دراسات قانونية

مقاربة قضية عمر البشير واسرائيل في اختصاص الجنائية الدولية

بما ان الجنائية الدولية مرتبطة بمعاهدة فيينا والتي تنص على ان المعاهدات غير ملزمة للدول غير الموقعة عليها، لابد من التمييز بين قضية السودان وقضية اسرائيل بما ان الدولتين ليستا موقعتين على نظام روما الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية، نلاحظ ان الجنائية قد طالبت بتوقيف البشير ولم تطالب بتوقيف اي مسؤول اسرائيلي بجرائم حرب على الرغم من وقوعها، فما الفرق بينهما؟

في الحالة الفلسطينية، قدمت الدولة الفلسطينية والتي هي غير كاملة العضوية في الامم المتحدة الادعاء على افراد من قيادات اسرائيل لارتكابهم جرائم حرب، اما في الحالة السودانية فمجلس الامن هو من احال القضية الى المحكمة الجنائية الدولية بما ان السودان عضو كامل العضوي في الامم المتحدة، فواجب عليها الامتثال لقرارات مجلس الامن الذي له السلطة الكاملة لبسط الامن والسلام والاستقرار.

ان السؤال الذي يطرح نفسه انه ليس بميثاق الامم المتحدة ولا في نظام روما ولا مجلس الامن الزام دولة مستقلة ذات سيادة بأحكام واجراءات تقررها معاهدة ليست الدولة طرفاً بها، ولكن مجلس الامن قد فعل ذلك حين انشأ المحاكم الخاصة مثل يوغسلافيا ورواندا، اذ انه بنظام مجلس الامن موجود انه بإمكانه احالة القضايا الى المحاكم الدولية المختصة لكي يحل العدل كما يستطيع ارسال قواته المسلحة لحفظ الامن والاستقرار، فقد اعطى الحق للبشير ان يقدم حججه امام المحكمة الجنائية الدولية لمناقشتها، ومن هنا نستشهد انه بإمكان المحكمة الجنائية الدولية استدعاء قيادات متهمة بجرائم الحرب في اسرائيل لتقديم حججهم ومناقشتها امام المحكمة، وهذا ما ترفضه اسرائيل رفضاً قطعياً اذ تحاول عبر دبلوماسيتها التهرب من محاكمة او مجرد الامتثال امام الجنائية الدولية، كما اشترطت الولايات المتحدة الاميركية لقبول صفقة ترامب- نتانياهو التخلي عن كل القضايا المرفوعة امام المحاكم الدولية عامة ومحكمتي الجنائية الدولية والعدل الدولية خاصة.

الفرق بين محكمة رواند ويوغسلافيا انهما محكمتان خاصتان مؤقتان اما الجنائية الدولية هي محكمة دائمة لها نظامها وهو نظام روما المربوط باتفاقية فيينا، فقد صرح المدعي العام لويس مورينو في الجنائية الدولية بأنه على السودان مناقشة اختصاص الجنائية الدولية في المحكمة وليس على شاشات التلفزة في حين ان السودان غير موقعة على نظام روما، وهنا نستشهد بكلامه فيما يخص اسرائيل بضرورة التزامها بقرارات المحكمة الجنائية الدولية  بعيدا عن الدبلوماسية وشاشات التلفزة وان القضية تناقش داخل قاعات المحكمة التي تتهرب من الامتثال امامها وذلك استنادا الى ان اسرائيل عضو بالامم المتحدة كما ان السودان عضو في الامم المتحدة.

ان الولايات المتحدة الاميركية والصين وروسيا تناقشت بخصوص نقل قضية البشير من مجلس الامن الى الجنائية الدولية على الرغم من ان هذه البلاد غير موقعة على اتفاقية روما، وبالتالي فهم غير اعضاء بالنظام الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية. اعتبر المدعي العام في قضية البشير انه حين تم اصدار مذكرة التوقيف كانت القضية هي لفضح الجرائم وايقافها بسبب ما ولدته من اغتصاب النساء وموت الاطفال جوعاً وهو لتفادي الاستمرار بالجريمة، اما في القضية الفلسطينية فمازال جيش الاحتلال الاسرائيلي يواصل الاعتقالات وقتل المدافعين عن ارضهم، حيث ان النضال هو واجب للتخلص من الاحتلال وهو وارد بقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، رغم ذلك لم تتحرك الجنائية الدولية الى اليوم فيما يتعلق بالاستيطان كونها جريمة حرب من خلال نقل المدنيين وغيرها من خرق لاتفاقية جنيف الرابعة لحقوق الاسنان.

ان السؤال البديهي لماذا لم تتحرك الجنائية الدولية في غزو العراق؟ وهنا لابد من الاشارة ان العراق واغلب البلاد العربية ليست عضواً بالجنائية الدولية، وبالتالي ليس لها الحق بالتدخل الا اذا فوضت الحكومة المعنية الامر الى الجنائية الدولية، كما ان الولايات المتحدة الاميركية غير موقعة مع الجنائية الدولية وانها تعادي الجنائية الدولية اذ لم يدفعوا شيئاً من ميزانيتها، ان ابرز الاسباب لعدم توقيعها هو بسبب ادراج جريمة العدوان بالجنائية الدولية، في حين انه لابد لممارسة جريمة العدوان ان تقوم 108 دولة التي هي طرف في الجنائية الدولية بالاتفاق على تعريف جريمة العدوان كونها لم يتحدد تعريفها من قبل الجنائية الدولية الى الان. ومن هنا كانت المسؤولية الكاملة على جامعة الدول العربية التي تستطيع الضغط على مجلس الامن لتأجيل التحقيق بقضية البشير وامتثال اسرائيل امام الجنائية الدولية وابرام اتفاقيات مع الدول العربية حول تفويض الجنائية الدولية للتحقيق بحال عدم الرغوب بتوقيع الدول العربية على نظام روما الاساسي.

القاضي فؤاد بكر

المحكمة الدولية لتسوية المنازعات

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى