دراسات أوروبية-أورومتوسطيةدراسات استراتيجيةدراسات سياسية

ملف شامل حول تطورات مسار انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي – الجزء الثالث

الاتحاد الأوروبي

بدأ التوجه الأوروبي نحو تأسيس وإنشاء المنظمات الإقليمية الأوروبية فور انتهاء الحرب العالمية الثانية. كما بدأ في توسيع نطاقات عضوية تلك المنظمات بشكل فردى محدود خلال فترة الحرب الباردة؛ إلا أن مراحل التوسيع الجماعي الرئيسية انطلقت بعد انهيار الاتحاد السوفيتي (السابق) في اتجاه ضم دول وسط وشرق أوروبا.

بدأت مسيرة الاتحاد الأوروبي في مجال العمل الإقليمي المشترك منذ منتصف الخمسينيات من القرن العشرين, ثم تطورت التجربة بصورة ذاتية وتدريجية، تحقق معها درجة عالية من النجاحات في المجالات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية. وبدأ الاتحاد الأوروبي بعد انهيار الاتحاد السوفيتي (السابق) يتجه نحو المجال السياسي والأمني, وذلك في إطار فكرة التحول إلى ما يمكن أن يطلق عليه “الولايات المتحدة الأوروبية”, وفقا لصيغة من صيغ “الكونفدرالية”. كما بدأ يطرح فكرة “مشروع أوروبا الكبرى”, والذي يتحقق بانضمام ثلاث دول ذات ثقل دولي/ إقليمي ترتبط جغرافياً بقارة آسيا أكثر مما ترتبط بقارة أوروبا، إلى عضويته؛ وعلى الرغم ما يشكله ذلك من تداعيات على توازن القوى الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط, ومن انعكاسات سلبية على التعاون الإستراتيجي الأورو/ متوسطي, وهى دول: روسيا الاتحادية, وتركيا, وإسرائيل.

نجح قادة الدول الأوروبية في إقرار معاهدة إصلاحات الاتحاد الأوروبي “معاهدة لشبونة”, والتي حدث في إطارها إجراء التطوير المؤسسي للاتحاد ذاته, وإصلاح آليات وأدوات العمل داخله, وتبسيط وتسريع عملية صنع القرار به, وزيادة قدراته على العمل في المجال السياسي الخارجي, مع الاهتمام بشكل أفضل بالقضايا المعيشية للمواطن الأوروبي, ومنح قارة أوروبا ذاتها قدراً أكبر على مواجهة التحديات العالمية المستقبلية.

طرح الاتحاد الأوروبي عدداً من مشروعات الشراكة مع دول المنطقة العربية, منها ما هو ذو طابع سياسي واقتصادي وأمنى (مشروع الشراكة الأورومتوسطية ـ عملية برشلونة), ومنها ما هو ذو طابع اقتصادي وأمنى واجتماعي (الاتحاد من أجل المتوسط). ويرمى جوهر المشاركة إلى تغيير الجغرافيا السياسية لمنطقة الشرق الأوسط, والمنطقة العربية, وذلك بدمج دولة إسرائيل في النظام الشرق أوسطى الجديد, بهدف استيعاب التهديدات الأمنية في المنطقة؛ ولكن دون إغفال دور منظمة حلف شمال الأطلسي في تحقيق ذلك.

أدى الفرق الشاسع في مجالات قوى الدولة الشاملة بين دول أوروبا الوسطى, وأوروبا الشرقية, ودول الاتحاد الأوروبي، إلى قيام مجلس الاتحاد الأوروبي بوضع شروط الانضمام إلى عضوية الاتحاد الأوروبي “معايير كوبنهاجن”, والتي يجب على أية دولة أوروبية استيفائها لتصبح عضواً في الاتحاد الأوروبي؛ إلا أن البرلمان الأوروبي وضع شروطاً جديدة, وأخرى إضافية بشأن انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي, وإن كانت غير ملزمة لحكومات الدول الأعضاء به.

تأسيس الاتحاد الأوروبي وتطوره

مع أن القارة الأوروبية هي أصغر قارات العالم الحديث, إلا أنها كانت سباقة في مجال تأسيس وإنشاء وتطوير المنظمات الإقليمية. فقد بدأت بتأسيس منظمة حلف شمال الأطلسي “الناتو”, والتي أصبحت ـ حالياً ـ أهم تجمع عسكري إقليمي في العالم, وأعقبها إنشاء الاتحاد الأوروبي ـ على مراحل ـ, والذي بات أكبر منطقة تجارة حرة على المستوى الدولي, نظراً لأن التجمع الأوروبي يمتلك أكبر سوق داخلية إقليمية.

أولاً: حقائق حول الاتحاد الأوروبي

1. يعد الاتحاد الأوروبي بمثابة جمعية دولية للدول الأوروبية, وتضم في عضويتها ـ حتى الآن ـ (27) دولة أوروبية.

2. تقدر الموازنة السنوية للاتحاد الأوروبي بنحو (120) مليار يورو, يقدم معظمها من الدول الأعضاء. 

3. تستخدم شعوب الاتحاد الأوروبي (23) لغة وطنية, ومن أكثرها استخداما عالمياً اللغات: الإنجليزية, والفرنسية, والألمانية, والإيطالية, والإسبانية. 

4. من أهم مبادئ الاتحاد الأوروبي نقل صلاحيات الدول القومية إلى المؤسسات الدولية الأوروبية؛ ولكن تظل هذه المؤسسات محكومة بمقدار الصلاحيات الممنوحة من كل دولة على حده. ولذلك, لا يمكن أن يُعد الاتحاد الأوروبي اتحاداً فيدرالياً, لأنه يتفرد بنظام سياسي فريد من نوعه، في النظام العالمي القائم.

ثانياً: الأهداف الرئيسية للاتحاد الأوروبي

حددت وثيقة تأسيس, ومعاهدة إنشاء الاتحاد الأوروبي في المادة (2) منها، الأهداف الرئيسية الآتية:

1. تعزيز التقدم الاقتصادي والاجتماعي, وتحقيق مستوى عال من التشغيل, وتنمية متوازنة ومستدامة, وذلك من خلال إقامة منطقة اقتصادية دولية بلا حدود, وتقوية التماسك الاقتصادي والاجتماعي, وإقامة اتحاد اقتصادي ونقدي, وعملة موحدة.

2. تأكيد مكانة الاتحاد الأوروبي على الساحة الدولية, وذلك من خلال تنفيذ سياسة خارجية وأمنية مشتركة, بما فيها بناء هيكل متطور من السياسات الدفاعية المشتركة, والتي يجب أن تقود إلى دفاع مشترك.

3. تدعيم حماية حقوق ومصالح مواطني الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي, وذلك من خلال العمل على بناء مواطنة اتحادية.

4. المحافظة على الاتحاد, وتطويره كمنطقة للحرية والأمن والعدل, والتي يتم فيه ضمان الانتقال الحر للأشخاص, مع اتخاذ إجراءات ملائمة فيما يتعلق بالسيطرة على الحدود الخارجية, واللجوء, والهجرة, ومنع الجريمة ومكافحتها. 

ثالثاً: تأسيس الاتحاد الأوروبي وبناؤه

1. مراحل تأسيس الوحدة الأوروبية وبناؤه

أ. السوق الأوروبية المشتركة

(1) انبثق الاتحاد الأوروبي من “الجماعة الأوروبية للفحم والصلب”, والتي شكلها في شهر أبريل 1951، ست دول, هى: ألمانيا الغربية، وإيطاليا, وبلجيكا, وفرنسا, ولوكسمبورج, وهولندا. 

(2) وضعت النواة الأولى للاتحاد الأوروبي (الجماعة الاقتصادية الأوروبية) عند التوقيع على “اتفاقية السوق الأوروبية المشتركة”, وذلك على إثر توقيع “معاهدة روما” في 25 مارس 1957. وقد وقّع على الاتفاقية دول الجماعة الأوروبية للفحم والصلب الست, وذلك بهدف إيجاد شكل من أشكال التعاون الاقتصادي بين عدد من الدول الأوروبية. وقد اتفق على أن يكون المقر الرئيسي للجماعة الاقتصادية الأوروبية (الاتحاد الأوروبي) في العاصمة البلجيكية “بروكسل”.

(3) تمت مرحلة التوسع الفردي غير المخطط لنطاق عضوية السوق الأوروبية المشتركة، خلال الفترة من عام 1973 وحتى عام 1995, التي انضم خلالها تسع دول, ليصل تكوين السوق الأوروبية المشتركة إلى (15) دولة أوروبية, وذلك على النحو الآتي: 

(أ) في عام 1973, انضمت ثلاث دول, وهى: أيرلندا, والدنمارك, وبريطانيا.

(ب) في عام 1981, انضمت دولة واحدة, وهى: اليونان.

(ج) في عام 1986, انضمت دولتان, وهما: أسبانيا, والبرتغال.

(د) في عام 1995, انضمت ثلاث دول, وهى: السويد, وفنلندا, والنمسا.

ب. المجال الأوروبي الخالي من الحدود الدولية

أُنشئ المجال الأوروبي الخالي من الحدود الدولية، عند توقيع الدول الأعضاء على “العقد الموحد” في عام 1985, والذي يهدف إلى تحقيق حرية الانتقال بين دول السوق الأوروبية المشتركة، سواءً لحركة الأفراد, أو حركة رؤوس الأموال.

ج. الوحدة الأوروبية

أُعلن عن إقامة الوحدة الأوروبية بين الدول (15) الأعضاء في السوق الأوروبية المشتركة, وذلك عند توقيع معاهدة “ماستريخت” في 7 فبراير 1992, والتي قامت على ثلاث دعامات, وهى: الدعامة الاندماجية, ودعامة السياسة الخارجية والأمن المشترك, ودعامة الأمن الداخلي. ويشتمل الإطار العام للوحدة الأوروبية على الآتي:

(1) الوحدة الاقتصادية

اتفق على إقامة السوق الأوروبية الموحدة اعتبارا من الأول من شهر يناير عام 1993. وقد سبق ذلك إقامة نظام نقدي أوروبي موحد (الوحدة النقدية), وأعقبه إصدار وبدء العمل بالعملة الأوروبية الموحدة (اليورو) في (12) دولة فقط, وذلك اعتبارا من الأول من يناير 2002, حيث لم تنضم ـ حينذاك ـ إلى العملة الأوروبية الموحدة ثلاث دول, وهى: الدنمارك, والسويد, وبريطانيا. وقد عرفت أول وحدة جمركية أوروبية باسم “المؤسسة الاقتصادية الأوروبية”.

(2) الوحدة السياسية:

تركزت الوحدة السياسية في إقرار هيكل موحد “للوحدة السياسية الأوروبية”, مع منح البرلمان الأوروبي المزيد من السلطات فيما يتعلق بالسياسة الخارجية الأوروبية.

2. المعاهدات التأسيسية للاتحاد الأوروبي

أ. تنحصر المعاهدات التأسيسية للاتحاد الأوروبي في المعاهدات الثلاث الآتية:

(1) الجماعة الأوروبية للفحم والصب, والتي وقعت في أبريل 1951.

(2) الجماعة الاقتصادية الأوروبية, والتي وقعت في 25 مارس 1957.

(3) لجنة الطاقة الذرية الأوروبية, والتي وقعت في 25 مارس 1957.

ب. دُمجت الأجهزة التنفيذية للمعاهدات الثلاث في بنية مؤسسية واحدة, عرفت باسم: “الجماعة الأوروبية”.

3. التوسع الجماعي المخطط لعضوية الاتحاد الأوروبي

تركزت فكرة التوسع الجماعي المخطط لنطاق عضوية الاتحاد الأوروبي في الانطلاق نحو الشرق, وقد خُطط لتنفيذ عملية التوسع بصورة تدريجية – على مراحل- لتنتهي بضم دول وسط وشرق أوروبا. وفى ذلك الإطار, تم الآتي:

أ. في الأول من مايو 2004, انضمت عشر دول أوروبية جديدة دفعة واحدة ـ كمرحلة أولى ـ إلى عضوية الاتحاد الأوروبي, وهى (بولندا ـ التشيك ـ سلوفاكيا ـ جزيرة مالطة ـ المجر ـ سلوفينيا ـ جزيرة  قبرص ـ استونيا ـ لاتفيا ـ لتوانيا), ليصل بذلك عدد الدول الأعضاء في الاتحاد إلى (25) دولة أوروبية.

ب. في يناير 2007, انضمت دولتان أوروبيتان جديدتان ـ كمرحلة ثانية ـ إلى عضوية الاتحاد الأوروبي, وهما: رومانيا, وبلغاريا, كما انضمت سلوفينيا إلى منطقة اليورو, ليصل بذلك عدد الدول الأعضاء في الاتحاد إلى (27) دولة أوروبية, وهو ما يعادل نسبة (64%) من إجمالي عدد دول القارة الأوروبية (42 دولة).

ج. رُشحت دولة تركيا للانضمام إلى عضوية الاتحاد الأوروبي اعتباراً من عام  (2005/ 2006), بشرط الانتهاء من توفيق أوضاعها، طبقاً للمعايير السياسية والاقتصادية والتشريعية الضرورية التي حددها الاتحاد الأوروبي.

4. الدول الأوروبية الأعضاء في الاتحاد الأوروبي

في نهاية التوسع الجماعي المخطط لعضوية الاتحاد الأوروبي, أصبح يضم (27) دولة وجزيرة, كالآتي:

أ. الدول ذات السيادة (25 دولة): أسبانيا ـ استونيا ـ ألمانيا ـ أيرلندا ـ إيطاليا ـ البرتغال ـ بريطانيا ـ بلجيكا ـ بلغاريا ـ بولندا ـ تشيكيا ـ الدنمارك ـ رومانيا ـ سلوفاكيا ـ سلوفينيا ـ السويد ـ فرنسا ـ فنلندا ـ لكسمبورج ـ المج ـ النمسا ـ هولندا ـ لاتفيا ـ ليتوانيا ـ اليونان .

ب. الجزر (جزيرتان): قبرص ـ مالطة.

5. الدول الأوروبية التي لم تنضم إلى الاتحاد الأوروبي

أ. يصل عدد الدول الأوروبية التي لم تنضم إلى عضوية الاتحاد الأوروبي (15) دولة, وهى (ألبانيا ـ أندروا ـ أيسلندا ـ البوسنة والهرسك ـ الجبل الأسود ـ سان مارينو ـ سويسرا ـ صربيا ـ الفاتيكان ـ كرواتيا ـ ليخنشتاين  ـ مقدونيا ـ مولدوفا ـ موناكو ـ النرويج).

ب. من غير المنتظر أن تنضم سبع دول إلى الاتحاد الأوروبي, وذلك إما لطبيعتها الدينية (الفاتيكان), أو لصغر حجمها (أندروا ـ سان مارينو ـ ليخنشتاين ـ مولدوفا ـ موناكو), أو لكونها دولة محايدة (سويسرا).

ج. من غير المنتظر ـ أيضاً ـ أن تنضم باقي الدول إلى الاتحاد الأوروبي على المدى القريب والمتوسط (5 – 10 سنة), وذلك نظراً للصراعات العرقية, وللنزاعات الحدودية, ولتدنى مستوى الأداء الاقتصادي لديها؛ فضلاً عن احتياجها إلى وقت طويل، سواءً لإنهاء الصراعات والنزاعات الداخلية والخارجية, أو لتوفيق أوضاعها الداخلية.

رابعاً: مؤسسات الاتحاد الأوروبي

1. المؤسسات الرئيسية

تتكون المؤسسات الرئيسية للاتحاد الأوروبي, أو ما يعرف بـ “مثلث صنع القرار/ المثلث المؤسسي” من الآتي:

أ. المفوضية الأوروبية, وهى هيئة تنفيذية مستقلة عن الحكومات الأوروبية, وتمثل المصالح الأوروبية الجماعية, كما تمثل أوروبا على الساحة الدولية .

ب. البرلمان الأوروبي, وهو هيئة تشريعية ممثلة لشعوب دول الاتحاد الأوروبي.

ج. مجلس الاتحاد الأوروبي (مجلس الوزراء), وهو الهيئة الرئيسية في عملية صنع القرار.

2. المؤسسات الأخرى

أ. مجلس وزراء الاتحاد.

ب. اللجنة الاقتصادية والاجتماعية الأوروبية.

ج. لجنة المناطق, والمنوط بها تقديم الاستشارة في الشؤون ذات الصلة بالمناطق.

د. البنك المركزي الأوروبي.

هـ. بنك الاستثمار الأوروبي.

و. محكمة العدل للاتحاد الأوروبي.

ز. محكمة المدققين, والمنوط بها مراجعة إيرادات ونفقات الاتحاد.

خامساً: التطوير المؤسسي للاتحاد الأوروبي

1. الأسباب الرئيسية الداعية لتطوير الاتحاد الأوروبي

على الرغم من الإمكانيات والقدرات التي يمتلكها الاتحاد الأوروبي في مجال السياسة الخارجية, إلا أنه لم يحسن استغلالها الاستغلال الأمثل حتى الآن, ما أدى إلى تراجع مكانته ودوره, وتدنى ثقله الدولي في مجال توازنات القوى الدولية. ويرجع ذلك إلى الأسباب الرئيسية الآتية:

أ. افتقار عملية صنع القرار الأوروبي في مجال السياسة الخارجية إلى جهاز كفء قادر على إعداد التوجهات والسياسات وإستراتيجيات السياسية الخارجية.

ب. صعوبة الحصول على إجماع جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي عند اتخاذ القرار السياسي الأوروبي, وذلك في ظل اختلاف التوجهات السياسية لتلك الدول.

ج. وجود فترات انقطاع (توقف) طويلة نسبياً في عملية صنع القرار السياسي الأوروبي, وذلك بسبب نظام تناوب رئاسة الاتحاد الأوروبي كل ستة أشهر.

د. عدم وجود جهاز موحد للإشراف على مراحل تنفيذ السياسات, والقرارات السياسية المتخذة.

هـ. هامشية دور البرلمان الأوروبي في مجال السياسة الخارجية .

2. مشروع الدستور الأوروبي الموحد

أ. في إطار تحرك الاتحاد الأوروبي نحو مواجهة الأسباب الرئيسية الداعية إلى تطويره, وزيـادة ثقله, وتفعيل مكانته ودوره الإقليمي والدولي, فقد تم إقرار مشروع أول دستور للاتحاد الأوروبي ـ الذي أشرف على إعداده الرئيس الفرنسي السابق “فاليرى جيسكار ديستان” ـ في قمة “سالونيك Thessaloniki” باليونان، في يونيه 2003, وذلك تمهيداً للتصديق النهائي عليه في اجتماع مجلس وزراء الخارجية الأوروبي في أكتوبر 2003, ليبدأ التطبيق الفعلي له بصورة تلقائية اعتبارا من عام 2006.

ب. يُعد الدستور الأوروبي الموحد بمثابة الخطوة الكبرى على طريق وضع هياكل مشتركة للسياسة الخارجية والأمنية الأوروبية. وينص “مشروع الدستور الأوروبي الموحد” على الآتي:

(1) استحداث منصب رئيس متفرغ للمجلس الأوروبي (رئيس الاتحاد الأوروبي), تصل مدة ولايته إلى عامين ونصف العام, وذلك بدلاً من النظام المعمول به حالياً, والذي يقضى بأن تتولى كل من الدول الأعضاء رئاسة الاتحاد الأوروبي بشكل دوري لمدة ستة أشهر.

(2) استحداث منصب وزير خارجية الاتحاد الأوروبي, والذي يتركز اختصاصاته في رئاسة مجلس وزراء الخارجية الأوروبي, كما يشغل – في الوقت نفسه- منصب نائب رئيس المفوضية العليا؛ الأمر الذي يتيح له فرصة الجمع بين اختصاص كل من الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمن, ومفوض الشؤون الخارجية.

(3) منح سلطة أوسع للبرلمان الأوروبي.

(4) إجراء التصويت على السياسات الأوروبية بإتباع نظام التصويت بالأغلبية, بدلاً من نظام التصويت بالإجماع المعمول به.

(5) خفض عدد أعضاء المفوضية الأوروبية إلى (15) دولة فقط, وذلك بحلول عام 2009, على الرغم من أن عدد أعضاء الاتحاد الأوروبي ـ حينئذ طبقاً للتخطيط ـ سوف يكون (27) عضواً .

ج. مما سبق يتضح أن مشروع الدستور الأوروبي الموحد قد عالج أوجه القصور في مجال السياسة الخارجية الأوروبية, وذلك من خلال الآتي:

(1) إيجاد سياسة خارجية موحدة وفعالة, وتوحيد وإعادة هيكلة أجهزة صنع القرار السياسي, وإدارة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي.

(2) وضع إطار لـ “دولة قارة أوروبا”, ولكن من دون أن تتمتع الدولة الوليدة بروح الدولة الحقيقية, لأن رئيس المجلس الأوروبي, ووزير الخارجية الأوروبية ليس من حقهما اتخاذ أي قرار من دون موافقة الدول الأعضاء عليه, بل إن السياسات الخارجية والأمنية/ الدفاعية والضرائبية تعد من المناطق المحظور عليهما الاقتراب منها, نظراً لأن القرار النهائي سوف يبقى في يد المجلس الأوروبي (مجلس رؤساء الدول والحكومات الأوروبية).

(3) زيادة قدرة الجهاز الجديد على استغلال الإمكانيات الحقيقية للاتحاد الأوروبي في مجال الشؤون الخارجية, بحيث تتحقق الدرجة المنشودة من توازنات القوى الدولية.

د. في عام 2005, طُرح “مشروع الدستور الأوروبي الموحد” في استفتاء شعبي, وعلى برلمانات الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي للتصويت عليه, تمهيداً لإقراره وتطبيقه اعتبارا من عام 2006. وقد رفض الناخبون في كل من فرنسا, وهولندا ـ خلال الاستفتاء الشعبي ـ مشروع الدستور الأوروبي الموحد؛ الأمر الذي نتج عنه أزمة أوروبية كادت أن تعصف بالاتحاد الأوروبي ذاته.

3. معاهدة إصلاحات الاتحاد الأوروبي “معاهدة لشبونة”

أ. بعد عامين من الجدل الدائر حول مشروع الدستور الأوروبي الموحد, توصل قادة دول الاتحاد الأوروبي أثناء انعقاد مؤتمر قمة الاتحاد في العاصمة البرتغالية “لشبونة Lisbon”، خلال يومي 18, 19 أكتوبر 2007، إلى إقرار “معاهدة إصلاحات الاتحاد الأوروبي”, أو ما يطلق عليها “معاهدة لشبونة”, وذلك للخروج من أزمة الرفض الشعبي, والأزمة المؤسسية التي أفرزها مشروع الدستور الأوروبي الموحد.

ب. تعد “معاهدة لشبونة” ـ التي أشرف على إعدادها الرئيس الفرنسي “نيكولا ساركوزى Nicolas Sarkozy” ـ هي البديل المقبول للدستور الأوروبي الموحد, والتي تهدف إلى إصلاح آليات العمل وأدواته داخل الاتحاد الأوروبي, وتبسيط وتسريع عملية صنع القرار به, وذلك لمواءمة ضروريات التحرك العاجل لمواجهة القضايا الملحة, مثل: الدفاع, والطاقة, والهجرة, والتغير المناخي. وتتيح المعاهدة الاهتمام بشكل أفضل بالقضايا المعيشية للمواطن الأوروبي, مثل: الاقتصاد, والتنمية, والأمن، إلى جانب منح قارة أوروبا ذاتها قدراً أكبر على مواجهة التحديات العالمية المستقبلية.

ج. في هذا السياق, فإن كلاً من فرنسا وألمانيا يريان أن الإصلاحات التي تتضمنها “معاهدة  لشبونة” لها أهميتها،  من أجل جعل أوروبا أكثر ديموقراطي, وأكثر فاعلية. كما أنها تتيح لأوروبا التعامل مع التحديات التي يواجههـا مواطنوها.

د. من الدراسة المقارنة, نجد أن معاهدة إصلاحات الاتحاد الأوروبي احتفظت بالأفكار الجديدة العديدة، التي طرحها الدستور الأوروبي الموحد؛ ولكنها أتت بالتغييرات الرئيسية الآتية:

(1) حذف مصطلح “الدستور الأوروبي” من نص المعاهدة.

(2) حذف أي نص يكون من شأنه أن يوحى بإعطاء الاتحاد الأوروبي شكل الدولة الكبرى: “دولة قارة أوروبا”.

(3) منح دور أكبر لبرلمانات الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، من خلال نظام لصنع القرار أكثر ديموقراطي, مع توسيع دور البرلمان الأوروبي في صنع ومتابعة السياسة الخارجية الأوروبية, وذلك حتى تكون معبرة عن توجهات الشعوب الأوروبية.

(4) تعديل نظام التصويت فيما يختص بقرارات السياسة الخارجية والأمن، من قاعدة الإجماع إلى قاعدة الأغلبية, وذلك للتغلب على حيلة لجوء بعض الدول إلى تكتيك الامتناع عن التصويت رغبة منها في عدم تمرير/ إصدار, أو المشاركة، في اتخاذ قرار معين.

(5) تمديد فترة الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي، إلى فترة أطول من ستة أشهر.

(6) استحداث منصب “الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للسياسة الخارجية والدفاع والأمن”، بدلاً من منصب “وزير الخارجية للاتحاد الأوروبي”، كما جاء في الدستور الأوروبي الموحد, على أن يتولى المنصب الجديد الجمع بين اختصاص كل من الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمن, ومفوض الشؤون الخارجية.

هـ. عارضت ـ في البداية ـ ثلاث دول نص معاهدة إصلاحات الاتحاد الأوروبي, وهى (بولندا ـ بريطانيا ـ إيطاليا), خوفاً من أن تتماثل المعاهدة مع مشروع الدستور الأوروبي الموحد المرفوض, إلا أن قادة دول الاتحاد الأوروبي نجحوا في تبديد مخاوف الدول الثلاث. وتنحصر اعتراضات تلك الدول في الآتي:

(1) اعترضت “بولندا” على حصص التصويت, وقد سمحت المعاهدة للدول التي تمثل أقلية داخل الاتحاد الأوروبي بتجميد القرار لبعض الوقت.

(2) اعترضت “بريطانيا” حول قضايا العدل.

(3) اعترضت “إيطاليا” على عدد النواب في البرلمان الأوروبي, وقد خفضت المعاهدة عدد النواب في البرلمان الأوروبي إلى (750) عضواً بدلاً من (785) عضواً, على أن تمنح “إيطاليا” مقعداً إضافياً.

و. في 13 ديسمبر 2007, وقع قادة دول الاتحاد الأوروبي في العاصمة البرتغالية “لشبونة” التوقيع النهائي على معاهدة إصلاحات الاتحاد الأوروبي, وذلك تمهيداً لعرضها على برلمانات جميع الدول للتصديق عليها دون استفتاء، عدا دولة أيرلندا – نظراً لعدم اكتمال التعديلات الدستورية بها والتي تسمح بعرض المعاهدة على البرلمان الأيرلندي دون إجراء استفتاء شعبي عليها- قبل دخول المعاهدة إلى حيز التنفيذ اعتبارا من شهر يناير من عام 2009, والتي تحتاج إلى تصديق جميع الدول (27) الأعضاء في الاتحاد الأوروبي عليها, حتى تصبح نافذة المفعول.

4. نتائج التصديق وأزمة “معاهدة لشبونة”

بدأ خلال يونيه 2008, عرض “معاهدة إصلاحات الاتحاد الأوروبي” على برلمانات الدول الأعضاء بالاتحاد للتصويت عليها. كما طرحت للاستفتاء الشعبي في دولة أيرلندا. وكانت النتائج كالآتي:

أ. في 12 يونيه 2008, رفض الناخبون في أيرلندا خلال الاستفتاء الشعبي “معاهدة لشبونة”، في ضربة جديدة لخطط الإصلاحات المؤسسية للاتحاد الأوروبي, والتي أثارت معها أزمة مؤسسية جديدة, وحرج شديد لقادة دول الاتحاد الأوروبي. وأظهرت نتائج الاستفتاء أن نسبة (53.4%) من الأيرلنديين رفضوا المعاهدة. ويرجع السبب في ذلك إلى اعتقاد الأيرلنديين بأن المعاهدة سوف تحد من نفوذ الدول الصغيرة (تمثل أيرلندا نسبة 1% من تعداد سكان الاتحاد الأوروبي البالغ عدده حوالي 504 مليون نسمة), وتمنح رئاسة الاتحاد الأوروبي سلطات جديدة في السياسة الخارجية والدفاع، يكون من شأنها تقويض الحياد التاريخي لأيرلندا ذاتها. وقد أعربت كل من فرنسا وألمانيا عن عميق أسفهما للرفض الأيرلندي لمعاهدة لشبونة, وأعلن رئيس المفوضية الأوروبية “جوزيه مانويل بارسو” أن “معاهدة لشبونة” مازالت حية, وأنها لم تمت بعد, وذلك في إشارة إلى نتائج المصادقة على المعاهدة في برلمانات باقي دول الاتحاد الأوروبي.

ب. في اليوم نفسه, أقرت برلمانات (18) دولة من دول الاتحاد الأوروبي “معاهدة  لشبونة”.

ج. في 19 يونيه 2008, صادقت بريطانيا على “معاهدة لشبونة”, حيث وافقت عليها رسمياً الملكة “إليزابيث الثانية Elizabeth Alexandra Mary Windsor”, بعد أن أقرها مجلس اللوردات البريطاني في اليوم السابق.

د. أقرت باقي برلمانات دول الاتحاد الأوروبي تباعاً “معاهدة لشبونة”، عدا دولتي بولندا, وتشيكيا.

5. تحرك الاتحاد الأوروبي لاحتواء أزمة “معاهدة لشبونة”

في إطار احتواء أزمة “معاهد لشبونة”, واستكمالا للبناء السياسي للاتحاد الأوروبي, تحركت دول الاتحاد على المحاور الرئيسية الآتية:

أ. في 16 يونيه 2008, اجتمع وزراء خارجية الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي في “لوكسمبورج Luxembourg”، لبحث آثار الرفض الأيرلندي لمعاهدة لشبونة. وقد طلب وزراء الخارجية من وزير الخارجية الأيرلندي “مايكل مارتن” العمل على إقناع الشعب الأيرلندي بقبول المعاهدة. كما ركز الحاضرون على الحصول على تأكيدات من كل من بريطانيا, وجمهورية التشيك بأنهما سيدعمان التصديق على المعاهدة.

ب. في 17 يونيو 2008, أجتمع الرئيس الفرنسي “نيكولا ساركوزى” مع رؤساء وزراء كل من التشيك, وبولندا, وسلوفاكيا والمجر, لبحث سبل إنقاذ “معاهدة لشبونة” على طريق استكمال مسيرة البناء السياسي للاتحاد الأوروبي.

ج. خلال يومي 19, 20 يونيه 2008, عقدت قمة دول الاتحاد الأوروبي, أو ما يطلق عليها “قمة الأزمة” في مقر الاتحاد الأوروبي في “بروكسل Brussels”، بهدف بحث الخطوة المقبلة, واتخاذ القرار المناسب عقب رفض أيرلندا “معاهدة لشبونة”. وقد أسفرت القمة عن النتائج الرئيسية الآتية:

(1) رفض فكرة إجراء أي تعديلات على “معاهدة لشبونة”، كما حدث من قبل حيال الدستور الأوروبي الموحـد المرفوض, وأنه لن يتم توسيع عضوية الاتحاد الأوروبي قبل التصديق على المعاهدة, ودخولها حيز التنفيذ اعتبارا من يناير 2009.

(2) العمل على استكمال التصديق على “معاهدة لشبونة” من قبل الدول السبع المتبقية من دول الاتحاد الأوروبي خلال الأربعة أشهر القادمة, وحتى موعد انعقاد مؤتمر قمة قادة دول الاتحاد الأوروبي المخطط له 15 أكتوبر 2008.

(3) زيارة الرئيس الفرنسي “نيكولا ساركوزى” “أيرلندا” خلال شهر يوليه 2008، عندما تتولى فرنسا رئاسة الاتحاد الأوروبي, بهدف إقناع الشعب الأيرلندي بالتصديق على “معاهدة لشبونة”.

(4) التصريح لدولة “سلوفينيا” بدخول منطقة اليورو اعتبارا من 2009, وذلك بعد الوفاء بالشروط الاقتصادية اللازمة لذلك. وتعد “سلوفينيا” هي أول دولة شيوعية سابقة تنضم إلى اليورو.

(5) رفع العقوبات الأوروبية المفروضة على دولة “كوبا”، منذ عام 2005.

6. البدائل التي طرحت لحل أزمة “معاهدة لشبونة”

تشير تقديرات تحرك الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لاحتواء أزمة “معاهدة لشبونة” ـ حال تصديق برلمانات الدول السبعة المتبقية من دول الاتحاد الأوروبي على المعاهدة ـ إلى أن البدائل المطروحة لحل الأزمة تتمحور حول البديلين الرئيسيين الآتيين: 

أ. البديل الأول: استفتاء شعبي أيرلندي جديد: إجراء استفتاء شعبي أيرلندي جديد على “معاهدة لشبونة”, وذلك بعد إقناعه بقبولها.

ب. البديل الثاني: استبعاد أيرلندا من التوقيع على المعاهدة: أن يتم تجاوز الرفض الشعبي الأيرلندي بشكل قانوني, وذلك باستبعاد أيرلندا من قائمة الموقعين على المعاهدة، بعد التصديق عليها في برلمانات الدول (26) الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.

7. إطلاق “معاهدة لشبونة”

أ. يتطلب دخول “معاهدة لشبونة” إلى حيز النفاذ تصديق جميع الدول الـ (27) الأعضاء في الاتحاد الأوروبي عليها دون استثناء, أي حتمية تصديق شعوب وبرلمانـات باقي الدول الثلاث عليها, وهى: أيرلندا, وبولندا, وتشيكيا. وقد شهد الربع الأخير من عام 2009 عمليات التصديق المنشودة, والتي تمت على النحو التالي:

(1) في 3 أكتوبر 2009, وافقت أيرلندا في الاستفتاء الشعبي الثاني لها على الانضمام لمعاهدة لشبونة, والذي جاءت نتائجه بتأييد نسبة (67.13 %) صوتاً لصالح المعاهدة.

(2) في 10 أكتوبر 2009, وقع الرئيس البولندي “ليخ كاتشينسكى” على معاهدة لشبونة. ومن الجدير بالذكر, أن البرلمان البولندي وافق على المعاهدة في أبريل 2009, ولكن أرجأ الرئيس البولندي التصديق عليها انتظارا لنتيجة استفتاء الشعب الأيرلندي على المعاهدة.

(3) في 3 نوفمبر 2009, رفضت المحكمة الدستورية التشيكية العليا الدعوة المرفوعة ضد “معاهدة لشبونة”، بوصفها لا تمس سيادة الدولة, أو تتعارض مع دستور البلاد. وبهذا, فقد أزال قرار المحكمة الدستورية التشيكية العليا آخر العقبات التي كانت تحول دون تنفيذ معاهدة لشبونة. وعلى الفور, وقع الرئيس التشيكي “فاسلاف كلاوس” على المعاهدة, ولكنه طالب بحذف كل ما من شأنه أن يجعل تشيكيا مجبرة على دفع تعويضات للألمان، الذين طردوا من إقليم “السوديت” التشيكي عام 1945 مع نهاية الحرب العالمية الثانية بحجة  أنهم ناصروا النازية.

ب. طبقاً للوثائق الرسمية، فإن “معاهدة لشبونة” تصبح سارية المفعول في أول يوم من الشهر التالي لقيام آخر دولة موقعة عليها بإيداع نصوص التصديق. وفى هذا السياق, فإنه بعد تصديق جمهورية تشيكيا ـ آخر دول الاتحاد الأوروبي ـ على “معاهدة لشبونة”, فإنها تدخل حيز التنفيذ في كل دول الاتحاد الأوروبي مع بدايـة ديسمبر 2009, ويصبح الطريق ممهداً أمام بناء أوروبا الموحدة في ظل برلمان أوروبي قوى.

ج. يأتي دور المفوضية الأوروبية لسرعة دخول “معاهدة لشبونة” حيز النفاذ, ولتصبح سارية المفعول, وذلك من خلال تنفيذ الخطوات الرئيسية الآتية:

(1) تعيين رئيس الاتحاد الأوروبي. ومن الجدير بالذكر, أن دول “البينلوكس” (هولندا ـ بلجيكا ـ لوكسمبورج) ترى أن من يحتل هذا المنصب الرفيع يجب أن تتوافر فيه المواصفات الرئيسية الآتية:

( أ ) أن يكون رئيس دولة سابق, أو رئيس وزراء سابق ذا وزن سياسي دولي كبير.

(ب) أن يكون من أنصار الاتحاد الأوروبي، وله خبرة واسعة في المجلس الأوروبي.

(ج) أن يكون مستعداً للإنصات إلى رؤساء الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.

(2) تعيين الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للسياسة الخارجية والأمن والدفاع (وزير خارجية الاتحاد الأوروبي), والذي سوف يشغل أيضاً منصب نائب رئيس المفوضية الأوروبية.

(3) استكمال تشكيل المفوضية الأوروبية, خاصة بعد انتهاء ولايتها في 31 أكتوبر 2009. وفى هذا السياق, أتفق زعماء الاتحاد الأوروبي في 19 نوفمبر 2009 بمقر الاتحاد الأوروبي في “بروكسل” على تعيين رئيس الوزراء البلجيكي “هيرمان فان رامبوى” رئيساً للاتحاد الأوروبي, وعلى اختيار رئيسة المفوضية الأوروبية لشؤون التجارة , البريطانية “كاثرين أشتون” وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي.

سادساً: الإنجازات الرئيسية خلال رحلة تأسيس وتطور الاتحاد الأوروبي

1. في مجال القوى الشاملة

أ. في مجال القوة السياسية

(1) تكوين المؤسسات السياسية الرئيسية للاتحاد الأوروبي, وهى: المفوضية الأوروبية, والبرلمان الأوروبي, ومجلس الاتحاد الأوروبي, مع تعيين كل من رئيس الاتحاد الأوروبي, والممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمن والدفاع، فور إقرار “معاهدة لشبونة”.

(2) لم يحقق الاتحاد الأوروبي مستوى الأداء المتوقع من ثقله الإقليمي في مجال السياسة الخارجية, ويرجع ذلك ليس فقط إلى عدم وجود جهاز كفء قادر على إدارة السياسية الخارجية, وإنما أيضاً لتباين التوجهات السياسية بين دول وسط وشرق أوروبا, والتي تؤيد بصورة مطلقة السياسة الخارجية الأمريكية, وبين دول غرب أوروبا, وفى مقدمتها فرنسا وألمانيا, اللتان تتبنيان نهجاً مستقلاً تجاه الأزمات ذات التأثير على الأمن القومي الأوروبي. ويمكن رصد ذلك التباين بين مؤيد ومعارض, لأسلوب إدارة الأزمات الدولية والإقليمية, والتي من أهمها الآتي:

( أ ) أزمة حرب البلقان, عام 1992.

(ب) أزمة حرب الخليج الثالثة (غزو دولة العراق), عام 2003.

(ج) أزمة حرب القوقاز (الحرب الروسية/ الجورجية), عام 2008.

(د) أزمة حرب غزة, عام 2008/2009.

(هـ) أزمة الملف النووي الإيراني.

ب. في مجال القوة الاقتصادية

(1) تكوين المؤسسات الاقتصادية الرئيسية للاتحاد الأوروبي, وهى: اللجنة الاقتصادية والاجتماعية الأوروبية, والبنك المركزي الأوروبي, وبنك الاستثمار الأوروبي, ومحكمة المدققين.

(2) تأسيس السوق الأوروبية الموحدة العملاقة, والتي تعد أكبر سوق حرة في العالم, وتضم (27) دولـة, ويعيش بها (504) مليون نسمة, يتمتعون بحرية البيع والشراء, وحرية الانتقال والعمل.

(3) إصدار العملة النقدية الأوروبية الموحدة “اليورو” في الأول من يناير 2002, والتي أدى استقرارها إلى أن أصبحت إحدى العملات الرئيسية في العالم.

(4) تأسيس أول وحدة جمركية أوروبية باسم “المؤسسة الاقتصادية الأوروبية”.

(5) زيادة معدلات النمو الاقتصادي للعديد من دول الاتحاد الأوروبي في إطار “النموذج الوحدوي الأوروبي”, مثل: دولتي أيرلندا, وأسبانيا, حيث حققتا معدل نمو كبير في العشرين عاماً الماضية بدعم من الاتحاد الأوروبي.

(6) دعم النظم الاقتصادية لأعضاء الاتحاد الأوروبي الجدد, وخاصة من دول وسط وشرق أوروبا.

(7) معالجة الأزمات الاقتصادية, والمالية التي عانت بعض دول الاتحاد الأوروبي منها, والتي يأتي في مقدمتها دولة اليونان مؤخراً.

ج. في مجال القوة العسكرية

(1) بناء السياسة الدفاعية والأمنية المستقلة للاتحاد الأوروبي، بعيداً عن منظمة حلف شمال الأطلسي.

(2) تشكيل القوات الأوروبية الرئيسية, والتي من أهمها: الجيش الأوروبي الموحد “الفيلق الأوروبي”, وقوة التدخل السريع الأوروبية.

د. في مجال القوة الاجتماعية والثقافية

(1) تكوين المؤسسات الاجتماعية الرئيسية للاتحاد الأوروبي, والتي من أهمها: محكمة العدل للاتحاد الأوروبي.

(2) تقديم المساعدات الاجتماعية لمواطني الاتحاد الأوروبي الأقل دخلاً, وخاصة في مجالات الصحة, والتعليم.

(3) إنشاء “منطقة ثقافية مشتركة” للأوروبيين, بهدف تشجيع قيام “مواطنة أوروبية”.

2. في مجال التعاون الإستراتيجي الأورومتوسطى

أ. مشروع الشراكة الأورومتوسطية “عملية برشلونة”

أطلق مشروع الشراكة الأورومتوسطية في مدينة “برشلونة Barcelona” الأسبانية في 27 نوفمبر 1995, بمشاركة (27) دولة, منها (15) دولة من الاتحاد الأوروبي, و(12) دولة من حوض البحر المتوسط, منها عشر دولة عربية. وتتلخص الأهداف, والمحاور الرئيسية لمشروع الشراكة في الآتي:

(1) الأهداف الرئيسية لمشروع الشراكة الأورومتوسطية

يتلخص الهدف الرئيسي لمشروع الشراكة في تحويل حوض البحر المتوسط إلى منطقة تسود فيها حرية الحوار, والتعاون المتبادل بما يضمن الأمن والاستقرار والازدهار الإقليمي في منطقتي الاتحاد الأوروبي, والمنطقة العربية, وذلك من خلال تحقيق الأهداف الرئيسية الآتية:

(أ) تأمين الدول الأوروبية ضد الأخطار العسكرية, والتهديدات البيئية المحتملة.

(ب) تأمين مصادر الطاقة, وتوفير موارد المواد الأولية اللازمة للصناعات الحيوية الأوروبية.

(ج) توفير أسواق مفتوحة للمنتجات الأوروبية من خلال رفع كل الحواجز الجمركية, والحد من وسائل حماية الصناعات الوطنية في دول جنوب البحر المتوسط.

(د) تأمين مصادر اليد العاملة المؤهلة للدول الأوروبية من دون أية مساهمة منها في تكوينها, أو تدريبها.

(هـ) حماية الدول الأوروبية من الهجرة غير الشرعية، التي تخلق مشاكل ديموجرافية لها, وتسبب ضغطاً ثقافياً, وخللاً دينياً, وخطراً أمنياً داخلها.

(و) حماية الدول الأوروبية من الإرهاب, بوصفه قادماً من دول جنوب البحر المتوسط, والعمل على مكافحته, وتجفيف منابعه, والقضاء عليه.

(ز) حماية الدول الأوروبية من الجرائم العابرة للحدود الدولية, وخاصة المخدرات.

(ح) توفير مناخ مواتي بين دول مشروع الشراكة يكون من شأنه دعم مسار التطبيع بين الدول العربية ودولة إسرائيل, وذلك بإزالة الحواجز النفسية, والتعهد بعدم الاعتداء فيما بينها.

(2) المحاور الرئيسية لمشروع الشراكة الأورومتوسطية

تتمحور وثيقة “إعلان برشلونة” حول ثلاثة محاور رئيسية, بيانها كالآتي:

(أ) الشراكة السياسية, والأمنية.

(ب) الشراكة الاقتصادية, والمالية.

(ج) الشراكة الاجتماعية, والثقافية, والإنسانية.

ب. الاتحاد من أجل المتوسط

(1) أطلق الرئيس الفرنسي “نيكولا ساركوزى”، في 16 مايو 2007, مبادرته الشهيرة بشأن إقامة “الاتحاد من أجل المتوسط”، على غرار السوق الأوروبية المشتركة, والذي يضم في عضويته دول شمال وجنوب حوض البحر المتوسط, والدول الأوروبية غير المتوسطية.

(2) يعد الاتحاد من أجل المتوسط امتدادا طبيعياً, وتطويراً إيجابياً لمشروع الشراكة الأورومتوسطية “عملية برشلونة”, وتأكيداً للرغبة الأوروبية الملحة في مواصلة التعاون مع دول جنوب البحر المتوسط؛ فالشمال المتوسطي على يقين تام من أنه لن يتمكن من المحافظة على الرخاء والرفاهية, أو مواصلة تطوير الاقتصاد الأوروبي دون المشاركة في تحقيق الأمن والاستقرار, والرخاء والرفاهية لجيرانه في الجنوب المتوسطي. ومن دراسة الاتحاد من أجل المتوسط, يمكن رصد الآتي:

(أ) القيادة الثنائية المشتركة

عُينت رئاسة مشتركة للاتحاد من أجل المتوسط, تتكون من قيادتين على الدرجة نفسها من المساواة, وهما: القيادة الأولى: وتتولاها فرنسا, والتي تختص بقيادة دول الضفة الشمالية للبحر المتوسط (الدول الأوروبية), والقيادة الثانية: وتتولاها مصر, وتختص بقيادة الدول العشر للضفة الجنوبية للبحر المتوسط, وهى من قارة أفريقيا (مصر ـ تونس ـ الجزائر ـ المغرب ـ موريتانيا), ومن قارة آسيا (سورية ـ لبنان ـ الأردن ـ فلسطين ـ إسرائيل).

(ب) الأهداف الرئيسية للاتحاد من أجل المتوسط

·   دعم التنمية الشاملة في دول جنوب البحر المتوسط, وذلك من خلال تعزيز علاقات التعاون في جميع المجالات, والمشاركة الاقتصادية, وتشجيع وزيادة الاستثمارات الأوروبية، بما يحقق تضييق الفجوة بين شمال المتوسط وجنوبه.

·   إقامة منطقة أمنية مشتركة, والاتفاق على مفهوم للأمن الجماعي, ولمحاربة الإرهاب, ولمكافحة تجارة المخدرات, والرقيق.

·   تقنين الهجرة, وإيجاد بدائل للدول المصدرة لها، بما يحقق الحد من الهجرة غير الشرعية.

·   إقامة منطقة لحوار الحضارات, وتبادل الثقافات, بحيث تصبح نقطة الوصل بين أوروبا وأفريقيا.

(ج) المحاور الرئيسية والمشروعات المطروحة في إطار الاتحاد من أجل المتوسط

·   المحور الرئيسي الأول: يتضمن المحور مشروعات التنمية الاقتصادية, وتوفير الأمن الغذائي, والحصول على المياه, وتوليد الطاقة البديلة (الطاقة الشمسية), وإنشاء وكالة متوسطية لتنمية الأعمال وتشجيع المؤسسات المتوسطة والصغيرة.

·   المحور الرئيسي الثاني: يتضمن المحور مشروعات حماية البيئة البحرية, وتنقية مياه البحر المتوسط من التلوث, وإنشاء خطوط نقل بحري تربط بين موانئ البحر المتوسط, والأمن البحري, وإنشاء مركز متوسطي للحمايـة المدنية ومواجهة الكوارث الطبيعية.

·   المحور الرئيسي الثالث: يتضمن المحور مشروعات التعليم العالي, والبحث العلمي, والتدريب, والثقافة, والصحة, وانتقال الأفراد.

·   المحور الرئيسي الرابع: هو المحور السياسي, والذي يختص بالتعامل مع العديد من القضايا السياسية على الساحتين الإقليمية والدولية, ويركز على عملية السلام بالشرق الأوسط.

 

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى