية الذاتية الوقائية الإقليمية[34].

 

 

 

الانتقادات التي توجه للنظرية الواقعية:

– تضع هذه النظرية الأمن القومي كقيمة عليا، مما يتطلب تحويل الموارد القومية وتخصيصها في أغراض الدفاع، ويرفع من نفقة الفرصة البديلة لهذه الموارد على حساب التنمية. وقد يقود ذلك أيضاً إلى نموذج الدولة البوليسية.

– تزداد تلك المعضلة خطورة وتعقداً في الدولة النامية، والتي لا تتمتع بدرجة عالية من درجات الإجماع والاندماج والتكامل القومي، فهناك تحديات مجتمعية وليست عسكرية.

– اقتصار مفهوم الأمن على الأبعاد الخارجية خاصة التهديدات العسكرية من جانب دول منافسة، وإهمال الأبعاد الداخلية للمفهوم.

– نمو القوة العسكرية لدولة ما لا يؤدى إلى تعزيز أمنها القومي، بل ربما يؤدي إلى تقويضه، لأن الخصم سيعتبر ذلك تهديداً له، مما يحفزه على أن يقوم هو الآخر بزيادة الإنفاق العسكري.

2- النظرية الثورية:

   يسعى أنصار النظرية الثورية إلى تغيير النظام وليس إلى مجرد إصلاحه، ويرون أن التغيير واجب لأن النظام يعاني من حالة ظلم واضح، ومن هنا فمن الضروري القيام بتغيير سريع وثوري. وقد وجدت هذه الرؤية صدى كبيراً في دراسة علاقات الشمال والجنوب والتنمية في عالم الجنوب، وذلك بسبب الفقر المدقع الذي تعانيه أغلبية شعوب العالم.

   وتعلي النظريات الثورية من شأن قيمة العدالة، وترى الحرب كمحصلة للاستغلال الاقتصادي من دول الشمال لدول الجنوب، وترى التغيير في هذه العلاقات الاقتصادية مفتاحاً لحل مشكلة الحرب.[35]

 

3- النظرية الليبرالية:

   ترفض النظرية الليبرالية فروض النظرية الواقعية، فالدولة لدى الليبراليين ليست الفاعل الوحيد في علاقات الأمن الدولية، كما أن الدولة تتألف من عديد من المؤسسات والجماعات التي قد تتباين مصالحها وتدخل في مساومات للوصول إلى اتفاق عام حول تلك المصالح. وبالتالي فإن مفهوم الأمن لدى النظرية الليبرالية لا يقتصر على البعد العسكري، بل يتعداه إلى أبعاد اقتصادية وثقافية واجتماعية ذات أهمية.

   وتركز هذه النظرية على حرية المعاملات والفوائد المتبادلة التي يمكن للمجتمعات أن تجنيها من وراء الاعتماد المتبادل.

   وقد ظهرت روافد متعددة للنظرية الليبرالية من بينها:[36]

  • المدرسة الاقتصادية:

      أوضحت الحربان العالميتان أن القوة الاقتصادية تقع في قلب قدرة الدولة على ولوج الحرب وحماية أمنها القومي عموماً لتزايد الاهتمام بالظاهرة الاقتصادية (ظاهرة الندرة)، مما انعكس في تعبيرات مثل السلع الإستراتيجية والأمن الغذائي، واهتمامات تجميع وتصنيف الثروات القومية وكيفية تخصيصها بين القطاعات العسكرية وغير العسكرية. وبرز السؤال المهم: ما هو الجزء المتطلب من الموارد لحماية القيم الداخلية من التهديد الخارجي وتلك القيم هي الأساس والغاية بالنسبة للأمن القومي؟. وأكد أنصار المدرسة الاقتصادية على أن الأمن الحقيقي يعتمد على استقرار وازدهار الاقتصاد القومي والعالمي.

  تشكل المصالح القومية في تلك المدرسة العمود الفقري لمفهوم الأمن القومي. وهذا التيار يُسمى الأمن القومي المصلحي، بل إن هناك من يرى أن هدف الدولة من الأمن القومي هو تحسين قوتها النسبية، الاقتصادية والعسكرية والسياسية.

   وتتمثل أهم افتراضات المدرسة الاقتصادية حول الأمن القومي فيما يلي:

– معالجة قضايا الأمن القومي من منظور التكلفة- العائد فهي لا تحبذ زيادة الإنفاق العسكري باعتباره يهدد الأمن الاقتصادي.

– الاهتمام بتأمين الموارد الاقتصادية الإستراتيجية واقتصاديات الحرب.

– ويعتبر روبرت ماكنمارا أبرز رواد تلك المدرسة، حيث جعل من التنمية مرادفاً للأمن، ورأى أن هناك علاقة مباشرة بين درجة الاستقرار وبين الوضع الاقتصادي للدول. فإذا كانت القوة العسكرية توفر النظام، فلابد علاوة على ذلك من توفير القاعدة الصلبة للقانون والنظام في المجتمع النامي حتى تصبح درعاً تتحقق وراءه التنمية، وهي الحقيقة الأساسية للأمن. وكلما تقدمت التنمية ترسخ الأمن، فالأمن والتنمية وجهان لعملة واحدة.[37]

   وقد وُجهت عدة انتقادات للمدرسة الاقتصادية، من بينها:

– تنطلق المدرسة من فكرة الرفاهية الاقتصادية، مما يشكك في مصداقيتها بالنسبة للجنوب الفقير من العالم، حيث ينصب الاهتمام أساساً على إشباع الحاجات الأساسية Basic Needs

– وبالنسبة لاقتصاديات الحرب أو الوظائف الاقتصادية الإيجابية للحرب فهي غير متحققة في العالم النامي حيث تواجه الدول النامية معضلة المفاضلة بين الخبز والمدفع.

– ارتبطت جذور المدرسة الاقتصادية بالنظم الرأسمالية الصناعية في الغرب الأوروبي والولايات المتحدة أساساً، الأمر الذي يثير الحفيظة من جراء الأخذ بمفاهيمها مباشرة في العالم النامي خشية تفضيل التنمية الاقتصادية على الاعتبارات الإستراتيجية في نسق الأولويات.

ب- الليبرالية الجديدة:

   يرى أنصار هذا الاتجاه أن التعاون بين الدول يمكن أن ينشأ من خلال بناء معايير ومؤسسات وأنظمة Regimes، ومن هنا نشأ مفهوم الأمن الجماعي الذي يعني اتفاق عدد من الدول على الرد الجماعي على أي عدوان تقوم به إحدى الدول المشاركة في النظام.

ج- التيار النسوي:

   يركز هذا التيار على الفروق بين الرجل والمرأة في النظر إلى قضايا الأمن الدولي، ويرى أن حدوث زيادة ملحوظة في المشاركة النسوية يمكن أن تغير من طبيعة النظام الدولي بجعله أكثر أمناً.

د- مدرسة دراسات السلام:

   تقر المدرسة بانحيازها الإيديولوجي إلى السلام باعتباره شيئا طيباً، أما الحرب فهي شئ ردئ،  وترى المدرسة أن العسكرية Militarism في عديد من الثقافات تسهم في ميل الدول للجوء إلى استخدام القوة Force في المساومة الدولية.

   وقد أدى ظهور تلك المدرسة إلى توسيع نطاق دراسات الأمن لتشمل العوامل الاجتماعية والاقتصادية التي تجاهلتها المدرسة الواقعية. كما أنها أسهمت كذلك في وضع النظرية موضع التطبيق من خلال مشاركة جماعات السلام وحركاته في العملية السياسية.

   وإذا كان السلام لدى المدرسة الواقعية سلبياً، ويعني غياب الحرب، فإن السلام الإيجابي لدى مدرسة دراسات السلام يتجاوز ذلك الموقف إلى البحث في الظلم والفقر باعتبارهما من شروط قيام العنف، ومن ثم فإن العنف، بمعنى نبذ القوة، يمكن أن يكون أداة فعالة للتأثير خاصة لدى الشعوب الفقيرة أو المقهورة “حركة المقاومة المدنية بقيادة المهاتما غاندي في الهند”.[38]

   وقد تم توجيه عدد من الانتقادات إلى النظرية الليبرالية، من أهمها:

– تنطلق المدرسة من فكرة الرفاهية الاقتصادية، مما يشكك في مصداقيتها بالنسبة للجنوب الفقير من العالم، حيث ينصب الاهتمام على إشباع الاحتياجات الأساسية Basic Needs.

– بالنسبة لاقتصادات الحرب أو الوظائف الاقتصادية الإيجابية للحرب، فهي غير متحققة في الدول النامية التي تواجه معضلة المفاضلة بين الخبز والمدفع.

– تجعل النظرية من الأمن القومي مفهوما طارئاً وليس تعبيراً عن عملية تطورية طويلة الأجل، ومن ثم فهو يتأرجح بين الصعود تارة والهبوط تارة أخرى تبعاً لإدراك صانعي القرار للوقائع الصراعية، ولذلك عيوب خطيرة ليس أقلها أهمية تعطيل تطور الأمن القومي إلى حقل علمي متكامل له أدواته المستقلة، وهكذا تأرجح الأمن القومي ما بين حقلي العلاقات الدولية والشئون الدفاعية.

– الأمن القومي طبقاً لهذه النظرية المصدرة للعالم الثالث أمن دولة أكثر منه أمن مجتمع.

توسيع مفهوم الأمن القومي في إطار النظرية الليبرالية:

   أدت نهاية الحرب الباردة إلى زيادة المطالبة بتوسيع مفهوم الأمن القومي. والاقتراب الجديد الذي تبنته النظرية الليبرالية ينتقد المفهوم التقليدي للأمن الذي يركز على التحديات الخارجية خاصة التهديدات العسكرية من الدول المنافسة، ويرى أن مصدر التهديدات الأمنية المعاصرة ينبع من الداخل أساساً، كالمشاكل المتعلقة بشرعية النخب والنظم السياسية، والمشاكل المتعلقة بشرعية الدولة وحدودها من جانب الانفصاليين أو الوحدويين. كما يري أنصار هذا الاقتراب أن التهديد الأمني الأساسي قد ينبع من النظام الحاكم ذاته إذا قام بانتهاك حقوق الإنسان، وفرّق بين المواطنين على أساس العرق أو العنصر أو النوع.

   تعتمد هذه الانتقادات على الدراسات المتعلقة بمفهوم الأمن القومي في العالم الثالث، والتي أظهرت أن معظم الحروب في الأعوام الأخيرة كان مصدرها محلياً وليس دولياً، وحتى التدخلات الخارجية لم تتم من خلال جيوش تعبر الحدود الوطنية، وإنما بواسطة ميليشيات ومنظمات فدائية أو جماعات انفصالية أو إرهابية تجد مأوى لها في دول مجاورة. وبالتالي يتبنى المنتقدون مفهوماً أكثر شمولاً للأمن ويعرفونه “بالأمن الإنساني” حتى يكون قادراً على مواجهة التهديدات المتنوعة، بما فيها التهديدات الناجمة عن تلوث البيئة والأمراض وسوء التغذية.. الخ. وقد ركزت التعريفات الجديدة للأمن القومي على تقديم رؤية شاملة متعددة الأبعاد للمفهوم، وذلك من خلال التركيز على خمسة أبعاد رئيسية للمفهوم وهي الأبعاد العسكرية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية. [39]

   يعتبر الداعون إلى توسيع مفهوم الأمن القومي أن المشاكل غير العسكرية هي مصدر الصراعات العسكرية، كما أن المشاكل غير العسكرية هي التي تهم معظم الناس في الدول المتقدمة والدول النامية على حد سواء. ففي الدول المتقدمة يهتم الناس بمشاكل من قبيل: انخفاض الأجور، الهجرة غير الشرعية، اللاجئين، تهريب المخدرات…الخ. أما في الدول النامية فيعانى الناس من مشكلات اقتصادية خطيرة تهدد مستوى معيشتهم بل وبقاءهم ذاته بسبب النقص في الاحتياجات الأساسية كالغذاء والصحة والإسكان. ويرى الداعون إلى توسيع مفهوم الأمن القومي أن تلبية تلك الاحتياجات الأساسية تعد من الأمور الحيوية للأمن القومي.

   يضيف هؤلاء أن الإنفاق العسكري يأتي على حساب النمو الاقتصادي والإنفاق على الحاجات الإنسانية، ولذلك ينبغي إيجاد حلول مدنية غير عسكرية للمشاكل الأمنية من بينها التحول الديمقراطي، وبناء الدولة، وتنمية المجتمع المدني، والنمو الاقتصادي، والاعتماد المتبادل. أما المسئولية عن الأمن فلا ينبغي في رأيهم أن تكون مسئولية الدولة القومية، وإنما تقع على عاتق المؤسسات الدولية ونظام الأمن الجماعي. أما بالنسبة للقيم المحورية للمفهوم الجديد فلا تشمل القيم التي كان المفهوم التقليدي يركز عليها مثل الاستقلال القومي والتكامل الإقليمي والسيادة وقدسية الحدود، وإنما تتضمن حقوق الإنسان وتوفير احتياجاته الأساسية والرخاء الاقتصادي وحماية البيئة.

   وقد أطلقت عدة مسميات على ذلك الاتجاه الحديث الذي يدعو إلى توسيع مفهوم الأمن القومي، ومن بينها: المدرسة المجتمعية، الاتجاه الشمولي/ الكلي في التحليل، المدرسة الحديثة، المدرسة الإجرائية، تحليل النسق، المدرسة التنموية. ومن بين التعريفات التي تأخذ بالاتجاه الكلي أو التكاملي في تعريف الأمن القومي في الأدبيات العربية تعريف د.علي الدين هلال الذي يرى أن “الأمن القومي هو تأمين كيان الدولة أو عدد من الدول من الأخطار التي تهددها في الداخل ومن الخارج، وتأمين مصالحها الحيوية، وخلق الأوضاع الملائمة لتحقيق أهدافها وغاياتها القومية والتي تتمثل في الاستقرار السياسي والتماسك الاجتماعي والتنمية الشاملة”[40]، وتعريف اللواء/ عدلي سعيد للأمن القومي بأنه: “تأمين الدولة من الداخل، ودفع التهديد الخارجي عنها بما يكفل لشعبها حياة مستقرة توفر لها استغلال أقصى طاقاتها للنهوض والتقدم”[41]

   لا يحصر هذا الاتجاه النظر في بعد أو آخر من أبعاد ظاهرة الأمن القومي، وإنما يتسع ليشملها كلها في منطق تحليلي يقبل التعديل والتطوير حسب الظروف المجتمعية محل البحث. فهو من ناحية يتفق مع نسبية مفهوم الأمن وأبعاده، ويواكب التطور العصري والمنهاجي في الدراسة، كما أنه قادر على استيعاب المتغيرات الجديدة في ظاهرة الأمن القومي من ناحية أخرى، إذ أن كتاب هذا الاتجاه ينطلقون من افتراض مؤداه أن الأمن ظاهرة مجتمعية Societal تتفاعل في تحريكها عوامل سياسية واقتصادية واجتماعية وعسكرية داخلية وخارجية. ومن شأن تلك الظاهرة المركبة أن تتسم بقدر كبير من النسبية، فباختلاف قدر وثقل عامل على آخر في لحظة ما تختلف تركيبة ظاهرة الأمن، كما تختلف منظومة سياسة الأمن الناتجة عنها.

   ويرى أنصار هذه المدرسة أن تهديدات الأمن القومي لا تنحصر في الجوانب العسكرية، فهناك عوامل داخلية يمكن استغلالها لتهديد الأمن القومي لدولة ما، وأهمها:

– الجانب السياسي، حيث إن عدم الاستقرار السياسي وتصارع الثقافات والإيديولوجية السياسية، أي غياب درجة مناسبة من الإجماع القومي، يُعتبر من أهم العوامل التي تهدد الأمن والاستقرار، خاصة إذا كان البنيان الاجتماعي يعضد هذا الانقسام وتلك التناقضات.

– الجانب المؤسسي الذي يشير إلى قدرة الدولة على التدخل والحركة، فالتخلف السياسي يعني مؤسسات غير قادرة على ربط القمة بالقاعدة في الجماعة السياسية. ويمثل ذلك جانب ضعف قابل للاختراق الخارجي، حيث أصبحت القاعدة الاجتماعية والجبهة الداخلية عموماً من الأهداف المباشرة لتهديد الأمن القومي.

– الجانب الاقتصادي، فالتخلف الاقتصادي من العوامل التي تهدد الأمن القومي، فالتبعية الاقتصادية قد تؤدي إلى تبعية سياسية.

– الجانب الاجتماعي، ويمثل عصب الجبهة الداخلية لأي دولة، حيث أصبحت الجماهير تؤثر بشكل مباشر على السياسات الداخلية والخارجية، وأصبحت هدف الحرب النفسية والدعائية.

   مفهوم الأمن القومي لدى المدرسة المجتمعية إذن هو مفهوم مجتمعي يتعلق بالمجتمع بكافة جوانبه، كما أنه مفهوم متعدد الجوانب والأبعاد، وتتطلب دراسته منهاجية متعددة المسالك والأدوات البحثية، كما تتطلب الاستفادة من مقولات وأدوات وإسهامات مختلف العلوم الاجتماعية كالاقتصاد والاجتماع والسياسة وعلم الإنسان، إلى جانب العلوم العسكرية وعلم العلاقات الدولية، علاوة على ذلك فالأمن القومي ظاهرة حركية Dynamic  وهو عملية Process وليس حالة سكونية يصل إليها المجتمع ويقف عندها، وهو محصلة التوازن الذي يقف على حجم هذه التفاعلات وحدتها ونوعها.

   ويحدد أنصار فكرة شمولية المفهوم المجتمعي للأمن القومي الضوابط التالية لتأكيد فكرتهم:[42]

  • أن أمن أي دولة هو خلاصة التفاعل بين عوامل داخلية وإقليمية ودولية أيضاً.

– أن مفهوم الأمن القومي له جانبان: موضوعي يمكن تحديد مكوناته والتعبير عنها كمياً مثل حجم التسليح والقدرة الاقتصادية، وآخر نفسي يشير إلى أمور مثل الروح المعنوية. وأي دراسة متكاملة للأمن ينبغي أن تدخل كلا الجانبين في الاعتبار.

– أن الأمن القومي ظاهرة ديناميكية وليست استاتيكية جامدة، ولهذا ينبغي تحليل ظاهرة الأمن في إطار التوازن الحركي النسبي.

– أن الأمن القومي حقيقة نسبية وليست مطلقة، أو أن له جانبين: الأول مستمر وهو مرتبط بالحقائق الجغرافية أو الاجتماعية، والثاني متغير نسبي وهو مرتبط بالإيديولوجية أو العقيدة السياسية للدولة، والتي تفرض مصالح واهتمامات وغايات للسياسة الخارجية تتطلب تحقيقها والدفاع عنها.

– أن نظريات الأمن القومي تختلف حول كيفية تحقيق أمن الدولة، وتتراوح بين موقفين رئيسيين: الأمن من خلال الصراع، والأمن من خلال التعاون الدولي. فالنظريات الأولى تنطلق من مفهوم القوة وتناقض المصالح القومية، والنظريات الثانية لا ترى حتمية تناقض الأهداف بين الدول، وهي الأساس النظري لمفاهيم الأمن الجماعي والحد من التسلح.

– أن مفهوم الأمن القومي ذو طبيعة مجتمعية شاملة، تدخل في تكوينها اعتبارات متعددة منها الداخلي والخارجي

   يتضح مما سبق أن المفهوم التقليدي للأمن يركز على العوامل الخارجية خاصة العسكرية التي تؤثر على الأمن، ويغفل العوامل الداخلية التي يمكن استخدامها لتهديد الأمن القومي لدولة ما سواء كانت سياسية أم اقتصادية أم مؤسسية أم اجتماعية. وفي الوقت ذاته فإن الداعين لتوسيع مفهوم الأمن القومي يتجاهلون ما تبقى من صراعات مسلحة عقب انتهاء الحرب الباردة، كما أنهم يقوضون الترابط المنطقي لمفهوم الأمن القومي بتوسيعه إلى ما لا نهاية.

   ولذلك يفضل الباحث أن يستمر إدخال الصراعات المسلحة والعنف في نطاق دراسات الأمن القومي مع عدم قصر تلك الدراسات على البعد العسكري، وإنما يجب أن يتم توسيع مفهوم الأمن القومي حتى يشمل الأبعاد المختلفة (الخارجية والداخلية، العسكرية وغير العسكرية) لمفهوم الأمن، مع عدم المبالغة في توسيع مفهوم الأمن القومي إلى ما لا نهاية، وإنما يجب أن يتم ذلك التوسيع وفق منطق تحليلي يقبل التعديل والتطوير حسب الظروف المجتمعية محل البحث، مما يتفق مع نسبية مفهوم الأمن وأبعاده، ويواكب التطور العصري والمنهاجي في الدراسة، ويمكن من استيعاب المتغيرات الجديدة في ظاهرة الأمن القومي.

   وبناء على ما سبق، يأخذ الباحث في هذه الدراسة بالمفهوم الشامل للأمن القومي كما تم توسيعه في إطار النظرية الليبرالية، بما يسمح بأن يتم الأخذ في الاعتبار الأبعاد الداخلية للمفهوم، مع مراعاة عدم المبالغة في توسيع المفهوم. ووفقاً لما سبق يمكن تقديم التعريف الإجرائي التالي للأمن القومي: “ينطوي الأمن القومي لأي دولة على السعي الدءوب لتحقيق الأمن النفسي والجسدي لمواطنيها، عبر استخدام جميع عناصر ومصادر القوة المتنوعة التي تمتلكها للحيلولة دون تعرضها لمخاطر خارجية أو داخلية تهدد وجودها وحياة مواطنيها ونمط معيشتها، والعمل المستمر على تنمية قدرات الدولة وإمكاناتها على كافة المستويات”.

 

  تعريف الأزمة وتحديد أهم سماتها

أولاً: مفهوم الأزمة في اللغة والاصطلاح:

1- مفهوم الأزمة في اللغة:  

   كلمة أزمة ليست حديثة العهد، فقد عُرفت الكلمة منذ العهد الإغريقي في القرن الرابع قبل الميلاد، بمعنى نقطة التحول الحرجة في حياة المريض، واستخدمها العرب كذلك بنفس المعنى. وفي القرن السادس عشر شاع استخدام هذا المصطلح في المعاجم الطبية، وتم اقتباسه في القرن السابع عشر للدلالة على ظهور مشكلات اجتماعية خطيرة أو لحظات تحول فاصلة في تطور العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتم استعمال المصطلح بعد ذلك في مختلف فروع العلوم الإنسانية وبات يعني مجموعة الظروف والأحداث المفاجئة التي تنطوي على تهديد واضح للوضع الراهن المستقر في طبيعة الأشياء.[79]

   تفيد كلمة الأزمة في اللغة العربية معنى الضيق والشدة، يقال أزَمَت عليهم السنة أي: اشتد قحطها، وتأزَم أي أصابته الأزمة. وكلمة أزمة باللغة الإنجليزية هي Asthma وتعني نفس المفهوم الطبي. وعلى الرغم من أن أدبيات بحوث السلام استخدمت كلمة Crisis إلا أن المعنى الطبي هو الغالب في التسمية من ناحية المضمون لا من ناحية الاسم.[80]ويعرف معجم ويبستر Webster الأزمة بأنها “نقطة تحول إلى الأفضل أو الأسوأ، وهي لحظة حاسمة، أو وقت عصيب، أي وضع وصل إلى مرحلة حرجة”.

2- مفهوم الأزمة اصطلاحاً:

   توجد تعريفات متعددة للأزمة في الأدبيات العربية، فيذهب أحد تلك التعريفات إلى أن الأزمة هي “خلل يؤثر تأثيراً مادياً على النظام كله، ويهدد الافتراضات الرئيسية التي يقوم عليها النظام”[81]، ويذهب تعريف آخر للأزمة بأنها (حدث مفاجئ “غير متوقع” يؤدي إلى صعوبة التعامل معه، ومن ثم ضرورة البحث عن وسائل وطرق لإدارته بشكل يحد من آثاره السلبية).[82]

ثانياً: تعريف الأزمة السياسية وتحديد أهم سماتها:  

   تعني الأزمة السياسية في أوسع معانيها “موقفاً مفاجئاً يُهدد بتحول جذري في الوضع القائم بسبب المفاجأة وضيق الوقت المتاح لاتخاذ القرار، والتهديد القائم للمصالح الحيوية”. وبهذا المعنى تحدث الأزمة للفرد، كما تحدث للجماعة والدول.[83]

   وتتسم الأزمة بعدة سمات، من بينها:[84]

1- أنها نقطة تحول جوهري في تطور الأحداث الجارية.

2- موقف يتطلب عملاً عاجلاً، يستدعي التدخل الفوري لمنع تدهور الأمور.

3- موقف يهدد أولويات النظام القائم، أو يهدد النظام في وجوده.

4- من المتوقع أن تقود إلى نتائج مهمة ذات آثار محورية على أطرافها.

5- وجود أحداث محورية تفرز مجموعة نتائج جديدة تماماً.

6- تشكل موقفاً عصيباً يتزايد فيه الغموض بشأن طبيعة الموقف المطروح والبدائل المتاحة.

7- عدم القدرة على التحكم في الأحداث أو في نتائجها.

8- الإحساس بالأهمية القصوى لما يجري Urgency)) مما يشكل ضغطاً على الأطراف المسئولين عن إدارتها.

9- قلة المعلومات الصحيحة المتاحة (وبالذات في الدول المتخلفة حيث لا توجد برامج محاكاة الأزمات: منع الأزمة والتحذير من وقوعها وإدارة الأزمات)، أو برامج الإنذار المبكر للأزمات.

10- الضغوط المفروضة بسبب ضيق الوقت.

11- ارتفاع حدة التوتر بين أطراف الأزمة.

ثالثاً: مدارس دراسة الأزمة:

   نظراً لتعدد تعريفات الأزمة بتعدد الباحثين، فقد جرت محاولات لتجميع تلك التعريفات في مجموعات فكرية معينة، من أهمها مدرسة النظم، مدرسة صنع القرار، مدرسة بحوث السلام. وترتبط تلك المدارس ببعضها البعض، ولكنها تتميز من حيث التركيز على حيز معين. وعلى سبيل المثال تركز مدرسة النسق ومن أنصارها كينيث بولدنج وأوران يونج وكورال بيل وتشارلز ماكليلاند على أن الأزمة الدولية هي نقطة تطور في نظام دولي ما عام أو فرعي، وأنها تزيد من احتمالات الحرب واللجوء إلى استخدام القوة العسكرية بدرجة تُهدد باختلال وظيفي للوضع القائم.[85]

   أما مدرسة صنع القرار فقد اهتمت بتحديد خصائص موقف الأزمة كالمفاجأة والتهديد وقصر الوقت المتاح، كما ركزت على الأزمة من خلال اتخاذ القرار. ومن أهم رواد مدرسة صنع القرار هيرمان كان وجيمس روبنسون وأنتوني فينر وتشارلز هيرمان ومارجريت هيرمان ورايموند كوهين.

   وقد اتخذت مدرسة بحوث السلام اتجاهاً توفيقياً يجمع بين بعض عناصر تعريف الأزمة كما جاءت في مدرستي النظم وصنع القرار.

   وقد عرّف جيمس روبنسون وتشارلز هيرمان ومارجريت هيرمان الأزمة بأنها “موقف أو حدث يشكل تهديداً لشئ موضع اهتمام طرف آخر بدرجة كبيرة”. وقد قسموا الأزمة إلى نوعين هما:[86]

1- الأزمة الشديدة The Most Loaded Crisis

   يكون الفعل فيها مفاجئاً وغير متوقع ويتضمن درجة عالية من التهديد للأهداف ويتوجب على صانع القرار الرد الفوري.

2- الأزمة الأقل شدة The Least Crisis

           تشبه الموقف الروتيني حيث الفعل متوقع من قبل صانع القرار، ويتضمن درجة أقل من التهديد في إطار وقت قراري متسع.

   ومجمل تركيز هذه المدرسة أن الأزمة الدولية نابعة من موقف يتسبب في حدوث تغيير في البيئة الخارجية أو الداخلية التي تؤثر على القرار السياسي من ثلاث زوايا رئيسية:

أ- وجود تهديد لقيم وأهداف ومصالح أطراف الأزمة.

ب- محدودية الوقت المتاح لاتخاذ القرار.

ج- وجود عنصر المفاجأة، بحيث يفاجئ تصاعد الأحداث صانع القرار ومتخذه على حين غرة.

  حاول رواد هذه المدرسة قدر طاقتهم إيجاد اجتهادات خاصة نحو تدقيق اتخاذ القرار وقت الأزمة فيما يتعلق بعناصر التهديد، وضيق الوقت والمفاجأة من خلال عدة وسائل منها توفير المعلومات من خلال برامج المحاكاة Simulation Program والتحذير من الأزمة Crisis Warning . وعلى الرغم من التشابه بين مدرسة النظم ومدرسة صنع القرار في دراسة الأزمة، إلا أن مدارس صنع القرار تركز على مواقف معينة في أوقات معينة وتدرس حالات محددة في أزمات أنظمة الحكم المقارنة.

رابعاً: إدارة الأزمة:

   تعني إدارة الأزمة التعامل مع عناصر موقف الأزمة باستخدام مزيج من أدوات المساومة الضاغطة والتوفيقية، بما يحقق أهداف الدولة ويحافظ على مصالحها الوطنية، وهي أيضاً عبارة عن محاولة لتطبيق مجموعة من الإجراءات والقواعد والأسس المبتكرة، تتجاوز الأشكال التنظيمية المألوفة وأساليب الإدارة الروتينية المتعارف عليها، وذلك بهدف السيطرة على الأزمة والتحكم فيها وتوجيهها وفقاً لمصلحة الدولة. وبالتالي فإن إدارة الأزمة Crisis Management تعني معالجتها على نحو يمكن من تحقيق أكبر قدر ممكن من الأهداف المنشودة والنتائج الجيدة.

   ومن بين التعريفات التي قدمت لمفهوم إدارة الأزمة أنها نظام يُستخدم للتعامل مع الأزمة، من أجل تجنب وقوعها، والتخطيط للحالات التي يصعب تجنبها، بهدف التحكم في النتائج، والحد من الآثار السلبية”، وبالتالي فلابد أن تشتمل على خطوات لتقليل مخاطر حدوث الأزمة. وتختلف إدارة الأزمة بالمعاني السابقة عن مفهوم “الإدارة بالأزمة” Provocation of Crisis والذي يعبر عن “آلية تقوم على خلق الأزمة وإثارتها والإعداد المسبق لها والتخطيط المبكر لوقوعها بهدف تحقيق مصالح محددة، وهي قدرة لا تتوفر إلا لعدد محدود من الدول والمنظمات التي تمتلك من القوة والوسائل ما يمكنها من خلق الأزمة وإدارتها بما يحقق أهدافها.[87]

   كانت أزمة الصواريخ الكوبية بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق عام 1962 نقطة التحول المركزية نحو تحويل إدارة الأزمة إلى حقل علمي مستقل، وبالتالي بحوث السلام. وقد أدرك الجميع، ومن بينهم وزير الدفاع الأمريكي الأسبق روبرت مكنمارا أنه من الآن فصاعداً لم يعد هناك ما يُسمى بالإستراتيجية بل إدارة الأزمة. ومنذ ذلك الحين، صارت ألفاظ وأدبيات إدارة الأزمة وإدارة الصراع هي اللغة السائدة في العلاقات الدولية.

  حددت أدبيات دراسة الأزمة الدولية بعض العوامل التي تُعتبر مصادر للأزمات الدولية، ومن بينها العوامل الاقتصادية، النزعة العسكرية، أنظمة الأحلاف، إلا أن أحد الدارسين وجد من تحليله لسبع حالات دراسية تتمثل في الحربين العالميتين الأولى والثانية، وحرب 1967 بين العرب وإسرائيل، وأزمة فيتنام، وأزمتي الخليج الأولى والثانية أنه لم يكن لأي من العوامل السابقة دور في اندلاع تلك الأزمات، وأن شخصيات القادة والبيئة النفسية لهم كانت أكثر حسماً.[88]

 

خامساً: تأثير أزمة 11 سبتمبر 2001 على دراسة الأزمة الدولية:

   بدت أزمة 11 سبتمبر 2001 لأول وهلة أزمة داخلية، إلا أنها مثلت في واقع الأمر نقطة تحول جذرية نحو نظام دولي جديد، سعت الولايات المتحدة إلى تكريسه منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، ويتمثل في العمل على بقاء الوضع الفريد للولايات المتحدة كقوة عظمى وحيدة، حيث استغلت الإدارة الأمريكية أحداث 11 سبتمبر وحولتها إلى أزمة طاحنة تمسك بخناق النظام الدولي، وتم تصعيد الأزمة إلى حربين ضد أفغانستان والعراق في إطار الحرب الشاملة على “الإرهاب” التي شنتها الولايات المتحدة في أعقاب أحداث 11 سبتمبر 2001م.

   كانت أزمة 11 سبتمبر 2001 أيضاً عاملاً مهماً في تكريس العديد من المتغيرات ذات التأثير على الأزمة الدولية، والتي أدت إلى تغير النظرة إلى دراسة الأزمة الدولية في الشكل والمضمون والمنهج. ومن أهم تلك المتغيرات ذات الصلة بموضوع الدراسة:[89]

1- الانفرادية في اتخاذ القرار في الأزمة الدولية Unilateralism :

   اعتبرت الولايات المتحدة وحلفاؤها لأول مرة منذ حرب الخليج الثانية أن الشرعية الدولية لم تعد تسعفها في إدارة الأزمة العراقية، وهو ما مثّل نقلة نوعية في العلاقات الدولية وفي التنظيم الدولي عموماً, وكانت دراسات كثيرة عن الأزمة الدولية قد تنبأت بمثل هذه الانفرادية في اتخاذ القرار الدولي، لتنفيذ السلام الأمريكي على العالم من خلال وسائل الاستعمار القديم كروما وبريطانيا، وذلك من خلال السير في عدد من الاتجاهات بهدف السيطرة على العالم في فترة ما بعد الحرب الباردة، وخصوصاً بعد هجمات 11 سبتمبر 2001. وتعرضت تلك الأفكار لانتقادات من جانب معارضي هذا التوجه من خلال تصويره بأنه يسعى إلى تكريس الانفرادية والتوجه العسكري والرئاسة الاستعمارية، في ظل الافتقاد إلى رؤية موضوعية للأمور.

 

 

2- استمرار أحادية القطبية Polarity:

   المعنى المقصود بالقطبية Polarity هو تأثير الدولة المسيطرة على النظام الكوني على الأزمة الدولية، أي العلاقات الارتباطية القائمة بين عدد القوى الكبرى والعظمى في مركز صنع القرار في النظام الدولي عند انفجار الأزمة وإدارتها.

3-صعود السلام الأمريكي Pax Americana

   وهو ما يعكس الرؤية الأمريكية لسلام العالم وبالتالي للأزمة الدولية، كما حدث في السلام الروماني والسلام البريطاني من قبل، فالعديد من الأزمات التي نشبت في أعقاب الحرب الباردة تمت بتخطيط أمريكي سواء في البداية أم في النهاية أم في إدارة الأزمة، وكلها تمت وفق المفهوم الأمريكي لسلام العالم، ومن هنا كان تدخل الولايات المتحدة كطرف ثالث في أزمات العالم يستهدف أساساً إنجاز المصالح الأمريكية.

   وسواء أكانت الولايات المتحدة تستخدم الإدارة بالأزمات أم إدارة الأزمة الدولية، فالأرجح أنها ستظل لسنوات قادمة تطبع الأزمات الدولية بطابعها القومي (ما هو في صالح الولايات المتحدة لابد أن يكون في صالح العالم بالضرورة). وبمعنى أصح نشر السلام الأمريكي على العالم. وسوف ينعكس ذلك بالضرورة على دراسة الأزمات الدولية مستقبلاً، وبالذات في المدرسة الأمريكية لدراسة الأزمة.

4- التحويل Transformation

   يعني التحويل تأجيل أو نقل وضع الأزمة إلى منطقة أخرى أو مجال آخر أو زمان آخر. وُيقصد به أنه لعجز بعض الدول عن إنهاء أو حل مشاكلها المحلية تتجه لتحويل صراعاتها لأزمات خارجية قد تتسبب في أزمة دولية قد تقود إلى حرب كحرب الخليج الثانية على الجانب العراقي عام 1990 أو النموذج اليوغسلافي خلال التسعينيات.

   إن الانكفاء للخارج لتغطية مشاكل الداخل هو مبدأ معروف في علم السياسة منذ فترة طويلة، ولكن الجديد هو استخدامه خلال العقد الماضي بطريقة مكثفة. والنتيجة غير المتوقعة أن يزداد عدد الأزمات الدولية للأطراف محل الدراسة بسبب حالة الاستضعاف الهيكلي في النظام الدولي وحالة السيولة التي تتجه إلى الاستقرار النسبي فيه. ومن هنا تتعرض هذه الدول لأن تكون حقل تجارب للعبة الصراع بين الأمم نحو نظام دولي ما. وتنطبق على الولايات المتحدة نفس القاعدة “الانكفاء للخارج”. وبما أنها هي العنصر الأقوى والمسيطر في النظام الدولي، فيمكنها التلاعب بمصير هذه البلدان لقاء مكاسب محلية للرئيس في الانتخابات أو لحل مشاكله الداخلية التي يتعرض لها.[90]

   وهناك أزمات لا يشعر بها الطرف الآخر المقصود، خصوصاً إذا كانت دولة عظمى، فقد لا يهم مصالحها في شئ أن تتصاعد هذه الأزمة، وربما تستخدمها لأغراض أخرى تحولت إليها على الساحة المحلية أو الدولية، وهو ما يُطلق عليها أحياناً “الأزمة ذات الجانب الواحد” One- Sided Crisis ولاشك أن تحول الأنظار عن الفشل في “الحرب على الإرهاب”، كما حدث في أفغانستان ونقل الأنظار إلى الحرب على العراق قد يقدم نموذجاً يمثل هذا التحول في السلوك المتعلق بالأزمة.

5- ازدياد حدة العنف Violence

   العنف هو المحدد الرئيس لحدة الأزمة. وقد شغلت هذه المسألة جانباً لا بأس به من أدبيات الأزمة الدولية. ويمكن القول إن حدة العنف قد زادت بصورة ملحوظة في الأزمات الدولية منذ حرب الخليج الثانية مع قلة عدد الأزمات التي تحولت إلى حروب. وهناك عدة أمثلة على ذلك، من بينها حرب الصومال، وحصار العراق ويوغسلافيا وضربهما في التسعينيات من القرن العشرين، والحرب التي خاضها التحالف الأنجلو أمريكي على أفغانستان والعراق في العامين 2001، 2003 على التوالي.

   تختلف إدارة الأزمة الدولية حسب عدة أبعاد، من بينها نظام القطبية السائد، والموقع الجغرافي ونوع النظام السياسي ونوع الصراع (ممتد أو غير ممتد)، ولكن أهم هذه الأبعاد على الإطلاق هو حدة العنف المستخدم وكثافته عند تصعيد الأزمة إلى حرب. وقد ركزت أدبيات إدارة الأزمة المعاصرة على ثلاث مراحل “تخص صانع القرار” هي على التوالي: العنف في بداية الأزمة، التيقن من مصدر العنف. وبما أن المصدر هو المحور الأساسي في إدارة الأزمة، فقد تركزت حوله معظم الدراسات كمصدر لهذا العنف.

6- ازدياد دور الطرف الثالث:

   دور الطرف الثالث من الأدوار المعروفة في إدارة الأزمة. وثمة علاقة طردية طوال عقد التسعينيات من القرن العشرين بين سرعة حل الأزمات والتدخل الأمريكي كطرف ثالث للحل. ويمكن التمييز هنا في إدارة الصراعات والأزمات بين عدة مستويات مختلفة، أولها عمليات الحل والتسوية والتأجيل والتجنب والإنهاء، وثانيها تدخل الطرف الثالث، الذي يأخذ أشكالاً متعددة، منها الإكراه بالقوة، التفاوض، المساومة، الوساطة، التحكيم، المساعي الحميدة، ورش العمل ..الخ، وثالثها وسائل الحل مثل القوات متعددة الجنسيات أو قوات طرف ثالث، أو لقاءات المتخصصين في ورش عمل مشتركة، وإجراءات بناء الثقة، ولقاءات القمة ..الخ.[91]

   وعادة ما يكون الطرف الثالث في أي صراع أو أزمة له مصلحة في الحل عن طريق توفير الموارد المالية أو البشرية، كما أنه عادة ما يكون مقبولاً من الطرفين وموثوق به، ومن ثم له القدرة على التأثير نحو الحل. ومن هنا يكون للطرف الثالث عدة مزايا، من بينها:

أ- المشاركة الإيجابية الفعالة للوصول إلى اتفاق يرضي الطرفين من خلال برنامج حد أدنى يتجنب المسائل الصعبة الحل، وجدول أعمال زمني لتطوير الاتفاق المشترك.

ب- تخفيف حدة القيود المفروضة على الأطراف الرئيسية للحل.

ج- تخفيض مدة الوصول إلى اتفاق وتكلفته من خلال بعث المرونة في الموقف التساومي بين الأطراف.

   وقد لعبت الولايات المتحدة في فترة ما بعد انتهاء الحرب الباردة دور الطرف الثالث سواء بمفردها أم مع آخرين أم من خلال المنظمة الدولية كما في يوغسلافيا السابقة والعراق وأفريقيا وغيرها. ومن خلال متابعة أدبيات الصراع والتعاون منذ نهاية الحرب الباردة، يمكن التأكيد على نتيجتين أساسيتين، فيما يتعلق بالطرف الثالث الأمريكي، كما يلي:

أ- أن الدراسة المقارنة لإدارة الأزمات في فترة ما بعد الحرب الباردة تعطي الانطباع بإعادة تدوير دور مجلس الأمن “وبالتالي السكرتير العام” في ظل النظام الأحادي القطبية ليكون في خدمة الرؤية الأمريكية لسلام العالم “السلام الأمريكي” للتدخل في الشئون الداخلية للدول الأعضاء بشكل مستمر.

ب- أن تعاون القوى العظمى والكبرى في التدخل لحل الأزمة الدولية ربما يتم في المراحل الأولى لكنه ينقطع في أعلى درجات الأزمة كما حدث في حرب الخليج الثانية 1991، والاتفاق على منطقة حظر الطيران في العراق بين الولايات المتحدة وروسيا في عام 1992. وفي الأخيرة وقفت روسيا مع أمريكا، ولكنها لم تمارس أي نشاط من شأنه تنفيذ القرار. أما التجاوز الأخطر، فتمثل في استغناء الولايات المتحدة وحلفائها عن الأمم المتحدة لتشن حربها على العراق عام 2003، مثلما فعلت ألمانيا قبل الحرب العالمية الثانية.

7- تخطي الشرعية الدولية والتحول إلى فرض سياسات الأمر الواقع:

   تشكل الحرب الأمريكية على العراق نقطة تحول جوهرية في تاريخ العلاقات الدولية، وبالذات في الشق المتعلق بالتنظيم الدولي، فقد درج النموذج الأمريكي على الارتكاز على الأمم المتحدة في التدخل في الشئون الداخلية للدول الأخرى دون إذنها، وذلك بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، سواء فيما يتعلق بتبني قضية عادلة من قضايا الميثاق، أم أخذ قرار من الشرعية الدولية، غالباً من مجلس الأمن، ثم بتفويض منها أيضاً تتكون قوات متعددة الجنسية تحت علم الأمم المتحدة وبقيادة أمريكية. تخطت الولايات المتحدة هذه المرة هذا السقف، وذلك على الرغم من محاولة إضفاء شرعية لاحقة على الغزو.

   ومن الملاحظ أن الحرب على العراق ستشكل متغيراً محورياً في شكل العلاقات الدولية وجوهرها مستقبلاً، ومن ثم دراسة الأزمة الدولية. ويُلاحظ هنا أن الولايات المتحدة في إدارتها للأزمة قد تخلت عن العديد من السلوكيات السابقة عبر ما يزيد عن عقد، ويتضح ذلك فيما يلي:

  • عدم الحرص على أخذ قرار بالحرب أو الالتزام بقرارات من مجلس الأمن الدولي.
  • محاولة إضفاء الشرعية على العدوان بقبول التدخل الإنساني للمنظمة بأثر رجعي.
  • عدم قبول وساطة أية أطراف ثالثة.
  • عدم الاهتمام بمواقف الحلفاء التقليديين المعارضين في الناتو أو غيرهم.
  • عدم قبول مبدأ توازن المصالح مع الدول الأخرى الذي كان سائداً قبل العدوان.
  • عدم الاكتراث بالرأي العام العالمي المعادي للحرب.
  • القبول بمبدأ تغيير الأنظمة من الخارج.
  • القبول بتراجع دور الأمم المتحدة إلى الصفوف الخلفية في إدارة الأزمة الدولية.
  • القبول بعودة الاستعمار التقليدي في تسيير الجيوش لشن العدوان على الدول الأخرى.

   ومن المتغيرات المعاصرة الأخرى التي أثرت على الأزمة الدولية منذ انتهاء الحرب الباردة ازدياد أزمات الصراع الممتد Protracted Conflict- Crisis Model ، والارتفاع المضطرد في الصراعات الإثنية “أو العرقية” Ethnicity ، واستمرار أهمية الموقع الجغرافي.[92]

       ولا شك أن ذلك كله سوف يكون تحدياً ثقيلاً، ليس فقط لتحولات النظام الدولي بل لبحوث السلام الدولية، التي أصبح عليها تغيير العديد من النظريات والنماذج والمناهج التي طبقت خلال عقد التسعينيات من القرن العشرين.

 

1 عبد الله بلقزيز، الأمن القومي العربي (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب)، 1989.

2 علي الصاوي، مرجع سبق ذكره.

3 منذر سليمان، مرجع سابق، ص 29.

4د. عبد المنعم المشاط، “الإطار النظري للأمن القومي العربي” في د. عبد المنعم المشاط (محرر)، الأمن القومي العربي: أبعاده ومتطلباته (القاهرة: معهد البحوث والدراسات العربية، 1993)، ص ص 14-17

 

5 ابن منظور، لسان العرب، تحقيق عبد الله علي الكبير (القاهرة، دار المعارف، دت)، ص140.

6  سورة قريش، الآيتان 3-4.

7  منذر سليمان، مرجع سابق، ص 30.

[8] George Sehwar Zenberger, Power Politics: A Study of World of Society (London:Stevens & Sons Limited, 1964).

[9]Anthlny Giddens,” Nation States and Violence” in Walter W.Powel and Richard Robbins (eds), Conflict and Consensus (New York: The Free Press, 1984).

 

 

[10] Arnold Wolfers, Discord and collaboration, Essays on International Politics (Baltimore: John Hopkins University Press, 1962), P.150.

 

[11] Frank Trager and Philip Kronenberg (eds.), National Security and American Society (Kansas: Kansas University Press, 1973), p35-36.

[12] Henry Kissinger, Nuclear Weapons and Foreign Policy (London: Wild Field and Nicholson, 1969), p 46.

 

[13] .McNamara, The Essence of Security (New York: Harper Press, 1966), p149.

[14] Barry Buzan, People, States and Fear (London: Wheatsheaf Books, LTD, 1983), PP 6-10

 

[15] Keith Krause and Michael William, (ed.), Critical Security Studies : Concepts and Cases, (Mineapolis: University of Minnesota Press, 1987).

 

[16] Daniel J.Kaufman& Jeffrey S.Mctrick& Thomas J.Leney, U.S. National Security A Framework for Analysis (Toronto: Lexington Books, 1985), p.15.

17 د. محمود محمد خليل، (الأمن في الإسلام، القاهرة، دن، 2000)، ص 24.

18  د.جمال حمدان، إستراتيجية الاستعمار والتحرير (القاهرة، دار الشروق، 1983) ، ص 214.

19 د. محمد نصر مهنا، الجغرافيا السياسية والسياسة الجغرافية، (أسيوط: جامعة أسيوط، كلية التجارة، 2007)، ص ص 79 – 87.

20 د. محمود محمد خليل، الأمن في الإسلام، مرجع سابق، ص 25.

21 المرجع ذاته، ص 25.

22 د.إسماعيل صبري مقلد، أصول العلاقات الدولية إطار عام (أسيوط: جامعة أسيوط، كلية التجارة، 2007) ص 114.

 

23 د.إسماعيل صبري مقلد، المرجع السابق، ص ص 210 – 212

24 د. محمود محمد خليل، الأمن في الإسلام، المرجع السابق، ص 27.

25  د.إسماعيل صبري مقلد، المرجع السابق، ص ص 213.

26 المرجع السابق، ص ص 214 – 215.

27 د. محمود محمد خليل، الأمن في الإسلام، مرجع سابق، ص ص 27-28.

28 د. عبد الخبير محمود عطا، الإعلام وقياس الرأي العام (أسيوط: جامعة أسيوط، كلية التجارة، 2004) ، ص ص 50-52.

29فيكتور مارشيل ماركس، الجاسوسية تتحكم بمصائر الشعوب (بيروت: الدار المتحدة للنشر، دت)، ص 27.

30د. محمود محمد خليل، الأمن في الإسلام، مرجع سابق، ص 29.

31المرجع ذاته، ص 30.

32 د. مصطفى علوي ، “ملاحظات حول مفهوم الأمن”، مرجع سابق، ص ص 123-124.

33 أمين ساعاتي، الأمن القومي العربي (القاهرة: المركز السعودي للدراسات الإستراتيجية، 1993).

34د. حامد ربيع، نظرية الأمن القومي العربي والتطور المعاصر للتعامل الدولي في منطقة الشرق الأوسط (القاهرة: دار الموقف العربي، 1984).

35 د. مصطفى علوي، “ملاحظات حول مفهوم الأمن”، مرجع سابق، ص 125.

36 المرجع ذاته، ص ص 124-125.

[37] R. McNamara, The Essence of Security, op.,cit, p.149.

38 د. مصطفى علوي، “ملاحظات حول مفهوم الأمن”، مرجع سابق، ص 125.

[39]Benjamin Miller,“The Concept of Security: Should it be Redefined”?, The journal of Strategic Studies, Vol. 24, No. 2, June 2001, pp.19-21.

 

40  د.علي الدين هلال، “الأمن القومي العربي دراسة في الأصول”، شئون عربية، العدد 35، يناير 1984، ص 12.

41 لواء/ عدلي سعيد، الأمن القومي العربي وإستراتيجية تحقيقه (القاهرة: الهيئة العامة للكتاب، 1978)، ص 17.

42 د. محمود محمد خليل، الأمن القومي العربي المصري وحرب أكتوبر، مرجع سابق، ص ص 10-25.

[43] Philip P.Wieiner, Dictionary of the History of Ideas (New York: Charles Seribners Sons, 1973), p.652.

[44] Jack Plano & Milton Greenberg (eds), The American Political Dictionary ( New York: Halt Rinehart and Winston Inc, 1967) p.6.

45 حول التطبيقات المختلفة للديموقراطية أنظر: د. إكرام بدر الدين، الديموقراطية الليبرالية ونماذجها التطبيقية، (بيروت: دار الجوهرة للطبع والنشر، 1986)، ص ص 36-50.

46 نقلاً عن: د.علي أحمد عبد القادر، مقدمة في النظرية السياسية (القاهرة: مكتبة نهضة الشرق، 1986)، ص 63.

[47] Joseph Schumpeter, Capitalism, Socialism and Democracy (London: Allen and Unwin, 1950), p.250.

 

[48] David Held, “From City States to a Cosmopolitan Order” in David Geld, ed., Prospects For Democracy (Oxford: Blackwell Publishers, 1993), p.15.

[49] Howard J.Wiarda, Introduction to Comparative Politics (Philadelphia, Harcourt College Publishers, 2000), p.101.

 

[50] Ibid.

51 د. محمد عبد المعز نصر، في النظريات والنظم السياسية (بيروت: دار النهضة العربية، 1972)، ص 163-164

[52] Terry Karl and Philippe Schmitter “What Democracy is and is not? Journal of Democracy, No.2, Summer 1991, p.73.

 

 

53  د. بطرس غالي، ود.محمود خيري عيسى، المدخل في علم السياسة (القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية، 1976)، ص ص 244-251.

54 د. منير محمود بدوي، مبادئ العلوم السياسية (أسيوط: جامعة أسيوط، كلية التجارة، 2003)، ص ص 131-137

[55] David Held, From City States to a cosmopolitan Order in David Held, ed., Prospects for Democracy (Oxford: Blackwell Publishers), 1993, p.15.

56 لمزيد من التفاصيل حول تطبيق أو ممارسة الديموقراطية المباشرة في بعض المقاطعات السويسرية انظر كتاب د. أحمد سويلم العمري، السياسة والحكم في ضوء الدساتير المقارنة (القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية، دت)، ص ص 347-350.

57 جورج سباين، تطور الفكر السياسي، ترجمة حسن جلال العروسي، الكتاب الأول (القاهرة: دار المعارف، 1963)، ص ص 5-12.

58  حسن محمد سلامة السيد، التحولات الديموقراطية وشرعية النظام السياسي في مصر 1981-1993، رسالة ماجستير غير منشورة (القاهرة: جامعة القاهرة، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، 1997)، ص ص 17 – 20.

[59] George Sorenson, Democracy and Democratization (Boulder: Westview Press, 1993), p.3.

 

60 د.عبد الحميد متولي، المفصل في القانون الدستوري (القاهرة: مطبعة دار نشر الثقافة، 1953)، ص 352.

61 د. ثروت بدوي، النظم السياسية (القاهرة: دار النهضة العربية، 1975)، ص 201.

62 د. محمد طه بدوي، أصول علم السياسة (الإسكندرية: المكتب المصري الحديث للطباعة والنشر، 1967)، ص ص 370 – 374.

63  د.بطرس غالي، ود.محمود خيري عيسى، المدخل في علم السياسة، مرجع سابق، 446.

64 د.محمد محمود ربيع، ود.إسماعيل صبري مقلد (محرران)، موسوعة العلوم السياسية (الكويت: جامعة الكويت، 1994)، ص ص 517- 518.

65 د. منير محمود بدوي، مبادئ العلوم السياسية، مرجع سابق، ص ص 139- 140.

66 د.محمد محمود ربيع، ود.إسماعيل صبري مقلد (محرران)، موسوعة العلوم السياسية، مرجع سابق، ص ص 520-521.

67 د. منير محمود بدوي، مبادئ العلوم السياسية، مرجع سابق، ص ص 140 – 142.

68 د. كمال المنوفي، النظم السياسية المقارنة (الكويت: جامعة الكويت، 1985)، ص ص 216-217.

69 د.محمد محمود ربيع، ود.إسماعيل صبري مقلد (محرران)، موسوعة العلوم السياسية، مرجع سابق، ص ص 518-519.

70  المصدر ذاته.

71  د. منير محمود بدوي، مبادئ العلوم السياسية، مرجع سابق، ص ص 142 – 144.

[72] Irving Kristol, Neoconservatism The Autobiography of an Idea (Chicago: Ivan R.Dee Publisher, 1999), pp316-317.

73 د. منار الشوربجي، “المداخل الرئيسية لتحليل آليات عمل النظام الأمريكي” في رضا هلال (محرر)، الإمبراطورية الأمريكية (القاهرة: مكتبة الشروق، 2002م)، ص ص 171-183.

 

[74] Jean Reith Schroedel, “Legislative Leadership Over Time”, Political Research Quarterly, Vol.47. No.2, June 1994, pp.439-465.

75 د. منار الشوربجي، منار، “المداخل الرئيسية لتحليل آليات عمل النظام الأمريكي”، مرجع سبق ذكره، ص 184-190.

76 المرجع ذاته، ص ص 191-198.

[77] Allan Ciglar and Burdett Loomis, Interest Group Politics (Washington DC: Congressional Quarterly Press, 1995), p 10.

[78] Ibid, p.11.

79 ولاء البحيري، “إدارة الأزمة”، القاهرة، المركز الدولي للدراسات المستقبلية والإستراتيجية، مفاهيم، العدد 38، فبراير 2008.، ص 9.

80 د. حسن بكر، إدارة الأزمات الدولية بين النظرية والتطبيق (أسيوط: جامعة أسيوط، كلية التجارة، 2007)، ص 96.

81 محمد رشاد الحملاوي، إدارة الأزمات (أبو ظبي: مركز الإمارات للدراسات والبحوث، 1997)، ص ص 5-10.

82 د. أحمد عامر، مقدمة في إدارة الأزمات (الإسماعيلية: كلية التجارة، جامعة قناة السويس)، 1989، ص ص 2-11.

[83] Saad Eddin Ibrahim, “Crisis, Elites, and Democratization in Arab World”, Middle East Journal, Vol.27, No.2, Spring, 1993.

84 د.حسن بكر، المرجع السابق، ص ص 100-101

85 لمزيد من التفاصيل راجع مصطفى علوي، سلوك مصر الدولي خلال أزمة مايو – يونيو 1967، رسالة دكتوراه غير منشورة (القاهرة: جامعة القاهرة، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، 1981)، ص ص 4-28.

[86] James A. Robinson, Charles F.Hermann & Margaret G.Hermann, Search under Crisis in Political Causes of War ( New York: N.J.Prenic-Hall INC, Englaood Cliffs, 1980), p. 80.

 

87  ولاء البحيري، “إدارة الأزمة”، مرجع سابق، ص ص 17-23.

[88] John G. Stoessinger,  Why Nations Go to War (New York: The Macmillan Press, 1993), pp, 211-218.

89 د.حسن بكر، إدارة الأزمات الدولية بين النظرية والتطبيق، مرجع سابق، ص ص 181-209

90 لمزيد من التفاصيل أنظر د. سيد عليوة، إدارة الأزمات والكوارث، حلول عملية – أساليب وقائية، سلسلة دليل صنع القرار (2) (القاهرة: مركز القرار للاستشارات1997)& د. محمد نصر مهنا، إدارة الأزمات السياسية: قراءة في المنهج (أسيوط: جامعة أسيوط، كلية التجارة، 2001).

91 د.حسن بكر، إدارة الأزمات الدولية بين النظرية والتطبيق، مرجع سابق، ص ص 205 – 208.

92 لواء د. أحمد محمود عبد الحليم، الأساليب الكمية لتحليل وإدارة الأزمة السياسية، رسالة دكتوراه غير منشورة (القاهرة: أكاديمية ناصر العسكرية/ كلية الدفاع الوطني، 1996).

المصدر

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button