النظم السياسية المقارنة

ملـخـص مـحـاضـرات مـقـيـاس النـظـم السـيـاسـيـة المـقـارنـة

بقلم  الأستاذة د.حواس زهيرة – قسم العلاقات الدولية – جامعة صالح بوبندير – جامعة قسنطينة 3

ملخص محاضرات مادة النظم السياسية المقارنة للسداسي الأول 2015-2016 – جامعة قسنطينة 3

يهدف تدريس مقياس النظم السياسية المقارنة إلى تزويد الطلبة بفهم عام لطبيعة النظم وأهم القضايا المثارة في إطارها، ودعم القدرات النظرية والامبريقية لديهم لإعداد دراسات نقدية وتحليلية لهذه النظم بشكل مقارن ومواكبة تطور مناهج التحليل في حقل السياسة المقارنة من حيث المفاهيم، الأطر النظرية والأدوات البحثية التي يمكن توظيفها لفهم ديناميات الحياة السياسية وذلك من خلال:
– تأصيل مفهوم النظم…
– بيئة النظم، السياقات المجتمعية، الأطر الدستورية والقانونية، الإيديولوجيات، النخب، العملية السياسية،…
– دراسة نماذج النظم في ظل موجات التحول الديمقراطي.
ويبقى الأهم في دراسة النظم السياسية المقارنة يكمن في الآثار الناتجة عن تطبيق نموذج النظام الغربي في المجتمعات غير الغربية، أي ما يمكن التعبير عنه بمشكلة صعوبة أو فقدان التكيف بين النظام السياسي وبيئات تختلف جذريا من حيث ظروفها عن تلك التي أثبت فيها هذا النظام وجوده بنجاح، ويعتبر هذا أهم هدف في دراستنا للنظم السياسية المقارنة.
وتُعدُّ النُظم السياسية المقارنة حقلا (فرعيا) من حقول علم السياسة، حيث استقرت تقسيمات منظمة اليونسكو للأمم المتحدة على تحديد حقول لهذا العلم وفقا للاهتمامات التي ينصَّب عليها تركيز كل واحد منها بالرغم من أنها (الميادين) ليست منفصلة عن بعضها البعض تماما فهي تتداخل وتتشابك مع بعضها، وهي:
• الحكومات المقارنة والنظم السياسية
• العلاقات السياسية الدولية
• النظرية السياسية
• الإدارة العامة

– وتدخل دراسة النظم السياسية المقارنة ضمن حقل الحكومات المقارنة والنظم السياسية الذي تطور من الاهتمام بالحكومات المقارنة، ودراسة المؤسسات السياسية والدستورية والحزبية، وأنماط السلوك القيادي والأنشطة داخل النظام السياسي للدولة، وتصنيف الأنظمة وفقا للكيفية التي تعمل بها كل منها في بيئتها السياسية الخاصة بغية محاولة التوصل إلى تعميمات مقبولة حول الجوانب الأساسية لعمليات الحكم وفقا للممارسات الفعلية، والتركيز على النظم السياسية الرئيسية في العالم وهي: نظم الديمقراطيات الغربية، نظم الحكم الدكتاتوري والتي تعرف في الفقه السياسي المعاصر بالنظم الشمولية، والنظم السائدة في دول العالم الثالث ومنها الدول العربية (ما بين الشمولية والتسلطية)، …
 إلى الاهتمام بالمشكلات الناتجة عن عمليات التغيير السياسي التي قد تمتد إلى الهيكل السياسي والاجتماعي بكامله، وأهمية المراحل الانتقالية التي تعقب التغيير (التذبذب وعدم الاستقرار: كما سنتعرض له في دراسة النظام التونسي أو المصري) (إضافة إلى الصراع الناشب بين القوى المساندة للتغيير والقوى المقاومة له) (وضرورة معالجة هذه الظاهرة “التغيير” بمختلف أبعادها والنتائج المترتبة عنها بعمق).

وقد ارتبط هذا التطور في دراسة النظم السياسية المقارنة بالتحولات الرئيسية في علم السياسة الذي ظل حقلا يميزه عدم الاستقرار بسبب السعي الكبير من قِبَل العلماء والباحثين لإعادة صياغة طبيعته “الدولاتية” وذلك بمروره بخمسة مراحل:
• النزعة الدولاتية (statism): مرحلة سادت منذ نهاية التسعينيات القرن الـ 19 حتى عشرينيات القرن الـ20 حيث تمحور علم السياسة حول الدولة وجعلها مرجعية للتحليل.
• النزعة التعددية (pluralism): المرحلة الممتدة من العقد العاشر إلى عشرينيات القرن الـ20 والتي ركزت جهود الباحثين خلالها على انتقاد التحليل المتمركز حول الدولة.
هاتين المرحلتين عرفتا بالمرحلة التقليدية.
• النزعة السلوكية (behavioralist school): ظهرت منتصف القرن العشرين، دعت إلى التحول في دراسة علم السياسة إلى التركيز على السلوك الحالي للنظام السياسي بدل الدولة لدى الدولاتيين، أو الفواعل المختلفين لدى رواد التعددية.
• والاتجاه نحو إرساء علم سياسة جديد: نهاية الستينيات وبداية السبعينيات من القرن العشرين، الدعوة إلى علم سياسة جديد يخدم القضايا الاجتماعية ويحل الأزمات القائمة (ما بعد السلوكية أو ما بعد الحداثة).
• ثم تيار بريسترويكا علم السياسة (بداية القرن الواحد والعشرين) ينتقد هيمنة المقاربات الكمية على علم السياسة ويطالب بالتعددية المنهجية وتركيز الجهود على البحوث الكيفية وضرورة الاهتمام بالقضايا العامة.

ومع هذا لم تنجح سوى النزعة الدولاتية والنزعة السلوكية لأن علم السياسة أظهر مقاومة شديدة للتغيير وبالرغم من الانتقادات الموجهة لهما استطاعتا بناء نموذجيهما المعرفيين (paradigm) (المنظور) بينما بقيت البحوث ضمن التوجهات الأخرى مجرد “برامج بحثية”

– ويبقى للتطور التاريخي التدريجي للظاهرة السياسية وليس فقط التطور التنظيري دور (غير مباشر وغير ملحوظ) في “بلورة” المقاربات النظرية التي ميزت فترة ما بعد السلوكية، وهذا ما سنتعرض له في دراستنا لمقاربات التحول الديمقراطي في:تحليل الأنظمة السياسية في ظل العولمة والمفاهيم المركبة والهجينة والسياقات الابستيمولوجية عبر التخصصية والمناهج المتعددة الانتماءات النظرية.

المحور الأول: ماهية المقارنة في دراسة الظاهرة السياسية: -النظم السياسية-

أولا: ما هية المقارنة

تُعَّد المقارنة عموما من أهم المناهج المستخدمة في دراسة النظم السياسية (فهي ليست حقلا معرفيا أو موضوعا للدراسة بل منهج للبحث والتحليل).

إلا أن بعض الباحثين ينظر لها أي (للمقارنة) كفلسفة للعلم وليست منهجية فقط لذا لا يستقيم التحليل المقارن للنظم دون الإلمام بفلسفة المقارنة وأطرها الابستمولوجية في الحقل المعرفي الذي يدرسها -هنا “النظم السياسية”- انطلاقا من الحكومات المقارنة فالسياسة المقارنة ثم التحليل المقارن للنظم السياسية وعليه يجب التعرض إلى:
• مفهوم المقارنة
• مستويات المقارنة
• طرق المقارنة
• أنواع المقارنة
• المشاكل التي تعترض المقارنة،…
مـفهوم المقارنة

لأن المقارنة تعتبر جزءا أساسيا من البحث العلمي بالنسبة للعلوم الاجتماعية فقد جعلها الكثير من الباحثين البديل عن التجربة في العلوم الطبيعية والمؤدية إلى الكثير من أهدافها (أي التجربة) إلى حد قول ‘ألكسيس دي توكفيل’ بكونها “جوهر المنهج العلمي في العلوم الاجتماعية”.

وبالرغم من اختلاف تعريفات (مفهوم) المقارنة وتنوعها، إلا أنها تكاد تنطلق جميعها من تراث ‘جون ستيوارت ميل’ الذي عرفها بأنها:
“دراسة ظواهر متشابهة متناظرة في مجتمعات مختلفة” أو هي “التحليل المنظم للاختلافات في موضوع أو أكثر عبر مجتمعين أو أكثر”.

كما حدَّد ‘ماكاون’ خمس تعاريف متباينة للمقارنة من مختلف تعريفاتها في مختلف العلوم الاجتماعية، حيث قال بأنها:
• إحدى أشكال القياس
• أداة توضيح أحد المفاهيم وخلفيته الواقعية
• مرادف لمنطق التحليل العلمي
• نمط معين من أنماط البحث
• إحدى الحلول التي تتصدى لمعالجة مشكلة التداخل أو التفاعل الثقافي بين الدول وتحليلها.
وعرَّفها ‘جوزيف لابالومبارا’ بأنها:
“عملية تعكس أساسًا البحث في أوجه التشابه والاختلاف التي تتميز بها الظاهرة أو مجموعة الظواهر موضوع الدراسة تمهيدا لفهمها وتفسيرها والتنبؤ بها”.

أهداف الدراسة المقارنة للظاهرة السياسية:

أ/ المبررات المعرفية:

الوصول إلى معرفة علمية من خلالها، وحدود هذه المعرفة ومصداقيتها وكيفية التحقق منها ودورها في بناء نظريات أو مناهج تُعين العقل الإنساني على فهم الواقع وحسن إدراكه ومن ثمة الإصابة في التعامل معه، وذلك من خلال:
• إدراك الاختلاف والتنوع في المجتمعات البشرية والخصائص الذاتية للنظم والشعوب (مرجعية ونقطة للقياس)
• معرفة أنماط العلاقات والتفاعلات والمعايير والقيم السائدة في كل مجتمع
• ضرورة التنظيم بوجود حاكم ومحكوم بغض النظر عن الشكل والغاية من الحكم.

ب/ المبررات العلمية وتتلخص في:

• تأسيس النظم السياسية (منذ أرسطو واستخدامه للدساتير،…)
(تقليد النظام القضائي الروماني) (واستنساخ النظام الدستوري والبرلماني التنفيذي البريطاني)
• صنع السياسة: تهدف المقارنة إلى تقديم البدائل والبيانات اللازمة لعملية صنع السياسة سواءًا الداخلية أو الخارجية.
• تقويم السياسة: التحليل المقارن يهدف إلى تقويم التجربة السياسية (مؤسسات، قرارات، عمليات،…)
• التنبؤ بالأحداث والاتجاهات: منذ “دي توكفيل” يعتبر هدف السياسة المقارنة هو التنبؤ (التنبؤ بظهور الديمقراطية، كذلك ماركس التنبؤ بظهور الشيوعية)
بالرغم من أن علم السياسة لدى البعض هو علم تشخيص وتفسير أكثر منه علم تنبؤ وهذا ما يثير الكثير من الخلاف.

شروط المقارنة:

هناك قواعد ومبادئ معينة ينبغي الالتزام بها في التحليل المقارن للنظم السياسية للوصول إلى الأهداف المرجوة من المقارنة، وهي:
• شمولية المقارنة لكافة أوجه الاختلاف والاتفاق بين الوحدات الخاضعة للمقارنة (مثلا في دراستنا لظاهرة الإرهاب، مشاركة المرأة، العنف السياسي،…)
• التحديد الواضح من جانب الباحث للوحدات أو العناصر أو الظواهر التي ستتم المقارنة بينها وضرورة إخضاعها في التحليل لنفس المناهج بما يحقق الدقة في رصد جوانب الاتفاق والاختلاف.
• مراعاة ألا تكون الوحدات أو الظواهر المراد المقارنة بينها متماثلة تماما أو مختلفة تماما، فلا بد أن تشتمل على أوجه ونقاط الاختلاف وأخرى للتماثل والاتفاق وبالتالي وجوب وجود قدر من التشابه الجزئي بين الظواهر وضرورة ارتباط ذلك بانتماء هذه الوحدات إلى إطار حضاري أو ثقافي واجتماعي واحد ومتقارب.

مستويات المقارنة:
تتعدد مستويات المقارنة وتختلف فيما بينها في علم السياسة عموما، وفي حقل النظم تحديدا باختلاف الوحدة الأساسية للتحليل (في الظاهرة السياسية: المقارنة بين الدول، المقارنة بين الثقافات أو الأقاليم، المقارنة بين الفترات التاريخية،…)، ونركز من بينها في إجراء البحث السياسي المقارن، على:

المقارنة عبر الدول أو القوميات:
حيث يعتمد كثير من علماء السياسة المقارنة على أن معظم الأحداث السياسية تتم في إطار الدولة، كما أجمعت معظم تعريفات النظام السياسي (من ميل إلى آلموند وآرون،…) على أن الدولة القومية هي إطار للنظام السياسي، كونها الوحدة المستقلة ذات السيادة، والسلطة الوحيدة التي تحتكر حق الاستخدام الإكراهي للقوة، وتبقى وحدة التحليل الأساسية في حقل السياسات المقارنة وإن كانت إطارا لوحدات أخرى.

وتختلف الأبحاث عبر-الدولة طبقا لوضع الدولة في سياق البحث:
• قد تكون هدفا للبحث والمقارنة/ مثل مقارنة أمريكا وبريطانيا مثلا أو مقارنة مؤسسات معينة بين دولتين (السلطة التشريعية مثلا) هنا الهدف ليس الوصول إلى تعميمات نظرية أو فروض عامة لكن فقط التوصل إلى فهم الدولتين.
• قد تكون إطارا وسياقا عاما للبحث/ مثل فهم آلية عمل الشركات الصناعية في مجتمع رأسمالي مقارنة بآخر اشتراكي. هنا يهتم الباحث باختيار عمومية نتائج توصل إليها والمقصود ليس الدولة وإنما الوصول إلى تعميمات تتعدى إطار الدولة.
ملاحظة: يصعب الفصل عندما تكون الدولة هدفا وسياقا وإطارا في نفس الوقت…وهو موضوع دراساتنا للنظم السياسية المقارنة.
• وقد تكون وحدة التحليل الأساسية/ يهدف البحث هنا إلى الوصول إلى تعميمات نظرية تتعلق بدور الدولة في عموميتها مثل دراسة دور الدولة في تحقيق المشاركة مثلا…
• وقد تكون جزءا من مكونات نظام عالمي أوسع/ مثل تحليل الرأسمالية الدولية أو تحليل التبعية.

وعلى الرغم من أن الدولة هي الإطار العام لمستوى التحليل إلا أن الكثير من الباحثين يرى أن لا يقتصر حقل السياسة المقارنة على دراسات عبر-الدولة بهدف الوصول إلى مبادئ تفسيرية وتعميمات نظرية بل التركيز على دراسة وحدات ومؤسسات وأقاليم داخل دول مختلفة، فالتحليل المقارن يتجه إلى التركيز على الاختلافات داخل الدول أكثر مما يركز عليها بين الدول.

وعليه نميز بين نوعين للمقارنة:

• مقارنة خارجية: (عبر المكان) وتتم بين الوحدة المعينة (نظاما، عنصرا، ظاهرة، أو علاقة بين متغيرين) في دولة وما يقابلها في دولة أخرى أو في عدة دول أخرى (مثلا: التنمية السياسية، الانتخابات، العنف السياسي، المعارضة السياسية،…)
• مقارنة داخلية: (عبر الزمان) وتتم داخل نفس النظام بصرف النظر عن وحدتها (مثلا دراسة النظام السياسي الجزائري أو أحد مؤسساته: التنفيذية أو التشريعية،…أو نمط القيادة البيروقراطية، أو السياسات العامة قبل مرحلة التعددية، وبعدها، أو في عهد الرئيس “س” والرئيس “ع”، أو في نفس الفترة الزمنية على أساس موضوعي: موضوعات وقضايا معينة…).

وتأخذ هذه المقارنة شكلين:

أ/ مقارنة موقف عنصرين أو أكثر من عناصر ووحدات النظام السياسي إزاء نفس المشكلة: (مثلا مواقف القيادة السياسية الحاكمة وأحزاب المعارضة وغيرها في النظام الجزائري من قضية داخلية كمشاركة المرأة، الاستثمار، أو خارجية كالموقف من السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط أو المتوسط…)

ب/ مقارنة موقف النظام السياسي أو احد عناصره من صورتين أو تطبيقين أو أكثر لنفس المشكلة: (مثلا: مواقف القيادة السياسية أو المعارضة في العراق من الأكراد والشيعة…).

– المشاكل التي تعترض الدراسات السياسية المقارنة:
مرَّت الدراسات المقارنة بثورة جذرية نتج عنها تطورات على صعيدين:
• زيادة كبيرة في المواضيع التي تغطيها هذه الدراسات
• والتغيير الشامل في اتجاه هذه الدراسات.
– فالعدد الكبير للدول والمرجح للزيادة إضافة إلى التنوع والاختلاف بين الدول من حيث المساحة وعدد السكان، درجة الاستقرار، الاتجاه الإيديولوجي والثقافي، مستوى التنمية الاقتصادية، الخلفية التاريخية، طبيعة المؤسسات الحكومية،…كل هذه العوامل تتطلب من الباحث جهدا كبيرا لبلورة إطار لائق بالمقارنة على مستوى هذا التعقيد العلمي.
– كذلك مشكلات تصنيف النظم الذي يجعل الفارق بينها غير ملحوظ، أيضا مد المفاهيم وتوسيعها لدرجة فقدانها للتحديد.
– إلى جانب إغفال حقيقة تغير أشكال الحكم (بسبب تطور التنميطات أو التصنيفات) (والجمود والصرامة في التصنيف دون اعتبار التغييرات)
– كما أن التحيز والانغلاق في إطار ثقافي معين يحجب عن الباحث إدراك طبيعة التنوع والتعدد والاختلاف الذي يجعل للظاهرة معان مختلفة بل ومتناقضة (إشكالية موضوعية الباحثين).
– ومشكلة تحديد وحدات المقارنة وعناصرها هل هو النظام بكامله أو أحد عناصره أو ظواهره وصعوبة الفصل بين العناصر والمتغيرات في أي نظام سياسي عن بعضها البعض وعن البيئة، لذا يتعين على الباحث مراعاة الطبيعة المعقدة والمركبة للنظم السياسية وارتباطها بالبيئة.
– وأخيرا مشكلة اختيار المناهج والذي يتوقف بالأساس على طبيعة الظاهرة أو الوحدة محل الدراسة (يجب التركيز على المقاربات المنهجية الكمية والكيفية على حد سواء).

ثانيا: تطور الدراسات المقارنة

– التطور الموضوعي للدراسات المقارنة:

ما قبل القرن الـ 20:

• أرسطو: مقارنة نظام الحكم في أثينا بأنظمة المقاطعات الأخرى.
• ميكيافليي: دراسة الإمارات الايطالية.
• مونتسكيو: مقارنة بين أنظمة الحكم في مقاطعات ألمانية وفرنسية/ تصنيف: الجمهورية-الملكية-الاستبدادية/ التمركز حول الذاتية الأوروبية eurocentrisme
• لوك: أنظمة حكم مختلفة: دراسة التفاعل بينها.
• ألكسيس دي توكفيل: مقارنة النظامين الفرنسي والأمريكي مستندا إلى معياري الثورة/ الأفكار الثورية والمساواة، ومركزا على نقاط الاختلاف.
• جون ستيوارت ميل: تطوير منهجية الدراسات المقارنة-نقد بينثام/ طرق الاستقراء/ بين امبريقية “هيوم” –نفعية “بينثام” –ووضعية “كونت”.

في القرن الـ20 إلى بداية القرن الـ21
مرَّت السياسة المقارنة بخمسة مراحل أساسية:

• المرحلة الأولى:

** بدأت مع ‘جيمس برايس’ الذي قام بدراسة مقارنة بين مختلف النظم الديمقراطية في العالم الليبرالي قبل الحرب العالمية الأولى (بين الولايات المتحدة والأمم الأوروبية) مدخلا لعناصر جديدة في التحليل مثل: الرأي العام، نظام الأحزاب والمؤسسات الاجتماعية.
** ثم جاء ‘تشارلز ميريام’ مؤسس مدرسة شيكاغو الذي ركزَّ على الولايات المتحدة ورصد تغيير المجتمع الأمريكي بعد الحرب العالمية الأولى فطرح الإشكالية التالية: لماذا كان تأثير الحرب في المجتمع الأمريكي عميقا رغم تأخر التحاق الأمريكيين بها (أي الحرب)؟
انتهى ‘ميريام’ إلى تصنيف الأسباب من حيث تأثيرها (وفقا لمعيار التأثير إلى ثلاث أصناف:
1. أسباب محددة causes déterminantes: تأثير كبير في إحداث التغيير (اعتمدت عليها الدراسات التقليدية).
2. أسباب فاعلة causes effectives: أقل تأثيرا / تساعد في إحداث التغيير.
3. أسباب هامشية causes marginales: لها علاقة غير مباشرة مع التغيير الطارئ على الظاهرة محل الدراسة.

طرح مشكلة إهمال الصنفين الثاني والثالث (من الأسباب) واقترح الاعتماد على مناهج استعملت في العلوم الطبيعية وكذا في العلوم الاجتماعية السابقة من حيث الاستقلالية على علم السياسة (من أجل ذلك اعتبر أب المدرسة السلوكية)، لكنه اصطدم بمشكلة استحالة القيام بالتجريب في العلوم السياسية، فكان الحل الأمثل بالنسبة إليه في:

1. الملاحظة الفاعلة l’observation active: ملاحظة كل الأسباب المؤثرة بما فيها الهامشية.
2. بناء الأطر منهجية بديلة عن التجربة: المسح، الاستبيان، المقابلة.

بناءا عليه، ركزت مدرسة شيكاغو على:

1. الاستقراء induction
2. سببية التغيير la causalité du changement

• المرحلة الثانية:
بداية الأربعينيات: في هذه المرحلة تمَّ الانتقال من دراسة المجتمع (التغيير…) إلى دراسة المؤسسات والتركيز على سلوك صانعي القرار (عقلانية السلوك/ القرار)، حيث أضيفت إلى طرائق ‘ميريام’ ومدرسة شيكاغو، أطر منهجية أخرى على رأسها:

** دراسة التركيبة الشخصية لمتخذ القرار: (الدراسات النفسية: نمط الشخصية، الدوافع).
** دراسة المضمون/ إضافة البعد النقدي (توظيف نظريات ‘ماكس هوركهايمر’ max Horkheimer ومدرسة فرانكفورت).

• المرحلة الثالثة:
بدأت مع منتصف الخمسينيات، كان تأثير الثورة السلوكية جليا، نخص بالذكر الوظيفية التي أسسها ‘غابريال آلموند’ ‘Gabriel Almond’ الذي ركز على وظائف النظام السياسي (وظائف المدخلات/ وظائف المخرجات) حيث أن الأداء المؤسساتي المتكامل لهذه الوظائف يؤدي إلى تحقيق هدف المحافظة على النظام الذي يعتبر الوحدة الأساسية للتحليل (عدم خروج عن السياق العام للمدخل النظمي).
في منتصف الستينيات، قام ‘آلموند’ بمعية “فيربا’ ‘verba’ بمراجعة المدخل الوظيفي، أين تمَّ:

1. دمج الوظائف.
2. التركيز على الثقافة المدنية (خاصة المشاركة).
3. الانتقال من وظائف النظام السياسي إلى وظائف المجتمع المدني.

• المرحلة الرابعة:
بداية الثمانينات إلى منتصف التسعينيات: أين أعطى “آلموند’ و’باول’ الأولوية لدراسة محيط النظام السياسي أي علاقته بالمجتمع (ما يسمى عودة المجتمع).

** في هذه المرحلة تمَّ التركيز أيضا على مساهمة ‘دافيد أسيتون” خصوصا على المُدخلات/المُخرجات inputs/outputs والعملية الاسترجاعية أو التغذية العكسية feedback والتي ندرك من خلالها مدى تقبل المحيط لمخرجات النظام السياسي.
فبالإضافة إلى دراسة المؤسسات وصانعي القرار، انصَّب الاهتمام أيضا على البيئة المحيطة، التغيير وخصوصا على الاستقرار المحدد بالمشروعية القائمة على:

1. الرضا المجتمعي.
2. الانفتاح على المطالب المجتمعية الفعالية السياسية

** طرحت في هذه المرحلة أيضا إمكانية تعميم النسق المعرفي الأمريكي في دراسة العلوم السياسية على أنظمة تنتمي إلى العالم الثالث، بيد أن ثمة صعوبات جمة اعترضتها بالنظر إلى الاختلاف الكبير بين الأنظمة والنظام السياسي الأمريكي على جميع المستويات: السياسية/ التاريخية/ الثقافية/ المؤسساتية…

• المرحلة الخامسة:
أدَّت الثورة المعلوماتية ثم تعميم استعمال الانترنت سنة 1993 إلى استخدام طرق جديدة في أداء الوظائف الترابطية بين المؤسسات السلطوية والبيئة المجتمعية وبرزت مفاهيم جديدة مثل: الرشادة السياسية أو الحكم الراشد، الحكومة الالكترونية، الذكاء الاصطناعي في التحليل السياسي…
** لقد عرَّف البنك الدولي عام 1994 الرشادة good governance على أنها: ” الطريقة التي تتم بواسطتها ممارسة القوة في مجال إدارة الثروات الاقتصادية والاجتماعية لدولة ما وذلك بهدف التنمية”.
للرشادة أبعاد ثلاثة:

1. نوع النظام السياسي.
2. العمليات التي تتم بواسطتها ممارسة السلطة (في تسيير ثروات البلاد)
3. قدرة الحكومة على تصور/بناء/تطبيق السياسات (بطريقة تسمح للحكومة بممارسة مهامها).
** لقد اعتبرت مجموعة من العلماء في massachussetts institute of technology أن الحكومة الالكترونية هي الأكثر شفافية، بحيث تحقق أعلى درجة من الترابط بين المجتمع والسلطة عن طريق الرشادة والفعالية السياسيتين.
** لكن الإشكالية التي طرحت بهذا الشأن هي: هل تعتبر الديمقراطية الالكترونية بديلا عن الديمقراطية التقليدية؟
** يرى بعض المختصين من بينهم ‘كينيث هايكر’ ‘Kenneth Hacker’ و’فان ديجك’ ‘Van Dijk’ بأنها لا تمثل سوى “مجموعة من المحاولات لممارسة الديمقراطية بدون حدود الزمان والفضاء الفيزيائي”، وبالتالي فالديمقراطية الالكترونية لا تشكل ثورة على الممارسات السياسية التقليدية وإنما تمثل إضافة لتوسيع قنوات الممارسة في الديمقراطية التقليدية أي تعميق الممارسة الديمقراطية باستخدام تكنولوجيا المعلومات وبتصميم السياسات ضمن فضاء الكتروني مفتوح cyber space وغير هرمي. لكن الكثير من الباحثين يطرحون عدة مشكلات عملية مثل: الفجوة الرقمية أي عدم التكافؤ في التكنولوجيا بين الشمال والجنوب.

 التطور على أساس المفهوم :
في كتابه “ابستيمولوجيا السياسة المقارنة” قسم الباحث نصر محمد عارف المراحل التي مرَّ بها حقل السياسة المقارنة، إلى ثلاث مراحل أساسية:
1. مرحلة الحكومات المقارنة: عرفت باسم المرحلة التقليدية، امتدت من أواخر القرن الـ19 إلى عشرينيات القرن الـ20، التركيز على الدولة: مؤسسات/دستور، تداولت الأبحاث مصطلح: الحكومة أو الحكومات.
2. مرحلة السياسة المقارنة: بدأت مع انتقال علم السياسة من الدولة إلى السلطة (إعادة التعريف) أو بالأحرى التحول من المنظور التقليدي إلى المنظور السلوكي، في هذه المرحلة ركزت الدراسات المقارنة على: أنماط السلوك بين النظم السياسية ومكوناتها من أجل الوصول إلى قوانين تفسيرية (التعميم)، دراسة التغيير السياسي وبيئة النظام: المحلية-المجتمعية-الخارجية-الدولية والانتقال من التركيز على نموذج الحزب الواحد أو الأحادية الحزبية (الاتحاد السوفياتي والكتلة الاشتراكية)إلى دول العالم الثالث (المستقلة حديثا تحديدا).
3. مرحلة المنهج المقارن: مع تركيز الثورة السلوكية على المنهج أو المناهج المستعملة في الدراسات السياسية، انصبَّ الاهتمام على طبيعة المنهج المقارن/مدى علمية/مدى استخدام بديل للتجريب…

المحـور الثاني: ماهية النظام السياسي

الأصل في مفهوم النظام أنه ظهر في مجال العلوم الطبيعية، ثم انتشر استخدامه سريعا في مختلف فروع المعرفة إلى حد وصفه بــ”المنهجية شعبية الاستخدام”، في علوم الاجتماع، الاقتصاد، علم النفس وحتى علم السياسة بوصفها تعبر عن نظم أو أنساق قائمة بذاتها.

وبالتطبيق على المجال السياسي نجد أن النظام السياسي قد استخدم بداية كمرادف لنظم الحكم المدرسة الدستورية فهمت النظام السياسي على انه المؤسسات السياسية وبالذات المؤسسات الحكومية (التنفيذية، التشريعية، القضائية).

لتأتي المدرسة السلوكية وتأثر على مفهوم النظام السياسي وتعطيه أبعادا جديدة حيث أصبح يشير إلى شبكة التفاعلات والعلاقات والأدوات التي ترتبط بظاهرة السلطة سواءا من حيث منطلقها (الجانب الإيديولوجي)، أو القائمين على ممارستها (النخبة)، أو الإطار المنظم لها (الجوانب المؤسسية).
ومع ذلك يجب التركيز والتأكيد على مجموعة من الملاحظات في دراستنا للنظام السياسي:

– إن النظام السياسي يختلف عن مفهوم الدولة لأن الأول لا يعدو أن يكون مفهوما تحليليا يستخدم لفهم ظاهرة معينة ولا يعرف له وجود مادي في الواقع. بيد أن الدولة تعد هي الوحدة القانونية المستقلة ذات السيادة التي تملك صلاحية الإرغام المادي المشروع وأدواته على الصعيد الداخلي، كما تملك الشخصية القانونية التي تكسبها أهلية أن تكون مخاطبة بأحكام القانون الدولي العام على الصعيد الخارجي.
– إن مفهوم النظام السياسي يعتمد وجوده على نمط مستمر من التفاعلات والعلاقات الإنسانية، بينما يتطلب وجود الدولة عناصر أخرى كالإقليم والشعب والسيادة هكذا يمكن تعيين حدود للدول لكن لا يمكن أن نضع حدودا لنظمها السياسية.
– يترتب على الأول والثاني أنه لا بد أن يتضمن النظام السياسي درجة عالية من الاعتماد المتبادل بين وحداته بحيث أن التغيير الذي يطرأ على أي منها يؤثر في باقي الوحدات الأخرى إن سلبا وإن إيجابا.
– يفترض في النظام السياسي العمل على حفظ ذاته من خلال مؤسسات يبنيها، وقواعد يقررها وممارسات يلتزم بها، وعلاقات يدخل فيها ووظائف يؤديها (وحسب الاقتراب الوظيفي تتمثل وظائف المدخلات في التنشئة السياسية، الاتصال السياسي، تجميع المصالح والتعبير عنها، بينما تتمثل وظائف المخرجات في صنع القواعد القانونية وتنفيذها، والتقاضي بموجبها).
– إن كون النظام السياسي تميزه مجموعة من التفاعلات والعلاقات الارتباطية التي تختلف عن غيرها من التفاعلات والعلاقات، فإن هذا لا يعني أن النظام السياسي يوجد في فراغ إنما يحيا في بيئة داخلية يؤثر فيها ويتأثر بها. فالواقع الاجتماعي لا يعرف الفصل القاطع بين النظام السياسي والنظامين الاقتصادي والثقافي، لكن الباحث يلجأ إلى هذا الفصل لتسهيل مهمة البحث وتحديد إطار الظاهرة والكشف عن متغيراتها والتفاعلات القائمة بينها.
فنحن إذن ننطلق في دراستنا من مفهوم وحدة الحقيقة الاجتماعية وترابطها، ومن أن مختلف النظم الاجتماعية من سياسية واقتصادية وثقافية ترتبط وتتكامل مع بعضها البعض ويترتب على ذلك أن أي تحليل علمي للنظام السياسي ينبغي أن يأخذ بعين الاعتبار الإطار الاجتماعي الأوسع ولكن دون أن يتحول بالظاهرة السياسية إلى مجرد متغير تابع.

أولا: تـعـاريـف

هناك جدل نظري حول تعريف النظام السياسي، فمن الإطار العام الذي يعتبر النظم السياسية مجموعة الأسس الدستورية والقواعد القانونية والهياكل والبنى السياسية التي من خلالها تفصِح السلطة عن إرادتها وتستمد الدول بقائها واستمرارها، يمكن بدايةً الانطلاق من كون هذا النظام عبارة عن مجموعة العناصر التي مهمتها الإبقاء على المجتمع ككيان حي قائم بذاته تديره سلطة سياسية ، أي: “مجموعة الأنماط المتداخلة والمتشابكة والمتعلقة بعمليات صنع القرارات والتي تُتَرجِمُ أهداف وخلافات ومنازعات المجتمع من خلال الجسم العقائدي الذي أضفى صفة الشرعية على القوة السياسية فحوَّلها إلى سلطات مقبولة من الجماعة السياسية تمثلت في المؤسسات السياسية” (إبراهيم درويش، “النظام السياسي”).

وعليه في دراستنا للنظم السياسية المقارنة يجب أن يحتوي تعريف النظام السياسي على شرطين:

• أن ينطبق على كل المجتمعات مهما كانت مختلفة.
• أن يرصد داخل كل مجتمع على حده عناصر النظام السياسي ويفرقها عن بقية عناصر الأنظمة الاجتماعية الأخرى.

فمن التعريفات التي اعتبرت النظام السياسي “حكم وتنسيق” (موريس دوفرجيه)، أو “مجموعة القضايا الخاصة بالقرارات والتي تتعلق بالمجتمع كليا”… والتي أغفلت عامل القوة كعنصر من العناصر المكونة للنظام السياسي، ذهب ‘ماكس فيبر’ في تعريفه بأنه: “النظام الذي يضمن تنفيذ الأوامر في المنطقة المعينة الحدود وبصورة مستمرة بواسطة السلطة الفعلية عن طريق هيئة إدارية دائمة” للتركيز على هذا المتغير (القوة).

ومهما اختلفت التعاريف التقليدية (وخاصة منها تعاريف المدرسة الدستورية) للنظام السياسي، فإنها تمحورت كلها تقريبا حول نظام الحكم (الحكومة)، حيث كان القصد بالمفهوم التقليدي للنظام السياسي: أشكال الحكومات التي تباشر السلطة في المجتمعات الإنسانية من خلال التركيز على المعاني الدستورية والقانونية لنظام الحكم.

إلا أن هذا المفهوم تراجع بعد الحرب العالمية الثانية وازدياد عدد الدول، وتوجيه علماء السياسة السلوكيون انتقادات عنيفة لحصر التعريف في إطار الجانب الشكلي والقانوني، وتفضيلهم بذلك استخدام مصطلح political system بدلا عن political regime
• كون regime يأخذ بعدا قانونيا
• بينما system أوسع وأشمل يتكون من مجموعة مترابطة من المواضيع والعناصر والنظم الفرعية المتفاعلة، و مجالات نشاط السلطة لا شكلها فقط، حيث أصبحت الحكومة عنصرا من عناصر الدراسة وليست موضوع الدراسة الكلي، وفقا لما أقره ‘ايستن’ في قوله بأن النظام السياسي هو جزء من نظام أشمل هو النظام الاجتماعي وأن هناك علاقة تأثير متبادلة ما بين النظامين وأن تطور النظام السياسي يُعدُّ أكثر الأجزاء تأثيرا في حياة أي دولة، وبالتالي يرجع التطور في مفهوم النظام السياسي إلى اتساع دائرة نشاط السلطة وتركيز التعاريف الحديثة على أهم العناصر المكونة له والمتمثلة في: التنظيمات السياسية، القواعد السياسية، العلاقات السياسية والوعي السياسي، والتي يؤثر كل منها في الآخر ويعتمد عليه، كما أن تفاعل هذه العناصر هو الذي يجعل منها نظاما كونها أنظمة فرعية من النظام السياسي الكلي.

ثانيا: خصائص النظام السياسي

لكل نظام سياسي خصائص معينة يتسم بها وتتحدد وفقا للمحيط البيئي الذي يتفاعل داخله ووفقا للأسس العامة التي تقام عليها مؤسساته، ووفقا للدور الذي يلعبه الفرد داخل النظام السياسي ومدى إسهامه في عملية صنع القرار، وهي:

– الشكل: لكل نظام سياسي شكل أو إطار هيكلي أو بناء محدد/ والشكل عموما يعني هيكل أو بناء النظام السياسي/ ويرتبط شكل النظام السياسي بالمؤسسات الموجودة داخل الدولة وطبيعة عمل كل منها.
كما قد يتحدد شكل النظام من خلال الدستور الذي يحدد إطاره وطبيعة عمله.
والشكل خاصية يتسم بها أي نظام بغض النظر عن بساطة أو تعقيد تركيبه أو سواءا كان تقليديا أو متقدما.

– البنية: والتي يقصد بها الطريقة التي تتجمع بها أجزاء الكل، ونظام العلاقات بين أجزاء الكل.
• تختلف عن مفهوم الشكل (البناء) الذي يعني وجود مؤسسات، كونها ترتبط بطبيعة العلاقة التي تربط عمل تلك المؤسسات في نسق واحد.
• والبنية السياسية هي النسق الذي يتحقق فيه انسجام الوحدات الجزئية للنظام السياسي مع الكل.
• لا تقتصر أهمية البنية في النظام السياسي على مجرد ربط الأجزاء بل أيضا مدى الانسجام بينها، وتجاوزها العلاقات القانونية إلى علاقات القدرة الواقعية أو العلاقات السلطوية الفعلية القائمة بين جميع وحدات النظام (منهج التحليل البنيوي الذي يَعتبر أن علم السياسة كله هو علم العلاقات بين الأبنية السلطوية وعليه النظام السياسي كله هو البنية السياسية الكبرى المؤلفة من بنيات أصغر).

– تعقيد التركيب: كل نظام سياسي معقد في تركيبه وذلك بسبب عاملين أساسيين:
• كون النظام السياسي نظام فرعي متشابك مع نظم فرعية أخرى ومتفاعل معها في نظام كلي هو النظام الاجتماعي بالمعنى العام.
• كون النظام السياسي نفسه يتفرع إلى عدة نظم فرعية ويهدف إلى تحقيق عدة أهداف ويؤدي عدة وظائف.
• كذلك أنه يتكون من عدة وحدات جزئية “المؤسسات” والتي تتميز بدورها بدرجات متفاوتة من التعقيد.

– الوظيفة: تنحصر وظيفة النظام السياسي بصورة عامة في عملية تحقيق أهداف المجتمع والحد من تناقضاته: الوظيفة مرتبطة بالهدف (الأهداف): خدمة المجتمع بشكل عام، الحفاظ على وحدة واستمرارية النظام،…

– التخصص: يرتبط بوجود المؤسسات التي تلعب الأدوار الوظيفية المختلفة داخل النظام السياسي وبالتالي بالأهداف الموكلة إلى المؤسسات وأسلوب تقديمها سواءا على المستوى العام للمؤسسة أو أفرع المؤسسة الواحدة.
• مسألة التخصص مسألة نسبية في كل النظم السياسية بغض النظر عن درجة تقدم وتطور النظام أو طبيعته السياسية.
• كما أن التخصص مسألة صعبة التحقيق مهما بلغت درجة إحكام تنظيم وتحديد الوظيفة أو أسلوب تقديمها بسبب تداخل وتشابك وحدات وأهداف ووظائف النظام السياسي مع بعضها البعض وبالتالي صعوبة تحقيق مسألة التخصص الوظيفي بشكل دقيق.

ثالثا: معايير تصنيف الأنظمة السياسية

توجد معايير كثيرة للتصنيفات الخاصَّة بالنظم السياسية، ويتمثل أهمها في أربعة معايير:

– من حيث خضوعها أو عدم خضوعها للقانون: وهنا نجد:

• الحكومات المستبدة: (الاستبدادية) حيث لا يخضع الحاكم للقانون الوضعي وإرادته هي القانون.
• الحكومات القانونية: تخضع وتلتزم بالقوانين، تضمن حقوق الأفراد وحرياتهم مادامت قائمة.
يركز التصنيف ضمن هذا المعيار على الحكومات/الحكومة وليس النظام السياسي بالمفهوم الواسع.

– من حيث توزيع السلطة في يد الحاكم: وهنا نجد:

• الحكومة المطلقة: التي ليست استبدادية بالضرورة (فقد تكون مطلقة وقانونية في نفس الوقت) (وتتوزع فيها السلطات بين هيئات مختلفة يشرف بعضها على بعض)
• الحكومة المقيدة: تكون جميع السلطات فيها مركزة في يد شخص واحد أو هيئة واحدة.

– من حيث طريقة اختيار رئيس الدولة: وهنا نجد

• حكومة ملكية: يستمد فيها “الملك” حقه في تولي الحكم من الوراثة (نظام ملكي في المفهوم الحديث).
• حكومة جمهورية: يختار فيها رئيس الدولة بالانتخاب لمدة محدودة “رئيسا للجمهورية” (نظام جمهوري في المفهوم الحديث).

– من حيث عدد القائمين على الحكم: (صاحب أو مصدر السيادة في الدولة) وهنا نجد:

• حكومة فردية: تنحصر فيها السلطة في يد شخص أو حاكم واحد.
• حكومة ارستقراطية: (حكومة أقلية) يتركز الحكم فيها في يد فئة قليلة من الناس باعتبارهم الأصلح للحكم.
• حكومة ديمقراطية: يمارس فيها السلطة أغلبية الشعب.

** وقد اعتُمِد معيار مصدر السيادة في الدولة أو القائم على الحكم من قِبَل الفلاسفة والمفكرين الذين ركزوا على تقسيم أنواع الحكومات (أفلاطون وأرسطو) بالرغم من اعتماده في ذلك أيضا على المعيار الأخلاقي (أي مدى تمسك الحكام بالصالح العام).
** وبالرغم من الوضوح الإيديولوجي لمعيار مصدر السيادة في الدولة والقائمين على الحكم فيها في تصنيف الأنظمة (النظم السياسية) فإنه لا يمكن إغفال المعايير الأخرى في ظل التداخل والتراكم المعرفي بين الحقول المعرفية التي تناولت الظاهرة السياسية “الحكم” أو النظام السياسي فيما بعد.

فمثلاً، وارتباطا بهذا المعيار (مصدر السيادة في الدولة والقائمين عليها) نجد في:

1. الحكومة الفردية (النظام الفردي):

• المعيار الأول: من حيث الخضوع أو عدم الخضوع للقانون:

** ملكية قانونية دستورية: يخضع فيها الملك للدستور والقانون ومبدأ الشورى.
** ملكية استبدادية: لا يتقيد فيها الملك بأي قانون.

• المعيار الثاني: من حيث توزيع السلطة في يد الحاكم:

** نظام حكم استبدادي: دكتاتورية لا يتقيد الحاكم بأي قانون قائم ولا يعترف بالخضوع لأية سلطة ولا يقيم وزنا للحريات.
** لا تصنف الملكية الدستورية ضمن النظام الفردي لوجود دستور وبرلمان.

(وتنحصر السلطة في يد فرد واحد في النظام الفردي مهما اختلفت ألقاب الحاكم: ملك إمبراطور، زعيم، دكتاتور…)
من أهم أنصار النظام الفردي: ميكيافليي (1527)، بودان (1596)، هوبز(1679)

2. الحكومة الارستقراطية (النظام الارستقراطي): نجد

• الأوليغارشية: (النظام الأوليغارشي) بسبب الخلط والتداخل المعرفي والابتعاد عن الأخلاق والفضيلة (كما جاء في فكر أرسطو) (والحكمة عند أفلاطون) وهذا من الناحية العملية والتطبيقية حتى في التصنيفات الحديثة والمعاصرة.
أمّا من الناحية النظرية الحديث عن نظام حكم أقلية يعمل على تحقيق العدالة…
نجد من أهم الرواد (أوغستين، الاكريني،…).
ويعتبر بعض المفكرين “الارستقراطية” مرحلة انتقال وتمهيد لنظام آخر وحلقة ضمن سلسلة تطور نحو الأنظمة الديمقراطية، وليست نظاما دائما للحكم، وذلك استدلالا بالنظام في انجلترا وتطوره من ملكية فردية إلى حكومة ارستقراطية (وتوزع السلطة بين الملك والبرلمان) ثم إلى النظام البرلماني الديمقراطي.

3. الحكومة الديمقراطية (النظام الديمقراطي): (الذي يعني حكم الشعب أو سلطة الشعب)

• هنا نجد مفهوم الجمهورية عند ‘أرسطو’ والتي يقصد بها الحكومة التي يتولى زمام الأمر فيها جمهور الشعب أو عدد كبير من أفراد الأمة.
• وهذا بالعودة إلى معيار الخضوع للقانون حيث عرفت أثينا ديمقراطية يعترف فيها بسيادة القانون (والذي ما هو إلا رأي مجموع أهل المدينة). هذا النظام في هذه المرحلة أقرب إلى الارستقراطية فالمساهمين في الحياة السياسية والحكم هم أقلية من السكان فقط.
• وبالعودة إلى معيار طريقة اختيار الحاكم فإنه في هذه المرحلة الأقلية فقط المختارة هي من تمارس حق الانتخاب والمعارضة والرأي الآخر.
• والنظام الديمقراطي عند اليونان يتلخص داخل الأقلية وعليه قال ‘أرسطو’ أن النظام الارستقراطي أقرب إلى القانون والديمقراطية.
• استنادا إلى هذا المعيار (مصدر السيادة في الدولة وعدد القائمين على الحكم) تعتبر الأمة مصدر السلطات، وإرادتها هي أصل السيادة في الدولة ضمانا لحماية الحقوق والحريات الفردية.
• وعليه يتميز النظام الديمقراطي بـ:
** أن الشعب هو صاحب السيادة (حكم الشعب بالشعب).
** السعي إلى تحقيق الحرية والمساواة السياسية (حرية اختيار الحاكم، المساهمة في ممارسة السلطة،…)
** دور القانون في حماية حقوق الأفراد والمساواة في ممارسة السلطة تحقيقا لمبدأ الانتخاب العام.

– وهذه بعض الأمثلة للتصنيفات التقليدية، الحديثة والمعاصرة بناءا على هذه المعايير الأساسية:

• فمن التصنيفات التقليدية:
** الحكومة الملكية: حكومة الفرد حكومة الطغيان
** الحكومة الارستقراطية: حكومة القلة حكومة مصلحة الأغنياء
** الحكومة الجمهورية: حكومة الكثرة (الديمقراطية) حكومة مصلحة الفقراء (وهذا يعني الغوغاء والفوضى).

ليمثل ‘مونتسكيو’ حلقة الوصل بين الفكر “السياسي” القديم والحديث في تصنيف الأنظمة على أساس طبيعة ومبادئ الأنظمة: (مبدأ الفصل بين السلطات كمعيار تقليدي/حديث)

** الحكومة الجمهورية: الجمهورية الديمقراطية الفضيلة
الجمهورية الارستقراطية الاعتدال
** الحكومة الملكية الشرف
** الحكومة الاستبدادية فكرة الخوف

• من التصنيفات الحديثة:

** المعيار الحزبي: النظام المتعدد (التعددي) (الأنظمة الائتلافية)، نظام الثنائية (الحزبية)، نظام الحزب الواحد (الاشتراكية، الشيوعية).
** المعيار الإيديولوجي: الأنظمة الليبرالية، الأنظمة الديمقراطية الشعبية، الأنظمة الاشتراكية (الماركسية، والاشتراكية الغربية)، الأنظمة الشيوعية.
** معيار الفصل بين السلطات: النظام الرئاسي (فصل جامد)، النظام البرلماني (فصل مرن)، النظام شبه الرئاسي (توازن السلطات)، نظام حكومة الجمعية (نظام مختلط).

• من التصنيفات المعاصرة:

** الأنظمة الليبرالية الديمقراطية:
1. الأنظمة الغربية ذاتية الاستقلال (بريطانيا)
2. الأنظمة الفرعية قليلة الذاتية (المكسيك)

** الأنظمة الشمولية والتسلطية:
1. الشمولية الراديكالية (الاتحاد السوفياتي سابقا)
2. الشمولية المحافظة (ألمانيا النازية)
3. السلطوية المحافظة (اسبانيا فرانكو)
4. السلطوية العصرية (البرازيل)
5. الأنظمة العربية (معظمها).

رابعا: مستويات تحليل النظام السياسي

1. المستوى القاعدي لدراسة النظام السياسي (بيئة النظام)

النظام السياسي لا يعيش في فراغ، إنما في بيئة اجتماعية محددة تقدم له (فرصا) وموارد جديدة يضعها في خدمة سياساته ومشروعاته الكبرى أحيانا، وتحد من حرية حركته بما تفرضه عليه من قيود وضوابط أحيانا أخرى ويتضمن هذا السياق المجتمعي:

– المقدرات الجغرافية: كالموقع وأهميته الإستراتيجية وما يرتبط به من مشكلات الحدود ومساحة الدولة ووضعها بين جيرانها ودرجة تنوع تضاريسها لما لها من تأثير في الاستقرار السياسي.
• كلما تمتعت الدولة بموقع متميز أو كانت لها حدود مصطنعة لا تتناسب مع واقعها الاجتماعي-الاقتصادي زاد احتمال تحولها إلى بؤرة من بؤر الصراع الإقليمي أو الدولي.
• كذلك قد تصبح قدرات النظام محدودة كلما زادت المساحة وكانت التضاريس وعرة وزاد التوتر مع جيرانها ما يؤدي إلى المزيد من احتمال التدخل في شؤونها الداخلية.
• هذا إلى جانب الموارد الطبيعية والثروات وأثرها سلبا وإيجابا على قدرات، استقرار النظام…

– المقدرات السكانية: يعتبر العنصر البشري موردا أساسيا من موارد الدولة وبالتالي النظام السياسي وقد يكون من أكبر أعباء النظام أيضا (اختلال العلاقة بين السكان والقدرات الاقتصادية، التركيب العُمري (الشباب) والنوعي (الثقافة) وأثره في العملية الإنتاجية، درجة التنوع الاثني وأثرها في التكامل القومي.

– الموارد الاقتصادية: وأهمها الموارد الطبيعية للدولة وتُعدُّ من أهم محددات فعالية النظام السياسي وشرعيته، فكلما استطاع النظام السياسي توفير الأطر القانونية والتنظيمية الضرورية لتوظيف الموارد الاقتصادية الموجودة وأحسن توزيع العائد على الفئات المختلفة زاد النظام من مساندة المواطنين له.
– الميراث التاريخي والثقافي: كالخبرة الاستعمارية مثلا، حركات التحرر الوطني، الدين، اللغة، العِرْق، الثقافة،…

– الثقافة السياسية: يُعدُّ مفهوما حديثا استعمله ‘آلموند’ كبُعد من أبعاد تحليل النظام السياسي (كتنظيم غير مقنن للتفاعلات السياسية)، والثقافة السياسية جزء من الثقافة العامة للمجتمع وإن كانت تتسم بشيء من الاستقلالية داخلها.

وعمومًا تمثل الثقافة السياسية محصلة تفاعل:
** الخبرة التاريخية
** الوضع الجغرافي
** المعتقدات الدينية
** والظروف الاجتماعية والاقتصادية.

• والثقافة السياسية مُعْطى تطوَّر عبر فترة طويلة نتيجة تفاعلات مجموعة كبيرة من المتغيرات والايديولوجيا والتركيب الفكري والعقلي الذي يتسم بالتجانس والاتساق.
• لذا يمكن أن تكون الثقافة السياسية:
** ضيقة (الأفراد يملكون حد أدنى من المعرفة).
** تابعة (تواضع مساهمة المواطنين في المدخلات السياسية).
** مشاركة (معرفة الجماهير ووعيها ومشاركتها: دور الرأي العام).

2. مستوى حركية النظام السياسي

– هنا الحديث عن طبيعة التأثيرات المتبادلة بين النظام السياسي وبين الأفراد داخل المجتمع، وبين النظام السياسي والنظم الاجتماعية الأخرى داخل البناء الاجتماعي وبين النظام السياسي وغيره من النظم السياسية داخل الأبنية الاجتماعية الأخرى، أي مدى تأثر النظام السياسي بالأنظمة الاجتماعية الأخرى وقدرته على التأثير عليها، وهنا نتعرض إلى:
– الايديولوجيا الحاكمة…
– الأحزاب السياسية (التنظيم الحزبي الرسمي، التركيبة الاجتماعية للأحزاب السياسية، الإطار الوظيفي والتنظيمي للأحزاب،…) كونها قنوات للمشاركة السياسية وأدوات لبلورة الخيارات والبدائل أمام صانعي القرار، ومؤسسات المجتمع المدني كأطر لتفعيل المشاركة الشعبية وأداء دور بديل وأحيانا مكمل لدور الدولة.
– جماعات المصالح التي لها دور في صناعة القرار (النقابات، اللوبيات…)، والنسق الذي تنشط في إطاره هذه الجماعات (ديمقراطي، تسلطي، شمولي).
– الاتصال السياسي (العملية الاتصالية، طريقة الاتصال، أدوات الاتصال الجماهيري بيد من؟ لصالح من؟ حرية حركية المجتمع؟ …)

3. مستوى صنع القرار في النظام السياسي

شكلت المؤسسات الرسمية في المفهوم التقليدي غاية تحليل النظم السياسية، حيث عنِيَ التوجه الدستوري بدراسة الطبيعة الهيكلية للنظام، وفي ظل التحليل السلوكي للنظم كان التركيز على طبيعة التفاعلات والعلاقات التبادلية بين تلك المؤسسات باعتماد سلوك الفرد داخل تلك المؤسسات محور الظاهرة السياسية، وأصبحت المؤسسات بالمفهوم الحديث إطارا تنظيميا للنظم الفرعية السلوكية أي نظام مقنن للسلوك السياسي باعتبارها مجموعة من أنشطة صنع القرار من خلال رجال السياسة (النخب) القائمين بشكل مباشر أو غير مباشر بعملية صنع القرار، كون العملية السياسية لاتخرج عن نطاق التفاعل بين مجموعة المتغيرات في حدود المعطيات المجتمعية والدستورية التي تنتهي باتخاذ القرار السياسي، ويتمحور هذا المستوى من التحليل حول:
– البناء القانوني والدستوري للمؤسسات السياسية (الحكومية)، أي الضوابط والحدود القانونية التي تحكم عمل النظام السياسي، القوى القائمة على وضع الدستور، تطبيقه، تعديله، إلغائه،… كون الدساتير تؤكد سيطرة القوة السياسية وتكفل عنصر الشرعية لهذه القوة (التركيز على أهمية الحياد السياسي للدساتير).
– العلاقة بين المؤسسات السياسية (التشريعية، التنفيذية، القضائية) ومدى احترامها لمبدأ الفصل بين السلطات واستقلالية السلطة القضائية.
– الأجهزة الإدارية والحكومية: البيروقراطية الحكومية وتنظيم الإدارة الحكومية وتسييرها، صنع القرار؟ كيف؟ الأطراف المشاركة.
– دراسة السياسات العامة: أي القرارات والنشاطات الحكومية في إدارة الأمور السياسية، الاقتصادية والاجتماعية، ومحاولة تغيير الأوضاع على المستوى الداخلي والخارجي.

المحور الثالث: الأطر النظرية لدراسة النظم السياسية المقارنة

أولا: المداخل النظرية لدراسة النظم السياسية

إن الانتقال في دراسة النظم السياسية المقارنة من مرحلة إلى أخرى، وإن كان يبدو كأنه تَغَيُّر في المناهج المعرفية، وحلول النموذج الجديد مَحَل سَابِقِه مُشكِلاً بذلك نظرة ونظرية جديدة بهدف التكيف مع السياق الجديد، إلا أن الواقع يكشف أن هذا الانتقال والتطور وإن كان يُبرز ظاهرة جديدة، فإنه أيضا يُبرِز بأن هذا “الجديد” لا يزال يحتفظ بعناصر، أسس، مُسلَّمات وفرضيات النموذج القديم، لذلك لا يكاد النطاق النظري يخرج عن أهم ثلاثة مداخل رئيسية في دراسة النظم وهي:

– المدخل البنيوي:

• وإن كانت جذوره ترجع إلى مقولات ‘أرسطو’ التي ركزَّت على التراتب الاجتماعي كأحد مداخل “النظم السياسية”، فإنه يعود كمدخل نظري للتحليل (أطر نظرية لتحليل وتفسير النظم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية) إلى التحليل الطبقي لكارل ماركس، وبعض الباحثين الذين استخدموه لشرح أنماط التنافس الاقتصادي، الصراع السياسي والتغيّر الاجتماعي أمثال ‘سميث’ و’فيبر’ و’شمبيتر’ و’مارشال’،…وبالرغم من تعدّد الآراء حول عدم إدماج التحليل الطبقي في بنية التحليل السياسي المقارن (وتعويضه بالتحليل النخبوي) كونه ارتبط بالإيديولوجية الماركسية المناوئة للتقاليد التنظيرية الليبرالية الغربية، فإن أحداث ستينيات القرن العشرين أوجدت مُناخًا لتقبُّل التحليل الطبقي بالرغم من القيم الليبرالية المُسيطِرة (خاصة تحليلات ‘كاوتسي’ و’رايت ميلز’،…)، وجاءت الاقترابات التي اهتمت بدراسة وتحليل دول العالم الثالث ليُمثِّل بعدها التحليل الطبقي أحد أسس ومرتكزات المدخل البنيوي الذي يستند إلى التغيير التاريخي طويل المدى في بُنى القوة والسلطة في المجتمع، بافتراض أن التفاعلات المتغيرة لهذه البُنى الاقتصادية والاجتماعية والسياسية تُنشئُ قيودًا وفُرَصًا تدفع النخب السياسية وغيرها من الفئات في مسار تاريخي قد يقود إلى الديمقراطية (وإن كان هذا المسار التاريخي للتغيير لا يقود حتما إلى بناء نظام ديمقراطي).
• ويُمثل ‘بارينتون مور’ (Barrington Moore) وكتابه “الأصول الاجتماعية للدكتاتورية والديمقراطية” (1966) بداية الدراسة الكلاسيكية للمدخل البنيوي أو “المقاربة البنيوية”، في محاولات تفسير اختلاف المسار السياسي الذي انتهجته فرنسا، انجلترا، والولايات المتحدة (مسار الديمقراطية الليبرالية)، عن المسار الذي انتهجته اليابان وألمانيا (الفاشية والنازية)، أو اتجاه روسيا والصين (الثورة الشيوعية)، وهذا خلال عملية التحول التاريخي التدريجي من مجتمعات زراعية، إلى صناعية حديثة بين القرن الـ 17 ومنتصف القرن الـ20، واعتمد ‘مور’ في دراسته على مقارنة تاريخية بين هذه البلدان على أساس التفاعل بين أربعة بُنى متغيرة للقوة والسلطة:

** ثلاثة بُنى منها طبقات اجتماعية:
1. الفلاحون
2. مُلاَّك الأرض أو الارستقراطية
3. البرجوازية الحضرية

** والبنية الرابعة تتمثل في: الدولة

• يرتكز الطرح وفقا لهذا التحليل على نتاج التوازن بين مختلف القوى الاجتماعية المتصارعة التي تسعى وفقا لمصالحها الاقتصادية واستجابة لمحددات بنيوية إلى رسم إستراتيجية تتيح لها الحصول على السلطة، وصعود طبقة وسطى وتمكينها من فرض منطقها ووجودها السياسي.
• وفق المقاربات البنيوية: المسار التاريخي للتغيير تحدده البُنى المتغيرة للقوة: الطبقة، الدولة، القوى الدولية، والقوى عبر القومية، وليس فقط من خلال مبادرات وخيارات النخب الخاضعة في حد ذاتها للقيود والفرص البنيوية.

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى