دراسات أوروبية-أورومتوسطيةدراسات استراتيجيةدراسات سياسية

ملف شامل حول تطورات مسار انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي – الجزء الرابع

شروط الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي

ظل الانضمام إلى الجماعة الأوروبية عملية مفتوحة أمام الدول الأوروبية، المستعدة للتوقيع على المعاهدات التأسيسية الثلاث, والتي تقبل بتطبيق القانون الأوروبي بأكمله. وبموجب “معاهدة روما”, فإنه “يمكن لأية دولة أوروبية أن تتقدم بطلب للانضمام إلى المجموعة الأوروبية (الاتحاد الأوروبي)”.

تنص المادة (o) من معاهدة الاتحاد الأوروبي على جواز انضمام أية دولة أوروبية إلى الاتحاد الأوروبي, بأن توجه طلبها في هذا الصدد إلى المفوضية الأوروبية, والتي تتخذ قرارها بالإجماع، بعد استشارة مجلس الاتحاد الأوروبي, وموافقة البرلمان الأوروبي.

وشروط الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي ليست موضوعاً للتفاوض؛ فعلى الدول المرشحة أن تقبل بتكييف أوضاعها بحيث تقبل كافة التشريعات, والاتفاقيات التي تحكم الاتحاد الأوروبي بشكله الحالي. بمعنى, أن الدول المرشحة لا تتفاوض حول شكل الاتحاد الأوروبي الذي ستنضم إليه, وإنما تتفاوض حول شروط, وكيفية تأهيلها للحصول على عضوية الاتحاد.

أولاً: أنواع عضوية الاتحاد الأوروبي:

1. تنظم معاهدة الاتحاد الأوروبي أنواع العضوية به على النحو الآتي:

أ. العضوية الأصلية:

هي العضوية التي منحت للدول الأوروبية المؤسسة للاتحاد الأوروبي.

ب. العضوية بالانضمام:

هي العضوية المفتوحة للدول الأوروبية فقط, وذلك وفقاً لشروط الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. وتعد العضوية بالانضمام “عضوية كاملة”.

ج. العضوية بالانتساب:

هي العضوية المفتوحة للدول الأوروبية, والدول غير الأوروبية، على حد سواء. وتعد العضوية بالانتساب “عضوية غير كاملة/ منقوصة”.

2. يتمتع العضو الأصلي, وكذلك العضو المنضم، بكامل حقوق العضوية. أما العضو المنتسب فلا يتمتع بتمثيل لدى مجلس الاتحاد الأوروبي (مجلس الوزراء). ويجوز إيقاف عضوية أية دولة من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي في الحالتين الرئيسيتين الآتيتين:

أ. ارتكاب مخالفة جسيمة لأحكام المادة الثالثة من النظام الأساسي (عدم تطبيق الأساليب الديموقراطية).

ب. التخلف عن تنفيذ الالتزامات المالية.

ثانياً: شروط الانضمام إلى عضوية الاتحاد الأوروبي:

1. الشروط الأساسية لعضوية الاتحاد الأوروبي:

أ.  أن تكون الدولة طالبة العضوية من الدول الأوروبية.

ب. أن تكون الدولة قادرة, أو راغبة في تحمل الالتزامات السياسية, والاقتصادية للعضوية.

ج. أن تكون الدولة مستعدة لقبول, وتطبيق قوانين الاتحاد الأوروبي.

د. أن تعتنق الدولة طالبة العضوية مبادئ: الحرية, والديموقراطية, واحترام حقوق الإنسان وحريته الأساسية, وسيادة القانون. 

2. معايير كوبنهاجن “1” Copenhagen Criteria

أ. بدأت تظهر شروط الانضمام إلى عضوية الاتحاد الأوروبي في “معاهدة ماستريخت”, عندما أضافت “أنه على الدول الأعضاء أن تكون ذات أنظمة حكم مؤسسة على مبادئ الديموقراطية”.

ب. أدى الفرق الشاسع في المستوى السياسي والاقتصادي بين دول أوروبا الوسطى, وأوروبا الشرقية, ودول الاتحاد الأوروبي (دول أوروبا الغربية) إلى وضع مجلس الاتحاد الأوروبي شروط الانضمام إلى عضوية الاتحاد الأوروبي, والتي تأسست على الوثائق الثلاث الآتية: 

(1) معاهدة ” ماستريخت” عام 1992, وتحديداً المادة (49), والتي حددت معايير التوزيع الجغرافي, ومعايير السياسة العامة.

(2) إعلان ” كوبنهاجن” عام 1993، والذي أصدر ما يعرف بـ “معايير كوبنهاجن”، والتي حددت تفاصيل معايير السياسة العامة (السياسية – الاقتصادية – التشريعية).

(3) إطار المفاوضات مع الدول المرشحة, والذي يتضمن على شروط تفصيلية محددة خاصة بكل دولة على حده.

ج. تتضمن “معايير كوبنهاجن” على ثلاثة معايير رئيسية يجب على أية دولة أوروبية استيفاؤها، لكي تصبح عضواً في الاتحاد الأوروبي. ومن الجدير بالذكر, أنه لم تطبق “معايير كوبنهاجن” على الدول الأعضاء  في الاتحاد الأوروبي قبل عام 1993, إذ لم يكن لديها – عندئذ- أية آليات, أو أدوات لقياس مدى امتثال تلك الـدول لمعايير كوبنهاجن, والتي تشتمل على المعايير الرئيسية الآتية:

(1) المعايير السياسية:

(أ) إرساء أسس الديموقراطية النيابية: وبما يوفر الآتي:

– قدرة المواطنين على المشاركة السياسية، على قدم المساواة، وفى صنع القرار السياسي على كافة مستويات الحكم، بدءاً من المحليات, وحتى أعلى مستوى في نظام الحكم.

– الحق في إنشاء الأحزاب السياسية دون أي عائق.

– حرية إجراء الانتخابات بشفافية, ونزاهة.

– حرية الصحافة, وحرية النقابات المهنية, والجماعات غير الحكومية ( جماعات الضغط)، ومنظمـات المجتمع المدني, وحرية الفكر والرأي والتعبير.

(ب) بناء دولة سيادة القانون: وبما يضمن الآتي:

– أن تكون السلطات التنفيذية مقيدة بالقوانين.

– استقلال المؤسسة القضائية عن السلطة التنفيذية.

– تفكيك قواعد الاستبداد حال وجودها.

(ج) احترام حقوق الإنسان: وبما يحقق الآتي:

– إلغاء التشريعات المنافية لحقوق الإنسان.

– ضمان الحق في الحياة.

– ضمان الحق في محاكمة عادلة مستقلة وغير متحيزة, وعدم تطبيق القانون بأثر رجعى, مع تطبيق القانون لصالح المتهم.

– ضمان الحق في التحرر من العبودية, أو السخرة.

– ضمان الحق في عدم التعرض للتعذيب, أو العقوبات, أو المعاملات غير الإنسانية.

– ضمان حرية التفكير, والعقيدة الدينية.

(د) احترام حقوق الأقليات: دون معاناة من أي تمييز بشأن الآتي:

– حق التعبير عن الهوية داخل إطار الدولة.

– حرية المحافظة على, والممارسة الثقافية.

– حرية المحافظة على لغة الأقليات.

– تنفيذ الاتفاقية الإطارية بشأن حماية الأقليات الوطنية الآتية:

* في ألمانيا: الدنماركيون الذين يحملون الجنسية, والجماعات العرقية المقيمة تقليدياً في ألمانيا، والفريزيون من الجنسية الألمانية, والسنتى والرومان الذين يحملون الجنسية الألمانية.

* في النمسا: الكرواتية, والسلوفينية، والمجرية التشيكية, والسلوفاكية، والغجر، والسنتى, والمجموعات الصربية. 

* في أيرلندا: الرحل الأيرلنديون.

* في بريطانيا: كورنيش الأقليات, وكورنوال القوميين والجمهوريين في أيرلندا الشمالية.

* في الدنمارك: الأقلية الألمانية في جنوب جوتلاند.

* في سلوفاكيا: الأقليات الهنجارية.

* في سلوفينيا: الأقليات الوطنية الهنجارية, والإيطالية.

(2) المعايير الاقتصادية:

(أ) وجود نظام اقتصادي فعال يعتمد على نظام السوق.

(ب) إصلاح النظام المصرفي والمالي ليتكيف مع آليات أسعار الصرف الأوروبية, والنظم المعمول بها في دول الاتحاد الأوروبي.

(ج) إصلاح المؤسسات والمرافق العامة, بما يتفق مع المقاييس الموجودة في الاتحاد الأوروبي.

(د) بناء سوق محلية, قادرة على تحمل تبعات الانفتاح, والضغوط التنافسية, وقوى السوق المرتبطة بالسوق الداخلية الأوروبية.

(هـ) مكافحة الفساد والرشوة في جهاز الدولة.

(3) المعايير التشريعية:

وضع تشريعات, وسن قوانين تتناسب مع التشريعات والقوانين الأوروبية التي تم وضعها, وتبنيها منـذ تأسيس الاتحاد الأوروبي.

3. المعايير الجغرافية:

تنص المادة (49) من معاهدة “ماستريخت” على أنه يجب على أية دولة أوروبية أن تحترم مبادئ الاتحاد الأوروبي التي قد تنطبق على التسجيل, ولم يرد ذكر توسع الاتحاد الأوروبي ليشتمل على أية دول غير أوروبية.  ويمكن رصد حالات التوسع خارج القارة الأوروبية في الآتي:

أ. الحالة القبرصية:

أثير بعض الجدل حول المعايير الجغرافية في حالة انضمام جزيرة قبرص, التي تقع جغرافياً في قارة آسيا, ولكن دعمت علاقاتها التاريخية مع بعض الدول الأوروبية انضمامها, والتي تعاملت معها على أنها دولة أوروبية  في سياقات غير خاضعة للتوزيع الجغرافي.

ب. الحالة الفرنسية:

تقع غيانا الفرنسية في أمريكا الجنوبية, وعلى الرغم من ذلك فهي جزء من الاتحاد الأوروبي، لكونها جزءاً لا يتجزأ من الجمهورية الفرنسية.

ج. الحالة الدنماركية:

تعد جرينلاند الدنماركية جزءاً من قارة أمريكا الشمالية, ومع ذلك انضمت إلى الجماعة الاقتصادية الأوروبية عام 1973, بسبب تبعيتها للدنمارك.

4. الشروط الجديدة والإضافية لانضمام تركيا إلى عضوية الاتحاد الأوروبي:

وضع البرلمان الأوروبي شروطاً جديدة, وأخرى إضافية بشأن انضمام تركيا إلى عضوية الاتحاد الأوروبي – وإن كانت غير ملزمة لحكومات الدول الأعضاء-, والتي يبرز منها الآتي:

أ. الشروط الجديدة:

(1) تطوير النظام الديموقراطي (النظام البرلماني- الإدارة العامة/ الحكومة وأجهزتها), والنظام القضائي.

(2) تقليص نفوذ المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية التركية.

(3) تقوية النظام الاقتصادي من خلال ارتفاع معدلات نمو التنمية المستدامة, وزيادة الإنتاج, وتنامي منافسة السوق الحرة, والإجراءات الاستثمارية الجاذبة, وتهذيب الاقتصاد غير الرسمي (القطاع الخاص), وعمليات الخصخصة, وغيرها.

(4) التطوير في الهيكل الاجتماعي في مجالات التعليم, وسوق العمل, والمساواة الاجتماعية.

(5) تنفيذ الحكومة الإلكترونية في مجالات الرعاية الصحية, ونظام التعليم, والخدمات القانونية, والخدمات العامة, والتجارة الإلكترونية, وغيرها.

(6) نمو الحريات, وحقوق الإنسان, وخاصة حقوق الأقليات, مثل: الأقلية الكردية.

ب. الشروط الإضافة:

(1) وقف الصراع التاريخي بين تركيا واليونان.

(2) الانتهاء من القضية القبرصية.

ثالثاً: إجراءات الانضمام والمراقبة للدول المرشحة لعضوية الاتحاد الأوروبي:

1. إجراءات ما قبل الانضمام إلى عضوية الاتحاد الأوروبي:

أ. يُطلب من الدولة الراغبة في الانضمام إلى عضوية الاتحاد الأوروبي أن تلبى معايير محددة قبل بدء المفاوضات الرسمية للانضمام إلى العضوية؛ الأمر الذي يؤدى إلى اختلاف مدة إجراءات التفاوض من دولة إلى دولة أخرى.

ب. تحدد الدولة الراغبة في الانضمام إلى عضوية الاتحاد الأوروبي جدولاً زمنياً لتنفيذ السياسات, والإستراتيجيات, والإجراءات، التي من شأنها تلبية المعايير المطلوبة.

2. إجراءات الانضمام إلى عضوية الاتحاد الأوروبي:

أ. تجرى المفاوضات الرسمية للانضمام إلى عضوية الاتحاد الأوروبي بين كل دولة أوروبية مرشحة وبين المفوضية الأوروبية, بوصفها أنها تمثل الاتحاد الأوروبي ذاته.

ب. عند اختتام المفاوضات الرسمية, يصدر قرار بالسماح للدولة المرشحة بالانضمام إلى عضوية الاتحاد الأوروبي في شكل “معاهدة انضمام”, ولكن مع مراعاة الآتي:

(1) أن يُتخذ قرار الانضمام إلى عضوية الاتحاد الأوروبي بإجماع الدول الأعضاء الممثلة في مجلس الاتحاد الأوروبي.

(2) أن يوافق البرلمان الأوروبي على الانضمام إلى عضوية الاتحاد الأوروبي, وذلك بعد التصويت علـى القرار, وحصوله على الأغلبية المطلقة.

ج. يتم التصديق على معاهدة الانضمام من قبل كل من: مجلس الاتحاد الأوروبي, والمفوضية الأوروبية, والبرلمان الأوروبي, والدولة المرشحة, وذلك وفقاً للإجراءات الدستورية المعمول بها في كل دولة, والتي تصبح سارية المفعـول بعد تصديق الدولة المرشحة للعضوية عليها.

د. من الجدير بالذكر, أنه خلال فترة المفاوضات الرسمية تحصل الدولة المرشحة على مساعدات من الاتحاد الأوروبي, بغرض تسهيل مواكبتها للاتحاد اقتصاديا, وذلك وفقاً لآلية مالية تسمى “جهاز مساعدة ما قبل القبول/ Instrument for Pre-Accession Assistance – IPA”.

3. إجراءات مراقبة الدول الراغبة في الانضمام إلى عضوية الاتحاد الأوروبي:

تراقب المفوضية الأوروبية الدول الراغبة في الانضمام إلى عضوية الاتحاد الأوروبي في عدد (35) مجالاً, والتي من بينها: السياسة الخارجية والأمنية, والزراعة, والأمن الغذائي, والطاقة, وسياسات النقل.

رابعاً: الانتساب مع الاتحاد الأوروبي:

1. وضعت معاهدة الاتحاد الأوروبي مبدأً عاماً للانتساب مع الاتحاد الأوروبي في المادة (238) من المعاهدة, والتي نصت على “أنه يجوز أن يعقد الاتحاد الأوروبي مع دولة ثالثة, أو اتحاد دول, أو منظمة دولية, اتفاقيات تنشئ انتسابا (ارتباطا – Association), يتضمن التزامات وحقوقاً متبادلة, وأعمالاً مشتركة, وإجراءات خاصة”. كما تضمنت المواد أرقام من (131) إلى (136) أحكاماً خاصة بانتساب دول, وأقاليم ما وراء البحار.

2. أنواع الانتساب مع الاتحاد الأوروبي:

وتتحدد أنواع الانتساب مع الاتحاد الأوروبي في عدد (5) أنواع رئيسية, بيانها كالآتي:

أ.  أنتساب دول وأقاليم ما وراء البحار.

ب. انتساب دول العالم الثالث (النامي).

ج. أنتساب دول الاتحاد السوفيتي (السابق), وينبثق منه: أنتساب دول البلطيق, وانتساب دول وسط وشرق أوروبا.

د. أنتساب الدول أعضاء المنظمة الأوروبية للتجارة الحرة.

هـ. أنتساب الدول أعضاء مجلس الشمال.

وسوف يركز البحث على نوعين من أنواع الانتساب مع الاتحاد الأوروبي, وهما: أنتساب دول وأقاليم مـا وراء البحار, وانتساب دول العالم الثالث (النامي), بما يخدم انضمام تركيا إلى عضوية الاتحاد الأوروبي.

3. أنتساب دول وأقاليم ما وراء البحار:

أ. نظراً للعلاقة الخاصة بين بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ومستعمراتها السابقة وممتلكاتها, تضمنت معاهدة الاتحاد الأوروبي أحكاماً مسبقةً تنظم علاقة أنتساب دول وأقاليم ما وراء البحار مع الاتحاد الأوروبي.

ب. بموجب المواد من (131) إلى (136), توافق الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي على أن تنتسب مع الاتحاد الأوروبي الدول والأقاليم غير الأوروبية، التي لها علاقة خاصة مع بعض الدول الأعضاء به (إيطاليا, وبريطانيا, وبلجيكا, والدنمارك, وفرنسا, وهولندا- مثلاً), بهدف تنميتها اقتصاديا, واجتماعيا, وثقافياً, وإنشاء علاقات اقتصادية وثيقة معها, وأن تتمحور أهم أسس الانتساب حول الآتي:

(1) أن تطبق الدول الأعضاء, في مبادلاتها التجارية مع هذه الدول والأقاليم, القواعد نفسها التي تطبقها فيما بينها، طبقاً لمعاهدة الاتحاد الأوروبي.

(2) أن تطبق كل دولة أو إقليم, في مبادلاتها التجارية مع الدول الأعضاء ومع الدول والأقاليم الأخرى, القواعد نفسها التي تطبقها في علاقتها مع الدول الأوروبية، التي لها علاقات خاصة معها.

(3) أن تسهم الدول الأعضاء في الاستثمارات المطلوبة للتنمية المتواصلة في هذه الدول والأقاليم.

(4) أن يتم تنظيم حق التوطن للمواطنين, والشركات بين الدول الأعضاء وتلك الدول والأقاليم, طبقاً لنصوص معاهدة الاتحاد الأوروبي.

(5) أن يُعقد اتفاق لتنفيذ أنتساب هذه الدول والأقاليم.

ج. ارتباطا بالسابق, فقد تضمنت المواد أحكاماً تفصيلية عن معاملة متميزة للصادرات والواردات بين الدول الأعضاء وبين هذه الأقاليم, كما أنشئ صندوق التنمية الأوروبي عام 1958 لمساعدة هذه الدول والأقاليم في التنمية. وقد حصلت هذه الدول والأقاليم خلال الفترة (1990 – 1995) على منح من الصندوق تقدر بحوالي (140) مليون يورو, وعلى قروض من بنك الاستثمار الأوروبي تبلغ حوالي (25) مليون يورو.

د. من الجدير بالذكر, أن تصفية الاستعمار أدت إلى تقليص عدد الدول والأقاليم, ولم يبق منها سوى جزر صغيرة مبعثرة.

4. أنتساب دول العالم الثالث (النامي):

أ. قننت معاهدة الاتحاد الأوروبي اتفاقات الانتساب مع دول من العالم الثالث تحت عنوان: “تعاون التنمية” في المادة (130) من المعاهدة, والتي من أهم أحكامها أن تكمل سياسة “تعاون التنمية” السياسات التي تتبعها الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي, والتي تسهم في تنمية وتدعيم الديموقراطية, وسيادة القانون, واحترام حقوق الإنسان, وحرياته الأساسية, وتعمل على الآتي:

(1) تدعيم التنمية الاقتصادية والاجتماعية للدول النامية, وخاصة الدول الأقل نمواً.

(2) الانخراط التدريجي للدول النامية في الاقتصاد العالمي.

(3) تبني حملة ضد الفقر في الدول النامية.

ب. عقد الاتحاد الأوروبي اتفاقات أنتساب مع عدد (115) دولة من دول العالم الثالث, تضمنت اتفاق تجارة ومساعدة, والذي تمثل في الآتي:

(1) اتفاق لومي:

(أ) وقّع “اتفاق لومي” في عاصمة توجـو عام 1975, وتجدد في أعوام 1979, 1984, 1989, وزاد عدد الدول المنتسبة مع الاتحاد الأوروبي حتى وصل إلى عدد (70) دولة من أفريقيا, ومنطقة الكاريبي, والمحيط الهادي.

(ب) يهدف “اتفاق لومي” إلى: الإسراع بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للدول المنتسبة, وتوحيد وتنويع علاقاتها مع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بروح من التضامن والمصلحة المتبادلة. وتتضمن أهم مبادئه على: المساواة بين الشركاء, واحترام استقلالهم, والمصلحة المتبادلة, والاعتماد المتبادل.

(ج) تخصص لاتفاق لومي مبلغ (12) بليون يورو على خمس سنوات لتنفيذ مشروعات التنمية في دول الانتساب, موزعة بنسبة (10 %) من بنك الاستثمار الأوروبي, والباقي من ميزانية صندوق التنمية الأوروبي.   

(2) اتفاق دول البحر المتوسط غير الأوروبية:

( أ ) وقّع “اتفاق دول البحر المتوسط غير الأوروبية”, وتحديداً الدول العربية المطلة على حوض البحر المتوسط (سورية- لبنان- مصر- تونس- الجزائر- المغرب), ودولة تركيا, والذي تركز على التعاون المالي والفني، للمساعدة في إصلاح البنيان الاقتصادي والاجتماعي لدول البحر المتوسط غير الأوروبية, وذلك في شكل قروض منخفضة الفائدة من بنك الاستثمار الأوروبي, ومنح من ميزانية الاتحاد الأوروبي.

(ب) في عام 1994, وضعت سياسة شاملة تغطى منطقة الاتحاد الأوروبي بالكامل, بغرض إعادة التوازن في علاقات المساعدة, والتجارة للاتحاد مع دول الجوار الجغرافي, والتي اتجهت بشكل حاد لصالح دول وسط وشرق أوروبا منذ عام 1991, وبهدف المساهمة في استقرار المنطقة, ووصولاً إلى إنشاء أكبر منطقة تجارة حرة صناعية في العالم, تشتمل على: الاتحاد الأوروبي, ودول وسط وشرق أوروبا, ودول البحر المتوسط النامية. وفى الإطار السابق, رُصد الآتي:

– أهداف اتفاقيات الانتساب:

* إنشاء اتحاد جمركي مع تركيا.

* إنشاء إدارة مالية للمساعدة في إصلاح البنيان الاقتصادي والاجتماعي لدول البحر المتوسط غير الأوروبية.

* تطوير سياسة الاتحاد الأوروبي مع دول الجوار الجغرافي في جنوب وشرق البحر المتوسط، على أساس إعطاء الأولوية لمجالات تعاون ثلاثة, وهى: الانتقال الاقتصادي, وإصلاح الميزان الاقتصادي والاجتماعي, والوحدة الإقليمية.

– أسس اتفاقيات الانتساب:

* الحوار السياسي المنتظم.

* الإنشاء التدريجي لمنطقة تجارة حرة.

* تحرير التجارة في الخدمات.

* حرية انتقال رأس المال.

* تطبيق قواعد المنافسة.

* تدعيم التعاون الاقتصادي في المجالات المشتركة.

* التعاون المالي والثقافي والاجتماعي.

– مجالات اتفاقيات الانتساب:

* التعاون العلمي والفني والصناعي.

* العمل المشترك في مجالات البيئة, والهجرة غير الشرعية, ومحاربة المخدرات.

* المساعدة المالية, والتي تشتمل على قروض من بنك الاستثمار الأوروبي.

(ج) من الجدير بالذكر, أن دولتي فرنسا وأسبانيا يريان أن تطوير سياسة “الاتحاد من أجل المتوسط” سوف تؤدى إلى عدم انتقال مركز ثقل الاتحاد الأوروبي بعيداً للشمال, أو الشرق نتيجة للتوسع في عضوية الاتحاد في اتجاه وسط وشرق أوروبا.

خامساً: شروط الانضمام إلى منطقة الوحدة النقدية الأوروبية:

1. الطريق إلى الوحدة النقدية:

أ. لم تتوقف محاولات التعاون النقدي بين الدول الأوروبية بعد نهاية الحرب العالمية الثانية بدءاً بإنشاء “اتحاد المدفوعات الأوروبي” عام 1950. وبعد تكوين السوق الأوروبية المشتركة (الجماعة الاقتصادية الأوروبية) بموجب “معاهدة روما” عام 1957, تركزت جهود التعاون النقدي من أجل مواجهة أزمات اقتصادية مختلفة, مثل: اختلال موازين المدفوعات, وزيادة مستويات التضخم, والركود الاقتصادي, وزيادة نسب البطالة, وتدهور وضع الدولار كعملة الاحتياط الدولية, ثم وقف تحويله إلى ذهب .

ب. تطورت محاولات التعاون النقدي من مجرد كونها ترتيبات لمواجهة الأزمات المختلفة التي تتعرض لها دول الجماعة الأوروبية (الاتحاد الأوروبي), لكي تصبح هدفاً في حد ذاته, وهو تحقيق الوحدة الاقتصادية والنقدية الأوروبية, وهو الهدف الذي حققته “معاهد ماستريخت” في يوم 7 فبراير 1992, والتي بموجبها أنشئ الاتحاد الأوروبي, والذي يجسد التعاون الاقتصادي والنقدي الأوروبي.

2. العملة الأوروبية الموحدة:

أ. تعد فكرة العملة الأوروبية الموحدة “اليورو” قديمة بعمر الاتحاد الأوروبي نفسه، ولكن بدأ تطبيقها عملياً في  عام 1970, من خلال خطة “فيرنر”, التي طرحها رئيس الوزراء اللوكسمبورجي “بيير فيرنر”، والتي كانت نواة الاتحاد الاقتصادي والنقدي الأوروبي. وكانت تهدف الخطة إلى تطبيق عملة موحدة في الاتحاد الاقتصادي الأوروبي بحلول عام 1980, ولكن سرعان ما انهارت الفكرة, وحل محلها “اتحاد تصريف العملة الأوروبي” في عام 1972, ولاحقاً “النظام النقدي الأوروبي” في عام 1979.

ب. كان الهدف من “النظام النقدي الأوروبي” هو المحافظة على استقرار العملات المحلية, وذلك من خلال إنشاء عملة نقد شكلية لحساب تصريف العملة, تحت اسم “الإيكو- ECU”، والتي تعد العملة الأوروبية الموحدة السابقة لليورو. وفى عام 1988, وضعت الأساس لتطبيق تنفيذ العملة الأوروبية الموحدة.

3. أهداف العملة الأوروبية الموحدة:

كان الهدف الرئيسي من الإعلان عن ميلاد “اليورو” هو تحقيق الوحدة النقدية بين الدول الأوروبية، والتي تعد بدورها أهم حلقات الوحدة الاقتصادية الأوروبية المستهدفة, ذلك أن وجود عملة موحدة سيؤكد الوحدة الاقتصادية، وسيحد من الأزمات الاقتصادية التي تتعرض لها الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وخاصة في المجـال النقدي, وأسعار الصرف. كما تهدف دول الاتحاد الأوروبي إلى تحقيق مجموعة من الأهداف الاقتصادية أهمها الآتي:

أ. خلق سوق مالي أوروبي, يقوم على أسس اقتصادية موحدة.

ب. إيجاد دور فعال للعملة الأوروبية الموحدة على المستوى الدولي، وخاصة أمام الدولار الأمريكي.

ج. إتباع سياسية نقدية موحدة في الاتحاد الأوروبي, بالتوازي مع السياسة التجارية, والسياسية الزراعية المشتركة في دول الاتحاد.

د. تلافى سلبيات ومخاطر تقلبات أسعار الصرف بين عملات الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وتأثير هذه التقلبات على أداء الشركات، وحركة رؤوس الأموال بين الدول الأعضاء.

هـ. خلق مزيد من الشفافية في الأسعار, والتكاليف، وزيادة المنافسة، ورفع معدلات النمو الاقتصادي بالدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.

4. مكونات العملة الأوروبية الموحدة:

تتكون الوحدة النقدية الأوروبية (العملة الأوروبية الموحدة- اليورو) من سلسلة من الأوزان النسبية لعملات الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، حيث يتكون الوزن النسب لكل عملة من جزءين: جزء ثابت, وآخر متغير. ويتحدده الجزء الثابت بناءً على مجموعة من المؤشرات الاقتصادية الآتية:

أ. الأهمية النسبية للناتج القومي الإجمالي للدولة العضو بالنسبة لإجمالي ناتج دول الاتحاد الأوروبي.

ب. نسبة مساهمة الدول في إجمالي التجارة البينية للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.

ج. نصيب الدولة من التسهيلات الائتمانية قصيرة الأجل من صندوق التعاون الأوروبي.

5. فوائد العملة الأوروبية الموحدة:

تتميز العملة الأوروبية الموحدة بعدد من المزايا, والفوائد بالنسبة للاقتصاد الأوروبي, والتي بيانها كالتالي:

أ. الفوائد الداخلية :

(1) المساهمة في اكتمال السوق الأوروبية الموحدة الداخلية, لأنه من غير المتصور أن يوجد سوق واحد دون أن توجد عملة واحدة له.

(2) السماح للأوروبيين من الاستفادة من فوائد السوق الأوروبية الموحد.

(3) تعد أداة فعالة للتسيير في الدول الأعضاء في الوحدة النقدية الأوروبية, وذلك من خلال محاربة التضخم, وضبط عجز الموازنة والمديونية العامة, والتحكم في أسعار الفائدة.

(4) السماح بإيجاد محيط اقتصادي مستقر وملائم, وتفادى سلبيات ومخاطر تقلبات أسعار الصرف بين عملات الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي, وتأثيراتها على الأداء الاقتصادي لها.

ب. الفوائد الخارجية :

(1) تسمح العملة الأوروبية الموحدة بتحقيق الاستقرار، في العلاقات الاقتصادية والنقدية الدولية.

(2) تعد العملة الأوروبية الموحدة من وسائل التسوية التجارية الدولية, وعملة صعبة يتم الاحتفاظ بها في محافظ الاحتياطات الرسمية في البنوك المركزية .

(3) تسمح العملة الأوروبية الموحدة بأن يتصدر الاتحاد الأوروبي أكبر القوى التجارية على المستوى الدولي.

6. المراحل الرئيسية لتطبيق العملة الأوروبية الموحدة:

أ. المرحلة الأولى: تنقل رؤوس الأموال:

تمت المرحلة الأولى لنشأة العملة الأوروبية الموحدة “اليورو” في الأول من يوليو 1990, من خلال اتفاق يسمح بتنقل رؤوس الأموال بين دول الاتحاد الأوروبي.

ب. المرحلة الثانية: العملة الأوروبية الموحدة “اليورو”:

بدأت المرحلة الثانية في الأول من يناير 1994, من خلال تأسيس “المؤسسة النقدية الأوروبية”، والتي كانت سابقة لتأسيس “البنك المركزي الأوروبي” فيما بعد. وفى 16 ديسمبر 1995, تم الاتفاق على تسمية العملة الأوروبية الموحدة الجديدة بـ “اليورو- Euro” بدلا من الاسم القديم “الإيكو- ECU”. وفى 13 ديسمبر 1996, اتفق وزراء الاتحاد الأوروبي على معاهدة المحافظة على استقرار “اليورو”، والتي نصت على محافظة الدول الأعضاء على استقرار اقتصادياتهم المحلية, ومن ثم سعر صرف “اليورو”.

ج. المرحلة الثالثة: تحديد دول الاتحاد النقدي والاقتصادي الأوروبي:

(1) تشكلت المرحلة الثالثة مع انعقاد المجلس الأوروبي خلال الفترة من 1- 3 مايو 1998, واتفاقه على بنـود إضافية، أهمها تحديد الدول المطبقة للعملة, والاقتصاد الأوروبي الموحد, أي تحديد دول الاتحاد النقدي والاقتصادي الأوروبي. وفى 19 يونيو 2000, قرر المجلس الأوروبي ضم دولة اليونان إلى ذلك الاتحاد، ابتداء من عام 2001.

(2) في الأول من يناير 1999, حدّدت قيمة “اليورو” مقابل العملات المحلية للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي, وأصبح “اليورو” منذ ذلك التاريخ عملة بنكية لأول مرة. وفى اليوم التالي, دونت بورصات فرانكفورت، وباريس, وميلانو قيمة الأوراق المالية باليورو، كما ربطت العملات المحلية في الدول الأعضاء باليورو بدلاً من الدولار. وقد سمح – أيضاً- منذ ذلك التاريخ, بفتح حسابات في البنوك بالعملة الجديدة.

(3) بدأ توزيع العملة لأوروبية الموحدة الجديدة على البنوك والمؤسسات المالية بالدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي منذ النصف الثاني من عام 2001، ولكن بدأ التداول الرسمي لليورو اعتبارا من الأول من يناير 2002، وأصبح العملة الرسمية بالدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بدلاً من العملات المحلية، أي أوقف قبول الدفع بالعملات القديمة إلا في أماكن معينة (كالبنوك- مثلا).

7. معايير الانضمام إلى منطقة الوحدة النقدية الأوروبية “معايير التقارب”: (1)

أ. حددت “معاهدة ماستريخت” المعايير التي يجب احترامها من قبل الدول الراغبة في الانتقال إلى منطقة الوحدة النقدية الأوروبية ( منطقة اليورو), والتي أطلق عليها “معايير التقارب”, وبيانها كالآتي:

(1) استقرار أسعار الصرف:

(أ) يجب أن تكون تقلبات سعر صرف العملة خلال العامين الماضيين على الانتقال إلى العملة الأوروبية الموحدة – على أقل قدير- في نطاق التقلبات الطبيعية لنظام الصرف الأوروبي, دون أن تلجأ الدول المعنية إلى خفض قيمة عملتها بمبادرة منها. وتعد آلية سعر الصرف، المحور الأساسي في النظام النقدي الأوروبي. وتم الاتفاق على أن تقوم آلية سعر الصرف علـى مبدأين أساسيين, وهما كالآتي:

– المبدأ الأول: هامش التغير في سعر صرف:

ألا يزيد هامش التغير في سعر صرف عملة أية دولة عضو في النظام النقدي الأوروبي، مقابل عملات بقية الدول الأعضاء عن (± 2.25 %), وهو ما يعرف بالسعر المحوري.

– المبدأ الثاني: تعديل الأسعار المركزية:

 ألا يتم تعديل الأسعار المركزية، إلا باتفاق جميع الدول الأعضاء في النظام النقدي الأوروبي، وذلك ضماناً لاستقرار الوحدة النقدية الأوروبية.

(ب) كما تم الاتفاق على ضرورة إيداع كل دولة عضو في النظام النقدي الأوروبي نسبة (20 %) مما لديها من احتياطات (الذهب- الدولار) لدى صندوق التعاون النقدي الأوروبي مقابل “اليورو”, وذلك حتى تستخدم في التدخل في أسواق الصرف الأجنبي، لإجبار السلطات على استخدام ” اليورو” بدلاً من الدولار في التدخل في أسواق الصرف العالمية، وحتى يزداد نطاق استخدامه في إجراء التسويات بين البنوك المركزية الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.

(2) استقرار الأسعار:

يجب ألا يتعدى معدل التضخم (1.5) عن متوسط معدلات التضخم لأقل ثلاث دول أعضاء في الوحدة النقدية الأوروبية تضخماً.

(3) عجز الموازنة:

يجب ألا يزيد معدل العجز في الموازنة عن نسبة (3 %)، من الناتج المحلى الإجمالي.

(4) الدين العام:

يجب ألا يزيد حجم الدين العام عن نسبة (60 %)، من الناتج المحلى الإجمالي .

(5) أسعار الفائدة الطويلة الأجل:

  يجب ألا تتجاوز أسعار الفائدة نسبة (2 %) عن متوسط معدل أسعار الفائدة الطويلة الأجل في ثلاث دول أعضاء في الوحدة النقدية الأوروبية, والتي تشهد أقل معدلات التضخم.

ب. وقد استوفت اثنتا عشرة دولة “معايير التقارب”, وأصبحت تكون “الاتحاد النقدي والاقتصادي الأوروبي”, وهى (أسبانيا- أيرلندا- إيطاليا- ألمانيا- النمسا- اليونان- البرتغال- بلجيكا- فرنسا- فنلندا- لكسمبورغ- هولندا). 

موقف انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي

يرى بعض المراقبين أن انضمام تركيا إلى عضوية الاتحاد الأوروبي ـ إلى جانب عضويتها الحالية في منظمة حلف شمال الأطلسي ـ يمثل قيمة مضافة للقوة الإسلامية العالمية, وقوة داعمة للقضايا العربية الإقليمية والدولية, مع أن آخرين يرون أن ذلك الانضمام سوف يؤدي إلى حدوث خلل حاد في توازن القوى الإستراتيجي في منطقة الشرق الأوسط. ويزيد من ذلك الخلل حدوث التغير في مركز الثقل الجيوبوليتيكي في المنطقة لصالح ثلاث دول غير عربية, من بينها دولة تركيا.

ويرى حكماء أوروبا, وعقلاء العالم الغربي, أن الهجمات الإرهابية، في 11 سبتمبر 2001، بالولايات المتحدة الأمريكية, والعمليات الإرهابية في مدينتي مدريد ولندن, قد أثبتت أن إشراك بلد مسلم كبير (تركيا) في “النادي الأوروبي” ليس فقط مسألة مساعدة دولة مهمة إستراتيجياً، على مواجهة تحديات الحداثة والدمقرطة، بل يمثل أيضاً اختبارا فيما إذا كان الغرب عموماً راغباً في تشجيع إسلام ديموقراطي وعصري, قادر على استيعاب التوجهات المتطرفة في إطار القانون.

شرح رئيس الوزراء التركي “رجب طيب أردوغان Recep Tayyip Erdogan” ـ في تلخيص موجز, وبسيط, لكنه هادف ـ موقف انضمام تركيا إلى عضوية الاتحاد الأوروبي, عندما صرح بأن “العضوية الأوروبية غير مضمونة لتركيا إلى درجة أننا في كل يوم نسمع بشروط أو عقبة جديدة, تارة بالقول إن مفاوضات العضوية مرتبطة بحل المشكلة القبرصية, وأخرى بتحقيق معايير كوبنهاجن, وثالثة بإجراء استفتاء في الدول الأوروبية بشأن انضمام تركيا, ورابعة بتأكيد بعض كبار الشخصيات بأن الاختلاف الديني كفيل بعدم تحقيق العضوية الكاملة, وخامسة بالقول إن تركيا ليست جادة  في تحقيق الإصلاحات السياسية والدستورية المطلوبة منها. ولعل كل هذا وغيره, يقف وراء الخطاب الأوروبي المتردد الذي لا يقول (نعم كاملة), كما أنه لا يقول (لا مطلقة)، بشأن عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي؛ الأمر الذي يؤكد أن مسيرة انضمام تركيا إلى العضوية الكاملة للاتحاد الأوروبي ستكون صعبة وطويلة, وربما في حجم التباعد الحضاري بين الجانبين”.

الموقف الحالي (يناير 2011) من انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي

على الرغم من أن تركيا ـ من حيث الموقع الجغرافي ـ تعد دولة آسيوية, يقع جزء صغير منها (إستانبول) داخل القارة الأوروبية, إلا أنها في عام 1989، تقدمت بطلب للانضمام إلى عضوية الاتحاد الأوروبي؛ الأمر الذي لا يزال يثير جدلاً حاداً داخل النادي الأوروبي بين مؤيد, ومعارض, ما أدى إلى عدم حصول تركيا ـ حتى الآن ـ على عضوية الاتحاد الأوروبي.

أولاً: العلاقات التاريخية لتركيا مع الاتحاد الأوروبي

عند استعراض تاريخ العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي، خلال مراحل تأسيسه المختلفة, نرصد الآتي:

1. في عام 1959, تقدمت تركيا بطلب للحصول على عضوية “الجماعة الاقتصادية الأوروبية”.

2. في عام 1963, عقد الطرفان “اتفاق انتساب”, يقبل ضمناً ترشيح تركيا إلى عضوية “السوق الأوروبية المشتركة”.

3. في عام 1989, تقدمت تركيا بطلب للانضمام إلى “المجال الأوروبي الخالي من الحدود الدولية”.

4. في عام 1995, أصبحت تركيا طرفاً في “الاتحاد الجمركي”.

5. في عام 1999, قبل الاتحاد الأوروبي طلب تركيا للترشيح لعضويته.

6. في عام 2005/ 2006, اتُخذ القرار بإجراء المفاوضات بين الاتحاد الأوروبي وبين تركيا حول آلية الانضمام, إلا أنه من المتوقع أن يكون طريق المفاوضات صعباً وشاقاً, بل وشديد الوعورة.

ثانياً: انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي

1. مكاسب تركيا من الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي

تسعى تركيا، وبقوة، نحو الانضمام إلى عضوية الاتحاد الأوروبي, بهدف التمتع بالمزايا العديدة التي يتمتع بها أعضاؤه, مع تحقيق المكاسب الرئيسية الآتية:

أ. تقوية العلاقات السياسية التركية مع الدول الأوروبية, خاصة غير الأعضاء في منظمة حلف شمال الأطلسي.

ب. تنمية العلاقات الاقتصادية, ومضاعفة الاستثمارات الأوروبية في إطار اندماج الاقتصاد التركي في القوة الاقتصادية المتقدمة للاتحاد الأوروبي, مع الاستفادة من التكنولوجيا الأوروبية الحديثة، في كافة مجالات الصناعات التركية.

ج. إيجاد أسواق أوروبية مفتوحة للمنتجات التركية، من خلال رفع كل الحواجز الجمركية, والحد من وسائل حماية الصناعات الوطنية.

د. الخروج بتركيا من وضع “الدولة الطرف” إلى وضع “الدولة المركز”, حيث أدركت تركيا قيمتها, ومكانتها الإقليمية والدولية.

هـ. رد الاعتبار لتركيا في مواجهة مزاعم التهميش, ومجابهة تحركات إضعاف الدور التركي الإقليمي في محيطه الأوروبي, والتي تجسدت في فكرة “الشراكة المميزة”، التي تعرضها كل من ألمانيا والنمسا, وفى فكرة عضوية “الاتحاد من أجل المتوسط”، التي تعرضها فرنسا.

و. إنهاء كافة القضايا المعلقة ذات التأثير السلبي على العلاقات بين تركيا وبين الاتحاد الأوروبي (القضية الأرمينية- قضية الأقلية الكردية ـ القضية القبرصية ـ القضايا الخلافية مع اليونان ـ قضايا حقوق الإنسان).

2. أسباب تركيا ومبرراتها للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي

أ. ترى تركيا أنها عضو في النادي الأوروبي منذ انضمامها إلى “منظمة حلف شمال الأطلسي ـ الناتـو”, أي منذ عام 1952, وأنها بمثابة نقطة ارتكاز للمنظمة للانطلاق نحو منطقة الشرق الأوسط.

ب. ترشيح تركيا للانضمام إلى عضوية الاتحاد الأوروبي في بعض مراحل تأسيسه المختلفة (السوق الأوروبيـة المشتركة ـ الاتحاد الجمركي).

ج. أهمية الموقع الجغرافي الإستراتيجي لتركيا بوصفها تمثل حلقة الوصل المباشرة بين دول قارة أوروبا، وبين كل من دول منطقة الشرق الأوسط, ودول منطقة جنوب وشرق بحر قزوين, وخاصة الجمهوريات الإسلامية الخمس في وسط آسيا؛ الأمر الذي يساعد على تحقيق رغبة القارة الأوروبية في التوسع وراء حدودها الجغرافية لتدعيم نفوذها الإستراتيجي, وهي لن تستطيع تحقيق ذلك إلا عن طريق دمج تركيا داخلها.

د. استثمار الدور والثقل الإقليمي التركي بعد أن أصبحت تركيا ـ بعد حرب الخليج الثالثة ـ أحد أضلاع مثلث مركز الثقل الجيوبوليتيكى الجديد في منطقة الشرق الأوسط, والذي يتكون من الدول غير العربية الثلاث (تركيا ـ إسرائيل ـ إيران).

هـ. تمثل تركيا جسراً حضارياً مهماً بين الحضارة الأوروبية وبين الحضارات الأخرى في قارة آسيا, وخاصة الحضارة الإسلامية ـ بوصف أن تركيا دولة إسلامية ـ وأنها تعد نقطة التقاء لـ “حوار الحضارات”, ويمكنها أن تلعب دوراً بارزاً في تحقيق التقارب، وليس الصدام/ الصراع بين أوروبا وبين العالم الإسلامي.

و. تعد تركيا معبراً تجارياً بين الدول الأوروبية وبين دول كل من منطقة الشرق الأوسط, ومنطقة وسط وجنوب شرق آسيا, وخاصة الدولة الإسلامية بوصفها مركزاً للطاقة.

ز. تعد تركيا مركزاً مستقبلياً للطاقة, وممراً لأنابيب الغاز الطبيعي, حيث تمتلك تركيا نسبة عالية من احتياطيات النفط, والغاز الطبيعي في منطقة الشرق الأوسط, وأنها تقع بالقرب من أوروبا أكبر المناطق المستهلكة للطاقة. ويدعم ذلك المبرر, أنه منذ ثلاثة أعوام وحتى الآن، أن روسيا الاتحادية قطعت بين الحين والآخر إمدادات الغاز الطبيعي ـ المارة عبر أوكرانيا ـ عن أوروبا؛ الأمر الذي يزيد من احتمالات تحول تركيا إلى نقطة عبور للغاز الطبيعي إلى أوروبا.

3. أسباب رفض انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي

أ. الأسباب المعلنة

(1) أن تركيا دولة آسيوية, وليست دولة أوروبية بشكل كامل.

(2) عدم تلبية تركيا للشروط الجديدة والإضافية التي فرضها عليها البرلمان الأوروبي، إلى جانب “معايير كوبنهاجن”، للانضمام إلى عضوية الاتحاد الأوروبي.

(3) المعارضة الشعبية الأوروبية القوية لدخول تركيا إلى النادي الأوروبي الغنى, والتكلفة الاقتصادية العالية المنتظر أن تتحملها أوروبا لتحقيق ذلك.

(4) رفض تركيا الاعتراف بالجمهورية القبرصية ـ الدولة العضو في الاتحاد الأوروبي ـ وإصرارها على منع السفن والطائرات القبرصية من استخدام الموانئ والمطارات التركية, والذي تراه الدول الأوروبية بمثابة خطوة أولى للاعتراف التركي بالحكومة القبرصية اليونانية؛ ولكن تركيا تصر على عدم الاعتراف بالجمهورية القبرصية ما لم يقم الاتحاد الأوروبي باتخاذ خطوات متزامنة لفتح التجارة بين الدول الأعضاء به، وبين الكيان التركي في شمال جزيرة قبرص.

(5) رفض الجمهورية القبرصية انضمام تركيا إلى عضوية الاتحاد الأوروبي, واستخدامها لحق النقض (الفيتو) الذي تتمتع به ـ بصفتها دولة عضواً في الاتحاد ـ في عرقلة مفاوضات الانضمام.

(6) استمرار عمل تركيا بعقوبة الإعدام, وعدم العمل ـ من المنظـور الأوروبي ـ بقانون الدفاع عن حقوق الإنسان.

(7) وجود مجموعة من القضايا المعلقة بين الاتحاد الأوروبي وبين تركيا, والتي من أهمها الآتي:

(أ) القضية الأرمينية.

(ب) قضية الأقلية الكردية.

(ج) القضية القبرصية.

(د) القضايا الخلافية التركية/ اليونانية.

(هـ) معارضة تركيا الاشتراك العسكري, واستخدام أراضيها في غزو العراق عام 2003.

ب. الأسباب غير المعلنة

(1) أن تركيا “وريث الإمبراطورية العثمانية” لا تمثل دولة بقدر ما تمثله من بقايا الخلافة العثمانية, وأن صراعها القديم مع أوروبا ما زال قابعاً في العقلية الأوروبية.

(2) استحالة اندماج دولة تركيا، ذات الهوية الإسلامية، في دول القارة الأوروبية المسيحية, ذلك أن الدول الأوروبية على قناعة تامة من أن الهوية التركية من الداخل هي هوية إسلامية على الرغم مما تدعيه تركيا من أنها دولة علمانية, وتنص على ذلك في دستورها؛ ولكن الأوروبيون يرونها دولة علمانية غير مكتملة الأركان.

(3) إثارة تركيا لإشكالية أكبر الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي من حيث تعداد السكان؛ فعند حلول عام 2015, سوف يتجاوز تعداد سكان تركيا (70.1 مليون نسمة حالياً) تعداد سكان ألمانيا ـ أكبر الدول الأعضاء حالياً من حيث تعداد السكان ـ؛ الأمر الذي سوف يكون له انعكاسات تثير القلق على وزن تركيـا في عملية التصويت, وفى تمثيلها داخل الاتحاد الأوروبي, خصماً من وزن وتمثيل دولة ألمانيا.

(4) أن الاتحاد الأوروبي ينفق معظم أمواله في تطوير المجال الزراعي, وفى تقديم المساعدات إلى المناطق الفقيرة من الدول الأعضاء به, وتركيا تحتاج إلى الأمرين معاً بصورة كبيرة, وبشكل ملح؛ ما من شأنه أن يشكل عبئاً على الميزانية الأوروبية، التي تعانى أصلاً من مشاكل تمويلية خطيرة, وتحتاج إلى إصلاحات جدية، سواءً بانضمام تركيا إلى عضوية الاتحاد الأوروبي، أم من غير انضمامها.

(5) رفض أوروبا اقتسام حدودها الخارجية ـ حال انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي ـ مع كل من إيران، وسورية, والعراق.

4. رؤى القوى الأوروبية المعارضة والمؤيدة، لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي

أ. رؤية القوى الأوروبية المعارضة وأسبابها:

ثمة قوى معارضة داخل دول الاتحاد الأوروبي لا يستهان بها, ترفض انضمام تركيا, أو ما يطلق عليها “وريث الإمبراطورية العثمانية” إلى عضوية الاتحاد, والتي تصل إلى حد الاعتقاد بأن انضمام تركيا سوف يقضى على الهوية المسيحية, بل وسوف يشكل النهاية الحتمية للاتحاد الأوروبي. ويتأسس رفض القوى المعارضة على الأسباب الرئيسية الآتية:

(1) الأسباب الجغرافية: لا تعد تركيا دولة أوروبية بالمعنى الكامل, وذلك ارتباطا بالتقسيم الجغرافي للعالم, وأن مساحة الجزء الواقع منها داخل القارة الأوروبية (إستانبول ـ غرب بحر مرمرة) لا يتجاوز نسبة (3%) من المساحة الكلية لدولة تركيا.

(2) الأسباب السياسية: الشكوك الأوروبية حول ما إذا كان النظام السياسي التركي ديموقراطياً بما فيه الكفاية، للحصول علـى العضوية الكاملة في الاتحاد الأوروبي.

(3) الأسباب الاقتصادية: عدم تناغم الاقتصاد التركي ـ على الرغم مما شاهده من إصلاحات وتطورات إيجابية ـ مع أنماط اقتصاديات دول الاتحاد الأوروبي.

(4) الأسباب الحضارية والعقائدية

(أ) تشكل حضارة الأتراك ذات الطابع الشرقي قلقاً لدول الاتحاد الأوروبي.

(ب) الاختلاف العرقي والعقائدي والمذهبي التركي عن معظم دول الاتحاد الأوروبي (اعتناق الدين الإسلامي .. إلخ), على الرغم من تبنى تركيا للمذهب العلماني, وإصرارها على فصل أمور الدين عن شؤون الدولة.

(5) الأسباب المتعلقة بالقضية القبرصية: تتلخص القضية في الصراع التركي/ اليوناني حول مصير جزيرة “قبرص”, خاصة وأن اليونان, وقبرص الجنوبية (اليونانية) عضوان في الاتحاد الأوروبي.

ب. رؤية دعم القوى الأوروبية المؤيدة وأسبابها

ترى القوى الأوروبية المؤيدة أن فشل عملية انضمام تركيا ـ بوصفها أكبر دولة إسلامية علمانية ـ إلى الاتحاد الأوروبي، سوف يكون من شأنه إحداث التداعيات الرئيسية الآتية:

(1) إيجاد نوع من التباعد الثقافي, واتساع في الهوة الحادثة بين الحضارتين الإسلامية, والمسيحية الغربية.

(2) دفع تركيا إلى تأسيس دولة إقليمية مركزية في الدائرة الحضارية الإسلامية, أو إلى إقامة تحالفات مع دول أخرى, مثل: روسيا الاتحادية, وإيران.

(3) أن عضوية تركيا سوف تمنع انتشار الفكر المتشدد في منطقة الشرق الأوسط, وتحميها من الوقوع تحت سيطرة المتشددين.

(4) امتلاك تركيا لأراضٍ زراعية شاسعة, ولأيدٍ عاملة كبيرة؛ الأمر الذي من شأنه أن يدعم الاقتصاد الأوروبي.

(5) على الرغم من أن الدول العربية لا تنظر إلى تركيا على أنها نموذج يحتذى به في منطقة الشرق الأوسط، إلا أن كثيراً من الدول العربية سوف ينظر إلى رفض انضمام تركيا إلى عضوية الاتحاد الأوروبي بمثابة عنصرية دينية من جانب الدول الغربية.

ثالثاً: القضايا ذات التأثير على انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي

1. القضية الأرمينية

أ. الخلفية التاريخية

(1) بدأت القضية الأرمينية في الظهور في نهاية عهد الدولة العثمانية, عندما ظهرت مطالبات داخلية وخارجية تتعلق بحقوق الأعراق, والأديان الأخرى في الدولة, بعد ظهور النزعات القومية في أواخر عهد الدولة العثمانية.

(2) يدعى الأرمن بأنهم تعرضوا إلى مذابح تطهير عرقي في نهاية الدولة العثمانية ما بين عامي 1915, 1923, وراح ضحيتها (1.5) مليون أرمني؛ بينما يدعى الأتراك أن الأرمـن قاموا بمجازر جماعية ضد المواطنين الأتراك من قبل.

ب. الموقف الحالي

(1) يعد الجدل الثائر حول القضية الأرمينية، بين الاعتراف بحدوث مذابح التطهير من عدمه, من أهم القضايا التي تسببت في حدوث أزمات داخلية وخارجية لتركيا.

(2) حققت تركيا في الفترة الأخيرة إنجازات مهمة في مجال تلبية مطالب الأقليات, والتي من بينها الأقلية الأرمينية, وذلك في إطار تحقيق المعايير السياسية من “معايير كوبنهاجن”, على طريق انضمام تركيا إلى عضوية الاتحاد الأوروبي.

2. قضية الأقلية الكردية

أ. الخلفية التاريخية

(1) تمثل أزمة الأكراد أهم القضايا التي تهدد وحدة الدولة التركية, وأحد العقبات أمام انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي, حيث يطالب الأكراد بإقامة حكم ذاتي لهم في جنوب شرق تركيا.

(2) تعود جذور القضية الكردية إلى “اتفاقية سيفر” عام 1920 بين تركيا وبين الحلفاء المنتصرين في الحرب العالمية الأولى, والتي نصت على إقامة كيان قومي كردى في جنوب شرق تركيا, ويحصل الشعب التركي بعد خمس سنوات على الاستقلال. وقد نجح “مصطفى كمال أتاتورك” في حذف ذلك النص في معاهدة “لوزان” عام 1923. ومنذ ذلك التاريخ, تتعامل المؤسسات الحاكمة التركية المتعاقبة مع قضية الأقلية التركية على أنها قضية داخلية.

(3) بدأت القضية تهدد الوحدة التركية مع بروز عمليات حزب العمال الكردستاني الانفصالي في عام 1984, بزعامة “عبد الله أوجلان Abdullah Ocalan”. وامتدت المواجهات الدامية بين الجيش التركي وبين الانفصاليين الأكراد إلى منطقة شمال العراق, حيث تقطن الأقلية التركية العراقية, والتي تتمتع بالحكم الذاتي. ومن الجدير بالذكر, أن اعتقال “عبد الله أوجلان” في نهاية التسعينيات من القرن العشرين لم يؤدِ إلى إنهاء التمرد الكردي.

ب. الموقف الحالي

(1) استمرت العمليات العسكرية في منطقة جنوب شرق تركيا, والتي تطورت في عام 2007 إلى توغل الجيش التركي داخل الأراضي العراقية، في إطار ملاحقة المتمردين الأكراد؛ إلا أنها لم تحقق نتائج حاسمة.

(2) اتجهت تركيا إلى تقوية علاقاتها مع العراق, بما يضمن قيام الأخيرة بدور أكبر في مقاومة التمرد الكردي، المدعوم بشكل غير مباشر من إقليم كردستان في شمال العراق.

3. القضية القبرصية

أ. الخلفية التاريخية

(1) تعود جذور القضية القبرصية إلى نهايات القرن التاسع عشر, عندما انتقلت السيادة على الجزيرة إلى بريطانيا عام 1878, واستمرت حتى عام 1960, تاريخ إعلان استقلالها. ويشكل اليونانيون أغلبية السكان, ونسبتهم (80%) من تعداد سكان الجزيرة, مقابل نسبة (20%) من الأتراك الموجودين منذ العهد العثماني. وفى ظل الخلافات المحتدمة بين تركيا وبين اليونان حول بحر إيجة, والصراع الإقليمي بينهما, ظلت جزيرة قبرص موضعاً للأزمات بين الدولتين.

(2) تفجرت القضية القبرصية عام 1974, مع التدخل العسكري التركي, نتيجة الانقلاب اليوناني الذي وقـع في الجزيرة, واحتلت القوات التركية القسم الشمالي من الجزيرة, والذي تقدر مساحته بنحو (38%) من المساحة الكلية للجزيرة.

(3) أعلن القبارصة الأتراك عام 1983 عن قيام جمهورية شمالي قبرص التركية, وهى الدولة التي لم يعترف بها أحد في العالم سوى تركيا, بل وأصدر مجلس الأمن الدولي قراره الرقم (541) بأنها دولة غير مشروعة.

ب. الموقف الحالي

(1) تحولت القضية القبرصية من إحدى أسس السياسة الخارجية التركية في الثمانينيات والتسعينيات من القرن العشرين، إلى إحدى الملفات القابلة للتفاوض في السنوات الأخيرة, بسبب تراجع اهتمام تركيا بالمواجهة مع اليونان كجبهة أساسية. وفى الوقت نفسه, إعطاء ملف الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي الأولوية في السياسة الخارجية التركية، بعد أن أصبح تقسيم الجزيرة عقبة في طريق انضمام تركيا إلى عضوية الاتحاد الأوروبي, ولأن جمهورية قبرص تستطيع ممارسة حق “الفيتو” ضد انضمام تركيا.

(2) شهدت القضية القبرصية عام 2008 تحولات مهمة, أبرزها البدء في محادثات إعادة توحيد الجزيرة, والتي كانت توقفت عام 2004, حين عارض القبارصة اليونانيون خطة السلام، التي اقترحتها منظمة الأمم المتحدة, ووافق عليها القبارصة الأتراك.

4. القضايا الخلافية التركية/ اليونانية

هناك أربع قضايا خلافية بين تركيا وبين اليونان، إلى جانب القضية القبرصية, وبيانها كالآتي:

أ. الوجود العسكري اليوناني في بعض جزر بحر إيجة الشرقية

ترى اليونان أن الوجود العسكري في جزر بحر إيجة الشرقية حق شرعي لها في إطار الدفاع عن أراضيهـا, في حين تعده تركيا تهديداً لأمنها القومي, نظراً لقرب تلك الجزر من الساحل التركي.

ب. السيطرة على المجال الجوى

تتهم تركيا اليونان باستغلال الاتفاق الثنائي المبرم بينهما في منتصف الخمسينيات من القرن العشرين, والذي عهد فيه لليونان بتولي المسؤولية التقنية للسيطرة على المجال الجوى في بحر إيجة, وإدعاء اليونان بأن بلوغ المجال الجوى التركي (عشرة أميال), يتعارض مع تعليمات منظمة الطيران المدني الدولية, ويهدف إلى حجب “مجال معلومات الطيران” عن اليونان بحجة السيادة التركية, وبدعوى الحق في ضبط الطائرات العسكرية الأجنبية.

ج. الجرف القاري

ترى تركيا أن إدعاءات اليونان بتجاوزها على الجرف القاري للجزر اليونانية أثناء العمليات التركية للتنقيب عن النفط في أماكن مختلفة من بحر إيجة, أمراً مبالغاً فيه, ولا يتفق مع التحديد المتوازن والمتكافئ للجرف القاري لبحر إيجة, والذي له وضع متميز, ويقتضى حلاً خاصاً به.

د. المياه الإقليمية

ترى تركيا أن مدّ اليونان حدود مياهها الإقليمية وراء حدودها الحالية البالغة (6) أميال إلى (12) ميلاً بحرياً في بحر إيجة، يرقى إلى مستوى التهديد, وسوف يترتب عليه نتائج خطيرة تؤثر على فاعلية القدرات الدفاعية, والاقتصادية, والتجارية التركية.

رابعاً: موقف انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي

1. الموقف العام

أ. تعد تركيا من الدول المرشحة للانضمام إلى عضوية الاتحاد الأوروبي في المرحلة الثانية من التوسع, وأنه من المنتظر أن تبدأ المحادثات الخاصة بانضمامها اعتبارا من عام 2006. وارتباطاً بذلك, اتخذت تركيا مجموعة من القرارات والإجراءات الإصلاحية على طريق توفيق أوضاعها، طبقاً لشروط الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي “معايير كوبنهاجن”.

ب. لا شك أن الشروط الجديدة والإضافية التي وضعها البرلمان الأوروبي بشأن انضمام تركيا ـ وإن كانت غير ملزمة لحكومات الدول الأعضاء ـ أحدثت خدشاً ظاهراً في كبرياء الشعب التركي، هذا الشعب الذي مازال يعيش في ظلال الماضي القريب, عندما كانت الإمبراطورية العثمانية تحكم شرقاً وغرباً. ومن يدرك مدى تشبث الأتراك بقوميتهم وكبريائهم، يمكن أن يتفهم الرفض التركي القاطع لأي شكل من أشكال الانضمام المنقوص إلى عضوية الاتحاد الأوروبي كفكرة “الشراكة المميزة”, التي تدعمها الأحزاب المسيحية المحافظة في ألمانيا, والنمسا.

ج. لن تصبح تركيا ـ في أحسن حالات التفاؤل ـ عضواً في الاتحاد الأوروبي قبل مرور مدة (5 – 10) أعوام على الأرجح. ومن الجدير بالذكر, أن ما يزيد على نسبة (70%) من الأتراك يؤيدون الانضمام إلى عضوية الاتحاد الأوروبي الواعد بالنماء, والازدهار, والرخاء .

2. الرؤية المجتمعية للقوى التركية بشأن الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي

تتنازع حركة المجتمع التركي ـ من منظور الانضمام إلى عضوية الاتحاد الأوروبي ـ ثلاث قوى كالآتي:

أ. القوة الأولى: دعاة عدم الاندماج الأوروبي

القوة الأولى هي القوة الراغبة في احتفاظ تركيا بنقائها الحضاري, وخصوصيتها الاجتماعية والثقافية, وعدم السير وراء السراب الأوروبي لتحقيق الاندماج في المجتمع الأوروبي, ممثلاً في الاتحاد الأوروبي.

ب. القوة الثانية: دعاة التغريب

القوة الثانية هي قوة دعاة التغريب, والتي تنادى بتمسك تركيا بنظامها العلماني, والتضحية من أجل الانضمام إلى عضوية الاتحاد الأوروبي.

ج. القوة الثالثة: القوة العسكرية

القوة الثالثة هي القوة العسكرية الرافضة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي, حيث تدرك تماماً أن حدوث ذلك يمثل سحباً لكافة سلطاتها السياسية, ولقوتها الاقتصادية الخاصة, إضافة إلى إعادة تنظيم وضعها الدستوري, وفقاً لمعايير الاتحاد الأوروبي.

3. التوجهات العثمانية الجديدة في مواجهة العقيدة الكمالية

أ. العوامل الرئيسية لتحديد التوجهات العثمانية الجديدة

يمكن رصد ثلاثة عوامل رئيسية تسهم في تحديد التوجهات العثمانية الجديدة لحزب العدالة والتنمية في مواجهة العقيدة الكمالية, والتي تدعم توجهات تركيا نحو الانضمام إلى عضوية الاتحاد الأوروبي, وبيانها كالآتي:

(1) العامل الأول: الاستعداد للتصالح مع إرث تركيا الإسلامي والعثماني في الداخل والخارج

يتم التصالح مع إرث تركيا الإسلامي والعثماني من خلال الآتي:

(أ) عدم دعوة العثمانية الجديدة إلى فرض نظام قانوني/ حكم إسلامي في تركيا الحديثة, أو تدعـو إلى الإمبريالية التركية في منطقتي الشرق الأوسط, والبلقان، بل تسعى ـ بدلاً من ذلك ـ إلى علمانية أقـل تشدداً في الداخل, وإلى سياسة أكثر انفتاحا, ودبلوماسية أكثر حيوية في الخارج.

(ب) يتعين ـ في إطار النموذج العثماني الجديد ـ أن تمارس تركيا ما يعرف بـ “القوة اللينة” في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية في أراضى السلطنة العثمانية السابقة, وفى المناطق الأخرى, حيث المصالح الحيوية والإستراتيجية التركية. وتتطلب الرؤى الجديدة الواسعة للسياسة الخارجية التركية, احتضان إرثٍ للقوة العظمى العثمانية, وإعادة التعريف بالهوية القومية التركية, وصياغة توجهات دولة تركيا الحديثة.

(ج) يصاحب تحول الرؤى إلى النموذج العثماني الجديد تأثيرات كبيرة على صياغة السياسات, والإستراتيجيات التركية، ذلك أن التصالح بين العثمانية الجديدة وبين إرث تركيا الإمبريالي والإسلامي، يفسح المجال أمام تصور المواطنة ليكون أقل اعتماداً على الإثنية, وأكثر انفتاحاً على مفهوم التعددية الثقافية.

(د) ترى العثمانية الجديدة أن الحقوق الثقافية التركية لا تشكل خطراً كبيراً عند التعبير عن الهوية القومية التركية، وخاصة فيما يتعلق بالأقلية الكردية, طالما يحافظ الأكراد على ولائهم للجمهورية التركية. ولهذا, فإن العثمانية الجديدة تفضل التعايش مع المطالب الكردية لنيل الحقوق الثقافية والسياسية، في إطار من التعددية الثقافية, والهوية الإسلامية.

(هـ) إن العثمانية الجديدة ـ على عكس الغلاة الكماليين الذين يصرون على تذويب الأكراد في التركية ـ تسمح للإسلام بلعب دور أكبر في مجال بناء حس الهوية المشتركة، ويصبح الإسلام قاسماً مشتركاً حاسماً بين الأتراك وبين الأكراد.

(2) العامل الثاني: استبعاد الشعور العظمة في السياسة الخارجية

يتم استبعاد شعور العظمة من خلال الآتي:

(أ) تنظر العثمانية الجديدة إلى تركيا كقوة عظمى إقليمية, ومن ثم، فإنها ترى ضرورة اضطلاع تركيا، بصفتها دولة محورية، بدور سياسي واقتصادي فعال للغاية في منطقة كبيرة, تمثل تركيا فيها المركز, ولكن دون إحساس الآخرين بعظمة الإمبراطورية العثمانية القديمة.

(ب) يسمح التصور الجديد, على الرغم من طموحه، بفكرة الحقوق الثقافية الكردية, وإعطاء الإسلام مزيداً من الفضاء السياسي، إضافة إلى السماح للسياسة الخارجية بالانفتاح التركي, أو الإسلامي على منطقة الشرق الأوسط, على عكس السياسة الخارجية الكمالية, التي تشدد بقوة على الحفاظ على الأمر الواقع, وعلى مواجهة خطر الانفصالية الكردية.

(3) العامل الثالث: الانفتاح على الغرب بقدر الانفتاح نفسه على العالم الإسلامي

إن الإرث الأوروبي ـ الذي لقب السلطنة العثمانية “برجل أوروبا المريض” ـ ليس له أهمية كبيرة لدى العثمانيين الجدد، فهم منفتحون على الغرب, مثلما هم أولو صلة وثيقة بالإرث الإسلامي؛ الأمر الذي يغيب عن غلاة الكماليين, الذين يرون الإسلام, والتعددية الثقافية, والليبرالية أعداءً للثورة الكمالية.

ب. الاختلافات بين العثمانية الجديدة والعقيدة الكمالية

نخلص مما سبق، إلى أن هناك اختلافات بينة واضحة بين العثمانية الجديدة وبين العقيدة الكمالية، يمكن رصدها في الآتي:

(1) تؤيد العثمانية الجديدة انتهاج سياسة إقليمية طموحة في منطقة الشرق الأوسط وخارجها، في حين تتبنى الكمالية سياسة متواضعة, وحذرة.

(2) تحبذ العثمانية الجديدة التعددية الثقافية, والعلمانية الليبرالية، بينما تفضل الكمالية التدابير الصارمة ضد الهوية الكردية.

(3) ترفض الكمالية بشدة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي, وقيام علاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية، بينما تسعى العثمانية الجديدة سعياً حثيثاً إلى الحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي, وإلى إقامة علاقات إستراتيجية جيدة مع الولايات المتحدة الأمريكية.

4. مدى تلبية تركيا لشروط الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي

أ. التعديلات الدستورية

شهد دستور عام 1982, أربعة عشر تعديلاً حتى الآن, تركزت في غالبها على تعزيز وترسيخ الحقوق والحريات الأساسية, وتطوير وتوطيد الديموقراطية في الدولة التركية, والتي من أهمها الآتي:

(1) إلغاء عقوبة الإعدام, ومحاكم أمن الدولة.

(2) ضمان حرية الصحافة.

(3) وضع الاتفاقيات الدولية المبرمة في مجال الحريات وحقوق الإنسان موضع التنفيذ, واعتبار أنها تعلو على التشريعات الوطنية.

(4) حماية المواطن التركي بعدم تسليمه إلى أية دولة أجنبية، إلا إذا قررت محكمة العدل الدولية ذلك.

(5) أن يُنتخب رئيس الجمهورية من قبل الشعب مباشرة.

ب. تقرير المائدة المستديرة للأعمال التركية

يعرض التقرير الذي صدر مؤخراً عن “المائدة المستديرة للأعمال التركية”، تحليلاً عميقاً حول تقدم تركيا نحو رعاية “نظاماً ديمقراطياً أكثر عمقاً, ونظاماً اقتصاديا أكثر قوة, وهيكلاً اجتماعيا أكثر استقرارا”، في إطار تلبية شروط الانضمام إلى عضوية الاتحاد الأوروبي “معايير كوبنهاجن”. ويضع التقرير الخطوط العريضة للإصلاحات التي يراها تتبلور في المجتمع التركي, ويبرز منها الآتي :

(1) تطوير النظام الديموقراطي، سواءً في النظام البرلماني, أو الإدارة العامة (الحكومة وأجهزتها), أو النظام القضائي, أو حقوق الإنسان.

(2) تقوية النظام الاقتصادي, من خلال ارتفاع معدلات نمو التنمية المستدامة, وزيادة الإنتاج, وتنامي منافسة السوق الحرة, والإجراءات الاستثمارية الجاذبة, وتهذيب الاقتصاد غير الرسمي (تدعيم القطاع الخاص), وعمليات خصخصة القطاع العام, وغيرها .

(3) التطوير في الهيكل الاجتماعي في مجالات التعليم, وسوق العمل, والمساواة الاجتماعية.

(4) تنفيذ الحكومة الإلكترونية في مجالات الرعاية الصحية, ونظام التعليم, والخدمات القانونية, والخدمات العامة, والتجارة الإلكترونية, وغيرها.

(5) تخفيف القيود على حرية الفكر والرأي والتعبير.

(6) عدم اضطهاد الأكراد, والسماح بتدريس اللغة الكردية في المدارس.

ج. إجراءات إعادة هيكلة المؤسسات والتشريعات الدستورية والقانونية

استكمالا لما سبق, اتخذت الحكومة التركية الحالية إجراءات جادة محددة وواضحة، نحو إعادة هيكلة مؤسسات تركيا, وتشريعاتها الدستورية والقانونية، للتواؤم مع “معايير كوبنهاجن”؛ الأمر الذي يبرز من الآتي:

(1) صياغة عدد من القوانين الجديدة، التي يتم بمقتضاها إجراء تعديلات دستورية أو قانونية, وأطلق عليها “حزم قانونية للتواؤم مع الاتحاد الأوروبي”, وبلغ مجموعها سبع حزم قانونية.

(2) إعادة تنظيم مجلس الأمن القومي التركي دستورياً, وفقاً لمعايير الاتحاد الأوروبي, وتحويله إلى مؤسسة استشارية في خدمة الحكومة. وقد أدى ذلك إلى الحد من دور المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية التركية, وذلك من خلال تقليص وضعها الدستوري والقانوني, بما يلغى هيمنتها على مجلس الأمن القومي.

د. الاستفتاء التركي على التعديلات الدستورية

(1) أجرى، يوم 12 سبتمبر 2010، استفتاء شعبياً على تعديل الدستور التركي, بنسبة مشاركة بلغت (77%) من أصل (55) مليون تركي مؤهلين للتصويت, والذي انتهى إلى تصويت الشعب التركي بنسبة (58%) لصالـح إقرار الإصلاحات الدستورية, والتي تشتمل على (26) مادة, من أهمها الآتي:

(أ) جعل المؤسسة العسكرية عرضة للمساءلة أمام القضاء المدني.

(ب) منح موظفي المؤسسات الحكومية الحق في العصيان المدني.

(ج) رفع الحصانة عن رجال انقلاب عام 1980.

(د) منح البرلمان سلطات أوسع في تعيين القضاة, بما يشكل مؤشراً على إضعاف المؤسسة القضائية.

(2) على الجانب الآخر, تصاعدت مخاوف المعارضة (42% من نسبة الاستفتاء) من التداعيات الآتية:

(أ) تراجع العلمانية التركية.

(ب) تعرض استقلالية القضاء التركي للخطر.

(3) أعلنت وسائل الإعلام العالمية عن الإشادة الدولية, والأوروبية بالنتائج الإيجابية للاستفتاء التركي على إجراء إصلاحات قانونية ودستورية, والذي يمثل انتصارا للديموقرطية التركية, وتحولاً جديداً في تاريخها, يكون من شأنه دعم فرص تركيا للانضمام إلى عضوية الاتحاد الأوروبي.

 

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى